بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٤١
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

ذلك لمحض استبعاد الاوهام ليس من طريقة الاخبار ، وأما نحو حضورهم وكيفيته فلا يلزم الفحص عنه ، بل يكفي فيه وفي أمثاله الايمان به مجملا على ما صدر عنهم عليهم‌السلام ، وما يقال : من أن هذا خلاف الحس والعقل : أما الاول فلانا نحضر الموتى إلى قبض روحهم ولا نرى عندهم أحدا ، وأما الثاني فلانه يمكن أن يتفق في آن واحد قبض أرواح آلاف من الناس في مشارق الارض ومغاربها ، ولا يمكن حضور الجسم في زمان واحد في أمكنة متعددة. فيمكن الجواب عن الاول بوجوه :

الاول : أن الله تعالى قادر على أن يحجبهم عن أبصارنا لضرب من المصلحة ، كما ورد في أخبار الخاصة والعامة في تفسير قوله تعالى : « جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا » أن الله تعالى أخفى شخص النبي (ص) عن أعدائه مع أن أولياءه كانوا يرونه ، وإنكار أمثال ذلك يفضي إلى إنكار أكثر معجزات الانبياء والاوصياء عليهم‌السلام وقد مر فيما نقلنا من تفسير العسكري عليه‌السلام التصريح بهذا الوجه.

الثاني : أنه يمكن أن يكون حضورهم بجسد مثالي لطيف لا يراه غير المحتضر ، كحضور ملك الموت وأعوانه ، وسيأتي الاخبار في سائر الموتى أن أرواحهم في البرزخ تتعلق بأجساد مثالية ، وأما الحي من الائمة عليهم‌السلام فلا يبعد تصرف روحه لقوته في جسد مثالي أيضا.

الثالث : أنه يمكن أن يخلق الله تعالى لكل منهم مثالا بصورته وهذه الامثلة يكلمون الموتى ويبشرونهم من قبلهم عليهم‌السلام كما ورد في بعض الاخبار بلفظ التمثيل.

الرابع : أنه يمكن أن يرتسم صورهم في الحس المشترك بحيث يشاهدهم المحتضر ويتكلم معهم كما في المبرسم.

الخامس : ما ذكره السيد المرتضى رضي‌الله‌عنه وهو أن المعنى أنه يعلم في تلك الحال ثمرة ولايتهم وانحرافه عنهم لان المحب لهم يرى في تلك الحال ما يدله على أنه من أهل الجنة وكذا المبغض لهم يرى ما يدله على أنه من أهل النار ، فيكون حضورهم وتكلمهم استعارة تمثيلية ، ولا يخفى أن الوجهين الاخيرين بعيدان عن

٢٠١

سياق الاخبار ، بل مثل هذه التأويلات رد للاخبار ، وطعن في الآثار. وأما الجواب عن الوجه الثاني فبأنه إنما يتم الشبهة إذا ثبت وقوع هذا الاتفاق ، ومحض الامكان لا يكفي في ذلك ، مع أنه إذا قلنا بأن حضورهم في الاجساد المثالية يمكن أن يكون لهم أجساد مثالية كثيرة لما جعل الله لهم من القدرة الكاملة التي بها امتازوا عن سائر البشر ، وفي الوجوه الثلاثة الاخيرة على تقدير صحتها اندفاع هذا الايراد ظاهر ، والاحوط والاولى في أمثال تلك المتشابهات الايمان بها ، وعدم التعرض لخصوصياتها وتفاصيلها وإحالة علمها إلى العالم عليه‌السلام كما مر في الاخبار التي أوردناها في باب التسليم ، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.

(باب ٨)

*(أحوال البرزخ والقبر وعذابه وسؤاله وسائر ما يتعلق بذلك)*

الايات ، البقرة «٢ » ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء و لكن لا تشعرون ١٥٤.

آل عمران « ٣ » ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون * فرحين بما آتيهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون * يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين ١٦٩ ـ ١٧١.

ابراهيم « ٤ » يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحيوة الدنيا وفي الآخرة ٢٧.

طه « ٢٠ » ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشرهم يوم القيامة أعمى ١٢٤.

المؤمنون « ٢٣ » حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعوني لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون ٩٩ ـ ١٠٠.

المؤمن « ٤٠ » قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل ١١.

