الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٩١
لزمها لحق ، خذها إليك يامحمد(١).
تبيين : اختلاف الشيعة أي في معرفة الائمة عليهمالسلام وأحوالهم وصفاتهم ، أو في اعتقادهم بعدد الائمة فإن الواقفية والفطحية والناووسية وبعض الزيدية أيضا من الشيعة والمحق منهم الامامية ، والاول أنسب بالجواب.
متفردا بوحدانيته ، أي بكونه واحدا لا شي معه ، فهو مبالغة في التفرد ، أو الباء للملابسة أو السببية ، أي كان متفردا بالقدم بسبب أنه الواحد من جميع الجهات ولا يكون كذلك إلا الواجب بالذات ، فلابد من قدمه وحدوث ما سواه ، والدهر : الزمان الطويل ، ويطلق على ألف سنة.
فأشهدهم خلقها ، أي خلقها بحضرتهم وبعلمهم وهم كانوا مطلعين على أطوار الخلق وأسراره ، فلذا صاروا مستحقين للامامة لعلمهم الكامل بالشرائع والاحكام وعلل الخلق وأسرار الغيوب ، وأئمة الامامية كلهم موصوفون بتلك الصفات دون سائر الفرق فبه يبطل مذهبهم ، فيستقيم الجواب على الوجه الثاني أيضا.
ولا ينافي هذا قوله تعالى : « ما أشهدتهم خلق السماوات والارض » بل يؤيده فإن الضمير في « ما أشهدتهم » راجع إلى الشيطان وذريته أو إلى المشركين بدليل قوله تعالى سابقا : أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني « وقوله بعد ذلك : « وما كنت متخذ المضلين عضدا(٢) » فلا ينافي إشهاد الهادين للخلق.
قال الطبرسي رحمهالله : قيل : معنى الاية أنكم اتبعتم الشياطين كما يتبع من يكون عنده علم لاينال إلا من جهته ، وأنا ما اطلعتهم على خلق السماوات والارض ولا على خلق أنفسهم ، ولم اعطهم العلم بأنه كيف يخلق الاشياء فمن أين يتبعونهم؟ انتهى.(٣)
وأجرى طاعتهم عليها ، أي أوجب وألزم على جميع الاشياء طاعتهم حتى
____________________
(١) اصول الكافى ١ : ٤٤٠ و ٤٤١.
(٢) الكهف : ٥١ و ٥٢.
(٣) مجمع البيان ٦ : ٤٧٦ وفيه : تتبعونهم.
الجمادات من السماويات والارضيات كشق القمر وإقبال الشجر وتسبيح الحصى وأمثالها مما لا يحصى ، وفوض امورها إليهم من التحليل والتحريم والعطاء والمنع وأن كان ظاهرها تفويض تدبيرها إليهم فهم يحلون ما يشاؤن ، ظاهره تفويض الاحكام كما سيأتي تحقيقه.
وقيل : ما شاؤا ، هو ما علموا أن الله أحله ، كقوله تعالى : « يفعل الله ما يشاء » مع أنه لا يفعل إلا الاصلح كما قال : « ولن يشاؤا » إلى آخره والديانة الاعتقاد المتعلق باصول الدين.من تقدمها ، أي تجاوزها بالغلو مرق ، أي خرج من الاسلام ، ومن تخلف عنها ، أي قصر ولم يعتقدها محق على المعلوم ، أي أبطل دينه ، أو على المجهول أي بطل. ومن لزمها واعتقد بها لحق أي بالائمة أو أدرك الحق ، خذها إليك أي احفظ هذه الديانة لنفسك.
٢٥ ـ عد : اعتقادنا في الغلاة والمفوضة أنهم كفار بالله جل جلاله وأنهم شر من اليهود والنصارى والمجوس والقدرية والحرورية ومن جميع أهل البدع والاهواء المضلة ، وأنه ما صغر الله جل جلاله تصغيرهم شئ ، وقال(١) جل جلاله : « ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون(٢) » وقال الله عزوجل : « لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق » (٣).
واعتقادنا في النبي والائمة عليهمالسلام أن بعضهم قتلوا بالسيف وبعضهم بالسم ، وإن ذلك جرى عليهم على الحقيقة وإنه ما شبه أمرهم ، (٤) لا كما يزعمه من يتجاوز الحد
____________________
(١) في المصدر : كما قال.
(٢) آل عمران : ٧٩.
(٣) النساء : ١٧٠.
(٤) في المصدر : انه ما شبه على الناس امرهم.
فيهم من الناس بل شاهدوا قتلهم على الحقيقة والصحة لا على الخيال والحيلولة(١) ولا على الشك والشبهة ، فمن زعم أنهم شبهوا أو أحد منهم فليس من ديننا في شئ ونحن منه براء وقد أخبر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم والائمة عليهمالسلام أنهم يقتلون(٢) فمن قال : إنهم لم يقتلوا فقد كذبهم ، ومن كذبهم فقد كذب الله عزوجل وكفر به وخرج به عن الاسلام ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الاخرة من الخاسرين.
وكان الرضا عليهالسلام يقول في دعائه :
« اللهم إني برئ(٣) من الحول والقوة ولا حول ولا قوة إلا بك ، اللهم إني أعوذ بك وأبرأ إليك من الذين ادعوا لنا ما ليس لنا بحق اللهم إني أبرأ إليك من الذين قالوا فينا ما لم نقله في أنفسنا ، اللهم لك الخلق ومنك الرزق وإياك نعبد وإياك نستعين ، اللهم أنت خالقنا وخالق آبائنا الاولين وآبائنا الاخرين اللهم لا تليق الربوبية إلا بك ولا تصلح الالهية إلا لك ، فالعن النصارى الذين صغروا عظمتك والعن المضاهئين لقولهم من بريتك.
اللهم إنا عبيدك وأبناء عبيدك لا نملك لانفسنا نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا ، اللهم من زعم أنا أرباب فنحن منه براء ، ومن زعم أن إلينا الخلق وعلينا الرزق ، (٤) فنحن براء منه كبراءة عيسى بن مريم عليهالسلام من النصارى ، اللهم انا لم ندعهم إلى ما يزعمون ، فلا تؤاخذنا بما يقولون ، واغفر لنا ما يدعون ولا تدع على الارض منهم ديارا(٥) إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا ».
