بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٠٠
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

فكل ما كان في الارض من هذا الضرب الذي يتلذذ به الناس فإنما هو من ذاك. (١)

٧ ـ يب : سمعت مرسلا من الشيوخ ومذاكرة ولم يحضرني الآن إسناده أن آدم عليه‌السلام لما أهبطه الله من جنة المأوى (٢) إلى الارض استوحش فسأل الله تعالى أن يؤنسه بشئ من أشجار الجنة ، فأنزل الله تعالى إليه النخلة ، فكان يأنس بها في حياته ، فلما حضرته الوفاة قال لولده : إني كنت آنس بها في حياتي وأرجوا الانس بها بعد وفاتي ، فإذامت فخذوا منها جريدا وشقوه بنصفين وضعوهما معي في أكفاني ، ففعل ولده ذلك ، وفعلته الانبياء بعده ، ثم اندرس ذلك في الجاهلية فأحياه النبي (ص) وفعله فصارت سنة متبعة. (٣)

٨ ـ ل : سيجئ في أخبار فضل يوم الجمعة عن أبي لبابة ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أن آدم عليه‌السلام توفي يوم الجمعة. (٤)

٩ ـ فس : الحسين بن عبدالله السكيني ، عن أبي سعيد البجلي ، عن عبدالملك بن هارون ، عن أبي عبدالله ، عن آبائه عليهم‌السلام في خبر طويل (٥) أنه عرض ملك الروم على الحسن بن علي (ع) صور الانبياء فعرض عليه صنما في صفة حسنة ، فقال الحسن عليه‌السلام : هذه صفة شيث بن آدم عليه‌السلام ، وكان أول من بعث وبلغ عمره في الدنيا ألف سنة وأربعين يوما. (٦)

بيان : أول من بعث أي بعد آدم عليه‌السلام أو من ذريته ، قال في الكامل : قيل : إن شيثا كان لم يزل مقيما بمكة يحج ويعتمر إلى أن مات ، وإنه كان قد جمع ما انزل عليه وعلى أبيه آدم من الصحف وعمل بما فيها ، وإنه بنى الكعبة بالحجارة والطين ، وقيل :

ـــــــــــــــ

(١) فروع الكافى ٢ : ٢٠٠. م

(٢) هذا الحديث أيضا يدل على أن الجنة التى اخرجت عنه آدم ٧ هو جنة الخلد.

(٣) التهذيب ١ : ٩٣. م

(٤) الخصال ١ : ١٥٢. م

(٥) تقدم في كتاب الاحتجاجات في باب احتجاج الحسن بن على ٧.

(٦) تفسير القمى : ٥٩٧ وفيه : وبلغ عمره الف سنة واربعين عاما. وسنده يغاير ما في المتن. م

٢٦١

إنه لما مرض أوصى إلى ابنه أنوش ومات فدفن مع أبويه بغار أبي قيس ، وكان مولده لمضي مائتي سنة وخمس وثلاثين سنة من عمر آدم ، وقيل غير ذلك ، وكانت وفاته وقد أتت له تسعمائة سنة واثنتا عشر سنة. (١)

١٠ ـ مع ، ل : في خبر أبي ذر ، (٢) عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أن أربعة من الانبياء سريانيون : آدم وشيث وإدريس ونوح ، وأن الله تعالى أنزل على شيث خمسين صحيفة. (٣)

١١ ـ ص : بالاسناد عن الصدوق ، عن أبيه ، عن محمد العطار ، عن ابن أبان ، عن ابن اورمة ، عن النوفلي ، عن علي بن داود اليعقوبي ، عن مقاتل بن مقاتل ، عمن سمع زرارة يقول : سئل أبوعبدالله (ع) عن بدء النسل من آدم عليه‌السلام كيف كان؟ وعن بدء النسل من ذرية آدم ـ وساق الحديث إلى آخر ما أوردنا في باب تزويج آدم ـ ثم قال : فلم يلبث آدم عليه‌السلام بعد ذلك إلا يسيرا حتى مرض فدعا شيثا وقال : يا بني إن أجلي قد حضر وأنا مريض ، وإن ربي قد أنزل من سلطانه ما قد ترى ، وقد عهد إلي فيما قد عهد أن أجعلك وصيي وخازن ما استودعني ، وهذا كتاب الوصية تحت رأسي وفيه أثر العلم و اسم الله الاكبر ، فإذا أنا مت فخذ الصحيفة وإياك أن يطلع عليها أحد ، وأن تنظر فيها إلى قابل في مثل هذا اليوم الذي يصير إليك فيه ، وفيها جميع ما تحتاج إليه من امور دينك ودنياك ، وكان آدم عليه‌السلام نزل بالصحيفة التي فيها الوصية من الجنة.

ثم قال آدم عليه‌السلام لشيث : يا بني إني قد اشتهيت ثمرة من ثمار الجنة فاصعد إلى جبل الحديد فانظر من لقيته من الملائكة فاقرأه مني السلام وقل له : إن أبي مريض وهو يستهديكم من ثمار الجنة ، قال : فمضى حتى صعد إلى الجبل فإذا هو بجبرئيل في قبائل من الملائكة ، فبدأه جبرئيل بالسلام ثم قال : إلى أين يا شيث؟ فقال له شيث : ومن أنت يا عبدالله؟ قال : أنا الروح الامين جبرئيل ، فقال : إن أبي مريض وقد أرسلني إليكم وهويقرؤكم السلام ويستهديكم من ثمار الجنة ، فقال له جبرئيل عليه‌السلام : وعلى

ـــــــــــــــ

(١) كامل التواريخ ١ : ٢٢. وبه قال اليعقوبى وقد تقدم قبل ذلك.

(٢) تقدم في الباب الاول.

(٣) معانى الاخبار. ٩٥ ، الخصال ٢ : ١٠٤. م

٢٦٢

أبيك السلام يا شيث أما إنه قد قبض ، وإنما نزلت لشأنه فغطم الله على مصيبتك فيه أجرك ، وأحسن على العزاء منه صبرك ، وآنس بمكانه منك عظيم وحشتك ، ارجع فرجع معهم ومعهم كل ما يصلح به أمر آدم عليه‌السلام قد جاؤوا به من الجنة ، فلما صاروا إلى آدم عليه‌السلام كان أول ما صنع شيث أن أخذ صحيفة الوصية من تحت رأس آدم عليه‌السلام فشدها على بطنه فقال جبرئيل (ع) : من مثلك يا شيث قد أعطاك الله سرور كرامته وألبسك لباس عافيته؟ فلعمري لقد خصك الله منه بأمر جليل. ثم إن جبرئيل عليه‌السلام وشيثا أخذا في غسله وأراه جبرئيل كيف يغسله حتى فرغ ، ثم أراه كيف يكفنه ويحنطه حتى فرغ ، ثم أراه كيف بحفر له ، ثم إن جبرئيل أخذ بيد شيث فأقامه للصلاة عليه كما نقوم اليوم نحن ، ثم قال : كبر على أبيك سبعين تكبيرة وعلمه كيف يصنع ثم إن جبرئيل عليه‌السلام أمر الملائكة أن يصطفوا قياما خلف شيث كما يصطف اليوم خلف المصلي على الميت ، فقال شيث عليه‌السلام : يا جبرئيل ويستقيم هذا لي وأنت من الله بالمكان الذي أنت ومعك عظماء الملائكة؟ فقال جبرئيل : يا شيث ألم تعلم أن الله تعالى لما خلق أباك آدم أوقفه بين الملائكة وأمرنا بالسجود له فكان إمامنا ليكون ذلك سنة في ذريته ، وقد قبضه اليوم وأنت وصيه ووارث علمه وأنت تقوم مقامه ، فكيف نتقدمك وأنت إمامنا؟ فصلى بهم عليه كما أمره ، ثم أراه كيف يدفنه فلما فرغ من دفنه وذهب جبرئيل (ع) ومن معه ليصعدوا من حيث جاؤوا بكى شيث ونادى : يا وحشتاه ، فقال له جبرئيل : لا وحشة عليك مع الله تعالى يا شيث ، بل نحن نازلون عليك بأمر ربك وهو يؤنسك فلا تحزن وأحسن ظنك بربك فإنه بك لطيف وعليك شفيق. ثم صعد جبرئيل ومن معه ، وهبط قابيل من الجبل وكان على الجبل هاربا من أبيه آدم عليه‌السلام أيام حياته لا يقدر أن ينظر إليه ، فلقي شيثا فقال : يا شيث إني إنما قتلت هابيل أخي لان قربانه تقبل ولم يتقبل قرباني ، وخفت أن يصير بالمكان الذي قد صرت أنت اليوم فيه ، وقد صرت بحيث أكره وإن تكلمت بشئ مما عهد إليك به أبي لاقتلنك كما قتلت هابيل.

