تاريخ مدينة دمشق - ج ٢

أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي [ ابن عساكر ]

تاريخ مدينة دمشق - ج ٢

المؤلف:

أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي [ ابن عساكر ]


المحقق: علي شيري
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٢٣
الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٢ الجزء ٣٣ الجزء ٣٤ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١ الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠

باب

ذكر اهتمام أبي بكر الصّدّيق بفتح الشّام وحرصه عليه

ومعرفة إنفاذه الأمراء بالجنود الكثيفة إليه

أخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي ، أنا أبو بكر الطبري ، أنا أبو الحسين بن الفضل القطان ، أنا عبد الله بن جعفر ، نا يعقوب بن سفيان ، نا عمّار بن الحسن ، نا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : كان فتح اليمامة واليمن والبحرين وبعث الجنود إلى الشام سنة ثنتي عشرة.

أخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي أنا أبو علي محمد بن محمد بن أحمد بن المسلمة ، أنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عمر بن حفص الحمّامي ، أنا أبو علي محمد بن أحمد بن الحسن بن الصّوّاف ، نا أبو محمد الحسن بن علي القطان ، نا إسماعيل بن عيسى العطار ، حدثني أبو حذيفة إسحاق بن بشر القرشي ، نا محمد بن إسحاق ، قال : إن أبابكر لما حدّث نفسه بأن يغزو الروم فلم يطلع عليه أحدا (١) إذ جاءه شرحبيل بن حسنة فجلس إليه فقال : يا خليفة رسول الله أتحدث نفسك أنك تبعث إلى الشام جندا؟ فقال : نعم ، قد حدّثت نفسي بذلك ، وما أطلعت عليه أحدا ، وما سألتني عنه إلّا لشيء. قال : أجل إني رأيت يا خليفة رسول الله فيما يرى النائم كأنك تمشي في الناس فوق خرشفة (٢) من الجبل ثم أقبلت تمشي حتى صعدت قنّة من القنان العالية ، فأشرفت على الناس ومعك أصحابك ، ثم إنك هبطت من تلك القنان إلى أرض سهلة دمثة (٣) فيها الزرع والقرى والحصون فقلت للمسلمين شنوا الغارة على أعداء الله وأنا ضامن لكم بالفتح والغنيمة ، فشدّ المسلمون وأنا فيهم معي راية ،

__________________

(١) بالأصل «أحد» والمثبت عن خع.

(٢) بالأصل وخع : حرشفة ، والمثبت عن مختصر ابن منظور ١ / ١٨٠ والخرشفة : الأرض الغليظة (اللسان).

(٣) عن خع وبالأصل «رمثة» بالراء.

٦١

فتوجّهت بها إلى أهل قرية ، فسألوني الأمان فأمنتهم ثم جئت ، فأجدك قد انتهيت إلى حصن عظيم ففتح الله لك ، وألقوا إليك السّلم. ووضع الله لك مجلسا فجلست عليه ، ثم قيل لك يفتح الله عليك وتنصر فاشكر ربك واعمل بطاعته ثم قرأ : (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْواجاً فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً) (١) ثم انتبهت. فقال له أبو بكر : نامت عيناك. خيرا رأيت وخيرا يكون إن شاء الله. ثم قال : بشّرت بالفتح ونعيت إليّ نفسي ، ثم دمعت عينا أبي بكر ثم قال : أما الحرشفة التي رأيتنا نمشي عليها حتى صعدنا إلى القنة العالية فأشرفنا على الناس فإنا نكابد من أمر هذا الجند والعدو مشقة ويكابدونه. ثم نعلو بعد ويعلو أمرنا. وأمّا نزولنا من القنّة العالية إلى الأرض السّهلة الدمثة والزرع والعيون والقرى والحصون فإنا ننزل إلى أمر أسهل ممّا كنا فيه من الخصب (٢) والمعاش ، وأمّا قولي للمسلمين : شنّوا على أعداء الله الغارة فإني ضامن لكم الفتح والغنيمة فإنّ ذلك دنو المسلمين إلى بلاد المشركين وترغيبي إياهم على الجهاد والأجر والغنيمة التي تقسم لهم وقبولهم. وأمّا الراية التي كانت معك فتوجّهت بها إلى قرية من قراهم ودخلتها واستأمنوا فأمنتهم فإنك تكون أحد أمراء المسلمين ويفتح الله على يديك. وأما الحصن الذي فتح الله لي فهو ذلك الوجه الذي يفتح الله لي. وأما العرش الذي رأيتني عليه جالسا فإن الله يرفعني ويضع المشركين. وقال الله تبارك وتعالى ليوسف (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ) (٣) وأما الذي أمرني بطاعة الله وقرأ عليّ السورة فإنه نعا إليّ نفسي ، وذلك أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم نعى الله إليه نفسه حين نزلت هذه السورة ، وعلم أن نفسه قد نعيت إليه. ثم سالتا عيناه فقال : لآمرن بالمعروف ولأنهينّ عن المنكر ولأجهدنّ فيمن نزل أمر الله ولأجهزن الجنود إلى العادلين (٤) بالله في مشارق الأرض ومغاربها حتى يقولوا : الله أحد أحد لا شريك له ، أو يؤدّوا الجزية عن يد وهم صاغرون. هذا أمر الله وسنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فإذا توفاني الله عزوجل لا يجدني الله عاجزا ولا وانيا ولا في ثواب المجاهدين زاهدا. فعند ذلك أمر الأمراء وبعث إلى الشام البعوث.

__________________

(١) سورة النصر ، الآية : ١ ـ ٤.

(٢) عن خع ومختصر ابن منظور ١ / ١٨٠ وبالأصل «خشب».

(٣) سورة يوسف ، الآية : ١٠٠.

(٤) العادلين ، يقال : عدل بالله أي أشرك ، وجعل له مثلا (النهاية : عدل).

٦٢

أخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي ، أنا أبو علي بن المسلمة ، أنا أبو الحسن الحمّامي ، أنا أبو علي بن الصّوّاف ، نا أبو محمد القطان ، نا إسماعيل العطار ، حدثني إسحاق بن بشر ، أنا أبو إسحاق ، عن الزّهري ، حدثني ابن كعب عن عبد الله بن أبي أوفى الخزاعي ، قال : لما أراد أبو بكر غزو الروم دعا عليا وعمر وعثمان وعبد الرّحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد وأبا عبيدة بن الجرّاح ، ووجوه المهاجرين والأنصار من أهل بدر وغيرهم فدخلوا عليه. قال عبد الله بن أبي أوفى : وأنا فيهم فقال : إن الله عزوجل لا تحصى نعماؤه ولا يبلغ جزاءها الأعمال ، فله الحمد ، قد جمع الله كلمتكم وأصلح ذات بينكم وهداكم إلى الإسلام ونفا عنكم الشيطان ، فليس يطمع أن تشركوا به ولا تتخذوا إلها غيره. فالعرب اليوم بنو أمّ وأب ، وقد رأيت أني أستنفر المسلمين إلى جهاد الروم بالشام ليؤيد الله المسلمين ويجعل الله كلمته العليا مع أن للمسلمين في ذلك الحظ الوافر لأنه من هلك منهم هلك شهيدا ، وما عند الله خير للأبرار ، ومن عاش عاش مدافعا عن الدين مستوجبا على الله ثواب المجاهدين ، وهذا رأيي الذي رأيت فأشار امرؤ علي برأيه. فقام عمر بن الخطاب فقال : الحمد لله الذي يخص بالخير من يشاء من خلقه والله ما استبقنا إلى شيء من الخير قط إلّا سبقتنا إليه (ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ) (١) والله ذو الفضل العظيم قد والله أردت لقاءك بهذا الرأي الذي رأيت. فما قضي أن يكون حتى ذكرته [قبلي](٢) فقد أصبت أصاب الله بك سبيل (٣) الرشاد ، سرّب إليهم الخيل في إثر الخيل ، وابعث الرجال بعد الرجال والجنود تتبعها الجنود فإن الله ناصر دينه ومعز الإسلام وأهله.

