موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ٧

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي

موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ٧

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: أضواء الحوزة ـ لبنان
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٢٠

فتبعه المنصور وقال له : أتدري ما قلت يا أبا عبد الله! قال : إي والله أدريه وإنّه لكائن!

فكان المنصور يقول : فانصرفت لوقتي ورتّبت أعمالي وأُموري!

وكان المنصور قد ارتدى رداءً أصفر ، وأخذ الصادق عليه‌السلام وهو خارج بيد عبد الله بن جعفر بن المسور بن مخرمة القرشي وقال له : أرأيت صاحب الرداء الأصفر؟ يعني المنصور ، ثمّ قال : فوالله إنّا نجده يقتل محمّداً (١)!

وحجّ المعتزلة يدعون إلى محمّد :

مرّ الخبر عن المسعودي أنّ يزيد بن الوليد الأحول الناقص كان يذهب إلى ما يذهب إليه المعتزلة في الأُصول الخمسة ، وأ نّه هلك بعد الحج لسنة (١٢٦ ه‍). ثمّ يظهر من خبر رواه الكليني والطوسي : أنّ الصادق عليه‌السلام حجّ لسنة (١٢٧ ه‍) وحجّ رؤساء المعتزلة : واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد وحفص بن سالم مولى يزيد بن عمر بن هبيرة الفزاري الذي ولّاه الخليفة اللاحق العراق ، وذلك لأوّل سنة بعد قتل الخليفة المعتزلي ، وبعد أن دخل محمّد بن عبد الله الحسني معهم في الاعتزال ، وبعد أن زادوا في الحديث النبوي : «يواطئ اسمه اسمي» : «واسم أبيه اسم أبي» ليواطئ اسم محمّد بن عبد الله.

فدخلوا على الصادق عليه‌السلام وأسندوا أمرهم إلى عمرو بن عبيد فقال : قَتل أهل الشام خليفتهم (الوليد بن يزيد) وضرب الله بعضهم ببعض وشتّت أمرهم ، فنظرنا فوجدنا رجلاً له دين وعقل ومروءة ، وهو موضع ومعدن للخلافة ، وهو محمّد بن عبد الله بن الحسن ، فأردنا أن نجتمع معه فنبايعه ثمّ نظهر أمرنا معه وندعو

__________________

(١) مقاتل الطالبيين : ١٧١ ـ ١٧٣.

١٦١

الناس إليه ، فمن بايعه كنّا معه وكان معنا ، ومن اعتزلَنا كففنا عنه ، ومن نصب لنا جاهدناه ونصبنا له على بغيه وردّه إلى الحق وأهله.

وقد أحببنا أن نعرض ذلك عليك فإنّه لا غنى بنا عن مثلك ، لفضلك وكثرة «شيعتك»!

فلمّا فرغ التفت أبو عبد الله إلى سائرهم وقال لهم : أكلّكم على مثل ما قال عمرو؟ قالوا : نعم.

فحمد الله وأثنى عليه وصلّى على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ثمّ قال : إنّما نسخط إذا عصي الله ، فإذا اطيع رضينا. ثمّ التفت إلى عمرو وقال له : يا عمرو! أخبرني لو أن الأُمة قلدتك أمرها فملكته بغير قتال ولا مؤونة ، فقيل لك : ولِّها من شئت. مَن كنت تولّي؟ قال : كنت أجعلها شورى بين المسلمين. قال : بين كلّهم؟ قال : نعم. قال : بين فقهائهم وخيارهم؟ قال : نعم. قال : قريش وغيرهم؟ قال : نعم. قال : العرب والعجم؟ قال : نعم.

قال : يا عمرو! أخبرني أتتولى أبا بكر وعمر أو تتبرّأ منهما؟ قال : أتولّاهما؟ قال : يا عمرو ، إن كنت رجلاً تتبرّأ منهما فإنّه يجوز لك الخلاف عليهما ، أما إن كنت تتولّاهما فقد خالفتهما! فقد عهد عمر إلى أبي بكر فبايعه ولم يشاور أحداً! ثمّ ردّها أبو بكر عليه ولم يشاور أحداً! ثمّ جعلها عمر شورى بين ستة فأخرج منها الأنصار غير أُولئك الستة من قريش! ثمّ أوصى الناس فيهم بشيء ما أراك ترضى به أنت ولا أصحابك! قال : وما صنع؟ (كأنه لا يدري) قال : أمر صُهيباً أن يصلّي بالناس ثلاثة أيام ، وأنّ أُولئك الستة يتشاورون ليس فيهم سواهم أحدٌ إلّاابن عمر يشاورونه وليس له من الأمر شيء ، وأوصى من بحضرته من المهاجرين والأنصار إن مضت ثلاثة أيام قبل أن يفرغوا ويبايعوا أن تُضرب أعناق الستة جميعاً! وإن اجتمع أربعة قبل أن تمضي ثلاثة أيّام وخالف اثنان أن تُضرب أعناق الاثنين! أفترضون بذاك فيما تجعلون من الشورى في المسلمين؟!

١٦٢

قالوا : لا ، قال : يا عمرو ، دع ذا.

أرأيت لو بايعت صاحبك هذا الذي تدعوا إليه ثمّ اجتمعت الأُمّة لكم ولم يختلف عليكم فيها رجلان ، فأفضيتم إلى المشركين الذين لم يسلموا ولم يؤدّوا الجزية ، أفعندكم وعند صاحبكم من العلم ما تسيرون به فيهم بسيرة رسول الله في المشركين في حربه؟ قالوا : نعم! قال : فماذا تصنعون؟ قالوا : ندعوهم إلى الإسلام ، فإن أبوا دعوناهم إلى الجزية. قال : وإن كانوا أهل الأوثان وعبدة النيران والبهائم وليسوا بأهل الكتاب؟ قالوا : سواء!