٢٠٢

تفسير : قال الطبرسي رحمه الله : قوله تعالى : « بل أحياء » فيه أقوال : أحدها ـ وهو الصحيح ـ أنهم أحياء على الحقيقة إلى أن تقوم الساعة ، وهو قول ابن عباس ومجاهد وقتادة ، وإليه ذهب الحسن وعمرو بن عبيد وواصل بن عطاء ، واختاره الجبائي الرماني وجميع المفسرين.

الثاني : أن المشركين كانوا يقولون : أصحاب محمد يقتلون نفوسهم في الحروب بغير سبب ، ثم يموتون فيذهبون ، فأعلمهم الله أنه ليس الامر على ما قالوه وأنهم سيحيون يوم القيامة ويثابون ، عن البلخي ، ولم يذكر ذلك غيره.

والثالث : معناه : لا تقولوا : هم أموات في الدين بل هم أحياء بالطاعة والهدى ، ومثله قوله سبحانه : « أو من كان ميتا فأحييناه » فجعل الضلال موتا والهداية حياة ، عن الاصم.

والرابع : أن المراد أنهم أحياء لما نالوا من جميل الذكر والثناء ، كما روي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام من قوله : هلك خزان الاموال والعلماء باقون ما بقي الدهر ، أعيانهم مفقودة ، وآثارهم في القلوب موجودة. والمعتمد هو القول الاول لان عليه إجماع المفسرين ، ولان الخطاب للمؤمنين وكانوا يعلمون أن الشهداء على الحق والهدى و أنهم ينشرون ويحيون يوم القيامة ، فلا يجوز أن يقال لهم : « ولكن لا تشعرون » من حيث إنهم كانوا يشعرون بذلك ويقرون به ، ولان حمله على ذلك يبطل فائدة تخصيصهم بالذكر ، ولو كانوا أيضا أحياءا بما حصل لهم من جميل الثناء لما قيل أيضا : « ولكن لا تشعرون » لانهم كانوا يشعرون بذلك ، ووجه تخصيص الشهداء بكونهم أحياءا ـ وإن كان غيرهم من المؤمنين قد يكونون أحياءا في البرزخ ـ أنه على جهة البشارة بذكر حالهم ثم البيان لما يختصون به من أنهم يرزقون كما في الآية الاخرى ، فإن قيل : فنحن نرى جثث الشهداء مطروحة على الارض لا يتصرف ولا يرى فيها شئ من علامات الاحياء! فالجواب ـ على مذهب من يقول بأن الانسان هو الروح من أصحابنا ـ أن الله تعالى جعل لهم أجساما كأجسامهم في دار الدنيا يتنعمون فيها دون أجسامهم التي في القبور فإن النعيم والعذاب إنما يصل عنده إلى النفس التي هي الانسان المكلف عنده ، دون الجثة ويؤيده كثير من الاخبار.

وأما على مذهب من قال من أصحابنا إن الانسان هذه الجثة المشاهدة وأن الروح

٢٠٣

هو النفس المتردد في مخارق الحيوان وهو أجزاء الجو فيقول : إنه يلطف أجزاء من الانسان لا يمكن أن يكون الحي حيا بأقل منها ، يوصل إليها النعيم ، وإن لم تكن تلك الجملة بكمالها لانه لا معتبر بالاطراف وأجزاء السمن في كون الحي حيا فإن الحي لا يخرج بمفارقتها من كونه حيا ، وربما قيل : بأن الجثة يجوز أن تكون مطروحة في الصورة ولا يكون ميتا فيصل إليها اللذات ، كما أن النائم حي وتصل إليه اللذات مع أنه لا يحس ولا يشعر بشئ من ذلك ، فيرى في النوم ما يحدثه السرور والالتذاذ ، حتى أنه يود أن يطول نومه ولا ينتبه ، وقد جاء في الحديث (١) أنه يفسح له مد بصره ويقال له : نم نومة العروس ، وقوله : « ولكن لا تشعرون » أي لا تعلمون أنهم أحياء ، وفي هذه الآية دلالة على صحة مذهبنا في سؤال القبر وإثابة المؤمن فيه وعقاب العصاة على ما تظاهرت به الاخبار ، وإنما حمل البلخي الآية على حياة الحشر لانكاره عذاب القبر. انتهى كلامه رفع الله مقامه.