ثم أن عبد الرّحمن بن عوف قام فقال : يا خليفة رسول الله إنها الروم وبنو الأصفر حدّ حديد وركن شديد ، ما أرى أن تقحم عليهم إقحاما. لكن تبعث الخيل فتغير في قواصي أرضهم ثم ترجع إليك. فإذا فعلوا ذلك بهم مرارا أضروا بهم وغنموا من أداني أرضهم فقووا بذلك عن عدوهم ، ثم تبعث إلى أراضي أهل اليمن وأقاصي ربيعة ومضر ، ثم تجمعهم جميعا إليك ثم إن شئت بعد ذلك غزوتهم بنفسك ، وإن

__________________

(١) سورة المائدة ، الآية : ٥٤.

(٢) زيادة عن المطبوعة.

(٣) في خع : سبل الرشاد.

٦٣

شئت أغزيتهم ثم سكت وسكت الناس. إذا قال فقال لهم أبو بكر : ما ترون؟ فقال عثمان بن عفان : إني أرى أنك ناصح لأهل هذا الدين شفيق عليهم ، فإذا رأيت رأيا تراه لعامتهم صلاحا فاعزم على إمضائه فإنك غير ظنين ، فقال طلحة والزبير وسعد وأبو عبيدة وسعيد بن زيد ومن حضر ذلك المجلس من المهاجرين والأنصار صدق عثمان ما رأيت من رأي فامضه ، فإنّا لا نخالفك ولا نتهمك ، وذكروا هذا وأشباهه ـ وعلي في القوم لم يتكلم ـ قال أبو بكر : ما ذا ترى يا أبا الحسن؟ فقال : أرى إنك إن سرت إليهم بنفسك أو بعثت إليهم نصرت عليهم إن شاء الله فقال : بشّرك الله بخير ، ومن أين علمت ذلك قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «لا يزال هذا الدين ظاهرا على كل من ناوأه حتى يقوم الدين وأهله ظاهرون» [٤٥٠] فقال : سبحان الله ما أحسن هذا الحديث ، لقد سررتني به سرك الله.

ثم إن أبا بكر رضي‌الله‌عنه قام في الناس فذكر الله بما هو أهله وصلّى على نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم قال : أيها الناس إن الله قد أنعم عليكم بالإسلام وأكرمكم بالجهاد وفضّلكم بهذا الدين على كل دين. فتجهزوا عباد الله إلى غزو الروم بالشام. فإني مؤمر عليكم أمراء وعاقد لهم. فأطيعوا ربكم ، ولا تخالفوا أمراءكم ، لتحسن نيتكم وشربكم وأطعمتكم ، ف (إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) (١) قال : فسكت القوم فو الله ما أجابوا. فقال عمر : يا معشر المسلمين ما لكم لا تجيبون خليفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقد (دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ) (٢) أما إنه (لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قاصِداً) (٣) لابتدرتموه. فقام عمرو بن سعيد فقال : يا ابن الخطاب ألنا تضرب الأمثال ، أمثال المنافقين؟ فما منعك مما عبت علينا فيه أن تبتدئ به؟ فقال عمر : إنه يعلم أني أجيبه لو يدعوني ، واغزو لو يغزيني. قال عمرو بن سعيد : ولكن نحن لا نغزو لكم إن غزونا إنما نغزو لله. فقال عمر : وفقك الله فقد أحسنت ، فقال أبو بكر لعمرو : اجلس رحمك الله فإن عمر لم يرد بما سمعت أذى مسلم ولا تأنيبه ، إنما أراد بما سمعت أن ينبعث المتثاقلون إلى الأرض إلى الجهاد. فقام خالد بن سعيد فقال : صدق خليفة

__________________

(١) سورة النحل ، الآية : ١٢٨.

(٢) سورة الأنفال ، الآية : ٢٣.

(٣) سورة التوبة ، الآية : ٤٢.

٦٤

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم اجلس ابن أخي فجلس ، وقال خالد : الحمد لله الذي لا إله إلّا هو الذي بعث محمدا بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون فالله منجز وعده ومظهر دينه ومهلك عدوه ، ونحن غير مخالفين ولا مختلفين ، وأنت الوالي الناصح الشفيق ننفر إذا استنفرتنا ونطيعك إذا أمرتنا. ففرح بمقالته أبو بكر وقال : جزاك الله خيرا من أخ وخليل. فقد كنت أسلمت مرتقبا وهاجرت محتسبا. قد كنت هربت بدينك من الكفار لكيما يطاع الله ورسوله وتعلو كلمته وأنت أمير الناس فسر يرحمك الله. ثم إنه نزل. ورجع خالد بن سعيد فتجهز وأمر أبو بكر بلالا فأذّن في الناس أن انفروا أيها الناس إلى جهاد الروم بالشام. والناس يرون أن أميرهم خالد بن سعيد. وكان الناس لا يشكّون أن خالد بن سعيد أميرهم ، وكان أول خلق الله عسكر. ثم إن الناس خرجوا إلى معسكرهم من عشرة وعشرين وثلاثين وأربعين وخمسين ومائة كل يوم حتى اجتمع أناس كثير. فخرج أبو بكر ذات يوم ومعه رجال من الصحابة حتى انتهى إلى عسكرهم. فرأى عدة حسنة لم يرض عدتها للروم. فقال لأصحابه : ما ترون في هؤلاء؟ أن نشخصهم إلى الشام في هذه العدّة؟ فقال عمر : ما أرضى هذه العدّة لجموع بني الأصفر فقال لأصحابه : ما ذا ترون أنتم؟ فقالوا : نحن نرى ما رأى عمر. فقال : ألا أكتب كتابا إلى أهل اليمن ندعوهم إلى الجهاد ونرغبهم في ثوابه. فرأى ذلك جميع أصحابه فقالوا : نعم ما رأيت افعل ، فكتب :

بسم الله الرّحمن الرحيم.

من خليفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى من قرئ عليه كتابي هذا من المؤمنين والمسلمين من أهل اليمن.

سلام عليكم فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو. أمّا بعد ، فإن الله تعالى كتب على المؤمنين الجهاد وأمرهم أن ينفروا خفافا وثقالا ، ويجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله ، والجهاد فريضة مفروضة ، والثواب عند الله عظيم ، وقد استنفرنا المسلمين إلى جهاد الروم بالشام ، وقد سارعوا إلى ذلك وقد حسنت في ذلك نيّتهم وعظمت حسبتهم. فسارعوا عباد الله إلى ما سارعوا إليه ، ولتحسن نيتكم فيه فإنكم إلى إحدى الحسنيين : إما الشهادة وإما الفتح والغنيمة. فإن الله تبارك وتعالى لم يرض من عباده بالقول دون العمل ، ولا يزال الجهاد لأهل عداوته حتى يدينوا بدين

٦٥

الحق ويقروا لحكم الكتاب. حفظ الله لكم دينكم ، وهدى قلوبكم وزكّى أعمالكم ورزقكم أجر المجاهدين الصابرين.

وبعث بهذا الكتاب مع أنس بن مالك رضي‌الله‌عنه.

