وما نحن فيه من هذا القبيل ؛ لأنّ المفروض أنّ المعارض المرجوح لم يسقط من الحجّية الشأنيّة ، كما يخرج الأمارة المعتبرة بوصف الظنّ عن الحجّية إذا كان معارضها أقوى. وبالجملة : فاعتبار قوّة الظنّ في الترجيح في تعارض ما لم ينط اعتباره بإفادة الظنّ أو بعدم الظنّ على الخلاف لا دليل عليه.

وإن قلنا بالتخيير بناء على اعتبار الأخبار من باب السببيّة والموضوعية ، فالمستفاد بحكم العقل من دليل وجوب العمل بكلّ من المتعارضين مع الإمكان ، كون وجوب العمل بكلّ منهما عينا مانعا عن وجوب العمل بالآخر كذلك ، ولا تفاوت بين الوجوبين في المانعيّة قطعا. ومجرّد مزيّة أحدهما على الآخر بما يرجع إلى أقربيّته إلى الواقع لا يوجب كون وجوب العمل بالراجح مانعا عن العمل بالمرجوح دون العكس ؛ لأنّ المانع بحكم العقل هو مجرّد الوجوب (٢٨٤٢) ، والمفروض وجوده في المرجوح. وليس في هذا الحكم (٢٨٤٣) العقليّ إهمال وإجمال وواقع مجهول حتى يحتمل تعيين الراجح ووجوب طرح المرجوح.

وبالجملة : فحكم العقل بالتخيير نتيجة وجوب العمل بكلّ منهما في حدّ ذاته ، وهذا الكلام مطّرد في كلّ واجبين متزاحمين (٢٨٤٤). نعم ، لو كان الوجوب في أحدها آكد والمطلوبية فيه أشدّ ، استقلّ العقل عند التزاحم بوجوب ترك غيره ،

______________________________________________________

المفروض كون اعتبار المتعارضين في أنفسها من حيث إفادة نوعهما للظنّ وغلبة إيصالهما إلى الواقع ، فإذا تعاضد أحدهما بظنّ نوعي آخر أو ظنّ فعلي تقوّت جهة كشفه عن الواقع التي هي مناط اعتباره ، فلا يعارضه الطريق الآخر في حكم العقل ، ولا ينافيه تساقطهما عند العقل لأجل المعارضة لو لا المزيّة المزبورة. والمقام بعد محتاج إلى التأمّل.

٢٨٤٢. من دون مدخليّة للمزيّة في المانعيّة.

٢٨٤٣. بخلاف ما لو استفيد وجوب العمل بأحد المتعارضين من حكم الشارع كما تقدّم.

٢٨٤٤. قد تقدّم شطر من الكلام في ذلك.