قال زرارة : ثم قال أبوعبدالله عليه‌السلام بيده إلى فمه فأمسكه يعلمنا ، أي هكذا أنا ساكت فلا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة معشر شيعتنا! فتمكنوا عدوكم من رقابكم

٢٦٣

فتكونوا عبيدا لهم بعد إذ أنتهم أربابهم وساداتهم ، فإن في التقية منهم لكم ردا عما قد أصبحوا فيه من الفضائح بأعمالهم الخبيثة علانية ، وما يرون منكم من تورعكم عن المحارم وتنزهكم عن الاشربة السوء والمعاصي وكثرة الحج والصلاة وترك كلامهم. (١)

١٢ ـ ص : بالاسناد إلى الصدوق ، عن أبيه ، عن سعد ، عن ابن أبي عمير ، عن علي ابن أبي حمزة ، عن علي بن الحسين عليه‌السلام قال : إن ابن آدم حين قتل أخاه قتل شرهما خيرهما فوهب الله لآدم ولدا فسماه هبة الله وكان وصيه ، فلما حضر آدم (ع) وفاته قال : يا هبة الله قال : لبيك ، قال انطلق إلى جبرئيل فقل : إن أبي آدم يقرؤك السلام ويستطعمك من طعام الجنة وقد اشتاق إلى ذلك ، فخرج هبة الله فاستقبله جبرئيل فأبلغه ما أرسله به أبوه إليه ، فقال له جبرئيل : رحم الله أباك ، فرجع هبة الله وقد قبض الله تعالى آدم (ع) فخرج به هبة الله و صلى عليه وكبر عليه خمسا وسبعين تكبيرة ، سبعين لادم وخمسة لاولاده من بعده. (٢)

بيان : يمكن الجمع بين تلك الاخبار بأنه امر بالتكبير عليه خمسا وسبعين خمسا وجوبا ليجري في أولاده ، وسبعين استحبابا بالخصوصه (ع) فخبر ابن السمط محول على ما امر به وجوبا ، وخبر زرارة على ما خص آدم عليه‌السلام به.

١٣ ـ ص : بالاسناد عن الصدوق ، عن ابن الوليد ، عن الصفار ، عن ابن متيل ، عن محمد بن الحسين ، عن محمد بن سنان ، عن إسمائيل بن جابر ، وكرام بن عمرو ، عن عبدالحميد ابن أبي الديلم ، عن الصادق (ع) قال : أوحى الله إلى آدم عليه‌السلام أن قابيل عدو الله قتل أخاه ، وإني اعقبك منه غلاما يكون خليفتك ويرث علمك ويكون عالم الارض وربانيها بعدك ، وهو الذي يدعى في الكتب شيثا وسماه أبا محمد هبة الله ، وهو اسمه بالعربية ، وكان آدم بشر بنوح عليه‌السلام وقال : إنه سيأتي نبي من بعدي اسمه نوح فمن بلغه منكم فليسلم له ، فإن قومه يهلكون بالغرق إلا من آمن به وصدقه فيما قيل لهم وما امروا به. (٣)

١٤ ـ ص : بالاسناد عن الصدوق ، عن ابن المتوكل ، عن الحميري ، عن ابن عيسى عن ابن محبوب ، عن هشام بن سالم ، عن حبيب السجستاني ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : لما علم آدم (ع) بقتل هابيل جزع عليه جزعا شديدا فشكا ذلك إلى الله تعالى فأوحى الله تعالى إليه

ـــــــــــــــ

(١ و ٢ و ٣) مخطوط.

٢٦٤

أني واهب لك ذكرا يكون خلفا من هابيل ، فولدته حواء فلما كان يوم السابع سماه آدم (ع) شيثا ، فأوحى الله تعالى إليه : يا آدم إنما هذا الغلام هبة مني إليك فسمه هبة الله ، فسماه آدم به ، فلما جاء وقت وفاة آدم عليه‌السلام وأحى الله تعالى إليه : أني متوفيك فأوص إلى خير ولدك وهو هبتي الذي وهبته لك فأوص إليه وسلم إليه ما علمتك من الاسماء فإني احب أن لا يخلو الارض من عالم يعلم علمي ويقضي بحكمي ، أجعله حجة لي على خلقي ، فجمع آدم عليه‌السلام ولده جميعا من الرجال والنساء ثم قال لهم : يا ولدي إن الله تعالى أوحى إلي أني متوفيك وأمرني أن اوصي إلى خير ولدي وإنه هبة الله وإن الله اختاره لي ولكم من بعدي ، فاسمعوا له وأطيعوا أمره فإنه وصيي وخليفتي عليكم ، فقالوا جميعا : نسمع له و نطيع أمره ولا نخالفه ، قال : وأمر آدم عليه‌السلام بتابوت ثم جعل فيه علمه والاسماء والوصية ثم دفعه إلى هبة الله فقال له : انظر إذا أنامت يا هبة الله فاغسلني وكفني وصل علي وأدخلني حفرتي ، وإذا حضرت وفاتك وأحسست بذلك من نفسك فالتمس خير ولدك وأكثرهم لك صحبة وأفضلهم فأوص إليه بما أوصيت به إليك ، ولا تدع الارض بغير عالم منها أهل البيت يا بني إن الله تعالى أهبطني إلى الارض وجعلني خليفة فيها وحجة له على خلقه ، وجعلتك حجة الله في أرضه من بعدي ، فلا تخرجن من الدنيا حتى تجعل لله حجة على خلقه ووصيا من بعدك ، وسلم إليه التابوت وما فيه كما سلمت إليك ، وأعلمه أنه سيكون من ذريتي رجل نبي اسمه نوح يكون في نبوته الطوفان والغرق فأوص وصيك أن يحتفظ بالتابوت وبما فيه فإذا حضرته وفاته فمره أن يوصي إلى خير ولده وليضع كل وصي وصيته في التابوت وليوص بذلك بعضهم إلى بعض ، فمن أدرك منهم نبوة نوح فليركب معه وليحمل التابوت وما فيه إلى فلكه ولا يتخلف عنه واحد ، واحذر يا هبة الله وأنتم يا ولدي الملعون قابيل.

