تاريخ مدينة دمشق - ج ٢

أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي [ ابن عساكر ]

تاريخ مدينة دمشق - ج ٢

المؤلف:

أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي [ ابن عساكر ]


المحقق: علي شيري
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٢٣
الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٢ الجزء ٣٣ الجزء ٣٤ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١ الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠

بنى الوليد بن عبد الملك القبّة ـ يعني قبة مسجد دمشق ـ فلما استقلّت وتمّت ، وقعت. فشقّ ذلك عليه. فأتاه رجل من البنّائين (١) ، فقال : أنا أتولّى بناءها ، على أن تعطيني عهد الله أن لا يدخل معي أحد في بنائها. ففعل ذلك. فحفر موضع الأركان حتى بلغ الماء. ثم بناها ، فلما استقلّت على وجه الأرض غطّاها بالحصر ، وهرب عن الوليد.

فأقام يطلبه فلا يقدر عليه. فلما كان بعد سنة لم يعلم الوليد إلّا وهو على بابه. قال ما دعاك إلى ما صنعت؟ قال : تخرج معي حتى أريك. فخرج الوليد والناس معه حتى كشف الحصر ، فوجد البنيان قد انحطّ حتى صار مع وجه الأرض ، ثم قال : من هذا كنت تؤتى. ثم بناها ببنائها الذي بنيت عليه ، حتى قامت.

ابن ملّاس نميري وليس بغسّاني. والله تعالى أعلم.

أنبأنا أبو محمّد بن الأكفاني ، أنبأنا أبو محمّد عبد العزيز بن الكتاني ، أنبأنا تمام الرازي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله بن الفرج ، أنبأنا أبو بكر عبد الرحمن بن محمّد بن العبّاس ، أنبأنا أبو تمام عتبة بن سلامة بن ربيح ، أنبأنا محمد بن عتبة ، ثنا يحيى بن حمزة ، نبأنا عمر بن الدّرفس (٢) الغسّاني قال : رأيت قبة مسجد دمشق وقد حفر لأركانها حتى بلغ الحفر إلى الماء ، وألقي على الماء جران الكرم وبني الأساس عليه.

قرأت على أبي محمّد السلمي ، عن أبي محمّد التميمي ، أنبأنا تمام ، أنبأنا أبو بكر البرامي.

قال : وأنبأنا هشام ، قال : وأنبأنا أبو شبيب محمّد بن أحمد ، أنا أحمد بن المعلّى ، أنبأنا إسماعيل بن أبان ، أنبأنا أبو مسهر ، عن جده.

أنه شرب من أركان القبة ماء.

قال : وأنبأنا ابن البرامي ، أنبأنا محمد بن أحمد بن عدوان ، أنبأنا محمّد بن هارون بن بلال ، حدثني يزيد بن أحمد بن غزوان ، حدثني يزيد بن أحمد قال :

__________________

(١) في المطبوعة : فأتاه بناء.

(٢) الدرفس بفتح المهملة والراء وسكون الفاء ، تقريب التهذيب. ويقال اسمه : عمرو.

٢٦١

سمعت إبراهيم بن أبي حوشب النصري (١) يذكر أن جدّه كان أحد (٢) قومة المسجد في بنائه. قال : حدّثت أن الوليد بن عبد الملك بعث إليه يوما عند فراغه من القبّة الكبيرة ، فلم يبق منها (٣) إلّا عقد رأسها ، فقال له : إني عزمت [على](٤) أن أعقدها بالذهب. قال [فقال له](٥) يا أمير المؤمنين! اختلطت؟ هذا شيء نقدر عليه؟ قال : فقال له : يا ماجن (٦)! تقول لي هذا؟ فأمر به فشق عنه وضرب خمسين سوطا. ثم قال : اذهب ، فافعل ما أمرت به. قال : فذكر لي أنه عمل لبنة من ذهب فحملها (٧) إليه. فلما نظرت إليها وعرف ما فيها وما تحتاج القبة إلى مثلها قال : هذا شيء لا يوجد في الدنيا. ورضي عنه وأمر له [بخمسين](٨) دينارا :

وقال ابن البرامي : أنبأنا محمّد بن العباس بن الدّرفس ، أنبأ هشام بن عمّار ، أنبأنا أيوب بن سليمان الطائي ، عن رجل حدّثه قال :

لما قطع الوليد بن عبد الملك [بالرصاص](٩) لمسجد دمشق لأهل الكور (١٠) كانت كورة الأردن أكثرهم في ذلك. فطلبوا الرصاص من النواويس (١١) العادية فانتهوا إلى قبر حجارة في داخله قبر من رصاص. فأخرجوا الميت الذي فيه فوضعوه فوق الأرض.

فوقع رأسه في هوّة من الأرض فانقطع عنقه. فسال من فيه دم. فهالهم ذلك ، فسألوا عنه ، فكان فيمن سألوا عنه عبادة بن نسيّ (١٢) الكندي فقال لهم : هذا القبر قبر طالوت الملك.

__________________

(١) في المطبوعة : «النضري» وفي الأصل وخع رسمت : «النصر بن له أحدها» كذا ، والذي أثبت عن المختصر ١ / ٢٦٤.

(٢) عن المختصر ، وبالأصل وخع : أخذ.

(٣) في المطبوعة : «ولم يبق إلّا».

(٤) زيادة عن المطبوعة.

(٥) ما بين معكوفتين سقط من المطبوعة.

(٦) عن المختصر وبالأصل وخع : يا ناصر.

(٧) في المطبوعة : فجاء بها.

(٨) الزيادة عن مختصر ابن منظور ١ / ٢٦٤.

(٩) الزيادة عن خع ومختصر ابن منظور ٢٦٤١.

(١٠) عن المختصر وبالأصل وخع : الكوفة.

(١١) عن المختصر وبالأصل وخع : «النوادمن».

(١٢) ضبط عن التقريب. وهو أبو عمر الشامي ، قاضي طبرية.

٢٦٢

كذا قرأناه على عبد الكريم. ورأيته بخط عبد العزيز في نسخة أخرى : داود بن سليمان بدأ ، أيوب.

أنبأناه أبو محمّد بن الأكفاني ، ثنا عبد العزيز فالله تعالى أعلم.

