موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ٧

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي

موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ٧

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: أضواء الحوزة ـ لبنان
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٢٠

عهد

الإمام الكاظم عليه‌السلام

٣٨١
٣٨٢

إمامة الكاظم عليه‌السلام والأفطح :

نقل الصدوق عن الصادق عليه‌السلام في ابنه عبد الله الأفطح : إنّه ليس على شيء مما أنتم عليه! فأنا أبرأ منه! برئ الله منه (١)! ولذا لما دخل عليه يوماً وهو يحدث أصحابه سكت حتّى خرج فسُئل عن ذلك فقال : أو ما علمتم أنّه من المرجئة؟! بل قال فيه يوماً : هذا مرجئ كبير! وفسّر المفيد المرجئة هنا قال : الذين يقفون في عثمان وعلي عليه‌السلام (٢) وقال فيه في «الإرشاد» : كان يميل إلى مذاهب المرجئة ، وزاد : وكان يخالط الحشوية (٣).

__________________

(١) الاعتقادات للصدوق : ١١٣.

(٢) الفصول المختارة : ٣١٢ وفيه «يقعون في عليّ وعثمان» والصحيح ما أثبتناه. وفي فرق الشيعة : ٦ : المرجئة : القائلون بأن أهل القبلة كلّهم مؤمنون بإقرارهم الظاهر بالإيمان.

(٣) الإرشاد ٢ : ٢١٠ ، وفي فرق الشيعة : ١٥ : الحشوية : هم الذين يتولون علياً وطلحة والزبير ويخطّئون حربهم ويردون أمرهم إلى الله ، ويصوّبون قعود القاعدين عنهم.

٣٨٣

وقد مرت أخبار انتصاره لمحمد بن عبد الله الحسني وخروجه معه ، ثمّ اختفائه حتّى علم عدم الطلب عليه فظهر. وبعد وفاة الصادق عليه‌السلام صار كما أخبر به يدّعي الإمامة ، فلم ينازعه الكاظم عليه‌السلام.

وروى الكليني بسنده عن هشام بن سالم الجواليقي : أن المنصور الدوانيقي كان قد عيّن له عيوناً جواسيس بالمدينة ينظرون من تتّفق عليه شيعة جعفر عليه‌السلام فيضربون عنقه! هذا وقد اجتمع الناس على عبد الله بن جعفر الأفطح على أنّه صاحب الأمر بعد أبيه ؛ لأنهم رووا عن أبيه الصادق عليه‌السلام : «أن الأمر في الكبير ما لم تكن به عاهة!».

قال هشام : فاتّفقت أنا وصاحب الطاق (محمّد بن علي الأحول الصرّاف الكوفي ، فلعلّهم التقوا في ذي القعدة لموسم الحج) فدخلنا على عبد الله الأفطح نسأله عما كنّا نسأل عنه أباه.

فسألناه عن الزكاة في كم تجب؟ فقال : في مئتين خمسة. فقلنا : ففي مئة؟ قال : درهمان ونصف (١)! فخرجنا من عنده ضُلّالاً وقعدنا باكين حيارى لا ندري إلى أين نتوجه ولا من نقصد ، ونقول : إلى الخوارج؟ إلى المرجئة؟ إلى الزيدية؟ إلى المعتزلة؟ إلى القدرية؟ (ولا نجد اسمهما فيمن روى نصّ الصادق على الكاظم عليهما‌السلام) فنحن كذلك إذ رأيت رجلاً شيخاً لا أعرفه يومي إليّ بيده ، فخفت أن يكون عيناً من عيون المنصور فقلت للأحول : هذا إنّما يريدني وإني خائف على نفسي وعليك فتنحّ عنّي لا تعين على نفسك فتهلك! فتنحّى عنّي. وقمت فتبعت الشيخ وقد عزمت على الموت ، وذلك أني ظننت أني لا أقدر على الخلاص منه.

فما زلت أتبعه حتّى ورد بي على باب دار وخلّاني ومضى ، فإذا خادم بالباب فقال لي : ادخل رحمك الله ؛ فدخلت فإذا أبو الحسن موسى عليه‌السلام فابتدأني

__________________

(١) بل المئتان أول نصاب ولا نصاب للزكاة قبلها ، وإنّما قال بها الأفطح قياساً خلافاً للإجماع.

٣٨٤

قائلاً : لا إلى الخوارج ، ولا إلى المرجئة ولا إلى الزيدية ولا إلى المعتزلة ولا إلى القدرية ، إليّ إليّ.

فقلت له : جعلت فداك ، مضى أبوك فمن لنا بعده؟ وإن عبد الله (أخاك) يزعم أنّه هو من بعد أبيه؟ قال : إن عبد الله يريد أن لا يُعبد الله! فقلت : فمن لنا بعد أبيك؟ فأنت هو؟ أم عليك إمام؟ قال : لا! فداخلني من هيبته أكثر من ما كان يحلّ بي من أبيه! فقلت له : جعلت فداك ، أسألك عمّا كنت أسأل أباك؟ قال : سل تُخبر ولا تُذع فإن أذعت فهو الذبح! فقلت جعلت فداك ، إن شيعة أبيك ضُلّال ، فالقي إليهم وأدعوهم إليك؟ قال : من آنست منه رشداً فألقِ إليه وخذ عليه الكتمان ، فإن أذاعوا فهو الذبح! وأشار إلى حلقه! فخرجت من عنده.

