تاريخ مدينة دمشق - ج ٢

أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي [ ابن عساكر ]

تاريخ مدينة دمشق - ج ٢

المؤلف:

أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي [ ابن عساكر ]


المحقق: علي شيري
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٢٣
الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٢ الجزء ٣٣ الجزء ٣٤ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١ الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠

رسول قيصر جارا لي زمن يزيد بن معاوية ، فقلت له : أخبرني عن كتاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى قيصر فقال : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أرسل دحية الكلبي إلى قيصر وكتب معه إليه كتابا. فذكر نحو حديث عبّاد بن عبّاد ، وحديث عبّاد أتم وأحسن اقتصاصا للحديث ـ وزاد قال : فضحك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ يعني ـ حين دعاه إلى الإسلام ، فأبى أن يسلم. وتلى هذه الآية (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) (١) ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنك رسول قوم ، وإنّ لك حقا ، ولكن جئتنا ونحن مرملون» [٤٣٩] فقال عثمان بن عفان : أنا أكسوه حلة صفورية وقال رجل من الأنصار : عليّ ضيافته.

أخبرنا أبو عبد الله الفراوي ، أنا أبو بكر البيهقي ، أنا أبو عبد الله الحافظ ، نا أبو العباس محمد بن يعقوب ح

وأخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي ، أنا أبو الحسين بن النّقّور ، أنا محمد بن عبد الرّحمن الذهبي المخلّص ، أنا رضوان بن محمد ، قراءة عليه ، قالا : أنا أحمد بن عبد الجبار ، نا يونس ، عن ابن إسحاق ، قال : فلما انتهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى تبوك أتاه يحنّة (٢) بن رؤبة صاحب أيلة (٣) فصالح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأعطاه الجزية وأتاه أهل جرباء (٤) وأذرح فأعطوه الجزية ، وكتب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لهم كتابا فهو عندهم ، فكتب ليحنّة بن رؤبة :

بسم الله الرّحمن الرحيم.

هذا (٥) أمنة من الله ومحمد النبي ورسوله ليحنّة بن رؤبة وأهل أيلة أساقفتهم وسائرهم في البر والبحر ، لهم ذمة الله وذمة النبي ومن كان معه من أهل الشام ، وأهل اليمن ، وأهل البحر فمن أحدث منهم حدثا فإنه لا يحول ماله دون نفسه ، وإنه طيب لمن

__________________

(١) سورة القصص ، الآية : ٥٦.

(٢) بضم التحتية وفتح الحاء المهملة ونون مشددة وتاء ، ويقال يحنا بالألف بدل التاء.

ورؤبة بضم الراء وسكون الهمزة وبالموحدة.

(٣) أيلة : بالفتح ، مدينة بالشام على النصف ما بين مصر ومكة على ساحل البحر.

(٤) جرباء موضع من أعمال عمان بالبلقاء من أرض الشام ، وهي قريبة من منطقة أذرح من البلقاء. بينهما ثلاثة أيام ، وفي القاس : أذرح بجنب جربا.

(٥) في دلائل البيهقي ٥ / ٢٤٧ : هذه.

٤١

أخذه من الناس ، وإنه لا يحل أن يمنعوا ما يريدونه ولا طريقا يريدونه من برّ أو بحر.

هذا كتاب جهيم بن الصّلت وشرحبيل بن حسنة بإذن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

قال ابن إسحاق : وكتب لأهل جرباء وأذرح : بسم الله الرّحمن الرحيم.

هذا كتاب من محمد رسول الله النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأهل أذرح. أنهم آمنون بأمان الله.

وأمان محمد وأنّ عليهم مائة دينار في كل رجب وافية طيبة ، والله كفيل عليهم بالنصح والإحسان إلى المسلمين ، ومن لجأ إليهم من المسلمين من المخافة (١). وذكر باقي الكتاب.

قال : وأعطى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أهل أيلة بردة مع كتابه الذي كتب لهم أمانا لهم ، فاشتراه أبو العباس عبد الله بن محمد بثلاثمائة دينار.

ثم إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم دعا خالد بن الوليد فبعثه إلى أكيدر دومة.

أخبرنا أبو الحسن علي بن عبد الواحد بن أحمد بن العباس الدّينوري ، نا أبو الحسن علي بن عمر بن محمد بن الحسن القزويني ـ إملاء ـ نا أبو حفص عمر بن محمد بن الزيات ، حدثني عبد الله بن محمد بن ناجية ، نا أبو همّام ، حدثني أبي ، قال : سمعت عبيد الله (٢) بن إياد بن لقيط السّدوسي قال : سمعت أبي يحدث عن قيس بن النعمان السّكوني قال : خرجت خيل لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فسمع بها أكيدر دومة الجندل فانطلق إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : يا رسول الله إنه بلغنا أنّ خيلا انطلقت وأني خفت على أرضي ومالي فاكتب لي كتابا لا يعرضوا من شيء لي ، فإني مقرّ بالذي عليّ من الحق. فكتب له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. ثم إن أكيدر أخرج قباء من ديباج منسوج مما كان كسرى يكسوهم فقال : يا رسول الله اقبل عني هذا ، فإني أهديته لك. فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ترجع بقباك فإنه ليس يلبس هذا في الدنيا إلّا حرّمه» يعني في الآخرة ، فرجع به حتى أتى منزلة وإنه وجد في نفسه أن يردّ عليه هديته. فقال : يا رسول الله إنّا أهل بيت يشقّ علينا ردّ هديتنا فاقبل مني هديتي ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «انطلق [فارفعه](٣) إلى عمر بن الخطاب» قال : وقد كان عمر قد سمع ما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم

__________________

(١) بالأصل وخع «المحاقة» والمثبت عن دلائل البيهقي ٥ / ٢٤٨.

(٢) بالأصل وخع «عبد الله» تحريف ، والصواب ما أثبت عن تقريب التهذيب.

(٣) عن خع ، وفي مختصر ابن منظور : فادفعه.

٤٢

فبكا ، ودمعت عيناه ، وظن أنه قد لحقه شيء فانطلق إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : يا رسول الله أحدث فيّ أمر؟ قلت : في هذا القباء ما قلت ، ثم بعثت به إليّ ، فضحك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى وضع يده أو ثوبه على فيه ثم قال : «ما بعثت به إليك لتلبسه ولكن تبيعه وتستعين بثمنه (١)» [٤٤٠].

__________________

(١) بعدها في نسخة خع :

آخر الجزء العاشر يتلوه باب ذكر بعث النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أسامة بن زيد.

سمع الجزء الأول من الأصل من تاريخ دمشق على مخرجه الحافظ الأوحد أبي القاسم علي بن الحسن بن هبة الله الشافعي بقراءة عمر بن محمد العليمي ومن خطه نقلت بعضه ، وبعضه بقراءة المصنف جماعة ، وأبو الفضل أحمد وأبو البركات الحسن بن القاضي الأمين أبي عبد الله محمد بن الحسن بن هبة الله وذلك في يومي الثلاثاء والأربعاء السادس عشر والسابع عشر من شهر ربيع الأول سنة تسع وخمسين وخمسمائة بالمنارة الشرقية من المسجد الجامع بمدينة دمشق حرسها الله تعالى.

