بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٧١
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

٦ ـ يه صلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى البيت المقدس بعد النبوة ثلاث عشرة سنة بمكة ، وتسعة عشر شهرا بالمدينة ، ثم عيرته اليهود فقالوا له إنك تابع لقبلتنا ، فاغتم لذلك غما شديدا ، فلما كان في بعض الليل(١) خرج صلى‌الله‌عليه‌وآله يقلب وجهه في آفاق السماء ، فلما أصبح صلى الغداة ، فلما صلى من الظهر ركعتين جاءه جبريل فقال له : « قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها » الآية. ثم أخذ بيد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فحول وجهه إلى الكعبة ، وحول من خلفه وجوههم حتى قام الرجال مقام النساء ، والنساء مقام الرجال ، فكان أول صلاته إلى بيت المقدس ، وآخرها إلى الكعبة فبلغ الخبر مسجدا بالمدينة وقد صلى أهله من العصر ركعتين ، فحولوا نحو الكعبة ، فكان أول صلاتهم إلى بيت المقدس ، وآخرها إلى الكعبة فسمي ذلك المسجد مسجد القبلتين(٢) ، فقال المسلمون : صلاتنا إلى بيت المقدس تضيع يا رسول الله؟ فأنزل الله عزوجل : « وما كان الله ليضيع إيمانكم » يعني صلاتكم إلى بيت المقدس. وقد أخرجت الخبر في ذلك على وجهه في كتاب النبوة(٣).

أقول : سيأتي في تفسير النعماني بإسناده إلى الصادق عليه‌السلام قال قال أمير المؤمنين عليه‌السلام إن رسول الله (ص) لما بعث كانت الصلاة إلى قبلة بيت المقدس سنة بني إسرائيل وقد أخبرنا الله في كتابه بما قصه في ذكر موسى عليه‌السلام أن يجعل بيته قبلة ، وهو قوله : « وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتا واجعلوا بيوتكم قبلة(٤) » وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في أول مبعثه يصلي إلى بيت المقدس جميع أيام مقامه(٥) بمكة ، وبعد هجرته إلى المدينة بأشهر ، فعيرته اليهود وقالوا : إنك تابع لقبلتنا ، فأحزن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ذلك منهم ، فأنزل الله تعالى

____________________

(١) في نسخة من المصدر : في نصف الليل.

(٢) في نسخة من المصدر : ذو القبلتين.

(٣) من لا يحضره الفقيه ١ : ٨٨.

(٤) يونس : ٨٧.

(٥) في المصدر : جميع ايام بقائه بمكة.

٢٠١

عليه وهو يقلب وجهه في السماء وينتظر الامر « قد نرى تقلب وجهك » إلى قوله : « لئلا يكون للناس عليكم حجة » يعني اليهود في هذا الموضع ، ثم أخبرنا الله عزوجل ما العلة(١) التي من أجلها لم يحول قبلته من أول مبعثه ، فقال تبارك وتعالى : « وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله وما كان الله ليضيع إيمانكم » فسمى سبحانه الصلاة ههنا إيمانا(٢).

١٠

باب

*(غزوة بدر الكبرى)*

الآيات : آل عمران « ٣ » : قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد * قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله واخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين والله يؤيد بنصره من يشاء إن في ذلك لعبرة لاولى الابصار ١٢ ـ ١٣.

وقال سبحانه : ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون* إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين(٣).

النساء « ٤ » : ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد

____________________

(١) في المصدر : بالعلة.

(٢) المحكم والمتشابه : ١٢ و ١٣. أقول قد أشرنا إلى مواضع الايات في صدر الباب وقد

تقدم عن المنتقى في الباب السابق ما يناسب الباب.

(٣) من هنا وقعت المقابلة على نسخة المصنف وهى النسخة الاصلية.

٢٠٢

خشية وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا * أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا. ٧٧ ـ ٧٨.

الانفال « ٨ » : ويسألونك عن الانفال قل الانفال لله والرسول.

إلى قوله سبحانه :

كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون * يجادلونك في الحق بعد ما تبين كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون. وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم و يريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين * ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون * إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين * وما جعله الله إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم وما النصر إلا من عند الله إن الله عزيز حكيم * إذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الاقدام * إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سالقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الاعناق فاضربوا منهم كل بنان * ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب * ذلكم فذوقوه وأن للكافرين عذاب النار * يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الادبار * ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير * فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم و ما رميت إذ رميت ولكن الله رمى وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا إن الله سميع عليم * ذلك وأن الله موهن كيد الكافرين * إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح وإن تنتهوا فهو خير لكم وإن تعودوا نعد ولن تغني عنكم فئتكم شيئا ولو كثرت وأن

٢٠٣

الله مع المؤمنين. ١ ـ ١٩.

وقال سبحانه : إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون ٢٦.

إلى قوله تعالى : ليميز الله الخبيث من الطيب ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعا فيجعله في جهنم أولئك هم الخاسرون * قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف وإن يعودوا فقد مضت سنة الاولين ٣٨.

وقال سبحانه : واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان والله على كل شئ قدير * إذا أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى والركب أسفل منكم ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد ولكن ليقضي الله أمرا كان مفعولا * ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة وإن الله لسميع عليم* إذ يريكهم الله في منامك قليلا ولو أريكم كثيرا لفشلتم ولتنازعتم في الامر ولكن الله سلم إنه عليم بذات الصدور * وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا ويقللكم في أعينهم ليقضي الله أمرا كان مفعولا وإلى الله ترجع الامور * يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون * وأطيعو الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين * ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله والله بما يعملون محيط * وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال إني برئ منكم إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب * إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غر هؤلاء دينهم ومن يتوكل على الله فإن الله عزيز حكيم * ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم وذوقوا عذاب الحريق * ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد ٤١ ـ ٥١.

وقال سبحانه : ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الارض تريدون

٢٠٤

عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم * لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم * فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا واتقوا الله إن الله غفور رحيم * يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الاسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم والله غفور رحيم * وإن يريدوا خيانتك فقد خانوا الله من قبل فأمكن منهم والله عليم حكيم ٦٧ ـ ٧١.

الحج « ٢٢ » : هذان خصمان اختصموا في ربهم فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار ١٩.