قال : فأخبرني عن القرآن فاقرأ منه : (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَايُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ) فقرأ : (وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (١)) فقال الصادق عليه‌السلام : فاستثنى الله واشترط : (مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ) أفهم والذين لم يؤتوا الكتاب سواء؟ قال : نعم! قال : فعن مَن أخذت هذا؟ قال : من الناس؟ قال : فدع ذا.

ثمّ قال له : ما تقول في الصدقة؟ فقرأ الآية : (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ (٢)) إلى آخرها. فقال الصادق عليه‌السلام : نعم فكيف تقسّمها بينهم؟ قال : أقسّمها على ثمانية أجزاء فاعطي كلّ جزء من الثمانية جزءاً منها. فقال عليه‌السلام : فإن كان صنف منهم عشرة آلاف وصنف رجلاً واحداً أو رجلين وثلاثة ، جعلت لهذا الواحد مثلما تجعل للعشرة آلاف؟! قال : نعم!

فقال : وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقسم صدقة البوادي في أهل البوادي وصدقة الحضر في أهل الحضر ، ولا يقسّمها فيهم بالسوية وإنّما يقسّمها على قدر ما

__________________

(١) التوبة : ٢٩.

(٢) التوبة : ٦٠.

١٦٣

يحضره منهم وعلى ما يرى. فإن كان في نفسك شيء في ما قلت فإنّ فقهاء أهل المدينة (دون مكة) ومشيختهم لا يختلفون في أنّ رسول الله كان يصنع ذلك.

ثمّ أقبل عليه وقال له : يا عمرو اتقِ الله! وأنتم أيّها الرهط فاتقوا الله.

ثمّ قال : إنّ أبي كان خير أهل الأرض وأعلمهم بكتاب الله وسنّة رسوله ، وقد حدّثني : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : من ضرب الناس بسيفه ودعاهم إلى نفسه وفي المسلمين من هو أعلم منه ؛ فهو ضالّ متكلّف (١).

وهذا آخر خبر أبتر لا يخبر عن أي جواب أو ردّ فعل لهم عليه أو سكوتهم وخروجهم من عنده ، وليس فيه أنّه عليه‌السلام أخبرهم اليوم أو أخبر عمراً بمقتل محمّد بن عبد الله.

إلّاأنّ ذلك يظهر من خبرين رواهما الأموي الزيدي عن النميري البصري عن عثمان بن صخر الثقفي : أنّ أبا رجاء صاحب الحمّام نقل له عن عمرو بن عبيد قوله له : إنّ أمرنا (مع محمّد بن عبد الله) ينفسخ وإنّ جهادنا معه يذهب باطلاً! فانطلق معه إليه فقال له : يا أبا عثمان! ما يقول أبو رجاء؟ قال : صدق! فقلت : وكيف تقول ذلك؟ قال : لأنه المقتول بالمدينة!

ونقل عنه عن محمّد بن الهذيل قال : سمعت من أصحابنا (المعتزلة) من لا احصي يذكرون : أنّ عمرو بن عبيد كان يقول : كيف يكون محمّد بن عبد الله هو المهدّي وهو يُقتل (٢)؟!

وعليه فهذا هو السرّ في اعتزال المعتزلة عن محمّد بن عبد الله الحسني بعد إقبالهم عليه لإقباله عليهم.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٥٤ ، والتهذيب ٦ : ١٤٨.

(٢) مقاتل الطالبيين : ١٦٦.

١٦٤

بقية أخبار الخوارج :

في سنة (١٢٨ ه‍) خرج في أذربيجان بسطام بن ليث التغلبي في نيف وأربعين رجلاً ، فقدم إلى بلد ثمّ أتى قردى ثمّ انصرف إلى نصيبين ثمّ عاد إلى أرمينية وأذربيجان وهو في نحو مئتي رجل ، وعليها عاصم بن زيد فوجّه إليه أخاه عبد الملك في ستّة آلاف ، فهزمهم بسطام بعد أن قتل رؤساءهم!

ثمّ سار إلى شهرزور ثمّ توجّه إلى العراق فلقي عزيز بن أبي المتوكل في نحو من ألفين فهزمهم بسطام! فبلغ خبره إلى الضحّاك بالعراق فبعث إليه شجرة الشيباني فقتل بسطام وعامّة أصحابه وعاد الشجرة (١).

ثمّ سار الضحاك سنة (١٢٨ ه‍) إلى الموصل فقاتل عاملها واستولى عليها ، وبلغ ذلك إلى مروان بن محمّد وكان قد جعل ابنه عبد الله على الجزيرة فكتب إليه أن يخرج لحرب الضحاك إلى نصيبين فخرج عبد الله إليها ، وسار إليه الضحاك فحاصره فيها نحواً من شهرين (٢).

وكان الضحاك قد جعل على الكوفة المثنّى بن عمران العائذي القرشي. ووجه مروان بن محمّد في سنة (١٢٨ ه‍) يزيد بن عمر بن هبيرة الفزاري والياً على العراق. فسار حتّى نزل هيت ، وبلغ خبره إلى المثنّى العائذي فوجّه إليه منصور بن جمهور فيمن معه من الخوارج حتّى نزل الأنبار ، وسار ابن هبيرة إلى عين التمر والتقوا في الغمر فاقتتلوا حتّى هزم المنصور وأصحابه ، وأقبل ابن هبيرة إلى الروحاء فخرج إليه المثنّى العائذي فقاتله ابن هبيرة فقتل منهم كثيرين حتّى هزمهم ، فخرجوا من الكوفة ، ومضى منصور بن جمهور بجمعه إلى السند.

__________________

(١) تاريخ خليفة : ٢٤٨ ـ ٢٤٩.

(٢) تاريخ خليفة : ٢٤٧.