فلقيت أبا جعفر الأحول فقال لي : ما وراءك؟ فحدثته بالقصّة ، ثمّ لقينا أبا بصير الكوفي والفضيل بن يسار البصري (فدللناهما عليه) فدخلا عليه وسألاه وسمعا كلامه فقطعا عليه بالإمامة. ثمّ لقينا أفواجاً من «الشيعة» فكل من دخل عليه قطع عليه بالإمامة.

وقلّ دخول الناس على عبد الله الأفطح فسأل عن ذلك فاخبر : أن هشاماً الجواليقي صدّهم عنك! فأقعد لي غير واحد في المدينة ليضربوني (١)!

تحيّر المأمور وشيعة نيشابور :

عُرف انتشار التشيع لأهل البيت في خراسان عامة ، والآن لأول مرّة

__________________

(١) أُصول الكافي ١ : ٣٥١ ـ ٣٥٢ ، الحديث ٧ ، وعنه في الإرشاد ٢ : ٢٢١ ـ ٢٢٣ ، وسها قلم المفيد في آخره فذكر زرارة بدلاً عن أبي بصير ، وعلّق عليه المجلسي في بحار الأنوار ـ ط. حجر ـ قال : ذكر زرارة هنا غريب ، إذ غيبته عن المدينة معروفة.

٣٨٥

في الأخبار نقف على الشيعة الجعفرية في نيشابور خاصّة ؛ وتسرّى التحيّر فيهم بعد الصادق عليه‌السلام :

روى الراوندي عن داود بن كثير بن أبي خالدة الرقي الكوفي الأسدي مولاهم (١) أن وافداً من خراسان (٢) ورد إلى الكوفة وزار أمير المؤمنين علياً عليه‌السلام ، فروى الرقي عنه : أن جماعة من أهل خراسان اجتمعوا وسألوه أن يحمل لهم مسائلهم عن فتاوى ومشاورات وأموالاً ومتاعاً إلى الإمام بالمدينة (الصادق عليه‌السلام) وفيها منديل ودرهم من امرأة تسمى شطيطة. فلمّا زار مرقد علي عليه‌السلام رأى في ناحيته جماعة وجدهم من متفقهة الشيعة حول شيخ يسمعون منه ، وسألهم عنه فقالوا : هو أبو حمزة الثمالي. قال : فبينا نحن جلوس إذ أقبل أعرابي قال : جئت من المدينة وقد مات جعفر بن محمّد. فسأله أبو حمزة : هل سمعت له بوصية؟ قال : أوصى إلى ابنه عبد الله ، وإلى ابنه موسى ، وإلى المنصور! ففسّر أبو حمزة ذلك وأ نّه عليه‌السلام دلّ بذلك على الصغير (موسى) وستر الأمر بالمنصور (٣)!

إلّا أنّ الخراساني قال : لم أفهم ما قال حتّى وردت المدينة وسألت عن وصيّ الصادق عليه‌السلام فقيل لي : ابنه عبد الله ، فقصدته فوجدت باباً مكنوساً مرشوشاً عليه بوّاب ، فاستأذنت وبعد إذنه دخلت فإذا عبد الله على منصّة! فسألته : أنت وصيّ الإمام المفترض الطاعة؟ قال : نعم!

__________________

(١) رجال الطوسي : ٣٤٩ في أصحاب الكاظم عليه‌السلام.

(٢) كذا في هذا الخبر المختصر بالنسبة إلى مفصّله ومطوّله عن أبي علي الحسن بن راشد البغدادي في مناقب آل أبي طالب ٤ : ٣١٥ وفيه : الشيعة في نيشابور ، واسم الرسول الوافد : محمّد بن علي النيشابوري.

(٣) وقد مرّ الخبر إلى هنا في وفاة الصادق عليه‌السلام.

٣٨٦

فسألته : كم الزكاة في المئتين من الدراهم؟ قال : خمسة. قلت : فكم في المئة : قال : درهمان ونصف! فسألته : عن رجل طلّق امرأته بغير شهود وقال : بعدد نجوم السماء؟ قال : يقع الطلاق ثلاثاً بعدد الجوزاء! ثمّ قال لي : احمل ما معك! فقلت : ما معي شيء! وخرجت إلى قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ثمّ رجعت إلى بيتي. ذلك لأ نّه لم يفهم تفسير الثمالي. قال : فإذا بغلام واقف سلّم عليَّ وقال : أجب من تريده ، فجاء بي حتّى أدخلني على موسى بن جعفر عليه‌السلام وكان على حصير الصلاة ، كنّاني بأبي جعفر وأجلسني قريباً ، فرأيت دلائله أدباً وعلماً ومنطقاً ، ثمّ قال لي : ألم يقل لك أبو حمزة بظهر الكوفة كذا وكذا ، فحينئذٍ فهمت وقلت : نعم ، فقال : كذلك المؤمن إذا نوّر الله قلبه كان علمه على وجهه (أي صحيحاً) ، ثمّ قال : قُم إلى ثقات أصحاب الماضي (الصادق عليه‌السلام) فسلهم عن نصّه (عليَّ) ثمّ احمل إليّ ما معك.