أخبرنا أبو بكر الفرضي أنا أبو محمد الجوهري أنا أبو عمر بن حيّوية ، أنا أبو الحسن أحمد بن معروف الخشاب ، نا الحسين بن الفهم ، نا محمد بن سعد ، أنا محمد بن عمر ، حدثني عبد الجبار بن عمارة ، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، قال : لما أجمع أبو بكر أن يبعث الجيوش إلى الشام كان أول من سار من عماله عمرو بن العاص ، وأمره أن يسلك على أيلة عامدا لفلسطين فقدم عمرو أمامه مقدمة عليهم سعيد بن الحارث السهمي ، ودفع لواءه إلى الحجاج بن الحارث السهمي ، وكان جند عمرو الذين خرجوا معه من المدينة ثلاثة آلاف ، فيهم ناس كثير من المهاجرين والأنصار. وخرج أبو بكر الصّدّيق يمشي إلى جنب راحلة عمرو بن العاص ، وهو يوصيه ويقول : يا عمرو اتق الله في سر أمرك وعلانيته ، واستحيه فإنه يراك ويرى عملك. وقد رأيت تقديمي إيّاك على من هو أقدم سابقة منك ، ومن كان أعظم غناء عن الإسلام وأهله منك. فكن من عمال الآخرة ، وأرد بما تعمل وجه الله وكن والدا لمن معك. ولا تكشفن الناس عن أستارهم واكتف بعلانيتهم. وكن مجدا في أمرك واصدق اللقاء إذا لاقيت. ولا تجبن وتقدم في الغلول (١) وعاقب عليه. وإذا وعظت أصحابك فأوجز وأصلح نفسك تصلح لك رعيتك في وصية له طويلة وعهد عهده إليه يعمل به.

أخبرنا أبو بكر الفرضي ، أنا أبو محمد الجوهري ، أنا أبو عمر ، أنا أحمد بن معروف ، نا الحسين بن الفهم ، نا محمد بن سعد ، نا عبد الحميد بن جعفر ، عن أبيه ، أن أبا بكر قال لعمرو بن العاص : إني قد استعملتك على من مررت به من بلي وعذرة وسائر قضاعة ومن سقط هناك من العرب فاندبهم إلى الجهاد في سبيل الله ، ورغّبهم فيه فمن تبعك منهم فاحمله وزوّده. ورافق (٢) بينهم ، واجعل كل قبيلة على حدتها ومنزلتها.

__________________

(١) عن خع ومختصر ابن منظور ١ / ١٨٥ وبالأصل «الغلوم».

(٢) في خع : وارفق بينهم.

٦٦

قال : وأنا محمد بن عمر ، نا أسامة بن زيد الليثي ، عن معاذ بن عبد الله بن خبيب (١) ، عن رجال من قومه قال : بعث أبو بكر الصّدّيق ثلاثة أمراء إلى الشام : عمرو بن العاص ويزيد بن أبي سفيان ، وشرحبيل بن حسنة فكان عمرو هو الذي يصلّي بالناس إذا اجتمعوا ، وإن تفرقوا كان كل رجل منهم على أصحابه. وكتب أبو بكر إلى خالد بن الوليد أن يمد عمرو بن العاص فكان خالد مددا لعمرو وكان أمر الناس إلى عمرو بن العاص يوم أجنادين (٢) ويوم فحل (٣) ، وفي حصار دمشق حتى فتحت. قال أبو عبد الله الصوري الحافظ : في الأصل فحل بكسر الحاء ، والمحفوظ سكونها.

أخبرنا أبو بكر ، أنا أبو محمد الجوهري ، أنا أبو عمر بن حيّوية ، أنا أحمد بن معروف ، نا الحسين بن الفهم ، نا محمد بن سعد ، أنا محمد بن عمر ، حدثني موسى بن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي ، عن أبيه قال : لما رأى عمرو بن العاص كثرة الجموع بالشام كتب إلى [أبي](٤) بكر يذكر أمر الروم وما جمعوا ويستمده فشاور أبو بكر من عنده من المسلمين فقال عمر بن الخطاب : يا خليفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم اكتب إلى خالد بن الوليد يسير بمن معه إلى عمرو بن العاص فيكون له مددا ، ففعل أبو بكر. وكتب إلى خالد بن الوليد فلما أتاه كتاب أبي بكر قال : هذا عمل عمر. حسدني على فتح العراق ، وأن يكون على يدي ، فأحبّ أن يجعلني (٥) مددا لعمرو بن العاص وأصحابه فأكون كأحدهم ، فإن كان فتح شركنا فيه ، أو أن أكون تحت يدي بعضهم ، فإن كان فتح كان ذكره له دوني.

أخبرنا أبو بكر الفرضي ، أنا أبو محمد الجوهري ، أنا أبو عمر ، نا أحمد بن معروف ، نا الحسين بن الفهم ، نا محمد بن سعد ، أنا محمد بن عمر ، حدثني عبد الحميد بن عمران بن أبي أنس ، عن المطلب بن السائب بن وداعة قال : كتب أبو بكر الصديق إلى عمرو بن العاص : إني كتبت إلى خالد بن الوليد يسير إليك

__________________

(١) بالأصل وخع «حبيب» والمثبت والضبط «مصغرا» عن تقريب التهذيب.

(٢) أجنادين بالفتح موضع من نواحي فلسطين ، من الرملة من كورة بيت جبرين (معجم البلدان).

(٣) فحل : بكسر ففتح اسم موضع بالشام كانت فيه وقعة للمسلمين مع الروم (معجم البلدان).

(٤) زيادة عن مختصر ابن منظور ١ / ١٨٥ وفي خع «أبو».

(٥) عن خع وبالأصل «يحلني».

٦٧

مددا لك ، فإذا قدم عليك فأحسن مصاحبته ولا تطاول عليه ولا تقطع الأمور دونه لتقديمي إياك عليه ، وعلى غيره. شاورهم ولا تخالفهم.

أخبرنا أبو محمد بن الأكفاني ، نا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت ، أنا أبو الحسين محمد بن الحسين القطان ، أنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن عتّاب العبدي ، نا القاسم بن عبد الله بن المغيرة ، نا إسماعيل بن أبي أويس ، نا إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة ، عن عمه موسى بن عقبة ، قال : ثم بعث أبو بكر حين ولي الأمر بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثلاثة أمراء إلى الشام : خالد بن سعيد على جند ، وعمرو بن العاص السهمي على جند ، وشرحبيل بن حسنة على جند ، ثم نزع خالد بن سعيد (١) وأمّر على جنده يزيد بن أبي سفيان فأدركه بذي المروة (٢) فكأنّ عمرا وجد على خالد بن سعيد ، ولما فرغ خالد بن الوليد من اليمامة جاءه كتاب أبي بكر يأمره بالمسير إلى الشام. فمضى خالد على وجهه وسلك على عين التمر (٣) فمر بدومة فأغار عليها فقتل بها رجالا وهزمهم ، وسبا (٤) ابنه الجودي (٥) ثم مضى حتى قدم ـ يعني الشام ـ وبه يومئذ أبو عبيد بن الجرّاح على جند ، ويزيد بن أبي سفيان على جند ، وعمرو بن العاص على جند ، وشرحبيل بن حسنة على جند ، فقدم عليهم خالد بن الوليد فأمدّهم (٦) يوم أجنادين وهزم الله عدوه.

