بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٩٣
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

ملكوت السموات والارض وليكون من الموقنين * فلما جن عليه الليل رأى كوكبا » إلى آخر الآيات. (١)

٣٠ ـ ك : أبي وابن الوليد معا ، عن سعد ، عن ابن يزيد ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي بصير ، عن ابي عبدالله (ع) قال : كان أبوإبراهيم منجما لنمرود بن كنعان ، وكان نمرود لا يصدر إلا عن رأيه ، فنظر في النجوم ليلة من الليالي فأصبح فقال : لقد رأيت في ليلتي هذه عجبا ، فقال له نمرود : وما هو؟ فقال : رأيت مولودا يولد في آرضنا هذه يكون هلاكنا على يديه ، ولا يلبث إلا قليلا حتى يحمل به ، فعجب من ذلك نمرود وقال : هل حمل به النساء؟ فقال : لا ، وكان فيما اوتي من العلم أنه سيحرق بالنار ، ولم يكن اوتي أن الله سينجيه ، قال : فحجب النساء عن الرجال فلم يترك امرأة إلا جعلت بالمدينة حتى لا يخلص إليهن الرجال ، قال : وباشر أبوإبراهيم امرأته فحملت به فظن أنه صاحبه ، فأرسل إلى نساء من القوابل لا يكون في البطن شئ إلا علمن به ، فنظرن إلى ام إبراهيم فألزم الله تبارك وتعالى ذكره ما في الرحم الظهر ، فقلت : ما نرى شيئا في بطنها ، فلما وضعت ام إبراهيم أراد أبوه أن يذهب به إلى نمرود ، فقالت له امرأته : لا تذهب بابنك إلى نمرود فيقتله ، دعني أذهب به إلى بعض الغيران (٢) أجعله فيه حتى يأتي عليه أجله ولا تكون أنت تقتل ابنك ، فقال لها : فاذهبي ، فذهبت به إلى غار ثم أرضعته ، ثم جعلت على باب الغار صخرة ، ثم انصرفت عنه ، فجعل الله رزقه في إبهامه فجعل يمصها فيشرب لبنا ، وجعل يشب في اليوم كما يشب غيره في الجمعة ، ويشب في الجمعة كما يشب غيره في الشهر ، ويشب في الشهر كما يشب غيره في السنة ، فمكث ما شاء الله أن يمكث ، ثم إن امه قالت لابيه : لو أذنت لي أن أذهب إلى ذلك الصبي فأراه فعلت ، قال : ففعل (٣) فأتت الغار فإذا هي بإبراهيم (ع) وإذا عيناه تزهران كأنهما سراجان ، فأخذته وضمته إلى صدرها وأرضعته ثم انصرفت عنه ، فسألها أبوه عن الصبي فقالت : قد واريته في التراب ، فمكثت تعتل فتخرج في الحاجة وتذهب إلى ابراهيم عليه‌السلام فتضمه إليها وترضعه ، ثم

__________________

(١) الروضة : ١٣٤. م

(٢) جمع الغار : الكهف.

(٣) في المصدر : قال : فافعلى. م

٤١

تنصرف ، فلما تحرك أتته امه كما كانت تأتيه وصنعت كما كانت تصنع ، فلما أرادت الانصراف أخذ ثوبها ، فقالت له : مالك؟ فقال : اذهبي بي معك ، فقالت له : حتى أستأمر (١) أباك ، فلم يزل إبراهيم في الغيبة مخفيا لشخصه كاتما لامره حتى ظهر فصدع بأمر الله تعالى ذكره وأظهر الله قدرته فيه. (٢)

٣١ ـ ص : بالاسناد إلى الصدوق بهذا الاسناد عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : كان آزر عم إبراهيم عليه‌السلام نجما لنمرود ، وكان لا يصدر إلا عن رأيه ، فقال : لقد رأيت في ليلتي عجبا ، فقال : ما هو؟ قال : إن مولودا يولد في أرضنا هذه يكون هلاكنا على يديه ، فحجبت الرجال عن النساء وكان تارخ وقع على ام إبراهيم فحملت. وساق الحديث إلى آخره. (٣)

بيان : الظاهر أن ما رواه الراوندي هو هذا الخبر بعينه ، وإنما غيره ليستقيم على اصول الامامية ، (٤) وسيأتي القول فيه.

وقوله عليه‌السلام : « وجعل يشب في اليوم » الظاهر أن التشبيه في الفقرات لمحض كثرة النمو لا في خصوص المقادير كما هو الشائع في المحاورات ، ويحتمل أن يكون المراد أنه كان يشب في الاسبوع الاول كل يوم كما يشب غيره في اسبوع وإلى تمام الشهر كان ينمو كل اسبوع كما ينمو غيره في الشهر ، وإلى تمام السنة كان نموه كل شهر كنمو غيره في سنة.

٣٢ ـ ص : بالاسناد إلى الصدوق بإسناده عن ابن عيسى ، عن ابن فضال ، عن يونس بن يعقوب ، عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : لما دخل يوسف (ع) على الملك يعني نمرود قال : كيف أنت يا إبراهيم؟ قال : إني لست بإبراهيم ، أنا يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ، قال : وهو صاحب إبراهيم الذي حاج إبراهيم في ربه ، قال : وكان أربعمائة سنة شابا. (٥)

٣٣ ـ سن : أبي ، عن إبراهيم بن إسحاق ، عن علي بن محمد ، عن زكريا بن يحيى

__________________

(١) استأمره : شاوره.

(٢) كمال الدين : ٨٢ ـ ٨٣. م

(٣ و ٥) مخطوط. م

(٤) هذا تدليس ، والراوندى من اعاظم العلماء وهو أجل من ذلك ، فلعله وجد الخبر هكذ.

٤٢

رفعه إلى علي بن الحسين (ع) أن هاتفا يهتف به(١) فقال : يا علي بن الحسين أي شئ كانت العلامة بين يعقوب ويوسف؟ فقال : لما قذف إبراهيم عليه‌السلام في النار هبط عليه جبرئيل عليه‌السلام بقميص فضة (٢) فألبسه إياه ففرت عنه النار ونبت حوله النرجس ، فأخذ إبراهيم (ع) القميص فجعله في عنق إسحاق في قصبة فضة ، وعلقها إسحاق في عنق يعقوب ، وعلقها يعقوب في عنق يوسف عليه‌السلام وقال له : إن نزع هذا القميص من بدنك علمت أنك ميت أوقد قتلت ، فلما دخل عليه إخوته أعطاهم القصبة وأخرجوا القميص فاحتملت الريح رائحته فألقتها على وجه يعقوب بالاردن فقال : إني لاجد ريح يوسف لولا أن تفندون. (٣)

٣٤ ـ شى : عن حنان بن سدير ، عن رجل من أصحاب أبي عبدالله عليه‌السلام قال : سمعته يقول : إن أشد الناس عذابا يوم القيامة لسبعة نفر : أولهم ابن آدم الذي قتل أخاه ونمرود بن كنعان الذي حاج إبراهيم في ربه. (٤)