وروي عن زرارة أنه قال : قلت للصادق عليهالسلام : إن رجلا من ولد عبدالله بن سبا يقول بالتفويض ، فقال : وما التفويض؟ قلت(٦) : إن الله تبارك وتعالى خلق محمدا
____________________
(١) في المصدر : لا على الحسبان والحيلولة.
(٢) في المصدر : انهم مقتولون.
(٣) في المصدر : اللهم انى ابرأ اليك.
(٤) في نسخة : والينا الرزق.
(٥) في المصدر : ما يزعمون رب لا تذر على الارض من الكافرين ديارا.
(٦) في المصدر : فقلت : يقول.
وعليا صلوات الله عليهما ففوض إليهما فخلقا ورزقا وأماتا وأحييا(١) ، فقال عليهالسلام : كذب عدو الله إذا انصرفت اليه فاتل عليه(٢) هذه الآية التي في سورة الرعد : « أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شئ وهو الواحد القهار » (٣).
فانصرفت إلى الرجل فأخبرته فكأني ألقمته حجرا ، (٤) أو قال : فكأنما خرس. وقد فوض الله عزوجل إلى نبيه صلىاللهعليهوآله أمر دينه فقال عزوجل « وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا » (٥) وقد فوض ذلك إلى الائمة عليهمالسلام ، وعلامة المفوضة والغلاة وأصنافهم نسبتهم مشايخ قم وعلمائهم إلى القول بالتقصير.
وعلامة الحلاجية من الغلاة دعوى التجلي بالعبادة مع تركهم الصلاة(٦) وجميع الفرائض ودعوى المعرفة بأسماء الله العظمى ، ودعوى انطباع الحق لهم وأن الولي إذا خلص وعرف مذهبهم فهو عندهم أفضل من الانبياء عليهمالسلام ، ومن علامتهم دعوى علم الكيميا ولم يعلموا منه إلا الدغل وتنفيق الشبه والرصاص على المسلمين(٧).
أقول : قال الشيخ المفيد قدس الله روحه في شرح هذا الكلام : الغلو في اللغة هو تجاوز الحد والخروج عن القصد ، قال الله تعالى : « يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق » (٨) الاية ، فنهى عن تجاوز الحد في المسيح وحذر من الخروج عن القصد في القول ، وجعل ما ادعته النصارى(٩) غلوا لتعدية
____________________
(١) وفى المصدر : ثم فوض الامر اليهما فخلقا ورزقا وأحييا واماتا.
(٢) في المصدر : اذا رجعت اليه فاقرأ.
(٣) الرعد : ١٦.
(٤) في المصدر : فاخبرته بما قال الصادق عليهالسلام فكانما القمته حجرا.
(٥) الحشر : ٧.
(٦) في المصدر : مع تدينهم بترك الصلاة.
(٧) اعتقادات الصدوق ، ١٠٩ ـ ١١١.
(٨) النساء : ١٧٠.
(٩) في المصدر : ما ادعته النصارى فيه.
الحد على ما بيناه ، والغلاة من المتظاهرين بالاسلام هم الذين نسبوا أمير المؤمنين والائمة من ذريته عليهمالسلام إلى الالهية(١) والنبوة ووصفوهم من الفضل في الدين والدنيا إلى ما تجاوزوا فيه الحد وخرجوا عن القصد ، وهم ضلال كفار ، حكم فيهم أمير المؤمنين صلوات الله عليه بالقتل والتحريق بالنار ، وقضت الائمة عليهمالسلام عليهم بالاكفار والخروج عن الاسلام.
والمفوضة صنف من الغلاة وقولهم الذي فارقوا به من سواهم من الغلاة : اعترافهم بحدوث الائمة وخلقهم ونفي القدم عنهم وإضافة الخلق والرزق مع ذلك اليهم ودعواهم أن الله تعالى تفرد بخلقهم خاصة ، وأنه فوض اليهم خلق العالم بما فيه وجميع الافعال.
والحلاجية ضرب من أصحاب التصوف وهم أصحاب الاباحة والقول بالحلول وكان الحلاج يتخصص باظهار التشيع وإن كان ظاهر أمره التصوف وهم قوم ملحدة وزنادقة يموهون بمظاهرة كل فرقة بدينهم ويدعون للحلاج الاباطيل ، ويجرون في ذلك مجرى المجوس في دعواهم لزردشت المعجزات ، ومجرى النصارى في دعواهم لرهبانهم الايات والبينات ، والمجوس والنصارى أقرب إلى العمل بالعبادات منهم وهم أبعد من الشرائع والعمل بها من النصارى والمجوس.
وأما نصه رحمهالله بالغلو على من نسب مشايخ القميين وعلمائهم إلى التقصير فليس نسبة هؤلاء القوم إلى التقصير علامة على غلو الناس ، إذ في جملة المشار إليهم بالشيخوخية والعلم من كان مقصرا ، وإنما يجب الحكم بالغلو على من نسب المحقين إلى التقصير سواء كانوا من أهل قم أو غيرها من البلاد وسائر الناس.
وقد سمعنا حكاية ظاهرة عن أبي جعفر محمد بن الحسن بن الوليد رحمهالله لم نجد لها دافعا في التقصير وهي ما حكي عنه أنه قال : أول درجة في الغلو نفي السهو (٢)
____________________
(١) في المصدر : إلى الالوهية.
(٢) المعروف منه جواز الاسهاء من الله تعالى لمصلحة لا السهو الذى يكون من الشيطان
وسيشير اليه المصنف.
عن النبي (ص) والامام عليهالسلام ، فإن صحت هذه الحكاية عنه فهو مقصر ، مع أنه من علماء القميين ومشيختهم.