تفسير :

قوله تعالى : « قل للذين كفروا » قال الطبرسي رحمه‌الله : روى محمد بن إسحاق ابن يسار عن رجاله قال : لما أصاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قريشا ببدر وقدم المدينة جمع اليهود في سوق قينقاع فقال : يا معشر اليهود احذروا من الله مثل الذي نزل بقريش يوم بدر ، وأسلموا قبل أن ينزل بكم ما نزل بهم ، وقد عرفتم أني نبي مرسل ، و تجدون ذلك في كتابكم ، فقالوا : يا محمد لا يغرنك أنك لقيت قوما أغمارا(١) لا علم لهم بالحرب فأصبت منهم فرصة ، إنا والله لو قابلناك لعرفت أنا نحن الناس ، فأنزل الله هذه الآية ، وروي أيضا عن عكرمة وابن جبير عن ابن عباس ، ورواه أصحابنا أيضا ، وقيل : نزلت في مشركي مكة « ستغلبون » يوم بدر عن مقاتل ، وقيل : نزلت في اليهود لما قتل الكفار ببدر وهزموا قالت اليهود : إنه النبي الامي الذي بشرنا به موسى صلى‌الله‌عليه‌وآله ونجده في كتابنا بنعته وصفته ، وإنه لا ترد له راية ، ثم قال بعضهم لبعض : لا تعجلوا حتى تنظروا إلى وقعة اخرى ، فلما كان يوم أحد ونكب(٢) أصحاب رسول الله (ص) شكوا وقالوا : لا والله ما هو هذا(٣) ، فغلب عليهم الشقاء فلم يسلموا ، وقد كان بينهم وبين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عهد إلى مدة(٤) ، فنقضوا ذلك العهد

____________________

(١) الاغمار جمع الغمر بالتثليث : الجاهل ومن لم يجرب الامور.

(٢) أى اصابوا النكبة. والنكبة : المصيبة.

(٣) في المصدر : ما هو به.

(٤) في المصدر : عهد إلى مدة لم تنقض

٢٠٥

قبل أجله ، وانطلق كعب بن الاشرف(١) إلى مكة في ستين راكبا فوافقهم ، و أجمعوا أمرهم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لتكونن كلمتنا واحدة ، ثم رجعوا إلى المدينة فأنزل الله فيهم هذه الآية ، عن الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس(٢).

وقال رحمه‌الله في قوله تعالى : « قد كان لكم آية » : نزلت الآية في قصة بدر وكانت المسلمون ثلاث مائة وثلاثة عشر رجلا على عدة أصحاب طالوت الذين جاوزوا معه النهر ، سبعة وسبعون رجلا من المهاجرين ، ومائتان وستة وثلاثون رجلا من الانصار ، وكان صاحب لواء رسول الله (ص) والمهاجرين علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، و صاحب راية الانصار سعد بن عبادة ، (٣) وكانت الابل في جيش رسول الله (ص) سبعين بعيرا ، والخيل فرسين : فرس للمقداد بن الاسود ، وفرس لمرثد بن أبي مرثد ، و كان معهم من السلاح ستة أدرع ، وثمانية سيوف ، وجميع من استشهد يومئذ أربعة عشر : ستة من المهاجرين ، وثمانية من الانصار ، واختلف في عدة المشركين فروي عن علي عليه‌السلام وابن مسعود أنهم كانوا ألفا ، وعن قتادة وعروة بن الزبير والربيع كانوا بين تسعمائة إلى ألف ، وكان خيلهم مائة فرس ، ورئيسهم عتبة بن ربيعة بن عبد شمس ، وكان حرب بدر أول مشهد شهده رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكان سبب ذلك عير أبي سفيان ، والخطاب في الآية لليهود الذين نقضوا العهد ، أو للناس جميعا ممن حضر الوقعة ، وقيل : للمشركين واليهود « آية » أي حجة وعلامة ومعجزة دالة على صدق محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله «في فئتين التقتا» أي فرقتين اجتمعتا ببدر من المسلمين والكافرين « فئة تقاتل في سبيل الله » أي في دينه وطاعته وهم الرسول وأصحابه « واخرى » أي وفرقة اخرى « كافرة » وهم مشركوا أهل مكة « يرونهم مثليهم رأي العين » أي في ظاهر العين ، اختلف في معناه ، فقيل : معناه يرى المسلمون المشركين مثلي عدد

____________________

(١) هو من اليهود الذين يحقدون على النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله ، كان من طيئ ثم احد بنى نبهان وامه من بنى النضير.

(٢) مجمع البيان ٢ : ٤١٣.

(٣) وقال في ص ٤٩٨ وقيل : سعد بن معاذ.

٢٠٦

أنفسهم قللهم الله في أعينهم حتى رأوهم ستمائة وستة وعشرين رجلا تقوية لقلوبهم وذلك أن المسلمين قد قيل لهم « فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين » فأراهم الله عددهم حسب ما حد لهم من العدد الذي يلزمهم أن يقدموا عليهم ولا يحجموا عنهم وقد كانوا ثلاثة أمثالهم ، ثم ظهر العدد القليل على العدد الكثير عن ابن مسعود و جماعة من العلماء ، وقيل : الرؤية للمشركين ، يعني يرى المشركون المسلمين ضعفي ما هم عليه ، فإن الله تعالى قبل القتال قلل المسلمين في آعينهم ليجترؤوا عليهم و لا يتفرقوا(١) ، فلما أخذوا في القتال كثرهم في أعينهم ليجبنوا ، وقلل المشركين في أعين المسلمين ليجترؤوا عليهم ، وتصديق ذلك قوله تعالى : « وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا ويقللكم في أعينهم » الآية ، وذلك أحسن أسباب النصر للمؤمنين ، والخذلان للكفارين ، وهذا قول السدي ، وهذا القول إنما يتأتى على قراءة من قرأ بالياء ، فأما قول من قرأ بالتاء فلا يحتمله إلا القول الاول على أن يكون الخطاب لليهود الذين لم يحضروا وهم المعنيون بقوله : « قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون » وهم يهود بني قينقاع ، فكأنه قال : ترون أيها اليهود المشركين مثلي المسلمين ، مع أن الله أظفرهم عليهم فلا تغتروا بكثرتكم ، واختار البلخي هذا الوجه ، ويكون الخطاب(٢) للمسلمين الذين حضروا الوقعة ، أي ترون أيها المسلمون المشركين مثلي المسلمين ، قال الفراء : يحتمل قوله : « يرونهم مثليهم » يعني ثلاثة أمثالهم(٣) ، والمعنى ترونهم مثليهم مضافا إليهم ، فذلك ثلاثة أمثالهم ، قال : والمعجز فيه إنما كان من جهة غلبة القليل الكثير.(٤)

____________________

(١) في المصدر : ولا ينصرفوا.

