غير مضافة إليه ، وأن المستقبل لها هو موليها وجهه ، لا أن الله شرعها له وأمره بها ، ثم أمر أهل قبلته المبادرة والمسابقة إلى الخير الذي أدخره لهم وخصهم به ، ومن جملته هذه القبلة التي خصهم دون سائر الأمم فقال تعالى : (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ) إلى قوله : (قَدِيرٌ) (البقرة : ١٤٨).
فتأمل هذا السياق في ذكر الوجهات المختلفة التي توليها الأمم وجوههم ، ونزل عليه قوله (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ) وإلى قوله : (واسِعٌ عَلِيمٌ) وانظر هل يلائم السياق السياق والمعنى المعنى ويطابقه ، أم هما سياقان دل كل منهما على معنى الآخر ، فالألفاظ غير الألفاظ والمعنى غير المعنى.
الوجه الحادي والعشرون : إنه لو كان المراد بوجه الله قبلة الله لكان قد أضاف إلي نفسه القبل كلها ، ومعلوم أن هذه إضافة تخصيص وتشريف إلى إلهيته ومحبته ، لا إضافة عامة إلى ربوبيته ومشيئته ، وما هذا شأنها لا يكون المضاف اخلاص إلا كبيت الله وناقة الله روح الله ، فإن البيوت والنقوق والأرواح كلها لله ، ولكن المضاف إليه بعضها ، فقبلة الله منها هي قبلة بيته لا كل قبلة ، كما أن بيته هو البيت المخصوص لا كل بيت.
الوجه الثاني والعشرون : أن يقال حمل في الآية على الجهة والقبلة ، إما أن يكون هو ظاهر الآية أو يكون خلاف ظاهرها ، ويكون المراد بالوجه وجها حقيقة ، لأن الوجه إنما يراد به الجهة والقبلة إذا جاء مطلقا غير مضاف إلى الله تعالى كما في حديث الاستسقاء ، فلم يقدم أحد من وجه من الوجوه إلا أخبر بالجود ، أم يكون ظاهر الآية الأمرين كليهما ولا تنافي بينهما ، فأينما ولي العبد وجهه في صلاة تولية مأمور بها فهو قبلة الله ، وثم وجه الله ، فهو مستقبل قبلته ووجهه أو تكون الآية مجملة محتملة للأمرين فإن كان الأول هو ظاهرها لم يكن حملها عليه مجازا ، وكان ذلك حقيقتها ، ومن يقول هذا يقول وجه الله في هذه الآية قبلته وجهته التي أمر باستقبالها بخلاف وجهه في قوله : (وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ) (الرحمن : ٢٧) وتلك النصوص التي ذكرناها وغاية ذلك أن يكون لفظا مشتركا قد استعمل في هذا تارة وفي هذا تارة ، فمن