فلما كان اليوم الذي أخبره الله أنه متوفيه تهيأ آدم عليه‌السلام للموت وأذعن به فهبط. ملك الموت فقال آدم : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ،وأشهد أني عبدالله وخليفته في أرضه ابتدأني بإحسانه ، وأسجدلي ملائكته ، وعلمني الاسماء كلها ، ثم أسكنني جنته ولم يكن جعلها لي دار قرار ولا منزل استيطال ، وإنما خلقني لاسكن الارض للذي أراد من التقدير و التدبير ، وقد كان نزل جبرئيل عليه‌السلام بكفن آدم من الجنة والحنوط والمسحاة معه ، قال :

٢٦٥

ونزل مع جبرئيل سبعون ألف ملك ليحضروا جنازة آدم ، فغسله هبة الله وجبرئيل وكفنه و حنطه ثم قال جبرئيل لهبة الله : تقدم فصل على أبيك وكبر عليه خمسا وسبعين تكبيرة ، فحفرت الملائكة ثم أدخلوه حفرته ، فقام هبة الله في ولد أبيه بطاعة الله تعالى ، فلما حضرته وفاته أوصى إلى ابنه قينان (١) وسلم إليه التابوت ، فقام قينان في إخوته وولد أبيه بطاعة الله تعالى وتقدس ، فلما حضرته الوفاة أوصى إلى ابنه يرد (٢) وسلم إليه التابوت وجميع ما فيه ، وتقدم إليه في نبوة نوح عليه‌السلام فلما حضرت وفاة يرد أوصى إلى ابنه اخنوخ وهو إدريس وسلم إليه التابوت وجميع ما فيه والوصية ، فقام الخنوخ به فلما قرب أجله أوحى الله تعالى إليه : إني رافعك إلى السماء فأوص إلى ابنك خر قاسيل (٣) ففعل ، فقام خر قاسيل بوصية اخنوخ ، فلما حضرته الوفاة أوصى إلى ابنه نوح عليه‌السلام وسلم إليه التابوت ، فلم يزل التابوت عند نوح حتى على حمله معه في سفينته فلما حضرته الوفاة أوصى إلى ابنه سام وسلم إليه التابوت وجميع ما فيه. (٤)

شى : عن هشام ، عن حبيب مثله مع زيادات أوردناها في باب ذكر الاوصياء من لدن آدم في كتاب الامامة. (٥)

١٥ ـ ص : بالاسناد عن الصدوق ، عن ابن الوليد ، عن سعد ، عن ابن عيسى ، عن الحسن بن علي ، عن عمر ، عن أبان بن عثمان ، عن فضيل بن يسار ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : أرسل آدم ابنه إلى جبرئيل عليه‌السلام فقال : قل له : يقول لك أبي : أطعمني من زيت الزيتون التي في موضع كذا وكذا من الجنة ، فلقاه جبرئيل فقال له : ارجع إلى أبيك

ـــــــــــــــ

(١) الظاهر أن ههنا سقطا لو اختصارا من النساخ أو الراوى ، لان الوصى بعد هبة الله ابنه أنوش ، فبعده قينان بن أنوش

(٢) الصحيح كما في رواية العياشى : فلما حضرت قينان الوفاة أوصى إلى مهلائيل وسلم اليه التابوت ومافيه والوصية فقام مهلائيل بوصية قينان وسار بسيرته ، فلما حضرت مهلائيل الوفاة أوصى إلى ابنه يرد.

(٣) قد صرح اليعقوبى في تاريخه والمسعودى في اثبات الوصية وغيرهما أن وصى اخنوخ ابنه متوشلخ ووصى متوشلخ ابنه لمك وهو ارفخشد ، ووصيه ابنه نوح ، فعليه وقع هنا أيضا سقط ، و لعل خر قاسيل اسم آخر للمك ، وسيأتى في كتاب الامامة في باب الاوصياء من لدن آدم رواية فيها ذكر أوصياء آدم بأسامى اخر.

(٤) قصص الانبياء مخطوط. م

(٥) تفسير العياشى مخطوط. م

٢٦٦

فقد قبض وامرنا بإجهازه والصلاة عليه ، قال : فلما جهزوه قال جبرئيل : تقدم يا هبة الله فصل على أبيك ، فتقدم وكبر عليه خمسا وسبعين تكبيرة ، سبعين تفضيلا لآدم عليه‌السلام وخمسا للسنة ، قال : وآدم عليه‌السلام لم يزل يعبدالله بمكة حتى إذا أراد أن يقبضه بعث إليه الملائكة معهم سرير وحنوط وكفن من الجنة ، فلما رأت حواء عليهم‌السلام الملائكة ذهبت لتدخل بينه وبينهم ، فقال لها آدم : خلي بيني وبين رسل ربي ، فقبض فغسلوه بالسدر والماء ثم لحدوا قبره ، وقال : هذا سنة ولده من بعده ، فكان عمره منذ خلقه الله إلى أن قبضه تسعمائة وستا وثلاثين سنة ، ودفن بمكة وكان بين آدم ونوح عليه‌السلام ألف وخمسمائة سنة. (١)

١٦ ـ ص : بالاسناد عن الصدوق ، عن ابن الوليد ، عن الصفار ، عن ابن أبي الخطاب عن محمد بن سنان ، عن إسماعيل بن جابر ، عن عبدالحيمد بن أبي الديلم ، عن أبي عبدالله (ع) قال : قبض آدم عليه‌السلام وكبر عليه ثلاثين تكبيرة ، فرفع خمس وعشرون ، بقي السنة علينا خمسا ، وكان رسول الله يكبر على أهل بدر سبعا وتسعا. (٢)

بيان : لعل ذكر الثلاثين في هذا الخبر للتقية ، لانهم رووا ذلك عن ابن عباس كما ذكره صاحب الكامل وغيره. (٣)

١٧ ـ ص : بالاسناد إلى الصدوق بإسناده إلى وهب قال : لما حضر آدم الوفاة أوصى إلى شيث وحفر لآدم في غار في أبي قيس يقال له غار الكنز ، فلم يزل آدم (ع) في ذلك الغار حتى كان زمن الغرق استخرجه نوح عليه‌السلام في تابوت وجعله معه في السفينة. (٤)

ـــــــــــــــ

(١ و ٢) مخطوط. م

(٣) كامل التواريخ ج ١ : ٢٢. م

(٤) قصص الانبياء مخطوط. قال اليعقوبى في تاريخه ١ : ٨ فلما فرغ نوح من عمل السفينة صعد هو وولده إلى مغارة الكنز فاحتملوا جسد آدم فوضعوه في وسط البيت الاعلى من السفينة يوم الجمعة لسبع عشرة ليلة خلقت من آذار ، ثم ذكر أن ساما وملكيزدق بن لمك بن سام دفنا بمسجد منى عند المنارة ، قال ويقول : أهل الكتاب : بالشام في الارض المقدسة انتهى ، قلت : المشهور انه دفن في الغرى كما يدل عليه خبر المفضل. وقال المسعودى في اثبات الوصية : دفن بمكة في جبل ابى قبيس ثم ان نوحا حمل بعد الطوفان عظامه فدفنه في ظاهر الكوفة.

٢٦٧

أقول : سيأتي خبر طويل في كتاب الامامة في باب اتصال الوصية من لدن آدم عليه‌السلام.

