وأمّا العقل ، فتقريره بوجهين : أحدهما : أنّا نعلم إجمالا (١٢٤١) قبل مراجعة الأدلّة الشرعيّة بمحرّمات كثيرة يجب بمقتضى قوله تعالى : (وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) (٣٥) ونحوه الخروج عن عهدة تركها على وجه اليقين بالاجتناب أو اليقين بعدم العقاب ؛ لأنّ الاشتغال اليقيني يستدعي اليقين بالبراءة باتّفاق المجتهدين والأخباريّين ، وبعد مراجعة الأدلّة والعمل بها لا يقطع بالخروج عن جميع تلك المحرّمات الواقعيّة ، فلا بدّ من اجتناب كلّ ما احتمل أن يكون منها إذا لم يكن هناك دليل شرعيّ يدلّ على حلّيته ؛ إذ مع هذا الدليل يقطع بعدم العقاب على الفعل على تقدير حرمته واقعا.

______________________________________________________

ومع تسليم ظهور النبويّ في وجوب الاحتياط لا بدّ من رفع اليد عنه للأخبار التي نقلها المصنّف رحمه‌الله ، لكونها أظهر منه في إرادة الاستحباب. ومع التسليم فهو معارض بالأخبار الدالّة على التخيير في تعارض النصّين ، بناء على كون الشبهة أعمّ من أن تكون ناشئة من فقد النصّ وإجماله وتعارضه ، ولذا استشهده الإمام عليه‌السلام في تعارض النصّين. ومع التسليم أيضا يأتي فيه جميع ما أجيب به عن أخبار التوقّف ، كلّ على حسب زعمه. ومع تسليمه أيضا تعارضه مرسلة الفقيه : «كلّ شيء مطلق حتّى يرد فيه نهي» معتضدة بغيرها من أخبار البراءة ، ومع التساقط يرجع إلى أصالة الإباحة في الأشياء. هذا إن قلنا بتواتر الأخبار من الطرفين ، وإلّا فلا بدّ من الرجوع إلى المرجّحات ، وحينئذ إن لم نقل بالترجيح بموافقة الأصل فلا ريب في كون الشهرة العظيمة المحقّقة مرجّحة لأخبار البراءة ، فيجب الإذعان بمقتضاها ، والله أعلم بحقائق أحكامه.

١٢٤١. هذا الدليل مركّب من مقدّمات ، إحداهما : العلم إجمالا بوجود محرّمات في الواقع. الثانية : وجوب الانتهاء عنها في الجملة. الثالثة : كون الانتهاء عنها على وجه اليقين دون الظنّ والاحتمال. والاولى ثابتة بالضرورة ، والثانية بالآية الشريفة ، والثالثة بإجماع المجتهدين والأخباريّين وحينئذ يشكل الأمر بعدم