قرأت على أبي محمّد التميمي ، أنبأنا تمام الرازي ، أنبأنا أبو بكر بن البرامي قال :

سمعت أبي يقول : سمعت بعض مشايخنا يقول : لما فرغ الوليد بن عبد الملك من بناء المسجد قال له بعض ولده : أتعبت الناس في طينه كلّ سنّة ويخرب سريعا. فأمر أن يسقّف بالرصاص. فطلب الرصاص في كل بلد وصل (١) إليه. فبقي عليه موضع لم يجد له رصاصا. فكتب إلى عمّاله يحرّضهم في طلبه. فكتب إليه بعض عماله :

«إنا قد وجدنا عند امرأة منه شيئا. وقد أبت أن تبيعه إلّا وزنا بوزن» [فكتب إليه الوليد : أن افعل. فلما كلمها العامل ، قالت : هو مني هدية للمسجد. فقال : كيف ذلك وقد أبيت أن تبيعيه إلّا وزنا بوزن](٢) شحا منك. أفتهدينه إلى المسجد؟ فقالت : أنا فعلت ذلك ، ظننت أنّ صاحبكم يظلم الناس في بنائه ويأخذ رحالهم. فلما رأيت الوفاء منكم علمت أنه لم يظلم فيه أحدا. ثم ، ويبتاع (٣) وزنا بوزن فكتب إلى الوليد في ذلك فأمر أن يعمل في صفائحه : لله. ولم يدخل في جملة ما عمله ، فهو إلى اليوم مكتوب عليه : لله. طبع بطابع على السقف.

وسمعت أبا الحسن علي بن أحمد بن منصور الفقيه يذكر عن مشايخه معنى هذه الحكاية ويذكر أن المرأة كانت يهودية ، وأنه كتب على الرصاص التي (٤) أعطتهم : الإسرائيلية. وذكر أنه رأى منه شيئا قبل الحريق عليه : الاسرائيلية.

__________________

(١) في المطبوعة : فوصل إليه.

(٢) ما بين معكوفتين سقط من الأصل وخع واستدرك عن المطبوعة ، والعبارة في مختصر ابن منظور ١ / ٢٦٥ : فكتب إليه بعض عماله ، أن قد وجدنا عند امرأة منه شيئا ، وقد أبت أن تبيعه إلّا وزنا بوزن ، فكتب إليه : خذه ، وإن أبت إلّا وزنا بوزن ، فأخذه منها وزنا بوزن ، فلما وفّاها قالت له : هو هدية مني للمسجد.

انظر معجم البلدان (دمشق ٢ / ٤٦٦).

(٣) عن المختصر وبالأصل : ويتبع.

(٤) في المختصر والمطبوعة : الذي.

٢٦٣

قرأت على أبي محمّد السلمي ، عن أبي محمّد الكتاني ، أنبأنا تمام الرازي ، أنبأنا ابن البرامي ، أنبأنا محمد بن غزوان ، أنبأنا أحمد بن المعلّى ، أخبرني أبو تقيّ هشام بن عبد الملك [اليزني](١) ، أنا الوليد بن مسلم قال : لما أراد الوليد بن عبد الملك بناء مسجد دمشق كان سليمان بن عبد الملك هو المقيم (٢) مع الصنّاع.

أخبرنا أبو محمّد بن الأكفاني وعبد أنبأنا الكريم بن حمزة قالا (٣) : أنبأنا عبد العزيز الكتاني ، أنبأنا تمام بن محمّد ، وعبد الوهاب الميداني قالا : أنبأنا أحمد بن محمّد بن عمارة ، أنبأنا أحمد بن المعلّى ح.

قال تمام : وأخبرني يحيى بن عبد الله بن الحارث ، أنبأنا عبد الرحيم (٤) بن عمر ، أنبأ ابن المعلّى قال : وجدت في كتاب لبعض أهل دمشق : أقيمت القبّة الرخام التي فيها فوّارة الماء في سنة تسع وستين وثلاث مائة.

وقرأت بخط إبراهيم بن محمّد الحنّائي : أنشئت الفوّارة المنحدرة وسط جيرون في سنة ست عشرة وأربعمائة ، وجرت ليلة الجمعة لسبع ليال خلون من شهر ربيع الأول سنة سبع عشرة بقي وأربعمائة. مما (٥) أمر بجرّ القصعة من ظاهر قصر (٦) حجاج إلى جيرون وأجرى (٧) ماءها الشريف القاضي فخر الدولة أبو يعلى حمزة بن الحسن بن العباس [الحسيني](٨) جزاه الله تعالى على ذلك خيرا.

__________________

(١) زيادة للإيضاح.

(٢) الأصل وخع وفي المختصر : القيّم.

(٣) بالأصل وخع : قال.

(٤) بالأصل وخع «عبد الرحمن» وتقدم تصويب ما أثبتناه.

(٥) في المختصر : «بما» وفي المطبوعة : وأمر.

(٦) قصر حجاج : محلة كبيرة في ظاهر باب الجابية من مدينة دمشق ، منسوب إلى حجاج بن عبد الملك بن مروان (معجم البلدان).

(٧) بالأصل : «وجرى» والمثبت عن المطبوعة ، وفي المختصر : وإجراء مائها.

(٨) بالأصل «العياش» والمثبت والزيادة عن المختصر وخع.

٢٦٤

[وتحته بخط محمد بن أبي نصر الحميدي. «وسقطت في صفر سنة سبع وخمسين وأربع مائة ، من جمال تحاكت بها ، فأنشئت كرّة أخرى.

ثم سقطت عمدها وما عليها في حريق اللبادين ، ورواق دار الحجارة ، ودار خديجة ، في شوال سنة اثنتين وستين وخمسمائة.](١).

__________________

(١) ما بين معكوفتين سقط من الأصل وخع واستدرك عن مختصر ابن منظور ١ / ٢٦٥.

٢٦٥

باب

كيفية ما رخم وزوّق ومعرفة كمية المال الذي عليه أنفق

أخبرنا أبو الحسن الخطيب ، أنبأنا جدي أبو عبد الله ، أنبأنا [أبو](١) علي الأهوازي ، أنبأنا عبد الوهاب بن الحسن ، نا أبو الطيب أحمد بن إبراهيم بن عبادل (٢) ، قال : سمعت أحمد بن إبراهيم بن هشام قال : سمعت أبي يقول :

ما في مسجد دمشق من الرخام شيء ، إلّا رخامتا المقام ، فإنه يقال إنّهما من عرش سبأ ، وأما الباقي فكله مرمر.