وسمعه أيضا عليه بقراءة ولده أبي محمد القاسم أخوه أبو الفتح الحسن والقاضي أبو المعالي محمد بن علي بن محمد بن يحيى القرشي وابن ابن عم أبيه أبو المكارم عبد الواحد بن عبد الرحمن بن سلطان بن يحيى القرشي ، وأبو نصر محمد بن هبة الله بن محمد بن الشيرازي وعلي بن عبد الكريم بن الكويسي البزاز ، وأبو الوحش عبد الرحمن بن منصور بن نسيم وبنواحي المصنف أبو البركات الحسن وأبو المظفر عبد الله وأبو منصور عبد الرحمن بنو محمد بن الحسن بن هبة الله وأخوهم كاتب السماع في الأصل أحمد بن محمد بن الحسن بن هبة الله الشافعي ومن خطه نقلت وآخرون.

وسمع من باب ذكر اختلاف الصحابة ... إلى آخر الجزء أبو محمد بن علي بن صالح السلمي وأبو الفضل يحيى وأبو المحاسن سليمان ابنا الفضل بن سليمان البانياسي وآخرون بقراءة وذكر في نوبتين آخرهما الخميس التاسع من المحرم سنة ستين وخمسمائة بالمسجد الجامع بدمشق وحج ولك وثقت.

وسمع الجزء الثاني بأسره من التجزئة الأولى ، تجزئة الأصل على مصنفه بقراءة المصنف بعضه والباقي بقراءة عمر بن محمد العليمي وبخط السماع في آخره ، ومن خطه نقلت ابنا أخي المصنف أبو الفضل أحمد وأبو البركات الحسن ابنا محمد بن الحسن بن هبة الله وآخرون وذلك في شهر ربيع الأول سنة تسع وخمسين وخمسمائة بالمنارة الشريفة من جامع دمشق.

وسمعه أيضا أعني الجزء الثاني على مخرجه الحافظ القاضي أبو المعالي محمد بن علي بن محمد بن يحيى القرشي وابن ابن عم أبيه أبو المكارم عبد الواحد بن عبد الرحمن بن سلطان بن يحيى القرشي وأبو المفضل يحيى وأبو المحاسن سليمان ابنا الفضل بن سليمان بن البانياسي ومحمد بن هبة الله بن محمد الشيرازي وعلي بن عبد الكريم بن الكويس وأبو الوحش عبد الرحمن بن منصور بن نسيم وأبو محمد بن علي بن صالح السلمي وأبو الحسين بن معالي بن نصر وأحمد بن علي بن مفرج وأبو البركات الحسن وأبو المظفر عبد الله وأبو منصور عبد الرحمن بنو أخي المسمع محمد بن الحسن بن هبة الله وأخوهم كاتب السماع أحمد بن محمد بن الحسن بن هبة الله الشافعي ومن خطه نقلت وابنا المخرج الحافظ أبو محمد القاسم بقراءته ، وأبو الفتح الحسن وجماعة وذلك يوم الجمعة العاشر من المحرم سنة ستين وخمسمائة بالمسجد الجامع بدمشق وصح وثبت.

٤٣

__________________

وسمع الجزء الثالث من الأصل على مخرجه الحافظ بقراءته بعضه والباقي بقراءة العليمي عمر بن محمد بخطه السماع في آخر الجزء ومن خطه نقلت ابنا أخي المسمع أبو الفضل أحمد وأبو البركات الحسن ابنا الأمين أبي عبد الله محمد بن الحسن وآخرون في شهر ربيع الأول سنة تسع وخمسين وخمسمائة بالمنارة الشريفة من جامع دمشق.

وسمعه أيضا بعينه وأسره على مصنفه ولداه أبو محمد القاسم بقراءته وأبو الفتح الحسن والقاضي أبو المعالي محمد بن علي بن محمد بن يحيى القرشي وابن ابن عم أبيه أبو المكارم عبد الواحد بن عبد الرحمن بن سلطان بن يحيى ومحمد بن هبة الله بن محمد الشيرازي وعلي بن عبد الكريم بن الكويس وعبد الرحمن بن منصور بن نسيم وأبو الحسين بن معالي بن نصر وأبو البركات الحسن وأبو المظفر عبد الله وأبو منصور عبد الرحمن بنو محمد بن الحسن بن هبة الله الشافعي.

وسمع من باب ما جاء في اختصاص الشام وقصوره بالإضاءة إلى آخر الجزء أخوهم أحمد بن محمد بن الحسن بن هبة. والسماع بخطه ومنه نقلت وأبو المفضل يحيى وأبو محمد الحسن بن علي وآخرون. وذلك في نوبتين آخرهما الخميس السادس من محرم سنة ستين وخمسمائة بالمسجد الجامع بدمشق حرسها الله. وهذه الطبقة طبقة الجزء الثالث من تاريخ دمشق.

وسمع الجزء الرابع من الأصل من تاريخ دمشق على جامعه الحافظ أبي القاسم علي بن الحسن بن هبة الله الشافعي ، ابنا أخيه أبو الفضل أحمد وأبو البركات الحسن ابنا الأمين أبي عبد الله محمد بن الحسن وعمر بن محمد العليمي بقراءته أكثره وباقيه بقراءة المصنف والسماع بخط العليمي في الأصل ومنه نقلت وآخرون في يوم الخميس الثالث من شهر ربيع الآخر من سنة تسع وخمسين وخمسمائة في منزل المستمع بالمنارة الشرقية من جامع دمشق.

وسمعه أيضا بعينه عليه بقراءة أبيه أبي محمد القاسم القاضي أبو المعالي محمد بن علي بن محمد بن يحيى وابن ابن عم أبيه أبو المكارم عبد الواحد بن عبد الرحمن بن سلطان بن يحيى القرشيان وأبو المفضل يحيى وأبو المحاسن سليمان ابنا الفضل بن سليمان بن أبي المجد البانياسي ومحمد بن هبة الله بن محمد الشيرازي وعلي بن عبد الكريم بن الكويس وأبو محمد الحسن بن علي بن صالح السلمي وعبد الرحمن بن منصور بن نسيم وأحمد بن علي بن مفرج النابلسي وأبو البركات الحسن وأبو منصور عبد الرحمن ابنا محمد بن الحسن بن هبة الله وأخوهما أحمد بن محمد بن الحسن بن هبة الله وبخطه السماع ومن خطه نقلت وآخرون في يوم الجمعة السابع عشر من المحرم سنة ستين وخمسمائة بالمسجد الجامع بدمشق.

وسمع الجزء الخامس من الأصل تجزئة المصنف على المصنف ابنا أخيه أبو الفضل أحمد وأبو البركات الحسن ابنا الأمين أبي عبد الله محمد بن الحسن وعمر بن محمد العليمي بقراءته أكثره والباقي بقراءة المصنف الحافظ ومن خط العليمي نقلت وآخرون يوم الثلاثاء السابع من شهر ربيع الآخر من سنة تسع وخمسين بالمنارة الشرقية من جامع دمشق.

وسمعه أجمع ـ أعني الجزء الخامس ـ على مخرجه ولداه الإمام أبو محمد القاسم بقراءته وأبو الفتح الحسن وعبد الرحمن بن منصور بن نسيم وأبو المكارم عبد الواحد بن عبد الرحمن بن سلطان بن يحيى القرشي وأبو المفضل يحيى وأبو المحاسن سليمان ابنا الفضل بن سليمان ومحمد بن هبة الله بن محمد الشيرازي وعلي بن عبد الكريم بن الكويس وأبو محمد الحسن بن صالح السلمي وأبو البركات الحسن وأبو المظفر

٤٤

__________________

عبد الله وأبو منصور عبد الرحمن بنو محمد بن الحسن وأخوهم أحمد بن محمد بن الحسن بن هبة الله الشافعي ومن خطه نقلت وآخرون وذلك في نوبتين آخرهما الخميس الثالث والعشرين من محرم سنة ستين وخمسمائة بالمسجد الجامع.

