• الفهرس
  • عدد النتائج:

وإن حق الكلام أن يجعل الأخص هو الذي يبدأ به ، فإن اكتفى به المخاطب لم يحتج إلى أن يأتي بنعت وإلّا زدت من المعرفة ما يزداد به المخاطب معرفة ، ومن مذهبه : أنهما إذا كانا مستويين في الاختصاص وطريق التعريف ، جاز أن يكون أحدهما نعتا للآخر كنعت ما فيه الألف واللام ، مثله ما فيه الألف واللام ولم يجز سيبويه نعته بما فيه الألف واللام ، لأنه يراه أخص منه ، فيرى أن أخاك أخص من الرجل ، ومن الطويل والنبيل ونحوه ، والحجة له أن ما فيه الألف واللام أبهم المعارف وأقربها من النكرات ، لأن منها ما ينعت بالنكرات كقولك : إني لأمر بالرجل عندك فيكرمني ، ويقوم لي.

وإني لأمر بالرجل مثلك فيعينني ، إذا لم تقصد قصد الرجل بعينه ، وعلى هذا حمل قوله تعالى : (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ)(١) جعل (غير) نعت الذين ، وهي في مذهب الألف واللام الذي لم يقصد به قصد شيء بعينه ، ويدل على ذلك أن من المعرفة بالألف واللام ما يستوي في معناه الألف واللام وتركها ، وذلك نحو قولك : شربت ماء ، وشربت الماء ، وأكلت خبزا وأكلت الخبز ، وامتنع أن ينعت ما فيه الألف واللام بالمبهم من أجل أن المبهم لما جعل وصلة مقدمة إلى ذكر ما فيه الألف واللام علم أنه لو كان يقع بعد الألف واللام ما يريدونه من البيان ما احتاجوا إلى التوصل إلى الألف واللام بهما ، وقد بيّن سيبويه بأن المبهم أخص بمعرفة العين ، يعني : المشاهدة ومعرفة القلب له ، وما اجتمع له.

هذان أخص والأخص لا يكون نعتا للأعم ، فإن قال قائل : فقد جعل سيبويه المبهم نعتا للعلم وللمضاف ، كقولك : مررت بزيد هذا ، وبعمرو ذاك ، ومررت بصاحبك هذا ، وقد اجتمع فيه معرفة العين ومعرفة القلب ، ولم تجتمع هاتان المعرفتان في : زيد وصاحبك.

فالجواب إن ذكر هذا وذلك بعد زيد وبعد صاحبك ، يذهب به مذهب الحاضر أو المشاهد أو القريب ، وبذاك مذهب البعيد أو المنتحي ، ولهذا قال سيبويه :

(وإنما صار المبهم بمنزلة المضاف ، لأنك تقرب به شيئا أو تباعده وتشير إليه).

__________________

(١) سورة الفاتحة ، الآية : ٧.