أخبرنا أبو محمّد هبة الله بن الأكفاني ، وعبد الكريم بن حمزة قالا : أنبأنا عبد العزيز ، أنبأنا تمام بن محمّد ، وأبو محمّد عبد الوهاب بن الميداني قالا : أنبأنا أحمد بن محمّد بن عمارة (٣) ، أنبأنا أحمد بن المعلّى.

قال تمام : وأخبرني أبو إسحاق بن سنان ـ إجازة ـ نا أحمد بن المعلّى.

قال : وأخبرني سليمان بن عبد الرحمن ، أنبأنا الحسن بن يحيى قال :

سمعت أبا جعفر يقول : هاتان الرخامتان اللتان في جانبي المقام من عرش سبأ.

[المقام هو](٤) المقام الغربي.

قرأت على أبي محمّد السلمي عن أبي محمّد الأكفاني ، أنبأنا تمام الرازي ، أنبأنا

__________________

(١) سقطت من الأصل واستدركت عن خع.

(٢) بالأصل «عياذل» وفي خع : «عيادل».

(٣) بالأصل وخع «غفارة» تحريف ، والصواب ما أثبت وقد تقدم مرارا.

(٤) الزيادة عن المطبوعة للإيضاح.

٢٦٦

أحمد بن عبد الله بن الفرج (١) ، أنبأنا أحمد بن عامر ، ومحمد بن بشر قالا : أنبأنا هشام بن عمّار ، أنبأنا الحسن بن يحيى الخشني (٢) ، أنبأنا عثمان بن أبي العاتكة قال : ليس في مسجد دمشق من الرخام إلّا اللتان عند المقام هما من عرش بلقيس.

أخبرنا أبو محمّد الأكفاني ، وعبد الكريم بن حمزة قالا : أنبأنا عبد العزيز ، أنبأنا تمام الرازي ، وعبد الوهاب بن جعفر الميداني قالا : أنبأنا أحمد بن المعلّى قالا :

أنبأنا تمام : وأنبأنا يحيى بن عبد الله بن الحارث ، أنبأنا عبد الرحيم (٣) بن عمر المازني ، أنبأنا أحمد بن المعلّى.

قال : وأنبأنا أحمد بن عبد الرحمن بن إبراهيم ، أنبأنا الوليد ، أنبأنا مروان بن جناح ، عن أبيه.

قال : كان في مسجد دمشق اثنا عشر ألف مرخم.

وقال أبو تقيّ هشام بن عبد الملك ، أنبأنا الوليد بن مسلم قال :

لما أخذ الوليد بن عبد الملك في بناء مسجد دمشق وظهر من تزويقه وبنائه وعظم مئونته [ما](٤) ظهر ، تكلّم الناس فقالوا : أينفق فينا (٥) ويتلف ما في بيوت أموالنا في نقش الخشب وتزويق الحيطان؟ ثم كأنه حرمنا أعطياتنا واعتلّ علينا بذهاب المال وقلّته. فبلغ الوليد كلامهم والذي قالوا من ذلك. فصعد المنبر ، فحمد الله تعالى وأثنى عليه ، ثم قال :

«يا أيّها الناس! قد بلغني مقالتكم ، وانتهى إليّ ما خفتم من حبس (٦) أعطياتكم ودفعكم عن حقوقكم ، وليس الأمر على ما ظننتم. ألا وإنّي أمرت بإحصاء ما في بيوتكم

__________________

(١) عن خع وبالأصل «الفرخ».

(٢) بالأصل وخع : «الخشي» والصواب ما أثبت ، انظر الأنساب «الخشني» بضم الخاء وفتح الشين.

(٣) بالأصل وخع «عبد الرحمن» تحريف ، والصواب ما أثبت ، وقد تقدم.

(٤) سقطت من الأصل وخع واستدركت عن المطبوعة.

(٥) في المطبوعة : ينفق في البناء.

(٦) بالأصل «حسن» والصواب عن المطبوعة ٢ / ٣٤.

٢٦٧

من الماء فأصبت (١) فيه عطاءكم ست (٢) عشرة سنة مستقبلة من يومي هذا»

زاد ابن الميداني : ثم نزل.

ورواه غيره عن أحمد بن المعلّى ، عن إسماعيل بن أبان ، حدثني محمّد بن عائذ قال :

لما أخذ الوليد في بناء مسجد دمشق ، فذكر الحكاية.

أخبرنا أبو القاسم نصر بن أحمد بن مقاتل ، أنبأنا جدي ، أنبأنا أبو علي الأهوازي ، أنبأنا ابن الخزرج بشير بن نعمان الأنصاري ، أنبأنا أبو بكر أحمد بن عبد الله بن عمر بن صفوان النضري (٣) ، أنبأنا أبو قصيّ إسماعيل بن محمّد بن إسحاق العذري (٤) ، أنبأنا الوليد بن مسلم.

عن عمرو بن مفاخر الأنصاري قال : إنهم حسبوا ما أنفق على الكرمة التي قبلة مسجد دمشق [فكان](٥) سبعين (٦) ألف دينار.

قال أبو قصيّ : أنفق على مسجد دمشق أربع مائة صندوق ، في كل صندوق أربعة عشر ألف دينار ، في الصندوقين ثمانية وعشرون ألف دينار (٧).

كذا قال.

وأخبرنا أبو العشائر محمّد بن الخليل بن فارس العبسي (٨) ، أنبأنا أبو القاسم بن أبي العلي ، أنبأنا الوليد بن مسلم.

__________________

(١) عن خع وبالأصل «فأصيب».

(٢) بالأصل وخع : «ستة عشر» خطأ.

(٣) في خع : «النصري» وهذه النسبة إلى جدّ (الأنساب).

(٤) العذري : بالضم فسكون الذال ، هذه النسبة إلى عذرة بن زيد اللات بن رفيدة ... بن قضاعة. قبيلة معروفة (الأنساب).

(٥) زيادة عن مختصر ابن منظور ١ / ٢٦٦.

(٦) بالأصل «سبعون» صححناها بعد الزيادة.

(٧) في مختصر ابن منظور ١ / ٢٦٦ وحسبوا ما أنفقوا على مسجد فكان أربعمائة صندوق في كل صندوق ثمانية وعشرون ألف دينار. وسترد هذه الرواية عن عمرو بن مهاجر.