وسمع الجزء السادس بأسره من تجزئة الأصل على مخرجه ابنا أخيه أبو الفضل أحمد وأبو البركات الحسن ابنا الأمين أبي عبد الله محمد بن الحسن وعمر بن محمد العليمي بعضه من لفظ المصنف والأكثر بقراءة العليمي والسماع في الأصل بخطه ومن خطه نقلت وآخرون يوم الخميس التاسع من شهر ربيع الآخر سنة تسع وخمسين وخمسمائة بالمنارة الشرقية من جامع دمشق عمّره الله.

وسمعه أيضا عليه ولداه الإمام أبو محمد القاسم بقراءته وأبو الفتح الحسن وأبو المكارم عبد الواحد بن عبد الكريم بن سلطان بن يحيى القرشي وأبو الفضل وأبو المحاسن سليمان ابنا أبي الفضل بن الحسين بن سليمان ومحمد بن هبة الله بن محمد بن الشيرازي وعلي بن عبد الكريم بن الكويس وأبو محمد الحسن بن علي بن صالح السلمي وعبد الرحمن بن منصور بن نسيم وأبو البركات الحسن وأبو المظفر عبد الله وأبو منصور عبد الرحمن بنو محمد بن الحسن بن هبة الله وأخوهم أحمد بن محمد بن الحسن بن هبة الله وبخطه السماع في الأصل ومنه نقلت وآخرون يوم الجمعة الرابع والعشرون من محرم سنة ستين وخمسمائة بالمسجد الجامع بدمشق.

وسمع الجزء السابع من الأصل على الحافظ المصنف له ابنا أخيه أبو الفضل أحمد وأبو البركات الحسن ابنا الأمين أبي عبد الله محمد بن الحسن بن هبة الله وعمر بن محمد العليمي من خطه نقلت بقراءته وأبو الفتح وبعضه بقراءة المصنف وآخرون وذلك يوم الثلاثاء الرابع عشر من شهر ربيع الآخر سنة تسع وخمسين وخمسمائة بالمنارة الشرقية من المسجد الجامع بدمشق.

وسمعه أيضا على مخرجه ـ أعني الجزء السابع ـ ولداه الإمام أبو محمد القاسم بقراءته وأبو الفتح الحسن وأبو المكارم عبد الواحد بن عبد الرحمن بن سلطان بن يحيى القرشي وأبو المفضل يحيى وأبو المحاسن سليمان ابنا الفضل بن محمد بن سليمان ومحمد بن هبة الله بن محمد الشيرازي وعلي بن عبد الكريم بن الكويس وأبو محمد بن علي بن صالح السلمي وأبو البركات الحسن وأبو منصور عبد الرحمن ابنا محمد بن الحسن وأخوهما أحمد بن محمد بن الحسن بن هبة بن عبد الله بن الحسين الشافعي ومن خطه نقلت وآخرون وذلك في مجلسين آخرهما الخميس سلخ محرم سنة ستين وخمسمائة بالمسجد الجامع بدمشق نقل ذلك من الأصل محمد بن يوسف بن محمد بن أبي بيداس البرزالي الإشبيلي غفر الله له مختصرا كما تقدم ذكره.

٤٥

باب

ذكر بعث النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أسامة قبل [الموت](١)

وأمره إيّاه أن يشن الغارة على مؤتة ويبنى وآبل الزيت

أخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي ، أنبأ أبو الحسين بن النّقّور ، أنا أبو بكر أحمد بن عبد الله بن سيف بن سعيد ، نا أبو عبيدة السّري بن يحيى ، نا شعيب بن إبراهيم ، نا سيف بن عمر ، نا عبد الله بن سعيد بن ثابت بن الجزع الأنصاري ، عن عبيد بن حنين (٢) مولى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، عن أبي مويهبة (٣) مولى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال (٤) : رجع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى المدينة بعد ما قضى حجة التمام ، فتحلّل به السير وضرب على الناس بعثا ، وأمّر عليهم أسامة بن زيد ، أمره أن يوطئ آبل الزيت من مشارف الشام بالأردن ، فقال المنافقون في ذلك ورد عليهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم «إنه لخليق لها ، أي حقيق بالإمارة ، ولئن قلتم فيه لقد قلتم في أبيه من قبله ، وإن كان لها لخليقا» [٤٤١]. وطارت الأخبار لتحلل السير بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد اشتكا. ووثب الأسود باليمن ، ومسيلمة باليمامة. وجاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم الخبر عنهما ، ثم وثب طليحة في بلاد بني أسد بعد ما أفاق النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم اشتكا في المحرم وجعه الذي توفاه جلّ وعزّ فيه.

وأخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي ، أنا أبو الحسين بن النّقّور ، أنا محمد بن عبد الرّحمن ، أنا أحمد بن عبد الله بن سيف ، نا السري بن يحيى ، نا شعيب بن إبراهيم ، نا سيف ، ثنا طلحة بن الأعلم ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : كان

__________________

(١) زيادة عن خع.

(٢) ضبطت بالتصغير عن تقريب التهذيب.

(٣) ويقال أبو موهبة وأبو موهوبة (الإصابة).

(٤) الخبر في الطبري ٣ / ١٨٤ أحداث سنة ١١.

٤٦

النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد ضرب بعث أسامة ولم يستتب (١) فرجع إليه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأخلع (٢) مسيلمة والأسود. وقد أكثر المنافقون في تأمير أسامة حتى بلغ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فخرج [على الناس](٣) عاصبا رأسه من الصداع لذلك من الشأن ولبشارة أريها في بيت عائشة وقال : «إني أريت (٤) البارحة ـ فيما يرى النائم ـ في عضدي سوارين من ذهب فكرهتهما فنفختهما فطارا ، فأوّلتهما هذين الكذابين (٥) ـ صاحب اليمامة وصاحب اليمن ـ وقد بلغني أن أقواما يقولون في إمرة أسامة ولعمري لئن قالوا في إمارته لقد قالوا في إمارة أبيه من قبله ، وإن كان أبوه لخليقا لها ، وإنه لها لخليق فانفذوا بعث أسامة». وقال : «لعن الله الذين يتخذون قبور أنبيائهم مساجد» [٤٤٢].

فخرج أسامة فضرب بالجرن وأنشأ الناس في العسكرة ونجم طليحة وتمهل الناس وثقل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلم يستتم الأمر انتظر أوّلهم آخرهم حتى توفّى الله جل وعزّ نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

أخبرنا أبو القاسم بن الحصين ، أنا أبو علي بن المذهب ، أنا أبو بكر بن مالك ، أنا عبد الله بن أحمد ، حدثني أبي ، نا وكيع ، حدثني صالح بن أبي الأخضر ، عن الزّهري ، عن عروة بن الزبير ، عن أسامة بن زيد ، قال : بعثني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى قرية يقال لها : أبنى فقال : «ائتها صباحا ثم حرّق» [٤٤٣].

وأخبرنا أبو سهل محمد بن إبراهيم بن سعدوية ، أنا عبد الرّحمن بن أحمد بن الحسن ، أنا جعفر بن عبد الله بن يعقوب ، نا محمد بن هارون الرّوياني ، نا محمد بن المفتي (٦) ، نا معاذ بن معاذ ، نا صالح بن أبي الأخضر ، نا الزّهري ، نا عروة ، عن أسامة بن زيد : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعثه إلى الشام وأمره أن يغير على أبنى صباحا ثم يحرّق.

__________________

(١) في مختصر ابن منظور : لم يستتب لوجع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وانظر الطبري ٣ / ١٨٦.