٣٥ ـ أقول : روى الشيخ أحمد بن فهد في المهذب وغيره بأسانيدهم عن المعلى بن خنيس عن أبي عبدالله (ع) قال : يوم النيروز هو اليوم الذي كسر فيه إبراهيم عليه‌السلام أصنام قومه. (٥)

٣٦ ـ شى : عن الحارث ، عن علي بن أبي طالب عليه‌السلام قال : إن نمرود أراد أن ينظر إلى ملك السماء فأخذ نسورا أربعة فرباهن وجعل تابوتا من خشب وأدخل فيه رجلا ، ثم شد قوائم النسور بقوائم التابوت ، ثم جعل في وسط التابوت عمودا وجعل في رأس العمود لحما ، فلما رأى النسور اللحم طرن وطرن بالتابوت والرجل فارتفعن إلى السماء فمكث ما شاء الله ، ثم إن الرجل أخرج من التابوت رأسه فنظر إلى السماء فإذا هي

__________________

(١) في نسخة : إن هاتفا هتف به.

(٢) استظهر في الهامش أن الصحيح : بقميص في قصبة.

(٣) لم نجده. م

(٤) تفسير العياشى مخطوط. م

(٥) المهذب البارع مخطوط. م

٤٣

على حالها ، ونظر إلى الارض فإذا هو لا يرى الجبال إلا كالذر ، ثم مكث ساعة فنظر إلى السماء فإذا هي على حالها ، ونظر إلى الارض فإذا هو لا يرى إلا الماء ، ثم مكث ساعة فنظر إلى السماء فإذا هي على حالها ، ونظر إلى الارض فإذا هو لا يرى شيئا ، ثم وقع في ظلمة لم ير ما فوقه وما تحته ففزع فألقى اللحم فاتبعته النسور منقضات ، (١) فلما نظرت الجبال إليهن وقد أقبلن منقضات وسمعت حفيفهن فزعت وكادت أن تزول مخافة أمر السماء (٢) وهو قول الله : « وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال ». (٣)

٣٧ ـ كا : في الروضة : علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن البزنطي ، عن أبان بن عثمان ، عن ححر ، عن أبي عبدالله (ع) قال : خالف إبراهيم عليه‌السلام قومه وعاب آلهتهم حتى ادخل على نمرود فخاصمهم ، (٤) فقال إبراهيم عليه‌السلام « ربي الذي يحيى ويميت قال أنا احيي واميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين » وقال أبوجعفر عليه‌السلام : عاب آلهتهم ونظر نظرة في النجوم فقال : إني سقيم ، قال أبوجعفر (ع) : والله ما كان سقيما وماكذب ، فلما تولوا عنه مدبرين إلى عيد لهم دخل إبراهيم عليه‌السلام إلى آلهتهم بقدوم فكسرها إلا كبيرا لهم ، ووضع القدوم في عنقه فرجعوا إلى آلهتهم فنظروا إلى ما صنع بها فقالوا : لا والله ما اجترأ عليها ولا كسرها إلا الفتى الذي كان يعيبها ويبرء منها ، فلم يجدوا له قتلة أعظم من النار ، فجمع له الحطب واستجادوه حتى إذا كان اليوم الذي يحرق فيه برز له نمرود وجنوده وقد بني له بناء لينظر إليه كيف تأخذه النار ، ووضع إبراهيم عليه‌السلام في منجنيق وقالت الارض : يارب ليس على ظهري أحد (٥) يعبدك غيره يحرق بالنار ، قال الرب : إن دعاني كفيته. (٦)

٣٨ ـ كا : علي ، عن أبيه ، وعدة من أصحابنا عن سهل جميعا ، عن ابن محبوب ، عن إبراهيم بن أبي زياد الكرخي قال : سمعت أبا عبدالله عليه‌السلام يقول : إن إبراهيم (ع)

__________________

(١) من أنقضت العقاب : صوتت.

(٢) في نسخة : مخافة من أمر السماء.

(٣) مخطوط. م

(٤) في نسخة : فخاصمه.

(٥) في نسخة : ليس على ظهرى عبد اه.

(٦) الروضة ٣٦٨ ـ ٣٦٩. م

٤٤

كان مولده بكوثى ربى وكان أبوه من أهلها ، وكانت ام إبراهيم وام لوط (١) سارة وورقة ـ وفي نسخة رقبة ـ (٢) اختين وهما ابنتان للاحج ، وكان لا حج نبيا منذرا ولم يكن رسولا ، (٣) وكان إبراهيم عليه‌السلام في شبيبته على الفطرة التي فطر الله عزوجل الخلق عليها حتى هداه الله تبارك وتعالى إلى دينه واجتباه ، وإنه تزوج سارة ابنة لا حج وهي ابنة خالته ، وكانت سارة صاحبة ماشية كثيرة وأرض واسعة وحال حسنة ، وكانت قد ملكت إبراهيم جميع ما كانت تملكه ، فقام فيه وأصلحه وكثرت الماشية والزرع حتى لم يكن بأرض كوثى ربى رجل أحسن حالا منه ، وإن إبراهيم عليه‌السلام لما كسر أصنام نمرود وأمر به نمرود فأوثق وعمل له حيرا وجمع له فيه الحطب وألهب فيه النار ثم قذف إبراهيم (ع) في النار لتحرقه ، ثم اعتزلوها حتى خمدت النار ثم أشرفوا على الحير فإذا هم بإبراهيم سليما مطلقا من وثاقه ، فاخبر نمرود خبره فأمرهم أن ينفوا إبراهيم من بلاده ، وأن يمنعوه من الخروج بما شيته وماله ، فحاجهم إبراهيم عليه‌السلام عند ذلك فقال : إن أخذتم ماشيتي ومالي فإن حقي عليكم أن تردوا علي ماذهب من عمري في بلادكم ، واختصموا إلى قاضي نمرود فقضى على إبراهيم عليه‌السلام أن يسلم إليهم جميع ما أصاب في بلادهم ، وقضى على أصحاب نمرود أن يردوا على إبراهيم عليه‌السلام ما ذهب من عمره في بلادهم ، واخبر بذلك نمرود فأمرهم أن يخلوا سبيله وسبيل ماشيته وماله وأن يخرجوه ، وقال : إنه إن بقي في بلادكم أفسد دينكم وأضر بآلهتكم ، فأخرجوا إبراهيم ولوطا معه من بلادهم إلى الشام ، فخرج إبراهيم ومعه لوط لا يفارقه وسارة ، وقال لهم : « إني ذاهب إلى ربي سيهدين » يعني إلى بيت المقدس ، فتحمل إبراهيم عليه‌السلام بما شيته وماله وعمل تابوتا وجعل فيه سارة وشد عليها الاغلاق غيرة منه عليها ، ومضى حتى خرج من سلطان نمرود وسار إلى سلطان رجل

__________________

(١) هكذا في أكثر النسخ وفى بعضها : امرأة ابراهيم وامرأة لوط. وهو الصحيح ويدل عليه ما يأتي بعد ذلك أنه تزوج سارة ابنة لا حج. وفى تاريخ اليعقوبي : أن سارة كانت بنت خاران بن ناحور عمه. وفى العرائس : أنها كانت بنت ناحور. وفى الاول أن لوط كان ابن خاران بن تارخ وفى الثانى انه ابن هاران بن تارخ.

