تاريخ مدينة دمشق - ج ٢

أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي [ ابن عساكر ]

تاريخ مدينة دمشق - ج ٢

المؤلف:

أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي [ ابن عساكر ]


المحقق: علي شيري
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٢٣
الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٢ الجزء ٣٣ الجزء ٣٤ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١ الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠

١
٢

باب

سرايا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى الشام وبعوثه الأوائل

وهي : غزوة دومة الجندل وذات أطلاح

وغزوة مؤتة ، وذات السّلاسل

ذكر أبو عبد الله محمد بن عمر بن واقد الواقدي في كتاب الصوائف الذي صنفه أن غزوة دومة الجندل أوّل غزوات الشام قال : وهي من المدينة على ثلاث عشرة مرحلة ومن الكوفة على عشر مراحل في برية مرت ، ومن دمشق على عشر مراحل (١).

قال : وهي أرض نخل وزرع يسقون على النواضح وحولها عيون قليلة ، وزرعهم الشعير ، وهي مدينة عليها سور ، ولها حصن عادي مشهور في العرب يدعى مارد.

والثانية مؤتة ، والغزوة الثالثة تبوك ، والغزوة الرّابعة غزوة أسامة بن زيد يبنى (٢) من أرض فلسطين في سنة عشر. والغزوة الخامسة غزوة أسامة بن زيد آبل الزيت في سنة إحدى عشرة وهي التي أمّره عليها صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو مريض فغزاها بعد وفاته صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولم أجد أحدا من العلماء فرّق بين غزوة يبنى وبين غزوة آبل الزيت غير الواقدي.

وقد ذكر في كتاب المغازي الذي صنفه حديث الأمر بالغارة على يبنى في جملة قصة إنفاذ أبي بكر رضي‌الله‌عنه لجيش أسامة وإغارته على آبل الزيت. وعندي أنهما غزوة واحدة أغار فيها على الموضعين جميعا والله أعلم.

أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي الأنصاري ، أنا أبو محمد الحسن بن علي الجوهري ، أنا أبو عمرو محمد بن العبّاس بن حيّوية ، أنا عبد الوهاب بن أبي حيّة ، نا محمد بن شجاع الثلجي ، نا محمد بن عمر الواقدي (٣) ، حدثني سعيد بن مسلم بن

__________________

(١) دومة الجندل : بضم أوله وفتحه ، وقد أنكر ابن دريد الفتح انظر ما ذكره ياقوت في معجم البلدان.

(٢) كذا بالأصول ، وفي ياقوت : أبنى ، موضع بالشام من جهة البلقاء.

(٣) مغازي الواقدي ٢ / ٥٦٠ سرية أميرها عبد الرحمن بن عوف إلى دومة الجندل في شعبان سنة ست.

٣

قماذين (١) ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن ابن عمر قال : دعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عبد الرّحمن بن عوف قال : «تجهّز فإنّي باعثك في سريّة من يومك هذا ، ومن غد إن شاء الله» قال ابن عمر : فسمعت ذلك فقلت : لأدخلن فلأصلين مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم الغداة فلأسمعن وصيته لعبد الرّحمن بن عوف قال : فغدوت فصلّيت فإذا أبو بكر ، وعمر ، وناس من المهاجرين فيهم عبد الرّحمن ، وإذا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد كان أمره أن يسير من الليل إلى دومة الجندل فيدعوهم إلى الإسلام ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعبد الرّحمن : «ما خلّفك عن أصحابك»؟ قال ابن عمر : وقد مضى أصحابه في السفر (٢) فهم معسكرون بالجرف (٣) وكانوا سبع مائة رجل. فقال : أحببت يا رسول الله أن يكون آخر عهدي بك ، وعليّ ثياب سفري. قال وعلى عبد الرّحمن بن عوف عمامة قد لفّها على رأسه. قال ابن عمر فدعاه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأقعده بين يديه فنقض عمامته بيده ، ثم عممه بعمامة سوداء فأرخى بين كتفيه منها ثم قال : «هكذا فاعتمّ يا ابن عوف» قال : وعلى ابن عوف السيف متوشّحَهُ. ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اغز بسم الله ، في سبيل الله فقاتل من كفر بالله ، لا تغل ولا تغدر ولا تقتل وليدا» قال ابن عمر : ثم بسط يده فقال : «أيها الناس اتقوا خمسا قبل أن يحل بكم ؛ ما نقص مكيال قوم إلّا أخذهم الله بالسنين ، ونقص من الثمرات لعلهم يرجعون ، وما نكث قوم عهدهم إلّا سلّط الله عليهم عدوهم ، وما منع قوم الزكاة إلّا أمسك الله عنهم قطر السماء ، ولو لا البهائم لم يسقوا ، وما ظهرت الفاحشة في قوم إلّا سلّط عليهم الطاعون ، وما حكم قوم بغير القرآن إلّا ألبسهم الله شيعا ، وأذاق بعضهم بأس بعض» [٤١٠].

قال : فخرج عبد الرّحمن حتى لحق أصحابه به فسار حتى قدم دومة الجندل فلما حل بها دعاهم إلى الإسلام. فمكث بها ثلاثة أيّام يدعوهم إلى الإسلام ، وقد كانوا أبوا أول ما قدم يعطونه إلّا السيف ، فلما كان اليوم الثالث أسلم الأصبغ بن عمرو الكلبيّ (٤) وكان نصرانيا وكان رأسهم فكتب عبد الرّحمن إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يخبره بذلك ، وبعث رجلا من جهينة يقال له رافع بن مكيث ، وكتب يخبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قد أراد أن يتزوج فيهم.

__________________

(١) في الواقدي : قمّادين.

(٢) الواقدي : في السحر.

(٣) الجرف : بالضم فسكون ، موضع على ثلاثة أميال من المدينة نحو الشام (معجم البلدان).

(٤) عن الواقدي وبالأصل «الكليبي».

٤

فكتب إليه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن تزوج ابنة الأصبغ تماضر ، فتزوّجها عبد الرّحمن وبنى بها ، ثم أقبل بها ، وهي أم أبي سلمة بن عبد الرّحمن بن عوف.