١٦٥

وأقبل ابن هبيرة حتّى نزل النخيلة فخرج إليه عبيدة بن سوار التغلبي فاقتتلوا قتالاً شديداً حتّى قتل عبيدة ومن معه من الخوارج.

ثمّ سار ابن هبيرة إلى واسط وعليها عبد الله بن عمر بن عبد العزيز والياً للضحّاك الخارجي ، فوثب أهل المدائن فسدّوا عليه باب قصره باللبن ، فدخل ابن هبيرة عليه القصر وأرسله إلى مروان بن محمّد في حرّان فحبسه بها (١).

ابن هبيرة والإمام الصادق عليه‌السلام :

وسخط ابن هبيرة على مولاه رفيد حتّى حلف عليه ليقتلنّه! فهرب منه إلى الحجاز وجاز الناس إلى الصادق عليه‌السلام فأعلمه خبره. فقال له : انصرف واقرأه منّي السلام! وقل له : إنّي قد أجرت عليك مولاك رفيداً فلا تهجه بسوء! قال رفيد : فقلت له : جعلت فداك! شاميّ خبيث الرأي! فقال : اذهب إليه وقل كما أقول لك!

قال رفيد : فأقبلت حتّى كنت في بعض البوادي فاستقبلني أعرابي وقال لي : إني أرى وجه مقتول! وطلب يدي فرآها وقال : يد مقتول! ثمّ قال : أبرز رجلك ، فأبرزت له رجلي فرآها وقال : رجل مقتول! ثمّ قال : أبرز جسدك ففعلت فنظر وقال : جسد مقتول! ثمّ قال لي : أخرج لي لسانك! ففعلت فلمّا رآه قال : لا بأس عليك! فإنّ في لسانك رسالة لو كانت إلى الجبال الرواسي لانقادت لك! فمضيت.

حتّى وقفت على باب ابن هبيرة بالكوفة واستأذنت عليه ، فلمّا دخلت عليه قال : أتتك بحائن رجلاه! يا غلام السيف والنطع! ثمّ أمر بي فكُتّفت وشُدّ رأسي وقام عليَّ السياف ليضرب عنقي! فقلت له : أيّها الأمير! إنك لم تظفر بي عَنوة ، وإنّما جئتك من ذات نفسي ، وهاهنا أمر أذكره لك ثمّ أنت وشأنك! فاخلني!

__________________

(١) تاريخ خليفة : ٢٤٩ ـ ٢٥٠.

١٦٦

فأمر من حضر فخرجوا فقلت له : إنّ جعفر بن محمّد يقرئك السلام ويقول لك : قد أجرت عليك مولاك رفيداً فلا تهجه بسوء! فقال : الله! لقد قال لك جعفر هذه المقالة وأقرأني السلام؟!

فحلفت له ، فردّدها عليَّ ثلاثاً ، ثمّ حلّ أكتافي وقال : لا يقنعني منك حتّى تفعل بي ما فعلت بك! قلت : ما تنطلق يدي ولا تطيب به نفسي! فقال : والله ما يقنعني إلّاذاك! ففعلت به ما فعل بي ثمّ أطلقته.

فناولني خاتمه وقال : اموري في يدك فدبّر فيها ما شئت (١).

ميلاد الكاظم عليه‌السلام :

ولد الصادق عليه‌السلام في (٨٣ ه‍) ولم يؤرّخ متى تزوج إلّاأ نّه كان قد أدرك الزواج إذ دخل على الباقر عليه‌السلام ابنٌ لعكاشة بن محصن الأنصاري ورأى الصادق عليه‌السلام قد أدرك الزواج ولم يتزوج فقال للباقر عليه‌السلام : لِمَ لا تزوّج أبا عبد الله (كذا) فقد أدرك التزويج؟ وكان بين يدي الباقر صُرّة مختومة فيها دنانير ، فقال : سيجيء نخّاس من البربر ينزل دار ميمون فنشتري له بهذه الصرة جارية. ثمّ أمر رجلاً من أصحابه بذلك فاشتراها بالصرّة وفيها سبعون ديناراً ، وهي حميدة البربرية. وفي سنة (١٢٨) أو (١٢٩) رزق منها ابنه موسى عليه‌السلام في الأبواء (٢).

نهاية الضحاك الخارجي مع مروان :

وسار مروان بن محمّد إلى نصيبين ، فرحل من عين الوردة إلى الأكدر حتّى نزل على فرسخين من عسكر الضحاك قريباً من صلاة الظهر. ثمّ أقبل مروان

__________________

(١) أُصول الكافي ١٠ : ٤٧٣.

(٢) أُصول الكافي ١ : ٤٧٦.

١٦٧

فالتقوا فاقتتلوا حتّى غابت الشمس وقتل الضحاك في المعركة ولا يعلم به وحجز بينهم الليل ورجع الفريقان إلى معسكرهم ، وقتل منهم نحو ستة آلاف أكثرهم من الخوارج وقتل منهم ثمانمئة امرأة!

وأصبح مروان فنصب راية أمان ودعا إليها ، وخرج الخيبري من قواد الخوارج ونادى فيهم : من أراد الموت والجنّة فلينتدب معي ، فانتدب إليه ثلاثمئة وخمسون فارساً فحملوا على مروان في القلب ، وشدّ رجل منهم على مروان فضربه على عاتقه وضرب مروان على يده فولّى هارباً!

وهاجت يومئذ ضبابة شديدة حتّى ما كان المرء يرى سوطه أو عرف فرسه! ومضى فلّ مروان في كل وجه. وكان ابنه عبد الله قد التحق به من حصن نصيبين فجعله على ميمنته فثبت فيها ، وإسحاق بن مسلم على ميسرته وهما لا يعلمان حال مروان. وكان في حرس مروان رجل بربري يقال له : سليمان بن مسروح فقام ونادى في العبيد : من اتبعني فهو حر! فاجتمع إليه ثلاثة أو أربعة آلاف رجل من العبيد وغيرهم ، فقتل الخيبري الخارجي ، وانجلت الضبابة عن مجنبتي مروان. وعلموا بقتل الضحاك فخرج مولى لمروان إليه حتّى أخبره خبره فرجع مروان إلى عسكره.