قال : فلقيت منهم جماعة كثيرة شهدوا بالنصّ على موسى عليه‌السلام. ثمّ حملت ما معي إلى حضرته ، فأومى بيده إلى كيس وقال لي : افتحه ، ففتحته ، فقال لي : اقلبه. فقلّبته حتّى ظهر الدرهم المعوج لشطيطة ، فأخذه ثمّ قال : افتح الرزمة ففتحتها ، فأخذ منها منديلها ، وحين أعطتنيه قالت : (اللهُ لَايَسْتَحْيِ مِنْ الْحَقِّ (١)) فكذلك قال عليه‌السلام ، ثمّ قال : يا أبا جعفر ، اقرأ على شطيطة منّي السلام. ثمّ دفع إليّ صرة فيها دراهم وقال : وادفع إليها هذه الصرة ، واردد ما معك إلى أهله وقل لهم : قد قبله ووصلكم به.

يظهر من الخبر : أن الخراساني أخبر بهذا داود الرقي في طريقه إلى خراسان ، وكأنّ الرقّي توقع منه أن يكاتبه بما يكون في خراسان بل نيشابور ، قال : كاتبني من خراسان : أنّه وجد جماعة ممّن حمّلوه المال قد ضلوا بدعوى

__________________

(١) الأحزاب : ٥٣.

٣٨٧

الأفطح ، إلّاأن شطيطة بقيت تتوقع عودته فهي على أمرها! قال : فلمّا رأيتها أقرأتها سلام مولانا عليها وقبوله منها دون غيرها وسلّمت إليها الصرة فجعلْتها لتجهيزها وكفنها ، وماتت بعد ثلاثة أيام (١).

زرارة يبحث عن إمامه :

ذكر الطوسي : أن سُنسُن كان من رهبان الروم (٢) ولعلّه كان في عسكرهم فاسر وانتهى رقّه هو أو ابنه أعيَن إلى رجل من بني شيبان بالكوفة ، وكان أعيَن مسلماً وتعلّم القرآن فأعتقه مولاه ، وعرض عليه أن يُلحقه بنسبه ، فأبى وبقي على ولائه. وأبناؤه : بُكير وحُمران ، وزُرارة ، وضُريس ، وعبد الرحمن وعبد الله وعبد الملك. وأبناء زُرارة : الحسن والحسين ورومي! وعبد الله وعُبيد ويحيى (٣).

وكان حُمران وزرارة قبل أن يروا أمر أهل البيت عليهم‌السلام من تلامذة الحكَم بن عُتيبة الكوفي مولى كندة ، المتوفى (١١٥ ه‍) (٤) ويظهر من خبر أن الحكَم كان معترفاً بعلم علي عليه‌السلام وروى لهم عن علي بن الحسين عليه‌السلام : أن علم علي عليه‌السلام في آية من القرآن. ثمّ كتمهم الآية ، وكان حُمران أسبقهم إلى كشف ذلك عن الباقر عليه‌السلام فقال : إن مثَل علي مثَل صاحب موسى وصاحب سليمان ، وليس رسولاً ولا نبيّاً ، وإنّما هو محدَّث (٥).

__________________

(١) الخرائج والجرائح ١ : ٣٢٨ ـ ٣٣١ ، الحديث ٢٢.

(٢) الفهرست : ١٤١ ، ط. الهند.

(٣) الفهرست : ١٤١ ـ ١٤٢ ، ط. الهند.

(٤) اختيار معرفة الرجال : ٢١٠ ، الحديث ٣٧٠ وتاريخ الوفاة من المعارف : ٤٦٤.

(٥) اختيار معرفة الرجال : ٧٧ ، الحديث ٣٠٥ ، وبصائر الدرجات ، الباب ٥ ـ ٦ ، الحديث ٧ بالمعنى.

٣٨٨

وكأنّه عليه‌السلام زاد : وإن الأوصياء محدَّثون ، فعاد حُمران إلى الحكَم وأخبره بذلك ، وبلغ خبرهما إلى الباقر عليه‌السلام ، فلمّا حجّ زرارة وهو شاب أمرد فدخل سرادق أو فسطاط الباقر عليه‌السلام وهو يحتجم فقصده وسلّم عليه فردّ عليه‌السلام فسأله : أمِن بني أعيَن أنت؟ قال : نعم أنا زرارة بن أعيَن! قال : إنّما عرفتك بالشبَه! أحجّ حُمران؟ قلت : لا ، وهو يقرئك السلام ، قال : فإذا لقيته فاقرأه مني السلام وقل له : لِمَ حدّثت الحكم بن عتيبة عني : أن الأوصياء محدّثون! لا تحدّثه وأشباهه بمثل هذا الحديث (١)!

فزرارة إنّما روى هكذا عن السجّاد عليه‌السلام بواسطة الحكم والتبس الأمر على الطوسي فقال : لهم روايات عن علي بن الحسين والباقر والصادق عليهم‌السلام نذكرهم في كتاب الرجال (٢) وذكرهم فيه كذلك بينما مرّ في هذا الخبر أنّه كان شاباً أمرد حين التقى بالباقر عليه‌السلام ، فبعيد أن يكون راوياً من قبل عن أبيه عليه‌السلام وبعد الباقر كان لدى الصادق عليه‌السلام وعنده عمّه زيد بن علي فقال له : يا فتى! ما تقول في من استنصرك من آل محمّد؟ فقال له : إن كان مفروض الطاعة نصرته وإلّا فلا أن أفعل ولي أن لا أفعل (٣).