(٢) في المصدر : رقية. م

(٣) أى لم يكن رسولا صاحب شريعة ، أو لم يكن ممن يعاين الملك.

٤٥

من القبط يقال له عرارة ، فمر بعاشر له فاعترضه العاشر (١) ليعشر ما معه ، فلما انتهى إلى العاشر ومعه التابوت قال العاشر لابراهيم (ع) : افتح هذا التابوت حتى نعشر ما فيه ، فقال له إبراهيم (ع) : قل ما شئت فيه من ذهب أو فضة حتى نعطي عشره ولا نفتحه ، قال : فأبى العاشر إلا فتحه ، قال : وغضب إبراهيم (ع) على فتحه ، فلما بدت له سارة وكانت موصوفة بالحسن والجمال قال له العاشر : ما هذه المرأة منك؟ قال إبراهيم : هي حرمتي وابنة خالتي ، فقال له العاشر : فما دعاك إلى أن خبيتها في هذا التابوت؟ فقال إبراهيم (ع) : الغيرة عليها أن يراها أحد ، فقال له العاشر : لست أدعك تبرح حتى أعلم الملك حالها وحالك ، قال : فبعث رسولا إلى الملك فأعلمه فبعث الملك رسولا من قبله ليأتوه بالتابوت فأتوا ليذهبوا به ، فقال لهم إبراهيم عليه‌السلام : إني لست افارق التابوت حتى يفارق روحي جسدي ، فأخبروا الملك بذلك فأرسل الملك أن احملوه والتابوت معه ، فحملوا إبراهيم عليه‌السلام والتابوت وجميع ماكان معه حتى أدخل على الملك ، فقال له الملك : افتح التابوت ، فقال له إبراهيم عليه‌السلام : أيها الملك إن فيه حرمتي وبنت خالتي وأنا مفتد فتحه بجميع مامعي ، قال : فغصب الملك إبراهيم على فتحه ، فلما رأى سارة لم يملك حلمه سفهه أن مد يده إليها ، فأعرض إبراهيم عليه‌السلام وجهه عنها وعنه غيرة منه وقال : اللهم احبس يده عن حرمتي وابنة خالتي ، فلم تصل يده إليها ولم ترجع إليه ، فقال له الملك : إن إلهك هو الذي فعل بي هذا؟ فقال له : نعم إن إلهي غيور يكره الحرام ، وهو الذي حال بينك وبين ما أردت من الحرام ، فقال له الملك : فادع إلهك يرد علي يدي فإن أجابك فلم أعرض لها ، فقال إبراهيم عليه‌السلام : إلهي رد إليه يده ليكف عن حرمتي ، قال : فرد الله عزوجل إليه يده فأقبل الملك نحوها ببصره ثم عاد بيده نحوها ، فأعرض إبراهيم عنه بوجهه غيرة منه وقال : اللهم احبس يده عنها ، قال : فيبست يده ولم تصل إليها ، فقال الملك لابراهيم عليه‌السلام : إن إلهك لغيور وإنك لغيور فادع إلهك يرد علي يدي فإنه إن فعل لم أعد ، فقال إبراهيم عليه‌السلام : أسأله ذلك على أنك إن عدت لم تسألني أن أسأله ، فقال له الملك : نعم ، فقال إبراهيم : اللهم إن كان صادقا فرد يده عليه فرجعت إليه يده ، فلما رأى ذلك الملك من الغيرة ما رأى ورأى الآية

__________________

(١) العاشر : آخذ العشر.

٤٦

في يده عظم إبراهيم وهابه وأكرمه وأتقاه وقال له : قد أمنت من أن أعرض لها أو لشئ مما معك فانطلق حيث شئت ، ولكن لي إليك حاجة ، فقال إبراهيم عليه‌السلام : ما هي؟ فقال له : احب أن تأذن لي أن اخدمها قبطية عندي جميلة عاقلة تكون لها خادما ، قال : فأذن له إبراهيم فدعا بها فوهبها لسارة وهي هاجر ام إسماعيل ، فسار إبراهيم بجميع ما معه ، وخرج الملك معه يمشي خلف إبراهيم إعظاما لابراهيم عليه‌السلام وهيبة له ، فأوحى الله تبارك وتعالى إلى إبراهيم : أن قف ولا تمش قدام الجبار المتسلط ويمشي وهو خلفك ، ولكن اجعله أمامك وامش خلفه وعظمه وهبه فإنه مسلط ، ولابد من إمرة في الارض برة أو فاجرة ، فوقف إبراهيم عليه‌السلام وقال للملك : امض فإن إلهي أوحى إلي الساعة أن اعظمك وأهابك وأن أقدمك أمامي وأمشي خلفك إجلالا لك ، فقال له الملك : أوحى إليك بهذا؟ فقال له إبراهيم : نعم ، فقال له الملك : اشهد أن إلهك لرفيق حليم كريم ، وأنك ترغبني في دينك ، قال : وودعه الملك فسار إبراهيم حتى نزل بأعلى الشامات ، و خلف لوطا عليه‌السلام في أدنى الشامات ، ثم إن إبراهيم (ع) لما أبطأ عليه الولد قال لسارة : لو شئت لبعتيني (١) هاجر لعل الله أن يرزقنا منها ولدا فيكون لنا خلفا : فابتاع إبراهيم عليه‌السلام هاجر من سارة فوقع عليها فولدت إسماعيل عليه‌السلام. (٢)

ايضاح : كوثى ربى كان قرية من قرى الكوفة كما ذكره المؤرخون ، (٣) والذي ذكره اللغويون هو كوثى ، قال الجزري : كوثى العراق هي سرة السواد وبها ولد إبراهيم الخليل عليه‌السلام انتهى. والشبيبة : الحداثة والشباب. قوله : « ابنة لاحج » الظاهر أن كلمة ابنة كانت مكررة فأسقط إحداهما النساخ لتوهم التكرار ، ويحتمل أن يكون المراد ابنة الابنة مجازا ، أو يكون المراد بلاحج ثانيا غير الاول. (٤) والحير بالفتح : شبه الحظيرة. ويقال : عشرت القوم أعشرهم بالضم : إذا أخذت عشر أموالهم. وغصب فلانا على الشئ أي قهره.

__________________

(١) هكذا في النسخ وفى المصدر : لبعتنى. وهو الصحيح. م

(٢) الروضة ٣٧٠ ـ ٣٧٣. م

(٣) تقدم تفسيره عن ياقوت.