١٨ ـ مل : محمد بن يعقوب ، عن أبي علي الاشعري ، عمن ذكره ، عن محمد بن سنان ، وحدثني محمد الحميري ، عن أبيه ، عن ابن أبي الخطاب ، عن محمد بن سنان ، عن المفضل ، عن أبي عبدالله (ع) قال : إن الله تبارك وتعالى أوحى إلى نوح عليه‌السلام وهو في السفينة أن يطوف بالبيت اسبوعا فطاف (١) بالبيت اسبوعا كما أوحى الله إليه ، ثم نزل في الماء إلى ركبتيه فاستخرج تابوتا فيه عظام آدم عليه‌السلام فحمل التابوت في جوف السفينة حتى طاف بالبيت ماشاء الله أن يطوف ، ثم ورد إلى باب الكوفة في وسط مسجدها ففيها قال الله للارض : « ابلعي ماءك » فبلعت ماءها من مسجد الكوفة كما بدأ الماء من مسجدها وتفرق الجمع (٢) الذي كان مع نوح في السفينة فأخذ نوح التابوت فدفنه في الغري. (٣)

١٩ ـ مل : أبي ، عن أحمد بن إدريس ، ومحمد بن يحيى معا عن الاشعري ، عن محمد بن يوسف التميمي ، عن الصادق عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال النبي (ص) : عاش آدم أبوالبشر تسعمائة وثلاثين سنة. (٤)

بيان : اعلم أن الناس اختلفوا في عمر آدم عليه‌السلام فروى العامة عن أبي هريرة ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه كان كتب له ألف سنة فوهب ستين لدواد عليه‌السلام ثم رجع ، ورووا عن ابن عباس أنه وهب من الالف أربعين فجحد ، فأكمل الله لآدم ألف سنة ، ولداود (ع) مائة سنة ، ورووا مثل ذلك عن جماعة منهم سعيد بن جبير ، ورووا أنه قال ابن عباس : كان عمره تسعمائة وستا وثلاثين سنة ، وأهل التوراة يزعمون أن عمره تسعمائة وثلاثون سنة ، وقال ابن الاثير في الكامل : على رواية أبي هريرة لم يكن كثير اختلاف بين الحديثين وما في التوراة فلعل الله ذكر عمره في التوراة سوى ما وهبه لداود ، انتهى. (٥)

ـــــــــــــــ

(١) في المصدر : فطاف كما اوحى الله اليه. م

(٢) في نسخة : وتفرق الجميع.

(٣) كامل الزيارة ص ٣٨ ـ ٣٩.

(٤) لم نجده فيما عندنا من نسخة المصدر. م

(٥) كامل التواريخ ج ١ : ٢١. م

٢٦٨

وقال المسعودي : توفي يوم الجمعة لست خلون من نيسان في الساعة التي كان فيها خلقه ، وكان عمره تسعمائة وثلاثين سنة ، انتهى. (١)

وذكر السيد في سعد السعود من صحف إدريس عليه‌السلام مرضه عشرة أيام بالحمى ووفاته (٢) يوم الجمعة لاحدى عشر يوما خلت من المحرم ، ودفنه في غار في جبل أبي قبيس ، ووجهه إلى الكعبة ، وأن عمره عليه‌السلام من وقت نفخ الروح إلى وفاته ألف سنة وثلاثين ، وأن حواء (ع) ما بقيت بعده إلا سنة ثم مرضت خمسة عشر يوما ثم توفيت ودفنت إلى جنب آدم عليه‌السلام. ثم قال : ونبأ الله شيثا وأنزل عليه خمسين صحيفة فيها دلائل الله وفرائضه وأحكامه وسننه وشرائعه وحدوده ، فأقام بمكة يتلو تلك الصحف على بني آدم ويعلمها ويعبد الله ويعمر الكعبة فيعتمر في كل شهر ويحج في أوان الحج حتى تم له تسعمائة سنة واثنا عشر سنة فمرض فدعا ابنه أيوس (٣) فأوصى به إليه وأمره بتقوى الله ، ثم توفي فغسله أيوس ابنه وقينان بن أيوس ومهلائيل بن قينان ، فتقدم أيوس فصلى عليه ودفنوه عن يمين آدم في غار أبي قبيس. (٤)

ثم قال السيد رضي‌الله‌عنه : وجدت في السفر الثالث من التوراة أن حياة آدم كانت تسعمائة وثلاثين سنة ، وقال محمد بن خالد البرقي رحمه‌الله : إن عمر آدم (ع) كان تسع مائة وستا وثلاثين سنة ذكر ذلك في كتاب البداء عن الصادق عليه‌السلام. (٥)

أقول : يمكن رفع التنافي بين خبري الفضيل والتميمي بأن يكون عليه‌السلام أسقط النيف في الخبر الاخير بأن يكون الغرض ذكر أصل العقود سوى الكسور ، على أنه يحتمل أن يكون الاسقاط من الرواة.

ـــــــــــــــ

(١) مروج الذهب ج ١ : ١٧. وبه قال اليعقوبى في التاريخ ، وقال المسعودى في اثبات الوصية ، وكان عمره الف سنة وهب لداود منها سبعين سية فصار عمره بعد ذلك تسعمائه وثلاثين سنة.

(٢) في المصدر : وصفة غسله وتكفينه ودفنه. م

(٣) هكذا في النسخ والصحيح : أنوش كما في المصدر ، وكذا الكلام فيما بعده.

(٤) سعد السعود : ٣٧ ـ ٣٨. م

(٥) سعد السعود : ٤٠. وفيه : تسعمائة وست وثلاثون. م

٢٦٩

( باب ٩ )

* ( قصص ادريس ) *

الايات ، مريم « ١٩ » واذكر في الكتاب إدريس إنه كان صديقا نبيا * ورفعناه مكانا عليا ٥٦ ـ ٥٧.

الانبياء « ٢١ » وإسماعيل وإدريس وذا الكفل كل من الصابرين * وأدخلناهم في رحمتنا إنهم من الصالحين ٨٥ ـ ٨٦.

تفسير : قال الطبرسي رحمه‌الله : « واذكر في الكتاب » أي القرآن « إدريس » هو جد أب نوح عليه‌السلام ، واسمه في التوراة اخنوخ ، وقيل : إنه سمي إدريس لكثرة درسه الكتب وهو أول من خط بالقلم ، وكان خيطا ، وأول من خاط الثياب ، وقيل : إن الله سبحانه علمه النجوم والحساب وعلم الهيئة وكان ذلك معجزة له « إنه كان صديقا » أي كثير التصديق في امور الدين ، وقيل : صادقا مبالغا في الصدق فيما يخبر عن الله تعالى « نبيا » أي عليا رفيع الشأن برسالات الله تعالى « ورفعناه مكانا عليا » أي عاليا رفيعا ، وقيل : إنه رفع إلى السماء السادسة ، عن ابن عباس والضحاك ، وقال مجاهد : رفع إدريس كما رفع عيسى وهو حي لم يمت ، وقال آخرون : إنه قبض روحه بين السماء الرابعه والخامسة ، وروي ذلك عن أبي جعفر عليه‌السلام ، وقيل : إن معناه : ورفعناه محله ومرتبته بالرسالة ولم يرد رفعة المكان. (١)

١ ـ ع : بالاسناد إلى وهب أن إدريس عليه‌السلام كان رجلا ضخم البطن ، عريض الصدر ، قليلا شعر الجسد ، كثيرا شعر الرأس ، وكانت إحدى اذنيه أعظم من الاخرى ، وكان دقيق الصدر ، دقيق المنطق ، قريب الخطاء إذا مشى ، وإنما سمي إدريس لكثرة ما كان يدرس من حكم الله عزوجل وسنن الاسلام وهو بين أظهر قومه ، ثم إنه فكر في عظمة الله وجلاله فقال : إن لهذه السماوات ولهذه الارضين ولهذه الخلق العظيم والشمس والقمر والنجوم والسحاب والمطرو وهذه الاشياء التي تكون لربا يدبرها ويصلحها بقدرته

ـــــــــــــــ

(١) مجمع البيان ٦ : ٥١٩.