(٨) الأصل وخع وفي المطبوعة : «العنسي» وسيرد بعد أسطر القيسي.

٢٦٨

عن عمرو بن مهاجر : ـ وكان على بيت مال الوليد بن عبد الملك ـ أنهم حسبوا ما أنفقوا ـ وقال القيسي (١) : ما أنفق ـ على الكرمة التي في قبلة مسجد دمشق فكان سبعين ألف دينار.

قال أبو قصيّ : وحسبوا ما أنفقوا على مسجد دمشق فكان أربع مائة صندوق ، في كل صندوق ثمانية وعشرون ألف دينار. وأتاه حرسيّه فقال : يا أمير المؤمنين إن أهل دمشق يتحدثون أنّ الوليد أنفق الأموال في غير حقها. فنادى بالصلاة جامعة. وخطب الناس فقال : ألا إنه بلّغني حرسيّ أنكم تقولون : إن الوليد أنفق الأموال في غير حقّها.

ألا يا عمرو (٢) بن مهاجر ، قم فأحضر ما تملك (٣) من الأموال من بيت المال. قال : فأتت البغال تدخل بالمال وتصب في القبّة على الأنطاع (٤) حتى لم يبصر من في الشام من في القبلة ، ولا من في القبلة من في الشام.

وقال (٥) : الموازين ، فأتت الموازين ـ يعني القبابين ـ فوزنت الأموال. وقال لصاحب الديوان : أحضر من قبلك ممن يأخذ رزقنا. فوجدوا ثلاث مائة ألف ألف في جميع الأمصار ، وحسبوا ما يصيبهم فوجدوا عنده رزق ثلاث سنين. ففرح الناس وكبّروا ، وحمد الله تعالى ، وقال : إلى ما يذهب هذه [زاد القيسي :](٦) الثلاث ، وقالا : السنين ـ قد أتى ـ وقال القيسي : قد أتانا ـ الله بمثله ومثله. ألا وإني رأيتكم يا أهل دمشق تفخرون على الناس بأربع خصال ، فأحببت أن يكون مسجدكم الخامس (٧). فانصرفوا شاكرين.

زاد ابن الأكفاني : داعين.

وقرأت على عبد الكريم ، عن عبد العزيز ، أنبأنا تمام ، أنبأنا أبو بكر البرامي ، أنبأنا محمّد بن أحمد بن هارون ، يعني العاملي ، أنبأنا خالد بن تبوك :

__________________

(١) كذا.

(٢) بالأصل وخع : «عمر» والصواب عن مختصر ابن منظور ١ / ٢٦٦.

(٣) في خع والمختصر : ما قبلك.

(٤) بالأصل : الأمطاع ، والمثبت عن المختصر.

(٥) بالأصل وخع : وقالت ، والمثبت عن المختصر.

(٦) الزيادة عن خع وهامش الأصل وبجانبها علامة صح.

(٧) بعدها في المختصر : فأحمدوا الله.

٢٦٩

حدثني شيخ من أهل العلم : أن عبد الملك (١) اشترى العمودين الأخضرين الكبيرين اللذين تحت النسر من حرب بن خالد بن يزيد بن معاوية بألف وخمس مائة دينار.

أخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي ، أنبأنا أبو بكر بن الطبري ، أنبأنا أبو الحسين بن الفضل (٢) ، أنا عبد الله بن جعفر قال :

قال أبو يوسف يعقوب بن سفيان (٣) : وقرأت في صفائح في قبلة مسجد دمشق ، صفائح مذهبة بلازورد :

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ). (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ، لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ ، لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ، مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ، يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ) إلى آخر الآية (٤).

لا إله إلّا الله وحده ، لا شريك له ، ولا نعبد إلّا إيّاه. ربّنا الله وحده. وديننا الإسلام. ونبينا محمّد صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

أمر ببنيان هذا المسجد وهدم الكنيسة التي كانت فيه عبد الله الوليد أمير المؤمنين في ذي القعدة من سنة ست وثمانين.

في ثلاث صفائح ، وفي الرابعة :

(الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ). إلى آخر السورة. ثم (النازعات) إلى آخرها. ثم (عبس) إلى آخرها. ثم (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ).

قال أبو يوسف : وقدمت بعد ذلك فرأيت هذا قد محي. وكان هذا قبل المأمون (٥).

__________________

(١) الأصل وخع ، وفي المختصر : الوليد بن عبد الملك.

(٢) المطبوعة : «أبو الحسن بن الفضيل» خطأ.

(٣) الخبر في المعرفة والتاريخ ٣ / ٣٣٤.

(٤) سورة البقرة ، الآية : ٢٥٥.

(٥) كذا ورد بالأصل هنا ، انظر ما لاحظناه صفحة ٢٥٨.

على الكتاب الذي وجد في أصل الحائط القبلي وتعقيب المسعودي بعد إيراده نصه وقوله :

وهذا الكلام مكتوب بالذهب في مسجد دمشق إلى هذا في سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة.

هذا يضعف رواية أبي يوسف إن لم يدحضها كليا ويوهمها.

٢٧٠

أخبرنا أبو محمّد بن الأكفاني ، وعبد الكريم قالا : أنبأنا عبد العزيز بن أحمد ، وعبد الوهاب الميداني قالا : أنبأنا أبو الحارث أحمد بن عمارة ، أنبأنا أحمد بن المعلّى.

قال تمام : وأخبرني يحيى بن عبد الله بن الحارث ، أنبأنا عبد الرحيم (١) بن عمر ، أنبأنا ابن المعلّى ، حدثني أحمد بن عبد الواحد ، أنبأنا أبو مسهر قال : عملت المقصورة لسليمان بن عبد الملك حين استخلف.

أنشدني بعض أهل الأدب لبعض المحدثين (٢) في جامع دمشق عمره الله :

دمشق قد شاع حسن جامعها

وما حوته ربى ربائعها (٣)

بديعة المدن (٤) في الكمال لما

يدركه الطرف من بدائعها

طيّبة أرضها مباركة

باليمن والسعد أخذ طالعها

جامعها جامع المحاسن قد

فاقت به المدن في جوامعها

بنية بالإتقان قد وضعت

لا ضيّع الله سعي واضعها

تذكر في فضله ورفعته

أخبار (٥) صدق راقت لسامعها

قد كان قبل الحريق مدهشة

فغيّرته (٦) نار بلاقعها

فأذهبت بالحريق بهجته

فليس يرجى إياب راجعها

إذا تفكّرت في الفصوص وما

فيها تيقنت حذق راصعها

أشجارها لا تزال مثمرة

لا تذهب الريح في مدافعها (٧)

كأنّها من زمرّد غرست

في أرض تبر تغشى بفاقعها (٨)

__________________

(١) بالأصل وخع : «عبد الرحمن» خطأ ، والصواب ما أثبت.