وقد وجدنا جماعة وردت إلينا من قم يقصرون تقصيرا ظاهرا في الدين ، ينزلون الائمة عليهمالسلام عن مراتبهم ويزعمون أنهم كانوا لا يعرفون كثيرا من الاحكام الدينية حتى ينكت في قلوبهم ، ورأينا من يقول : إنهم كانوا يلجئون في حكم الشريعة إلى الرأي والظنون ، ويدعون مع ذلك أنهم من العلماء ، وهذا هو التقصير الذي لا شبهة فيه.
ويكفي في علامة الغلو نفي القائل به عن الائمة عليهمالسلام سمات الحدوث وحكمه لهم بالالهية والقدم ، إذ قالوا بما يقتضي ذلك من خلق أعيان الاجسام واختراع الجواهر وما ليس بمقدور العباد من الاعراض ، ولا نحتاج مع ذلك إلى الحكم عليهم وتحقيق أمرهم بما جعله أبوجعفر رحمهالله تتمة في(١) الغلو على كل حال(٢).
فذلكة :
اعلم أن الغلو في النبي والائمة عليهمالسلام إنما يكون بالقول بالوهيتهم أو بكونهم شركاء لله تعالى في المعبودية أو في الخلق والرزق أو أن الله تعالى حل فيهم أو اتحد بهم ، أو أنهم يعلمون الغيب بغير وحي أو إلهام من الله تعالى أو بالقول في الائمة عليهمالسلام أنهم كانوا أنبيآء أو القول بتناسخ أرواح بعضهم إلى بعض ، أو القول بأن معرفتهم تغني عن جميع الطاعات ولا تكليف معها بترك المعاصي.
والقول بكل منها إلحاد وكفر وخروج عن الدين كما دلت عليه الادلة العقلية والايات والاخبار السالفة وغيرها ، وقد عرفت أن الائمة عليهمالسلام تبرؤوا منهم و حكموا بكفرهم وأمروا بقتلهم ، وإن قرع سمعك شئ من الاخبار الموهمة لشئ من ذلك فهى إما مأولة أو هي من مفتريات الغلاة.
____________________
(١) في المصدر : سمة من الغلو.
(٢) تصحيح الاعتقاد : ٦٣ ـ ٦٦.
ولكن أفرط بعض المتكلمين والمحدثين في الغلو لقصورهم عن معرفة الائمة عليهمالسلام وعجزهم عن إدراك غرائب أحوالهم وعجائب شؤنهم فقدحوا في كثير من الرواة الثقات لنقلهم بعض غرائب المعجزات حتى قال بعضهم : من الغلو نفي السهو عنهم أو القول بأنهم يعلمون ما كان وما يكون وغير ذلك ، مع أنه قد ورد في أخبار كثيرة لا تقولوا فينا ربا وقولوا ما شئتم ولن تبلغوا « وورد » أن أمرنا صعب مستصعب لا يحتمله إلا ملك مقرب أو نبي مرسل أو عبد مؤمن امتحن الله قلبه للايمان « وورد » لو علم أبوذر ما في قلب سلمان لقتله « وغير ذلك مما مر وسيأتي.
فلابد للمؤمن المتدين أن لا يبادر برد ما ورد عنهم من فضائلهم ومعجزاتهم و معالي امورهم إلا إذا ثبت خلافه بضرورة الدين أو بقواطع البراهين أو بالايات المحكمة أو بالاخبار المتواترة كما مر في باب التسليم وغيره.
وأما التفويض فيطلق على معان بعضها منفي عنهم عليهمالسلام وبعضها مثبت لهم ، فالاول التفويض في الخلق والرزق والتربية والاماتة والاحيآء ، فإن قوما قالوا : إن الله تعالى خلقهم وفوض إليهم أمر الخلق فهم يخلقون ويرزقون ويميتون ويحيون ، و هذا الكلام يحتمل وجهين :
أحدهما أن يقال : إنهم يفعلون جميع ذلك بقدرتهم وإرادتهم وهم الفاعلون حقيقة ، وهذا كفر صريح دلت على استحالته الادلة العقلية والنقلية ، ولا يستريب عاقل في كفر من قال به.
وثانيهما : أن الله تعالى يفعل ذلك مقارنا لارادتهم كشق القمر وإحياء الموتى وقلب العصا حية وغير ذلك من المعجزات ، فإن جميع ذلك إنما تحصل بقدرته تعالى مفارنا لارادتهم لظهور صدقهم ، فلا يأبى العقل عن أن يكون الله تعالى خلقهم وأكملهم وألهمهم ما يصلح في نظام العالم ، ثم خلق كل شئ مقارنا لارادتهم ومشيتهم. وهذا وإن كان العقل لا يعارضه كفاحا لكن الاخبار السالفة تمنع من القول به فيما عدا المعجزات ظاهرا بل صراحا ، مع أن القول به قول بما لا يعلم إذ لم يرد ذلك في الاخبار المعتبرة فيما نعلم.
وما ورد من الاخبار الدالة على ذلك كخطبة البيان وأمثالها فلم يوجد إلا في كتب الغلاة وأشباههم ، مع أنه يحتمل أن يكون المراد كونهم علة غائية لايجاد جميع المكونات ، وأنه تعالى جعلهم مطاعين في الارضين والسماوات ، ويطيعهم باذن الله تعالى كل شئ حتى الجمادات ، وأنهم إذا شاؤا أمرا لا يرد الله مشيتهم ، ولكنهم لا يشاؤن إلا أن يشاء الله.
وأما ما ورد من الاخبار في نزول الملائكة والروح لكل أمر إليهم وأنه لا ينزل ملك من السماء لامر إلا بدأ بهم فليس ذلك لمدخليتهم في ذلك ، ولا الاستشارة بهم ، بل له الخلق والامر تعالى شأنه ، وليس ذلك إلا لتشريفهم وإكرامهم وإظهار رفعة مقامهم.
الثاني التفويض في أمر الدين ، وهذا أيضا يحتمل وجهين :
أحدهما أن يكون الله تعالى فوض إلى النبي والائمة عليهمالسلام عموما أن يحلوا ما شاؤا ويحرموا ما شاؤا من غير وحي وإلهام أو يغيروا ما أوحى إليهم بآرائهم وهذا باطل لا يقول به عاقل ، فإن النبي صلىاللهعليهوآله كان ينتظر الوحي أياما كثيرة لجواب سائل ولا يجيبه من عنده ، وقد قال تعالى « وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى » (١).