وأمّا سرية ذات أطلاح (١) :

فأخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي الأنصاري ، أنا أبو محمد الحسن بن علي الجوهري ، أنا أبو عمر محمد بن العبّاس ، أنا عبد الوهاب بن أبي حيّة ، نا محمد بن شجاع ، نا محمد بن عمر (٢) ، حدثني محمد بن عبد الله ، عن الزّهري ، قال : بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كعب بن عمير الغفاريّ في خمسة عشر رجلا حتى انتهوا إلى ذات أطلاح من أرض الشام فوجدوا جمعا من جمعهم كثيرا ، فدعوهم إلى الإسلام فلم يستجيبوا لهم ورشقوهم بالنبل. فلما رأى ذلك أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قاتلوهم أشد القتال حتى قتلوا ، فأفلت منهم رجل جريح (٣) في القتلى ، فلما برد عليه الليل تحامل حتى أتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخبره بذلك ، فشق ذلك على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهمّ بالبعثة إليهم ، مبلغه (٤) أنهم قد ساروا إلى موضع آخر فتركهم.

أخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي ، أنا أبو الحسين بن النّقّور ، أنا أبو طاهر المخلّص ، أنا رضوان بن أحمد ، نا أحمد بن عبد الجبّار ، نا يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق : في عدد غزوات النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبعوثه وسراياه قال : وغزوة كعب بن عمير الغفاريّ ذات الطلاح من أرض الشام فأصيب بها هو وأصحابه جميعا.

وأمّا غزوة مؤتة (٥) :

فأخبرنا [أبو القاسم](٦) ابن السمرقندي ، أنا أبو الحسين بن النّقّور ، أنا أبو طاهر المخلّص ، نا أبو الحسين رضوان بن أحمد بن جالينوس ح.

__________________

(١) بالأصل «أطلاع» والمثبت عن خع والواقدي ٢ / ٧٥٢.

(٢) مغازي الواقدي ٢ / ٧٥٢ سرية كعب بن عمير إلى ذات أطلاح في شهر ربيع الأول سنة ثمان.

(٣) عن الواقدي وبالأصل «جريحا».

(٤) عن الواقدي وبالأصل وخع «فبلغهم».

(٥) بالضم ثم واو مهموزة ساكنة ثم تاء ، وبعضهم لا يهمزه ، قرية من قرى البلقاء في حدود الشام (معجم البلدان).

(٦) زيادة عن خع.

٥

وأخبرنا أبو عبد الله الفراوي ، أنا أبو بكر البيهقي (١) ، أنا أبو عبد الله الحافظ ، نا أبو العباس محمد بن يعقوب ، قالا : نا أحمد بن عبد الجبار ، نا يونس بن بكير ، عن محمد بن إسحاق ، حدثني محمد بن جعفر بن الزبير ، عن عروة بن الزبير قال : قدم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من عمرة القضاء المدينة في ذي الحجة ، فأقام بالمدينة حتى بعث إلى مؤتة في جمادى [الأولى] من سنة ثمان قال : وأمّر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على الناس في مؤتة زيد بن حارثة ثم قال : «فإن أصيب زيد فجعفر فإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة ، فإن أصيب فليرتض المسلمون رجلا فليجعلوه عليهم» [٤١١].

فتجهز الناس وتهيئوا للخروج. فودّع الناس أمراء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وسلموا عليهم.

وودّعوا عبد الله بن رواحة ـ وقال البيهقي : فلما ودعوا عبد الله بن رواحة بكا فقالوا : ما يبكيك يا ابن رواحة؟ قال : أما والله ما بي حبّ الدنيا ولا صبابة إليها ، ولكني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقرأ ـ وقال البيهقي : ولكني سمعت الله يقول : (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا) (٢) فلست أدري كيف لي بالصدر بعد الورود. فقال المسلمون : صحبكم الله ، وردكم إلينا صالحين ، ودفع عنكم. فقال ابن رواحة :

لكنني أسأل الرّحمن مغفرة

وضربة ذات قرع تقذف الزّبدا (٣)

أو طعنة بيدي حرّان مجهزة

بحربة تنفذ الأحشاء والكبدا

وقال البيهقي : حمران بدل حران (٤) :

حتى يقولوا وقد مرّوا على جدثي

يا أرشد (٥) الله من غاز وقد رشدا

ثم أتى عبد الله بن رواحة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فودعه ثم قال ـ وقال البيهقي : فقال :

وثبّت الله ما أتاك من حسن

تثبيت موسى ونصرا كالذي نصروا

إني تفرست فيك الخير نافلة

والله يعلم أني ثابت البصر (٦)

__________________

(١) خبر غزوة مؤتة في دلائل النبوة للبيهقي ٤ / ٣٥٨ وما بعدها ، سندقق الأصل حسب رواية الدلائل.

(٢) سورة مريم ، الآية : ٧١.

(٣) في دلائل البيهقي : «فرغ» يريد طعنة واسعة.

(٤) كذا ، والذي في دلائل النبوة للبيهقي : حران.

(٥) في دلائل البيهقي : «أرشده الله» بدل «يا أرشد الله».

(٦) في البيت إقواء ، وقد وردت الأبيات في سيرة ابن هشام ٣ / ٣٢٤ برواية : ـ

٦

أنت الرّسول فمن يحرم نوافله

والوجه منه فقد أزرى به القدر

ثم خرج القوم حتى نزلوا معان (١) فبلغهم أن هرقل قد نزل بمآب (٢) في مائة ألف من الروم ، ومائة ألف من المستعربة ، فأقاموا بمعان يومين فقالوا ـ وقال البيهقي : وقالوا : (٣) ـ نبعث إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فنخبره بكثرة عدونا ، فإما أن يمدّنا ، وإما أن يأمرنا أمرا ، فشجع الناس عبد الله بن رواحة فقال : ـ وقال البيهقي : وقال (٤) : ـ يا قوم والله إن التي تكرهون للتي خرجتم لها إيّاها تطلبون : الشهادة ، وما يقاتل الناس بعدد ولا كثرة وإنما نقاتلهم بهذا الدين الذي أكرمنا الله به. فربما (٥) فعل ، وإن تكن الأخرى فهي الشهادة وليست بشرّ المنزلتين (٥). فقال الناس : والله لقد صدق ابن رواحة فانشمر الناس وهم ثلاثة آلاف حتى لقوا جموع الروم ـ زاد ابن النّقّور : وهم وقالا : ـ بقرية من قرى البلقاء يقال لها شراف ثم انحاز المسلمون إلى مؤتة قرية فوق أحساء ـ زاد ابن النّقّور : ابن موت ـ.

