بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٩٩
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

٧ ـ ما : المفيد ، عن أحمد بن الوليد ، عن أبيه ، عن الصفار ، عن ابن عيسى عن ابن أبي عمير ، عن الحسن بن أبي فاختة قال : قلت لابي عبدالله عليه‌السلام : إني أذكر الحسين بن علي عليهما‌السلام فأي شئ أقول إذا ذكرته؟ فقال : قل صلى الله عليك يا أبا عبدالله! تكررها ثلاثا الخبر.

٨ ـ ثو : أبي ، عن سعد ، عن ابن يزيد ، عن زياد القندي ، عن محمد بن أبي حمزة ، عن عيص بن القاسم قال : ذكر عند أبي عبدالله قاتل الحسين بن علي عليهما‌السلام فقال بعض أصحابه : كنت أشتهي أن ينتقم الله منه في الدنيا فقال : كأنك تستقل له عذاب الله ، وما عند الله أشد عذابا وأشد نكالا.

٩ ـ ثو : ابن الوليد ، عن الصفار ، عن ابن هاشم ، عن عثمان بن عيسى عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : قال رسول الله (ص) : إن في النار منزلة لم يكن يستحقها أحد من الناس إلا بقتل الحسين بن علي ويحيى ابن زكريا عليهما‌السلام.

مل : أبي ، عن سعد ، عن ابن هاشم مثله (١).

١٠ ـ مل : محمد بن عبدالله بن علي الناقد ، عن أبي هارون العبسي ، عن جعفر ابن حيان ، عن خالد الربعي قال : حدثني من سمع كعبا يقول : أول من لعن قاتل الحسين بن علي عليهما‌السلام إبراهيم خليل الرحمن ، وأمر ولده بذلك ، وأخذ عليهم العهد والميثاق ثم لعنه موسى بن عمران وأمر امته بذلك ، ثم لعنه داود وأمر بني إسرائيل بذلك.

ثم لعنه عيسى وأكثر أن قال : يا بني إسرائيل العنوا قاتله ، وإن أدركتم أيامه فلا تجلسوا عنه ، فان الشهيد معه كالشهيد مع الانبياء ، مقبل غير مدبر وكأني أنظر إلى بقعته ، وما من نبي إلا وقد زار كربلا ، ووقف عليها ، وقال : إنك لبقعة كثيرة الخير ، فيك يدفن القمر الازهر (٢).

____________________

(١) كامل الزيارات : ص ٧٧ و ٧٨.

(٢) المصدر : ص ٦٧.

٣٠١

بيان : قوله « مقبل » الاصوب مقبلا أي كشهيد استشهد معهم حالكونه مقبلا على القتال غير مدبر ، وعلى ما في النسخ ، صفة لقوله كالشهيد ، لانه في قوة النكرة.

١١ ـ مل : محمد الحميري ، عن الحسن بن علي بن زكريا ، عن عمرو بن المختار ، عن إسحاق بن بشر ، عن العوام مولى قريش قال : سمعت مولاي عمر بن هبيرة قال : رأيت رسول الله (ص) والحسن والحسين في حجره يقبل هذا مرة ويقبل هذا مرة ويقول للحسين : الويل لمن يقتلك (١).

١٢ ـ مل : ابن الوليد ، عن الصفار ، عن اليقطيني ، عن زكريا المؤمن عن أيوب بن عبدالرحمان ، وزيد أبي الحسن وعباد جميعا ، عن سعد الاسكاف قال : قال أبوعبدالله عليه‌السلام قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من سره أن يحيى حياتي ويموت مماتي ويدخل جنة عدن ، قضيب غرسه ربي بيده ، فليتول عليا والاوصياء من بعده ، وليسلم لفضلهم فإنهم الهداة المرضيون ، أعطاهم الله فهمي ، وعلمي ، وهم عترتي من لحمي ودمي إلى الله أشكو عدوهم من امتي ، المنكرين لفضلهم ، القاطعين فيهم صلتي والله ليقتلن ابني لانالتهم شفاعتي (٢).

١٣ ـ مل : أبي ، وجماعة مشايخي ، عن سعد ، عن ابن عيسى ، وابن أبي الخطاب ، عن جعفر بن بشير ، عن حماد ، عن كليب بن معاوية ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : كان قاتل يحيى بن زكريا ولد زنا ، وكان قاتل الحسين عليه‌السلام ولد زنا ، ولم تبك السماء إلا عليهما (٣).

مل : ابن الوليد ومحمد بن أحمد بن الحسين معا ، عن الحسن بن علي بن مهزيار عن أبيه ، عن الحسن ، عن فضالة ، عن كليب بن معاوية مثله.

مل : ابن الوليد ، عن الصفار ، عن ابن عيسى ، عن ابن فضال ، عن مروان

____________________

(١) كامل الزيارات : ص ٧٠.

(٢) المصدر : الباب ٢٢ الرقم ٣ ، راجع ص ٦٩.

(٣) المصدر : ص ٧٧ وهكذا ما يليه.

٣٠٢

ابن مسلم ، عن إسماعيل بن كثير ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام مثله.

١٤ ـ مل : أبي ، وابن الوليد معا ، عن الصفار ، عن ابن عيسى ، عن ابن فضال ، عن ابن بكير ، عن زرارة ، عن عبدالخالق ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : كان قاتل الحسين بن علي عليهما‌السلام ولد زنا ، وقاتل يحيى بن زكريا ولد زنا.

مل : محمد بن جعفر ، عن محمد بن الحسين ، عن صفوان ، عن داود بن فرقد عن أبي عبدالله عليه‌السلام مثله.

١٥ ـ مل : أبي ، عن سعد ، عن ابن هاشم ، عن ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابه ، عن ابن مسكان ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : قاتل الحسين بن علي عليهما‌السلام ولد زنا.

