لم يزل بنائهم على ذلك ، فهو مبنيّ على عدم وجوب دفع الضرر المحتمل ، وسيجيء الكلام فيه إن شاء الله.

الرابع من الأدلّة : حكم العقل بقبح العقاب (١١٨٢)

______________________________________________________

١١٨٢. قد يعبّر بقبح التكليف بلا بيان. وإنّما عبّر المصنّف رحمه‌الله بقبح العقاب ، لأنّ القدر المسلّم من حكم العقل حكمه بقبح العقاب بلا بيان لا قبح التكليف بدونه ، ولذا يجوز إجراء البراءة مع دوران الأمر بين الوجوب والحرمة في شيء واحد ، فيقال : إنّ الأصل عدم كلّ منهما مع القطع بثبوت أحدهما.

ويدلّ على ما ذكرناه أيضا أنّ التكليف بلا بيان لو كان قبيحا كان كلّ من الوجوب والاستحباب المشكوكين موردا للأصل ، لفرض قبح التكليف المجهول مع قطع النظر عن ترتّب العقاب عليه. وحينئذ فإذا تردّد الأمر بين وجوب فعل واستحبابه ، كغسل الجمعة ودعاء رؤية الهلال ، تتعارض أصالة عدم الوجوب وأصالة عدم الاستحباب ، للعلم الإجمالي بثبوت أحدهما. ولا يمكن إجراء أصالة عدم كلّ منهما كما في الفرض الأوّل ، لاستلزامه المخالفة العمليّة هنا ، بخلافه هناك. ومع عدم جريان الأصلين لا بدّ من القول بوجوب الاحتياط ، لاحتمال الوجوب ، وليس كذلك ، لتعيّن إجراء أصالة البراءة عن الوجوب خاصّة ، كما سيصرّح به المصنّف رحمه‌الله في محلّه ، وليس ذلك إلّا لأجل كون مبنى أصالة البراءة على قبح العقاب بلا بيان ، لا على قبح التكليف بدونه.

وعلى كلّ تقدير فقد يقرّر الدليل بوجهين :

أحدهما : أنّ التكليف أو العقاب بلا بيان قبيح ، ومجرّد احتمال التكليف في الواقع غير كاف في البيان ، بأن يحكم العقل بمجرّد ذلك بوجوب الاحتياط ، ويقنع به عن البيان التفصيلي ، إذ بيان كلّ شيء بحسبه ، فبيان الأحكام الواقعيّة إنّما هو ببيان نفس هذه الأحكام ، حتّى إنّه لو صرّح الشارع بوجوب الاحتياط فهو تكليف آخر ظاهري لا دخل له في التكليف بنفس الواقع ، واقتناع الشارع به من