وكان سبب هذه الغزوة فيما أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي الفرضي ، أنا أبو محمد الجوهري ، أنا أبو عمر بن حيّوية ، أنا عبد الوهاب بن أبي حيّة ، نا محمد بن شجاع الثلجي ، نا محمد بن عمر (٦) ، حدثني ربيعة بن عثمان ، عن عمر بن الحكم قال : بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الحارث بن عمير الأزدي ثم أحد بني لهب إلى ملك بصرى بكتاب. فلما نزل مؤتة عرض له شرحبيل بن عمرو الغسّاني فقال : أين تريد؟ قال : الشام. قال : لعلك من رسل محمد؟ قال : نعم ، أنا رسول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأمر به فأوثق رباطا ، ثم قدّمه فضرب عنقه صبرا. ولم يقتل لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم رسول غيره ، فبلغ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الخبر فاشتد عليه وندب الناس وأخبرهم بمقتل الحارث ومن قتله ، فأسرع

__________________

إني تفرست فيك الخير نافلة

فراسة خالفت فيك الذي نظروا

قال ابن هشام عن بعض أهل العلم ، فلا إقواء على هذه الرواية.

(١) مدينة في طرف بادية الشام تلقاء الحجاز من نواحي البلقاء (معجم البلدان).

(٢) في دلائل البيهقي : «بمأرب» خطأ ، ومآب مدينة في طرف الشام من نواحي البلقاء (معجم البلدان).

(٣) كذا ، وفي دلائل البيهقي : فقالوا.

(٤) كذا وفي دلائل البيهقي : فقال.

(٥) العبارة في دلائل البيهقي : فإن يظهرنا الله به فربما فعل ، وإن تكن الأخرى فهي الشهادة وليست بشرّ المنزلين.

(٦) مغازي الواقدي ٢ / ٧٥٥ وما بعدها.

٧

الناس وخرجوا فعسكروا بالجرف ، ولم يبين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الأمر ، فلما صلّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الظهر جلس وجلس أصحابه حوله ، وجاء النعمان بن مهضّ (١) اليهودي ، فوقف على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مع الناس. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «زيد بن حارثة أمير الناس ، فإن قتل زيد بن حارثة فجعفر بن أبي طالب ، فإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة ، فإن أصيب عبد الله بن رواحة فليرتض المسلمون بينهم رجلا فليجعلوه عليهم» فقال النعمان بن مهض (١) : أبا القاسم إن كنت نبيا فسميت من سميت قليلا أو كثيرا أصيبوا جميعا ، إن الأنبياء في بني إسرائيل إذا استعملوا الرجل على القوم ثم قالوا : إن أصيب فلان ، فلو سمى مائة أصيبوا جميعا. ثم جعل اليهودي يقول لزيد بن حارثة : اعهد فلا ترجع إلى محمد أبدا إن كان نبيا. فقال زيد : فأشهد أنه نبي صادق بارّ ، فلما أجمعوا المسير وقد عقد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لهم اللواء دعه إلى زيد بن حارثة ـ لواء أبيض ـ مشى الناس إلى أمراء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يودعونهم ويدعون لهم وجعل المسلمون يودع بعضهم بعضا ، والمسلمون ثلاثة آلاف ، فلما ساروا من معسكرهم نادى المسلمون : دفع الله عنكم ، وردكم صالحين غانمين. قال ابن رواحة عند ذلك :

لكنني أسأل الرّحمن مغفرة

وضربة ذات قرع (٢) تقذف الزبدا

وهي أبيات أنشدنيها شعيب بن عبادة.

حدّثنا أبو الحسن علي بن المسلّم الفقيه الفرضي ـ لفظا ـ وأبو القاسم الخضر بن الحسين بن عبدان ـ قراءة ـ قالا : أنا أبو القاسم بن أبي العلاء الفقيه ، أنا أبو محمد بن أبي نصر ، أنا أبو القاسم علي بن يعقوب بن إبراهيم بن أبي العقب ، أنا أبو عبد الملك أحمد بن إبراهيم القرشي ، نا محمد بن عائذ ، أنا الوليد بن مسلم ، أخبرني أبو محمد عيسى بن موسى عن برد (٣) بن سنان ، عن مكحول : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعث بعثا إلى الشام وأمّر عليهم زيد بن حارثة فإن أصيب زيد فجعفر بن أبي طالب ، فإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة وأجّلهم أجلا.

__________________

(١) كذا بالأصول ومختصر ابن منظور ١ / ١٥٢ ومغازي الواقدي ، وفي البداية والنهاية ٤ / ٢٤١ نقلا عن الواقدي : فنحص.

(٢) في الواقدي : ذات فرع ، أي ذات سعة ، والزبد : رغوة الدم.

(٣) عن خع وبالأصل : «براء».

٨

قال : وأنا الوليد قال : وأخبرني سعيد بن عبد العزيز وغيره أنهم كانوا ستة آلاف من المهاجرين والأنصار وغيرهم.

قال : وأنا الوليد قال : فحدثني عطّاف (١) بن خالد المخزومي أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعث ذلك البعث ، وخرجوا وخرج مشيّعا لهم حتى بلغ ثنية الوداع فوقف ، ووقفوا حوله ، فقال : «اغزوا بسم الله ، فقاتلوا عدو الله وعدوكم بالشام ، وستجدون بها رجالا في الصوامع معتزلين للناس فلا تعرضوا لهم ، وستجدون آخرين ، للشياطين في رءوسهم مفاحيص (٢) فافلقوا هامهم بالسيوف ولا تقتلن امرأة ولا صغيرا ضرعا ولا كبيرا فانيا ولا تعزقنّ نخلا ولا تقطعن شجرا ولا تهدموا بناء» [٤١٣].

قال ابن عائذ فحدثني عطّاف على نحو من هذا.

أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي ، أنا الحسن بن علي الجوهري ، أنا محمد بن العبّاس ، أنا عبد الوهّاب بن أبي حيّة ، نا محمد بن شجاع ، نا محمد بن عمر الواقدي (٣) ، حدثني أبو صفوان ، عن خالد بن يزيد قال : خرج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مشيّعا لأهل مؤتة حتى بلغ ثنيّة الوداع ، فوقف ووقفوا حوله فقال : «اغزوا بسم الله ، فقاتلوا عدوا الله وعدوكم بالشام. وستجدون فيها رجالا في الصوامع معتزلين للناس فلا تعرضوا لهم ، وستجدون آخرين للشيطان في رءوسهم مفاحيص (٢) فاقلعوها بالسيوف ، لا تقتلنّ (٤) امرأة ولا صغيرا ضرعا (٥) ولا كبيرا فانيا ولا تغرقنّ نخلا ، ولا تقطعن شجرا ، ولا تهدموا بناء» [٤١٤].

أبو (٦) صفوان هو العطّاف بن خالد بن عبد الله المخزومي.

أخبرنا (٧) أبو محمد بن الأكفاني ، نا عبد العزيز الكتاني ، أنا أبو محمد بن أبي

__________________

(١) عن خع ، وبالأصل «غطاف» بالغين المعجمة ، وسترد صوابا في الخبر التالي.