(٢) هو الصاحب صفي الدين كما في منتخبات تواريخ دمشق ٣ / ١٠٢٨ وانظر البداية والنهاية ٩ / ١٧٤ بتحقيقنا.

(٣) البداية والنهاية : مرابعها.

(٤) البداية والنهاية : الحسن.

(٥) البداية والنهاية : آثار.

(٦) البداية والنهاية : فغيرت ناره.

(٧) البداية والنهاية :

لا ترهب الريح من مدافعها.

(٨) البداية والنهاية : بنافعها.

٢٧١

فيها ثمار تخالها ينعت

وليس يخشى فساد يانعها

تقطف باللّحظ لا بجارحة

الأيدي ولا تجنى (١) لبائعها

وتحتها من رخامه قطع

لا قطّع الله كفّ قاطعها

أحكم ترخيمها المرخم (٢) قد

بان عليها إحكام صانعها

وإن تفكّرت في قناطره

وسقفه بان حذق رافعها

وإن تبيّنت حسن قبّته

تحيّر اللبّ في أضالعها (٣)

تخترق الريح في مخارمها (٤)

عصفا فتقوى على زعازعها

وأرضه بالرخام قد فرشت

ينفسح (٥) الطرف في مواضعها

مجالس العلم فيه متقنة (٦)

ينشرح الصدر في مجامعها

وكلّ باب عليه مطهرة

قد أمن الناس دفع (٧) مانعها

يرتفق الخلق (٨) من مرافقها

ولا يصدّون عن منافعها

ولا تزال المياه جارية

فيها لما شق من مشارعها

وسوقها لا تزال آهلة

يزدحم الناس في شوارعها

لما يشاءون من فواكهها

وما يريدون من بضائعها

كأنها جنة معجّلة

في الأرض لو لا سرى فجائعها

دامت برغم العدى مسلمة

وحاطها الله من قوارعها

__________________

(١) بالأصل وخع والبداية والنهاية : «تجتنى» أثبتنا رواية المطبوعة ٢ / ٣٩.

(٢) عن خع والبداية والنهاية وفي الأصل «الموخر».

(٣) في منتخبات تواريخ دمشق : أصانعها.

(٤) البداية والنهاية : منافذها.

(٥) عن البداية والنهاية وبالأصل وخع : بنفسج.

(٦) في خع والبداية والنهاية : مونقة.

(٧) عن البداية والنهاية وبالأصل وخع : رفع.

(٨) البداية والنهاية : الناس.

٢٧٢

باب

ذكر ما كان عمر بن عبد العزيز همّ برقم رده على النصارى حين قاموا في طلبه

أخبرنا أبو محمّد بن الأكفاني ، وعبد الكريم بن حمزة قالا : أنبأنا عبد العزيز بن أحمد (١) ، أنبأنا أحمد بن محمّد بن عمارة ، أنا أحمد (٢) بن المعلّى.

قال تمام : وأخبرني يحيى بن عبد الله بن الحارث ، أنبأنا عبد الرحيم (٣) بن عمر ، أنبأنا ابن المعلّى ، أنا أحمد بن العباس ، أنا ضمرة (٤) ، عن علي بن أبي حملة (٥).

أنه لما ولي عمر بن عبد العزيز قالوا ـ يعني نصارى دمشق ـ : يا أمير المؤمنين قد علمت حال كنيستنا. قال : إنها صارت ما ترون. فعوّضهم كنيسة من كنائس دمشق لم تكن في صلحهم يقال لها كنيسة توما.

قال ابن المعلّى : وبلغني عن الوليد بن مسلم ، عن ابن جابر ، وغيره :

أنّ النصارى رفعوا إلى عمر بن عبد العزيز ما أخذوا عليه العهد في كنائسهم : لا تهدم ولا تسكن وجاءوا بكتابهم إليه وكلّمهم عمر ورفع (٦) لهم في الثمن ، حتى بلغ مائة ألف دينار. فأبوا. فكتب عمر إلى محمّد بن سويد الفهري (٧) أن يدفع إليهم كنيستهم إلّا

__________________

(١) بالأصل وخع : حمزة تحريف.

(٢) بالأصل وخع : حمزة خطأ.

(٣) بالأصل وخع : «عبد الرحمن» خطأ ، وقد تقدم مرارا.

(٤) بالأصل وخع : حمزة ، خطأ ، وهو ضمرة بن ربيعة ، انظر تقريب التهذيب.

(٥) بالأصل «ملة» وفي خع : «مملة» وكلاهما تحريف ، والصواب ما أثبت عن التبصير ، وعنه ضبطت ١ / ٢٦٦.

(٦) بالأصل «ووقع» والمثبت عن خع ومختصر ابن منظور ١ / ٢٦٨.

(٧) بالأصل وخع : «النهري» والمثبت عن مختصر ابن منظور.

٢٧٣

أن يرضوا برضاهم. فأعظمه ذلك وأعظم الناس ، وفيهم يومئذ بقية من أهل الفقه. فشاورهم محمّد بن سويد فقالوا (١) : هذا أمر عظيم. ندفع (٢) إليهم مسجدنا ـ وقراؤنا فيه [وقد أذنّا فيه](٣) بالصلاة وجمّعنا فيه ـ يهدم فيعاد كنيسة! فقال رجل منهم : هاهنا خصلة : لهم كنائس عظام حول مدينتهم : دير مرّان (٤) وباب توما ، والراهب وغيرها إن أحبوا أن نعطيهم كنيستهم ، ولا يبقى حول مدينة دمشق كنيسة ولا بالغوطة إلّا هدمت ، وإن شاءوا تركت لهم كل كنيسة بالغوطة ونسجل (٥) لهم بها سجلا وتركوا ما يطلبون.