(٢) كذا بالأصل وخع ، وفي مختصر ابن منظور : «والخلع» وفي المطبوعة : «وطلع» وانظر الطبري ٣ / ١٨٦.

(٣) زيادة عن الطبري ٣ / ١٨٦.

(٤) الطبري : رأيت.

(٥) عن الطبري ومختصر ابن منظور ، وبالأصل وخع : الكلابين.

(٦) الأصل وخع ، وفي المطبوعة : المثنى.

٤٧

أخبرنا أبو بكر وجيه بن طاهر بن محمد الشحّامي ، أنا أبو حامد أحمد بن الحسن (١) بن محمد الأزهري ، أنا أبو سعيد محمد بن عبد الله بن حمدون ، أنا أبو حامد أحمد بن محمد بن الحسن الحافظ ، أنا محمد بن يحيى الذّهلي ، ثنا محمد بن عبد الله بن المثنى بن عبد الله بن أنس بن مالك الأنصاري ، حدثني صالح بن أبي الأخضر ، عن الزّهري ، عن عروة ، قال : أخبرني أسامة بن زيد قال : أمرني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن أغير على أبنى صباحا ثم أحرق.

رواه أحمد بن حنبل وعبّاد بن موسى الختّلي (٢) ، عن محمد بن عبد الله الأنصاري أتم من هذا.

فأمّا حديث أحمد : فأخبرناه أبو القاسم بن الحصين ، أنا أبو علي بن المذهب ، أنا أبو بكر بن مالك ، نا عبد الله بن أحمد ، حدثني أبي ، نا محمد بن عبد الله بن المثنى ، حدثني صالح بن أبي الأخضر ، نا الزّهري عن عروة ، عن أسامة ، أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان وجهه ، فقبض النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فسأله أبو بكر رضي‌الله‌عنه : ما الذي عهد إليك؟ قال : عهد إليّ أن أغير على أبنى صباحا ثم أحرّق.

وأمّا حديث عبّاد : فأخبرتنا به أم المجتبى فاطمة بنت ناصر العلوية قالت : قرئ على إبراهيم بن منصور السّلمي ، وأنا حاضرة قال : أنا أبو بكر بن المقرئ ، أنا أبو يعلى الموصلي ، نا عباد بن موسى الختّلي (٢) ، نا محمد بن عبد الله الأنصاري ، حدّثني صالح بن أبي الأخضر ، عن الزّهري ، عن عروة ، عن أسامة بن زيد : أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان وجّهه وجها ، فقبض النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولم يتوجه في ذلك الوجه ، ثم استخلف أبو بكر. فقال أبو بكر لأسامة : ما الذي عهد إليك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ فقال : عهد إليّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن أغير على أبنى صباحا وأحرّق.

أخبرناه أبو علي الحداد في كتابه.

ثم أخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي ، أنبأ يوسف بن الحسن الزّنجاني (٣)

__________________

(١) عن خع وبالأصل «الحسين».

(٢) بالأصل وخع «الجيلي» والمثبت والضبط عن تقريب التهذيب.

(٣) رسمها غير واضح بالأصل وخع ، والمثبت عن الأنساب ، وهذه النسبة بفتح الزاي وسكون النون إلى زنجان بلدة على حد أذربيجان من بلاد الجبل. وفي الأنساب يوسف بن محمد التفكري الزنجاني.

٤٨

التفكري ، قالا : أنا أبو نعيم الحافظ قال : حدثنا ح.

وأخبرناه أبو القاسم الشحّامي ، أنا أبو بكر البيهقي محمد بن الحسن بن فورك ، أنبأ عبد الله بن جعفر الأصبهاني ، نا يونس بن حبيب ، نا أبو داود الطيالسي ، نا صالح بن أبي الأخضر ، عن الزّهري ، عن عروة بن الزبير ، عن أسامة ، قال : أمرني النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن أغير على أبنى صباحا وأحرق.

هذا حديث غريب اشتهر بصالح بن أبي الأخضر البصري ، عن محمد بن مسلم الزّهري.

وأهل الشام يقولون يبنى بالياء وكلا القولين صواب. وقد تبدل الألف ياء والياء همزا في مواضع. كقولهم : أحمد ويحمد وإساف ويساف وأخامر ويخامر.

أخبرنا أبو القاسم عبد الملك بن عبد الله بن داود الفقيه ، وأبو غالب محمد بن الحسن بن علي البصري ، قالا : أنا أبو علي علي بن أحمد بن علي ، أنبأ أبو عمر القاسم بن جعفر الهاشمي ، أنبأ أبو علي اللؤلؤي ح.

وأخبرنا أبو القاسم الشحّامي ، أنا أبو بكر البيهقي ، أنا أبو علي الروذباري ، أنا أبو بكر بن داسة ، قالا : ثنا أبو داود السجستاني ، نا عبد الله بن عمرو الغزّي ، قال : سمعت أبا مسهر قيل له : أبنى قال : نحن أعلم ، هي يبنى فلسطين.

أخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي ، أنا أبو الحسين بن النّقّور ، أنا أبو طاهر المخلّص ، نا أحمد بن عبد الله بن سيف بن سعيد ، نا أبو عبيدة السري بن يحيى ، نا سعيد بن إبراهيم ، نا سيف بن عمر التميمي ، عن أبي ضمرة ، وأبي عمر (١) وغيرهما ، عن الحسن بن أبي الحسن (٢) ، قال (٣) : ضرب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعثا قبل وفاته على أهل المدينة ومن حولهم ، وفيهم عمر بن الخطاب وأمّر عليهم أسامة بن زيد فلم يجاوز آخرهم الخندق حتى قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فوقف أسامة بالناس ، ثم قال لعمر : ارجع إلى خليفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فاستأذنه ، يأذن لي فأرجع الناس ، فإن معي وجوه الناس وحدّهم ،

__________________

(١) في الطبري ٣ / ٢٢٦ : أبي عمرو.

(٢) عن الطبري وبالأصل وخع «الحسن».

(٣) الخبر في الطبري ٣ / ٢٢٥ ـ ٢٢٦ في حوادث سنة ١١.

٤٩

ولا آمن على خليفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وثقل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأثقال المسلمين أن يتخطّفهم المشركون. وقالت الأنصار : فإن أبى إلّا أن نمضي وأبلغه عنا ، واطلب إليه أن يولّي أمرنا رجلا أقدم سنا من أسامة. فخرج عمر بأمر أسامة ، فأتى أبا بكر فأخبره بما قال أسامة فقال أبو بكر : لو اختطفتني الكلاب والذئاب لم أردّ قضاء قضاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : فإن الأنصار أمروني أن أبلغك ، أنهم يطلبون إليك أن تولّي أمرهم رجلا أقدم سنا من أسامة ، فوثب أبو بكر ـ وكان جالسا ـ فأخذ بلحية عمر وقال : ثكلتك أمك وعدمتك يا ابن الخطاب ، استعمله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وتأمرني أن أنزعه. فخرج عمر إلى الناس فقالوا له : ما صنعت؟ فقال : امضوا ثكلتكم أمهاتكم. ما لقيت في سببكم اليوم من خليفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