وقال الرازي في تفسير تلك الآية بعد نقل ما ذكره الطبرسي رحمه الله من الاقوال الاربعة واختيار القول الاول : وهذا قول أكثر المفسرين ، وهذا دليل على أن المطيعين يصل ثوابهم إليهم وهم في القبر ، فإن قيل : نحن نشاهد أجسادهم ميتة في القبور فكيف يصح ما ذهبتم إليه؟ قلنا : أما عندنا فالبنية ليست شرطا في الحياة ، ولا امتناع في أن الله تعالى يعيد الحياة إلى كل واحد من تلك الذرات والاجزاء الصغيرة من غير حاجة إلى التركيب والتأليف ، وأما عند المعتزلة فلا يبعد أن يعيد الله الحياة إلى الاجزاء التي لابد منها في مائية الحياة بغير الاطراف ، ويحتمل أن يحييهم إذا لم يشاهدوا. ثم قال : وأكثر العلماء على ترجيح هذا القول ، ويدل عليه وجوه : أحدها أن الآيات الدالة على عذاب القبر كثيرة كقوله تعالى : « قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين » (٢) و الموتان لا يحصلان إلا عند حصول الحياة في القبر ، وقال تعالى : « اغرقوا فادخلوا نارا » (٣) والفاء للتعقيب ، وقال : « النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة

__________________

(١) تقدم مسندا تحت رقم ٥٢.

(٢) المؤمن : ١١.

(٣) نوح : ٢٥.

٢٠٤

أدخلوا آل فرعون أشد العذاب » (١) وإذا ثبت عذاب القبر وجب القول بثواب القبر أيضا لان العذاب حق الله تعالى على العبد ، والثواب حق العبد على الله تعالى ، فإسقاط العذاب أحسن من إسقاط الثواب ، فحيث ما أسقط العقاب إلى القيامة بل حققه في القبر كان ذلك في الثواب أولى.

وثانيها أن المعنى لو كان على ما قيل في سائر الاقوال لم يكن لقوله : « ولكن لا تشعرون » معنى ، لان الخطاب للمؤمنين وقد كانوا يعلمون أنهم سيحيون يوم القيامة ، وأنهم ماتوا على هدى ونور.

وثالثها أن قوله : « ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم » دليل على حصول الحياة في البرزخ مثل المبعث.

ورابعها قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النيران والاخبار في ثواب القبر وعذابه كالمتواترة ، وكان (ص) يقول في آخر صلاته : وأعوذ بك من عذاب القبر.

وخامسها لو كان المراد بقوله : « إنهم أحياء » أنهم سيحيون فحينئذ لا يبقى لتخصيصهم بهذا فائدة.

وسادسها أن الناس يزورون قبور الشهداء ويعظمونها وذلك يدل من بعض الوجوه على ما ذكرناه. واعلم أن في الآية قولا آخر وهو أن ثواب القبر وعذابه للروح لا للقالب ، وهذا القول مبني على معرفة الروح ، ولنشر إلى حاصل قول هؤلاء ، فنقول : إنهم قالوا : إنه لا يجوز أن يكون الانسان عبارة عن هذا الهيكل المخصوص لوجهين : الاول أن أجزاء هذا الهيكل أبدا في النمو والذبول والزيادة والنقصان و الاستكمال والذوبان ، (٢) ولا شك أن الانسان من حيث هو هو باق من أول عمره إلى آخره ، والباقي غير ما هو غير باق ، فالمشار إليه عند كل أحد بقوله : «أنا» وجب أن يكون مغايرا لهذا الهيكل.

__________________

(١) المؤمن : ٤٦.

(٢) الذبول : ذهاب النضارة. والذوبان : الهزال.

٢٠٥

الثاني أني أكون عالما بأني « أنا » حال ما أكون غافلا عن هذه الاعضاء الظاهرة فما دل عليه قولنا : « أنا » مغاير لهذه الاعضاء والابعاض ، ثم اختلفوا عند ذلك في أن الذي يشير إليه كل أحد بقوله : « أنا » أي شئ هو؟ والاقوال فيها كثيرة ، إلا أن أشدها تحصيلا وجهان : أحدهما : أنها أجزاء جسمانية سارية في هذا الهيكل سريان النار في الفحم ، والدهن في السمسم ، وماء الورد في الورد ، والقائلون بهذا القول فريقان : أحدهما الذين اعتقدوا تماثل الاجسام فقالوا : إن تلك الاجسام متماثلة لسائر الاجزاء التي منها يؤلف هذا الهيكل ، إلا أن القادر المختار سبحانه يبقي بعض الاجزاء من أول العمر إلى آخره فتلك الاجزاء هي التي يشير إليها كل أحد بأنا ، ثم إن تلك الاجزاء حية بحياة يخلقها الله فيها ، فإذا أزال الحياة عنها ماتت ، وهذا قول أكثر المتكلمين.

