• الفهرس
  • عدد النتائج:

من منتشرها كل شعب ، وأشرفوا عند تحقيقها وإبراز دقيقها على كل صعب ، فكانت منهم وقفة كادت لها النفس تيأس عن مطلبها ، والخواطر تكر راجعة عن خفي مذهبها ، حتى أطلع الله خليفته في خلقه ، وأمينه المرتضى لإقامة حقه ، على وجه انقادت فيه تلك الحركات بعد اعتياصها (١) ، وتخلّصت أشكالها عن الاعتراض على أحسن وجوه خرصها ، ألقوا ذلك ـ أيدهم الله بنصره ، وأمدهم بمعونته ويسره! ـ إلى المهندسين والصناع فقبلوه أحسن القبول ، وتصوروه بأذهانهم فرأوه على مطابقة المأمول ، فوقفهم حسن تنبيهه مما جهلوه على طور غريب من موجبات التعظيم ، وعلموا أن الفضل لله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.

وسيأتي بعد هذا إشارة إلى تفصيل تلك الحركات المستغربة ، والأشكال المونقة المعجبة ، إن شاء الله تعالى.

مما صنع للمصحف العظيم من الأصونة الغريبة ، والأحفظة العجيبة ، أنه كسي كله بصوان واحد من الذهب والفضة ذي صنائع غريبة من ظاهره وباطنه ، لا يشبه بعضها بعضا ، قد أجري فيه من ألوان الزجاح الرومي ما لم يعهد له في العصر الأول مثال ، ولا عمر قبله بشبهه خاطر ولا بال ، وله مفاصل تجتمع إليها أجزاؤه وتلتئم ، وتتناسق عندها عجائبه وتنتظم ، قد أسلست (٢) للتحرك أعطافها ، وأحكم إنشاؤها على البغية وانعطافها ، ونظم على صفحته وجوانبه من فاخر الياقوت ونفيس الدر وعظيم الزمرد ما لم تزل الملوك السالفة والقرون الخالية تتنافس في أفراده وتتوارثه على مرور الزمن وترداده ، وتظنّ العز الأقعس (٣) ، والملك الأنفس ، في ادخاره وإعداده ، وتسمى الواحد منها بعد الواحد بالاسم العلم لشذوذه في صنعه (٤) واتحاده ، فانتظم عليه منها ما شاكله زهر الكواكب في تلألئه (٥) واتقاده ، وأشبهه الروض المزخرف غبّ سماء أقلعت عن إمداده ، وأتى هذا الصّوان الموصوف رائق المنظر ، آخذا بمجامع القلب والبصر ، مستوليا بصورته الغريبة على جميع الصّور ، يدهش العقول بهاء ، ويحير الألباب رواء (٦) ، ويكاد يعشي الناظر (٧) تألّقا وضياء ، فحين تمت خصاله ، واستركبت أوصاله ، وحان ارتباطه بالمصحف العظيم واتصاله ، رأوا ـ أدام الله تأييدهم ، وأعلى كلمتهم!. مما رزقهم الله تعالى من ملاحظة الجهات ، والإشراف على جميع الثنيات ، أن يتلطف في وجه

__________________

(١) اعتياص الأمر : صعوبته وعدم انقياده.

(٢) أسلست قيادها : جعلته سهلا سلسا.

(٣) العز الأقعس : الثابت ، المنيع.

(٤) في ب : في صنفه.

(٥) في ب : تلألؤه.

(٦) الرواء : حسن المنظر.

(٧) يعشي الناظر : يصيبه بالعشاء ، وهو سوء البصر.