ومع وفرة أخبار الصادق في المهدي عليهما‌السلام لم أقف على خبر لزرارة عن الصادق عليه‌السلام صريح في تأخّر المهدي عليه‌السلام عن عصره ، ولذا روى الكشي عن العياشي بسنده عن ابن مُسكان عن زرارة أنّه سأل الصادق عليه‌السلام : إن كان هذا الأمر قريباً صبر (الرجل) حتّى يخرج مع القائم ، وإن كان فيه تأخير ... فقال عليه‌السلام :

__________________

(١) اختيار معرفة الرجال : ١٧٨ ، الحديث ٣٠٨ ، وانظر وقارن : ١٧٩ ، الحديث ٣١٢ ولا يتنافى هذا مع أن يكون حُمران بدوره إنّما سبق آل أعين إلى المعرفة بالإمامة عن طريق أبي خالد الكابلي كما في رسالة في آل أعيَن للأبطحي : ٢٧ وأن تكون سبقتهم اختهم ام الأسود من جهة الكابلي كذلك أيضاً : ٢١.

(٢) الفهرست : ١٤٣ ، ط. الهند.

(٣) اختيار معرفة الرجال : ١٥٢ ، الحديث ٢٤٨.

٣٨٩

يكون إن شاء الله! فقال زرارة : إلى سنة؟ قال : يكون إن شاء الله! قال : إلى سنتين؟ قال : يكون إن شاء الله! فوطّن زرارة نفسه على أنّه يكون إلى سنتين (١)! وفي خبر آخر روى عن هشام بن سالم الجواليقي عن زرارة قال له : لا ترى على أعوادها غير جعفر! قال : فلمّا توفي الصادق عليه‌السلام خفت أن يجحدنيه فأتيته وذكّرته به فقال : والله إني ما كنت قلت ذلك إلّابرأيي (٢).

وفي وفاة إسماعيل بن الصادق عليه‌السلام مرّ خبر النعماني عن زرارة قال : دخلت عليه وعن يمينه سيّد ولده موسى ، وقدّامه جسد مغطّى عليه ، فقال لي : يا زرارة جئني بأخيك حُمران وأبي بصير وداود الرقي ، فأحضرت من أمرني بإحضاره ، ودخل المفضل بن عمر ، ولم يزل الناس يدخلون واحداً إثر واحد حتّى صرنا في البيت ثلاثين رجلاً .. فلمّا وضع إسماعيل في لحده أشهد من حضر على موته ثمّ قال : اللهم اشهد واشهدوا فإنّه سيرتاب المبطلون! ثمّ تلا قوله سبحانه : (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ) ثمّ أومى إلى ابنه موسى وتلا : (وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (٣)) ثمّ أخذ بيد موسى وقال : هذا هو الحق والحق معه ، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. ثمّ ذكر النعماني طرق الخبر وزاد من طريق الحسن بن منذر قوله عليه‌السلام : والله ليظهرن عليكم صاحبكم وليس في عنقه لأحد بيعة ، ولا يظهر صاحبكم حتّى يشك فيه أهل اليقين! ثمّ تلا قوله سبحانه : (قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ* أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ (٤)).

__________________

(١) اختيار معرفة الرجال : ١٥٨ ، الحديث ٢٦١.

(٢) اختيار معرفة الرجال : ١٥٦ ، الحديث ٢٥٨.

(٣) الصف : ٨.

(٤) سورة ص : ٦٧ ـ ٦٨ ، والخبر في كتاب الغيبة للنعماني : ٢٢٧ ـ ٢٢٨ ، وأرسله الحلبي في مناقب آل أبي طالب ١ : ٣٢٧ في الإمامة والرد على السبعية الإسماعيلية.

٣٩٠

وقد مرّ أن وفاة إسماعيل كان عام (١٤٢ ه‍) أي قبل وفاة الصادق عليه‌السلام بستّ سنين ، وعليه فزرارة مطّلع على النصّ على الكاظم عليه‌السلام من يومئذ. وهذا النصّ أخرجه النعماني في كتابه «الغيبة» معاصراً للصدوق بل ومتقدماً عليه بشيء ، إلّا أنّه كان في حلب من الشام ، فهل خفي ذلك على مثل الصدوق حتّى قال في «كمال الدين» : «فأما زرارة فإنّه ... لم يكن سمع بالنصّ على موسى عليه‌السلام بحيث يقطع الخبر عذره».

وإنّما اعتذر بذلك عن زرارة ردّاً على اعتراض من الزيدية أورده الصدوق ، قالوا : لو كان خبر «الأئمة اثنا عشر» صحيحاً ، لما كان الناس بعد الصادق يشكّون في الإمامة حتّى قال بعضهم بعبد الله وبعضهم بإسماعيل ، وبعضهم تحيّر ... ولم يعرفوا أن إمامهم موسى عليه‌السلام وفي هذه المدّة مات فقيههم زرارة وهو يقول والمصحف على صدره : اللهم إني أئتمّ بمن أثبت إمامته هذا المصحف!

فقال الصدوق : نحن لم ندّع أن جميع الشيعة عرف في ذلك العصر الأئمة الاثني عشر بأسمائهم ، وإنّما قلنا : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أخبر أن الأئمة بعده الاثنا عشر الذين هم خلفاؤه. وأن علماء الشيعة قد رووا هذا الحديث بأسمائهم ، ولا يُنكر أن يكون فيهم واحد أو اثنان أو أكثر لم يسمعوا بالحديث. فأما زرارة .. وهل يفعل الفقيه المتدّين عند اختلاف الأمر عليه إلّاما فعله زرارة؟!