٢٧٠

فكيف لي بهذا فأعبده حق عبادته ، فجلا بطائفة من قومه (١) فجعل يعظهم و يذكرهم ويخوفهم ويدعوهم إلى عبادة خالق الاشياء ، فلا يزال يجيبه واحد بعد واحد حتى صاروا سبعة ثم سبعين إلى أن صاروا سبعمائة ثم بلغوا ألفا ، فلما بلغوا ألفا قال لهم : تعالو نختر من خيارنا (٢) مائة رجل ، فاختاروا من خيارهم مائة رجل ، واختاروا من المائة سبعين رجلا ، ثم اختاروا من السبعين عشرة ، ثم اختاروا من العشرة سبعة ، ثم قال لهم : تعالوا فليدع هؤلاء السبعة وليؤمن بقيتنا فلعل هذا الرب جل جلاله يدلنا على عبادته فوضعوا أيديهم على الارض ودعوا طويلا فلم يتبين لهم شئ ، ثم رفعوا أيديهم إلى السماء فأوحى الله عزوجل إلى إدريس عليه‌السلام ونبأه ودله على عبادته ، ومن آمن معه فلم يزالوا يعدون الله عزوجل لا يشركون به شيئا حتى رفع الله عزوجل إدريس إلى السماء و انقرض من تابعه على دينه إلا قليلا ، ثم إنهم اختلفوا بعد ذلك وأحدثوا الاحداث و أبدعوا البدع حتى كان زمان نوح عليه‌السلام. (٣)

٢ ـ ك : أبي وابن الوليد وابن المتوكل جميعا ، عن سعد والحميري ومحمد العطار ، عن ابن عيسى وابن هاشم جميعا ، عن ابن محبوب ، عن إبراهيم بن أبي البلاد ، عن أبيه ، عن أبي جفعر محمد بن علي الباقر (ع) قال : كان بدء نبوة إدريس عليه‌السلام أنه كان في زمانه ملك جبار (٤) وإنه ركب ذات يوم في بعض نزهه فمر بأرض خضرة لعبد مؤمن من الرافضة (٥) فأعجبته ، فسأل وزراءه : لمن هذه الارض؟ قالوا : لعبد من عبدالملك فلان الرافضي ، فدعابه فقال له : أمتعني بأرضك هذه ، (٦) فقال لها : عيالي أحوج إليها منك ، قال : فسمني بها

ـــــــــــــــ

(١) في نسخة : فخلا بطائفة من قومه.

(٢) في نسخة : تعالوا نختار من خيارنا.

(٣) علل الشرائع : ٢١. م

(٤) قال المسعودى في اثبات الوصية : إنه « بيوراسب ».

(٥) أى من الذين رفضوا الشرك والمعاصى وتركوا مذهب السلطان ، وعبر ٧ بذلك لئلايهتم أصحابه مما ينابرهم العامة بهذا اللقب ويعلموا أن ذلك كان ديدن أهل الدنيا سلفا و خلفا وعادتهم ، رواه المسعودى في اثبات الوصية وقال : فقيل : انها لرجل من الرافضة كان لا يتبعه على كفره ويرفضه يسمى رافضيا فدعى به.

(٦) أى صيرنى انتفع وألتذبه.

٢٧١

أثمن لك ، قال : لا أمتعك ولا أسومك دع عنك ذكرها ، فغضب الملك عند ذلك وأسف وانصرف إلى أهله وهو مغموم مفكر في أمره ، وكانت له امرأة من الازارقة (١) وكان بها معجبا يشاورها في الامر إذا نزل به ، فلما استقر في مجلسه بعث إليها ليشاورها في أمر صاحب الارض فخرجت إليه فرأت في وجهه الغضب ، فقالت له : أيها الملك ما الذي دهاك (٢) حتى بدا الغضب في وجهك قبل فعلك (٣) فأخبرها بخبر الارض وما كان من قوله لصاحبها ومن قول صاحبها له فقالت : أيها الملك إنما يغتم ويأسف (٤) من لا يقدر على التغيير والانتقام وإن كنت تكره أن تقتله بغير حجة فأنا أكفيك أمره واصير أرضه بيدك بحجة لك فيها العذر عند أهل مملكتك ، قال : وماهي؟ قالت : أبعث إليه أقواما من أصحابي أزراقة حتى يأتوك به فيشهدوا عليه عندك إنه قد برئ من دينك فيجوز لك قتله وأخذ أرضه ، قال : فافعلي ذلك قال : فكان لها أصحاب من الازارقة على دينها يرون قتل الرافضة من المؤمنين ، فبعثت إلى قوم منهم فأتوهم فأمرتهم أن يشهدوا على فلان الرافضي عند الملك أنه قد برئ من دين الملك فشهدوا عليه أنه قد برئ من دين الملك فقتله واستخلص أرضه ، فغضب الله للمؤمن عند ذلك فأوحى الله إلى إدريس عليه‌السلام أن ائت عبدي هذا الجبار فقل له : أما رضيت أن قتلت عبدي المؤمن ظلما حتى استخلصت أرضه خالصة لك فأحوجت عياله من بعده و أجعتهم؟ أما وعزتي لانتقمن له منك في الآجل ، ولاسلبنك ملكك في العاجل ، ولاخربن مدينك ، ولا ذلن عزك ، ولا طعمن الكلاب لحم امرأتك ، فقد غرك يا مبتلى حلمي عنك. فأتاه إدريس عليه‌السلام برسالة ربه وهو في مجلسه وحوله أصحابه. فقال : أيها الجبار إني رسول الله إليكم (٥) وهو يقول لك : أما رضيت أن قتلت عبدي المؤمن ظلما حتى استخلصت أرضه خالصة لك ، وأحوجت عياله من بعده وأجعتهم؟ أما وعزتي لانتقمن له منك في الآجل ، ولاسلبنك ملك في العاجل ، ولاخربن مدينتك ، ولاذلن عزك ، ولا طعمن

ـــــــــــــــ

(١) أى كانت بصفة الازارقة ، فلما أن الازارقة يرون غير أهل نحلتهم مشركا ويستحلون دمه وأمواله فكذلك هذه المرأة ، والازارقة فرقة من الخوارج.

(٢) دهى فلانا : أصابه بداهية. والداهية : الامر العظيم.

(٣) في نسخة : قبل ايقاعك.

(٤) في المصدر : يغتم ويهتم به « ويأسف خ ). م

(٥) في نسخة : اتى رسول الله إليك.

٢٧٢

الكلاب لحم امرأتك ، فقال الجبار : اخرج عني يا إدريس فلن تسبقني بنفسك ، ثم أرسل إلى امرأته فأخبرها بما جاء به إدريس فقالت : لا يهولنك رسالة إله إدريس ، أنا ارسل إليه من يقتله فتبطل رسالة إلهه وكل ما جاءك به ، قال : فافعلي ، وكان لادريس أصحاب من الرافضة مؤمنون يجتمعون إليه في مجلس له فيأنسون به ويأنس بهم ، فأخبرهم إدريس بما كان من وحي الله عزوجل إليه ورسالته إلى الجبار وما كان من تبليغ رسالة الله إلى الجبار ، فأشفقوا على إدريس وأصحابه وخافوا عليه القتل ، وبعثت امرأة الجبار إلى إدريس أربعين رجلا من الازارقة ليقتلوه فأتوه في مجلسه الذي كان يجتمع إليه فيه أصحابه فلم يجدوه ، فانصرفوا وقد رآهم أصحاب إدريس فحسوا أنهم أتوا إدريس ليقتلوه فتفرقوا في طلبه فلقوا فقالوا له : خذ حذرك يا إدريس فإن الجبار قاتلك ، قد بعث اليوم أربعين رجلا من الازارقة ليقتلوك فاخرج من هذه القرية ، فتنحى إدريس عن القرية من يوم ذلك ومعه نفر من أصحابه ، فلما كان في السحر ناجى إدريس ربه فقال : يا رب بعثني إلى جبار فبلغت رسالتك ، وقد توعدني هذا الجبار بالقتل ، بل هو قاتلي إن ظفر بي ، فأحى الله إليه أن تنح عنه واخرج من قريته وخلني وإياه ، فوعزتي لا نفذن فيه أمري ، ولا صدقن قولك فيه وما أرسلتك به إليه.