أخبرتنا أم البهاء فاطمة بنت محمد بن أحمد قالت : أنا أبو طاهر أحمد بن محمود الثقفي ، أنا أبو بكر [بن] المقرئ ، أنا أبو الطّيّب محمد بن جعفر الزّرّاد

__________________

(١) اذكر ما ورد من أقوال في سبب نزع أبي بكر خالد بن سعيد عن إمرة الجند ، والدور الذي لعبه عمر بن الخطاب في دفع أبي بكر الصديق إلى اتخاذ هذا الموقف ، الطبري ٤ / ٢٨ ، الكامل في التاريخ ٢ / ٤٠٢ ابن سعد ٤ / ٩٧ والبداية والنهاية ٧ / ٥.

(٢) ذو المروة : قرية بوادي القرى ، وقيل بين خشب ووادي القرى (معجم البلدان).

(٣) بلدة قريبة من الأنبار غربي الكوفة ، افتتحها المسلمون في أيام أبي بكر على يد خالد بن الوليد سنة ١٢ ه‍ (معجم البلدان).

(٤) بالأصل : «وسباد» والمثبت عن خع.

(٥) هي ليلى بنت الجودي الغساني ، كان أبوها على أهل دومة وقد ضرب خالد بن الوليد عنقه بعد دخوله دومة الجندل. (الطبري).

(٦) عن خع وبالأصل «فأمرهم».

٦٨

المنبجي (١) ، نا عبيد الله بن سعد بن إبراهيم ، أنا عمي ، نا أبي عن ابن إسحاق قال : ولما قفل أبو بكر من الحج جهز الجيوش إلى الشام فبعث عمرو بن العاص قبل فلسطين فأخذ الطريق المغربة (٢) على أيلة وبعث يزيد بن أبي سفيان وأبا عبيدة بن الجرّاح وشرحبيل بن حسنة وهو أحد الغوث (٣) وأمرهم أن يسلكوا التبوكية على البلقاء من علياء الشام.

أخبرنا أبو محمد عبد الكريم بن حمزة السّلمي ، نا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت ح.

وأخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي ، أنا أبو بكر الطبري ، قالا : أنا أبو الحسين بن الفضل ، أنا عبد الله بن جعفر ، نا يعقوب ، نا عمّار ، نا سلمة ، عن محمد بن إسحاق ح.

وأخبرنا حامد ، نا صدقة قال : قرأت على محمد بن إسحاق قال : وحدثني العلاء بن عبد الرّحمن ، عن رجل من بني سهم عن ابن ماجدة السهمي أنه قال : حج علينا أبو بكر في خلافته سنة ثنتي عشرة فلما قفل أبو بكر من الحج جهّز الجيوش إلى الشام : عمرو بن العاص ويزيد بن أبي سفيان وأبا عبيدة بن الجرّاح وشرحبيل بن حسنة.

أخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي ، أنا أبو علي محمد بن محمد بن محمد بن المسلمة ، أنا أبو الحسن علي بن أحمد الحمّامي ، أنا أبو علي بن الصّوّاف ، نا الحسن بن علي القطان ، نا إسماعيل بن عيسى العطار ، نا إسحاق بن بشر ، حدثني محمد بن إسحاق ، عن العلاء بن عبد الرّحمن بن يعقوب ، عن رجل من بني سهم ، عن علي بن ماجد السهمي أنه قال : حج أبو بكر في خلافته سنة ثنتي عشرة فلما قفل أبو بكر من الحج جهّز الجيوش إلى الشام فبعث عمرو بن العاص قبل فلسطين ، فأخذ الطريق

__________________

(١) بالأصل «المينحي» وفي خع «المنجي» وفي المطبوعة : «المنيحي» وكله تحريف ، والصواب : «المنبجي» انظر الأنساب (الزراد ـ المنبحي) وهذه النسبة إلى منبج مدينة بينها وبين الفرات ثلاثة فراسخ وبينها وبين حلب عشرة فراسخ (ياقوت).

(٢) كذا بالأصول ، وصححها محقق المطبوعة : المعرفة ، وهي طريق إلى الشام كانت قريش تسلكها.

(٣) بنو الغوث بطن من كهلان من القحطانية.

٦٩

المغربة على أيلة وبعث يزيد بن أبي سفيان وأبا عبيدة بن الجرّاح وشرحبيل بن حسنة وأمرهم أن يسلكوا التبوكيّة من علياء الشام.

كذا قال ابن ماجد ، وإنما هو ابن ماجدة. كما تقدم.

أخبرنا أبو بكر الفرضي ، أنا أبو محمد الجوهري ، أنا أبو عمر بن حيّوية ، أنا أبو الحسن بن معروف ، نا الحسين بن الفهم ، نا محمد بن سعد ، أنا محمد بن عمر ، حدثني عبد الله بن وابصة العبسي ، عن أبيه ، عن جده قال : كنا مع خالد بن الوليد في الردّة أعوانا له ، فلما رجع إلى المدينة ومعه العرب رجعت العرب إلى أوطانها ، ورجعت عبس وطيء ومن كان من أسد إلى منازلهم ، حتى جاءهم النفير إلى الشام ، فقدموا المدينة فجعل أبو بكر يفرّق الجيوش على ولاته وهم ثلاثة : عمرو بن العاص ، وشرحبيل بن حسنة ويزيد بن أبي سفيان فخرجوا معهم إلى الشام.

أخبرنا أبو محمد بن الأكفاني ، نا عبد العزيز بن أحمد الكتاني ، أنا أبو محمد بن أبي نصر ، أنا أبو القاسم بن أبي العقب ، أنا أبو عبد الملك أحمد بن إبراهيم القرشي ، نا أبو عبد الله محمد بن عائذ ، نا الوليد بن مسلم قال : سمعت أبا عمرو وغيره من أشياخنا يذكرون مغازي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ويقولون : صدق الله وعده نبيّه ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده. ثم ساق الكلام إلى ذكر تنفيذ جيش أسامة ، وبعث أبي بكر الجيوش لقتال أهل الرّدّة ثم قال :

حتى أتته وفود العرب مقرّة بما كانت أنكرت ، راجعة إلى ما كانت خرجت منه. فلما رأى أبو بكر حسن خلافة ربه نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم في تركته ، وجماعة أمته ، ومنّه عليهم بنصره على كل مصعّب ومكذّب وكفايته مئونته على كل مرتدّ ومرتاب ، وقوته عليهم جميعا ، واجتماع كلمتهم على الإيمان بالله ، والإقرار بتوحيده ، والعمل بفرائضه ، وشرائعه ، دعاهم إلى جهاد قيصر وكسرى ومن يليهما من أهل ملكهما ، وإقامة فريضة الله عليهم بذلك والعمل بسنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيما كان من مسيره بنفسه ، وجماعة أمته إلى قيصر ومن يليهم. فأجابه إلى ذلك جماعة من المهاجرين والأنصار ومهاجرة الفتح وأمداد أهل العالية واليمن. فاجتمع له منهم أربعة وعشرون ألفا وولّى عليهم الأمراء ، وعقد لهم الألوية ، وجهّزهم بما قدر عليه من الأموال والظهر ، ولم يرض ببعثه السرايا ولا

٧٠

الاقتصار عليها. فمضوا لما وجّههم له. فوليهم الله بحسن الصحبة في العافية (١) وسعة الرزق والتمكين في البلاد والنصر والفلج ، والظهور على من تعرض قتالهم بأجنادين ثم فحل ثم مرج الصّفّر (٢) ثم تولوا على دمشق وحاصروا أهلها.

أخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي ، أنا أبو الحسين بن النّقّور ، أنا أبو طاهر المخلّص ، نا أبو بكر بن سيف ، نا السريّ بن يحيى ، نا شعيب بن إبراهيم ، نا سيف بن عمر ، عن أبي إسحاق سليمان الشيباني عن أبي صفية التيمي ـ تيم شيبان ـ وطلحة عن المغيرة ، ومحمد عن أبي عثمان قالوا (٣) : أمر أبو بكر خالدا أن ينزل تيماء ففصل ردءا حتى ينزل بتيماء (٤) وقد أمره أبو بكر أن لا يبرحها ، وأن يدعو من حوله بالانضمام إليه ، وأن لا يقبل إلّا ممن لم يرتدّ ، ولا يقاتل إلّا من قاتله حتى يأتيه أمره ، فأقام فاجتمع إليه جموع كثيرة ، وبلغ الروم عظم ذلك العسكر ، فضربوا على العرب الضّاحية البعوث بالشام إليهم ؛ فكتب خالد بن سعيد إلى أبي بكر بذلك ، وبنزول من استنفرت الروم ، ونفر إليهم من بهراء وكلب وسليح وتنوخ ولخم وجذام وغسّان من دون زيزاء (٥) بثلاث ، فكتب إليه أبو بكر أن أقدم ولا تحجم واستنصر الله ، فسار إليهم خالد ، فلما دنا منهم تفرّقوا وأعروا منزلهم ، فنزله خالد ودخل عامة من كان تجمّع له في الإسلام.

وكتب خالد إلى أبي بكر بذلك. فكتب إليه أبو بكر : أقدم ولا تقتحمن حتى لا تؤتى من خلفك ، فسار فيمن كان خرج معه من تيماء أو فيمن لحق به في طرف الرمل حتى نزلوا فيما بين آبل وزيزاء والقسطل (٦) فسار إليه بطريق من بطارقة الروم يدعى

__________________

(١) كذا بالأصل ، وفي خع ومختصر ابن منظور ١ / ١٨٦ «العاقبة».

(٢) مرج الصفر : بالضم ثم الفتح والتشديد ، والراء ، موضع بين دمشق والجولان ، صحراء كانت بها وقعة مشهورة في أيام بني مروان. (معجم البلدان).

(٣) الخبر في الطبري ٣ / ٣٨٨ حوادث سنة ١٣.

(٤) تيماء : بالفتح والمدّ ، بليد في أطراف الشام ، بين الشام ووادي القرى على طريق حاج الشام ودمشق (ياقوت).

(٥) زيزاء من قرى البلقاء (معجم البلدان).

(٦) آبل : بالأردن من مشارف الشام.

والقسطل موضع قرب البلقاء من أرض دمشق في طريق المدينة (معجم البلدان).

٧١

ماهان (١) فهزمه وقتل جنده وكتب بذلك إلى أبي بكر واستنفره (٢). وقدم على أبي بكر أوائل مستنفري اليمن ، ومن بين مكة وبين اليمن ، وفيهم ذو الكلاع ، وقدم عليه عكرمة قافلا وغازيا فيمن كان معه من تهامة (٣) وعمان والبحرين والسّر وفكتب لهم أبو بكر إلى أمراء الصّدقات أن يبدلوا من استبدل ، فكلهم استبدل ، فسمّي ذلك الجيش جيش البدال. وقدموا على خالد بن سعيد وعند ذلك اهتاج أبو بكر للشام ، وعناه أمره ، وقد كان أبو بكر ردّ عمرو بن العاص على عمالة كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولّاها إياه من صدقات سعد هذيم وعذرة ومن لقيهم من جذام وحدس (٤) قبل ذهابه إلى عمان. فخرج إلى عمان وهو على عدة من عمله إذا هو رجع فخرج إلى عمان فأنجز له ذلك أبو بكر.

فكتب أبو بكر عند اهتياجه للشام إلى عمرو : إني قد كنت رددتك إلى العمل الذي كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولّاكه مرة ، وسمّاه لك أخرى مبعثك إلى عمان إنجازا لمواعيد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قد وليته ثم وليته ، وقد أحببت أبا عبد الله أن أفرغك لما هو خير لك في حياتك ومعادك ، إلّا أن يكون الذي أنت فيه أحب إليك. فكتب إليه عمرو : إني سهم من سهام الإسلام ، وإنك بعد الله الرامي بها ، والجامع لها ، فانظر أشدّها وأخشاها وأفضلها فارم به شيئا إن جاءك من ناحية من النواحي. وكتب إلى الوليد [بن عقبة](٥) نحو ذلك فأجابه بإيثار الجهاد.

وأخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي ، أنا أبو الحسين ، أنا أبو طاهر ، نا أبو بكر بن سيف ، نا السري بن يحيى ، نا شعيب بن إبراهيم ، نا سيف ، عن سهل بن يوسف ، عن القاسم بن محمد قال (٦) : كتب أبو بكر إلى عمرو ، وإلى الوليد بن عقبة وكان على النّصف من صدقات قضاعة ، وقد كان أبو بكر شيعهما مبعثهما على الصّدقة

__________________

(١) كذا بالأصل ، وفي خع والطبري ومختصر ابن منظور : باهان بالباء.

(٢) في الطبري : واستمده.

(٣) تهامة بالكسر ، إلى عرق اليمن إلى أسياف البحر إلى الحجفة وذات عرق (معجم البلدان).

وعمان اسم كورة عربية على ساحل بحر اليمن والهند (ياقوت).

السرو : منازل حمير بأرض اليمن ، وهي عدة مواضع (ياقوت).

(٤) بالأصول «وجديس» والمثبت عن الطبري ، وحدس : بطن عظيم من العرب (قاموس).

(٥) زيادة عن الطبري.

(٦) الخبر في الطبري ٣ / ٣٩٠ حوادث سنة ١٣.

٧٢

وأوصى كل واحد منهما بوصية واحدة : اتّق الله في السر والعلانية ، فإنه من يتّق الله يجعل له مخرجا ، ويرزقه من حيث لا يحتسب ، ومن يتّق الله يكفر عنه سيئاته ، ويعظم له أجرا. فإنّ تقوى الله خير ما تواصى به عباد الله ، إنك في سبيل من سبل (١) الله لا يسعك فيه الإذهان (٢) والتفريط ولا والغفلة عما فيه قوام دينكم ، وعصمة أمركم ، فلا تن ولا تفتر. وكتب إليهما : استخلفا على أعمالكما ، واندبا من يليكما.

فولّى عمرو على علياء قضاعة عمرو بن فلان العذري ، وولّى الوليد على ضاحية قضاعة مما يلي دومة امرأ القيس ، وندبا الناس ، فتضامّ إليهما بشر كثير وانتظرا أمر أبي بكر.

وقام أبو بكر في الناس خطيبا فحمد الله وصلّى على رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقال : ألا إن لكلّ أمر جوامع ، فمن بلغها فهو حسبه ومن عمل لله عزوجل كفاه الله عليكم بالجد والقصد ، فإن القصد أبلغ ، إلّا أنه لا دين لأحد لا إيمان معه ولا أجر لمن لا حسبة له ، ولا عمل لمن لا نية له. ألا وإن في كتاب الله من الثواب على الجهاد في سبيل الله لما ينبغي للمسلم أن يحب أن يخص به هي النجاة (٣) التي دل الله عليها ونجّى بها من الخزي وألحق بها الكرامة في الدنيا والآخرة.