ثم خرج أبو بكر حتى أتاهم فأشخصهم (١) وشيّعهم ، وهو ماشي وأسامة راكب ، وعبد الرّحمن بن عوف يقود دابة أبي بكر. فقال له أسامة : يا خليفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لتركبنّ أو لأنزلنّ فقال : والله لا تنزل ، وو الله لا أركب وما عليّ أن أغبّر قدميّ ساعة في سبيل الله ، فإن للغازي بكلّ خطوة يخطوها سبع مائة حسنة تكتب له ، وسبع مائة درجة ترفع له وتمحى عنه سبع مائة خطيئة ، حتى إذا انتهى قال : إن رأيت أن تعينني بعمر بن الخطاب فافعل ، فأذن له وقال : يا أيّها الناس ، قفوا. أوصيكم بعشر فاحفظوها عني : لا تخونوا ، ولا تغلّوا ، ولا تغدروا ، ولا تمثلوا ، ولا تقتلوا طفلا ، ولا صغيرا ، ولا شيخا كبيرا ، ولا امرأة ، ولا تقذفوا (٢) نخلا ، ولا تحرقوه ، ولا تقطعوا شجرة مثمرة ، ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيرا إلّا لمأكلة ، وسوف تمرون بأقوام قد فرّغوا (٣) أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرّغوا (٣) أنفسهم وسوف تقدمون على أقوام يأتونكم بآنية فيها ألوان الطعام ، فإذا أكلتم منها شيئا بعد شيء (٤) فاذكروا اسم الله عليها ، وسوف يلقون أقواما قد فحصوا أوساط رءوسهم تركوا حولها مثل العصائب (٥) فاخفقوهم بالسيوف

__________________

(١) عن الطبري ، ورسمت بالأصل «فاسجعهم».

(٢) الطبري : «تعقروا» عقر النخلة : قطع رأسها. وفي مختصر ابن منظور : ولا تعزقوا.

(٣) عن الطبري ، وبالأصل «قرعوا».

(٤) عن الطبري وبالأصل «يبعى».

(٥) عن خع والطبري ، وبالأصل «العصافير».

٥٠

خفقا. اندفعوا بسم الله ، أفناكم الله بالطعن والطاعون (١).

أخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي ، أنا أبو الحسين بن النّقّور ، أنا أبو طاهر المخلّص ، نا أبو بكر أحمد (٢) بن عبد الله بن سيف بن سعيد ، نا السري بن يحيى بن السري ، نا سعيد بن إبراهيم التيمي ، نا سيف بن عمر التميمي ، نا هشام بن عروة ، عن أبيه ، قال : لما رجع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى المدينة أمّر أسامة وضرب البعث على عامة أهل المدينة ، وأمره أن يسير حتى يوطئ بهم آبل الزيت ، ويحلل به السير ، فطار في الآفاق أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم اشتكا. ووثب الأسود باليمن ، ومسيلمة باليمامة وأتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم الخبر عنهما. ثم إن طليحة (٣) وثب بعد ما أفاق النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبعد ما جاءه الخبر عن الأسود ومسيلمة ثم إنه اشتكى وجعه الذي توفاه الله فيه في عقب المحرّم.

قال : وتردد ناس من العسكرة لوجع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وبلغ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن الذين قالوا في تأمير أسامة على المهاجرين والأنصار فخرج صلى‌الله‌عليه‌وسلم عاصبا رأسه من الصداع فأتى المنبر فقال :

«إنه بلغني أن رجالا قالوا في تأمير رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أسامة ، ولعمري لئن قالوا فيه لقد قالوا في أبيه من قبله ، وإنه لخليق بالإمارة وأبوه من قبله فأنفذوا بعث أسامة» [٤٤٤] ودخل.

وخرج الناس إلى الجرف ، فلما ثقل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أقاموا حتى شهدوه ، فلما فرغوا أنفذه أبو بكر رضي‌الله‌عنه على ما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وخرج أبو بكر إلى الجرف فاستقرى أسامة وبعثه ، وسأله عمر فأذن له ، وقال له : اصنع ما أمرك به نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أبدأ ببلاد قضاعة ثم ائت آبل ولا تقصرنّ في شيء من أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولا تعجلنّ لما خلفت عن عهده. فمضى أسامة مغذّا (٤) على ذي المروة (٥) والوادي. وانتهى إلى ما أمره به النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من بث الخيول في قبائل قضاعة والغارة على آبل ، فسلم وغنم ، وكان فراغه

__________________

(١) في المطبوعة : آخر الجزء السابع.

(٢) عن خع ، وبالأصل «الصديق».

(٣) عن الطبري وبالأصل وخع : طلحة.

(٤) عن الطبري ٣ / ٢٢٧ حوادث سنة ١١ ، وبالأصل «يتغذا».

(٥) قرية بوادي القرى (معجم البلدان).

٥١

في أربعين يوما سوى مقامه ومقبله (١) راجعا.

قال ونا سيف عن أبي عمر ، عن زيد بن أسلم ، قال : مات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعمّاله على قضاعة : على كلب امرئ القيس بن الأصبغ (٢) الكلبي من بني عبد الله ، وعلى القين عمرو بن الحكم ، وعلى سعد هذيم معاوية بن فلان الوائلي. فارتدّ وديعة الكلبي فيمن آزره من كلب ، وبقي امرؤ القيس على دينه ، وارتد زميل بن قطبة القيني فيمن آزره من بني القين وبني عمرو. وارتدّ معاوية فيمن آزره من سعد هذيم فكتب أبو بكر إلى امرئ القيس بن فلان ، وهو جدّ سكينة بنت الحسين رضي‌الله‌عنهما فثار بوديعة وإلى عمرو فأقام لزميل وإلى معاوية العذري فأقام لمعاوية.

فلما توسط أسامة بلاد قضاعة بث الخيول قبلهم ، وأمرهم أن ينهضوا من أقام على الإسلام إلى من رجع عنه. فخرجوا هرّابا ، حتى أرزءوا (٣) إلى دومة ، واجتمعوا إلى وديعة ورجعت خيول أسامة إليه. فمضى فيها أسامة حتى أغار (٤) على الحملتين (٥) فأصاب في بني الضّبيب من جذام ، وفي بني حيليل (٦) من لخم ولفها من القبيلتين ، وحازهم من آبل ثم انكفأ سالما غانما.

وقال السّميط بن النعمان اللّخمي :

أما ينفك من زيد جذام

ولا لخم وإن رمّت عظامه

حدّثنا أبو الحسن علي بن المسلم الفقيه ـ لفظا ـ أنا أبو القاسم علي بن محمد بن أبي العلاء ، أنا أبو محمد عبد الرّحمن بن عثمان بن القاسم ، أنا أبو القاسم علي بن يعقوب بن أبي العقب ، أنا أبو عبد الملك أحمد بن إبراهيم القرشي ، نا محمد بن عائذ ، نا الوليد بن مسلم ، عن عبد الله بن لهيعة ، عن أبي الأسود ، عن عروة ، قال : فلما فرغوا من البيعة واطمأن الناس ، قال أبو بكر لأسامة : امض لوجهك

__________________

(١) في الطبري : ومنقلبه.

(٢) عن خع وبالأصل «الأصبع».

(٣) في خع : «أرزوا» أي التجئوا.

(٤) عن خع وبالأصل «على انتخار» كذا.

(٥) كذا بالأصل وخع ، وفي مختصر ابن منظور : «الحمقتين» وفي معجم البلدان أنها من مشارف الشام.

(٦) كذا وفي الطبري : حليل.