(٤) أوأن الصحيح امرأة ابراهيم وامرأة لوط كما تقدم عن نسخة ، وعليها لا إشكال.

٤٧

ثم إن ههنا فوائد لابد من التعرض لها :

الاولى : اعلم أن العامة اختلفوا في والد إبراهيم عليه‌السلام قال الرازي في تفسير قوله تعالى : « وإذ قال إبراهيم لابيه آزر » : ظاهر هذه الآية تدل على أن اسم والد إبراهيم هو آزر ، ومنهم من قال : اسمه تارخ ، وقال الزجاج : لا خلاف بين النسابيين أن اسمه تارخ ، ومن الملحدة من جعل هذا طعنا في القرآن.

أقول : ثم ذكر لتوجيه ذلك وجوها إلى أن قال : والوجه الرابع أن والد إبراهيم كان تارخ وآزر كان عما له ، والعم قد يطلق عليه لفظ الاب كما حكى الله عن أولاد يعقوب أنهم قالوا : « نعبد إلهك وآله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق » (١) ومعلوم أن إسماعيل كان عما ليعقوب ، وقد أطلقوا عليه لفظ الاب فكذا ههنا.

أقول : ثم قال بعد كلام : قالت الشيعة أن أحدا من آباء الرسول وأجداده ما كانوا كافرا ، وأنكروا أن والد إبراهيم كان كافرا ، وذكروا أن آزركان عم إبراهيم وما كان والدا له واحتجوا على قولهم بوجوه : الحجة الاولى : أن آباء نبينا ما كانوا كفارا و يدل عليه وجوه :

منها : قوله تعالى : « الذي يراك حين تقوم * وتقلبك في الساجدين » (٢) قيل : معناه أنه كان ينقل روحه من ساجد إلى ساجد ، وبهذا التقدير فالآية دالة على أن جميع آباء محمد صلوات الله عليهم أجمعين كانوا مسلمين ، وحينئذ يجب القطع بأن والد إبراهيم كان مسلما ، ثم قال : ومما يدل أيضا على أن أحدا من آباء محمد صلوات الله عليهم ماكانوا مشركين قوله (ص) : « لم أزل انقل من أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات » و قال تعالى : « إنما المشركون نجس » (٣) وذلك يوجب أن يقال : إن أحدا من أجداده ما كان من المشركين انتهى. (٤)

وقال الشيخ الطبرسي قدس الله روحه بعد نقل مامر من كلام الزجاج : وهذا

__________________

(١) البقرة : ١٣٣.

(٢) الشعراء : ١١٩.

(٣) التوبة : ٢٨.

(٤) مفايتح الغيب ٤ : ٧٢ ـ ٧٣. م

٤٨

الذي قاله الزجاج يقوي ما قاله أصحابنا إن آزر كان جد إبراهيم لامه (١) أو كان عمه من حيث صح عندهم أن آباء النبي صلوات الله عليهم إلى آدم كلهم كانوا موحدين ، و أجمعت الطائفة على ذلك انتهى. (٢)

أقول : الاخبار الدالة على إسلام آباء النبي صلوات الله عليهم من طرق الشيعة مستفيضة بل متواترة ، وقد عرفت إجماع الفرقة المحقة على إسلام ولد إبراهيم بنقل المخالف والمؤالف ، فالاخبار الدالة على أنه كان آباه حقيقة محمولة على التقية. (٣)

الثانية في قول إبراهيم عليه‌السلام « إني سقيم » واختلف في معناه على أقوال : أحدها : أنه عليه‌السلام نظر في النجوم فاستدل بها على وقت حمى كانت تعتورة ، فقال « إني سقيم » أراد أنه قد حضر وقت علته وزمان نوبتها ، فكأنه قال : إني سأسقم لا محالة وحان الوقت الذي يعتريني فيه الحمى ، وقد يسمى المشارف للشئ باسم الداخل فيه ، قال الله تعالى : « إنك ميت وانهم ميتون » (٤)

وثانيها : أنه نظر في النجوم كنظرهم لانهم كانوا يتعاطون علم النجوم فأوهمهم أنه يقول بمثل قولهم فقال عند ذلك : « إني سقيم » فتركوه ظنا منهم أن نجمه يدل على سقمه.

وثالثها : أن يكون الله أعلمه بالوحي أنه سيسقمه في وقت مستقبل ، وجعل العلامة على ذلك إما طلوع نجم على وجه مخصوص ، أو اتصاله بآخر على وجه مخصوص ، فلما رأى إبراهيم تلك الامارة قال : « إني سقيم » تصديقا لما أخبره الله تعالى.

__________________

(١) قال المسعودى في اثبات الوصية : وقام تارخ وهو ابوابراهيم الخليل بالامر في أربع وستين سنة من ملك رهو بن طهمسعان. وفى رواية اخرى أربع وثمانين سنة وهو نمرود ، وروى عن العالم انه قال : إن آزر كان جد ابراهيم لامه منجما لنمرود وهورهو بن طهمسعان ، ومضى تارخ و ابراهيم مولود صغير.

(٢) مجمع البيان ٤ : ٣٢١ ـ ٣٢٢. م

(٣) وحيث اطلق الاب في القرآن الكريم على العم أو جد الام مجازا فالائمة صلوات الله عليهم اتبعوا القرآن فاستعملوا لفظة اب وارادوا العم أوجد الام حتى لا يكون كلامهم مخالفا للكتاب العزيز.

(٤) الزمر : ٣٠.

٤٩

ورابعها : أن معنى قوله : « إني سقيم » إني سقيم القلب أوالرأي حزنا من إصرار القوم على عبادة الاصنام وهي لا تسمع ولا تبصر ، ويكون على هذا معنى نظره في النجوم فكرته في آنها محدثة مخلوقة مدبرة ، وتعجبه في أنه كيف ذهب على العقلاء ذلك من حالها حتى عبدوها.

وخامسها : أن معناه : نظر في النجوم نظر تفكر فاستدل بها كما قصه الله في سورة الانعام على كونها محدثة غير قديمة ولا آلهة ، وأشار بقوله : « إني سقيم » إلى أنه في حال مهلة النظر ، وليس على يقين من الامر ولا شفاء من العلم ، وقد يسمى الشك بأنه سقم كما يسمى العلم بأنه شفاء ذكره أبومسلم ، ولا يخفى ضعفه. هذا ما ذكره القوم من الوجوه ، وقد عرفت مما أوردنا من الاخبار في هذا الباب وباب العصمة أن الظاهر منها أنه (ع) أوهمهم بالنظر في النجوم موافقتهم وقال : « إني سقيم » تورية ، وقد وردت أخبار كثيرة في تجويز الكذب والتورية عند التقية وفيها الاستدلال بهذه الآية وبيان أنها لكونها على جهة التورية والمصلحة ليست بكذب ، وما ذكر من الوجوه يصلح للتورية ; وقد مر أنه كان مراده حزن القلب بما يفعل بالحسين عليه‌السلام ; وقيل : يمكن أن يكون على وجه التعريض بمعنى أن كل من كتب عليه الموت فهو سقيم وإن لم يكن به سقم في الحال.

