الناس من قرطبة ، فلما كان يوم ذلك الصنيع نشأت في السماء سحابة عمت الأفق ، ثم أتى المطر الوابل ، فاستبشر الناس ، وسر المنصور بن أبي عامر فقال الجزيري بديهة. أما الغمام إلخ.
وهو القائل على لسان نرجس العامرية : [الكامل]
حيّتك يا قمر العلا والمجلس |
| أزكى تحيّتها عيون النّرجس |
زهر تريك بحسنها وبلونها |
| زهر النّجوم الجاريات الكنّس |
ملّكن أفئدة النّدامى كلّما |
| دارت بمجلسهم مدار الأكؤس |
ملك الهمام العامريّ محمد |
| للمكرمات وللنّهى والأنفس |
قال ابن بسام (١) : ومن شعر الجزيري ما اندرج له أثناء مدحه (٢) الذي ملح فيه مخاطبته للمنصور على ألسنة أسماء كرائمه بزهر رياضه ، فمن ذلك عن بهار العامرية : [الكامل]
حدق الحسان تقرّ لي وتغار |
| وتضلّ في صفتي النّهى وتحار |
طلعت على قضبي عيون تمائمي |
| مثل العيون تحفّها الأشفار(٣) |
وأخصّ شيء بي إذا شبّهتني |
| درر تنطّق سلكها دينار |
أهدى له قضب الزّمرّد ساقه |
| وحباه أنفس عطره العطّار |
أنا نرجس حقّا بهرت عقولهم |
| ببديع تركيبي فقيل بهار |
ومن أخرى عن بنفسج العامرية : إذا تدافعت الخصوم ـ أيد الله مولانا المنصور! ـ في مذاهبها ، وتنافرت في مفاخرها ، فإليه مفزعها ، وهو المقنع في فصل القضية بينها لاستيلائه على المفاخر بأسرها ، وعلمه بسرها وجهرها ، وقد ذهب البهار والنرجس في وصف محاسنهما ، والفخر بمشابههما ، كل مذهب ، وما منها إلا ذو فضيلة غير أن فضلي عليهما أوضح من الشمس التي تعلونا ، وأعذب من الغمام الذي يسقينا ، وإن كانا قد تشبها في شعرهما ببعض ما في العالم من جواهر الأرض ومصابيح السماء وهي من الموات الصامت ، فإني أتشبه بأحسن ما زيّن الله به الإنسان وهو الحيوان الناطق ، مع أني أعطر منهما عطرا ، وأحمد خبرا ، وأكرم إمتاعا شاهدا وغائبا ويانعا وذابلا ، وكلاهما لا يمتع ، إلا ريثما يينع ، ثم إذا ذبل تستكره
__________________
(١) انظر الذخيرة ج ٤ ص ٣٣.
(٢) في ب : أثناء نثره.
(٣) في ب : عيون كمائمي.