٥٢

الذي بعثك له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فكلّمه رجال من المهاجرين والأنصار وقالوا : امسك أسامة وبعثه ، فإنا نخشى أن تميل علينا العرب إذا سمعوا بوفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فقال أبو بكر وكان آخرهم أمرا : أنا أحبس جيشا بعثهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لقد اجترأت على أمر عظيم ، والذي نفسي بيده لأن تميل عليّ العرب ، أحبّ إليّ من أحبس جيشا بعثهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. امض يا أسامة في جيشك للوجه الذي أمرت به. ثم اغز حيث أمرك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من ناحية فلسطين ، وعلى أهل مؤتة ، فإن الله سيكفي ما تركت ، ولكن إن رأيت أن تأذن لعمر بن الخطاب فأستشير وأستعين به. فإنه ذو رأي ومناصح للإسلام فافعل. ففعل أسامة ورجع عامة العرب عن دينهم وعامة أهل المشرق وغطفان وبنو أسد وعامة أشجع. ومسكت طيء بالإسلام. وقال عامة أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أمسك أسامة وجيشه ووجّههم [نحو](١) من ارتد عن الإسلام من غطفان وسائر العرب. فأبى ذلك أبو بكر أن يحبس أسامة وقال : إنكم قد علمتم أنه قد كان من عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إليكم في المشورة فيما لم يمض من نبيكم فيه سنة ، ولم ينزّل عليكم به كتاب ، وقد أشرتم. وسأشير عليكم. فانظروا أرشد ذلك ، فائتمروا به ، فإن الله لن يجمعكم على ضلالة. والذي نفسي بيده ، ما أرى من أمر أفضل في نفسي من جهاد من منع منا عقالا (٢) كان يأخذه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فانقاد المسلمون لرأي أبي بكر ، ورأوا أنه أفضل من رأيهم. فبعث أبو بكر أسامة بن زيد لوجهه الذي أمره به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأصاب في العدو مصيبة عظيمة ، وسلمه الله وغنّمه ، هو وجيشه ، وردّهم صالحين. وخرج أبو بكر في المهاجرين والأنصار ، حين خرج أسامة حتى بلغ نقعا (٣) حذاء وهربت الأعراب بذراريهم. فلما بلغ المسلمين هرب الأعراب كلموا أبا بكر ، وقالوا : ارجع إلى المدينة وإلى الذراري والنساء ، وأمّر رجلا من أصحابك على الجيش ، واعهد إليه أمرك. فلم يزل المسلمون بأبي بكر حتى رجع وأمّر خالد بن الوليد على الجيش. فقال له : إذا أسلموا وأعطوا الصدقة. فمن شاء منكم أن يرجع فليرجع. ورجع أبو بكر إلى المدينة.

أخبرنا محمد بن عبد الباقي الفرضي ، أنا أبو محمد الجوهري ، أنا أبو عمر بن

__________________

(١) الزيادة عن خع ، وفي الأصل «وو جهم» تحريف.

(٢) العقال : زكاة عام من الإبل والغنم ، وقال الكسائي : صدقة عام. وقال بعضهم : أراد أبو بكر بالعقال : الحبل الذي كان يعقل به الفريضة التي كانت تؤخذ في الصدقة إذا قبضها المصدّق. (اللسان : عقل).

(٣) النقع : موضع قرب مكة في جنبات الطائف (معجم البلدان).

٥٣

حيّوية ، أنا عبد الوهّاب بن أبي حيّة ، نا محمد بن شجاع الثلجي ، أنا محمد بن عمر الواقدي (١) قال : قالوا : لم يزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يذكر مقتل زيد بن حارثة وجعفر وأصحابه ، ووجد عليهم وجدا شديدا ، فلما كان يوم الاثنين لأربع ليال بقين من صفر سنة إحدى عشرة أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الناس بالتّهيّؤ (٢) لغزو الروم ، وأمرهم بالانكماش (٣) في غزوهم. فتفرق المسلمون من عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهم يجدون في الجهاز (٤) فلما أصبح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الغد ، يوم الثلاثاء لثلاث ليال بقين من صفر دعا أسامة بن زيد فقال : «يا أسامة ، سر على اسم الله وبركته حتى تنتهي إلى مقتل أبيك ، فأوطئهم الخيل ، فقد وليتك هذا الجيش ، فأغر (٥) صباحا على أهل أبنى وحرّق عليهم ، وأسرع السير بسبق الخبر ، فإن أظفرك الله فأقلل اللبث فيهم ، وخذ معك الأدلّاء وقدّم العيون أمامك والطلائع» [٤٤٥]. فلما كان يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من صفر بدئ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فصدّع وحمّ. فلما أصبح يوم الخميس لليلة بقيت من صفر عقد له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بيده لواء ثم قال : «يا أسامة ، اغز بسم الله في سبيل الله فقاتلوا من كفر بالله ، اغزوا ولا تغدروا ، ولا تقتلوا وليدا ولا امرأة ، ولا تمنّوا لقاء العدوّ ، فإنكم لا تدرون لعلكم تبتلون بهم ، ولكن قولوا : اللهم اكفناهم واكفف بأسهم عنا ، فإن لقوكم قد أجلبوا وصبحوا ، فعليكم بالسكينة والصمت (وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) (٦) وقولوا : اللهم إنا نحن عبادك وهم عبادك ، نواصينا ونواصيهم بيدك ، وإنما تغلبهم أنت ، واعلموا أنّ الجنة تحت البارقة (٧)» [٤٤٦].

أخبرنا أبو بكر الفرضي ، أنا أبو محمّد الجوهري ، أنا أبو عمر ، نا عبد الوهّاب ، نا محمد بن شجاع ، نا الواقدي (٨) ، حدثني يحيى بن هشام بن عاصم

__________________

(١) مغازي الواقدي ٣ / ١١١٧ وما بعدها.

(٢) بالأصل : «بالتهي».

(٣) الانكماش : الإسراع (قاموس).

(٤) عند الواقدي ومختصر ابن منظور ١ / ١٧٤ : وهم مجدون في الجهاد.

(٥) عن الواقدي وبالأصل ومختصر ابن منظور «فاغز».

(٦) سورة الأنفال ، الآية : ٤٧.

(٧) البارقة : السيوف (قاموس).

(٨) مغازي الواقدي ٣ / ١١١٨.

٥٤

الأسلمي ، عن المنذر بن جهم قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يا أسامة شن الغارة على أهل أبنى» [٤٤٧].

وأخبرنا أبو بكر : أنا أبو محمد الجوهري ، أنا أبو عمر بن حيّوية ، نا عبد الوهاب ، نا محمد ، نا الواقدي ، قال (١) : فحدثني عبد الله بن جعفر بن عبد الرّحمن بن أزهر بن عوف ، عن الزّهري ، عن عروة ، عن أسامة بن زيد أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أمره أن يغير على أهل أبنى صباحا وأن يحرق.

قالوا : ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأسامة : «امض على اسم الله» فخرج بلوائه معقودا فدفعه إلى بريدة بن الحصيب الأسلمي فخرج به إلى بيت أسامة وأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أسامة فعسكر بالجرف وضرب عسكره في موضع سقاية سليمان اليوم. وجعل الناس يجدّون (٢) بالخروج إلى العسكر ، فيخرج من فرغ من حاجته إلى معسكره ، ومن لم يقض حاجته فهو على فراغ ، ولم يبق أحد من المهاجرين الأولين إلّا انتدب في تلك الغزوة : عمر بن الخطاب ، وأبو عبيدة ، وسعد بن أبي وقاص ، وأبو الأعور سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل في رجال من المهاجرين والأنصار عدة : قتادة بن النعمان ، وسلمة بن أسلم بن حريش.