الثالثه قوله (ع) : « هذا ربي » وفي تأويله وجوه :

الاول : أنه عليه‌السلام إنما قال ذلك عند كمال عقله في زمان مهلة النظر فإنه تعالى لما أكمل عقله وحرك دواعيه على الفكر والتأمل رأى الكوكب فأعظمه وأعجبه نوره و حسنه وبهاؤه ، وقد كان قومه يعبدون الكواكب فقال : « هذا ربي » على سبيل الفكر ، فلما غاب علم أن الافول لايجوز على الاله ، فاستدل بذلك على أنه محدث مخلوق ، وكذلك كانت حاله في رؤية القمر والشمس ، وقال في آخر كلامه : « ياقوم إني برئ مما تشركون » وكان هذا القول منه عقيب معرفته بالله تعالى وعلمه بأن صفات المحدثين لاتجوز عليه ، و يحتمل أن يكون هذا قبل البلوغ والتكليف وبعده ، والاول هو مختار الاكثر وهو أظهر ، وإلى هذا الوجه يشير بعض الاخبار السالفة ، ويمكن حملها على بعض الوجوه الآتية كما لا يخفى.

٥٠

الثاني : أنه عليه‌السلام كان عارفا بعدم صلاحيتها للربوبية ، ولكن قال ذلك في مقام الاحتجاج على عبدة الكواكب على سبيل الفرض الشائع عند المناظرة ، فكأنه أعاد كلام الخصم ليلزم عليه المحال ، ويؤيده قوله تعالى بعد ذلك : « وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم ».

الثالث : أن يكون المراد : هذا ربي في زعمكم واعتقادكم ، ونظيره أن يقول الموحد للمجسم : إن إلهه جسم محدود ، أي في زعمه واعتقاده ، وقوله تعالى : « وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا ».

الرابع : أن المراد منه الاستفهام على سبيل الانكار إلا أنه أسقط حرف الاستفهام عنه كما هو الشائع.

الخامس : أن يكون القول مضمرا فيه ، والتقدير ، قال : يقولون هذا ربي ، و إضمار القول كثير ، كقوله تعالى : « وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا » (١) أي يقولان.

السادس : أن يكون قوله ذلك على سبيل الاستهزاء كما يقال لذليل ساد قوما : هذا سيدكم! على وجه الهزؤ.

السابع : أنه عليه‌السلام أراد أن يبطل قولهم بربوبية الكواكب إلا أنه كان قد عرف من تقليدهم لاسلافهم وبعد طبائعهم عن قبول الدلائل أنه لوصرح بالدعوة إلى الله لم يقبلوه ولم يلتفتوا إليه ، فمال إلى طريق به يتسدرجهم إلى استماع الحجة ، وذلك بأنه ذكر كلاما يوهم كونه مساعدا لهم على مذهبهم ، مع أن قلبه كان مطمئنا بالايمان فكأنه بمنزلة المكره على إجراء كلمة الكفر على اللسان على وجه المصلحة لاحياء الخلق بالايمان.

الرابعة وجه استدلاله عليه‌السلام بالافول على عدم صلاحيتها للربوبية ، قال الرازي في تفسيره : الافول عبارة عن غيبوبة الشئ بعد ظهوره. وإذا عرفت هذا فلسائل أن يقول : الافول إنما يدل على الحدوث من حيث إنه حركة ، وعلى هذا يكون الطلوع أيضا دليلا على

__________________

(١) البقرة : ١٢٧.

٥١

الحدوث ، فلم ترك إبراهيم عليه‌السلام الاستدلال على حدوثها بالطلو ، وعول في إثبات هذا المطلوب على الافول؟ والجواب أنه لا شك أن الطلوع والغروب يشتركان في الدلالة على الحدوث إلا أن الدليل الذي يحتج به الانبياء في معرض دعوة الخلق كلهم إلى الاله لابد وأن يكون ظاهرا جليا بحيث يشترك في فهمه الذكي والغبي والعاقل ، ودلالة الحركة على الحدوث وإن كانت يقينية إلا أنها دقيقة لا يعرفها إلا الافاضل من الخلق ، وأما دلالة الافول فكانت على هذا المقصود أتم ; وأيضا قال بعض المحققين : الهوي في خطيرة الامكان أفول ، (١) وأحسن الكلام ما يحصل فيه حصة الخواص وحصة الاوساط وحصة العوام ، فالخواص يفهمون من الافول الامكان ، وكل ممكن محتاج ، والمحتاج لا يكون مقطعا للحاجة ، (٢) فلابد من الانتهاء إلى ما يكون منزها عن الامكان حتى تنقطع الحاجات بسبب وجوده كما قال : « وأن إلى ربك المنتهى » (٣) وأما الاوساط فإنهم يفهمون من الافول مطلق الحركة ، فكل متحرك محدث ، وكل محدث فهو محتاج إلى القديم القادر ، فلا يكون الآفل إلها بل الاله هو الذي احتاج إليه هذا الآفل ، وأما العوام فإنهم يفهمون من الافول الغروب وهم يشاهدون أن كل كوكب يقرب من الافول ، فإنه يزول نوره وينتقص ضوؤه ويذهب سلطانه ويصير كالمعدوم ، ومن كان كذلك فإنه لم يصلح للالهية ، فهذه الكلمة الواحدة أعني قوله : « لا احب الآفلين » كلمة مشتملة على نصيب المقربين وأصحاب اليمين وأصحاب الشمال ، فكانت أكمل الدلائل و أفضل البراهين ، وفيه دقيقة اخرى وهي أنه عليه‌السلام إنما كان يناظرهم وهم كانوا منجمين ، ومذهب أهل النجوم أن الكواكب إذا كان في الربع الشرقي ويكون صاعدا إلى وسط السماء كان قويا عظيم التأثير ، وأما إذا كان غريبا وقريبا من الافول فإنه يكون ضعيف الاثر ، قليل القوة ، فنبه بهذه الدقيقة على أن الاله هو الذي لا يتغير قدرته إلى العجز ، وكماله إلى النقص ، ومذهبكم أن الكوكب حال كونه في الربع الغربي يكون ضعيف القوة ، ناقص التأثير ، عاجزا عن التدبير ، وذلك يدل على القدح في إلهيته ، فظهر أن

__________________

(١) في المصدر : في خطرة الامكان. م

(٢) في المصدر : مقطوع الحاجة. م

(٣) النجم : ٤٢.