فأمد عمرا ببعض من انتدب إلى من اجتمع إليه ، وأمّره على فلسطين ، وأمره بطريق سمّاها له ، وأتى الوليد فأمره بالأردن ، وأمدّه ببعضهم ودعا يزيد بن أبي سفيان ، فأمّره على جند عظيم ، هم جمهور من انتدب له ، وفي جنده سهيل بن عمرو وأشباهه من أهل مكة ، وشيعه ماشيا. فقال يزيد : يا خليفة رسول الله أتمشي وأنا راكب فأبى عليه وقال : إني أحتسب خطاي في سبيل الله.

قرأت على أبي محمد عبد الكريم بن حمزة السلمي ، عن عبد العزيز بن أحمد التميمي ، أنا أبو نصر محمد بن أحمد بن هارون بن الجندي وأبو القاسم عبد الرّحمن بن الحسين بن الحسن بن أبي العقب ، قالا : أنا أبو القاسم علي بن

__________________

(١) قوله : «من سبل» سقطت من الأصل ، واستدركت عن الطبري وخع ، وعلى هامش الأصل «سبيل من» في محاولة تصحيح العبارة.

(٢) يقال : ذهن عن الشيء ، وأذهنه عنه ، أنساه إياه وألهاه عنه.

(٣) في الطبري : التجارة.

٧٣

يعقوب بن أبي العقب ، أنا أحمد بن إبراهيم القرشي ، نا محمد بن عائذ القرشي قال : قال الوليد : أخبرنا صفوان بن عمرو ، عن عبد الرّحمن بن جبير : إن الله تبارك وتعالى لما نصر المسلّمين على أهل الرّدّة وكفرة بني خنيفة ، وقتل مسيلمة الكذّاب كتب أبو بكر إلى خالد يأمره بالمسير إلى العراق. فسار في ستة آلاف. وجهز أبو بكر الجيوش إلى الشام ، فاجتمع له أربعة وعشرون ألفا من المهاجرين والأنصار ومسلمة الفتح وأمداد اليمن وأهل العالية. وولّى أبا عبيدة على ربع ، وعمرو بن العاص على ربع ، وشرحبيل بن حسنة على ربع ، ويزيد بن أبي سفيان على ربع وولّاه على جماعتهم.

قال : ونا ابن عائذ قال : قال الوليد : وقد أخبرنا ابن لهيعة عن يونس بن يزيد ، عن ابن شهاب الزّهري : أن أبا بكر بعث خالدا على جيشه قبل العراق ، وبعث إلى الشام ثلاثة أمراء : خالد بن سعيد بن العاص على جند ، وعمرو بن العاص على جند ، وشرحبيل بن حسنة على جند. ولم يزل عمر بأبي بكر حتى أمّر يزيد بن أبي سفيان على جند فأدركهم بذي مروة.

قال الوليد بن مسلم : إنّ حديث صفوان بن عمرو عن عبد الرّحمن بن جبير في تولية يزيد بن أبي سفيان على جماعتهم بالمدينة قبل أن يسيروا أنه أثبت. وبذلك اجتمعت الأحاديث.

قال : ونا ابن عائذ قال الوليد : وأخبرني أبو عمرو ، عن يحيى بن سعيد أن أبا بكر الصّدّيق ولّى يزيد بن أبي سفيان على جماعتهم وخرج مشيعا له. وقال يزيد : إمّا أن تركب وإما أن أنزل. فقال أبو بكر : ما أنا براكب ولست بنازل إني أحتسب خطاي هذه في سبيل الله.

أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسين بن علي بن المزرفي ، أنا أبو الغنائم عبد الصّمد بن علي بن المأمون ، أنا أبو القاسم عبيد الله بن محمد بن إسحاق بن حبابة ح.

وأخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي ، وأبو المعالي أحمد بن علي بن محمد بن يحيى بن الرويج المعروف بابن الحاجب قالا : أنا أبو الحسين بن النّقّور ، أنا أبو الحسين محمد بن عبد الله بن الحسين قالا : نا عبد الله بن محمد ، نا أبو نصر ، نا

٧٤

كوثر بن حكيم ، عن نافع ، عن ابن عمر : أن أبابكر بن أبي قحافة رضي‌الله‌عنهم : بعث يزيد بن أبي سفيان إلى الشام فمشى معهم نحوا من ميلين. فقيل له : يا خليفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لو انصرفت. قال : لا ، إني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «من اغبرّت قدماه في سبيل الله عزوجل حرمهما الله على النار» [٤٥١] ثم بدا له في الانصراف إلى المدينة فقام في الجيش فقال : أوصيكم بتقوى الله عزوجل : لا تعصوا ، ولا تغلوا ، ولا تجبنوا ، ولا تهدموا بيعة ، ولا تعزقوا نخلا ، ولا تحرقوا زرعا ، ولا تجشروا بهيمة ، ولا تقطعوا شجرة مثمرة ، ولا تقتلوا شيخا كبيرا ، ولا صبيا صغيرا. وستجدون أقواما قد حبسوا أنفسهم للذي حبسوها فذروهم وما حبسوا أنفسهم له. وستجدون أقواما قد اتخذت الشياطين أوساط رءوسهم أفحاصا فاضربوا على أعناقهم. وسترون ـ وقال ابن المزرفي : وستردون (١) ـ بلدا يغدو ويروح عليكم فيه ألوان الطعام ، فلا يأتيكم لون إلّا ذكرتم اسم الله عليه ولا ترفعوا لونا ـ وقال ابن المزرفي ولا يرفع لون ـ إلّا حمدتم الله عزوجل عليه.

أخبرنا أبو محمد بن الأكفاني ، نا أبو محمد عبد العزيز الكتاني ، أنا أبو محمد بن أبي نصر ، أنا أبو القاسم بن أبي العقب ، أنا أبو عبد الملك أحمد بن إبراهيم بن بشر القرشي ، نا محمد بن عائذ ، نا الوليد بن مسلم ، أخبرني صفوان بن عمرو ، عن عبد الرّحمن بن جبير : أن أبابكر لمّا وجّه الجيش إلى الشام قام فيهم فحمد الله وأثنى عليه ، ثم أمرهم بالمسير إلى الشام وبشّرهم بفتح الله إياها حتى تبنوا فيها المساجد فلا نعلم أنكم إنما تأتونها تلهيا. والشام أرض شبيعة يكثر لكم فيها من الطعام فإياي والأشر. أما ورب الكعبة لتأشرنّ ولتبطرنّ ، وإني موصيكم بعشر كلمات فاحفظوهن : لا تقتلن شيخا فانيا ولا صبيّا صغيرا ولا امرأة ولا تهدموا بيتا ولا تقطعوا شجرا مثمرا ، ولا تعقرن بهيمة إلّا لأكل ، ولا تحرقوا نخلا ولا تعزقوه ، ولا تعصر ولا تجبن ولا تغلل وستجدون قوما قد حبسوا أنفسهم فدعوهم وما حبسوا أنفسهم له وستجدون آخرين محلقة رءوسهم فاضربوا مقاعد الشيطان منها بالسيوف ، والله لئن أقتل

__________________

(١) بالأصل «وسترون» والمثبت عن خع ، وفي خع : المزرقي بالقاف تحريف ، والصواب بالفاء نسبة إلى مزرفة ، بلدة ، وقد تقدمت الإشارة إليها.

٧٥

رجلا منهم أحب إلي من أن اقتل سبعين من غيرهم ذلك بأن الله قال : (فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ) (١).