(٢) في المصدر : أو يكون الخطاب.

(٣) في المصدر : لانك إذا قلت : عندى الف وأحتاج إلى مثلها فأنت تحتاج إلى الفين ، لانك تريد أحتاج إلى مثلها مضافا إليها لا بمعنى بدلا منها ، فكانك قلت : أحتاج إلى مثليها ، وإذا قلت : أحتاج إلى مثليها فانت تحتاج إلى ثلاثة آلاف ، فكذلك في الاية المعنى يرونهم إه. أقول : ذلك قول بعيد لا يساعده الظاهر.

(٤) زاد في المصدر هنا : وانكر هذا الوجه الزجاج لمخالفته لظاهر الكلام ، وما جاء في آية الانفال من تقليل الاعداد.

٢٠٧

فإن قيل : كيف يصح تقليل الاعداد مع حصول الرؤية وارتفاع الموانع؟

وهل هذا إلا قول من يجوز أن يكون عنده أجسام لا يدركها ، أو يدرك بعضها دون بعض؟ قلنا : يحتمل التقليل(١) في أعين المؤمنين بأن يظنوهم قليلي العدد ، لا أنهم أدركوا بعضهم دون بعض ، لان العلم بما يدركه الانسان جملة غير العلم بما يدركه مفصلا ، ولانا قد ندرك جمعا عظيما بأسرهم ، ونشك في أعدادهم حتى يقع الخلاف في حرز عددهم.(٢)

وقال رحمه‌الله في قوله تعالى : « ولقد نصركم الله ببدر » أى بتقوية قلوبكم ، وبما أمدكم به من الملائكة ، وبإلقاء الرعب في قلوب أعدائكم « وأنتم أذلة » أي ضعفاء عن المقاومة قليلو العدد والعدة ، ويروى عن بعض الصادقين عليهم‌السلام أنه قرأو أنتم ضعفاء وقال : لا يجوز وصفهم بأنهم أذلة وفيهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله «بثلاثة آلاف من الملائكة» هو إخبار بأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لقومه ألن يكفيكم يوم بدر أن جعل ربكم ثلاثة آلاف من الملائكة مددا لكم ، وقال ابن عباس وغيره : إن الامداد بالملائكة كان يوم بدر ، وقال ابن عباس : لم تقاتل الملائكة إلا يوم بدر وكانوا في غيره من الايام عدة ومددا ، وقال الحسن : كان جميعهم خمسة آلاف ، فمعناه يمددكم ربكم بتمام خمسة آلاف ، وقال غيره : كانوا ثمانية آلاف ، فمعناه بخمسة آلاف آخر ، وقيل : إن الوعد بالامداد بالملائكة كان يوم احد ، وعدهم الله المدد إن صبروا « منزلين » أنزلهم الله من السماء إلى الارض لنصرتكم.(٣)

أقول : سيأتي تتمة تلك الآيات في غزوة احد.

وفي قوله : « مسومين(٤) » قال عروة : نزلت الملائكة يوم بدر على خيل بلق عليهم عمائم صفر ، وقال علي عليه‌السلام وابن عباس : كانت عليهم عمائم بيض أرسلوا

____________________

(١) في المصدر : يحتمل أن يكون التقليل.

(٢) مجمع البيان ٢ : ٤١٥ و ٤١٦.

(٣) مجمع البيان ٢ : ٤٩٨ و ٤٩٩ ، والمصنف اختار منه.

(٤) لم يذكر هذه الآية في الايات وهى : « بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين » قال الطبرسى : « ويأتوكم » يعنى

٢٠٨

أذنابها بين أكتافهم ، وقيل : مسومين ، أي مرسلين.(١)

وقال رحمه‌الله في قوله تعالى : « ألم تر إلى الذين قيل لهم » قال الكلبي : نزلت في عبدالرحمن بن عوف الزهري والمقداد بن الاسود الكندي وقدامة بن مظعون الجمحي ، (٢) وسعد بن أبي وقاص ، وكانوا يلقون من المشركين أذى شديدا وهم بمكة قبل أن يهاجروا إلى المدينة ، فيشكون إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ويقولون : يا رسول الله ائذن لنا في قتال هؤلاء فإنهم قد آذونا ، فلما امروا بالقتال وبالمسير إلى بدر شق على بعضهم فنزلت الآية. « كفوا أيديكم » أي أمسكوا عن قتال الكفار فإني لم أؤمر بقتالهم « فلما كتب عليهم القتال » وهم بالمدينة « إذا فريق منهم » أي جماعة منهم « يخشون الناس كخشية الله » أي يخافون القتل من الناس كما يخافون الموت من الله(٣) وقيل : يخافون عقوبة الناس بالقتل كما يخافون عقوبة الله « أو أشد خشية » قيل : « أو » هنا بمعنى الواو ، وقيل : لابهام الامر على المخاطب « وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال » قال الحسن : لم يقولوا ذلك كراهة(٤) لامر الله تعالى ، ولكن

____________________

المشركين ان رجعوا إليكم « من فورهم هذا » أى من وجههم هذا ، عن ابن عباس والحسن وقتادة والربيع والسدى ، وعلى هذا فانما هو من فور الابتدار لهم وهو ابتداؤه ، وقيل : معناه من غضبهم هذا ، عن مجاهد وأبى صالح والضحاك ، وكانوا قد غضبوا يوم احد ليوم بدر مما لقوا ، فهو من فور الغضب وهو غليانه اه. يأتى تمامه في غزوة احد. وقال في ( مسومين ) : بالكسر اى معلمين أعلموا انفسهم ، و ( مسومين ) بالفتح سومهم الله اى علمهم ، قال ابن عباس والحسن وقتادة وغيرهم : كانوا اعلموا بالصوف في نواحى الخيل واذنابها.

(١) مجمع البيان ٢ : ٤٩٩ فيه : قال السدى : معنى ( مسومين ) مرسلين من الناقة المرسلة اى المرسلة في المرعى.