٥٢

على قول المنجمين للافول مزيد اختصاص في كونه موجبا للقدح في الالهية انتهى. (١)

أقول : يمكن إرجاع كلامه عليه‌السلام إلى الدليل المشهور بين المتكلمين من عدم الانفكاك عن الحوادث ، والاستدلال به على إمكانها وافتقارها إلى المؤثر ، أو إلى أنها محل للتغيرات والحوادث ، والواجب تعالى لايكون كذلك ، أو إلى أن الافول والغروب نقص وهو لا يجوز على الصانع ، أو إلى أن هذه الحركة الدائمة المستمرة تدل على أنها مسخرة لصانع كما مر في كتاب التوحيد ، والعقل يحكم بأن الصانع مثل هذا الخلق لا يكون مصنوعا ، أو أن الغيبة والحضور والطلوع والافول من خواص الاجسام ويلزمها الامكان لوجوه شتى ، ولعل الوجه الثاني والثالث بتوسط ما ذكره الرازي أخيرا أظهر الوجوه ، وأما ماسواهما فلايخفى بعدها ، ولنقتصر على ذلك فإن بسط القول في تلك البراهين يوجب الاطناب الذي عزمنا على تركه في هذا الكتاب.

الخامسة. تأويل قوله تعالى : « بل فعله كبيرهم » ويمكن توجيهه بوجوه :

الاول : ما ذكره السيد المرتضى قدس الله روحه وهو أن الخبر مشروط غير مطلق لانه قال : « إن كانوا ينطقون » ومعلوم أن الاصنام لا تنطق ، وأن النطق مستحيل عليها ، فما علق بهذا المستحيل من الفعل أيضا مستحيل ، وإنما أراد إبراهيم عليه‌السلام بهذا القول تنبيه القوم وتوبيخهم وتعنيفهم بعبادة من لا يسمع ولا يبصر ولا ينطق ولا يقدر أن يخبر عن نفسه بشئ ، فقال : إن كانت هذه الاصنام تنطق فهي الفاعلة للتكسير ، لان من يجوز أن ينطق يجوز أن يفعل ، وإذا علم استحالة النطق عليها علم استحالة الفعل ، وعلم باستحالة الامرين أنه لا يجوز أن تكون آلهة معبودة ، وأن من عبدها ضال مضل ، ولا فرق بين قوله : إنهم فعلوا ذلك إن كانوا ينطقون وبين قوله : إنهم ما فعلوا ذلك ولا غيره لانهم لا ينطقون ولا يقدرون ، وأما قوله : « فاسئلوهم » فإنما هو أمر بسؤالهم أيضا على شرط ، والنطق منهم شرط في الامرين فكأنه قال : إن كانوا ينطقون فاسألوهم فإنه لا يمتنع أن يكونوا فعلوه ، وهذا يجري مجرى قول أحدنا لغيره : من فعل هذا الفعل؟ فيقول : زيد إن كان فعل كذا وكذا ، ويشير إلى فعل يضيفه السائل إلى زيد ، وليس في الحقيقة من فعله ويكون غرض المسؤول نفي الامرين عن زيد ، وتنبيه السائل على خطائه في إضافة

__________________

(١) مفاتيح الغيب ٤ : ٨٠ وفيه : للقدح في الهيته. م

٥٣

ما أضافه إلى زيد ، وقدقرأ محمد بن السميع اليماني : « فعله كبيرهم » بتشديد اللام ، والمعنى فلعله أي فلعل فاعل ذلك كبيرهم ، وقد جرت عادة العرب بحذف اللام الاولى من لعل انتهى. (١)

الثاني : أنه لم يكن قصد إبراهيم عليه‌السلام إلى أن ينسب الفعل الصادر عنه إلى الصنم ، وإنما قصد تقريره لنفسه وإثباته لها على وجه تعريضي ، وهذا كما لو قال لك صاحبك وقد كتبت كتابا بخط رشيق وأنت تحسن الخط : أنت كتبت هذا؟ وصاحبك امي لا يحسن الخط ، فقلت له : بل كتبت أنت! كان قصدك بهذا الجواب تقريره لك مع الاستهزاء ، لا نفيه عنك.

والثالث : أن إبراهيم عليه‌السلام غاظته تلك الاصنام حين أبصرها مصففة مرتبة ، فكان غيظه من كبيرتها أشد لما رأى من زيادة تعظيمهم لها ، فأسند الفعل إليه لانه هو السبب في استهانته وحطمه لها ، والفعل كما يسند إلى مباشره يسند إلى الحامل عليه.

والرابع : أن يكون حكاية لما يلزم على مذهبهم ، كأنه قال : نعم ما تنكرون أن يفعله كبيرهم فإن من حق من يعبد أو يدعى إلها أن يقدر على هذا وأشد منه ، أو أنه يلزمكم على قولكم أن لايقدر على كسرهم إلا إله أكبر منهم ، فإن غير الاله لا يقدر أن يكسر الاله.

والخامس : أنه كناية عن غير مذكور ، أي فعله من فعله ، وكبيرهم ابتداء كلام.

والسادس : مايروى عن الكسائي أنه كان يقف عند قوله : « كبيرهم » ثم يبتدء فيقول : « هذا فاسئلوهم » والمعنى : بل فعله كبيرهم وعنى نفسه لان الانسان أكبر من كل صنم.

أقول : قد مضى في باب العصمية الخبر الدال على الوجه الاول ، ويظهر من كثير من الاخبار أن هذا صدر عنه عليه‌السلام على وجه التورية والمصلحة ، ويمكن توجيه التورية ببعض الوجوه المتقدمة ، وروى الكليني ، عن أبي علي الاشعري؟ عن محمد بن عبدالجبار ،

__________________

(١) تنزيه الانبياء : ٢٤.

٥٤

عن الحجال ، عن ثعلبة ، عن معمر بن عمر ، عن عطا ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : قال رسول الله (ص) : لاكذب على مصلح ثم تلا « أيتها العير إنكم لسارقون » فقال : والله ما سرقوا وما كذب ، ثم تلا « بل فعله كبيرهم هذا فاسئلوهم إن كانوا ينطقون » ثم قال : والله مافعلوه وماكذب.

وروى عن علي بن إبراهيم ، عن البزنطي ، عن حماد بن عثمان ، عن الحسن الصيقل قال : قلت لابي عبدالله (ع) إنا قدروينا عن أبي جعفر عليه‌السلام في قول يوسف (ع) : « أيهتا العير إنكم لسارقون » فقال : والله ما سرقوا وماكذب ، وقال إبراهيم : « بل فعله كبيرهم هذا فاسئلوهم إن كانوا ينطقون » فقال : والله مافعلوا وما كذب. قال : فقال أبوعبدالله (ع) : ما عندكم فيها يا صيقل؟ قلت : ما عندنا فيها إلا التسليم ، قال : فقال : إن الله أحب اثنين ، وأبغض اثنين ، أحب الخطر (١) فيما بين الصفين ، وأحب الكذب في الاصلاح ، و أبغض الخطر في الطرقات ، وأبغض الكذب في غير الاصلاح ، إن إبراهيم عليه‌السلام قال : « بل فعله كبيرهم » وهذا إرادة الاصلاح ، ودلالة على أنهم لا يعقلون ، وقال يوسف (ع) إرادة الاصلاح.