١٦ ـ مل : محمد بن جعفر ، عن محمد بن الحسين ، عن الخشاب ، عن علي بن حسان ، عن عبدالرحمن بن كثير ، عن داود الرقي قال : كنت عند أبي عبدالله عليه‌السلام إذا استسقى الماء ، فلما شربه رأيته قد استعبر ، واغرورقت عيناه بدموعه ثم قال لي : يا داود لعن الله قاتل الحسين عليه‌السلام فما من عبد شرب الماء فذكر الحسين ولعن قاتله ، إلا كتب الله له مائة ألف حسنة ، وحط عنه مائة ألف سيئة ، ورفع له مائة ألف درجة ، وكأنما أعتق مائة ألف نسمة ، وحشره الله يوم القيامة ثلج الفؤاد (١).

مل : الكليني ، عن علي بن محمد ، عن سهل ، عن جعفر بن إبراهيم ، عن سعد ابن سعد مثله (٢).

____________________

(١) المصدر : ص ١٠٦.

(٢) كذا في نسخ الكتاب حتى نسخة الاصل نسخة المؤلف قدس‌سره وهكذا المصدر ص ١٠٧ : ذكر السند بلفظه بعد الحديث المتقدم بلا فصل.

والظاهر اختلال نسخة المصدر ، حيث ان الكلينى رحمه الله انما روى الحديث في كتاب الاشربة باب النوادر تحت الرقم ٦ ( راجع ج ٦ ص ٣٩٠ ) وسنده هكذا : محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن جعفر ، عمن ذكره ( وأظنه محمد بن الحسين

٣٠٣

١٧ ـ م : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لما نزلت « وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دمائكم » الآية (١) في اليهود أي الذين نقضوا عهد الله ، وكذبوا رسل الله ، وقتلوا أولياء الله : أفلا انبئكم بمن يضاهيهم من يهود هذه الامة؟ قالوا : بلى يا رسول الله قال : قوم من امتي ينتحلون أنهم من أهل ملتي ، يقتلون أفاضل ذريتي وأطائب ارومتي ، ويبدلون شريعتي وسنتي ، ويقتلون ولدي الحسن والحسين كما قتل أسلاف اليهود زكريا ويحيى.

ألا وإن الله يلعنهم كما لعنهم ، ويبعث على بقايا ذراريهم قبل يوم القيامة هاديا مهديا من ولد الحسين المظلوم يحرقهم بسيوف أوليائه إلى نار جهنم ألا ولعن الله قتلة الحسين عليه‌السلام ومحبيهم وناصريهم ، والساكنين عن لعنهم من غير تقية يسكتهم.

ألا وصلى الله على الباكين على الحسين رحمة وشفقة ، واللاعنين لاعدائهم والممتلئين عليهم غيظا وحنقا ، ألا وإن الراضين بقتل الحسين شركاء قتلته ألا وإن قتلته وأعوانهم وأشياعهم والمقتدين بهم براء من دين الله.

_________________

بقرينة ما في كامل الزيارات ) عن الخشاب ، عن على بن حسان ، عن عبدالرحمن بن ابن كثير ، عن داود الرقى.

وأما هذا السند المذكور في كامل الزيارات : الكلينى عن على بن محمد ، عن سهل ابن زياد ، عن جعفر بن ابراهيم الحضرمى ، عن سعد بن سعد فانما تراه في الكافى كتاب الاطعمة باب أكل الطين الرقم ٩ ( راجع ج ٦ ص ٢٦٦ ).

ولفظ الحديث قال أعنى سعد بن سعد سألت أبا الحسين عليه‌السلام عن الطين ، قال فقال : أكل الطين حرام مثل الميتة والدم ولحم الخنزير ، الاطين قبر الحسين عليه‌السلام فان فيه شفاء من كل داء وأمنا من كل خوف.

ورواه ابن قولويه في كامل الزيارات الباب ٩٥ تحت الرقم ٢ ص ٢٨٥ عن محمد بن الحسن ، عن محمد الحسن الصفار ، عن عباد بن سليمان ، عن سعد بن سعد الحديث سواء.

(١) البقرة ٨٤ والخبر في المصدرص ١٤٨ مع اختلاف يسير.

٣٠٤

إن الله ليأمر ملائكته المقربين أن يتلقوا دموعهم المصبوبة لقتل الحسين إلى الخزان في الجنان ، فيمزجوها بماء الحيوان ، فتزيد عذوبتها وطيبها ألف ضعفها وإن الملائكة ليتلقون دموع الفرحين الضاحكين لقتل الحسين يتلقونها في الهاوية ويمزجونها بحميمها وصديدها وغساقها وغسلينها فيزيد في شدة حرارتها وعظيم عذابها ألف ضعفها يشدد بها على المنقولين إليها من أعداء آل محمد عذابهم.

١٨ ـ كا : العدة ، عن أحمد بن محمد ، عن الجالموراني ، عن ابن أبي حمزة ، عن صندل عن داود بن فرقد قال : كنت جالسا في بيت أبي عبدالله عليه‌السلام فنظرت إلى حمام راعبي يقرقر ، فنظر ، لي أبوعبدالله عليه‌السلام ، فقال : يا داود أتدري ما يقول هذا الطير؟ قلت : لا والله جعلت فداك ، قال : يدعو على قتلة الحسين عليه‌السلام فاتخذوا في منازلكم (١)

١٩ ـ كا : علي ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : اتخذوا الحمام الراعبية في بيوتكم فانها تلعن قتلة الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام ولعن الله قاتله (٢).

أقول : وجدت في بعض مؤلفات المعاصرين أنه لما جمع ابن زياد لعنه الله قومه لحرب الحسين عليه‌السلام كانوا سبعين ألف فارس ، فقال ابن زياد : أيها الناس من

__________________

(١ و ٢) الكافى كتاب الدواجن باب الحمام الرقم ١٠ و ١٣ ، والحمام الراعبى جنس من الحمام جاء على لفظ النسب وليس به ، وقيل هو نسب إلى موضع لا أعرف صيغة اسمه ، كذا في اللسان ، وقال الجوهرى : الراعبى جنس من الحمام والانثى راعبية. وقال الفيروز آبادى : راعب أرض منها الحمام الراعبية ، وقال المحشى : قال شيخنا هذه الارض ( راعب ) غير معروفة ، ولم يذكرها البكرى ولا صاحب المراصد والذى في المجمل وغيره : الحمامة الراعبية : ترعب في صوتها ترعيبا وذلك قوئة صوتها ، وهو الصواب انتهى ، ونثل المصنف رضوان الله عليه في شرح الحديث في مرآت العقول عن حياة الحيوان للدميرى انه قال : الراعبى طائر مولد بين الورشان والحمام ، وهو شكل عجيب قاله القزوينى.