فقال رجال من المهاجرين ، وكان أشدّهم في ذلك قولا عياش بن أبي ربيعة : يستعمل هذا الغلام على المهاجرين الأولين؟ فكثرت القالة في ذلك فسمع عمر بن الخطاب بعض ذلك القول ، فردّه على من تكلم به ، وجاء إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخبره بقول من قال فغضب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم غضبا شديدا فخرج وقد (٣) عصب على رأسه عصابة وعليه قطيفة ، ثم صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : «أما بعد ، أيّها الناس فما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري أسامة؟ والله لئن طعنتم في إمارتي أسامة لقد طعنتم في إمارتي أباه من قبله ، وأيم الله ، إن كان للإمارة لخليقا (٤) ، وأن ابنه من بعده لخليق للإمارة ، وإن كان لمن أحبّ الناس إليّ ، وإنّ هذا لمن أحبّ الناس إليّ ،

__________________

(١) مغازي الواقدي ٣ / ١١١٨.

(٢) عن الواقدي ، وبالأصل وخع ومختصر ابن منظور ١ / ١٧٥ «يؤخذون».

(٣) بالأصل «قد» والمثبت عن الواقدي.

(٤) بالأصل : لخليق.

٥٥

وإنهما لمخيلان لكل خير ، فاستوصوا به خيرا فإنه من خياركم» [٤٤٨] ثم نزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فدخل بيته ، وذلك يوم السبت لعشر ليال خلون من ربيع الأول. وجاء المسلمون الذين يخرجون مع أسامة يودعون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيهم عمر بن الخطاب ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «أنفذوا بعث أسامة» ودخلت أم أيمن فقالت : أي رسول الله ، لو تركت أسامة يقيم في معسكره حتى تتماثل (١) ، فإن أسامة إن خرج على حاله هذه لم ينتفع بنفسه. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أنفذوا بعث أسامة» [٤٤٩] فمضى الناس إلى المعسكر فباتوا ليلة الأحد ، ونزل أسامة يوم الأحد ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثقيل مغمور ، وهو اليوم الذي لدّوه (٢) فيه ، فدخل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعيناه تهملان ، وعنده العبّاس والنساء حوله ، فطأطأ عليه أسامة فقبّله. ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا يتكلم فجعل يرفع يديه إلى السماء ثم يصبهما على أسامة ، فأعرف أنه كان يدعو لي قال أسامة : فرجعت إلى معسكري. فلما أصبح يوم الاثنين غدا من معسكره وأصبح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مفيقا ، فجاءه أسامة فقال : اغد على بركة الله ، فودعه أسامة ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مفيق مريح (٣) مفيق وجعل نساؤه يتماشطن سرورا براحته. ودخل أبو بكر فقال : يا رسول الله أصبحت مفيقا بحمد الله ، واليوم يوم ابنة خارجة فائذن لي ، فأذن له فذهب إلى السّنح (٤) وركب أسامة إلى معسكره ، وصاح في أصحابه باللحوق إلى العسكر فانتهى إلى معسكره ونزل. وأمر الناس بالرحيل وقد متع النهار ، فبينا أسامة بن زيد يريد أن يركب من الجرف أتاه رسول أم أيمن ـ وهي أمه ـ تخبره أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يموت ، فأقبل أسامة إلى المدينة معه عمر وأبو عبيدة. فانتهوا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يموت ، فتوفي عليه‌السلام حين زاغت الشمس يوم الاثنين لاثنتي عشرة خلت من ربيع الأول. ودخل المسلمون الذين عسكروا بالجرف إلى المدينة ، ودخل بريدة بن الحصيب بلواء أسامة معقودا ، حتى أتى به باب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فغرزه عنده. فلما بويع لأبي بكر أمر بريدة أن يذهب باللواء إلى بيت أسامة ولا يحله أبدا حتى يغزوهم أسامة. فقال بريدة : فخرجت باللواء حتى انتهيت به إلى بيت أسامة ، ثم

__________________

(١) عن الواقدي وبالأصل وخع «تماثل».

(٢) اللدود ما يصب بالمسعط من الدواء في أحد شقي الفم ، (القاموس ـ النهاية).

(٣) يقال : أراح الرجل إذا رجعت نفسه إليه بعد الإعياء.

(٤) موضع بعوالي المدينة.

٥٦

خرجت به إلى الشام معقودا مع أسامة ، ثم رجعت به إلى بيت أسامة فما زال معقودا في بيت أسامة حتى توفي أسامة. فلما بلغ العرب وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وارتدّ من ارتدّ منها عن الإسلام. قال أبو بكر لأسامة : انفذ في وجهك الذي وجّهك فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأخذ الناس بالخروج ، وعسكروا في موضعهم الأول وخرج بريدة باللواء حتى انتهى إلى معسكرهم الأول ، فشق على كبار المهاجرين الأولين ، ودخل على أبي بكر : عمر وعثمان وأبو (١) عبيدة وسعد بن أبي وقاص ، وسعيد بن زيد فقالوا : يا خليفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، إن العرب قد انتقضت عليك من كلّ جانب ، وإنك لا تصنع بتفريق هذا الجيش المنتشر شيئا ، اجعلهم عدة لأهل الردّة ترمي بهم في نحورهم ، وأخرى لا نأمن على أهل المدينة أن يغار عليها وفيها الذراري والنساء ، فلو استأنيت لغزو الروم حتى يضرب الإسلام بجرانه (٢) وتعود أهل الردّة إلى ما خرجوا منه أو يفنيهم السيف ، ثم تبعث أسامة حينئذ فنحن نأمن الروم أن تزحف إلينا. فلما استوعب أبو بكر كلامهم قال : هل منكم أحد يريد أن يقول شيئا؟ قالوا : لا ، قد سمعت مقالتنا. فقال : والذي نفسي بيده لو ظننت أن السباع تأكلني بالمدينة لأنفذت هذا البعث. ولا بدأت بأوّل منه ، ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ينزل عليه الوحي من السماء يقول : «انفذوا جيش أسامة» ولكن خصلة أكلم أسامة في عمر يخلّفه يقيم عندنا فإنه لا غنى بنا عنه ، والله ما أدري يفعل أسامة أم لا. والله إن أبي لا أكرهه. فعرف القوم أن أبا بكر قد عزم على إنفاذ بعث أسامة. ومشى أبو بكر إلى أسامة في بيته ، فكلّمه في أن يترك عمر ، ففعل أسامة وجعل يقول له : أذنت ونفسك طيبة؟ فقال أسامة : نعم. قال وخرج فأمر مناديه ينادي : عزمة مني ألّا يتخلف عن أسامة من بعثه من كان انتدب معه في حياة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فإني لن أوتى بأحد أبطأ عن الخروج معه إلّا ألحقته به ماشيا ، وأرسل إلى النفر من المهاجرين الذين كانوا تكلموا في إمارة أسامة فغلّظ عليهم وأخذهم بالخروج ، فلم يتخلف عن البعث إنسان واحد.

وخرج أبو بكر يشيّع أسامة والمسلّمين ، فلما ركب أسامة من الجرف في

__________________

(١) بالأصل : «وأبي».

(٢) الجران باطن عنق البعير ، أي حتى يقر قراره ويستقيم ، كما أن البعير إذا برك واستراح مدّ عنقه على الأرض (النهاية).

٥٧

أصحابه ـ وهم ثلاثة آلاف رجل وفيهم ألف فرس ـ فسار أبو بكر إلى جنب أسامة ساعة ثم قال : استودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك [إني سمعت](١) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوصيك ، فانفذ لأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فإني لست آمرك ولا أنهاك عنه. إنما أنا منفذ لأمر أمر به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فخرج سريعا فوطئ (٢) بلادا هادئة لم يرجعوا عن الإسلام ـ جهينة وغيرها من قضاعة ـ فلما نزل وادي القرى قدّم عينا له من بني عذرة يدعى حريثا فخرج على صدر راحلته أمامه مغذّا حتى انتهى إلى أبنى فنظر إلى ما هناك وارتاد الطريق ، ثم رجع سريعا حتى لقي أسامة على مسيرة ليلتين من أبنى فأخبره أن الناس غارّون (٣) ولا جموع لهم ، وأمره أن يسرع السير قبل أن تجتمع (٤) الجموع وأن يشنها (٥) غارة.