وروى عن عدة من أصحابه ، عن البرقي ، عن عثمان بن عيسى ، عن سماعة ، عن أبي بصير قال : قال أبوعبدالله (ع) : التقية من دين الله ، قلت : من دين الله؟ قال : إي والله من دين الله قال يوسف : « أيتها العير إنكم لسارقون » والله ما كانوا سرقوا شيئا ، ولقد قال إبراهيم : « إني سقيم » والله ما كان سقيما.

__________________

(١) خطر في مشيته : مشى وهو يرفع يديه ويضعها معجبا بنفسه.

٥٥

( باب ٣ )

* ( اراءته عليه السلام ملكوت السماوات والارض وسؤاله احياء الموتى ) *

* ( والكلمات التى سأل ربه وما اوحى اليه وصدر عنه من الحكم ) *

الايات ، البقرة « ٢ » وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين ١٢٤.

« وقال تعالى » : وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك سعيا واعلم أن الله عزيز حكيم ٢٦٠.

النجم « ٥٣ » أم لم ينبأ بما في صحف موسى * وإبراهيم الذي وفى * ألا تزر وازرة وزر اخرى ٣٦ ـ ٣٨.

الاعلى « ٨٧ » إن هذا لفي الصحف الاولى * صحف إبراهيم وموسى ١٨ ـ ١٩.

تفسير : قال الطبرسي رحمه‌الله : « وإذ ابتلى إبراهيم ربه » أي اختبره وكلفه « بكلمات » فيه خلاف ، روي عن الصادق عليه‌السلام أنه ما ابتلاه الله به في نومه من ذبح ولده إسماعيل أبي العرب فأتمها إبراهيم وعزم عليها وسلم لامر الله تعالى ، فلما عزم قال الله تعالى ثوابا له لما صدق وعمل بما أمره الله : « إني جاعلك للناس إماما » ثم أنزل الله عليه الحنيفية وهي الطهارة ، وهي عشره أشياء : خمسة منها في الرأس ، وخمسة منها في البدن ، فأما التي في الرأس فأخذ الشارب وإعفاء اللحى وطم الشعر (١) والسواك والخلال ، وأما التي في البدن فحلق الشعر من البدن والختان وتقليم الاظفار والغسل من الجنابة و الطهور بالماء ; فهذه الحنيفية الطاهرة التي جاء بها إبراهيم عليه‌السلام فلم تنسخ ولا تنسخ إلى يوم القيامة ، وهو قوله : « واتبع ملة إبراهيم حنيفا » ذكره علي بن إبراهيم في تفسيره. وقال قتادة وابن عباس : إنها عشرة خصال كانت فرضا في شرعه سنة في شرعنا : المضمضة

__________________

(١) أعفى الشعر : تركه حتى يكثر ويطول. طم الشعر : جزه.

٥٦

والاستنشاق وفرق الرأس وقص الشارب (١) والسواك في الرأس ، والختان وحلق العانة ونتف الابط (٢) وتقليم الاظفار والاستنحاء بالماء في البدن.

وفي رواية اخرى عن ابن عباس أنه ابتلاه بثلاثين خصلة من شرائع الاسلام ولم يبتل أخدا فأقامها كلها إلا إبراهيم أتمهن وكتب له البراءة فقال : « وإبراهيم الذي وفي » وهي عشر في سورة براءة « التائبون العابدون » إلى أخرها. وعشر في سورة الاحزاب ؛ « إن المسلمين والمسلمات » إلى آخرها. وعشر في سورة المؤمنين : « قد أفلح المؤمنون » إلى قوله : « اولئك هم الوارثون » وروي عشر في سورة سأل سائل إلى قوله : « والذين هم على صلاتهم يحافظون » فجعلها أربعين. وفي رواية ثالثة عن ابن عباس أنه أمره بمناسك الحج ; وقال الحسن : ابتلاه الله بالكوكب والقمر والشمس والختان وبذبح ابنه و بالنار وبالهجرة ، فكلهن وفى لله بهن. وقال مجاهد : ابتلاه الله بالآيات التي بعدها وهي قوله « إني جاعلك للناس إماما » إلى آخر القصة : وقال الجبائي : أراد بذلك كل ما كلفه من الطاعات العقلية والشرعية ، والآية محتملة لجميع هذه الاقاويل ; و كان سعيد بن المسيب يقول : كان إبراهيم أول الناس أضاف الضيف ، وأول الناس اختتن ، وأول الناس قص شاربه واستحذى ، (٣) وأول الناس رأى الشيب ، فلما رآه قال : يارب ما هذا؟ قال : هذا الوقار ، قال : يارب فزدني وقارا ، وهذا أيضا قد رواه السكوني عن أبي عبدالله عليه‌السلام ولم يذكر « وأول من قص شاربه واستحذى » وزاد فيه : وأول من قاتل في سبيل الله إبراهيم ، وأول من أخرج الخمس إبراهيم ، وأول من اتخذ النعلين إبراهيم ، وأول من اتخذ الرايات إبراهيم. (٤)

أقول : ثم روى رحمه‌الله من كتاب النبوة للصدوق رحمه‌الله نحوا مما سيأتي من

__________________

(١) قص الشعر : قطع منه بالمقص.

(٢) نتف الريش أو الشعر : نزعه.

(٣) أى طلب الحذاء والحذاء : النعل وفى نسخة : واستحد ـ وكذا فيما يتلوه ـ اى حلق العانة بالحديد.

(٤) مجمع البيان ١ : ٢٠٠ ـ ٢٠١. م

٥٧

رواية المفضل مستخرجا من « ل ومع » مع ما أضاف إليه الصدوق من تحقيقه في ذلك. (١)

« فأتمهن » أي وفى بهن وعمل بهن على التمام ، وقال البلخي : الضمير في « أتمهن » عائد إلى الله تعالى ، والكلمات هي الامامة « إني جاعلك للناس إماما » المستفاد من لفظ الامام أمران :

أحدهما : أنه المقتدى به في أفعاله وأقواله.

والثاني : أنه الذي يقوم بتدبير الامة وسياستها ، والقيام بامورها ، وتأديب جناتها ، (٢) وتولية ولاتها ، وإقامة الحدود على مستحقيها ، ومحاربة من يكيدها ويعاديها ، فعلى الاول كل نبي إمام ، وعلى الثاني لا يجب في كل نبي أن يكون إماما ، إذ يجوز أن لايكون مأمورا بتأديب الجناة ، ومحاربة العداة ، والدفاع عن حوزة الدين ومجاهدة الكافرين. (٣)

« وقال ومن ذريتي » أي واجعل من ذريتي من يوشح بالامامة (٤) ويرشح لهذه الكرامة « قال لا ينال عهدي الظالمين » قال مجاهد : العهد : الامامة وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبدالله عليهما‌السلام ، واستدل بها أصحابنا على أن الامام لا يكون إلا معصوما. (٥)

« فخذ أربعة » قيل : إنهما الطاووس والديك والحمام والغراب ، أمر أن يقطعها و يخلط ريشها بدمها ، عن مجاهد وابن جريح وعطا وهو المروي عن أبي عبدالله عليه‌السلام « ثم اجعل على كل جبل » روي عن أبي عبدالله عليه‌السلام أن معناه : فرقهن على كل جبل ، و كانت عشرة أجبل ، ثم خذ بمناقيرهن وادعهن باسمي الاكبر واحلفهن بالجبروت و العظمة « يأتينك سعيا » ففعل إبراهيم ذلك وفرقهن على عشرة أجبل ثم دعاهن فقال : أجبن بإذن الله ، فكانت تجتمع وتألف لحم كل واحد وعظمه إلى رأسه ، وطارت إلى

__________________

(١) مجمع البيان ١ : ٢٠٠ ـ ٢٠١. م

(٢) جمع الجانى.