(٢) كذا بالأصل والصواب «مفاحص» جمع مفحص ، ومفحص القطاة حيث تفرخ فيه من الأرض «انظر اللسان والنهاية : فحص).

(٣) مغازي الواقدي ٢ / ٧٥٨.

(٤) عن الواقدي وبالأصل : لا تقتلوا.

(٥) في الواقدي : مرضعا.

(٦) بالأصل «ابن» خطأ.

(٧) كرر الخبر في الأصل.

٩

نصر ، أنا أبو القاسم علي بن يعقوب بن أبي العقب ، أنا أبو عبد الملك أحمد بن إبراهيم بن بشر القرشي ، نا أبو عبد الله محمد بن عائذ قال : سمعت العطّاف بن خالد المخزومي ، حدثني واقد بن محمد بن زيد قال : بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعثا إلى الشام فخرج معهم حتى بلغ ثنيّة الوداع ثم قال : «اخرجوا بسم الله ، فقاتلوا في سبيل الله عدو الله وعدوكم ، إنكم ستدخلون الشام فستجدون رجالا في الصوامع (١) معتزلين للناس فلا تعرضوا لأحد منهم إلّا بخير ، وستجدون آخرين للشياطين في رءوسهم مفاحص ، فافلقوا هامهم بالسيوف ، لا تقتلنّ كبيرا ولا فانيا ولا صغيرا ضرعا ، ولا تقتلنّ امرأة ولا تغرقن نخلا» [٤١٥].

وهذان إسنادان مرسلان والمحفوظ أن هذه وصيّة أبي بكر رضي‌الله‌عنه.

أخبرنا أبو محمد هبة الله بن أحمد الأكفاني ، نا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الحافظ ، أنا أبو الحسين محمد بن الحسين بن محمد بن الفضل القطّان ، أنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أحمد بن عتّاب ، نا أبو محمد القاسم بن عبد الله بن المغيرة الجوهري ، نا إسماعيل بن أبي أويس ، نا إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة ، عن عمه موسى بن عقبة ، قال : ثم صدر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ يعني ـ من عمرة القضاء إلى المدينة فمكث بها ستة أشهر ثم بعث جيشا إلى مؤتة وأمّر عليهم زيد بن حارثة فإن أصيب فجعفر بن أبي طالب أميرهم ، فإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة أميرهم. فانطلقوا حتى لقوا ابن أبي سبرة الغسّاني بمؤتة وبها جموع من نصارى العرب والروم بها تنوخ وبهراء فأغلق سبرة (٢) دون المسلمين الحصن ثلاثة أيّام. ثم خرجوا فالتقوا على درع (٣) أحمر فاقتتلوا قتالا شديدا فأخذ اللواء زيد بن حارثة فقتل ، ثم أخذ جعفر بن أبي طالب فقتل ، ثم أخذه عبد الله بن رواحة فقتل ، ثم اصطلح المسلمون بعد أمراء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على خالد بن الوليد المخزومي فهزم الله العدو وأظهر المسلمين. وبعثهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في جمادى الأولى وزعموا والله أعلم أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : مرّ جعفر بن أبي طالب في الملائكة يطير مع الملائكة كما يطيرون ، له جناحان ، وقتل يومئذ من المسلمين من

__________________

(١) الصوامع جمع صومعة ، وهي بيعة النصارى.

(٢) كذا بالأصول ، وفي دلائل النبوة للبيهقي : ٤ / ٣٦٤ ابن أبي سبرة.

(٣) كذا بالأصول ، وفي دلائل البيهقي : «ذرع» وفي المطبوعة : «ردع» ولم يحلها.

١٠

قريش ثم من بني هاشم : زيد بن حارثة ، وجعفر بن أبي طالب. ومن بني مخزوم : هبار بن سفيان بن عبد الأسد ، ومن بني عدي بن كعب مسعود بن الأسود. ومن بني عامر بن لؤي وهب بن سعد بن أبي سرح. وقتل من الأنصار ثم من بني الحارث بن الخزرج عبد الله بن رواحة. وعبد الله بن ربيع. ومن بني زريق عباد بن ناعص وفي هذه الغزوة يقول عبد الله بن رواحة :

إذا بلغتني وحملت رحلي

مسافة أربع بعد الحساء (١)

فحمدك أنعم وخلاك ذم

ولا أرجع إلى أهلي ورائي (٢)

وآب (٣) المسلمون وغادروني

بأرض الروم مشتهر الثواء

هنالك لا أبالي طلع فحل (٤)

ولا نخل أسافلها رواء

وخرج أبو سفيان إلى الشام تاجرا فقدم على قيصر فأرسل إليه قيصر يسأله عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلما جاءه قال : أخبرني عن هذا الرجل الذي خرج فيكم أكل مرة يظهر عليكم قال : ما ظهر علينا قط إلّا وأنا غائب ، ثم قد غزوتهم مرتين في بيوتهم فبقرنا البطون وجدعنا الأنوف وقطعنا الذكور. قال قيصر : أتراه كاذبا أو صادقا قال : بل هو كاذب. قال قيصر : لا تقولون ذلك فإن الكذب لا يظهر به أحد. فإن كان فيكم نبيا فلا تقتلوه ، فإن أفعل الناس لذلك اليهود.

قال عبد الله بن رواحة أيضا في يوم مؤتة :

أقسمت بالله لتنزلنّه (٥)

يا نفس طوعا أو لتكرهنّه (٦)

__________________

(١) سيرة ابن هشام ٤ / ١٨ برواية : «إذا أديتني ... مسيرة أربع» والحساء جمع حسى وهو ماء يغور في الرمل حتى يجد صخرا ، فإذا بحث عنه وجد.

(٢) في سيرة ابن هشام : «فشأنك أنعم».

قوله : ولا أرجع : قال أبو ذر : مجزوم على الدعاء ، دعا على نفسه أن يستشهد ولا يرجع إلى أهله.

(٣) سيرة ابن هشام : «وجاء» وبعده فيها :

وردك كل ذي نسب قريب

إلى الرحمن منقطع الإخاء

(٤) في ابن هشام : بعل.

(٥) عن دلائل البيهقي ٤ / ٣٦٤ وبالأصل : لننزلنه.