فقال إدريس : يا رب إن لي حاجة ، قال الله : سلها تعطها ، قال : أسألك أن لا تمطر السماء على أهل هذه القرية وما حولها وما حوت عليه حتى أسألك ذلك ، قال الله عزوجل : يا إدريس إذا تخرب القرية ويشتد جهد أهلها ويجوعون ، فقال إدريس : وإن خربت و جهدوا وجاعوا ، قال الله : فإني قد أعطيتك ما سألت ولن امطر السماء عليهم حتى تسألني ذلك وأنا أحق من وفى بعهده ، فأخبر إدريس أصحابه بما سأل الله عزوجل من حبس المطر عنهم وبما أوحى الله إليه ووعده أن لا يمطر السماء عليهم حتى أسأله ذلك ، فاخرجوا أيها المؤمنون من هذه القرية إلى غيرها من القرى ، فخرجوا منها وعدتهم يومئذ عشرون رجلا فتفرقوا في القرى ، وشاع خبر إدريس في القرى بما سأل الله تعالى ، وتنحى إدريس إلى كهف في الجبل شاهق فلجأ إليه ووكل الله عزوجل به ملكا يأتيه بطعامه عند كل مساء وكان يصوم النهار فيأتيه الملك بطعامه عند كل مساء ، وسلت الله عزوجل عند ذلك ملك

٢٧٣

الجبار وقتله وأخرب مدينته وأطعم الكلاب لحم امرأته غضبا للمؤمن ، وظهر في المدينة جبار آخر عاص فمكثوا بذلك بعد خروج إدريس من القرية عشرين سنة لم تمطر السماء قطرة من مائها عليهم ، فجهد القوم واشتدت حالهم وصاروا يمتارون الاطعمة (١) من القرى من بعد ، فلما جهدوا مشى بعضهم إلى بعض فقالوا : إن الذي نزل بنا مما ترون بسؤال إدريس ربه أن لا يمطر السماء علينا حتى يسأله هو ، وقد خفي إدريس عنا ولا علم لنا بموضعه والله أرحم بنا منه ، فأجمع أمرهم على أن يتوبوا إلى الله ويدعوه ويفزعوا إليه و يسألوه أن يمطر السماء عليهم وعلى ما حوت قريتهم ، فقاموا على الرماد ولبسوا المسوح ، وحثوا على رؤوسهم التراب (٢) ورجعوا إلى الله عزوجل بالتوبة والاستغفار والبكاء و التضرع إليه ، وأوحى الله عزوجل إليه : يا إدريس أهل قريتك (٣) قد عجوا إلي بالتوبة والاستغار والبكاء والتضرع ، وأنا الله الرحمن الرحيم أقبل التوبة وأعفو من السيئة وقد رحمتهم ، ولم يمنعني إجابتهم إلى ما سألوني من المطر إلا مناظرتك فيما سألتني أن لا امطر السماء عليهم حتى تسألني ، فاسألني يا إدريس حتى اغيثهم وامطر السماء عليهم.

قال إدريس : اللهم إني لا أسألك ذلك ، قال الله عزوجل : ألم تسألني يا إدريس فسلني ، (٤) قال إدريس : اللهم إني لا أسألك ، فأوحى الله عزوجل إلى الملك الذي أمره أن يأتي إدريس بطعامه كل مساء أن احبس عن إدريس طعامه ولا تأته به ، فلما امسى إدريس في ليلة ذلك اليوم فلم يؤت بطعامه حزن وجاع فصبر ، فلما كان في اليوم الثاني فلم يؤت بطمامه اشتد حزنه وجوعه ، فلما كانت الليلة من اليوم الثالث فلم يؤت بطعامه اشتد جهده وجوعه وحزنه وقل صبره فنادى ربه : يارب حبست عني رزقي من قبل أن تقبض روحي؟! فأوحى الله عزوجل إليه : يا إدريس جزعت أن حبست عنك طعامك ثلاثة أيام ولياليها ، ولم تجزع ولم تنكر جوع أهل قريتك وجهدهم منذ عشرين سنة؟! ثم سألتك عن جهدهم

ـــــــــــــــ

(١) أى يجمعون الاطمة.

(٢) حثا التراب : صبه.

(٣) في المصدر : فاوحى الله عزوجل إلى؟ ادريس ان اهل قريتك اه. م

(٤) « « : الم تسألنى يا ادريس فاجبتك إلى ما سألت ، وانا اسألك ان لم تسألنى فلم لا تجيب مسألتى. قال ادريس اه. م.

٢٧٤

ورحمتي إياهم أن تسألني أن امطر السماء عليهم فلم تسألني وبخلت عليهم بمسألتك إياي فأذقتك الجوع (١) فقل عند ذلك صبرك وظهر جزعك ، فاهبط من موضعك فاطلب المعاش لنفسك فقد وكلتك في طلبه إلى حيلك ، فهبط إدريس من موضعه إلى غيره يطلب اكلة من جوع ، فلما دخل القرية نظر إلى دخان في بعض منازلها فأقبل نحوه فهجم على عجوز كبيرة وهي ترقق قرصتين لها على مقلاة (٢) فقال لها : أيتها المرأه أطعميني فإني مجهود من الجوع ، فقالت له : يا عبدالله ما تركت لنا عدوة إدريس فضلال نطعمه أحدا ـ وحلفت أنها ما تملك شيئا غيره فاطلب المعاش من غير أهل هذه القرية ، قال لها : أطعميني منا امسك به روحي وتحملني به رجلي إلى أن أطلب ، قالت : إنهما قرصتان : واحدة لي والاخرى لابني فإن أطعمتك قوتي مت ، وإن أطعمتك قوت ابني مات ، وما هنا فضل اطعمكاه ، فقال لها : إن ابنك صغير يجزيه نصف قرصة فيحيى بها ويجزيني النصف الآخر فأحيى به وفي ذلك بلغة لي وله ، فأكلت المرأة قرصها وكسرت القرص الآخر بين إدريس وبين ابنها ، فلما رأى ابنها إدريس يأكل من قرصه اضطرب حتى مات ، قالت امه : يا عبدالله قتلت علي ابني جزعا على قوته؟! قال إدريس : فأنا احييه بإذن الله تعالى فلا تجزعي ، ثم أخذ إدريس بعضدي الصبي ثم قال : أيتها الروح الخارجة من بدن هذا الغلام بإذن الله ارجعي إلى بدنه بإذن الله وأنا إدريس النبي ، فرجعت روح الغلام إليه بإذن الله فلما سمعت المرأة كلام إدريس وقوله : أنا إدريس ونظرت إلى ابنها قد عاش بعد الموت قالت : أشهد أنك إدريس النبي ، وخرجت تنادي بأعلى صوتها في القرية : ابشروا بالفرج فقد دخل إدريس قريتكم ، ومضى إدريس حتى جلس على موضع مدينة الجبار الاول و هي على تل فاجتمع إليه أناس من أهل قريته فقالوا له : يا إدريس أما رحمتنا في هذه العشرين سنة التي جهدنا فيها مسنا الجوع والجهد فيها؟ فادع الله لنا أن يمطر السماء علينا ، قال : لا حتى يأتيني جباركم هذا وجميع أهل قريتكم مشاة حفاة فيسألوني ذلك ، فبلغ الجبار قوله فبعث إليه أربعين رجلا يأتوه بإدريس ، فأتوه فقالوا له : إن الجبار بعث إليك

ـــــــــــــــ

(١) في المصدر : فادبتك بالجوع. م

(٢) المقلاة : وعاء يقلى فيه الطعام.