٣٠٥

منكم يتولى قتل الحسين وله ولاية أي بلد شاء؟ فلم يجبه أحد منهم ، فاستدعى بعمر بن سعد لعنه الله وقال له يا عمر أريد أن تتولى حرب الحسين بنفسك فقال له : اعفني من ذلك فقال ابن زياد : قد أعفيتك يا عمر فاردد علينا عهدنا الذي كتبنا إليك بولاية الري ، فقال عمر : أمهلنا الليلة فقال له : قد أمهلتك ،

فانصرف عمر بن سعد إلى منزله ، وجعل يستشير قومه وإخوانه ، ومن يثق به من أصحابه ، فلم يشر عليه أحد بذلك ، وكان عند عمر بن سعد رجل من أهل الخير يقال له : كامل ، وكان صديقا لابيه من قبله ، فقال له : يا عمر مالي أراك بهيئة وحركة ، فما الذي أنت عازم عليه؟ وكان كامل كاسمه ذا رأي وعقل ودين كامل.

فقال له ابن سعد لعنه الله : إني قد وليت أمر هذا الجيش في حرب الحسين وإنما قتله عندي وأهل بيته كأكلة آكل أو كشربة ماء ، وإذا قتلته خرجت إلى ملك الري فقال له كامل : اف لك يا عمر بن سعد تريد أن تقتل الحسين ابن بنت رسول الله؟ اف لك ولدينك يا عمر أسفهت الحق وضللت الهدى ، أما تعلم إلى حرب من تخرج؟ ولمن تقاتل؟ إنا لله وإنا إليه راجعون.

والله لو أعطيت الدنيا وما فيها على قتل رجل واحد من امة محمد لما فعلت فكيف تريد تقتل الحسين ابن بنت رسول الله عليه‌السلام؟ وما الذي تقول غدا لرسول الله إذا وردت عليه وقد قتلت ولده وقرة عينه وثمرة فؤاده وابن سيدة نساء العالمين وابن سيد الوصيين وهو سيد شباب أهل الجنة من الخلق أجمعين وإنه في زماننا هذا بمنزلة جده في زمانه ، وطاعته فرض علينا كطاعته ، وإنه باب الجنة والنار فاختر لنفسك ما أنت مختار وإني اشهد بالله إن حاربته أو قتلته أو أعنت عليه أو على قتله لا تلبث في الدنيا بعده إلا قليلا.

فقال له عمر بن سعد : فبالموت تخوفني وإني إذا فرغت من قتله أكون أميرا على سبعين ألف فارس ، وأتولى ملك الري ، فقال له كامل : إني احدثك بحديث صحيح أرجو لك فيه النجاة إن وفقت لقبوله.

٣٠٦

اعلم أني سافرت مع أبيك سعد إلى الشام فانقطعت بي مطيتي عن أصحابي وتهت وعطشت ، فلاح لي دير راهب فملت إليه ، ونزلت عن فرسي ، وأتيت إلى باب الدى لاشرب ماء فأشرف علي راهب من ذلك الدير وقال : ماتريد؟ فقلت له إني عطشان ، فقال لي : أنت من امة هذا النبي الذين يقتل بعضهم بعضا على حب الدنيا مكالبة : ويتنافسون فيها على حطامها؟ فقلت له : أنا من الامة المرحومة امة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

فقال إنك أشر امة فالويل لكم يوم القيامة وقد غدوتم إلى عترة نبيكم وتسبون نساءه وتنهبون أمواله ، فقلت له : يا راهب نحن نفعل ذلك؟ قال نعم وإنك إذا فعلتم ذلك عجت السماوات والارضون : والبحار ، والجبال ، والبراري والقفار ، والوحوش ، والاطيار باللعنة على قاتله ، ثم لا يلبث قاتله في الدنيا إلا قليلا ، ثم يظهر رجل يطلب بثأره ، فلا يدع أحدا شرك في دمه إلا قتله وعجل الله بروحه إلى النار ،

ثم قال الراهب : إني لارى لك قرابة من قاتل هذا الابن الطيب ، والله إني لو أدركت أيامه لوقيته بنفسي من حر السيوف ، فقلت : يا راهب إني اعيذ نفسي أن أكون ممن يقاتل ابن بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : إن لم تكن أنت فرجل قريب منك ، وإن قاتله عليه نصف عذاب أهل النار ، وإن عذابه أشد من عذاب فرعون وهامان ، ثم ردم الباب في وجهي ودخل يعبدالله تعالى ، وأبى أن أن يسقيني الماء.

قال كامل : فركبت فرسي ولحقت أصحابي ، فقال لي أبوك سعد : ما بطأك عنا يا كامل؟ فحدثته بما سمعته من الراهب ، فقال لي : صدقت.

ثم إن سعدا أخبرني أنه نزل بدير هذا الراهب مرة من قبلي فأخبره أنه هوالرجل الذي يقتل ابن بنت رسول الله ، فخاف أبوك سعد من ذلك وخشي أن تكون أنت قاتله فأبعدك عنه وأقصاك ، فاحذر يا عمر أن تخرج عليه ، يكون عليك نصف عذاب أهل النار ، قال : فبلغ الخبر ابن زياد لعنه الله ، فاستدعى بكامل وقطع لسانه

٣٠٧

فعاش يوما أو بعض يوم ومات رحمه‌الله.