وثانيهما : أنه تعالى لما أكمل نبيه صلىاللهعليهوآله بحيث لم يكن يختار من الامور شيئا إلا ما يوافق الحق والصواب ولا يحل بباله ما يخالف مشيته تعالى في كل باب فوض إليه تعيين بعض الامور كالزيادة في الصلاة وتعيين النوافل في الصلاة والصوم وطعمة الجد وغير ذلك مما مضى وسيأتي إظهارا لشرفه وكرامته عنده ، ولم يكن أصل التعيين إلا بالوحي ، ولم يكن الاختيار إلا بالهام ، ثم كان يؤكد ما اختاره صلىاللهعليهوآله بالوحي ، ولا فساد في ذلك عقلا وقد دلت النصوص المستفيضة عليه مما تقدم في هذا الباب وفي أبواب فضائل نبينا صلىاللهعليهوآله من المجلد السادس.
ولعل الصدوق رحمهالله أيضا إنما نفى المعنى الاول وحيث قال في الفقيه : وقد
____________________
(١) النجم : ٤.
فوض الله عزوجل إلى نبيه صلىاللهعليهوآله أمر دينه ولم يفوض إليه تعدي حدوده. وأيضا هو رحمهالله قد روى كثيرا من أخبار التفويض في كتبه ولم يتعرض لتأويلها. الثالث : تفويض امور الخلق إليهم من سياستهم وتأديبهم وتكميلهم وتعليمهم وأمر الخلق باطاعتهم فيما أحبوا وكرهوا وفيما علموا جهة المصلحة فيه وما يعلموا وهذا حق لقوله تعالى : « ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا » (١) وغير ذلك من الايات والاخبار ، وعليه يحمل قولهم عليهمالسلام : « نحن المحللون حلاله والمحرمون حرامه » أي بيانهما علينا ويجب على الناس الرجوع فيهما إلينا ، وبهذا الوجه ورد خبر أبي إسحاق والميثمي.
الرابع : تفويض بيان العلوم والاحكام بما رأوا(٢) المصلحة فيها بسبب اختلاف عقولهم ، أو بسبب التقية فيفتون بعض الناس بالواقع من الاحكام ، وبعضهم بالتقية ويبينون تفسير الايات وتأويلها ، وبيان المعارف بحسب ما يحتمل عقل كل سائل ، ولهم أن يبينوا ولهم أن يسكتوا كما ورد في أخبار كثيرة : « عليكم المسألة وليس علينا الجواب » كل ذلك بحسب ما يريهم الله من مصالح الوقت كما ورد في خبر ابن أشيم وغيره.
وهو أحد معاني خبر محمد بن سنان في تأويل قوله تعالى : « لتحكم بين الناس بما أراك الله » (٣) ولعل تخصيصه بالنبي (ص) والائمة عليهمالسلام لعدم تيسر هذه التوسعة لسائر الانبياء والاوصياء عليهمالسلام ، بل كانوا مكلفين بعدم التقية في بعض الموارد وإن أصابهم الضرر ، والتفويض بهذا المعنى أيضا ثابت حق بالاخبار المستفيضة.
الخامس : الاختيار في أن يحكموا بظاهر الشريعة أو بعلمهم وبما يلهمهم الله من الواقع ومخ الحق في كل واقعة ، وهذا أظهر محامل خبر ابن سنان وعليه أيضا دلت الاخبار.
____________________
(١) تقدم الايعاز إلى محلها في اول الباب.
(٢) في نسخة : بما ارادوا ورأوا.
(٣) تقدم الايعاز إلى محلها في اول الباب.
السادس التفويض في العطاء فإن الله تعالى خلق لهم الارض وما فيها وجعل لهم الانفال والخمس والصفايا وغيرها فلهم أن يعطوا ما شاؤا ويمنعوا ما شاؤا ، كما مر في خبر الثمالي وسيأتي في مواضعه ، وإذا أحطت خبرا بما ذكرنا من معاني التفويض سهل عليك فهم الاخبار الواردة فيه وعرفت ضعف قول من نفى التفويض مطلقا ولما يحط بمعانيه.
١١
باب
*(نفى السهو عنهم عليهمالسلام)*
١ ـ ن : تميم القرشي عن أبيه عن أحمد بن علي الانصاري عن الهروي قال : قلت للرضا عليهالسلام : يا ابن رسول الله إن في الكوفة(١) قوما يزعمون أن النبي صلىاللهعليهوآله لم يقع عليه السهو في صلاته ، فقال : كذبوا لعنهم الله إن الذي لا يسهو هو الله لا إله إلا هو.(٢)
٢ ـ سر : ابن محبوب عن حماد عن ربعي عن الفضيل قال : ذكرت لابي عبدالله عليهالسلام السهو فقال : وينفلت من ذلك أحد؟ ربما أقعدت الخادم خلفي يحفظ علي صلاتي.(٣)
٣ ـ يب : محمد بن علي بن محبوب عن أحمد بن محمد عن ابن محبوب عن ابن بكير عن زرارة قال : سألت أبا جعفر عليهالسلام هل سجد رسول الله صلىاللهعليهوآله سجدتي السهو قط؟
فقال : لا ولا يسجدهما فقيه.(٤)
بيان : قد مضى القول في المجلد السادس في عصمتهم عليهمالسلام عن السهو والنسيان و جملة القول فيه أن أصحابنا الامامية أجمعوا على عصمة الانبياء والائمة صلوات الله
____________________
(١) في المصدر : في سواد الكوفة.
(٢) عيون الاخبار.٣٢٦ وفيه : هو الذى لا اله الا هو.
(٣) السرائر : ٤٨٢.
(٤) التهذيب ١ : ٢٣٦.