٢٧٥

لتذهب إليه فدعا عليهم فماتوا ، فبلغ الجبار ذلك فبعث إليه خمسمائة رجل ليأتوه به فقالوا له : يا إدريس إن الجبار بعثنا إليك لنذهب بك إليه ، فقال لهم إدريس : انظروا إلى مصارع أصحابكم ، فقالوا له : يا إدريس قتلتنا بالجوع منذ عشرين سنة ثم تريد أن تدعو علينا بالموت! أمالك رحمة؟ فقال : ما أنا بذاهب إليه ، ولا أنا بسائل الله أن يمطر السماء عليكم حتى يأتيني جباركم ما شيا حافيا وأهل قريتكم ، فانطلقوا إلى الجبار فأخبروه وبقول إدريس واسألوه أن يمضي معهم وجميع أهل قريتهم إلى إدريس حفاة مشاة ، فأتوه حتى وقفوا بين يديه خاضعين له طالبين إليه أن يسأل الله لهم أن يمطر السماء عليهم ، فقال لهم إدريس : أما الآن فنعم ، فسأل الله تعالى إدريس عند ذلك أن يمطر السماء عليهم و على قريتهم ونواحيها فأظلتهم سحابة من السماء وأرعدت وأبرقت وهطلت (١) عليهم من ساعتهم حتى ظنوا أنها الغرق فما رجعوا إلى منازلهم حتى أهمتهم أنفسهم من الماء. (٢)

ص : بإسناده إلى الصدوق مثله. (٣)

بيان : فسمني أي بعني. أثمن لك : اعطيك الثمن. قبل فعلك أي إتيانك بما غضبت له. فلن تسبقني بنفسك هو تهديد بالقتل ، أي لا يمكنك الفرار بنفسك والتقدم بحيث لا يمكنني اللحوق بك لاهلاكها ، أو لا تغلبني في أمر نفسك بأن تتخلصها مني ، ويحتمل أن يكون المراد : لا تغلبني متفردا بنفسك من غير معاون فلم تتعرض لي. حتى أهمتهم أنفسهم أي خوف أنفسهم أوقعهم في الهموم ، أولم يهتمهم إلا هم أنفسهم وطلب خلاصها. ثم اعلم أن الظاهر أن أمره تعالى إدريس عليه‌السلام بالدعاء لهم لم يكن على سبيل الحتم والوجوب بل على الندب والاستحباب ، وكان غرضه (ع) في التأخير وفي طلب القوم أن يأتوه متذللين تنبيههم وزجرهم عن الطغيان والفساد ولئلا يخالفوا ربهم بعد دخوله بينهم ، (٤) وأن أولياء الله يغضبون لربهم أكثر من سخطه تعالى لنفسه لسعة رحمته وعظم حمله تعالى شأنه.

ـــــــــــــــ

(١) هطل المطر : نزل متتابعا متفرقا عظيم القطر.

(٢) كمال الدين : ٧٦ ـ ٧٨. م

(٣) مخطوط. م

(٤) وليكون ذلك تنبيها للملك الجبار وأتباعه ورجوعهم إلى الله مسلمين ، ولو كان يدعو قبل أن يسلموا ويتوبوا لكانوا يجبرون الناس على الضلال بعد أن رفهوا.

٢٧٦

٣ ـ فس : أبي عن ابن أبي عمير ، عمن حدثه ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : إن الله تبارك وتعالى غضب على ملك من الملائكة فقطع جناحه وألقاه في جزيرة من جزائر البحر ، فبقي ماشاء الله في ذلك البحر ، فلما بعث الله إدريس عليه‌السلام جاء ذلك الملك إليه فقال : يا نبي الله ادع الله أن يرضى عني ويرد علي جناحي ، (١) قال : نعم ، فدعا إدريس ربه فرد الله عليه جناحه ورضي عنه ، قال الملك لادريس : ألك إلي حاجة؟ قال : نعم ، احب أن ترفعني إلى السماء حتى أنظر إلى الملك الموت ، فإنه لا تعيش لي مع ذكره ، فأخذه الملك إلى جناحه (٢) حتى انتهى به إلى السماء الرابعة فإذا ملك الموت جالس يحرك رأسه تعجبا ، فسلم إدريس على ملك الموت وقال له : مالك تحرك رأسك؟ قال : إن رب العزة أمرني أن أقبض روحك بين السماء الرابعة والخامسة ، فقلت : رب (٣) كيف يكون هذه وغلظ السماء الرابعة مسيرة خمسمائة عام ، ومن السماء الرابعة إلى السماء الثالثة مسيرة خمسمائة عام » ومن السماء الثالثة إلى الثانية مسيرة خمسمائة عام خ ل ) وكل سماء وما بينهما كذلك ، فكيف يكون هذا؟! ثم قبض روحه بين السماء الرابعة و الخامسة وهو قوله : « ورفعناه مكانا عليا » قال : وسمي إدريس لكثرة دراسة الكتب. (٤)

٤ ـ مع : معنى إدريس أنه كان يكثر الدرس بحكم الله عزوجل وسنن الاسلام (٥)

٥ ـ ل ، مع : في خبر أبي ذر قال رسول الله (ص) : أنزل الله على إدريس ثلاثين صحيفة. (٦)

٦ ـ ج : فيما احتج به أميرالمؤمنين عليه‌السلام على يهودي الشام : إن إدريس عليه‌السلام رفعه الله مكانا عليا ، واطعم من تحف الجنة بعد وفاته. (٧)

٧ ـ ص : بالاسناد إلى الصدوق ، عن أبيه ، عن محمد العطار ، عن ابن أبان ، عن ابن

ـــــــــــــــ

(١) في نسخة : ويرد لى جناحى.

(٢) في المصدر : على جناحه. م

(٣) في المصدر : يارب. م

(٤) تفسير القمى : ٤١١ ـ ٤١٢. وفى نسخة : لكثرة دراسته للكتب.

(٥) معانى الاخبار : ١٨. م

(٦) الخصال ج ٢ : ١٠٤ ، معانى الاخبار : ٩٥. م

(٧) الاحتجاج : ١١١. م

٢٧٧

اورمة ، عن محمد بن عثمان ، عن أبي جميلة ، عن جابر الجعفي ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : قال رسول الله (ص) : إن ملكا من الملائكة كانت له منزلة فأهبطه الله من السماء إلى الارض فأتى إدريس النبي عليه‌السلام فقال له : اشفع لي عند ربك ، فصلى ثلاث ليال لا يفتر وصام أيامها لا يفطر ثم طلب إلي الله في السحر للملك فأذن له في الصعود إلى السماء فقال له الملك : أحب أن اكافيك فاطلب إلي حاجة ، فقال : تريني ملك الموت لعلي آنس به فإنه ليس يهنؤني مع ذكره شئ ، فبسط جناحيه ثم قال : اركب ، فصعد به فطلب ملك الموت في سماء الدنيا فقيل : إنه قد صعد ، فاستقبله بين السماء الرابعة والخامسة فقال الملك لملك الموت : مالي أراك قاطبا؟ (١) قال : أتعجب إني كنت تحت ظل العرش حتى امرت أن أقبض روح إدريس بين السماء الرابعة والخامسة ، فسمع إدريس ذلك فانتفض من جناح الملك (٢) وقبض ملك الموت روحه مكانه ، وذلك قوله تعالى : « واذكر في الكتاب إدريس إنه كان صديقا نبيا * ورفعناه مكانا عليا ». (٣)