قال : وحكي أن موسى بن عمران رآه إسرائيلي مستعجلا وقد كسته الصفرة واعترى بدنه الضعف ، وحكم بفرائصه الرجف ، وقد اقشعر جسمه ، وغارت عيناه ونحف ، لانه كان إذا دعاه ربه للمناجاة يصير عليه ذلك من خيفة الله تعالى ، فعرفه الاسرائيلي وهو ممن آمن به ، فقال له : يا نبي الله أذنبت ذنبا عظيما فاسأل ربك أن يعفو عني فأنعم ، وسار ،

فلما ناجى ربه قال له : يا رب العالمين أسألك وأنت العالم قبل نطقي به فقال تعالى : يا موسى ما تسألني اعطيك ، وما تريد أبلغك ، قال : رب إن فلانا عبدك الاسرائيلي أذنب ذنبا ويسألك العفو ، قال : يا موسى أعفو عمن استغفرني إلا قاتل الحسين ،

قال موسى : يا رب ومن الحسين؟ قال له : الذي مر ذكره عليك بجانب الطور ، قال : يا رب ومن يقتله؟ قال يقتله امة جده الباغية الطاغية في أرض كربلا وتنفر فرسه وتحمحم وتصهل ، وتقول في صهيلها : الظليمة الظليمة من امة قتلت ابن بنت نبيها فيبقى ملقى على الرمال من غير غسل ولا كفن ، وينهب رحله ، ويسبى نساؤه في البلدان ، ويقتل ناصره ، وتشهر رؤسهم مع رأسه على أطراف الرماح يا موسى صغيرهم يميته العطش ، وكبيرهم جلده منكمش ، يستغيثون ولا ناصر ويستجيرون لا خافر (١).

قال : فبكى موسى عليه‌السلام وقال : يارب وما لقاتليه من العذاب؟ قال : يا موسى عذاب يستغيث منه أهل النار بالنار ، لا تنالهم رحمتي ، ولا شفاعة جده ، ولو لم تكن كرامة له لخسفت بهم الارض.

قال موسى برئت إليك اللهم منهم وممن رضي بفعالهم ، فقال سبحانه : يا موسى كتبت رحمة لتابعيه من عبادي ، واعلم أنه من بكا عليه أو أبكا أو تباكى حرمت جسده على النار.

____________________

(١) خفره وبه وعليه خفرا : أجاره ومنعه وحماه وأمنه.

٣٠٨

تذنيب : قال مؤلف كتاب إلزام النواصب وغيره : إن ميسون بنت بجدل الكبية أمكنت عبد أبيها عن نفسها ، فحملت يزيد لعنه الله وإلى هذا أشار النسابة الكبي بقوله :

فان يكن الزمان أتى علينا

بقتل الترك والموت الوحي

فقد قتل الدعي وعبد كلب

بأرض الطف أولاد النبي

أراد بالدعي عبيدالله بن زياد لعنه الله فان أباه زياد بن سمية كانت امه سمية مشهورة بالزنا ، وولد على فراش أبي عبيد عبد بني علاج من ثقيف فادعى معاوية أن أبا سفيان زنى بام زياد فأولدها زيادا ، وأنه أخوه ، فصار اسمه الدعي وكانت عائشة تسميه زياد بن أبيه لانه ليس له أب معروف ، ومراده بعبد كلب : ييد بن معاوية ، لانه من عبد بجدل الكلبي.

وأما عمر بن سعد لعنه الله فقد نسبوا أباه سعدا إلى غير أبيه وأنه من رجل من بني عذرة كان خدنا لامه : ويشهد بذلك قول معاوية لعنه الله حين قال سعد لمعاوية : أنا أحق بهذا الامر منك فقال له : معاوية يأبى عليك ذلك بنو عذرة ، وضرط له ، روى ذلك النوفلي ابن سليمان من علماء السنة ، ويدل على ذلك قول السيد الحميري :

قدما تداعوا زنيما ثم سادهم

لولا خول بني سعد لما سادوا

٣٠٩

٣٧

* ( باب ) *

* ( ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية ) *

* ( إلى شهادته صلوات الله عليه ولعنة الله على ضالميه ) *

* ( وقاتليه والراضين بقتله ، والمؤازرين عليه ) *

اقول : بدأت أولا في إيراد تلك القصص الهائلة بايراد رواية أوردها الصدوق رحمه‌الله ، ثم جمعت في إيراد تمام القصة بين رواية المفيد رحمه‌الله في الارشاد ورواية السيد ابن طاوس رحمه‌الله في كتاب الملهوف ورواية الشيخ جعفر ابن محمد بن نمافي كتاب مثير الاحزان ، ورواية أبي الفرج الاصفهاني في كتاب مقاتل الطالبيين ، ورواية السيد العالم محمد بن أبي طالب بن أحمد الحسيني الحائري من كتاب كبير جمعه في مقتله عليه‌السلام ورواية صاحب كتاب ومؤلفه إما من الامامية أو من الزيدية ، وعندي منه نسخة قديمة مصححة ، ورواية المسعودي في كتاب مروج الذهب وهو من علمائنا الامامية ، ورواية ابن شهر آشوب في المناقب ، ورواية صاحب كشف الغمة ، وغير ذلك مما قد نصرح باسم من ننقل عنه ، ثم نختم الباب بايراد الاخبار المتفرقة.

١ ـ لى : محمد بن عمر البغدادي ، الحافظ ، عن الحسن بن عثمان بن زياد التستري من كتابه ، عن إبراهيم بن عبيدالله بن موسى بن يونس ابن أبي إسحاق السبيعي قاضي بلخ قال : حدثتني مريسة بنت موسى بن يونس ابن أبي إسحاق وكانت عمتي قالت : حدثتني صفية بنت يونس بن أبي إسحاق الهمدانية وكانت عمتي قالت : حدثتني بهجة بنت الحارث بن عبدالله التغلبي عن خالها عبدالله بن منصور ، وكان رضيعا لبعض ولد زيد بن علي قال : سألت جعفر بن محمد بن علي

٣١٠

ابن الحسين فقلت : حدثني عن مقتل ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : حدثني أبي عن أبيه عليهما‌السلام قال : لما حضرت معاوية الوفاة دعا ابنه يزيد لعنه الله فأجلسه بين يديه فقال له : يا بني إني قد ذللت لك الرقاب الصعاب ، ووطدت لك البلاد وجعلت الملك وما فيه لك طعمة ، وإني أخشى عليك من ثلاثة نفر يخالفون عليك بجهدهم وهم : عبدالله بن عمر بن الخطاب ، وعبدالله بن الزبير ، والحسين بن علي (١).

فأما عبدالله بن عمر فهو معك فالزمه ولا تدعه ، وأما عبدالله بن الزبير فقطعه إن ظفرت به إربا إربا ، فانه يجثو لك كما يجثو الاسد لفريسته ، ويواربك مؤاربة الثعلب للكلب (٢).