أخبرنا أبو القاسم الشحّامي ، أنا أبو بكر البيهقي ، أنا أبو بكر عمر بن عبد العزيز بن عمر بن قتادة ، أنا أبو الفضل محمد بن عبد الله بن خميرويه الكرابيسي الهروي ـ بها ـ أنا أحمد بن نجدة ، نا الحسن بن الربيع ، نا عبد الله بن المبارك ، عن يونس بن يزيد ، عن ابن شهاب ، عن سعيد بن المسيّب ، أن أبا بكر لما بعث الجنود نحو الشام : يزيد بن أبي سفيان وعمرو بن العاص وشرحبيل بن حسنة ، قال : لما ركبوا مشى أبو بكر مع أمراء جنوده يودعهم حتى بلغ ثنيّة الوداع فقالوا : يا خليفة رسول الله أتمشي ونحن ركبان؟ فقال : إني احتسب خطاي هذه في سبيل الله ، ثم جعل يوصيهم فقال : أوصيكم بتقوى الله. اغزوا في سبيل الله ، فقاتلوا من كفر بالله ، فإن الله ناصر دينه ، ولا تغلّوا ، ولا تغدروا ، ولا تجبنوا ، ولا تفسدوا في الأرض ، ولا تعصوا ما تؤمرون ، وإذا لقيتم العدو من المشركين إن شاء الله فادعوهم إلى ثلاث خصال فإن هم أجابوكم (٢) فاقبلوا منهم ، وكفوا عنهم : ادعوهم إلى الإسلام فإن هم أجابوكم (٢) فاقبلوا منهم وكفوا عنهم ثم ادعوهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين ، فإن هم فعلوا فأخبروهم أن لهم مثل ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين ، وإن هم دخلوا في الإسلام واختاروا دارهم على دار المهاجرين ، فأخبروهم أنهم كأعراب المسلمين يجري عليهم حكم الله الذي فرض على المؤمنين وليس لهم في الفيء والغنائم شيء حتى يجاهدوا مع المسلمين ، فإن هم أبوا أن يدخلوا في الإسلام فادعوهم إلى الجزية ، فإن هم فعلوا فاقبلوا منهم وكفّوا عنهم ، وإن هم أبوا فاستعينوا بالله عليهم فقاتلوهم إن شاء الله ولا تعزقن نخلا ، ولا تحرقنها ، ولا تعقروا بهيمة ، ولا شجرة تثمر ، ولا تهدموا بيعة ، ولا تقتلوا الولدان ولا الشيوخ ولا النساء ، وستجدون أقواما حبسوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما حبسوا أنفسهم له ، وستجدون آخرين اتّخذ الشيطان في أوساط رءوسهم أفحاصا فإذا وجدتم أولئك فاضربوا أعناقهم إن شاء الله.

وأخبرنا أبو القاسم الشحّامي ، أنا أبو بكر البيهقي ، أنا أبو عبد الله الحافظ وأبو

__________________

(١) سورة التوبة ، الآية : ١٢.

(٢) بالأصول «أجابوك» خطأ.

٧٦

سعيد بن أبي عمرو قالا : نا أبو العباس محمد بن يعقوب قال : سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل يقول : سمعت أبي يقول : هذا حديث منكر ، ما أظن من هذا شيئا (١) هذا كلام أهل الشام ، أنكره أبي على يونس من حديث [الزّهري](٢) كأنه عنده من يونس ، عن غير الزّهري.

أخبرنا أبو محمد هبة الله بن سهل الفقيه ، أنا أبو عثمان سعيد بن عبد الله بن محمد البحيري (٣) ، أنا زاهر بن أحمد الفقيه ، أنا إبراهيم بن عبد الصّمد الهاشمي ، نا أبو مصعب الزّهري ، نا مالك ، عن يحيى بن سعيد أن أبا بكر الصّدّيق بعث جيوشا إلى الشام فخرج يمشي مع يزيد بن أبي سفيان وكان أمير ربع من تلك الأرباع فزعموا أن يزيد قال لأبي بكر الصّدّيق : إمّا أن تركب وإمّا أن أنزل. فقال له أبو بكر : ما أنت بنازل وما أنا براكب. إني احتسب خطاي هذه في سبيل الله ثم قال : ستجد قوما زعموا أنهم حبسوا أنفسهم لله فذرهم وما زعموا أنهم حبسوا أنفسهم له ، وستجد قوما فحصوا عن أوساط رءوسهم من الشعر ، فاضرب ما فحصوا عنه بالسيف. وإني موصيك بعشر : لا تقتلن امرأة ، ولا صبيا ، ولا كبيرا هرما (٤) ، ولا تقطعن شجرا مثمرا ، ولا تخربن عامرا ، ولا تعقرن شاة ، ولا بعيرا إلّا لمأكلة ، ولا تحرقن نخلا ولا تعزقنه ، ولا تغلل ، ولا تجبن.

أخبرنا أبو القاسم الشحّامي ، أنا أبو بكر البيهقي ، أنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو ، قالا : نا أبو العباس محمد بن يعقوب ، نا يحيى بن أبي طالب ، أنا عبد الوهاب بن عطاء ، أنا روح بن القاسم ، عن يزيد بن أبي مالك الشامي قال : جهّز أبو بكر الصّدّيق يزيد بن أبي سفيان بعثه إلى الشام أميرا فمشى معه وذكر الحديث بمعناه.

وأخبرنا أبو القاسم الشحّامي ، أنا أبو بكر البيهقي ، أنا أبو عبد الله الحافظ ، نا أبو العباس ، نا أحمد بن عبد الجبّار ، نا يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق ، حدثني صالح بن كيسان قال : لما بعث أبو بكر يزيد بن أبي سفيان إلى الشام على ربع من

__________________

(١) بالأصل «شيء» خطأ.

(٢) الزيادة عن خع.

(٣) هذه النسبة إلى بحير ـ بفتح الباء ـ أحد أجداد المنتسب إليه (الأنساب).

(٤) عن خع وبالأصل «هربا».

٧٧

الأرباع خرج أبو بكر معه يوصيه ، ويزيد راكب [وأبو بكر يمشي ، فقال يزيد : يا خليفة رسول الله ، إما أن تركب وإما أن أنزل ، فقال : ما أنت بنازل وما أنا براكب](١) إني احتسب خطاي هذه في سبيل الله ، يا يزيد إنكم ستقدمون بلادا تؤتون بها بأصناف من الطعام ، فسمّوا الله على أولها وأحمدوه على آخرها ، وإنكم ستجدون أقواما قد حبسوا أنفسهم في هذه الصوامع فاتركوهم وما حبسوا له أنفسهم. وستجدون أقواما قد اتخذوا الشيطان على رءوسهم مقاعد ـ يعني الشمامسة ـ فاضربوا تلك الأعناق ، ولا تقتلوا كبيرا هرما ، ولا امرأة ولا وليدا ، ولا تخربوا عمرانا ، ولا تقطعوا شجرة إلّا لنفع ، ولا تعقرنّ بهيمة إلّا لنفع ، ولا تحرقن نخلا ولا تعزقنه ، ولا تغدر ، ولا تمثّل ولا تجبن ، ولا تغلل (وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ) (٢) (وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) (٢) استودعك الله وأقرئك السلام ثم انصرف.

قال : ونا يونس ، عن ابن إسحاق ، حدثني محمد بن جعفر بن الزبير وقال لي : هل تدري لم فرّق أبو بكر وأمر بقتل الشمامسة ، ونهى عن قتل الرهبان فقلت : لا أراه إلّا لحبس هؤلاء أنفسهم ، فقال : أجل ، ولكن يلقون القتال فيقاتلون ، وإن الرهبان رأيهم أن لا يقاتلوا وقد قال الله تعالى : (وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ) (٣).