٨ ـ ص : بهذا الاسناد عن ابن اورمة ، عن عبدالله بن المغيرة ، عن محمد بن مروان عن أبي صالح ، عن ابن عباس قال : كان إدريس النبي عليه‌السلام يسيح النهار (٤) ويصومه ويبيت حيث ما جنه اليل ويأتيه رزقه حيث ما أفطر ، وكان يصعد له من العمل الصالح مثل ما يصعد لاهل الارض كلهم ، فسأل ملك الموت ربه في زيادة إدريس عليه‌السلام وأن يسلم عليه ، فأذن له فنزل وأتاه ، فقال : إني اريد أن أصحبك فأكون معك ، فصحبه وكانا يسيحان النهار ويصومانه فإذا جنهما الليل اتي إدريس فطره فيأكل ويدعو ملك الموت إليه فيقول : لا حاجة لي فيه : ثم يقومان يصليان ، وإدريس يصلي ويفتروينام ، وملك الموت يصلي ولا ينام ولا يفتر ، فمكثا بذلك أياما ثم إنهما مرا بقطيع غنم وكرم قد أينع ، فقال ملك الموت : هل لك أن تأخذ من ذلك حملا أو من هذا عناقيد فنفطر عليه؟ فقال : سبحان الله أدعوك إلى مالي فتأبى فكيف تدعوني إلى مال الغير!؟ ثم قال إدريس عليه‌السلام : قد صحبتني وأحسنت

ـــــــــــــــ

(١) قطب الرجل : جمع ما بين عينيه وكلح.

(٢) في نسخة : فانتقض من جناح الملك.

(٣) مخطوط. م

(٤) أى يذهب في الارض للعبادة والترهب.

٢٧٨

فيما بيني وبينك من أنت؟ قال : أنا ملك الموت ، قال إدريس : لي إليك حاجة ، فقال : وما هي؟ قال : تصعد بي إلى السماء ، فاستأذن ملك الموت ربه في ذلك فأذن له ، فحمله على جناحه فصعد به إلى السماء ، ثم قال له إدريس عليه‌السلام : إن لي إليك حاجة اخرى ، قال : وما هي؟ قال : بلغني من الموت شدة فاحب أن تذيقني منه طرفا فأنظر هو كما بلغني ، فاستأذن ربه له فأذن فأخذ بنفسه ساعة ثم خلى عنه ، فقال له : كيف رأيت؟ قال : بلغني عنه شدة وأنه لاشد مما بلغني ، ولي إليك حاجة اخرى تريني النار ، فاستأذن ملك الموت صاحب النار ، ففتح له فلما رآها إدريس عليه‌السلام سقط مغشيا عليه ، ثم قال : لي إليك حاجة اخرى تريني الجنة ، فاستأذن ملك الموت خازن الجنة فدخلها فلما نظر إليها قال : يا ملك الموت ما كنت لاخرج منها ، إن الله تعالى يقول : « كل نفس ذائقة الموت » وقد ذقته ، ويقول : « وإن منكم إلا واردها » وقد وردتها ، ويقول في الجنة : « وماهم بخارجين منها ». (١)

بيان : الخبران السابقان أقوى وأصح سندا كما لا يخفى فالمعول عليها ، وهذا أوفق بروايات العامة.

٩ ـ ص : بالاسناد إلى الصدوق بإسناده إلى وهب بن المنبه قال : إن إدريس كان رجلا طويلا ، ضخم البطن ، وعظيم الصدر ، قليل الصوت ، رقيق المنطق ، قريب الخطى إذا مشى ـ وساق الحديث إلى آخر مامر في صدر الباب ـ ثم قال : وأنزل الله على إدريس عليه‌السلام ثلاثين صحيفة ، وهو أول من خط بالقلم ، وأول من خاط الثياب ولبسها ، وكان من قبله يلبسون الجلود ، وكان كلما خاط سبح الله وهلله وكبره ووحده و مجده ، وكان يصعد إلى السماء من عمله في كل يوم مثل أعمال أهل زمانه كلهم ، قال : وكانت الملائكة في زمان إدريس عليه‌السلام يصافحون الناس ويسلمون عليهم ويكلمونهم و يجالسونهم وذلك لصلاح الزمان وأهله ، فلم يزل الناس على ذلك حتى كان زمن نوح عليه‌السلام وقومه ثم انقطع ذلك ، وكان من أمره مع ملك الموت ما كان حتى دخل الجنة ، فقال له ربه : إن إدريس إنما حاجك فحجك بوحيي وأنا الذي هيأت له تعجيل دخول

ـــــــــــــــ

(١) مخطوط. م.

٢٧٩

الجنة ، فإنه كان ينصب نفسه (١) وجسده يتعبهما لي ، فكان حقا علي أن اعوضه من ذلك الراحة والطمأنينة ، وأن ابوئه بتواضعه لي وبصالح عبادتي من الجنة مقعدا ومكانا عليا. (٢)

١٠ ـ ص : بالاسناد إلى الصدوق ، عن الصائغ ، عن ابن زكريا القطان ، عن ابن حبيب ، عن ابن بهلول ، عن أبيه ، عن ابن مهران ، عن الصادق عليه‌السلام قال : إذا دخلت الكوفة فأت مسجد السهلة فضل فيه واسأل الله حاجتك لدينك ودنياك ، فإن مسجد السهلة بيت إدريس النبي عليه‌السلام الذي كان يخيط فيه ويصلي فيه ، ومن دعا الله فيه بما أحب قضى له حوائجه ورفعه يوم القيامة مكانا عليا إلى درجة إدريس عليه‌السلام ، واجير من مكروه الدنيا ومكائد أعائه. (٣)

أقول : قد أوردنا مثله بأسانيد في باب مسجد السهلة ، وقال المسعودي : اخنوخ هو إدريس النبي عليه‌السلام والصابئة تزعم أنه هرمس ، ومعنى هرمس عطارد ، وهو الذي أخبر الله في كتابه أنه رفعه مكانا عليا ، وكان عالما بالنجوم ، وكانت حياته في الارض ثلاثمائة سنة ، (٤) وقيل : أكثر من ذلك ، (٥) وهو أول من طرز الطرز (٦) وخاط بالابرة ، وانزل عليه ثلاثون صحيفة ، وكان نزل قبل ذلك على آدم إحدى وعشرون صحيفة ونزل على شيث تسعة وعشرون صحيفة فيها تهليل وتسبيح. (٧)

وقال الطبرسي رحمه‌الله والرازي : إنه جد أبي نوح عليه‌السلام واسمه اخنوخ ، وهو أول من خاط الثياب ولبسها ، وكانوا يلبسون الجلود. (٨)

وقال ابن الاثير في الكامل : قام أنوش بن شيث بعد موت أبيه بسياسة الملك وتدبير

ـــــــــــــــ

(١) أى يتعبه ويزجره ، وفى نسخة : كان ينصب نفسه وجسده بتعبهما.

(٢ و ٣) مخطوط. م

(٤) وبه قال اليعقوبى في تاريخه.

(٥) ليس في المصدر بين قوله : « مكانا عليا » وقوله : « وهو اول » شئ. م

(٦) في المصدر : من درز الدروز. م

(٧) مروج الذهب ج ١ : ١٨. وقد فصل ترجمة في اثبات الوصية : ص ١١ وقال : وفى أيامه ملك بيوراسب من ولد قابيل ألف سنة ، ثم ذكر ما تقدم في الخبر الثانى ، وقال : كان منزله مسجد السهلة بظاهر الكوفة ، وقال : وكانت سنه في الوقت الذى رفع فيه ثلاث مائة وستا وخمسين سنة.

(٨) مجمع البيان ٦ : ٥١٩ مفاتيح الغيب ٥ : ٥٦٦. م.

٢٨٠