أخبرنا أبو بكر الفرضي ، أنا أبو محمد الجوهري ، أنا أبو عمر بن حيّوية ، نا عبد الوهاب بن أبي حيّة ، نا محمد بن شجاع ، نا الواقدي (٦) ، قال : فحدثني هشام بن عاصم ، عن المنذر بن جهم قال : قال بريدة لأسامة : يا أبا محمد ، إني شهدت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوصي أباك أن يدعوهم إلى الإسلام ، فإن أطاعوه خيّرهم ، إن أحبّوا أن يقيموا في ديارهم ويكونوا كأعوان (٧) المسلمين ، ولا شيء لهم في الفيء ولا في الغنيمة إلّا أن يجاهدوا مع المسلمين ، وإن تحولوا إلى دار الإسلام كان لهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين. قال أسامة : هكذا وصية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأبي ، ولكن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أمرني ، وهو آخر عهده إليّ أن أسرع المشي وأسبق الأخبار ، وأن أشنّ الغارة عليهم بغير دعاء ، فأحرّق وأخرّب. فقال بريدة : سمعا وطاعة لأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

فلما انتهى إلى أبنى فنظر إليها منظر العين عبّأ أصحابه وقال : اجعلوها غارة ولا

__________________

(١) ما بين معكوفتين زيادة عن خع والواقدي.

(٢) عن الواقدي وبالأصل : بلاد هادية.

(٣) عن خع وبالأصل «غازون» وغارون : غافلون.

(٤) بالأصل : يجتمع.

(٥) عن الواقدي وبالأصل وخع «شنها».

(٦) مغازي الواقدي ٣ / ١١٢٢.

(٧) كذا بالأصل وخع ، وفي الواقدي ومختصر ابن منظور : كأعراب.

٥٨

تمنعوا في الطلب ولا تفترقوا ، واجتمعوا واخفوا الصوت ، واذكروا اسم الله في أنفسكم ، وجرّدوا سيوفكم وضعوها فيمن أشرف لكم. ثم دفع (١) عليهم الغارة ، فما نبح كلب ولا تحرّك أحد ، ولا شعروا إلّا بالقوم قد شنوا عليهم الغارة ينادون بشعارهم : يا منصور أمت. فقتل من أشرف له ، وسبا من قدر عليه ، وحرق في طوائفها بالنار ، وحرق منازلهم وحروثهم ونخلهم. فصارت أعاصير من الدخاخين ، وأقام الخيل في عرصاتهم ، ولم يمعنوا في الطلب ، أصابوا ما قرب منهم ، وأقاموا يومهم ذلك في تعبئة ما أصابوا من الغنائم. وكان أسامة خرج على فرس أبيه الذي قتل عليها أبوه يوم مؤتة كانت تدعى سبحة. وقتل قاتل أبيه في الغارة ، خبّره به بعض من سبى ؛ وأسهم للفرس سهمين ولصاحبه سهما. وأخذ لنفسه مثل ذلك. فلما أمسوا أمر الناس بالرحيل ، والدليل أمامه حريث العذري ، فأخذوا الطريق التي جاء منها ، ودأبوا (٢) ليلتهم حتى أصبحوا بأرض بعيدة. ثم طوى البلاد حتى انتهوا إلى وادي القرى في تسع ليال ثم قصد يغذ السير إلى المدينة وما أصيب من المسلمين أحد فبلغ ذلك هرقل وهو بحمص فدعا بطارقته فقال : هذا الذي حذّرتكم ، فأبيتم أن تقبلوه مني. قد صارت العرب تأتي من مسيرة شهر فتغير عليكم ، ثم تخرج من ساعتها ولم تكلم. قال أخوه يناق : فأبعث رابطة تكون بالبلقاء (٣). فبعث رابطة واستعمل عليهم رجلا من أصحابه ، فلم يزل مقيما حتى قدمت البعوث إلى الشام في خلافة أبي بكر وعمر رضي‌الله‌عنهما.

قالوا : واعترض لأسامة في منصرفه قوم من أهل كثكث ـ قرية هناك ـ قد كانوا اعترضوا لأبيه في بدأته فأصابوا من أطرافه ، فناهضهم أسامة بمن معه فظفر بهم وحرّق عليهم ، وساق من نعمهم ، وأسر منهم أسيرين فأوثقهما ، وهرب من بقي ، فقدم بهما المدينة فضرب أعناقهما.

أخبرنا أبو بكر الفرضي ، أنا أبو محمد الجوهري ، أنا أبو عمر بن حيّوية ، نا عبد الوهّاب بن أبي حيّة ، نا محمد بن شجاع ، نا الواقدي (٤) ، قال : فحدثني أبو

__________________

(١) عن الواقدي وبالأصل وخع : رفع.

(٢) في الواقدي : «ودانوا ... انتهوا بأرض بعيدة».

(٣) البلقاء : كورة من أعمال دمشق بين الشام ووادي القرى (معجم البلدان).

(٤) مغازي الواقدي ٣ / ١١٢٤.

٥٩

بكر بن يحيى بن النضر ، عن أبيه : أن أسامة بن زيد بعث بشيره من وادي القرى بسلامة المسلمين ، وأنهم قد أغاروا على العدو فأصابوهم ، فلما سمع المسلمون بقدومهم خرج أبو بكر في المهاجرين ، وخرج أهل المدينة حتى العواتق وسروا بسلامة أسامة ومن معه من المسلمين ودخل يومئذ على فرسه سبحة كأنما خرجت من ذي خشب عليه الدرع ، واللواء أمامه يحمله بريدة حتى انتهى به إلى المسجد ، فدخل فصلّى ركعتين وانصرف إلى بيته معه اللواء. وكان مخرجه من الجرف لهلال شهر ربيع الآخر سنة إحدى عشرة ، فغاب خمسة وثلاثين يوما : سار عشرين في بدأته وخمسة عشر (١) في رجعته.

أخبرنا أبو عبد الله الفراوي ، أنا أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرّحمن الصابوني ، أنا أبو محمد عبد الرّحمن بن أحمد المقرئ ، نا أبو العباس محمد بن يعقوب بن يوسف ، نا محمد بن علي الميموني ، نا الفريابي ، نا عبّاد بن كثير ، عن أبي الزّناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة قال : والذي لا إله إلّا هو ، لو لا أن أبا بكر استخلف ما عبد الله ، ثم قال الثانية ، ثم قال الثالثة فقيل له : يا أبا هريرة. فقال : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وجّه أسامة بن زيد في سبع مائة إلى الشام ، فلما نزل بذي خشب قبض النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وارتدّت العرب حول المدينة ، فاجتمع إليه أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالوا له : يا أبا بكر ردّ هؤلاء. توجه هؤلاء إلى الروم وقد ارتدّت العرب حول المدينة فقال : والذي لا إله إلّا هو لو جرّت الكلاب بأرجل أزواج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما رددت جيشا وجهه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولا حللت لواء عقده رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فوجه أسامة فجعل لا يمر بقبيل يريدون الارتداد إلّا قالوا : لو لا أن لهؤلاء قوة ما خرج مثل هؤلاء من عندهم ، ولكن ندعهم حتى يلقوا الروم ، فبلغوا الرّوم فهزموهم وقتلوهم ورجعوا سالمين فثبتوا على الإسلام.

__________________

(١) بالأصل : «وخمس عشرة».

٦٠