وأما الحسين فقد عرفت حظه من رسول الله وهو من لحم رسول الله ودمه ، وقد علمت لا محالة أن أهل العراق سيخرجونه إليهم ثم يخذلونه ويضيعونه ، فان ظفرت

____________________

(١) قال ابن الجوزى في التذكرة ص ١٣٤ : وكان معاوية قد قال ليزيد لما أوصاه انى قد كفيتك الحل والترحال ، وطأت لك البلاد والرجال ، وأخضعت لك أعناق العرب وان لا اتخوف عليك ان ينازعك هذا الامر الذى أسست لك الا أربعة نفر من قريش : الحسين ابن على ، وعبدالله بن الزبير ، وعبدالله بن عمر ، وعبدالرحمان بن أبى بكر.

فأما ابن عمر ، فرجل قد وقذته العبادة ، واذا لم يبق أحد غيره بايعك ، وأما الحسين فان أهل العراق لن يدعوه حتى يخرجوه ، فان خرج عليك فظفرت به فاصفح عنه فان له رحما ماسة ، وحقا عظيما. وأما ابن أبى بكر ، فانه ليست له همة الافى النساء واللهو ، فاذا رأى أصحابه قد صنعوا شيئا صنع مثله ، واما الذى يجثم لك جثوم الاسد ، ويطرق اطراق الافعوان ، ويراوغك مراوغة الثعلب ، فذاك ابن الزبير ، فان وثب عليك وامكنتك الفرصة منه فقطعه اربا اربا.

(٢) آربه مؤاربة : داهاه وخاتله ، ومنه مؤاربة الاريب جهل وعناء من حيث ان الاريب لا يختل عن عقله. والمراد بمؤاربة الثعلب : روغانه وعسلانه : يذهب هكذا وهكذا مكرا وخديعة.

٣١١

به فاعرف حقه ومنزلته من رسول الله ، ولا تؤاخذه بفعله ، ومع ذلك فان لنا به خلطة ورحما (١) وإياك أن تناله بسوء أو يرى منك مكروها.

قال : فلما هلك معاوية ، وتولى الامر بعده يزيد لعنه الله بعث عامله على مدينة رسول الله (ص) وهو عمه عتبة بن أبي سفيان؟ فقدم المدينة وعليها مروان ابن الحكم ، وكان عامل معاوية ، فأقامه عتبة من مكانه وجلس فيه لينفذ فيه أمر يزيد ، فهرب مروان ، فلم يقدر عليه (٢) وبعث عتبة إلى الحسين بن علي عليه‌السلام فقال : إن أمير المؤمنين أمرك أن تبايع له فقال الحسين عليه‌السلام : يا عتبة قد علمت أنا أهل بيت الكرامة ، ومعدن الرسالة ، وأعلام الحق الذين أودعه الله عزوجل قلوبنا ، وأنطق به ألسنتنا ، فنظقت باذن الله عزوجل ولقد سمعت جدي رسول الله يقول : إن الخلافة محرمة على ولد أبي سفيان ، وكيف أبايع أهل بيت قد قال فيهم رسول الله هذا ، فلما سمع عتبة ذلك دعا الكاتب وكتب : بسم الله الرحمن الرحيم إلى عبدالله يزيد أمير المؤمنين من عتبة بن أبي سفيان.

أما بعد فان الحسين بن علي ليس يرى لك خلافة ولا بيعة ، فرأيك في أمره والسلام.

فلما ورد الكتاب على يزيد لعنه الله كتب الجواب إلى عتبة :

أما بعد فاذا أتاك كتابي هذا فعجل علي بجوابه ، وبين لي في كتابك كل من في طاعتي ، أو خرج عنها ، وليكن مع الجواب رأس الحسين بن علي.

فبلغ ذلك الحسين عليه‌السلام فهم بالخروج من أرض الحجاز إلى أرض العراق فلما أقبل الليل ، راح إلى مسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ليودع القبر ، فلما وصل إلى القبر ، سطع له نور من القبر فعاد إلى موضعه ، فلما كانت الليلة الثانية راح ليودع

____________________

(١) هكذا في المصدر المطبوع وهو الصحيح ، وفى نسخة الاصل خلطة ورحم ( كذا ) وفى الكمبانى خلطة وكذا رحم ،

(٢) فيه غرابة ، فان مروان كان حاضر المجلس حين دخل الحسين عليه‌السلام على عتبة ، ولعله تصحيف ابن الزبير.

٣١٢

القبر فقام يصلي فأطال فنعس وهو ساجد.

فجاءه النبي وهو في منامه فأخذ الحسين وضمه إلى صدره وجعل يقبل بين عينيه ، ويقول : بأبي أنت كأني أراك مرملا بدمك بين عصابة من هذه الامة ، يرجون شفاعتي ، مالهم عندالله من خلاق ، يا بني إنك قادم على أبيك وأمك وأخيك وهم مشتاقون إليك ، وإن لك في الجنة درجات لا تنالها إلا بالشهادة.

فانتبه الحسين عليه‌السلام من نومه باكيا فأتى أهل بيته فأخبرهم بالرؤيا ، وودعهم وحمل أخواته على المحامل ، وابنته وابن أخيه القاسم بن الحسن بن علي عليه‌السلام ثم سار في أحد وعشرين رجلا من أصحابه وأهل بيته منهم أبوبكر بن علي ، ومحمد بن علي ، وعثمان بن علي ، والعباس بن علي ، وعبدالله بن مسلم بن عقيل ، وعلي بن الحسين الاكبر ، وعلي بن الحسين الاصغر.

وسمع عبدالله بن عمر بخروجه ، فقدم راحلته ، وخرج خلفه مسرعا فأدركه في بعض المنازل ، فقال : أين تريد يا ابن رسول الله؟ قال : العراق ، قال : مهلا ارجع إلى حرم جدك ، فأبى الحسين عليه ، فلما رأى ابن عمر إباءه قال : يا با عبدالله اكشف لي عن الموضع الذي كان رسول الله (ص) يقبله منك ، فكشف الحسين عليه‌السلام عن سرته فقبلها ابن عمر ثلاثا وبكى ، وقال : أستودعك الله يا باعبدالله فانك مقتول في وجهك هذا.