(٢) الزهرى بضم فسكون نسبة إلى زهرة بن كلاب ببن مرة بن كعب بن لؤى. والكندى بكسر فسكون : نسبة إلى كندة وهى قبيله كبيرة من اليمن. والجمحى بضم ففتح : نسبه إلى بنى جمح وهم بطن من قريش ، وهو جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤى.

(٣) زاد هنا في المصدر : وقيل : يخافون الناس أن يقتلوهم كما يخافون الله أن يتوفاهم.

(٤) في المصدر : كراهية.

٢٠٩

لدخول الخوف عليهم بذلك على ما يكون من طبع البشر ، ويحتمل أن يكون قالوا(١) ذلك استفهاما لا إنكارا ، وقيل : إنما قالوا ذلك لانهم ركنوا إلى الدنيا ، وآثروا نعيمها « لولا أخرتنا » أي هلا أخرتنا « إلى أجل قريب » وهو إلى أن نموت بآجالنا ، والفتيل : ما تفتله بيدك من الوسخ ثم تلقيه عن ابن عباس ، وقيل : ما في شق النواة ، لانه كالخيط المفتول ، والبروج : القصور ، وقيل : بروج السماء وقيل : البيوت التي فوق الحصون ، وقيل : الحصون والقلاع ، والمشيدة : المجصصة أو المزينة ، وقيل : المطولة في ارتفاع « وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله » قيل : القائلون هم اليهود قالوا : ما زلنا نعرف النقص في ثمارنا ومزارعنا منذ قدم علينا هذا الرجل ، فالمراد بالحسنة الخصب والمطر ، وبالسيئة الجدب والقحط ، و قيل : هم المنافقون عبدالله بن ابي وأصحابه الذين تخلفوا عن القتال يوم احد قالوا(٢) للذين قتلوا في الجهاد : « لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا » فالمعنى إن يصبهم ظفر وغنيمة قالوا هذه من عند الله ، وإن يصبهم مكروه وهزيمة قالوا : هذه من عندك ، وبسوء تدبيرك ، وقيل : هو عام في اليهود والمنافقين ، وقيل : هو حكاية عمن سبق ذكرهم قبل الآية ، وهم الذين يقولون : « ربنا لم كتبت علينا القتال(٣) ».

قوله تعالى : « يسألونك عن الانفال » قال الطبرسي رحمه‌الله اختلف المفسرون في الانفال ههنا فقيل : هي الغنائم التي غنمها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم بدر عن ابن عباس وصحت الرواية عن أبي جعفر وأبي عبدالله عليهما‌السلام أنهما قالا : إن الانفال كل ما اخذ من دار الحرب بغير قتال ، وكل أرض انجلى أهلها عنها بغير قتال ، وميراث من لا وارث له ، وقطائع الملوك إذا كانت في أيديهم من غير غصب ، والآجام وبطون الاودية ، والارضون الموات وغير ذلك مما هو مذكور في مواضعه ، وقالا : هي لله

____________________

(١) في المصدر : أن يكونوا قالوا.

(٢) في المصدر : وقالوا.

(٣) مجمع البيان ٣ : ٧٧ و ٧٨. والمنقول في الكتاب مختصر ومختار من المصدر.

٢١٠

وللرسول وبعده لمن قام مقامه يصرفه حيث يشاء من مصالح نفسه ليس لاحد فيه شئ وقالا : إن غنائم بدر كانت للنبي (ص) خاصة فسألوه أن يعطيهم وقد صح أن قراءة أهل البيت « يسألونك الانفال » فقال سبحانه : « قل الانفال لله والرسول » وكذلك ابن مسعود وغيره إنما قرؤوا كذلك على هذا التأويل ، فعلى هذا فقد اختلفوا في كيفية سؤالهم النبي (ص) ، فقال هؤلاء : إن أصحابه سألوه أن يقسم غنيمة بدر بينهم ، فأعلمه الله(١) سبحانه أن ذلك لله ولرسوله دونهم ، وليس لهم في ذلك شئ ، وروي ذلك أيضا عن ابن عباس وغيره ، (٢) وقالوا : إن « عن » صلة ، ومعناه يسألونك الانفال أن تعطيهم ، ويؤيد هذا القول قوله : « فاتقوا الله » إلى آخر الآية ، ثم اختلف هؤلاء فقال بعضهم : هي منسوخة بآيه الغنيمة ، وقيل : ليست بمنسوخة وهو الصحيح(٣) وقال آخرون : إنهم سألوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عن حكم الانفال وعلمها أنها لمن هي(٤) وقال آخرون : إنهم سألوه عن الغنائم وقسمتها ، وأنها حلال أم حرام كما كانت حراما على من قبلهم ، فبين لهم أنها حلال ، واختلفوا أيضا في سبب سؤالهم فقال ابن عباس : إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال يوم بدر : من جاء بكذا فله كذا ، ومن جاء بأسير فله كذا ، فتسارع الشبان وبقي الشيوخ تحت الرايات ، فلما انقضى الحرب طلب الشبان ما كان قد نفلهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله به ، فقال الشيوخ : كنا ردأ لكم(٥) ، ولو وقعت عليكم الهزيمة لرجعتم إلينا ، وجرى بين أبي اليسر بن عمرو الانصاري أخي بني سلمة وبين سعد بن معاذ كلام ، فنزع الله تعالى الغنائم منهم ، وجعلها لرسوله يفعل بها ما

____________________

(١) في المصدر : فأعلمهم الله.

(٢) وهم ابن جريح والضحاك وعكرمة والحسن واختاره الطبرى. راجع المصدر.

(٣) علله في المصدر بقوله : لان النسخ يحتاج إلى دليل ولا تنافى بين هذه الاية وآية الخمس.

(٤) في المصدر : عن حكم الانفال وعملها فقالوا : لمن الانفال ، وتقديره « يسألونك عن الانفال لمن هى » ولهذا جاء الجواب بقوله : « قل الانفال لله والرسول » انتهى أقول : لعل عملها مصحف علمها.

(٥) الردأ : الناصر والعون.