ثمّ روى بسنده عن إبراهيم بن محمّد الهمداني قال : قلت للرضا عليه‌السلام : يابن رسول الله ، أخبرني عن زرارة هل كان يعرف حقّ أبيك؟ قال : نعم. قلت : فلِم بعث ابنه عُبيد بن زرارة ليعرف إلى من أوصى الصادق عليه‌السلام؟! فقال عليه‌السلام : إنّ زرارة كان يعرف أمر أبي ونصّ أبيه عليه (مما يؤيد خبر النعماني ويردّ نفي الصدوق) وإنّما بعث ابنه ليتعرّف من أبي : هل يجوز له أن يرفع التقية في إظهار أمره ونصّ أبيه عليه (كذلك أيضاً) وإنّه لما أبطأ عنه ابنه وطلب بإظهار قوله في أبي

٣٩١

لم يحب أن يقدم على ذلك دون أمره ، فرفع المصحف وقال : اللهم إنّ إمامي من أثبت هذا المصحف إمامته من ولد جعفر بن محمّد عليهما‌السلام (١).

فلعلّه بلغه ما بلغ معاصره أبا حمزة الثمالي عند مرقد علي عليه‌السلام من وصية الصادق عليه‌السلام إلى الخمسة ، فتوصّل بذلك إلى مدى تقية الإمام عليه‌السلام في ذلك ، وهنا يعود إلى الذاكرة ما ذكره الصدوق قال : وهل يفعل الفقيه المتدين عند «إبهام» الأمر عليه إلّاما فعله زرارة؟!

بل إنّما هذا هو المردّ الوحيد لحمل فعل زرارة الفقيه على الصحيح ، وإلّا فحتّى بغضّ الطرف عن خبر النعماني ، وخبر الصدوق عن الرضا صلى‌الله‌عليه‌وآله المؤيد له.

ففي باب النصّ على أبي الحسن موسى عليه‌السلام في «الكافي» نجد ست عشر خبراً ليس فيها خبر عن زرارة بل عن آل أعيَن ، إلّاأن أكثر من عشرة منها عن الكوفيين : ثلاثة عن الفيض بن المختار الجعفي (مولاهم) الكوفي : الخبر الأول والتاسع والأخير ، واثنان منها عن المفضل بن عمر الجعفي (مولاهم) الكوفي ، الخبر الرابع والثامن ، واثنان منها عن صفوان بن مهران الجمال الأسدي (مولاهم) الكوفي ، الخبران ٦ و ١٥ ، والأخير يشمل منصور بن حازم الكوفي أيضاً ، والخبر الثالث عن عبد الرحمن بن الحجّاج الكوفي ، والخبر ١١ عن يعقوب السرّاج الكوفي ، والخبر ١٢ عن سليمان بن خالد الكوفي الكندي مولاهم الأقطع (٢) فهؤلاء سبعة كوفيين رواة النصوص على الكاظم عليه‌السلام ، فكيف خفيت على زرارة ومن حوله ومن حضره منهم؟!

نعم روى الكشي بسنده عن إسماعيل بن عامر الكوفي أنّه لما دخل على

__________________

(١) كمال الدين : ٧٤ ـ ٧٥.

(٢) أُصول الكافي ١ : ٣٠٧ ـ ٣١١.

٣٩٢

الصادق عليه‌السلام وعدّد لديه أئمته حتّى انتهى إليه قال له : وإسماعيل من بعدك! فقال له : أما ذا فلا! وروى إسماعيل ذلك لحمّاد بن عثمان فسأله : ما دعاك إلى ذلك؟ قال : أمرني به المفضّل بن عمر (١)!

إلّا أن الكشيّ روى عن حمّاد هذا : أن المفضّل كان قبل قتل أبي الخطاب وأصحابه يقول معهم بذلك! فلمّا عاتبه الصادق عليه‌السلام على ذلك عتاباً أكيداً شديداً عاد عن ذلك (٢) حتّى أنّه لما مات إسماعيل عزّاه الصادق به (٣) وبعده روى عن الكاظم عليه‌السلام (٤) وكان بابه (٥) بل وكيلاً عنه كما كان قبله وكيلاً عن أبيه الصادق عليه‌السلام بعد مقتل أبي الخطاب ، كما مرّ.

ومن وكالته عن الكاظم عليه‌السلام : ما رواه الطوسي عن موسى بن بكير خادم الكاظم قال : لم أكن أرى شيئاً يصل إليه إلّامن ناحية المفضّل ، ولربما رأيت الرجل يجيء بالشيء فيقول له : أوصله إلى المفضّل. منهم هشام الأحمر قال : حملت أموالاً إلى المدينة إلى الكاظم عليه‌السلام فقال لي : ردّها فادفعها إلى المفضّل بن عمر ، فرددتها حتّى حططتها على بابه (٦).

هذا ، وقد وضح الصبح لذي عينين حسب الخبر السابق عن هشام الجواليقي بعد حدود شهر واحد من وفاة الصادق عليه‌السلام لموسم الحجّ لتلك السنة (١٤٨ ه‍) ولأوائل سنة (١٤٩ ه‍) مات الأفطح ، كما في خبره. وقد أرّخ النجاشي

__________________

(١) اختيار معرفة الرجال : ٣٢٥ ، الحديث ٥٩٠.