واجتمع فلّ الضحاك والخيبري على شيبان اليشكري الهمْداني فارتحل وتابعوه راجعاً حتّى نزل زامين من أرض الموصل وخندقوا على أنفسهم ، فتابعه مروان فقاتلهم عشرة أشهر ثمّ خرج شيبان إلى شهرزور ثمّ إلى ماه ثمّ على الصيمرة ثمّ كرمان ثمّ جزيرة لانت في بحر فارس بين عمان والبحرين ثمّ خرج إلى عمان فقاتلوه فقتل بها (١) سنة (١٢٩ ه‍).

__________________

(١) تاريخ خليفة : ٢٤٩ ، ٢٥٠ و ٢٥٢. وبحر فارس / الخليج الفارسي.

١٦٨

وكان عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر الطيّار ومعه أخواه الحسن ويزيد خرجوا من الكوفة إلى اصطخر ، فخرجوا بها في سنة (١٢٩ ه‍) فوجّه إليه ابن هبيرة : عامر بن ضبارة المرّي الغطفاني فلقيه باصطخر فهزمه ، فخرج إلى خراسان ، وكان أبو مسلم الخراساني قد ظهر بها فحبسه واخوته (١).

الإباضية من حضرموت إلى مكة :

في سنة (١٢٩ ه‍) اجتمعت الإباضية من الخوارج على عبد الله بن يحيى الأعور الكندي في حضرموت ، وتسمّى طالب الحق ، وكان على حضرموت إبراهيم بن جبلة الكندي فأخرجوه بغير قتال ، وكان أكثر أصحابه من أهل البصرة ، ثمّ خرج إلى صنعاء وهو في ألفين منهم ، وكان على صنعاء القاسم بن عمر الثقفي في نحو ثلاثين ألفاً ، فالتقوا في الجالح من قرى أبين فاقتتلوا قتالاً شديداً وانهزم القاسم! ودخل الأعور صنعاء فأخذ الخزائن والأموال وأقام أشهراً.

ثمّ وجّه أبا حمزة المختار بن عوف الأزدي من أزد البصرة في عشرة آلاف إلى مكة وأمره أن يقيم بها ، وكان على مكة والمدينة عبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك ، ومشى بينهم عبد الله بن الحسن المثنّى حتّى أخذ عليهم أن لا يحدثوا حدثاً حتّى ينقضي أمر الموسم ، فأجابوا.

فلمّا عادوا من المواقف إلى مكة خطب أبو حمزة ، وكان جلّ أصحابه شباب فقال لهم :

يا أهل مكة! تعيّروني بأصحابي تزعمون أنهم شباب؟! وهل كان أصحاب رسول الله إلّاشباباً؟! أما إني عالم بتتابعكم فيما يضرّكم في معادكم ،

__________________

(١) تاريخ خليفة : ٢٥٢ ، ٢٥٣ و ٢٥٥ وقال : كان ذلك في رمضان سنة (١٢٩ ه‍) وفي سنة (١٣٠ ه‍) قتله وخلّى عن أخويه.

١٦٩

ولولا اشتغالي بغيركم ما تركت الأخذ على أيديكم! نعم ، هم شباب مكتهلون في شبابهم ، غبيّة عن الشرّ أعينهم ، بطيّة عن الباطل أرجلهم ، فانظر إليهم في جوف الليل منثنية أصلابهم بمثاني القرآن ، إذا مرّ أحدهم بآية فيها ذكر الجنة بكى شوقاً إليها ، وإذا مرّ بآية فيها ذكر النار شهق شهقة كأنّ زفير جهنّم في آذانهم ، قد وصلوا كلال ليلهم بكلال نهارهم ، وقد أكلت الأرض جباههم وأيديهم ورُكبهم. مصفرّة ألوانهم ناحلة أجسامهم من طول القيام وكثرة الصيام ، ومستقلين ذلك في جنب الله موفون بعهد الله منجزون لوعد الله ، إذا رأوا سهام العدوّ قد فُوِّقت ورماحهم قد اشرعت وسيوفهم قد انتُضيت ، وأبرقت الكتيبة وأرعدت بصواعق الموت ، استهانوا بوعيد الكتيبة لوعيد الله ، ومضى الشباب منهم قدماً .. فكم من عين في منقار طائر بكى صاحبها من خشية الله ، وكم من كفّ قد بانت بمعصمها طالما اعتمد عليها صاحبها في سجوده في جوف الليل لله ، وكم من خدّ رفيق وجبين عتيق قد فلق بعمد الحديد! فرحمة الله على تلك الأبدان وأدخل أرواحها الجنان.

ثمّ قال : الناس منّا ونحن منهم! إلّاعابد وثن ، أو كفرة أهل الكتاب ، أو سلطاناً جائراً أو شادّاً على عضده! أيها الناس! سألناكم عن ولاتكم هؤلاء ، فقلتم فيهم الذي نعرف والله ، قلتم : أخذوا المال من غير حلّه فوضعوه في غير حقّه ، وحازوا في الحكم واستأثروا بحقوقنا وفيئنا فجعلوه دولة بين أغنيائهم وذوي شرف الدنيا منهم ، وجعلوا مقاسمنا وحقوقنا في مهور النساء وفروج الإماء!

فقلنا لكم : تعالوا إلى هؤلاء الذين ظلمونا وظلموكم وجاروا في الحكم فحكموا بغير ما أنزل الله ، فقلتم : لا نقوى على ذلك ، وددنا أنّا أصبنا من يكفينا! فقلنا : نحن نكفيكم ثمّ الله راع علينا إن ظفرنا لنعطينّ كل ذي حقّ حقّه.