٢١١

يشاء ، فقسمها بينهم بالسوية ، وقال عبادة بن الصامت : اختلفنا في النفل وساءت فيه أخلاقنا فنزعه الله من أيدينا فجعله إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقسمه بيننا على السواء وكان ذلك في تقوى الله وطاعته وصلاح ذات البين ، وقال سعد بن أبي وقاص : قتل أخي عمير يوم بدر فقتلت سعيد بن العاص بن امية وأخذت سيفه ، وكان يسمى ذا الكتيفة ، فجئت به إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله واستوهبته منه ، فقال : ليس هذا لي ولا لك اذهب فاطرحه في القبض(١) ، فطرحت ورجعت وبي ما لا يعلمه إلا الله من قتل أخي وأخذ سلبي(٢) ، وقلت : عسى أن يعطي هذا لمن لم يبل ببلائي ، فما جاوزت إلا قليلا حتى جاءني الرسول وقد أنزل الله تعالى : « يسألونك » الآية ، فخفت أن يكون قد نزل في شئ. فلما انتهيت إلى رسول الله قال : يا سعد إنك سألتني السيف وليس لي ، وإنه قد صار لي فاذهب وخذه فهو لك ، وقال علي بن طلحة عن ابن عباس كانت الغنائم لرسول الله (ص) خاصة ليس لاحد فيها شئ ، وما أصاب سرايا المسلمين من شئ أتوه به ، فمن حبس منه إبرة أو سلكا فهو غلول ، (٣) فسألوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يعطيهم منها ، فنزلت الآية ، وقال ابن جريح : اختلف من شهد بدرا من المهاجرين والانصار في الغنيمة وكانوا ثلاثا فنزلت الآية ، وملكها الله رسوله يقسمها كما أراه الله ، وقال مجاهد : هي الخمس ، وذلك أن المهاجرين قالوا : لم يرفع منا هذا الخمس؟ لم يخرج منا؟(٤) فقال الله : « قل الانفال لله والرسول » يقسمانها كما شاءا و (٥) ينفلان منها ما شاءا ، ويرضخان منها ما شاءا « فاتقوالله » باتباع ما يأمركم

____________________

(١) قال المصنف في هامش الكتاب : القبض بالتحريك : بمعنى المقبوض وهو ما جمع من الغنيمة قبل أن تقسم ذكره الجزرى.

(٢) السلب بفتح السين واللام هو فعل بمعنى مفعول أى مسلوب ، وهو ما يأخذه أحد القرنين في الحرب من قرنه مما يكون عليه ومعه من ثياب وسلاح ودابة وغيرها.

(٣) الغلول : الخيانة في المغنم والسرقة من الغنيمة قبل القسمة.

(٤) في المصدر : ولم يخرج منا.

(٥) في المصدر : أو ، وكذا فيما بعده.

٢١٢

الله ورسوله به واحذروا مخالفة أمرهما « وأصلحوا ذات بينكم » أي ما بينكم من الخصومة والمنازعة « وأطيعوا الله ورسوله » أي اقبلوا ما امرتم به في الغنائم وغيرها « إن كنتم مؤمنين » مصدقين للرسول فيما يأتكيم به ، وفي تفسير الكلبي : إن الخمس لم يكن مشروعا يومئذ ، وإنما شرع يوم احد ، وفيه : إنه لما نزلت هذه.

الآية عرف المسلمون أنه لا حق لهم في الغنيمة ، وأنها لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقالوا : يا رسول الله سمعا وطاعة فاصنع ما شئت ، فنزل قوله : « واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه » أي ما غنمتم بعد بدر ، وروي أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قسم غنائم بدر على سواء ولم يخمس(١).

« كما أخرجك ربك من بيتك » الكاف في قوله : « كما اخرجك » يتعلق بما دل عليه قوله : « قل الانفال لله والرسول » لان هذا في معنى(٢) نزعها من أيديهم بالحق ، كما أخرجك ربك بالحق(٣) ، فالمعنى قل الانفال لله ينزعها عنكم مع كراهتكم ومشقة ذلك عليكم ، لانه أصلح لكم ، كما أخرجك ربك من بيتك مع كراهة فريق من المؤمنين ذلك ، لان الخروج كان أصلح لكم من كونكم في بيتكم ، والمراد بالبيت هنا المدينة ، يعني خروج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله منها إلى بدر ، وقيل : يتعلق بيجادلونك أي يجادلونك في الحق كارهين له كما جادلوك حين أخرجك ربك كارهين للخروج كراهية طباع ، فقال بعضهم : كيف نخرج ونحن قليل والعدو كثير؟ وقال بعضهم : كيف نخرج على عمياء لا ندري إلى العير نخرج أم إلى القتال؟ فشبه جدالهم بخروجهم لان القوم جادلوه بعد خروجهم كما جادلوه عند الخروج ، فقالوا : هلا أخبرتنا بالقتال فكنا نستعد لذلك ، فهذا هو جدالهم ، وقيل : يعمل فيه معنى الحق بتقدير ، هذا الذكر الحق كما أخرجك ربك من بيتك بالحق

____________________

(١) مجمع البيان ٤ : ٥١٧ و ٥١٨ ، فيه : على بواء أى على سواء ولم يخمس. وما ذكره المصنف مختار ومختصر من المصدر.

(٢) في المصدر : لان في هذا معنى.

(٣) في المصدر : كما اخرجك من بيتك بالحق.

٢١٣

فمعناه أن هذا خير لكم كما أن إخراجك من بيتك على كراهية جماعة منكم خير لكم ، وقريب منه ما جاء في حديث أبي حمزة الثمالي : فالله ناصرك كما أخرجك من بيتك وقوله : « بالحق » أي بالوحي ، وذلك أن جبرئيل أتاه وأمره بالخروج ، وقيل : معناه أخرجك ومعك الحق ، وقيل : أخرجك بالحق الذى وجب عليك وهو الجهاد « وإن فريفا من المؤمنين » أي طائفة منهم « لكارهون » لذلك للمشقة التي لحقهم « يجادلونك في الحق بعد ما تبين » معناه يجادلونك فيما دعوتهم إليه بعد ما عرفوا صحته وصدقات بالمعجزات ، ومجادلتهم : قولهم هلا أخبرتنا بذلك ، وهم يعلمون أنك لا تأمرهم عن الله إلا بما هو حق وصواب ، وكانوا يجادلون فيه لشدته عليهم ، يطلبون بذلك رخصة لهم في التخلف عنه ، أو في تأخير الخروج إلى وقت آخر ، وقيل : معناه يجادلونك في القتال يوم بدر بعد ما تبين صوابه « كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون » أي كان هؤلاء الذين يجادلونك في لقاء العدو لشدة القتال عليهم حيث لكم يكونوا مستعدين له ، ولكراهتهم له من حيث الطبع كانوا بمنزلة من يساق إلى الموت وهم يرونه عيانا وينظرون إلى أسبابه(١) « وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم » يعني واذكروا واشكروا الله إذ يعدكم الله أن إحدى الطائفتين لكم : إما العير ، وإما النفير « وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم » أي تودون أن لكم العير وصاحبها أبوسفيان ، لئلا تلحقكم مشقة دون النفير وهو الجيش من قريش ، قال الحسن : كان المسلمون يريدون العير ، ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يريد ذات الشوكة ، كنى بالشوكة عن الحرب لما في الحرب من الشدة ، وقيل : الشوكة : السلاح « ويريد الله أن يحق الحق بكلماته » معناه والله أعلم بالمصالح منكم ، فأراد أن يظهر الحق بلطفه ، ويعز الاسلام ويظفركم على وجوه القريش(٢) ، ويهلكهم على أيديكم بكلماته السابقة وعداته في قوله تعالى : « ولقد