وثانيهما : أن الذين اعتقدوا اختلاف الاجسام زعموا أن الاجسام التي هي باقية من أول العمر إلى آخره أجسام مخالفة بالماهية للاجسام التي منها ائتلف هذا الهيكل وتلك الاجسام حية لذاتها ، مدركة لذاتها ، نورانية لذاتها ، فإذا خالطت هذا البدن وصارت سارية في هذا الهيكل سريان النار في الفحم صار هذا الهيكل مستنيرا بنور ذلك الروح ، متحركا بتحريكه ، ثم إن هذا الهيكل أبدا في الذوبان والتحليل إلا أن تلك الاجزاء باقية بحالها ، وإنما لا يعرض لها التحليل لانها مخالفة بالماهية لهذه الاجسام ، فإذا فسد هذا القالب انفصلت تلك الاجسام اللطيفة النورانية إلى عالم السماوات والقدس والطهارة إن كانت من جملة السعداء ، أو إلى الجحيم وعالم الافات إن كانت من جملة الاشقياء.

والقول الثاني : إن الذي يشير إليه كل أحد بقوله : « أنا » موجود ليس بمتحيز ولا قائم بالمتحيز ، وإنه ليس داخل العالم ولا خارجا عنه ، ولا يلزم من كونه كذلك أن يكون مثلا لله تعالى لان الاشتراك في السلوب لا يوجب الاشتراك في الماهية ، و قالوا : هذه الارواح بعد مفارقة الابدان تتألم وتلتذ إلى أن يردها الله تعالى إلى الابدان يوم القيامة ، فهناك يحصل الالتذاذ والتألم للابدان ، فهذا قول قال به عالم من الناس ، قالوا : وإن لم يقم عليه برهان قاهر على القول به ولكن لم يقم دليل على

٢٠٦

فساده ، وأنه مما يزيل الشكوك والشبهات عما ورد في كتاب الله من ثواب القبر وعقابه فوجب المصير إليه فهذا هو الانسان في توجيه هذا القول.

أقول : ثم قال الرازي في تفسير آية آل عمران بعد اختيار القول الاول فيها أيضا : يحتمل أن يكون الروح جسما مخصوصا ساريا في هذه الجثة سريان النار في الفحم ، ويحتمل أن يكون جوهرا قائما بنفسه ، ليس بجسم ولا حال في الجسم ، وعلى كلا المذهبين فإنه لا يبعد أنه لما مات البدن انفصل ذلك الشئ حيا ، وإن قلنا أماته الله إلا أنه تعالى يعيد الحياة إليه ، وعلى هذا التقدير تزول الشبهات بالكلية عن ثواب القبر كما في هذه الآية ، وعن عذابه كما في قوله تعالى : « اغرقوا فادخلوا نارا » فثبت أنه لا امتناع في ذلك ، وظاهر الآية دالة عليه ، فوجب المصير إليه ، والذي يؤكد ما قلناه القرآن والحديث والعقل ، أما القرآن فآيات : إحداها قوله تعالى : « يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك » (١) الآية ، ولا شك أن المرد بقوله : « ارجعي إلى ربك » بالموت ، ثم قال : « فادخلي في عبادي » وفاء التعقيب يدل على أن حصول هذه الحالة يكون عقيب الموت. وثانيها قوله : « حتى إذا جاء أحدهم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون » (٢) وهذا عبارة عن موت البدن ، ثم قال : « ثم ردوا إلى الله موليهم الحق » (٣) فقوله « ردوا » ضمير عنهم ، وإنما هوهو بحياته وذاته المخصوصة ، فدل على أن ذلك باق بعد موت البدن. وثالثها قوله : « فأما إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة نعيم » (٤) وفاء التعقيب يدل على أن قيامة كل أحد حاصلة بعد موته ، وأما قيامته الكبرى فهي حاصلة في الوقت المعلوم عند الله.