(٢) اختيار معرفة الرجال : ٣٢١ ، الحديث ٥٨١.

(٣) أُصول الكافي ٢ : ٩٢ ، الحديث ١٦ باب الصبر.

(٤) رجال الطوسي : ٣٦٠ برقم ٢٣.

(٥) مناقب آل أبي طالب ٤ : ٣٥٠.

(٦) الغيبة للطوسي : ٣٤٧ ، الحديث ٢٩٨ ـ ٢٩٩.

٣٩٣

وفاة زرارة بسنة (١٥٠ ه‍) (١) إلّا أنّ الكشي نقل عن ابن قولويه عن أصحاب زرارة قالوا : توفي أبو عبدالله عليه‌السلام وزرارة مريض ثمّ مات في مرضه ذلك بعده بشهرين (٢).

وفيه عنه بسنده إلى علي بن يقطين قال : لما كانت وفاة أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام اختلف الناس فقال قائل بعبد الله بن جعفر وقال قائل بأبي الحسن (الكاظم عليه‌السلام). فدعا زرارة ابنه عُبيداً وقال له : يا بني ، الناس مختلفون في هذا الأمر فشد راحلتك وامضِ إلى المدينة حتّى تأتيني بصحّة هذا الأمر! فشدّ راحلته ومضى إلى المدينة ، واعتلّ زرارة (٣). فهل نقول : اختلفت حالته لاختلاف الناس؟!

وفيه عن العياشي بسنده عن عمّة زرارة قالت : لما اشتدّ به الأمر قال لي : ناوليني المصحف ، فناولته وفتحته فوضعته على صدره ، فأخذه بيده وقال لي : يا عمّة ، اشهدي أن ليس لي إمام غير هذا الكتاب (٤)!

ولكنّه روى بسنده عن جميل بن درّاج قال : حضره جماعة فحكوا لي أنّه دعا بالمصحف فقبّله ووضعه على صدره وقال : اللهم إنّي ألقاك يوم القيامة وإمامي من بيّنت له في هذا المصحف إمامته ، اللهم إنّي أحلّ حلاله واحرّم حرامه واومن بمحكمه ومتشابهه وناسخه ومنسوخه وخاصّه وعامّه ، على ذلك أحيا وعليه أموت إن شاء الله (٥) اللهم إني مصدق بما جاء به نبيّك محمّد فيما أنزلته عليه

__________________

(١) رجال النجاشي : ١٧٥ برقم ٤٦٣.

(٢) اختيار معرفة الرجال : ١٤٢ ـ ١٤٣ ، الحديث ٢٢٣.

(٣) اختيار معرفة الرجال : ١٥٣ ، الحديث ٢٥١.

(٤) اختيار معرفة الرجال : ١٥٦ ، الحديث ٢٥٦.

(٥) اختيار معرفة الرجال : ١٥٤ ، الحديث ٢٥٢.

٣٩٤

وبيّنته لنا على لسانه ، وإني مصدّق بما أنزلته عليه في هذا المصحف الجامع ، وإن عقيدتي وديني هو ما بيّنته في كتابك وما يأتيني به ابني عُبيد ، فإن أمتّني قبل ذلك فهذه شهادتي على نفسي وإقراري بما يأتي به ابني عُبيد ، وأنت الشهيد بذلك عليَّ! ثمّ مات زرارة ، ثمّ قدم عُبيد.

فقصدناه لنسلّم عليه ، فسألوه عن الذي قصده فأخبرهم : أنّ صاحبهم أبو الحسن الكاظم عليه‌السلام (١).

فذكر محمّد بن حكيم ذلك للكاظم عليه‌السلام فقال : إني لأرجو أن يكون زرارة ممن قال الله تعالى فيهم : (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ (٢)).

وأما إخوة زرارة : بكير وحُمران وعبد الرحمن وعبد الملك فلم يتمالكوا دون أن هلكوا في زمن الصادق عليه‌السلام (٣) وعلى ما مرّ فما روي عن الصادق عليه‌السلام من الترحّم على زرارة لا يُحمل على موته قبله (٤).

تحرش استاد شيش بخراسان :

في سنة (١٤٩ ه‍) فرغوا من بناء بغداد (٥) وخرج استادشيش بخراسان (٦)

__________________

(١) اختيار معرفة الرجال : ١٥٣ ، الحديث ٢٥١.

(٢) اختيار معرفة الرجال : ١٥٦ ، الحديث ٢٥٥. والآية ١٠٠ من سورة النساء.

(٣) اختيار معرفة الرجال : ١٦١ ، الحديث ٢٧٠.

(٤) اختيار معرفة الرجال : ١٣٦ ، الحديث ٢١٧.

(٥) تاريخ الخلفاء للسيوطي : ٣١٧.

(٦) تاريخ خليفة : ٢٧٩.

٣٩٥

وخرجت معه جيوش خراسان عن الطاعة ، واستولى بهم على أكثر مدنها ، واستفحل الشر واشتدّ الأمر على المنصور وعظم الخطب. وكان أجشم المروزي على من تبقى من جيوش خراسان فقابله وقاتله فقُتل أجشم واستبيح معسكره.

فجهّز المنصور لحربه خازم بن خزيمة في جيش عرمرم يسدّ الفضاء! وبلغ ضريبة الجيش الخراساني ثلاثمئة ألف مقاتل فارس وراجل!