أخبرنا أبو غالب أحمد وأبو عبد الله يحيى ، ابنا الحسن بن البنا ، قالا : أنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن المسلمة ، أنا أبو طاهر المخلّص ، أنا أحمد بن سليمان الطوسي ، نا الزبير بن بكار ، حدثني مصعب بن عبد الله قال : لما سار (٤) خالد بن

__________________

(١) ما بين معكوفتين سقط من الأصل واستدرك عن خع.

(٢) سورة الحج ، الآية : ٤٠ وفيها «لقوي» بدل «قوي» وقوله : (وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ) جزء من الآية ٢٥ من سورة الحديد.

(٣) سورة البقرة ، الآية : ١٩٠.

(٤) يعني من العراق متوجها نحو الشام ، وذلك بعد وصول كتاب أبي بكر إليه يأمره بأن يكون مددا لجنود الشام. وقد أرسل أبو بكر الكتاب إلى خالد مع عبد الرحمن بن حنبل الجمحي وفيه : من عبد الله بن عثمان خليفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى خالد بن الوليد. أما بعد فقد ورد عليّ من خبر الشام ما قد أقلقني وأرقني وضقت به ذرعا فإذا ورد عليك كتابي هذا وأنت قائم فلا تقعد ، وإن كنت راكبا فلا تنزل ، وذر العراق وخلّف عليها من تثق به من أهلها الذين قدموا معك من اليمامة والحجاز حتى تأتي الشام فتلقى أبا عبيدة بن الجراح ومن معه من المسلمين ، فإن العدو قد جمع لهما جمعا عظيما وقد احتاجوا إلى معونتك ، فإذا أنت أتيت المسلمين بالشام فأنت أمير الجماعة والسلام (الفتوح ١ / ١٣٣).

٧٨

الوليد يريد دومة الجندل أخذ المفاوز ، واستأجر رافعا الطائي (١) يهديه ، واشترى خمسين شارفا (٢) فكبتها وأوجرها بعد وسقاها عللا ونهلا (٣) فكلما نزل منزلا نحر وجعل أكراشها على النار وشرب القوم منها ، حتى إذا شارفوا رمد رافع حتى لم يبصر. فقال رافع : ائتوني بغلام حديث (٤) قال : أروني الماء ثم قال للغلام : ما ترى؟ قال : أرى سدرا على موضع مرتفع فقال ذلك سدر دومة الجندل. وقال خالد بن الوليد : اقسم بالله لتركبن ، وقال خالد (٥) :

ضلّ ضلال رافع (٦) إني اهدى

فوّز من قراقر إلى سوى (٧)

خمسا إذا ما سارت الجيش بكا (٨)

ما سارها من قبله أنس أرى (٩)

أخبرنا أبو الحسين عبد الرّحمن بن عبد الله بن الحسن بن أبي الحديد ، أنا جدي أبو عبد الله ، أنا علي بن الحسن الربعي ، أنا أبو الفرج العباس بن محمد بن حبان ، أنا أبو العباس بن الزّفتي ، أنا محمد بن محمد بن مصعب الصوري ، نا محمد بن المبارك الصّوري ، نا الوليد بن مسلم : سمعت إسحاق بن أبي فروة (١٠) يحدث أن خالدا ومن معه هبطوا من ثنيّة الغوطة تقدمهم راية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم السوداء التي

__________________

(١) في فتوح البلدان ص ١١٤ : رافع بن عمير الطائي.

(٢) الشارف من النوق المسنة الهرمة (قاموس).

(٣) العلل : الشربة الثانية ، والنهل : الشربة الأولى.

(٤) أي فتيّ.

(٥) في فتوح البلدان : «ففيه يقول الشاعر» وفي البداية والنهاية ٧ / ١٠ «قال رجل من المسلمين» وفي الطبري ٣ / ٤١٦ : «فقال شاعر من المسلمين» والرجز في الطبري ٣ / ٤١٦ وفتوح البلدان ص ١١٤ والبداية والنهاية ٧ / ١٠ ومعجم البلدان «قراقر» باختلاف.

(٦) في الطبري وابن كثير : لله عينا رافع» وفي فتوح البلدان «لله درّ رافع».

(٧) في البداية والنهاية «نوى» وبقية المصادر كالأصل. وقراقر : ماء لكلب (فتوح البلدان ١١٤).

(٨) في المصادر : «سارها الجيش» وفي فتوح البلدان «رامه الجيش» وفي ياقوت : «الحبس» بدل الجيش.

(٩) في الطبري :

ما سارها قبلك إنسي يرى

وفي البلاذري :

ما جازها قبلك من إنس يرى

وفي ابن كثير :

قبلك إنسي

(١٠) في المطبوعة : مروة تحريف.

٧٩

يقال لها العقاب فبها سميت يومئذ ثنيّة العقاب (١).

أخبرنا أبو غالب محمد بن الحسن الماوردي ، أنا أبو الحسن محمد بن علي السيرافي ، أنا أبو عبد الله أحمد بن إسحاق بن خربان النهاوندي ، نا أحمد بن عمران بن موسى ، نا موسى بن زكريا التّستري ، نا أبو عمرو خليفة ابن خياط العصفري ، نا بكر يعني ابن سليمان ، عن ابن إسحاق قال (٢) : وكتب أبو بكر إلى خالد بن الوليد فسار إلى الشام ، فأغار على غسّان بمرج راهط (٣) ثم سار فنزل على قناة بصرى (٤) وقدم فيه (٥) يزيد بن أبي سفيان وأبو عبيدة بن الجرّاح وشرحبيل بن حسنة فصالحه أهل بصرى فكانت أول مدائن الشام فتحت وصالح خالد في وجهه ذلك أهل تدمر (٦) ومرّ على حوّارين (٧) فقتل وسبا.

أخبرنا أبو محمد عبد الكريم بن حمزة السّلمي ، نا أبو بكر الخطيب ح.

وأنا أبو القاسم بن السمرقندي ، أنا أبو بكر بن اللّالكائي ، قالا : أنا أبو الحسين بن الفضل ، أنا عبد الله بن جعفر ، أنا يعقوب ، نا عمّار ، عن سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : سار خالد حتى أغار على غسان بمرج راهط ثم سار حتى نزل على قناة بصرى وعليها أبو عبيدة بن الجرّاح وشرحبيل بن حسنة ويزيد بن أبي سفيان فاجتمعوا فرابطوها حتى صالحت بصرى على أخذ الجزية وفتحها الله على المسلمين فكانت أول مدينة من مدائن الشام فتحت في خلافة أبي بكر (٨).

أخبرنا أبو القاسم الشحّامي أنا أبو بكر البيهقي ح.

__________________

(١) قال البلاذري : وقوم يقولون إنها سميت بعقاب من الطير كانت ساقطة عليها ، قال : وسمعت من يقول : كان هناك مثال عقاب من حجارة وليس ذلك بشيء ، والخبر الأول أصح (يعني سميت باسم راية النبي من العقاب).

(٢) تاريخ خليفة ص ١١٨ حوادث سنة ١٣.

(٣) مرج بجوار دمشق.

(٤) بصرى : قصبة كورة حوران (ياقوت).

(٥) كذا بالأصل ، وفي خليفة : «وقدم عليه» وفي الطبري ٣ / ٤١٧ «وعليها» بدل «وقدم فيه».

(٦) تدمر : مدينة مشهورة في برية الشام (ياقوت).

(٧) قرية على مرحلتين من تدمر ، وقيل هي القريتين (ياقوت).

(٨) الخبر في الطبري ٣ / ٤١٧ نقلا عن ابن إسحاق.

٨٠