على الحقيقة ومانع من حمله على المجاز ، وقد صرح نعيم بن حماد وجماعة من أهل الحديث آخرهم أبو الفرج ابن الجوزي أنه سبحانه ينزل إلى السماء الدنيا بذاته ، ونظم أبو الفرج ذلك في قوله :
أدعوك للوصل تأبى |
| أبعث رسولي في الطلب |
أنزل إليك بنفسي |
| ألقاك في النوام |
وقال الحافظ أبو موسى المديني في «مناقب الإمام أبي القاسم إسماعيل بن محمد التيمي» الذي جعله الله مجددا للدين في رأس المائة الخامسة قال :
وكان من اعتقاد الإمام إسماعيل بن محمد أن نزول الله بالذات وهو مشهور في مذهبه وقد كتبه في فتاو عديدة ، وأملى فيه إملاء إلا أنه كان يقول : إسناد حديث نعيم بن حماد إسناد مدخول وفيه مقال. مراده بحديث نعيم بن حماد عن جرير بن عبد الحميد عن بشر عن أنس يرفعه قال : «إذا أراد الله أن ينزل عن عرشه نزل بذاته».
قلت : وهذا اللفظ لا يصح عن النبي صلىاللهعليهوسلم ولا يحتاج إثبات هذا المعنى إليه ، فالأحاديث الصحيحة صريحة وإن لم يذكر فيها لفظ الذات.
الحادي عشر : إن الخبر وقع عن نفس ذات الله تعالى لا عن غيره فإنه قال : «أن الله ينزل إلى سماء الدنيا» فهذا خبر عن معنى لا عن لفظ ؛ والمخبر عنه هو مسمى هذا الاسم العظيم فإن الخبر يكون عن اللفظ تارة وهو قليل ، ويكون مسماه ومعناه هو الأكثر ، فإذا قلت زيد عندكم وعمرو قائم ، فإنما أخبرت عن الذات لا عن الاسم فقوله : (اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) (الرعد : ١٦) وهو خبر عن ذات الرب تعالى فلا يحتاج المخبر أن يقول خالق كل شيء بذاته ، وقوله (اللهُ رَبُّكُمُ) (يونس : ٣٢) قد علم أن الخبر عن نفس ذاته ، وقوله : (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) (الأنعام : ١٢٤) وكذلك جميع ما أخبر الله به عن نفسه إنما هو خبر عن ذاته لا يجوز أن يخص من ذلك إخبار واحد البتة.
فالسامع قد أحاط علما بأن الخبر إنما هو عن ذات المخبر عنه ، ويعلم المتكلم