فعرض ذلك عليهم فقالوا : انظرونا ننظر في أمرنا. فتركهم ثلاثا. فقالوا : نحن نأخذ الذي عرضت علينا وتكتب (٦) إلى الخليفة تخبره (٧) إنّا قد رضينا بذلك ، ويسجل (٨) الخليفة من قبله سجلا منشورا بأمان على [ما بالغوطة من](٩) كنيسة من أن تهدم أو تسكن. فكتب إلى عمر بن عبد العزيز بذلك ، فسرّه وسجل لهم في كنائسهم التي خارج مدينة دمشق والغوطة : أنهم آمنون أن تخرب أو تسكن. وأشهد لهم شهودا (١٠).

أخبرنا أبو المعلّى : قال تمام : وأخبرنا أبو إسحاق ـ إجازة ـ أنبأنا أبو المعلّى.

قال تمام : وأخبرني يحيى بن عبد الله ، أنبأنا عبد الله (١١) بن عمر قال : أنبأنا ابن المعلّى. قال : أخبرني صفوان بن صالح ـ أملاه عليّ ـ أنبأنا الوليد بن مسلم ، أنا محمّد بن مهاجر قال : سمعت أخي عمرو بن مهاجر قال :

سمعت عمر بن عبد العزيز ، وذكر مسجد دمشق ، فقال :

رأيت أموالا أنفقت في غير حقها ، فأنا مستدرك ما استدركت منها ، [ـ وقال

__________________

(١) بالأصل وخع : «قال» والصواب عن المختصر.

(٢) عن المختصر ، وبالأصل وخع «نرفع».

(٣) ما بين معكوفتين سقط من الأصل وخع واستدرك عن المختصر.

(٤) في البداية والنهاية ٩ / ١٧٣ : بسفح قاسيون ، وهي بقرية المعظمية.

(٥) عن المختصر وبالأصل «سجل».

(٦) عن المختصر وبالأصل وخع «وكتب».

(٧) بالأصل وخع : بخبره.

(٨) عن المختصر وبالأصل وخع : وسجل.

(٩) ما بين معكوفتين سقط من الأصل واستدرك عن خع والمختصر.

(١٠) الخبر في البداية والنهاية بتحقيقنا ٩ / ١٧٢ ـ ١٧٣ باختصار.

(١١) كذا بالأصل والمطبوعة ، وفي خع : عبد الرحمن ، وكله تحريف والصواب «عبد الرحيم» وقد تقدم مرارا.

٢٧٤

الميداني : أدركت منها ـ](١) فرادّه (٢) في بيت المال ، أعمد إلى ذلك الفسيفساء والرخام فأقلعه وأطيّنه (٣) ، وأنزع تلك السلاسل وأجعل مكانها حبالا ، وأنزع تلك البطائن فأبيع جميع (٤) ذلك وأدخله بيت المال. فبلغ ذلك أهل دمشق ، فاشتدّ عليهم ، فخرج إليه أشرافهم فيهم خالد القسري (٥). فقال لهم : ائذنوا لي حتى أكون أنا المتكلم. فأذنوا له ، فلما أتوا إلى دير سمعان استأذنوا على عمر. فأذن لهم. فلما دخلوا سلّموا عليه ، فقال له خالد : يا أمير المؤمنين! بلغنا أنك هممت في مسجدنا بكذا وكذا. قال : رأيت أموالا أنفقت في غير (٦) حقها ، وأنا مستدرك (٧) ما أدركت فرادّه (٨) إلى بيت المال. فقال له : والله ما ذلك لك (٩) يا أمير المؤمنين. فقال عمر : لمن هو؟ لأمّك الكافرة! وغضب عمر ـ وكانت أمه نصرانية ، أم ولد ، رومية ـ فقال خالد : إن تك نصرانية فقد ولدت مؤمنا.

فاستحيى عمر ، وقال : صدقت! فما قولك : ما ذاك لي؟ قال : إنّا كنّا معشر أهل الشام ، وإخواننا من أهل مصر والعراق ، نغزو فيفرض على الرجل منا أن يحمل من أرض الروم قفيزا (١٠) بالصغير من فسيفساء ، وذراعا (١١) في ذراع من رخام. فيحمله أهل العراق وأهل حلب إلى حلب ، ويستأجر على ما حملوه إلى دمشق. ويحمل (١٢) أهل حمص إلى حمص ، ويستأجر على ما حملوا إلى دمشق. ويحمل أهل دمشق ومن وراءهم حصّتهم إلى دمشق. فذلك قولي : ما ذاك لك. فسكت عمر.

ثم جاءه بريد من مصر من واليها يخبره أنّ قاربا ورد عليه من رومية فيه عشرة من

__________________

(١) ما بين معكوفتين ساقط من المطبوعة.

(٢) عن مختصر ابن منظور ١ / ٢٦٩ وبالأصل وخع : فراره.

(٣) بالأصل : «والرخا وما قلعه وأطيبه» والصواب عن المختصر ، وفي خع : والرخام ما قلعه وأصيبه».

(٤) سقطت من المطبوعة.

(٥) بالأصل : «التسرى» وفي خع : «التسنوى» والصواب عن المختصر ، وهذه النسبة إلى قسر ، بطن من قيس ، وقيس بطن من بجيلة.

(٦) سقطت من الأصل واستدركت عن خع.

(٧) عن خع وبالأصل : أستدرك.

(٨) بالأصل وخع : «فراره» والمثبت عن المختصر.

(٩) بالأصل وخع : «مالك لك» والمثبت عن المختصر.

(١٠) بالأصل : «قسيما بالقصر» والمثبت عن المختصر.

(١١) بالأصل وخع «وذراع» والمثبت عن المختصر.

(١٢) بالأصل وخع : «ويحمله» والمثبت عن المختصر والمطبوعة ٢ / ٤٣.