____________________

(١) في المصدر : وهم ينظرون إليه وإلى اسبابه.

(٢) هكذا في النسخ وفى نسخة المصنف أيضا. وهو من سهو القلم والصحيح كما في المصدر : قريش بلا حرف تعريف.

٢١٤

سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين * إنهم لهم المنصورون * وإن جندنا لهم الغالبون »(١) وقوله : « ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون(٢) » وقيل : « بلكماته » أي بأمره لكم بالقتال « ويقطع دابر الكافرين » أي يستأصلهم فلا يبقي منهم أحدا يعني كفار العرب « ليحق الحق » أي ليظهر الاسلام « ويبطل الباطل » أي الكفر بإهلاك أهله « ولو كره المجرمون » أي الكافرون ، وذكر البلخي عن الحسن أن قوله : « وإذ يعدكم الله » نزلت قبل قوله : « كما أخرجك ربك » وهي في القراءة بعدها.

القصة

قال أصحاب السير وذكر أبوحمزة وعلي بن إبراهيم في تفسيرهما دخل حديث بعضهم في بعض : أقبل أبوسفيان بعير قريش من الشام وفيها أموالهم وهي اللطيمة(٣) فيها أربعون راكبا من قريش ، فندب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أصحابه للخروج إليها ليأخذوها وقال : لعل الله أن ينفلكموها(٤) ، فانتدب الناس فخف بعضهم وثقل بعضهم ولم يظنوا أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يلقى كيدا ولا حربا ، فخرجوا لا يريدون إلا أبا سفيان والركب لا يرونها إلا غنيمة لهم ، فلما سمع أبوسفيان بمسير النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله استأجر ضمضم بن عمرو الغفاري فبعثه إلى مكة ، وأمره أن يأتي قريشا فيستنفرهم ويخبرهم

____________________

(١) الصافات : ١٧١ ـ ١٧٣.

(٢) التوبة : ٣٣ والصف : ٩.

(٣) في النهاية : قال أبوجهل : يا قوم اللطيمة اللطيمة أى ادركوها. واللطيمة : الجمال التى تحمل العطر والبز غير الميرة. قال المقريزى في الامتاع : ٦٦ : كانت العير ألف بعير فيها أموال عظام ، ولم يبق بمكة قرشى ولا قرشية له مثقال فصاعدا الا بعث به في العير ، فيقال : إن فيها لخمسين ألف دينار ، ويقال : اقل.

(٤) في نسخة المصنف : أن ينفلكموهما. وهو وهم من سهو القلم.

٢١٥

أن محمدا قد تعرض لعيرهم في أصحابه(١) فخرج ضمضم سريعا إلى مكة ، وكانت عاتكة بنت عبدالمطلب رأت(٢) فيما يرى النائم قبل مقدم ضمضم بن عمرو بثلاث ليال أن رجلا أقبل على بعير له ينادي يا آل غالب اغدوا إلى مصارعكم ، ثم وافى بجمله على أبي قبيس فأخذ حجرا فدهدهه(٣) من الجبل فما ترك دارا من دور قريش إلا أصابته منه فلذة(٤) ، فانتبهت فزعة من ذلك فأخبرت العباس بذلك ، فأخبر العباس عتبة ابن ربيعة ، فقال عتبة : هذه مصيبة تحدث في قريش ، وفشت الرؤيا فيهم ، وبلغ ذلك أبا جهل ، فقال : هذه نبيه ثانية في بني عبدالمطلب ، واللات والعزى لننظرن ثلاثة أيام ، فإن كان ما رأت حقا وإلا لنكتبن كتابا بيننا أنه ما من أهل بيت من العرب أكذب رجالا ولا نساء من بني هاشم ، فلما كان اليوم الثالث أتاهم ضمضم يناديهم بأعلى الصوت يا آل غالب يا آل غالب اللطيمة اللطيمة ، العير العير ، أدركوا وما أراكم تدركون ، إن محمدا والصباة(٥) من أهل يثرب قد خرجوا يتعرضون

____________________

(١) في الامتاع : استأجروه بعشرين مثقالا ، وأمره أبوسفيان صخر بى حرب بن امية ان يخبر قريشا ان محمد اقد عرض لعيرهم ، وأمره ان يجدع بعيره إذا دخل مكة ، ويحول رحله ، ويشق قميصه من قبله ودبره ، ويصيح الغوث الغوث انتهى أقول : كان من عادة العرب ان يعملوا ذلك حين يريدون ان ينذروا قومهم بالشر المستأصل.

(٢) في سيرة ابن هشام ٢ : ٢٤٥ قالت : رأيت راكبا اقبل على بعير له حتى وقف بالابطح ثم صرخ بأعلى صوته : الا انفروا يا آل غدر لمصارعكم في ثلاث ، فأرى الناس اجتمعوا إليه ثم دخل المسجد والناس يتبعونه ، فبينما هم حوله مثل به بعيره على ظهر الكعبة : ثم صرخ بمثلها : الا انفروا يا آل غدر لمصارعكم في ثلاث ، ثم مثل به بعيره على رأس أبى قبيس فصرخ بمثلها. ثم أخذ صخرة فأرسلها ، فاقبلت تهوى حتى إذا كانت بأسفل الجبل ارفضت ، فما بقى بيت من بيوت مكة ولا دار الا دخلتها منها فلقة انتهى. وذكر المقريزى في امتاع الاسماع رؤيا لضمضم ابن عمرو. قال رأى ضمضم بن عمرو ان وادى مكة يسيل دما من اسفله وأعلاه.