فسار الحسين عليه‌السلام وأصحابه فلما نزلوا ثعلبية ، ورد عليه رجل يقال له : بشر بن غالب ، فقال : يا ابن رسول الله أخبرني عن قول الله عزوجل « يوم ندعوا كل اناس بإمامهم» (١) قال : إمام دعا إلى هدى فأجابوه إليه ، وإمام دعا إلى ضلالة فأجابوه إليها ، هؤلاء في الجنة وهؤلاء في النار ، وهو قوله عزوجل «فريق في الجنة وفريق في السعير» (٢).

ثم سار حتى نزل العذيب فقال فيها (٣) قائلة الظهيرة ثم انتبه من نومه

____________________

(١) أسرى : ٧١.

(٢) الشورى : ٧.

(٣) أى نام قيلولة.

٣١٣

باكيا فقال له : ابنه ما يبكيك يا أبه ، فقال : يا بني إنها ساعة لا تكذب الرؤيا فيها وإنه عرض لي في منام عارض ، فقال : تسرعون السير والمنايا تسير بكم إلى الجنة.

ثم سار حتى نزل الرهيمة (١) فورد عليه رجل من أهل الكوفة يكنى أبا هرم فقال : يا ابن النبي ما الذي أخرجك من المدينة؟ فقال : ويحك يا باهرم شتموا عرضي فصبرت ، وطلبوا مالي فصبرت ، وطلبوا دمي فهربت ، وأيم الله ليقتلني ثم ليلبسنهم الله ذلا شاملا ، وسيفا قاطعا ، وليسلطن عليهم من يذلهم.

قال : وبلغ عبيدالله بن زياد لعنه الله الخبر وأن الحسين عليه‌السلام قد نزل الرهيمة فأسرى إليه حربن يزيد في ألف فارس قال الحر : فلما خرجت من منزلي متوجها نحو الحسين عليه‌السلام نوديث ثلاثا : يا حر أبشر بالجنة ، فالتفت فلم أر أحدا فقلت : ثكلت الحر امه ، يخرج إلى قتال ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ويبشر بالجنة؟ فرهقه عند صلاه الظهر فأمر الحسين عليه‌السلام ابنه فأذن وأقام وقام الحسين عليه‌السلام فصلى بالفريقين فلما سلم وثب الحر بن يزيد فقال : السلام عليك يا بن رسول الله ورحمة الله وبركاته فقال الحسين : وعليك السلام من أنت يا عبدالله؟ فقال : أنا الحر بن يزيد ، فقال : ياحر أعلينا أم لنا؟ فقال الحر : والله يا ابن رسول الله لقد بعثت لقتالك وأعوذ بالله أن احشر من قبري وناصيتي مشدودة إلي ويدي مغلولة إلى عنقي واكب على حر وجهي في النار ، يا ابن رسول الله أين تذهب؟ ارجع إلى حرم جدك فانك مقتول.

فقال الحسين عليه‌السلام :

سأمضي فما بالموت عار على الفتى

إذا ما نوى حقا وجاهد مسلما

وواسى الرجال الصالحين بنفسه

وفارق مثبورا وخالف مجرما (٢)

فان مت لم أندم وإن عشت لم الم

كفى بك ذلا أن تموت وترغما

____________________

(١) كجهينة عين ماء بالكوفة.

(٢) المثبور : المخسور والملعون المطرود قال الكميت :

ورأت قضاعة في الايا

من رأى مثبور وثابر

٣١٤

ثم سار الحسين حتى نزل القطقطانة (١) فنظر إلى فسطاط مضروب فقال : لمن هذا الفسطاط؟ فقيل : لعبدالله بن الحر الحنفي فأرسل إليه الحسين عليه‌السلام فقال : أيها الرجل إنك مذنب خاطئ وإن الله عزوجل آخذك بما أنت صانع إن لم تتب إلى الله تبارك وتعالى في ساعتك هذه فتنصرني ويكون جدي شفيعك بين يدى الله تبارك وتعالى.

فقال : يا ابن رسول الله والله لو نصرتك لكنت أول مقتول بين يديك ، ولكن هذا فرسي خذه إليك فو الله ما ركبته قط وأنا أروم شيئا إلا بلغته ، ولا أراداني أحد إلا نجوت عليه ، فدونك فخذه فأعرض عنه الحسين عليه‌السلام بوجهه ثم قال : لا حاجة لنا فيك ولا في فرسك وما كنت متخذ المضلين عضدا ، ولكن فر ، فلا لنا ولا علينا فانه من سمع واعيتنا أهل البيت ثم لم يجبنا ، كبه الله على وجهه في نار جهنم.

ثم سار حتى نزل بكربلا فقال : أي موضع هذا؟ فقيل : هذا كربلاء يا ابن رسول الله ، فقال عليه‌السلام : هذا والله يوم كرب وبلاء ، وهذا الموضع الذي يهراق فيه دماؤنا ، ويباح فيه حريمنا فأقبل عبيدالله بن زياد بعسكره حتى عسكر بالنخيلة وبعث إلى الحسين رجلا يقال له : عمر بن سعد قائده في أربعة آلاف فارس ، وأقبل عبدالله بن الحصين التميمي في ألف فارس ، وكتب لعمر بن سعد على الناس وأمرهم أن يسمعوا له ويطيعوه.

فبلغ عبيدالله بن زياد أن عمربن سعد يسامر الحسين عليه‌السلام ويحدثه ، ويكره قتاله ، فوجه إليه شمر بن ذي الجوشن في أربعة آلاف فارس ، وكتب إلى عمر بن سعد إذا أتاك كتابي هذا فلا تمهلن الحسين بن علي وخذ بكظمه ، وحل بين الماء وبينه ، كما حيل بين عثمان وبين الماء يوم الدار ، فما وصل الكتاب إلى عمر بن سعد لعنه الله أمر مناديه فنادى : إنا قد أجلنا حسينا وأصحابه يومهم وليلتهم.

فشق ذلك على الحسين وعلى أصحابه ، فقام الحسين في أصحابه خطيبا فقال :

__________________

(١) موضع بالكوفه كانت سجن ، لنعمان بن المنذر.