٢٧٥

الروم عليهم رجل منهم يريدون الوفود إلى أمير المؤمنين. فكتب إليه أن وجّههم (١) إليّ ووجّه معهم عشرة من المسلمين عليهم رجل منهم كلّهم يحسن [الكلام](٢) بالرومية ، ولا يعلمونهم بذلك ، حتى يحملوا إليّ كلامهم. فساروا حتى نزلوا دمشق ، خارج باب البريد. فسأل الروم رئيس العشرة من المسلمين أن يستأذن لهم الوالي (٣) في دخول المسجد ، فأذن لهم. فمرّوا في الصحن حتى دخلوا من الباب الذي يواجه القبة. فكان أول ما استقبلوا المقام. ثم رفعوا رءوسهم إلى القبّة فخرّ رئيسهم مغشيا عليه. فحمل إلى منزله. فقام ما شاء الله أن يقيم. ثم أفاق فقالوا له بالرومية : ما قصتك؟ عهدنا بك من الرومية (٤) وما ننكرك (٥) وصحبتنا في طريقنا فما أنكرناك. فما الذي عرض لك حين دخلت هذا المسجد؟ قال : إنّا معشر أهل رومية نتحدث أنّ بقاء العرب قليل ، فلما رأيت ما بنوا علمت أنّ لهم مدّة سيبلغونها (٦) ، فلذلك أصابني الذي أصابني. فلما قدموا على عمر أخبروه بما سمعوا منه. فقال عمر : ألا أرى مسجد دمشق غيظا على الكفّار؟ فترك ما كان همّ به من أمره.

رواه محمد بن عبيدة بن فياض ، عن صفوان بن صالح ، بإسناده ، وقال فيه :

فدخلوا (٧) عليه ، ومعهم فتى من ولد خالد بن عبد الله القسري. وهو وهم.

[وقال أبو زرعة : حدثني أحمد بن إبراهيم بن هشام ، حدثنا أبي ، عن أبيه ، عن جدّه](٨).

قال : لما استخلف عمر بن عبد العزيز أراد أن يجرّد ما في قبلة [مسجد](٩) دمشق

__________________

(١) بالأصل وخع : «زوجهم» والصواب عن المختصر ١ / ٢٦٩.

(٢) سقطت من الأصول واستدركت عن المطبوعة ٢ / ٤٣.

(٣) سقطت من المطبوعة.

(٤) في المختصر : «بالرومية» وفي المطبوعة : من رومية.

(٥) الأصل وخع «وينكرك» والمثبت عن المختصر.

(٦) الأصل وخع : «سيلقونها» والمثبت عن المختصر.

(٧) في المطبوعة : فقدموا.

(٨) ما بين معكوفتين ساقط من الأصل ، وفي خع بياض قدر كلمتين ، والزيادة المستدركة عن المطبوعة ٢ / ٤٤.

(٩) سقطت من الأصل وخع واستدركت عن المطبوعة.

٢٧٦

من الذهب ، وقال إنه يشغل الناس (١) عن الصلاة. فقيل له : يا أمير المؤمنين؟ إنه أنفق عليه [مال](٢) المسلمين وأعطياتهم ، وليس يجتمع منه شيء ينتفع (٣) به. فأراد أن يبيّضه بالجص. فقيل له : [تذهب النفقات فيه. فأراد أن يستره بالخزف فقيل له](٤) : تضاهي الكعبة. فبينا هو كذلك إذ ورد عليه وفد الروم. فاستأذنوا في دخول المسجد فأذن لهم وأرسل معهم من يعرف الرومية وقال : لا تعلموهم إنكم تعرفون بالرومية واحفظوا ما يقولون. فلما وقفوا تحت القبة ، قال رئيسهم : كم للإسلام؟ قالوا مائة [سنة](٥). قال : فكيف تصغّرون أمرهم؟ ما بنى هذا البنيان إلّا ملك عظيم. وأتى الرسول عمر فأخبره ، فقال : أما إذ هو غائظ للعدو ، فدعه.

أخبرنا أبو الحسن علي بن المسلم السلمي الفقيه ، أنبأنا أبو الفتح نصر بن إبراهيم المقدسي الزاهد ، وأبو محمّد عبد الله بن عبد الرزاق بن فضيل قالا : أنا أبو الحسن (٦) أحمد بن عوف ، أنا هشام بن عمّار ، أنا ابن أبي السائب ، وهو عبد العزيز بن الوليد بن سليمان قال : سمعت أبي يذكر أن عمر بن عبد العزيز أراد أن يمحو الذهب الذي في المسجد فقيل له إنه إذا جرّد لم يكن له ثمن ، فتركه.

__________________

(١) سقطت من المطبوعة.

(٢) عن المطبوعة ، وفي المختصر : «عدّ فيء».

(٣) عن خع ، وبالأصل «تنفع» وفي المختصر : فينتفع.

(٤) ما بين معكوفتين سقط من الأصل واستدرك عن خع والمختصر.

(٥) زيادة عن خع والمختصر.

(٦) بالأصل وخع : أبو الحسن بن عوف بن أحمد بن عوف.

٢٧٧

باب

ذكر ما كان في الجامع من القناديل والآلات ومعرفة ما عمل فيه وفي البلد بأسره من الطلسمات

قرأت على أبي محمد عبد الكريم بن حمزة السّلمي ، عن عبد العزيز بن أحمد ، أنبأنا تمام بن محمد ، أنبأنا أبو بكر أحمد بن عبد الفرج بن البرامي ، أنبأنا أبي ، أنبأنا أبو القاسم بن عثمان ، أنبأنا ابن أبي السائب يعني عبد العزيز بن الوليد ، قال : سمعت أبا بكر يذكر عن مكحول : أنه كان إذا أطفئت قناديل المسجد ـ يعني مسجد دمشق ـ سدّ أنفه وقال : يعتري من رائحته المسك.

قال : وأنبأنا ابن البرامي ، أنا إسماعيل بن إبراهيم بن زياد ، وأنبأنا ابن المنفق ، أنبأنا أبي ، عن عبد الرحيم الأنصاري وسمعته يقول : سمعت الأعراب وهم يزورون المسجد يقولون لا صلاة بعد القائلة (١) يعني [الدرة](٢) قلت له أرأيت القليلة. فقال : نعم كانت تضيء مثل السراج قلت : من أخذها؟ قال : ما سمعت المثل ، منصور سرق القلة وسليمان شرب المرة.

منصور الأمير ، وسليمان صاحب الشرطة [سليمان هو الأمير وهو ابن المنصور ومنصور صاحب شرطته](٣) كذا هو في نسخة أخرى بخط عبد العزيز.

وذلك أن الأمير (٤) كان يحب البلّور فكتب إلى صاحب شرطة والي دمشق أن ينفذ إليه القليلة ، فصرفها ليلا (٥) ووجهها إليه. فلما قتل المأمون الأمين رد القليلة إلى دمشق

__________________

(١) في المختصر ١ / ٢٧١ القليلة.

(٢) الزيادة عن المطبوعة ، سقطت من الأصل وخع.

