وقال الكسائي : معناه انتهوا يكن الانتهاء خيرا لكم ، فأنكره الفراء وقال قولا قريبا فيه وفي أمثاله ، فقال في قوله تعالى : (فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ.) أنّ خيرا متصلا بالأمر ، واستدل على ذلك أنّا نقول : اتق الله هو خير لك ، تريد : الاتقاء خير لك ، فإذا حذفنا" هو" الذي يرتفع به خير وصل الفعل إليه فنصبه.
ويكشف قول الفراء أنا نقدر" خير" تقدير مصدر فعل الأمر الذي هو في الكلام ، كأنه قال : انتهوا انتهاء خيرا لكم ، وآمنوا إيمانا خيرا لكم ، واتق الله اتقاء خيرا لك.
قال : ولا يجوز أن تقول : " اتق الله محسنا" ونحن نريد أن : " اتق الله تكن محسنا" ، ولا تقول : " انصرنا أخانا" ، ونحن نريد : تكن أخانا ، وهذا رد صحيح ، وذكر أن هذا الحرف لم يأت إلا فيما كان على باب أفعل ، نحو : خير لك.
وأفعل وما أشبهه ، وقول الخليل أقوى لأنه قد جاء هذا فيما ليس بمصدر ، وهو قولهم :
وراءك أوسع لك ، وأوسع مكان.
وأنشد سيبويه في نحو ذلك قول عمر بن أبي ربيعة :
فواعديه سرحتي مالك |
| أو الرّبا بينهما أسهلا (١) |
قدّر أنه : أراد : ائت أسهل ، لأنه لما قال : واعديه ، دلّ على أنها تقول : ائت مكان كذا وكذا.
وأسهل على وجهين :
أحدهما : مكانا سهلا ليس فيه رمل ليس بخشن ، ونحو ذلك.
والآخر : أن يكون أسهل مكانا يعنيه بين سرحتي مالك والربا.
قال سيبويه : (فإنما ذكرت لك ذلك لأمثّل الأول به ، لأنه قد كثر في كلامهم حتى صار بمنزلة المثل ، فحذف كحذفهم : " ما رأيت كاليوم رجلا").
__________________
(١) بيت لعمر بن أبي ربيعة : ديوانه : ٤٧٤ ، وروايته :
وواعديه ... |
| أو الربى دونهما منزلا |
وفي رواية الأغاني :
سلمي عديه ... |
| ... دونهما منزلا |
خزانة الأدب ١ : ٢٨٠ ، ٢ : ١٢٠.