٣١٥

اللهم إني لا أعرف أهل بيت أبر ولا أزكى ولا أطهر من أهل بيتي ولا أصحابا هم خير من أصحابي وقد نزل بي ما قد ترون ، وأنتم في حل من بيعتي ، ليست لي في أعناقكم بيعة ، ولا لي عليكم ذمة ، وهذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا (١) وتفرقوا في سواده ، فان القوم إنما يطلبوني ، ولو ظفروا بي لذهلوا عن طلب غيري.

فقام إليه عبدالله بن مسلم بن عقيل بن أبي طالب عليه‌السلام فقال : يا ابن رسول الله ما ذا يقول لنا الناس إن نحن خذلنا شيخنا وكبيرنا وسيدنا وابن سيد الاعمام وابن نبينا سيد الانبياء ، لم نضرب معه بسيف ، ولم نقاتل معه برمح ، لا والله أو نرد موردك ، ونجعل أنفسنا دون نفسك ، ودماءنا دون دمك ، فإذا نحن فعلنا ذلك فقد قضينا ما علينا ، وخرجنا مما لزمنا.

وقام إليه رجل يقال له زهير بن القين البجلي فقال : يا ابن رسول الله وددت أني قتلت ثم نشرت ، ثم قتلت ثم نشرت ، ثم قتلت ثم نشرت فيك وفي الذين معك مائة قتلة ، وأن الله دفع بي عنكم أهل البيت ، فقال له ولاصحابه : جزيتم خيرا.

ثم إن الحسين عليه‌السلام أمر بحفيرة فحفرت حول عسكره شبه الخندق ، وأمر فحشيت حطبا وأرسل عليا ابنه عليه‌السلام في ثلاثين فارسا وعشرين راجلا ليستقو الماء وهم على وجل شديد وأنشأ الحسين يقول :

يا دهر اف لك من خليل

كم لك في الاشراق والاصيل

من طالب وصاحب قتيل

والدهر لا يقنع بالبديل

وإنما الامر إلى الجليل

وكل حي سالك سبيلي

ثم قال لاصحابه : قوموا فاشربوا من الماء يكن آخر زادكم ، وتوضأوا

___________________

(١) يقال : اتخذ الليل جملا : اذا أحيا ليلته بصلاة أو غيرها من العبادات ، وكذا اذا ركبه في حاجته ، ( اللسان ) والمراد : اتخاذ ظلمة الليل سترا للفرار.

٣١٦

واغتسلوا واغسلوا ثيابكم لتكون أكفانكم ، ثم صلى بهم الفجر وعبأهم تعبية الحرب ، وأمر بحفيرته التي حول عسكره فاضرمت بالنار ، ليقاتل القوم من وجه واحد.

وأقبل رجل من عسكر عمربن سعد على فرس له يقال له : ابن أبي جويرية المزني فلما نظر إلى النار تتقد صفق بيده ونادى : يا حسين وأصحاب حسين أبشروا بالنار فقد تعجلتموها في الدنيا ، فقال الحسين عليه‌السلام : اللهم أذقه عذاب النار في الدنيا فنفر به فرسه وألقاه في تلك النار فاحترق.

ثم برز من عسكر عمر بن سعد رجل آخر يقال له تميم بن حصين الفزاري فنادى : يا حسين ويا أصحاب حسين أما ترون إلى ماء الفرات يلوح كأنه بطون الحيات (١) والله لا ذقتم منه قطرة حتى تذوقوا الموت جزعا فقال الحسين عليه‌السلام : من الرجل فقيل تميم بن حصين فقال الحسين : هذا وأبوه من أهل النار اللهم اقتل هذا عطشا في هذا اليوم ، قال : فخنقه العطش حتى سقط عن فرسه ، فوطأته الخيل بسنابكها فمات.

ثم أقبل آخر من عسكر عمر بن سعد يقال له : محمد بن أشعث بن قيس الكندي فقال : يا حسين بن فاطمة أية حرمة لك من رسول الله ليست لغيرك؟ فتلا الحسين هذه الآية : « إن الله الصطفى ادم ونوحاً وال إبراهيم وال عمران على العالمين ذرية » الاية (٢) ثم قال : والله إن محمد لمن آل إبراهيم ، وإن العترة الهادية لمن آل محمد من الرجل؟ فقيل : محمد بن أشعث بن قيس الكندي فرفع الحسين عليه‌السلام رأسه إلى السماء فقال : اللهم أر محمد بن الاشعث ذلا في هذا اليوم لا تعزه بعد هذا اليوم أبدا ، فعرض له عارض فخرج من العسكر يتبرز ، فسلط الله عليه عقربا فلدغته ، فمات بادي العورة.

____________________

(١) الحيتان خ ل.

(٢) آل عمران : ٢٣.

٣١٧

فبلغ العطش من الحسين عليه‌السلام وأصحابه فدخل عليه رجل من شيعته يقال له : يزيد بن الحصين الهمداني قال إبراهيم بن عبدالله راوي الحديث : هو خال أبي إسحاق الهمداني فقال : يا ابن رسول الله تأذن لي فأخرج إليهم فاكلمهم؟ فأذن له فخرج إليهم فقال : يامعشر الناس إن الله عزوجل بعث محمد بالحق بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله باذنه وسراجا منيرا ، وهذا ماء الفرات تقع فيه خنازير السواد وكلابها ، وقد حيل بينه وبين ابنه ، فقالوا : يا يزيد فقد أكثرت الكلام فاكفف فوالله ليعطشن الحسين كما عطش من كان قبله ، فقال الحسين عليه‌السلام : اقعد يا يزيد.

ثم وثب الحسين عليه‌السلام متوكيا على سيفه ، فنادى بأعلا صوته ، فقال : أنشدكم الله هل تعرفوني؟ قالوا : نعم أنت ابن بنت رسول الله (ص) وسبطه ، قال : أنشدكم الله هل تعلمون أن امي فاطمة بنت محمد ، قالوا : اللهم نعم ، قال : أنشدكم الله هل تعلمون أن أبي علي بن أبي طالب عليه‌السلام قالوا : اللهم نعم ، قال : أنشدكم الله هل تعلمون أن جدتي خديجة بنت خويلد أول نساء هذه الامة إسلاما؟ قالوا : اللهم نعم.