(٣) بل ولا القيام بتدبير الامة وسياستها ، إذ يجوزان يكون نبيا لنفسه فقط.

(٤) من وشح بثوبه : لبسه ، ويقال : يوشح لولاية العهد أى يربى ويؤهل لها.

(٥) مجمع البيان : ٢٠١ ـ ٢٠٢. م

٥٨

إبراهيم ، وقيل : إن الجبال كانت سبعة ; وقيل : أربعة ; وقيل : أراد كل جبل على العموم بحسب الامكان.

ويسأل فيقال : كيف قال : « ثم ادعهن » ودعاء الجماد قبيح؟ وجوابه أنه أراد بذلك الاشارة إليها والايماء لتقبل عليه إذا أحياها الله ; وقيل : معنى الدعاء هنا الاخبار عن تكوينها إحياء ، كقوله سبحانه : « كونا قردة خاسئين ». (١)

و « إبراهيم » أي وفي صحف إبراهيم « الذي وفى » أي تمم وأكمل ما أمر به ، وقيل : بلغ قومه وأدى ما أمر به إليهم ; وقيل : أكمل ما أوجب الله عليه من الطاعات في كل ما أمر وامتحن به. ثم بين ما في صحفهما فقال : « ألا تزر وازرة وزر أخرى » الآيات (٢) « إن هذا لفي الصحف الاولى » أي قوله : « قد أفلح » إلى أربع آيات. ثم بين الصحف الاولى فقال : « صحف إبراهيم وموسى » وفيه دلالة على أن إبراهيم عليه‌السلام كان قد أنزل عليه الكتاب خلافا لمن يزعم أنه لم ينزل عليه كتاب. وروي عن أبي ذر عن النبي (ص) أنه قال : أنزل الله مائة وأربعة كتب : منها على إبراهيم (ع) عشر صحائف. وفي الحديث إنه كان في صحف إبراهيم : ينبغي للعاقل أن يكون حافظا للسانه ، عارفا بزمانه ، مقبلا على شأنه. وقيل : إن كتب الله كلها أنزلت في شهر رمضان. (٣)

١ ـ فس : « وإذا بتلى إبراهيم ربه بكلمات » قال : هو ما ابتلاه الله به مما أراه في نومه بذبح ولده فأتمها إبراهيم (ع) ، وساق مثل ما ذكره الطبرسي إلى قوله : وهو قوله : « واتبع ملة إبراهيم حنيفا ». (٤)

٢ ـ فس : « وإبراهيم الذي وفي » قال : وفي بما أمره الله من الامر والنهي و ذبح ابنه. (٥)

٣ ـ فس : « إن هذا » يعني ما قد تلوته من القرآن « لفي الصحف الاولى ». (٦)

__________________

(١) مجمع البيان ٢ : ٣٧٣. ٢

(٢) مجمع البيان ٩ : ١٨٠ م

(٣) مجمع البيان ١٠ : ٤٧٦. م

(٤) تفسير القمى : ٥٠. م

(٥) تفسير القمى : ٦٥٥ وفيه بما امره الله به من الامر اه.

(٦) تفسير القمى ٧٢١. م

٥٩

٤ ـ فس : لما عزم إبراهيم على ذبح ابنه وسلما لامر الله قال الله : « إني جاعلك للناس إماما » فقال إبراهيم (ع) : « ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين » أي لا يكون بعهدي إمام ظالم. (١)

٥ ـ م ، ج : بالاسناد إلى أبي محمد العسكري ، عن أبيه عليه‌السلام قال : قال رسول الله (ص) : إن إبراهيم الخليل لما رفع في الملكوت وذلك قول ربي « وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والارض وليكون من الموقنين » قوى الله بصره لما رفعه دون السماء حتى أبصر الارض ومن عليها ظاهرين ومستترين ، فرأى رجلا وامرأة على فاحشة فدعا عليهما بالهلاك فهلكا ، ثم رأى آخرين فدعا عليهما بالهلاك فهلكا ، ثم رأى آخرين فدعا عليها بالهلاك فهلكا ، ثم رأى آخرين فهم بالدعاء عليهما بالهلاك فأوحى الله إليه : ياإبراهيم اكفف دعوتك عن عبادي وإمائي فإني أنا الغفور الرحيم الجبار الحليم لا تضرني ذنوب عبادي كما لا تنفعني طاعتهم ، ولست أسوسهم (٢) بشفاء الغيظ كسياستك ، فاكفف دعوتك عن عبادي فإنما أنت عبد نذير ، لا شريك في المملكة ، ولا مهيمن علي (٢) ولا علي عبادي ، وعبادي معي بين خلال ثلاث : (٤) إما تابوا إلي فتبت عليهم وغفرت ذنوبهم وسترت عيوبهم ؛ وإما كففت عنهم عذابي لعلمي بأنه سيخرج من أصلابهم ذريات مؤمنون فأرفق بالآباء الكافرين ، وأتأني بالامهات الكافرات ، وأرفع عنهم عذابي ليخرج ذلك المؤمن (٥) من أصلابهم ، فإذا تزايلوا (٦) حق بهم عذابي وحاق بهم بلائي ; وإن لم يكن هذا ولا هذا فإن الذي أعددته لهم من عذابي أعظم مما تريدهم به ، فإن عذابي لعبادي على حسب جلالي وكبريائي ، يا إبراهيم فخل بيني وبين عبادي فإني أرحم بهم منك ، وخل بيني و بين عبادي فإني أنا الجبار الحليم العلام الحكيم ، ادبرهم بعلمي ، وأنفذ فيهم قضائي وقدري. (٧)

__________________

(١) تفسير القمى : ٥٠. م

(٢) ساس القوم سياسة دبرهم وتولى أمرهم.

(٣) هيمن فلان على كذا : صار رقيبا عليه وحافظا.

(٤) الخلال : الخصال.

(٥) في نسخة : ليخرج أولئك المؤمنون.

(٦) أى تفرقوا.

(٧) تفسير الامام : ٢١٢ الاحتجاج : ١٨ والرواية مفصلة فيه. م

٦٠