(٣) دهدهه : دحرجه فتدحرج.

(٤) الفلذة : القطعة.

(٥) قال الجزرى في النهاية : صبأ فلان : إذا خرج من دين إلى دين غيره ، وكانت العرب تسمى النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله الصابئ ، لانه خرج من دين قريش إلى دين الاسلام ، ويسمون من يدخل في الاسلام مصبوا ، لانهم لا يهمزون فابدلوا من الهمزة واوا ، ويسمون المسلمين الصباة بغير همز ، كانه جمع الصابى غير مهموز كقاض وقضاة ، وغاز وغزاة.

٢١٦

لعيركم ، فتهيأوا للخروج ، وما بقي أحد من عظماء قريش إلا أخرج مالا لتجهيز الجيش ، وقالوا : من لم يخرج نهدم داره ، وخرج معهم العباس بن عبدالمطلب ونوفل بن الحارث بن عبدالمطلب وعقيل بن أبي طالب ، وأخرجوا معهم القيان(١) يضربون الدفوف وخرج رسول الله (ص) في ثلاث مائة وثلاثة عشر رجلا ، فلما كان بقرب بدر أخذ عينا للقوم فأخبره بهم.

وفي حديث أبي حمزة الثمالي بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عينا له على العير اسمه عدي فلما قدم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأخبره أين فارق العير نزل جبرئيل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأخبره بنفير المشركين من مكة ، فاستشار أصحابه في طلب العير وحرب النفير ، فقام أبوبكر فقال يا رسول الله : إنها قريش وخيلاؤها ما آمنت منذ كفرت ، ولا ذلت منذ عزت ، ولم نخرج على اهبة الحرب.(٢)

وفي حديث أبي حمزة : قال أبوبكر : أنا عالم بهذا الطريق ، فارق عدي العير بكذا وكذا ، وساروا وسرنا فنحن والقوم على بدر يوم كذا وكذا كأنا فرسا رهان فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : اجلس فجلس ، ثم قام عمر بن الخطاب فقال مثل ذلك ، فقال : اجلس فجلس ، (٣) ثم قام المقداد فقال : يا رسول الله إنها قريش وخيلاؤها ، وقد آمنا بك وصدقنا ، وشهدنا أن ماجئت به حق ، والله لو أمرتنا أن نخوض جمر الغضا وشوك الهراس(٤) لخضناه معك ، والله لا نقول لك ما قالت بنو إسرائيل لموسى : « اذهب

____________________

(١) جمع القينة : المغنية أو أعم.

(٢) الاهبة بالضم : العدة ، يقال أخذ للسفر اهبته. وفى المصدر : لم تخرج على هيئة الحرب

(٣) حرف كلام أبى بكر وعمر في السيرة والامتاع ، فابن هشام اختصره وقال : فتكلما وأحسنا ، ولم يذكر ما قالاه والمقريزى ذكره بنحو يوافق كلام المقداد ، ولكن الصحيح ما ذكره الطبرسى ، ويدل عليه ان النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يدع لهما ، بل دعا للمقداد بخير. راجع الامتاع : ٧٤ والسيرة ٢ : ٢٥٣.

(٤) الجمر : النار المتقدة : الغضا : شجر من الاثل خشبه من اصلب الخشب وجه ، يبقى زمنا طويلا لا ينطفئ. والهراس : شجر كبير الشوك.

٢١٧

أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون(١) » ولكنا نقول : امض لامر ربك فإنا معك مقاتلون ، فجزاه رسول الله (ص) خيرا على قوله ذلك ، ثم قال : أشيروا علي أيها الناس ، وإنما يريد الانصار ، لان أكثر الناس منهم ، ولانهم حين بايعوه بالعقبة قالوا : إنا براء من ذمتك حتتى تصل إلى دارنا ، ثم أنت في ذمتنا نمنعك مما نمنع آباءنا ونساءنا ، (٢) فكان صلى‌الله‌عليه‌وآله يتخوف أن لا يكون الانصار ترى عليها نصرته إلا على من دهمه بالمدينة من عدو ، وأن ليس عليهم أن ينصروه بخارج المدينة فقام سعد بن معاذ فقال : بأبي أنت وامي يارسول الله كأنك أردتنا؟ فقال : نعم فقال : بأبي أنت وامي يا رسول الله ، إنا قد آمنا بك ، وصدقناك ، وشهدنا أن ما جئت به حق من عند الله ، فمرنا بما شئت ، وخذ من أموالنا ما شئت ، واترك منها ما شئت ، والله لو أمرتنا أن نخوض هذا البحر لخضناه معك ، ولعل الله أن يريك ما تقر به عينك ، فسر بنا على بركة الله ، ففرح بذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقال : سيروا على بركة الله ، فإن الله وعدني إحدى الطائفتين ، ولن يخلف الله وعده ، والله لكأني أنظر إلى مصرع أبي جهل بن هشام ، وعتبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة ، وفلان و فلان ، وأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالرحيل ، وخرج إلى بدر وهو بئر.

وفي حديث أبي حمزة : وبدر رجل من جهينة والماء ماؤه وإنما سمي الماء باسمه(٣).

وأقبلت قريش وبعثوا عبيدها ليستقوا من الماء فأخذهم أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله(٤).

وقالوا لهم : من أنتم؟ قالوا نحن عبيد قريش ، (٥) قالوا فأين العير؟ قالوا : لا علم

____________________

(١) المائدة : ٢٧.

(٢) في المصدر : ابناءنا ونساءنا.

(٣) لعله إلى هنا مختص بحديث الثمالى وبعده مشترك.

(٤) في السيرة هم على بن أبى طالب والزبير بن العوام وسعد بن أبى وقاص في نفر اخرى.

(٥) ذكر في السيرة اثنين منهم وهما : اسلم غلام بنى الحجاج ، وعريض أبويسار غلام بنى العاص بن سعيد ، وزاد في الامتاع : أبا رافع غلام امية بن خلف.