قال : أنشدكم الله هل تعلمون أن سيد الشهداء حمزة عم أبي؟ قالوا : اللهم نعم ، قال : فأنشدكم الله هل تعلمون أن جعفر الطيار في الجنة عمي؟ قالوا : اللهم نعم ، قال : فأنشدكم الله هل تعلمون أن هذا سيف رسول الله وأنا متقلده؟ قالوا : اللهم نعم ، قال : فانشدكم الله هل تعلمون أن هذه عمامة رسول الله أنا لابسها؟ قالوا : اللهم نعم قال : فأنشدكم الله هل تعلمون أن عليا كان أولهم إسلاما وأعلمهم علما وأعظمهم حلما وأنه ولي كل مؤمن ومؤمنة؟ قالوا اللهم نعم ، قال : فبم تستحلون دمي؟ وأبي الذائد عن الحوض غدا يذود عنه رجالا كما يذاد البعير الصادر عن الماء ، ولواء الحمد في يد [ ي ] جدي يوم القيامة ، قالوا علمنا ذلك كله ونحن غير تاركيك حتى تذوق الموت عطشا.

٣١٨

فأخذ الحسين عليه‌السلام بطرف لحيته وهو يومئذ ابن سبع وخمسين سنة ثم قال : اشتد غضب الله على اليهود حين قالوا : عزيز ابن الله ، واشتد غضب الله على النصارى حين قالوا : المسيح ابن الله ، واشتد غضب الله على المجوس حين عبدوا النار من دون الله ، واشتد غضب الله على قوم قتلوا نبيهم ، واشتد غضب الله على هذه العصابة الذين يريدون قتلي : ابن نبيهم. (١)

قال : فضرب الحر بن يزيد ، فرسه ، وجاز عسكر عمر بن سعد إلى عسكر الحسين عليه‌السلام واضعا يده على رأسه وهو يقول : اللهم إليك انيب فتب علي فقد أرعبت قلوب أوليائك وأولاد نبيك ، يا ابن رسول الله هل لي من توبة؟ قال : نعم تاب الله عليك ، قال : يا ابن رسول الله ائذن لي فاقاتل عنك فأذن له فبرز وهو يقول :

أضرب في أعناقكم بالسيف

عن خير من حل بلاد الخيف

فقتل منهم ثمانية عشر رجلا ثم قتل ، فأتاه الحسين عليه‌السلام ودمه يشخب ، فقال : بخ بخ! يا حر أنت حر كما سميت في الدنيا والاخرة ثم أنشأ الحسين يقول :

لنعم الحر : حر بني رياح

ونعم الحر مختلف الرماح (٢)

ونعم الحر إذ نادى حسينا

فجاد بنفسه عند الصباح

ثم برز من بعده زهير بن القين البجلي وهو يقول مخاطبا للحسين عليه‌السلام :

اليوم نلقي جدك النبيا

وحسناً والمرتضى علياً

فقتل منهم تسعة عشر رجلا ثم صرع وهو يقول :

أنا زهير وأنا ابن القين

اذبكم بالسيف عن حسين

ثم برز من بعده حبيب بن مظهر الاسدي وهو يقول :

أنا حبيب وأبي مطهر (٣)

لنحن أزكى منكم وأطهر

ننصر خير الناس حين يذكر

____________________

(١) في المصدر : قتل ابن نبيهم.

(٢) منصوب بالظرفية أى عند اختلاف الرماح ، وقد يوجد عند في بعض النسخ ، وهو سهو.

(٣) في نسخة الاصل ـ نسخة المؤلف قدس‌سره ـ : مطهر ، بالطاء المهملة ، وهو

٣١٩

فقتل منهم أحدا وثلاثين رجلا ثم قتل رضي‌الله‌عنه.

ثم برز من بعده عبدالله بن أبي عروة الغفاري وهو يقول :

قد علمت حقا بنو غفار

أني أذب في طلاب الثار

بالمشرفي والقنا الخطار

فقتل منهم عشرين رجلا ثم قتل رحمه‌الله.

ثم برز من بعده بدير بن حفير الهمداني وكان أقرأ أهل زمانه وهو يقول :

أنا بدير وأبي حفير

لا خير فيمن ليس فيه خير

فقتل منهم ثلاثين رجلا ثم قتل رضي‌الله‌عنه.

ثم برز من بعده مالك بن أنس الكاهلي وهو يقول :

قد علمت كاهلها ودودان

والخند فيون وقيس عيلان

بأن قومي قصم الاقران (١)

بأن قومي قصم الاقران (١)

بأن قومي قصم الاقران (١)

وآل حرب شيعة الشيطان

فقتل منهم ثمانية عشر رجلا ثم قتل رضي‌الله‌عنه.

وبرز من بعده زياد بن مهاصر الكندي فحمل عليهم وأنشأ يقول :

أنا زياد وأبي مهاصر

أشجع من ليث العرين الخادر

يا رب إني للحسين ناصر

ولابن سعد تارك مهاجر

فقتل منهم تسعة ثم قتل رضي‌الله‌عنه.

وبرز من بعده وهب بن وهب وكان نصرانيا أسلم على يدي الحسين هو وامه فاتبعوه إلى كربلا ، فركب فرسا ، وتناول بيده عود الفسطاط ، فقاتل وقتل من القوم سبعة أو ثمانية ثم استؤسر ، فاتي به عمر بن سعد فأمر بضرب عنقه فضربت عنقه ورمي به إلى عسكر الحسين عليه‌السلام وأخذت امه سيفه وبرزت فقال لها الحسين :

__________________

المناسب لقوله بعد ذلك « وأطهر » ولكن ضبطه الشيخ بخط يده « حبيب بن مظاهر » ـ كمراقب ـ وضبطه العلامة « حبيب بن مظهر » ـ بفتح الظاء وتشديد الهاء ـ كمعظم ـ وهو الاشبه كما عنونه في الاصابة في القسم الثالث تحت الرقم ١٩٤٨.

(١) قصم ـ كصرد ـ : من يحطم كل من يلقاء.

٣٢٠