يقال : إن عمره ستون سنة ، منها عشرون في بلده إشبيلية ، وعشرون في إفريقية عند ملوكها الصّنهاجيين ، وعشرون في مصر محبوسا في خزانة الكتب ، وكان وجّهه صاحب المهدية إلى ملك مصر فسجن بها طول تلك المدة في خزانة الكتب ، فخرج في فنون العلم إماما ، وأمتن علومه الفلسفة والطب والتلحين ، وله في ذلك تواليف تشهد بفضله ومعرفته ، وكان يكنى بالأديب الحكيم ، وهو الذي لحن الأغاني الإفريقية.
قال ابن سعيد : وإليه تنسب إلى الآن ، وذكره العماد في «الخريدة» وله كتاب «الحديقة» على أسلوب «يتيمة الثعالبي» (١) وتوفي سنة ٥٢٠ ، وقيل : سنة ٥٢٨ ، بالمهدية ، وقيل : مستهل السنة بعدها ، ودفن بها.
وله فيمن اسمه واصل : [الكامل]
يا هاجرا سمّوه عمدا واصلا |
| وبضدّها تتبيّن الأشياء |
ألغيتني حتّى كأنّك واصل |
| وكأنّني من طول هجري الرّاء |
وقوله ، وهو من بدائعه : [الكامل]
لا غرو أن سبقت لهاك مدائحي |
| وتدفّقت جدواك ملء إنائها |
يكسى القضيب ولم يحن إثماره |
| وتطقطق الورقاء قبل غنائها (٢) |
وقال في الأفضل : [الكامل]
تردي بكلّ فتى إذا شهد الوغى |
| نثر الرّماح على الدّروب كعوبا(٣) |
قد لوّحته يد الهواجر فاغتدى |
| مثل القناة قضافة وشحوبا(٤) |
تخذوا القنا أشطانهم واستنبطوا |
| في كلّ قلب بالطّعان قليبا(٥) |
ومنها : [الكامل]
تعطي الّذي أعطتكه سمر القنا |
| أبدا فتغدو سالبا مسلوبا |
__________________
(١) في ب ، ه : يتيمة الدهر للثعالبي.
(٢) في ب ، ه : وتطوق الورقاء قبل غنائها. والورقاء : الحمامة التي يميل لونها إلى الخضرة. وتطقطق : تصوت.
(٣) ردى يردي رديا ورديانا الفرس : ضرب الأرض بحوافره في سيره.
(٤) الهواجر : جمع هاجرة ، وهي شدة الحر وسط النهار. والقضافة : النحافة والنحول.
(٥) القليب : البئر. والأشطان : الحبال.