١٧٠

وجئنا فاتّقينا الرماح بوجوهنا والسيوف بصدورنا ، فعرضتم دونهم فقاتلتمونا! فوالله لو قلتم : لا نعرف الذي تقولون ولا نعلمه ؛ لكان أعذر لكم ، مع أنّه لا عذر للجاهل! ولكن أبى الله إلّاأن ينطق بالحق على ألسنتكم ليأخذكم به في الآخرة (١).

الإباضية من مكّة إلى المدينة :

في آخر سنة (١٢٩ ه‍) صدر الناس من الحج ، فخرج معهم واليها الأموي عبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك وكتب إلى مروان بن محمّد بخذلان أهل مكّة ، وكان مروان قد جعل على المدينة عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز الأموي فكتب إليه أن يوجّه جيشاً إلى مكة لحرب أبي حمزة الإباضي ، فاستعمل عبد العزيز بن عمر : عبد العزيز بن عبد الله بن عمرو بن عثمان الأموي وجعل راية قريش مع إبراهيم بن عبد الله بن مطيع العدوي وخرجوا.

وبلغ الخبر إلى أبي حمزة الإباضي فقدّم بلَج بن عُقبة من أزد البصرة في ثلاثين ألف فارس ، واستخلف على مكّة أبرهة بن الصبّاح الحميري ، وتقدّم المدنيون إلى قُديد بقرب مكة فالتقوا فيها بالخوارج ، فقال لهم بلج الأزدي : خلّوا طريقنا نأتي هؤلاء الذين «بغوا» علينا وجاروا في الحكم ، ولا تجعلوا حدّنا بكم فإنّا لا نريد قتالكم. فأبى المدنيون وقاتلوهم فانهزموا وقد قتل من قريش فقط ثلاثمئة رجل.

ولحقهم أبو حمزة فمضى حتّى دخل المدينة يوم الاثنين لثلاث عشرة ليلة خلت من شهر صفر سنة (١٣٠ ه‍).

__________________

(١) تاريخ خليفة : ٢٥١ ـ ٢٥٢.

١٧١

وسار بلَج الأزدي يريد الشام لحرب مروان ، فأرسل مروان : محمّد بن عطية السعدي في أربعة آلاف لقتالهم ثمّ الأعور باليمن! فأقبل ابن عطية فلقى بلَجاً بوادي القرى فاقتتلوا ، فقُتل بلج وعامة أصحابه وانهزموا إلى المدينة ولحقهم ابن عطية يقتل منهم حتّى دخل المدينة. وكان أبو حمزة الإباضي عاد إلى مكّة ومعه خمسة عشر ألفاً بالأبطح ، فسار ابن عطية إلى مكّة وفرّق خيله على أبي حمزة فأتته خيل من أسفل مكّة وخيل من منى وأتاه هو من أعلى الثنية ، فاقتتلوا حتّى كاد أن ينتصف النهار ، وخرجت عليهم الخيول من بطن الأبطح فألجؤوهم إلى معسكرهم وقتل أبرهة بن الصباح وأبو حمزة وقتل منهم مقتلة عظيمة.

وبلغ الخبر إلى عبد الله بن يحيى الأعور فسار في ثلاثين ألفاً إلى صعدة ، ونزل إليه ابن عطية إلى تَبالة فالتقوا فانهزم الأعور إلى جَرش ، وسار إليه ابن عطية فالتقوا واقتتلوا إلى الليل ، فلمّا أصبحوا نزل الأعور إليه في نحو ألف رجل من حضرموت فقاتلوا حتّى قتلوا وقُتل ابن الأعور وأرسل ابن عطية برأسه إلى مروان بالشام.

وسار ابن عطية إلى صنعاء ، فثار عليه يحيى السبّاق الحميري فأخذ الجَنَد فقاتلوه فانهزم إلى عدن فجمع إليه ألفين ، فسار إليه ابن عطية وقاتله حتّى قتله ومن معه وعاد ابن عطية إلى صنعاء. فخرج عليه بساحل البحر يحيى بن حرب الحميري ، فبعث إليه ابن عطيّة أبا امية الكندي فقتل يحيى ومن معه. وكان الأعور قد استخلف على حضرموت عبد الله بن سعيد خليفة في عدد كثير ، فصبّحهم ابن عطيّة فقاتلهم حتّى الليل ثمّ أتاه كتاب مروان يأمره بموسم الحج ، فصالحهم وخلّف عليهم ابن أخيه عبد الرحمن بن يزيد ، وانطلق لموسم الحج لسنة (١٢٩ ه‍) في خمسة عشر رجلاً من وجوه أصحابه وأقبل عجِلاً حتّى نزل بقرية شبام من أودية بني مراد فبيّتوهم فقتلوهم!

١٧٢

وبلغ خبرهم إلى عبد الرحمن بن يزيد فأرسل عليهم شعيب البارقي في خيل وأمره أن يقتل من وجد! فقتل الرجال والأطفال وبقر بطون النساء ونهب الأموال وعقر النخل وأحرق القرى وانصرف إلى عبد الرحمن (١)!

مروان بن محمّد ومحمّد الحسني :

روى الأموي الزيدي عن النميري البصري بسنده عن أبي العباس الفلسطيني قال : قلت لمروان بن محمّد : خذ محمّد بن عبد الله بن الحسن ، فإنّه يدّعي هذا الأمر ويتسمّى بالمهدي. فقال : ما هو بالمهدي ، ولا هو من بني أبيه وإنّه لابن أُم ولد!

وبعث إلى عبد الله بن الحسن بمال واستكفّه! وأوصى عامله بالحجاز (؟) أن لا يعرض لمحمّد بطلب ولا إخافة ، إلّاأن يستظهر حرباً أو شقاً لعصا. وكان المال عشرة آلاف دينار وقال له : اكفف عني ابنيك!