فالتقى الجمعان وصبر الفريقان حتّى قيل قتل فيها سبعون ألفاً من الفئتين ، واسر منهم أربعة عشر ألفاً ، وانهزم استادشيش والتجأ إلى الجبال ، فأمر الأمير خازم بقتل الأسرى فقتلوهم ، ثمّ حاصروا استادشيش مدّة حتّى سلّم نفسه ومعه ثلاثون ألفاً ، فأطلقوهم وقيّدوه (١) وأرسلوه إلى المنصور في بغداد.

قصّة شقيق البلخي الصوفي :

هو أبو علي شقيق بن إبراهيم الأزدي البلخي ، كان من رؤوس الغزاة بخراسان ، حتّى قتل في غزاة كولان سنة (١٩٤ ه‍) ومع ذلك كان يزهد ويتأ لّه حتّى عُدّ شيخ خراسان (٢) في التصوّف ، ومن أشهر من صحبه لذلك حاتِم بن عنوان بن يوسف الأصم من أهل بلخ ، ولذا عُدّ بدوره من قدماء مشايخ خراسان في التصوّف ، وله ابن يدعى خوش نام بن حاتِم ، مات سنة (٢٣٧ ه‍) (٣).

__________________

(١) تاريخ الخلفاء للسيوطي : ٣١٨.

(٢) سير اعلام النبلاء ٩ : ٣١٣ برقم ٩٨.

(٣) طبقات الصوفية : ٩١ برقم ١١.

٣٩٦

فروى الطبري الإمامي عن خوش نام هذا عن أبيه الأصم عن شيخه شقيق البلخي قال : في سنة (١٤٩ ه‍) خرجت حاجاً فنزلت القادسية (من الكوفة إلى مكّة) وإذا بشابّ أسمر شديد السمرة ، حسن الوجه ، عليه ثوب صوف مشتمل بشملة في رجليه نعلان (ومعه ركوة ماء) جلس منفرداً من الناس. فقلت في نفسي : هذا الفتى من «الصوفية» يريد أن يكون كلاًّ على الناس ، فوالله لأمضينّ إليه ولُاوبخنّه! فدنوت منه فلمّا رآني قال : يا شقيق! اجتنبوا كثيراً من الظنّ! فأردت أن استحلّه فغاب عن عيني! ورحلنا إلى واقصة.

فهناك رأيته يصلّي ودموعه تتحادر وأعضاؤه تضطرب! فمضيت إليه لأعتذر منه ، فلمّا انصرف من صلاته التفت إليّ وقال : يا شقيق (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى (١)) فتركته.

فلمّا نزلنا زبالة إذا به قائم على البئر وبيده ركوته يريد أن يستقي ماءً فسقطت ركوته في البئر! فرفع طرفه إلى السماء وقال شعراً :

أنت ربّي إذا ظمئت إلى الما

ء ، وقوتي إذا أردت الطعاما!

فوالله لقد رأيت البئر ارتفع ماؤها وعليه الركوة فأخذها وملأها وتوضأ منه وصلّى أربع ركعات ، ثمّ مال إلى كثب رمل هناك فجعل يقبض بيده ويطرحه في الركوة ويشرب! فقلت له : يا هذا أطعمني من فضل ما أنعم الله عليك ورزقك.

فناولني الركوة فشربت منها فإذا هو سويق وسكّر لا ألذّ منه ولا أطيب ريحاً! فشبعت ورويت لأيام لا أشتهي فيها طعاماً ولا شراباً! ثمّ افتقدته.

حتّى دخلنا مكّة .. وإذا له غاشية وموالٍ وغلمان والناس يسلّمون عليه ويتبرّكون به! فسألت بعضهم عنه فقال لي : هو موسى بن جعفر بن محمّد بن

__________________

(١) سورة طه : ٨٢.

٣٩٧

علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب. فقلت : هذا من «الأبدال» قد تكلّم عن سرّي مرّتين (١).

فهل حجّ الكاظم عليه‌السلام عام (١٤٩ ه‍) عن طريق العراق منفرداً؟! وتواعد مع غلمانه ومواليه وغاشيته أن يحجّوا من المدينة إلى مكّة فيلتقي بهم؟! لا أرى شقيق إلّا صوفياً أراد أن يصف نفسه بأ نّه التقى ببعض «الأبدال» وشرب من شرابهم الغيبيّ! وهذه أول بادرة لمصطلح «الأبدال» من مصطلحات العرفان الصوفي.

وحجّ المنصور وقتل عمّه :

قال المسعودي : في سنة (١٤٩ ه‍) أراد المنصور الحجّ ، وكان يحبّ أن يقتل عيسى بن موسى عمّه عبد الله بن علي فيُظهر الغضب على عيسى ويقتله بعمّه فيستريح منهما جميعاً ، فحوّل عمّه عبد الله إلى وليّ عهده عيسى بن موسى وأمره بقتله (٢).

فتظاهر للمنصور أنّه قتله ، ولم يقتله! وحجّ عيسى مع المنصور فكلّم بنو علي المنصور في أخيهم عبد الله فقال لهم : هو عند عيسى بن موسى ، فأتوه فسألوه عنه فقال : قتلته! فرجعوا إلى المنصور وقالوا : إن عيسى زعم أنّه قتله!