٢١٨

لنا بالعير ، فأقبلوا يضربونهم وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يصلي فانفتل من صلاته ، وقال : إن صدقوكم ضربتموهم ، وإن كذبو كم تركتموهم ، فأتوه بهم فقال لهم : من أنتم؟ قالوا : يا محمد نحن عبيد قريش ، قال : كم القوم؟ قالوا : لا علم لنا بعددكم قال : كم ينحرون كل يوم من جزور؟ قالوا : تسعة إلى عشرة ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : القوم تسعمائة إلى ألف رجل(١) ، فأمر صلى الله عيه وآله بهم فحبسوا ، و بلغ ذلك قريشا ففزعوا وندموا على مسيرهم ، ولقي عتبة بن ربيعة أبا البختري بن هشام فقال : أما ترى هذا البغي والله ما أبصر موضع قدمي خرجنا لنمنع عيرنا وقد أفلتت فجئنا بغيا وعدوانا ، والله ما أفلح قوم بغوا قط ولوددت ما في العير(٢) من أموال بني عبد مناف ذهبت ولم نسر هذا المسير ، فقال له أبوالبختري : إنك سيد من سادات قريش ، فسر في الناس وتحمل العير التي أصابها محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وأصحابه بنخلة ودم ابن الحضرمي فإنه حليفك ، فقال له : علي ذلك وما على أحد من خلاف إلا ابن الحنظلة ، يعني أبا جهل ، فصر إليه وأعلمه أني حملت العير ودم ابن الحضرمي وهو حليفي وعلي عقله(٣) ، قال : فقصدت خباه وأبلغته ذلك ، فقال : إن عتبة يتعصب لمحمد ، فإنه من بني عبد مناف وابنه معه ويريد أن يخذل بين الناس لا واللات والعزى حتى نقحم عليهم يثرب ، أو نأخذهم اسارى فندخلهم مكة ، و تتسامع العرب بذلك ، وكان أبوحذيفة بن عتبة مع رسول الله (ص). وكان أبوسفيان(٤)

____________________

(١) وذكر في السيرة أنه سألهما عن مكان القوم فقالا : هم والله من وراء هذا الكثيب الذى ترى بالعدوة القصوى ، وسأل عن اشرافهم فقالا : عتبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة ، أبو البخترى بن هشام ، وحكيم بن حزام ، ونوفل بن خويلد ، والحارث بن عامر بن نوفل ، و طعيمة بن عدى بن نوفل ، والنضر بن الحارث ، وزمعة بن الاسود ، وأبوجهل بن هشام. وامية بن خلف ، ونبيه ومنبه ابنا الحجاج ، وسهيل بن عمرو ، وعمرو بن عبدود فأقبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على الناس فقال : هذه مكة قد القت إليكم افلاذ كبدها.

(٢) في المصدر : لوددت ان ما في العير.

(٣) العقل : الدية.

(٤) في سيرة ابن هشام ، وأقبل أبوسفيان بن حرب حتى تقدم العير حذرا ، حتى ورد

٢١٩

لما جاز بالعير بعث إلى قريش : قد نجى الله عيركم فارجعوا ودعوا محمدا والعرب ، و ادفعوا بالراح(١) ما اندفع ، وإن لم ترجعوا فردوا القيان ، فلحقهم الرسول في

____________________

الماء فقال المجدى بن عمرو [ وكان على الماء ] ، هل احسست احدا؟ فقال : ما رأيت احدا انكره الا انى رأيت راكبين قد اناخا إلى هذ التل ثم استقيا في شن لهما ثم انطلقا [ كانا هما بسبس بن عمرو وعدى بن أبى الزغباء نزلا بدرا فاستقيا منها ] فأتى أبوسفيان مناخهما فأخذ من ابعار بعيرهما ففته فاذا فيه النوى ، فقال : والله هذه علائف يثرب ، فرجع إلى أصحابه سريعا فضرب وجه عيره عن الطريق فساحل بها ، وترك بدرا بيسار ، وانطلق حتى أسرع ، و اقبلت قريش فلما نزلوا الجحفة رأى جهيم بن الصلت بن مخرمة بن [ عبد ] المطلب بن عبد مناف رؤيا ، فقال : انى رأيت فيما يرى النائم. وأنى لبين النائم واليقظان اذ نظرت إلى رجل قد اقبل على فرس حتى وقف ومعه بعير له ، ثم قال : قتل عتبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيع وأبوالحكم بن هشام وامية بن خلف ، وفلان وفلان ـ فعدد رجالا ممن قتل يوم بدر من اشراف قريش ـ ثم رأيته ضرب في لبة بعيره ثم أرسله في العسكر ، فما بقى خباء من اخبية العسكر الا اصابه نضخ من دمه ، قال : فبلغت أبا جهل فقال : وهذا أيضا نبى اخر من بنى عبدالمطلب ، سيعلم غدا من المقتول ان نحن التقينا.

قال ابن إسحاق : ولما رأى أبوسفيان أنه قد احرز عيره أرسل إلى قريش : انكم خرجتم لتمنعوا عيركم ورجالكم وأموالكم ، فقد نجاه لله فارجعوا ، فقال أبوجهل بن هشام ، والله لا نرجع حتى نرد بدرا ( وكان بدر موسما من مواسم العرب تجتمع لهم به سوق كل عام ) فنقم عليه ثلاثا ، فننحر الجزر ، ونطعم الطعام ، ونسقى الخمر ، وتعزف علينا القيان ، وتسمع بنا العرب وبمسيرنا وجمعنا ، فلا يزالون يهابوننا ابدا بعدها فامضوا.

وقال الاخنس بن شريق بن عمرو بن وهب الثقفى ـ وكان حليفا لبنى زهرة وهم بالجحفة ـ يا بنى زهرة قد نجى الله لكم أموالكم وخلص لكم صاحبكم مخرمة بن نوفل ، وانما نفرتم لتمنعوه وماله ، فاجعلوا بى جبنها وارجعوا ، فانه لا حاجة لكم بان تخرجوا في غير ضيعة ، لا ما يقول هذا ، يعني أبا جهل ، فرجعوا ، فلم يشهدها زهرى واحد ، اطاعوه وكان فيهم مطاعا. ولم يكن بقى من قريش بطن الا وقد نفر منهم ناس الا بنى عدى بن كعب لم يخرج منهم رجل واحد فرجعت بنو زهرة مع الاخنس بن شريق فلم يشهد بدرا من هاتين القبيلتين احد ، و مضى القوم. انتهى اقول : وذكر رجوع طالب بن أبى طالب وسيأتى ذكره.

(١) قال المصنف في الهامش : الراح جمع الراحة ، ولعل المعنى أنكم ان امكنكم دفعه بالاسهل فلا تتعرضوا للاشق ، والراح أيضا الخمر والارتياح ، ولعل الاول أنسب.

٢٢٠