ولما بعث مروان : عبد الملك بن عطية السعدي لقتال الخوارج (الإباضية) ودخل المدينة سنة (١٢٨ ه‍) لم يلقه في أهل المدينة عبد الله بن الحسن وابناه محمّد وإبراهيم ، فكتب إلى مروان بذلك وأ نّه قد همّ بهم أن يقتلهم! فكتب مروان إليه : أن لا تعرض لعبد الله ولا لابنيه ، فليسوا بأصحابنا الذين يظهرون علينا أو يقاتلونا ... وإن استتر (محمّد) منك بثوب فلا تكشفه عنه ؛ وإن كان جالساً على جدار فلا ترفع إليه رأسك!

فاتّفق أن اجتاز عبد الملك بن عطية بجناح مشرف على الطريق ، وكان فيه محمّد بن عبد الله الحسني فاطلع عليه من خوخة ، ورآه بعض من مع ابن عطية

__________________

(١) تاريخ خليفة : ٢٥٥ ـ ٢٥٧.

١٧٣

فقال له : ارفع رأسك فانظر إلى محمّد بن عبد الله بن الحسن! فطأطأ رأسه وأجابه : إنّ أمير المؤمنين (مروان بن محمّد) قال لي : إن استتر منك بثوب فلا تكشفه ، وإن كان جالساً على جدار فلا ترفع إليه رأسك! ومضى لسبيله (١).

جابر الجعفي ، وابن هُبيرة وقحطبة :

مرّ خبر الكليني عن رفيد مولى يزيد بن هُبيرة الوالي الأموي على العراق ، وأ نّه كيف رحّب برسالة الإمام الصادق عليه‌السلام إليه وأ نّه سلّم رُفيداً خاتمه وتدبير اموره. ويظهر أنّ الخبر عن ظفر بني العباس كان قد سرى من الصادق عليه‌السلام إلى رواته في الكوفة ومنهم جابر بن يزيد الجعفي فكان في مسامحة من الوالي ابن هبيرة يذكر بعض أطراف حديثه عنهم.

فقد نقل اليعقوبي عن حُميد بن زياد بن شبيب الطائي الملقّب بقحطبة ، عن أبيه قال : دخلت مسجد الكوفة في أيام بني أُميّة وعليَّ فرو غليظ! فرأيت فيه حلقة وفي صدر القوم شيخ يحدثهم ، فجلست إلى الحلقة وإذا به يذكر آخر أيام بني أُميّة! والذين يلبسون السواد ويخرجون عليهم! فقال : يكون ويكون إلى أن قال : ويخرج منهم رجل يقال له : قحطبة! ثمّ التفت إليّ وأشار وقال : كأ نّه هو هذا الأعرابي! ثمّ قال : ولو شئت أن أقول هو هو لقلت! قال قحطبة : فخفت على نفسي فتنحيّت ناحية حتّى انصرف فالتقيته فلمّا رآني أعاد قوله : لو شئت أن أقول إنّك أنت هو ، لقلت! فتركته وسألت عنه فقيل لي : هو جابر بن يزيد الجعفي (٢).

ولعلّ هذا كان عام (١٢٨ ه‍) وفيها توفي (٣) فلم يدرك العباسيين.

__________________

(١) مقاتل الطالبيين : ١٧٤ ـ ١٧٥.

(٢) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٣٤٤.

(٣) رجال النجاشي ١ : ١٢٨ برقم ٣٣٢.

١٧٤

قال اليعقوبي : وقدم قحطبة بن شبيب على أبي مسلم في خراسان ومع قحطبة من إبراهيم بن محمّد بن علي العباسي عهد وسيرة يعمل عليها ، فجهّزه أبو مسلم ووجّهه لقتال بني أُمية إلى جرجان (١) ومعه ابناه حُميد وحسن. وكان أبو مسلم أظهر دعوة بني هاشم (بني العباس) في شهر رمضان سنة (١٢٩ ه‍).

فلمّا بلغت دعوته هذه لإبراهيم الإمام ، إلى مروان بن محمّد ، أرسل رسلاً إلى الحُميمة يطلبون إبراهيم بن محمّد ، واشير لهم إلى إبراهيم في المسجد فأخذوا بأبواب المسجد ، فلمّا أتوا به إلى مروان ، ردّهم في طلب أبي العباس الذي لقّب بعد ذلك بالسفّاح فوجدوه قد تغيّب ، فأمر مروان بإبراهيم فغُطّي وجهه بقطيفة بل أدخل رأسه في جراب نورة حتّى مات. وكان معه في الحُميمة أبو جعفر المنصور ومعه ابناه جعفر ومحمّد وهما صبيّان ، وكان يلاعبهما ويداعبهما عثمان بن عروة بن محمّد بن عمّار بن ياسر. ودُفن إبراهيم الإمام في حرّان (٢).

ويظهر من سوى اليعقوبي أنّ ذلك كان في سنة (١٣٠ ه‍) بعد ما يلي من الحوادث :

حوادث خراسان :

قال خليفة : ظهر أبو مسلم في رمضان سنة (١٢٩ ه‍) فقبض على عبد الله بن معاوية الجعفري وأخويه (٣) وسار أبو مسلم في أكثر من عشرة آلاف إلى مرو ، إلى نصر بن سيار الليثي عامل مروان على خراسان ، وكان قد خرج عليه جُديع بن

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٣٤٣ ـ ٣٤٤.

(٢) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٣٤١ ـ ٣٤٢.

(٣) تاريخ خليفة : ٢٥٥.

١٧٥

علي الأزدي الكرماني بمن معه من الأزد وتميم ، وأرسل ابنه علي بن جديع على نصر بن سيّار ، فاصطلح نصر معه على أبي مسلم فإذا فرغوا نظروا في أُمورهم.