عليهم من الذنوب الصغيرة والكبيرة عمدا وخطا ونسيانا قبل النبوة والامامة و بعدهما بل من وقت ولادتهم إلى أن يلقوا الله تعالى ، ولم يخالف في ذلك إلا الصدوق محمد بن بابويه وشيخه ابن الوليد قدس الله روحهما فإنهما جوز الاسهاء من الله تعالى لا السهو الذي يكون من الشيطان في غير ما يتعلق بالتبليغ وبيان الاحكام وقالوا : إن خروجهما لا يخل بالاجماع لكونهما معروفي النسب.
وأما السهو في غير ما يتعلق بالواجبات والمحرمات كالمباحات والمكروهات فظاهر أكثر أصحابنا أيضا تحقق الاجماع على عدم صدوره عنهم ، واستدلوا أيضا بكونه سببا لنفور الخلق منهم وعدم الاعتداد بأفعالهم وأقوالهم وهو ينافي اللطف ، وبالايات والاخبار الدالة على أنهم عليهمالسلام لا يقولون ولا يفعلون شيئا إلا بوحي من الله تعالى ويدل أيضا عليه عموم ما دل على وجوب التأسي بهم في جميع أقوالهم وأفعالهم ولزوم متابعتهم.
ويدل عليه الاخبار الدالة عليه أنهم مؤيدون بروح القدس وأنه لا يلهو ولا يسهو ولا يلعب ، وقد مر في صفات الامام عن الرضا عليهالسلام « فهو معصوم مؤيد موفق مسدد قد أمن من الخطأ والزلل والعثار ».
وسيأتي في تفسير النعماني في كتاب القرآن باسناده عن إسماعيل بن جابر عن الصادق عليهالسلام عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه أنه قال في بيان صفات الامام : فمنها أن يعلم الامام المتولي عليه أنه معصوم من الذنوب كلها صغيرها وكبيرها لا يزل في الفتيا ولا يخطئ في الجواب ولا يسهو ولا ينسى ولا يلهو بشئ من أمر الدنيا.
وساق الحديث إلى أن قال عليهالسلام : عدلوا عن أخذ الاحكام عن أهلها ممن فرض الله طاعتهم ممن لا يزل ولا يخطئ ولا ينسى.
وغيرها من الاخبار الدالة بفحاويها على تنزههم عنه ، وبالجملة المسألة في غاية الاشكال لدلالة كثير من الاخبار والايات على صدور السهو عنهم عليهمالسلام ، وإطباق الاصحاب إلا من شذ منهم على عدم الجواز مع شهادة بعض الايات والاخبار و الدلائل الكلامية عليه ، وقد بسطنا القول في ذلك في المجلد السادس فاذا أردت الاطلاع عليه فارجع إليه.
١٢
باب
*(أنه جرى لهم من الفضل والطاعة مثل ما جرى لرسول الله)*
*(صلى الله عليهم وأنهم في الفضل سواء)*
١ ـ ما : المفيد عن الحسن بن حمزة عن نصر بن الحسن الوراميني عن سهل عن محمد بن الوليد الصيرفي عن سعيد الاعرج قال : دخلت أنا وسليمان بن خالد على أبي عبدالله جعفر بن محمد عليهماالسلام فابتدأني فقال : ياسليمان ما جاء عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام يؤخذ به وما نهى عنه ينتهى عنه ، جرى له من الفضل ما جرى لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم « ولرسوله الفضل على جميع من خلق الله ، العائب على أمير المؤمنين في شئ كالعائب على الله وعلى رسوله صلىاللهعليهوآله والراد عليه في صغير أو كبير على حد الشرك بالله.
كان أمير المؤمنين عليهالسلام باب الله الذي لا يؤتى إلا منه ، وسبيله الذي من تمسك بغيره هلك ، كذلك جرى حكم الائمة عليهمالسلام بعده واحد بعد واحد جعلهم(١) أركان الارض وهم الحجة البالغة على من فوق الارض ومن تحت الثرى.
أما علمت أن أميرالمؤمنين عليهالسلام كان يقول : أنا قسيم الله بين الجنة والنار وأنا الفاروق الاكبر(٢) وأنا صاحب العصا والميسم ، ولقد أقر لي جميع الملائكة والروح بمثل ما أقروا لمحمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ولقد حملت مثل حمولة محمد وهو (٣) حمولة الرب ، وان محمدا صلىاللهعليهوآلهوسلم يدعى فيكسى فيستنطق فينطق وادعى فاكسى واستنطق فأنطق ولقد اعطيت خصالا لم يعطها أحد قبلى علمت البلايا والقضايا وفصل الخطاب(٤).
____________________
(١) في المصدر : جعلهم الله.
(٢) في نسخة من المصدر : وانا الصادق الاكبر.
(٣) في المصدر : وهى.
(٤) امالى ابن الشيخ : ١٢٨ و ١٢٩.
بيان : قوله الفاروق الاكبر أي الفارق بين الحق والباطل ، وقيل : لانه أول من أظهر الاسلام بمكة ففرق بين الايمان والكفر ، وأما صاحب العصا والميسم فسيأتي أنه عليهالسلام الدابة الذي ذكره الله في القرآن يظهر قبل قيام الساعة معه عصا موسى وخاتم سليمان يسم بها وجوه المؤمنين والكافرين ليتميزوا.
قوله عليهالسلام : وقد حملت ، أي حملني الله من العلم والايمان والكمالات أو تكليف هداية الخلق وتبليغ الرسالات وتحمل المشاق مثل ما حمل محمدا صلىاللهعليهوآله ، وفي بعض النسخ : ولقد حملت على مثل حمولته ، فيمكن أن يقرأ حملت على صيغة المجهول المتكلم وعلى التخفيف ، والحمولة بفتح الحاء فانها بمعنى ما يحمل على الناس من الدواب أي حملني الله تعالى على مثل ما حمله عليه من الامور التي توجب الوصول إلى أقصى منازل الكرامة من الخلافة والامامة.