(٦) في سيرة ابن هشام ٤ / ٢١ :

لتنزلن أو لتكرهنه

وفي دلائل البيهقي ٤ / ٣٦٣ :

طائعه أو لتكرهنه

١١

ما لي أراكي تكرهين الجنة

وقبل ذا قد كنت مطمئنة (١)

إذ أجلب الناس وشدوا الرنّة

وزعموا ، والله أعلم ، أن يعلى بن منية قدم على رسول الله بخبر أهل مؤتة فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن شئت فأخبرني وإن شئت أخبرك» قال : بل أخبرني يا رسول الله قال : فأخبرهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خبرهم كله ووصفه لهم فقال : والذي بعثك بالحق ما تركت من حديثهم حرفا لم تذكره ، وإنّ أمرهم لكما ذكرت فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن الله تبارك وتعالى رفع لي الأرض حتى رأيت معتركهم» [٤١٦] وزعموا والله أعلم أن ابن رواحة بكا حين أراد الخروج من مؤتة فبكى يعني أهله حين رأوه يبكي. فقال : والله ما بكيت جزعا من الموت ولا صبابة بكم ، ولكن بكيت من قول الله عزوجل : (إِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا) (٢) فأيقنت أني واردها ولم أدر أنجوا منها أم لا.

حدّثنا أبو الحسن علي بن المسلم السّلمي الفقيه ـ لفظا ـ وأبو القاسم الخضر بن الحسين بن عبدان ـ قراءة ـ قالا : أنا أبو القاسم علي بن محمد بن علي الفقيه ، أنا أبو محمد عبد الرّحمن بن عثمان بن القاسم بن أبي نصر ، أنا أبو القاسم علي بن نصر علي بن يعقوب بن أبي العقب ، أنا أحمد بن إبراهيم ، قال : قال محمد بن عائذ : فحدثني الوليد قال : فحدثني أبو سليمان عبد الرّحمن بن سليمان عن من حدثه من مشيختهم عن رجل من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الأشعريين : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعثه مبعثا ركب فيه البحر حتى خرج إلى أيلة وما يليها فلما كان بمكان الذي هو به من الشام بلغه قدوم زيد بن حارثة وذلك الجيش البلقاء ، ومن لقيهم من جماعة الروم ومن معها من قبائل العرب فخرجت حتى أتيتهم قال : فلقيناهم وشهدت المعركة. فاقتتلنا قتالا شديدا ، ولبس زيد درعا له وركب فرسا وبيده الراية ، يقاتل ثم نزل عن الفرس ونزع الدرع وقال : من يأخذ هذا؟ وقتل زيد ، وأخذه جعفر فلبس الدرع وركب الفرس وأخذ الراية فتقدم فقاتل. قال : ونزل جعفر عن الفرس ونزع الدرع وقال : من يأخذ هذا؟ فتقدم عبد الله بن رواحة فلبس الدرع وركب الفرس وأخذ الراية فقاتل فقتل ولما انتهت

__________________

(١) في سيرة ابن هشام ودلائل البيهقي :

قد طال ما قد كنت مطمئنه

(٢) سورة مريم ، الآية : ٧١.

١٢

الراية إلى عبد الله بن رواحة قاتل ، ثم صنع ما صنع صاحباه ثم نزل عن الفرس ونزع الدرع ، وقال : من يأخذ هذا؟ وجال الناس جولة ، وأخذ الراية رجل من الأنصار فقاتل بها إذ مر به خالد بن الوليد ، فقال له الأنصاري : يا خالد خذ الراية قال : أنت أحق بها أنت أخذتها ، وقال الأنصاري : أنت أحق بها فإنك أشجع مني ، فأخذها خالد.

أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي الأنصاري ، أنا أبو محمد الجوهري ، أنا أبو عمر بن حيّوية ، أنا عبد الوهاب بن أبي حيّة ، نا محمد بن شجاع ، نا محمد بن عمر الواقدي (١) ، قال : ومضى المسلمون وقد أمرهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن ينتهوا إلى مقتل الحارث بن عمير فلما فصل المسلمون من المدينة سمع العدو بمسيرهم فجمعوا الجموع. وقام فيهم رجل من الأزد يقال له شرحبيل بالناس ، وقدم الطلائع أمامه. وقد نزل المسلمون وادي القرى وأقاموا أياما. وبعث أخاه سدوس بن عمرو في خمسين من المشركين فالتقوا وانكشف أصحابه وقتل سدوس وخاف شرحبيل بن عمرو فتحصّن ، وبعث أخا له يقال له وبر بن عمرو فسار المسلمون حتى نزلوا معان من أرض الشام ، فبلغ الناس أن هرقل قد نزل مآبا من أرض البلقاء في بهراء ووائل وبكر ولخم وجذام في مائة ألف ، عليهم رجل من بليّ يقال له مالك. فلما بلغ ذلك المسلمين أقاموا ليلتين ، لينظروا في أمرهم وقالوا : نكتب إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فنخبره الخبر. فإما يردّنا وإما يزيدنا رجالا. فبينا الناس على ذلك من أمرهم جاءهم ابن رواحة فشجّعهم ثم قال : والله ما كنا نقاتل الناس بكثرة عدد ، ولا بكثرة سلاح ، ولا بكثرة خيول. إلّا بهذا الدّين الذي أكرمنا الله به. انطلقوا ، والله لقد رأيتنا يوم بدر ما معنا إلّا فرسان ويوم أحد فرس واحدة فإنما هي إحدى الحسنيين ، إما ظهور عليهم فذلك ما وعدنا الله ووعد نبيّنا ، وليس لوعده خلف ، وإما الشهادة فنلحق بالإخوان نرافقهم في الجنان. فشجع الناس على مثل قول ابن رواحة.

أخبرنا أبو بكر الأنصاري ، أنا أبو محمد الجوهري ، أنا أبو عمر ، أنا عبد الوهّاب ، نا محمد بن شجاع ، نا الواقدي (٢) ، قال : فحدثني ربيعة بن عثمان ، عن المقبري ، عن أبي هريرة قال : شهدت مؤتة ، فلما رأينا المشركين رأينا ما لا قبل لنا به

__________________

(١) مغازي الواقدي ٢ / ٧٦٠.

(٢) مغازي الواقدي ٢ / ٧٦٠.

١٣

من العدد والسلاح والكراع (١) والديباج والحرير والذهب ، فبرق بصري فقال لي ثابت بن أقرم : يا أبا هريرة ما لك كأنك ترى جموعا كثيرة؟ قلت : نعم. قال : لم تشهدنا ببدر إنّا لم ننصر بالكثرة.