فلمّا رأى أبو مسلم ذلك دسّ إلى الكرماني من خدعه فصالحه وبايعه وسار معه إلى نصر ، فاقتتلوا يومهم وليلتهم ، فلمّا أصبحوا غدا عليهم أبو مسلم من ورائهم ، فلمّا رأى نصر ذلك أرسل إلى أبي مسلم أنّه يبايعه! فسار إليه أبو مسلم في أكثر من عشرة آلاف ، وخرج نصر من باب آخر له ، وهرب أصحابه يميناً وشمالاً! فسار أبو مسلم من ليلته إلى موضع ثقل نصر بأقصى مرو فأخذ أهله وولده الصغار وهرب ولده الكبار. وانتهى نصر إلى سرخس ، فأرسل إليه أبو مسلم إبراهيم بن بسّام مولى بني ليث ، فأرسل أهل طوس إلى نصر أنهم معه ، فأرسل نصر إليهم ابنه تميماً في نحو ثلاثة آلاف مدداً لهم ، فأرسل أبو مسلم زياد بن شبيب الشهير بقحطبة الطائي فأتاهم من أعلى طوس ، فواجهه عاصم بن عُمير ومعه أكثر الناس فهزمه قحطبة ، وعاد عاصم إلى نصر فارتحل نصر إلى قومس ، ثمّ ارتحل من قومس إلى ناحية وكتب إلى يزيد بن عمر بن هبيرة يستمده ، وذلك في سنة (١٣٠ ه‍) (١).

وقال اليعقوبي : غلب أبو مسلم على عسكر الكرماني وظهر أمره واستكثف جمعه ، وجدّ في قتال نصر بن سيّار الليثي مراراً حتّى فلّ جمعه وأظهر دعوة بني هاشم في رمضان سنة (١٢٩ ه‍) وضعف أمر نصر في خراسان فكتب إلى مروان يصف حاله وضعف من معه وقوة أبي مسلم وظهوره عليه.

فكتب مروان إلى يزيد بن عمر بن هبيرة بالعراق أن يمدّ نصراً بالرجال ، فقعد يزيد ، فتابع مروان وأوعده ، فوجّه بابنه داود بن يزيد وهو حدث السنّ في

__________________

(١) تاريخ خليفة : ٢٥٤ و ٢٥٥.

١٧٦

جيش عظيم ، فكتب مروان إلى ابن هبيرة ينكر عقده اللواء لابنه داود لحداثة سنّه ويأمره أن ينفد إليه من يحلّ لواءه ويعقده لعامر بن ضُبارة المُرّي على الجيش ، ففعل ابن هبيرة ذلك ونفّذ الجيش ، وجعل على مقدمته نُباتة بن حنظلة الكلابي.

وكان قد خرج بالأهواز سليمان بن حبيب بن المهلّب الأزدي ، فوجّه يزيد بن عمر بن هُبيرة نباتة بن حنظلة الكلابي ، فقاتل سليمان حتّى هزمه إلى فارس ، فوجّه يزيد بن عمر إليه عامر بن ضبارة المُرّي (١)!

وفي شهر رمضان أو شوال قدم أبو مسلم إلى نيشابور فوجّه عمّاله إلى البلدان : فاستعمل سُباع بن معمر الأزدي على سمرقند ، واستعمل أبا داود خالد بن إبراهيم على طخارستان ، وجعل أبا نصر مالك بن الهيثم الخزاعي على شرطه ، ووجّه محمّد بن الأشعث الخزاعي إلى الطبَسين (٢).

مقتل إبراهيم العباسي والإمام الصادق عليه‌السلام :

كان مروان قد أقام في حرّان ، وكان قد وكّل بطريق الشام إلى خراسان من يبحث عن رسل أبي مسلم إلى إبراهيم العباسي. قال المسعودي : وقوى أمر أبي مسلم وغلب على أكثر خراسان ، وضعف أمر نصر بني سيّار في خراسان فخرج عنها إلى الري ، فلمّا صار بين خراسان والري كتب كتاباً إلى مروان يذكر فيه خروجه من خراسان ، وأنّ هذا الأمر الذي أزعجه سينمو حتّى يملأ البلاد. ووصل كتابه إلى مروان في حرّان فلم يستتم قراءته حتّى مثل بين يديه من كان قد وكّلهم بالطرق ، ومعهم رسول من خراسان من أبي مسلم إلى إبراهيم بن محمّد الإمام ،

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٣٤١.

(٢) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٣٤٢ ـ ٣٤٣.

١٧٧

ومعه كتابه إليه يخبره فيه بخبره وما آل إليه أمره ، فقرأ مروان الكتاب ثمّ سأل الرسول : كم دفع لك صاحبك؟ قال : كذا ، فقال : شيء يسير! وهذه عشرة آلاف درهم لك وامض بالكتاب إلى إبراهيم وخذ جوابه فأتني به ولا تعلمه بشيء ممّا جرى ، فقبل وفعل.

فلمّا عاد الرسول إليه بجواب إبراهيم إلى أبي مسلم بخطه يأمره فيه بالجد والاجتهاد والحيلة على عدوه وغير ذلك ، احتبس مروان الرسول ، وكتب إلى عامله على دمشق الوليد بن معاوية بن عبد الملك يأمره أن يكتب إلى عامل البلقاء فيسير في خيل إلى القرية المعروفة بالحُميمة والكرّار ليأخذ إبراهيم فيشدّه وثاقاً ويبعث به إليه في خيل كثيفة.