فشبه عليهالسلام ما حمله الله عليه من رياسة الخلق وهدايتهم وولايتهم بدابة يركب عليها ، لانه يبلغ بحاملها إلى أقصى غايات السبق في ميدان(١) الكرامة ، ويمكن أن يقرأ حملت على بناء المؤنث المجهول الغائب و « علي » بتشديد الياء. والحمولة بضم الحاء وهي بمعنى الاحمال فيرجع إلى ما مر في النسخة الاولى.
قوله عليهالسلام : ويستنطق ، أي للشفاعة والشهادة ، قوله : وفصل الخطاب ، أي الخطاب الفاصل بين الحق والباطل ، ويطلق غالبا على حكمهم في الوقائع المخصوصة وبيانهم في كل أمر حسب ما يقتضيه المقام وأحوال السائلين المختلفين في الافهام.
٢ ـ ب : ابن عيسى عن البزنطي عن الرضا انه عليهالسلام كتب إليه : قال أبوجعفر عليهالسلام : لا يستكمل عبد الايمان حتى يعرف أنه يجري لآخرهم ما يجري لاولهم في الحجة والطاعة ، والحلال والحرام سواء ، ولمحمد صلىاللهعليهوآله وأمير المؤمنين عليهالسلام فضلهما الخبر.(٢)
٣ ـ ير : علي بن حسان عن أبي عبدالله الرياحي عن أبي الصامت الحلواني
____________________
(١) في نسخة : في مضمار الكرامة.
(٢) قرب الاسناد : ١٥٢ و ١٥٣ فيه : ولامير المؤمنين.
عن أبي جعفر عليهالسلام قال : فضل أميرالمؤمنين عليهالسلام ما جاء به اخذ به وما نهى عنه انتهي عنه ، وجرى له من الطاعة بعد رسول الله صلىاللهعليهوآله مثل الذي جرى لرسول الله (ص) والفضل لمحمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، المتقدم بين يديه كالمتقدم بين يدي الله ورسوله ، والمتفضل عليه كالمتفضل على الله وعلى رسوله ، الراد عليه في صغيرة أو كبيرة على حد الشرك بالله ، فان رسول الله صلىاللهعليهوآله باب الله الذي لا يؤتى إلا منه ، وسبيله الذي من سلكه وصل إلى الله ، وكذلك كان أمير المؤمنين عليهالسلام من بعده ، وجرى في الائمة واحدا بعد واحد.
جعلهم الله أركان الارض أن تميد بأهلها وعمد الاسلام ورابطه على سبيل هداه ولا يهتدي هاد إلا بهداهم ولا يضل خارج من هدى(١) إلا بتقصير عن حقهم ، وامناء الله على ما اهبط(٢) من علم أو عذر أو نذر ، والحجة البالغة على من في الارض ، يجري لاخرهم من الله مثل الذي جرى لاولهم ، ولا يصل أحد إلى شئ من ذلك إلا بعون الله. وقال أمير المؤمنين عليهالسلام : أنا قسيم الجنة والنار لا يدخلها داخل إلا على أحد قسمي(٣) ، وأنا الفاروق الاكبر وأنا الامام لمن بعدي والمؤدي عمن كان قبلي ، ولا يتقدمني أحد إلا أحمد صلىاللهعليهوآله ، وإني وإياه لعلى سبيل واحد إلا أنه هو المدعو باسمه ، ولقدا عطيت الست(٤) : علم المنايا والبلايا والوصايا والانساب وفصل الخطاب
____________________
(١) في نسخة : من الهدى.
(٢) في المصدر : لانهم امناء الله على ما هبط.
(٣) في المصدر : قسمين.
(٤) نقل في هامش النسخة المخطوطة عن المصنف هذا : يمكن ان يكون المنايا والبلايا واحدا ، والانساب ثالثة ، وفصل الخطاب الرابعة وصاحب الكرات ودولة الدول الخامسة وصاحب العصا والدابة السادسة ويحتمل وجوه اخر لكن لا بد من ضم بعضها إلى بعض لئلا يكون زائدا : والله يعلم والقائل.
وإني لصاحب الكرات ودولة الدول ، وإني لصاحب العصا والميسم والدابة التي تكلم الناس.(١)
بيان : روى في الكافي عن أحمد بن مهران عن محمد بن علي ومحمد بن يحيى عن أحمد بن محمد جميعا عن محمد بن سنان عن المفضل عن أبي عبدالله عليهالسلام مثله بأدنى تغيير(٢) وروى أيضا عن محمد بن يحيى وأحمد بن محمد جميعا عن محمد بن الحسن عن علي بن حسان مثله.(٣)
قوله عليهالسلام : فضل على بناء المجهول ، أي فضله الله على الخلق ، أو على بنآء المصدر فقوله : ما جآء ، خبره ، أي هذا فضله.قوله ورابطه ، أي يشدون الاسلام على سبيل هداه لئلا يخرجه المبتدعون عن سبيله الحق ولا يضيعوه ، والرابط أيضا يكون بمعنى الزاهد والراهب والحكيم والشديد والملازم ، ولكل منها وجه مناسبة.
قوله عليهالسلام : لعلى سبيل واحد ، أي أنا شريكه في جميع الكمالات ، ولا فرق بيني وبينه إلا أنه مسمى باسم غير اسمي ، ويحتمل أن يكون المراد بالاسم وصف النبوة ، أو المعنى أنه دعاه الله في القرآن باسمه ولم يدعني ، والاول أظهر.(٤)
قوله عليهالسلام : والوصايا ، أي وصايا الانبيآء والاوصياء ، والانساب أي نسب كل أحد وصحته وفساده قوله عليهالسلام : وإني لصاحب الكرات ، أي الحملات في الحروب ، كما قال (ص) فيه « كرار غير فرار » والرجعات كما روي أن له عليهالسلام رجعة قبل قيام القائم عليهالسلام ومعه وبعده ، قيل : إنه عرض عليه الخلق كرات في الميثاق والذر في الرحم وعند الولادة وعند الموت وفي القبر وعند البعث وعند الحساب وعند الصراط وغيرها ، والاوسط أظهر.
وأما دولة الدول فيحتمل أن يكون المراد بها علمه عليهالسلام بدولة كل ذي دولة
____________________
(١) بصائر الدرجات : ٥٤.