قال (٢) : وحدثني محمد بن صالح ، عن عاصم بن عمر بن قتادة قال : وحدثني عبد الجبار بن عمارة ، عن عبد الله بن أبي بكر ، زاد أحدهما على صاحبه في الحديث قالا : لما التقى الناس بمؤتة جلس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على المنبر وكشف له ما بينه وبين الشام ، فهو ينظر إلى معتركهم ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أخذ الراية زيد بن حارثة فجاءه الشيطان فحبب إليه الحياة وكرّه إليه الموت وحبب إليه الدنيا ، فقال : الآن حين استحكم الإيمان في قلوب المؤمنين تحبّب إليّ الدنيا ، فمضى قدما حتى استشهد ، فصلّى عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقال : «استغفروا له وقد دخل الجنة وهو يسعى ، ثم أخذ الراية جعفر بن أبي طالب فجاءه الشيطان فمنّاه الحياة وكرّه إليه الموت ومناه الدنيا ، فقال : «الآن حين استحكم الإيمان في قلوب المؤمنين تمنّيني الدنيا ثم مضى قدما حتى استشهد فصلّى عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ودعا له ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «استغفروا لأخيكم فإنه شهيد دخل الجنة فهو يطير في الجنة بجناحين من ياقوت حيث شاء من الجنة. ثم أخذ الراية بعده عبد الله بن رواحة فاستشهد ثم دخل الجنة معترضا. فشقّ ذلك على الأنصار. قيل : يا رسول الله ما اعتراضه؟ قال : لما أصابته الجراح نكل ، فعاتب نفسه فشجع ، فاستشهد فدخل الجنة [٤١٧] فسرّي عن قومه.

قال : ونا الواقدي (٣) : حدثني محمد بن صالح عن رجل من العرب ، عن أبيه ، قال : لما قتل ابن رواحة انهزم المسلمون أسوأ هزيمة رأيتها قط في كل وجه ثم إن المسلمين تراجعوا ، فأقبل رجل من الأنصار يقال له ثابت بن أقرم ، فأخذ اللواء وجعل يصيح بالأنصار. فجعل الناس يثوبون إليه من كل وجه وهم قليل وهو يقول : إليّ أيها الناس فاجتمعوا إليه قال : فنظر ثابت إلى خالد بن الوليد ، فقال : خذا اللواء يا أبا سليمان فقال : لا آخذه أنت أحق به ، أنت رجل لك سنّ وقد شهدت بدرا. قال ثابت :

__________________

(١) الكراع قيل هو اسم يجمع الخيل والسلاح (اللسان : كرع).

(٢) القائل هو الواقدي ، والخبر في مغازيه ٢ / ٧٦١.

(٣) مغازي الواقدي ٢ / ٧٦٣.

١٤

خذه أيها الرجل فو الله ما أخذته إلّا لك ، فأخذه خالد فحمله ساعة ، وجعل المشركون يحملون عليه فيثبت حتى تكركر (١) المشركون وحمل بأصحابه ففضّ جمعا من جمعهم ثم دهمه منهم بجمع بشر كثير ، فانحاش بالمسلمين فانكشفوا راجعين.

قال : ونا الواقدي (٢) حدثني عطّاف بن خالد قال : لما قتل ابن رواحة مساء بات خالد بن الوليد فلما أصبح غدا (٣) وقد جعل مقدمته ساقته ، وساقته مقدمته ، وميمنته ميسرته وميسرته ميمنته (٤) فأنكروا ما كانوا يعرفون من راياتهم وهيأتهم. وقالوا : قد جاءهم مدد. فرعبوا فانكشفوا منهزمين ، فقتلوا مقتلة لم يقتلها قوم.

حدّثنا أبو الحسن علي بن المسلّم الفقيه ـ لفظا ـ وأبو القاسم الخضر بن الحسين ـ قراءة ـ قالا : نا أبو القاسم بن أبي العلاء ، أنا أبو محمد بن أبي نصر ، أنا أبو القاسم بن أبي العقب ، أنا أبو عبد الملك قال : قال ابن عائذ أخبرني الوليد قال : سمعت أنهم ساروا حتى إذا كانوا بناحية معان من أرض الشراة (٥) فأخبروا أن الروم قد نذروا وجمعوا لهم جموعا كثيرة من الروم وقضاعة وغيرهم من نصارى العرب.

فاستشار زيد بن حارثة أصحابه فقالوا : قد وطئت البلاد وأخفت أهلها ، فانصرف فإنه لا يعدل العافية شيء ، وعبد الله بن رواحة ساكت. فسأله زيد عن رأيه فقال : إنا لم نسر إلى هذه البلاد ، ونحن نريد الغنائم ، ولكننا خرجنا نريد لقاءهم. ولسنا نقاتلهم بعدد ولا عدّة ، فالرأي المسير إليهم. فقبل زيد رأيه وسار إليهم.

قال ابن عائذ : فأخبرني الوليد قال : فحدثني رجل من بني سلامان عن غير واحد من كبراء قومه : أن زيد بن حارثة سار بهم على جبال (٦) بين الشراة والبلقاء على ريفها

__________________

(١) يقال تكركر الرجل في أمره أي تردد (الصحاح).

(٢) مغازي الواقدي ٢ / ٧٦٤.

(٣) عن مغازي الواقدي ، وبالأصل «غدوا».

(٤) بالأصل : «وقد جعل مقدمته ساقة ، وساقته مقدمة ، وميمنته ميسرة ، وميسرته ميمنة» والعبارة المثبتة عن الواقدي.

(٥) الشراة صقع بالشام بين دمشق ومدينة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والشراة : جبل من دون عسفان وهو لبني ليث خاصة ولبني ظفر من سليم (معجم البلدان).

(٦) كذا وفي مختصر ابن منظور ١ / ١٥٥ «حبال» بالكسر ، وهي من قرى وادي موسى من جبال السراة قرب الكرك بالشام.

١٥

وعمارتها. فمرّ بقرية من قرى جبال يقال لها أكثب (١) ، فشدّ أهلها على ساقة المسلمين فأصابوهم بجراحة وقتلوا رجلا من المسلمين فبلغ ذلك جماعة الجيش فاستأذنوا زيد بن حارثة في الرجعة إليهم والانتقام منهم. فقال زيد : لا أرى ذلك لأن عدوكم أمامكم قد جمعوا لكم ودنوا منكم ، فأكره أن تفلّوا حدكم ونشاطكم بقتال غيرهم ، ثم لا آمن أن يجمعوا لكم فيكونوا من ورائكم ، فتكونوا بين عسكرين. فمضى زيد ومن معه حتى لقوا عدوهم بين قريّات ثلاثة ، بين مؤتة والعمقة (٢) وزقوقين (٢) فصافوهم هنالك. وقال السلاميون : هم إلى زقوقين أقرب.

قال ابن عائذ قال الوليد : وأخبرنا رجل من أهل البلقاء أن الذين لقوهم يومئذ من أهل المشارق (٣) من النصارى من لخم وجذام والقين.