فوجّه الوليد إلى عامل البلقاء فأخذ إبراهيم من مسجد القرية ولفّفه وحمله إلى الوليد ، فحمله إلى مروان وحين مثل بين يديه جرى بينه وبين مروان خطب طويل وأنكر إبراهيم كلّ ما ذكره له مروان من أمر أبي مسلم. فأخرج إليه الرسول والكتاب وقال له : يا منافق! أتعرف هذا؟! وأليس هذا كتابك إلى أبي مسلم جواباً عن كتابه إليك؟! فلمّا رأى إبراهيم ذلك أمسك عن الكلام وعلم أنّه أتي منه. وحبسه مروان في حرّان شهرين (١).

ولما علم إبراهيم أن لا نجاة له من مروان ، كان له مولى خوارزمي يدخل عليه يسمى سابق فكتب إبراهيم وصيته إلى أخيه أبي العباس عبد الله بن محمّد ، وأوصاه بالقيام بالدولة والجدّ والحركة ، وأن لا يكون له بعده بالحُميمة لبث ولا عرْجة حتّى يتوجّه إلى الكوفة فإنّ هذا الأمر صائر إليه لا محالة وبذلك بلغتهم الرواية! وأطلعه على أمر الدعاة والنقباء في خراسان ، ورسم له رسماً أوصاه فيه أن يعمل عليه ولا يتعداه. وفي دخول لمولاه سابق عليه دفع الوصية بجميع

__________________

(١) مروج الذهب ٣ : ٢٤٣ ـ ٢٤٤.

١٧٨

ذلك إليه وأمره أن لا يدفعها إلى أخيه أبي العباس إلّاإذا حدث به حدث من مروان في ليل أو نهار ، فيجدّ السير إلى الحُميمة حتّى يدفعها إليه (١).

واختصره ابن الوردي بقوله : لمّا أمسكه مروان نعى نفسه إلى أهل بيته وأمرهم بالمسير إلى أهل الكوفة مع أخيه السفاح وأوصى إليه بالخلافة وأوصاهم بالسمع له والطاعة (٢).

وقال ابن العبري : لمّا أحسّ بالطلب نعى نفسه إلى أخيه أبي العباس وأوصى إليه وأمره بالمسير بأهل بيته إلى الكوفة (٣).

وكان معه في الحبس جماعة من بني أُمية : العباس بن الوليد بن عبد الملك ، وعبد الله بن عمر بن عبد العزيز والي مروان على العراق قبل ابن هبيرة. ومن بني هاشم (بني العباس) : عبد الله بن علي وعيسى بن علي وعيسى بن موسى ، ومعهم غلامان صغيران ، وادخل عليهم في الحبس جماعة من موالي مروان ، ثمّ خرجوا من عندهم وقد قتلوهم سوى الصغيرين ، فقالا : إنّهم خنقوا الأمويّين بالمخادّ على وجوههم ، وأما إبراهيم فإنهم جعلوا رأسه في جراب كان فيه نورة مسحوقة فاضطرب حتّى خمد ومات (٤).

فلمّا قضى إبراهيم نحبه أسرع سابق سيره إلى الحُميمة حتّى نعاه إلى أخيه أبي العباس ودفع إليه الوصية ، فأمره أبو العباس باظهار النعي وستر الوصية. ثمّ أظهر أبو العباس أهل بيته على أمره ونعاهم إلى مؤازرته وفيهم أخوه عبد الله

__________________

(١) مروج الذهب ٣ : ٢٥٢.

(٢) تاريخ ابن الوردي ١ : ١٨١.

(٣) مختصر تاريخ الدول : ١٢٠.

(٤) مروج الذهب ٣ : ٢٤٤.

١٧٩

المنصور وابن أخيه عيسى بن موسى وعمّه عبد الله بن علي ، ثمّ توجّه بهم إلى العراق والتحق بهم منهم غيرهم (١).

واختار ابن العبري في عامل القبض على إبراهيم العباسيّ خبراً آخر قال : في سنة (١٣١ ه‍) حجّ إبراهيم بن محمّد الإمام ومعه أخواه أبو جعفر المنصور وأبو العباس (السفّاح) وولد المنصور ، وعمّهم ومواليهم على ثلاثين نجيباً وعليهم الثياب الفاخرة والرجال والأثقال : فشهر أمرهم في أهل الشام والبوادي والحرمين ، وقد انتشر في الدنيا ظهور أمرهم في خراسان ، وبلغ كل ذلك إلى مروان ، فأمر عامله فوجّه خيلاً إلى إبراهيم فهجموا عليه وأخذوه وحملوه إلى سجن حرّان. وكان قد أحسّ بالطلب فأوصى إلى أخيه أبي العباس وأمره بالمسير بأهل بيته إلى الكوفة (٢).

عرض الخلافة على الصادق عليه‌السلام :

ويظهر من خبر رواه الحلبي أن داعيتهم في الكوفة بل نقيب دعاتهم في العراق بمركزية الكوفة : أبو سلمة حفص بن سليمان الخلّال كان قد حجّ تلك السنة ، فلعلّه كان بالمدينة وبلغه سجن إبراهيم وقبل قتله أضمر الرجوع عن ما كان عليه من الدعوة العباسية إلى آل أبي طالب (٣). وكأنه كان مقرّراً من قبل نقل أمرهم إليه إلى الكوفة ، فأخبر الصادقَ عليه‌السلام بقرارهم وعرَض الخلافة عليه! فأخبره الإمام عليه‌السلام أنّ إبراهيم الإمام لا يصل إلى العراق من الشام ، بل ينتقل هذا الأمر منه إلى أخيه الأصغر (أبي العباس) ثمّ الأكبر (أبي جعفر) ثمّ يبقى في ولده (٤).

__________________

(١) مروج الذهب ٣ : ٢٥٢.

(٢) مختصر تاريخ الدول : ٢١٩ ـ ٢٢٠.

(٣) مروج الذهب ٣ : ٢٥٣.

(٤) مناقب آل أبي طالب ٤ : ٢٥٠.

١٨٠