(٢ و ٣) اصول الكافى ١ : ١٩٦ ـ ١٩٨ راجعه.
(٤) بل الثانى اظهر ، والمعنى انى في جميع الكمالات غير النبوة مثله.
أو أنه صاحب الغلبة في الحروب وغيرها ، فان الدولة بمعنى الغلبة ، أو المعنى أن دولة كل ذي دولة من الانبيآء والاوصيآء كان بسبب ولايته والاستضاءة من نوره أو كان غلبتهم على الاعادي ونجاتهم من المهالك بالتوسل به ، وقد نطقت الاخبار بكل منها كما ستقف عليها ، وستأتي أمثال تلك الاخبار في أبواب تاريخ أمير المؤمنين عليهالسلام مع شرحها لاسيما في باب ما بين عليهالسلام من مناقبه.
٤ ـ ك : ما جيلويه عن عمه عن البرقي عن الكوفي عن محمد بن سنان عن المفضل عن الثمالي عن أبي جعفر عن أبيه عن جده الحسين صلوات الله عليهم قال : دخلت أنا وأخي على جدي رسول الله (ص) فأجلسني على فخذه وأجلس أخي الحسن على فخذه الآخر ثم قبلنا وقال : بأبي أنتما من إمامين سبطين اختاركما الله مني ومن أبيكما ومن امكما واختار من صلبك يا حسين تسعة أئمة ، تاسعهم قائمهم ، و كلهم(١) في الفضل والمنزلة سواء عند الله تعالى.(٢)
٥ ـ ير : أحمد بن موسى عن الخشاب عن علي بن حسان عن عبدالرحمن بن كثير عن أبي عبدالله عليهالسلام قال « الذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بايمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شئ » (٣) قال : الذين آمنوا النبي (ص) وأميرالمؤمنين والذرية الائمة الاوصيآء ، ألحقنا بهم ولم تنقص ذريتهم من الجهة(٤) التي جاء بها محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم في علي وحجتهم واحدة وطاعتهم واحدة.(٥)
بيان : ألته يألته : نقصه ، ثم المشهور بين المفسرين أن المؤمنين الذين اتبعتهم ذريتهم في الايمان بأن آمنوا لكن قصرت أعمالهم عن الوصول إلى درجة آبائهم الحقوا بها تكرمة لابائهم ، وقيل : المراد بهم الاولاد الصغار الذين جرى عليهم حكم
____________________
(١) في المصدر : وكلكم.
(٢) اكمال الدين : ١٥٧.
(٣) الطور : ٢١.
(٤) في نسخة : [ الحجة ] وهو الظاهر.
(٥) بصائر الدرجات : ١٤١.
الايمان بسبب إيمان آبائهم يلحق الله يوم القيامة الاولاد بآبائهم في الجنة ، وهو المروي عن أبي عبدالله عليهالسلام ، وما ألتنا من عملهم من شئ ، أي لم ينقص الاباء من الثواب بسبب لحوق الابناء
وعلى التأويل الذي في الخبر المعنى أن المؤمنين الكاملين في الايمان أي النبي وأمير المؤمنين صلوات الله عليهما الذين اتبعتهم ذريتهم في كمال الايمان ألحقنا بهم ذرياتهم في وجوب الطاعة وما نقصنا الذرية من الحجة التي أقمناها على وجوب اتباع الاباء شيئا فالمراد بالعمل إقامة الحجة على وجوب الطاعة وهو من عمل الله ، أو عمل النبي الذي هو من الاباء.
والحاصل أن الاضافة إما إلى الفاعل أو إلى المفعول ، والضمير في « ألتناهم » راجع إلى الاولاد وفي « عملهم » إلى الآباء.
٦ ـ ير : علي بن إسماعيل عن صفوان بن يحيى عن ابن مسكان عن الحارث النضري عن أبي عبدالله عليهالسلام قال : سمعته يقول : رسول الله (ص) ونحن في الامر والنهي والحلال والحرام نجري مجرى واحد ، فأما رسول الله وعلي فلهما فضلهما.(١) ختص : عن الحارث مثله.(٣)
٧ ـ ير : عبدالله بن جعفر عن محمد بن عيسى عن داود النميري عن علي بن جعفر عن أبي الحسن عليهالسلام قال : نحن في العلم والشجاعة سواء ، وفي العطايا على قدر ما نؤمر.(٣)
بيان : قوله : وفي العطايا ، أي عطاء العلم أو المال أو الاعم ، والاول أظهر أي إنما نعطي على حسب ما يأمرنا الله به بحسب المصالح.
٨ ـ ير : ابن يزيد عن ابن أبي عمير عن محمد بن يحيى عن أبي بصير قال : قال أبوعبدالله عليهالسلام : يابا محمد كلنا نجري في الطاعة والامر مجرى واحد ، وبعضنا أعلم من بعض.(٤)
____________________
(١ و ٣ و ٤) بصائر الدرجات : ١٤١.
(٢) الاختصاص : ٢٦٧.
٩ ـ ير : أحمد بن محمد عن الاهوازي عن النضر عن يحيى الحلبي عن أيوب بن الحر عن أبي عبدالله عليهالسلام أو عمن رواه عن أبي عبدالله قال : قلنا : الائمة بعضهم أعلم من بعض؟ قال : نعم وعلمهم بالحلال والحرام وتفسير القرآن واحد.(١) ير : أحمد بن محمد عن الاهوازي عن ابن أبي عمير عن الحسين بن زياد عن أبي عبدالله عليهالسلام مثله.(٢)
ختص : عن محمد بن عيسى عن الحسن بن زياد مثله.(٣)
بيان : لعل المراد أنه قد يكون الاخير أعلم من الاول(٤) في وقت امامته بسبب ما يتجدد له من العلم وإن افيض إلى روح الاول أيضا ، لئلا يكون آخرهم أعلم من أولهم كما ستقف عليه ، ويحتمل أن يكون ذلك للتقية من غلاة الشيعة ..