قال ابن عائذ قال الوليد : فحدثني عطّاف بن خالد وغيره : أن خالد بن الوليد بات ثم أصبح غازيا وقد جعل مقدمته ساقة ، وساقته مقدمة ، وميمنته ميسرة ، وميسرته ميمنة. فأنكروا ما جاء به من خلاف ما كانوا يعرفون من راياتهم وهيئتهم ، وقالوا : قد جاءهم مدد. فانهزموا وقتلوا مقتلة لم يقتلها قوم.

قال ابن عائذ قال الوليد : وأما السلامي فإنه أخبرني عن غير واحد : أن خالدا لما أخذ الراية قاتلهم قتالا شديدا ، ثم انحاز الفريقان كلّ عن كل قافلا عن غير هزيمة ، فقفل المسلمون على طريقهم التى أبدوا منها حتى مرّوا بتلك القرية والحصن الذين كانوا شدوا على ساقتهم وقتلوا رجلا منهم. فحاصروهم في حصنهم حتى فتحه الله عليهم عنوة ، فقتل خالد بن الوليد مقاتلتهم في نقيع إلى جانب حصنهم صبرا فبها سمّي ذلك النقيع نقيع الدم إلى اليوم ، فهدموا حصنهم هدما لم يعمر بعده إلى اليوم.

أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن عبد الملك الخلّال ، أنا أبو القاسم إبراهيم بن منصور السّلمي ، أنا أبو بكر بن [المقرئ](٤) ، نا أبو يعلى الموصلي ، نا أبو خيثمة ،

__________________

(١) في مختصر ابن منظور : أكبث.

(٢) كذا ، ولم أجدها.

(٣) كذا بالأصل وخع ، وفي المطبوعة : المشارف بالفاء ، وهي قرى قرب حوران ، منها بصرى من الشام (ياقوت).

(٤) الزيادة عن خع.

١٦

نا وهب بن جرير ، نا الأسود بن شيبان ، عن خالد بن شمير (١) قال : قدم علينا عبد الله بن رباح الأنصاري من المدينة وكانت الأنصار تفقهه. قال : فوجدته في حوى شريك بن الأعور. قال : وقد اجتمع إليه ناس. قال فحدثنا قال : حدثني أبو قتادة الأنصاري قال : بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بجيش الأمراء فقال : «عليكم زيد بن حارثة ، فإن أصيب زيد فجعفر بن أبي طالب ، فإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة» قال : فوثب جعفر فقال : يا رسول الله ما كنت أذهب أن تستعمل عليّ أحدا ، قال : «امض فإنك لا تدري أي ذلك خير» قال : فانطلق الجيش فلبثوا ما شاء الله ثم أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم صعد المنبر وأمر أن ينادى الصّلاة جامعة فاجتمعنا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ثاب خبر ثاب خبر ثاب (٢) خبر [ألا](٣) أخبركم عن جيشكم هذا الغازي. إنهم انطلقوا حتى إذا لقوا العدو أصيب زيد شهيدا فاستغفروا له ، ثم أخذ اللواء جعفر فشدّ (٤) على القوم حتى قتل شهيدا. أشهد له بالشهادة فاستغفروا له. فاستغفروا ، ثم أخذ اللواء عبد الله بن رواحة فأثبت قدميه حتى أصيب شهيدا فاستغفروا فاستغفروا» قال : «ثم أخذ اللواء خالد بن الوليد ولم يكن من الأمراء» قال فرفع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إصبعيه فقال : «اللهم هو سيف من سيوفك فانتصر به» قال فيومئذ سمّي خالد سيف الله ، ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «انفروا فأمدّوا إخوانكم ولا يتخلفنّ أحد» [٤١٨] قال : فنفر الناس في حرّ شديد مشاة وركبانا فذكر الحديث.

أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الفضل الفقيه ، وأبو محمد هبة الله بن سهل بن عمر السيّدي قالا : أنا أبو عثمان سعيد بن محمد البحيري ، أنا أبو عمرو بن حمدان ، أنا عمران بن موسى بن مجاشع ، نا محمد بن عبيد بن جسار (٥) ح.

وأخبرنا أبو المظفر عبد المنعم بن عبد الكريم ، أنا أبو سعد محمد بن عبد الرّحمن الجنزرودي ، أنا أبو عمرو بن حمدان.

__________________

(١) بالأصل وخع «سمير» وما أثبت وضبط بالتصغير عن تقريب التهذيب.

(٢) كذا بالأصول.

(٣) زيادة عن خع.

(٤) عن خع وبالأصل : فشهد.

(٥) كذا بالأصل ، وفي خع : «حساب» وهو الصواب ، وفي تقريب التهذيب : حساب بكسر الحاء وتخفيف السين المهملة.

١٧

وأخبرتنا أم المجتبى فاطمة بنت ناصر العلوية قالت : قرئ على إبراهيم بن منصور السّلمي ، وأنا حاضرة ، أنا أبو بكر بن المقرئ قالا : أنا أبو يعلى الموصلي ، نا عبيد الله ـ زاد ابن حمدان : بن عمرو قالا : ـ القواريري قال : نا حمّاد بن زيد ، عن أيوب ، عن حميد بن هلال ، عن أنس ـ زاد ابن المقرئ : ابن مالك ـ أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعث زيدا وجعفرا وعبد الله بن رواحة ، ودفع الراية إلى زيد ، قال : فأصيبوا جميعا قال : قال أنس : فنعاهم (١) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى الناس قبل أن يجيء الخبر ، قال : أخذ الراية زيد فأصيب ثم أخذها جعفر فأصيب ثم أخذها عبد الله فأصيب فأخذ الراية بعد سيف من سيوف الله خالد بن الوليد [٤١٩] قال : فجعل يحدث الناس وعيناه تذرفان. وفي حديث القواريري ثم أخذ.

أخبرنا أبو المظفّر بن القشيري ، أنا أبو سعد الجنزرودي ، أنا أبو عمرو بن حمدان ح.

وأخبرتنا فاطمة بنت ناصر قالت : قرئ على إبراهيم بن منصور ، أنا أبو بكر بن المقرئ قالا : أنا أبو يعلى ، نا أبو خيثمة ، نا إسماعيل ، عن أيوب ، عن حميد بن هلال ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أخذ الراية زيد فأصيب ، ثم أخذها جعفر فأصيب ، ثم أخذها خالد عن ـ وقال ابن حمدان : بن الوليد من ـ غيرة إمرة ، ففتح الله عليه ، وما يسرهم أو ما يسرني أنهم عندنا ، وإن عينيه لتذرفان [٤٢٠].

أخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي ، أنا أبو الحسين أحمد بن محمّد بن النّقّور ، أنا أبو الحسين محمّد بن عبد الله الدقاق ح.

وأخبرنا أبو القاسم ، أنا أبو الحسين بن النّقّور وأبو القاسم علي بن أحمد بن محمّد بن البسري (٢) والشريف أبو نصر محمّد بن محمّد بن علي الزينبي قالوا : أنا أبو طاهر المخلص ، قالا : أنا أبو القاسم عبد الله بن محمّد بن عبد العزيز البغوي ، نا أبو خيثمة يعني زهير بن حرب بن شداد النسائي ، نا الوليد بن مسلم ، نا صفوان بن عمرو ، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه ، عن عوف بن مالك الأشجعي قال : خرجت

__________________

(١) عن خع وبالأصل «فنهاهم».

(٢) البسري بالضم ، وسكون السين هذه النسبة إلى بسر بن أرطأة وقيل ابن أبي أرطأة (الأنساب).

١٨

مع زيد بن حارثة في غزوة مؤتة فوافقني (١) مددي (٢) من أهل اليمن ، ليس معه غير سيفه ، فنحر رجل من المسلمين جزورا ، فسأله المددي طائفة من جلده فأعطاه إيّاه ، فاتخذ كهيئة الدرقة ، ومضينا فلقينا جموع الروم ، قال : وفيهم رجل على فرس له أشقر ، عليه سرج مذهب وسلاح مذهب ، فجعل الرومي يغري بالمسلمين. وقعد له المددي خلف صخرة فمر به الرومي فعرقب فرسه فخرّ ، وعلاه فقتله. فحاز فرسه وسلاحه. فلما فتح الله عزوجل على المسلمين بعث خالد بن الوليد فأخذ من السلب ، قال عوف : فأتيته فقلت : يا خالد أما علمت أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قضى بالسلب للقاتل؟ قال : بلى ، ولكني استكثرته ، قال عوف : فقلت : لتردّنه أو لأعرفنكها عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأبى أن يرده عليه. قال عوف : فاجتمعنا فقصصت عليه قصة المددي وما فعل خالد. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يا خالد ما حملك على ما صنعت؟ قال : يا رسول الله استكثرته ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ردّ عليه ما أخذت منه. فقلت : دونك يا خالد ألم أقل لك. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ما ذاك؟ فأخبرته ، فغضب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وقال : يا خالد لا ترد عليه. هل أنتم تاركو لي أمرائي ، لكم صفوة أمركم وعليهم كدره [٤٢١].

أخرجه مسلم عن زهير.

أخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي ، أنبأ أبو الحسين بن النّقّور ، أنبأ أبو طاهر المخلص ، أنا أبو الحسين رضوان بن أحمد بن جالينوس ، أنا أحمد بن عبد الجبار العطاردي ، نا يونس بن بكير. عن محمّد بن إسحاق قال : فبكى حسان أهل مؤتة فقال :

تأوّبني ليل بيثرب أعسر

وهمّ إذا ما نوّم الناس مسهر (٣)

لذكرى حبيب هيجت لي عبرة

سفوحا وأسباب البكاء التذكر (٤)

بل إن فقدان الحبيب بلية (٥)

وكم من كريم يبتلى ثم يصبر

رأيت خيار المؤمنين تتابعوا

شعوبا وخلّف بعدهم متأخر (٦)

__________________

(١) في المطبوعة : فرافقني.

(٢) المددي : نسبة إلى المدد ، والمدد : هي العساكر والتي تلحق بالمغازي في سبيل الله (لسان).

(٣) تأوبني : عاودني ورجع إليّ.

(٤) في الديوان ص ٩٩ : «ثم عبرة» والسفوح : السائلة الغزيرة.

(٥) الديوان : بلاء وفقدان.

(٦) في الديوان : «تواردوا شعوب وقد خلفت فيمن يؤخر».

١٩

فلا يبعدن الله قتلى تتابعوا

بمؤتة منهم ذو الجناحين جعفر

وزيد وعبد الله حين تتابعوا

جميعا وأسباب المنية تخطر

غداة مضوا بالمؤمنين يقودهم

إلى الموت ميمون النقيبة أزهر (١)

أغر كضوء البدر من آل هاشم

أبيّ إذا سيم الظلامة مجسر (٢)

فطاعن حتى مات غير موسد

بمعترك فيه القنا متكسر (٣)

فصار مع المستشهدين ثوابه

جنان وملتف الحدائق أخضر

وكنا نرى في جعفر بن محمّد

وفاء وأمرا حازما حين يأمر (٤)

وما زال في الإسلام من آل هاشم

دعائم عزّ لا يزول ومفخر (٥)

هم جبل الإسلام والناس حولهم

رضام إلى طود يروق ويقهر (٦)

بها ليل منهم جعفر وابن أمه

عليّ ومنهم أحمد المتخير

وحمزة والعباس منهم وفيهم

عقيل وماء العود من حيث يعصر

بهم تفرج اللأواء في كل مأزق

حماش إذا ما ضاق بالناس مصدر (٧)

هم أولياء الله منزل حكمه

عليهم وفيهم ذا الكتاب المطهر

وقال كعب بن مالك يبكي جعفرا وأصحابه يوم مؤتة :

نام العيون ودمع عينك تهطل

سحا كما وكف الضباب المخضل (٨)

في ليلة وردت عليّ همومها

طورا أحن وتارة أتململ

__________________

قال أبو ذر في شرح السيرة : فمن رواه بضم الشين فهو جمع شعب وهي القبيلة ، ومن رواه بفتح الشين فهو اسم للمنية ، ويجوز فيه الصرف وتركه.

(١) في الديوان : «غداة غدوا».

(٢) الديوان : «أغر كلون» والأبي : العزيز الجانب ، والمجسر : الجسور وبالأصل : مشجر ، والمثبت عن هامش الأصل والديوان.

(٣) في الديوان : «يتكسر» وفي المطبوعة وابن هشام ٤ / ٣٦ «مال» بدل «مات».

(٤) الديوان : «جازما».

(٥) الديوان : لا ترام بدل لا يزول. وفي ابن هشام : لا يزلن.

(٦) الديوان : حوله بدل حولهم. وفي ابن هشام : ويبهر بدل ويقهر.

والرضام جمع رضمة وهي الحجارة يرضم بعضها فوق بعض.

(٧) الديوان : عماس بدل حماش ، وبالقوم بدل بالناس.

(٨) في ابن هشام ٤ / ٢٧ «يهمل» وسحا : صبا.

٢٠