(٣) ما بين معكوفتين سقط من المطبوعة ٢ / ٤٥.

(٤) كذا بالأصل وخع وفي المختصر ١ / ٢٧١ الأمين.

(٥) في المختصر : «فسرقها ليلا» وفي المطبوعة : فصرفها ليلة.

٢٧٨

ليشنع بذلك على الأمين. وكانت هذه القليلة في محراب الصحابة. فلما ذهبت جعل موضعها برنية (١) من زجاج رأيتها ، ثم انكسرت بعد فلم يجعل في مكانها شيء.

أخبرنا أبو محمد بن الأكفاني وعبد الكريم ، قالا : أنبأنا عبد العزيز ، أنبأنا تمام وعبد الوهّاب ، قال : أنبأنا أحمد بن محمد بن المعلّى ، نا تمام ، وأخبرني يحيى بن عبد الله ، أنبأنا عبد الرّحمن (٢) بن عمر ، أنبأنا ابن المعلّى قال : كنا نستر مسجد دمشق في الشتاء بلبود ـ أحسبه (٣) قال : في عهد الوليد ـ فدخلته الريح فهزمته فثار الناس فخرقوا اللبود.

قرأت على أبي محمد السّلمي عن عبد العزيز التميمي ، أنبأنا تمام الرازي ، أنبأنا ابن البرامي ، قال : سمعت أبا مروان عبد الرحيم وهو ابن عمر المازني يقول : لما كان في أيام الوليد بن عبد الملك وبنائه المسجد ، احتفروا فيه موضعا فوجدوا بابا من حجارة مغلقا ، فلم يفتحوه وأعلموا به الوليد ، فخرج من داره حتى وقف بين يديه ، فإذا دخله مغارة. فيها تمثال إنسان من حجارة على فرس من حجارة ، في يد التمثال الواحدة الدرة التي كانت في المحراب وفي يده الأخرى (٤) فأس (٥) بها فكسرت فإذا فيها حبتان : حبة قمح وحبة شعير فسأل عن ذلك فقيل له : لو تركت اللف لم تكسره ، لم يسوس (٦) في هذه البلدة قمح ولا شعير.

رواه عبد العزيز مرة أخرى فقال : مقبوضة (٧) ، وهو الصواب.

أنبأنا أبو محمد بن الأكفاني ، أنبأنا أبو نصر عبد الوهاب بن عبد الله المدني ، قال : وحدثني الشيخ أحمد الحافظ الوراق قال : وكان قد عمر مائة سنة قال : سمعت بعض الشيوخ يقول : إنه لما دخل المسلمون دمشق وقت فتحها ، فوجدوا على العمود

__________________

(١) البرنية : إناء من خزف (قاموس).

(٢) كذا بالأصل وخع وهو خطأ ، وقد جرى تصويبه «عبد الرحيم» مرارا.

(٣) الأصل وخع والمختصر ، وفي المطبوعة : «حسنة» تحريف.

(٤) بياض بالأصل وخع قدر كلمة ، وفي المختصر : «ويده الأخرى مقبوضة ، فأمر بها فكسرت.» وفي المطبوعة : ويده الأخرى مطبوقة ، فكسرت.

(٥) كذا ، انظر الحاشية السابقة.

(٦) عن المختصر وبالأصل : «يسرين».

(٧) إشارة إلى الرواية : بأن يده الأخرى مطبوقة ، وفي رواية : مقبوضة ، في مكان البياض الذي مرّ بالأصل.

٢٧٩

الذي في المقسلّاط على السفود (١) الحديد الذي في أعلاه صنما مادّا يده بكف منطبقة. فكسروه فإذا في كفه حبة قمح. فسألوا عن ذلك فقيل لهم هذه الحبة القمح جعلها خلفاء (٢) اليونانين وفي كف هذه الصنم الشعير (٣) حتى لا يسوس القمح ولو أقام سنين كثيرة.

وقد رأيت أنا (٤) هذا السفود على عمود قائم بالمقسلاط ، وطرح في سنة أربع وستين وخمسمائة وعمل منه أسكفّة (٥) لباشورة الباب الصغير.

أخبرنا أبو محمد بن الأكفاني ـ شفاها ـ أنبأنا تمام بن أحمد ، أنبأنا أبو نصر ، أنبأنا أبو سليمان محمد بن عبد الله بن زبر (٦) الحافظ ، حدثني أبي عبد الله بن أحمد بن زبر القاضي ، قال : إنما سمي باب السّاعات لأنه عمل هناك بركار (٧) السّاعات يعلمه بها كل ساعة تمضي من النهار ، عليها عصافير من نحاس وحية من نحاس وغراب من نحاس. فإذا تمت السّاعة خرجت الحية فصفرت العصافير وصاح الغراب وسقطت حصاة (٨).

أنبأنا أبو محمد بن الأكفاني ، أنبأنا عبد العزيز الكتاني ، أنبأنا عبد الوهّاب بن جعفر الميداني ، أنبأنا أبو سليمان بن زبر (٩) حدثني أبي قال : إنما سمي باب الجامع القبلي باب السّاعات لأنه كان عمل هناك ساعات يعلم بها كل ساعة تمضي من النهار ، عليها صورة عصافير وحية وغراب. فإذا تمت السّاعة خرجت الحية فصاحت العصافير وصاح الغراب وسقطت حصاة في الطست (١٠).

__________________

(١) بالأصل «النقود» والمثبت عن المختصر ١ / ٢٧٢.

(٢) في المختصر : حكماء.

(٣) في المختصر : طلسما.

(٤) بالأصل «أن».

(٥) الأسكفة : عتبة الباب التي يوطأ عليها. (اللسان سكف).

(٦) بالأصل : «زيد».

(٧) عن المطبوعة ٢ / ٤٧ وبالأصل «به كان» وفي خع : «بيكار» وفي البداية والنهاية ٩ / ١٨٠ بلشكار.

(٨) بعدها في المختصر والبداية والنهاية وخع : «في الطست» وزيد في البداية والنهاية : فيعلم الناس أنه قد ذهب من النهار ساعة ، وكذلك سائرها.

(٩) بالأصل : «زيد» ومثله في خع ، والمثبت عن البداية والنهاية ٩ / ١٨٠ والمطبوعة ٢ / ٤٧.

(١٠) قال ابن كثير في البداية والنهاية ٩ / ١٨٠ بتحقيقنا :

٢٨٠