١٠ ـ جا : أبوغالب الزراري عن الحميري عن الحسن بن علي عن الحسن بن زكريا عن محمد بن سنان ويونس بن يعقوب عن عبدالاعلى بن أعين قال : سمعت أبا عبدالله عليهالسلام يقول : أولنا دليل على آخرنا وآخرنا مصدق لاولنا ، والسنة فينا سواء ، إن الله تعالى إذا حكم بحكم أجراه.(٥)
ختص : ابن عيسى عن أبيه عن محمد بن الحسين عن أبي داود المسترق عن ثعلبة عن بعض أصحابه عن أبي عبدالله أو أبي جعفر عليهماالسلام مثله.(٦)
ختص : أحمد بن محمد بن يحيى عن الحميري عن محمد بن الوليد ومحمد بن عبدالحميد عن يونس بن يعقوب عن عبد الاعلى مثله.(٧)
بيان : أي لما حكم الله بأن لا يكون زمان من الازمنة خاليا من الحجة لابد
____________________
(١ و ٢) بصائر الدرجات : ١٤١.
(٣) الاختصاص : ٢٦٦ و ٢٦٨.
(٤) الظاهر ان البعض الذى يكون اعلم من غيره هو رسول الله صلىاللهعليهوآله وامير المؤمنين عليهالسلام ويدل عليه الخبر الاتى تحت رقم : ١٦ وما بعده.
(٥) في الاختصاص وفى نسخة من الكتاب : اذا حكم حكما.
(٦ و ٧) الاختصاص : ٢٦٧.
أن يخلق في كل زمان من يكون مثل من تقدمه في العلم والكمال ووجوب الطاعة.
١١ ـ ختص : ابن الوليد عن الصفار عن ابن عيسى عن محمد بن سنان عن المفضل قال : سمعت أبا عبدالله عليهالسلام يقول : كان أمير المؤمين عليهالسلام باب الله الذي لا يؤتى إلا منه ، وسبيله الذي من سلك بغيره هلك ، وكذلك جرى للائمة الهداة واحدا بعد واحد ، جعلهم الله أركان الارض أن تميد بأهلها ، وحجته البالغة على من فوق الارض ومن تحت الثرى(١)
بيان : الميد : الحركة ، يقال : ما ديميد ميدا ، أي تحرك وزاغ ، أي جعلهم أركان الارض كراهة أن تميد الارض مع أهلها فتخسف بهم وتغرقهم ، كما قال تعالى : « وألقى في الارض رواسي أن تميد بكم » (٢) ولا يبعد أن يكون إشارة إلى تأويل الاية أيضا فقد قيل فيها ذلك ، فإنه قد يستعار الجبال للعلماء والحلماء لرزانتهم وثباتهم ورفعة شأنهم والتجاء الناس إليهم.
١٢ ـ ختص : ابن الوليد عن الصفار عن أحمد بن محمد ومحمد بن عبدالحميد عن البزنطي عن الرضا عليهالسلام قال : قال أبوعبدالله عليهالسلام : كلنا نجري في الطاعة والامر مجرى واحد وبعضنا أعظم من بعض(٣).
١٣ ـ ختص : محمد بن عيسى عن يونس عن بعض رجاله عن أبي عبدالله عليهالسلام قال : ليس شئ يخرج من عند الله إلا بدأ برسول الله ثم بأمير المؤمنين ثم بمن بعده ليكون علم آخرهم من عند أولهم ولا يكون آخرهم أعلم من أولهم.(٤)
١٤ ـ ختص : علي بن الحسن(٥) عن ابن الوليد عن الصفار عن علي بن السندي عن محمد بن عمرو عن أبي الصباح مولى آل سام قال : كنا عند أبي عبدالله عليهالسلام
____________________
(١) الاختصاص : ٢١.
(٢) النحل : ١٥.
(٣) الاختصاص : ٢٢.
(٤) الاختصاص : ٢٦٧.
(٥) في المصدر : على بن الحسين.
أنا وأبوالمغر أذ دخل علينا رجل من أهل السواد فقال : السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته ، قال له أبوعبدالله : عليك السلام ورحمة الله وبركاته ثم اجتذبه وأجلسه إلى جنبه.
فقلت لابي المغرا أو قال لي أبوالمغرا : إن هذا الاسم ما كنت أرى أحدا يسلم به إلا على أميرالمؤمنين علي صلوات الله عليه ، فقال لي أبوعبدالله عليهالسلام : يا أبا الصباح(١) إنه لا يجد عبد حقيقة الايمان حتى يعلم أن لاخرنا ما لاولنا.(٢)
١٥ ـ ختص : عن مالك بن عطية قال : قلت لابي عبدالله عليهالسلام : الائمة يتفاضلون؟ قال : أما في الحلال والحرام فعلمهم فيه سواء ، وهم يتفاضلون فيما سوى ذلك.(٣)
١٦ ـ ختص : عن أحمد بن عمر الحلبي قال : قال أبوجعفر عليهالسلام : لا يستكمل عبد الايمان حتى يعرف أنه يجري لآخرنا ما يجري لاولنا ، وهم في الطاعة والحجة والحلال والحرام سواء ولمحمد وأمير المؤمنين عليهماالسلام فضلهما.(٤)
١٧ ـ أقول : روى أبوالحسن محمد بن أحمد بن علي بن الحسن بن شاذان في كتاب المناقب باسناده عن حبة العرني عن أميرالمؤمنين عليهالسلام قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : أنا سيد الاولين والآخرين ، وأنت ياعلي سيد الخلائق بعدي ، أولنا كآخرنا وآخرنا كأولنا.(٥)
١٨ ـ وعن ابن عباس قال : قال رسول الله (ص) : علي بن أبي طالب عليهالسلام أفضل خلق الله غيري ، والحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وأبوهما خير منهما ، وإن
____________________
(١) في نسخة : ياباصباح.
(٢) بصائر الدرجات : ٢٦٧ و ٢٦٨.
(٣) بصائر الدرجات : ٢٦٨.
(٤) الاختصاص : ٢٦٨.
(٥) ايضاح دفائن النواصب : ٢.