__________________

(١) دلائل الإمامة : ٣١٧ ، الحديث ٣٦٣ وأشار إليه الحلبي في مناقب آل أبي طالب ٤ : ٣٢٧. ونقله الأربلي في كشف الغمة ٣ : ٢٥٨ ـ ٢٦٠ عن مطالب السؤول للشافعى ٢ : ٦٢ ـ ٦٤.

(٢) مروج الذهب ٣ : ٣٠٥ وفيه : أن عيسى استفتى عبد الله بن شُبرمة ، ومحمّد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، وفي تاريخ خليفة : ٢٧٦ : في (١٤٤ ه‍) مات ابن شُبرمة ، وفيه : ٢٧٨ : في (١٤٨ ه‍) مات ابن أبي ليلى. فالخبر مدخول.

٣٩٨

فأظهر المنصور الغضب عليه وقال : والله لأقتلنّه به! فدعا به وقال له : لِمَ قتلت عمّي؟! قال : أنت أمرتني بقتله! قال : لم آمرك بذلك ، فأخرج كتابه إليه وقال : هذا كتابك إليّ فيه! قال : لم أكتبه! فقال : بل لم أقتله وهو عندي. قال : إذن ادفعه إلى المهلّب بن أبي عيسى فدفعه إليه فحبسه عنده (١).

وقال اليعقوبي : سأله يوماً عن عمّه عبد الله فقال : قد مات! فوجّه إلى جماعة من بني العباس وفيهم إسماعيل وعبد الصمد وعيسى أبناء علي أُخوة عبد الله وقال لهم : إني كنت دفعت أخاكم عبد الله بن علي إلى عيسى بن موسى وأمرته أن يحتفظ به ويكرمه ويبرّه! وقد سألته عنه فقال : إنّه قد مات! فأنكرت ستر خبر موته عني وعنكم!

فقال القوم : لو كان مات عبد الله حتف أنفه ما ترك عيسى أن يعلمك ويعلمنا ، بل قتله!

فجمع بينهم وبين عيسى فطالبوه بدمه ، فقال المنصور له : ائت لموته ببينة عادلة وإلّا أقدتك!

فقال : إنّما أردت بما قلت الراحة من حراسته! فأخّروني إلى العشي ، فأخّروه ، فحضر بالعشيّ وأحضر معه عبد الله سوياً صحيحاً! فاتهمه المنصور أنّه أراد أن يعرف ما عندهم فإذا احتملوا ذلك قتله!

ثمّ أمر المنصور فبُني لعمّه عبد الله في الدار بيت ، وأجرى على أساسه الماء فسقط عليه فمات عام (١٤٩ ه‍) (٢) وتحجّج بذلك لخلع عيسى بن موسى عن ولاية عهده بعهده ، وعقدها لابنه المهديّ.

__________________

(١) مروج الذهب ٣ : ٣٠٥.

(٢) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٣٦٨ ـ ٣٦٩.

٣٩٩

وفاة أبي حمزة الثُمالي :

نقل النجاشي عن الجعابي التميمي أن أبا حمزة ثابت بن دينار الكوفي كان أبوه دينار من موالي المهلّب بن أبي صفرة العتيكي الأزدي ، وانخرط أبناؤه : حمزة ومنصور ونوح مع زيد بن علي فقتلوا معه. وهو من قبل لقى السجّاد عليه‌السلام فروى عنه «رسالة الحقوق» وله كتاب «تفسير القرآن» ثمّ روى عن الباقر ثمّ الصادق ثمّ الكاظم عليهم‌السلام (١).

ونقل الكشي عن العياشي عن ابن فضّال قال : إن أبا حمزة مات بعد الصادق عليه‌السلام بسنة أو نحوها. وكان يشرب النبيذ ، فرحل عامر بن عبد الله الأزدي إلى الصادق عليه‌السلام وسأله عن المسكر فقال : كل مسكر حرام. فقال عامر : لكن أبا حمزة يشرب (النبيذ)! فبلغ ذلك إلى أبي حمزة فمرّ عليه جالساً على باب الفيل للمسجد الجامع بالكوفة مع حُجر بن زائدة الثقافي ، فقال له : يا عامر! أنت قلت للصادق : أبو حمزة يشرب النبيذ وحرّشته عليّ! فنقل له قوله ، فقال أبو حمزة : الآن أستغفر الله منه وأتوب إليه (٢).

ومرّ خبره أنّه كان مع جمع من الشيعة مجتمعين في مسجد حول مرقد علي عليه‌السلام يفسّر لهم القرآن ويحدّثهم ، إذ وصل إليهم أعرابي فأخبره بوفاة الصادق عليه‌السلام ووصيته إلى الخمسة ، وأنّ أبا حمزة استنبط منها أنّه أوصى بالحقيقة إلى ابنه الكاظم عليه‌السلام. فلعلّه هو أيضاً كزرارة لم يكن قد علم بالنصوص غير القليلة التي رواها غير واحد من الكوفيين على الكاظم عليه‌السلام.

ويظهر من خبر الكشي أنّ أبا بصير يحيى بن إسحاق الأسدي (مولاهم) تشرّف بالحجّ لسنة (١٤٩ ه‍) مع قائده علي البطائني وقد اعتلّ أبو حمزة.

__________________

(١) رجال النجاشي : ١١٥ ـ ١١٦ برقم ٢٩٦.

(٢) اختيار معرفة الرجال : ٢٠١ ، الحديث ٣٥٣ ـ ٣٥٤.

٤٠٠