وأيضا روي أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم بدر كان ينادي المقتولين ويقول : هل وجدتم ما وعد ربكم حقا؟ فقيل : يارسول الله إنهم أموات فكيف تناديهم؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنهم أسمع منكم ، وأيضا قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنبياء الله لا يموتون بل ينقلون من دار إلى دار.

وأما المعقول فمن وجوه : الاول أن وقت النوم يضعف البدن وضعفه لا يقتضي

__________________

(١) الفجر : ٢٧ ـ ٢٨.

(٢) الانعام : ٦١.

(٣) الانعام : ٦٢.

(٤) الواقعة : ٨٨ ـ ٨٩.

٢٠٧

ضعف النفس ، بل النفس تقوى عند النوم فتشاهد الاحوال وتطلع على المغيبات ، فهذا يقوي الظن في أن موت البدن لا يستعقب موت النفس.

الثاني أن كثرة الافكار سبب لجفاف الدماغ ، وجفافه مؤد إلى الموت ، وهذه الافكار سبب لاستكمال النفس بالمعارف الالهية ، وهو غاية كمال النفس ، فما هو سبب لكمال النفس فهو سبب لنقصان البدن ، فهذا يقوي الظن في أن النفس لا تموت بموت البدن.

الثالث أن أحوال النفس على ضد أحوال البدن ، وذلك لان النفس إنما تفرح وتبتهج بالمعارف الالهية ، كما قال تعالى : « ألا بذكر الله تطمئن القلوب » (١) وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني. ولا شك أن ذلك الشراب ليس إلا عبارة عن المعرفة والمحبة والاستنارة بأنوار عالم الغيب ، وأيضا فإنا نرى أن الانسان إذا غلب عليه الاستبشار بخدمة سلطان أو الفوز بمنصب أو بالوصول إلى معشوق قد ينسى الطعام والشراب ، وبالجملة فالسعادات النفسانية كالمضادات للسعادات الجسمانية ، وكل ذلك يغلب على الظن أن النفس مستقلة بذاتها ولا تعلق لها بالبدن ومتى كان كذلك وجب أن لا تموت النفس بموت البدن وأما قوله تعالى : « يرزقون » فاعلم أن المتكلمين قالوا : الثواب منفعة خالصة ، دائمة ، مقرونة بالتعظيم ، فقوله : « يرزقون » إشارة إلى المنفعة ، وقوله : « فرحين » إشارة إلى الفرح الحاصل بسبب ذلك التعظيم ، وأما الحكماء فإنهم قالوا : إذا أشرقت جواهر الاوراح القدسية بالانوار الالهية كانت مبتهجة من وجهين : أحدهما بكون ذواتها مستنيرة ، مشرقة ، متلالئة بتلك المعارف الالهية ، والثاني بكونها ناظرة إلى ينبوع النور ومصدر الرحمة والجلالة ، قالوا : وابتهاجها بهذا القسم أتم من ابتهاجها بالاول ، فقوله : « يرزقون » إشارة إلى الدرجة الاولى ، وقوله : « فرحين » إلى الدرجة الثانية ، ولذا قال : « فرحين بما آتيهم الله من فضله » يعني فرحهم ليس بالرزق ، بل بإيتاء الرزق ، لان المشغول بالرزق مشغول بنفسه ، والناظر إلى إيتاء الرزق مشغول بالرازق ، ومن طلب الرزق لغيره فهو محجوب. انتهى.

__________________

(١) الرعد : ٢٨.

٢٠٨

وقال الشيخ الطبرسي رحمه الله في تفسير تلك الآية : قول « عند ربهم » فيه وجهان أحدهما أنهم بحيث لا يملك أحد لهم نفعا ولا ضرا إلا ربهم ، وليس المراد في ذلك قرب المسافة لانه مستحيل عليه سبحانه ، والآخر أنهم عند ربهم أحياء من حيث يعلمهم كذلك دون الناس.

وروي عن ابن عباس وابن مسعود وجابر أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : لما اصيب إخوانكم باحد جعل الله أرواحهم في حواصل طيور خضر ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها.

وروي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال لجعفر بن أبي طالب ـ وقد استشهد في غزاة موتة : ـ رأيته له جناحان يطير بهما مع الملائكة في الجنة. وأنكر بعضهم حديث الارواح وقال : إن الروح عرض لا يجوز أن يتنعم ، وهذا لا يجوز ، لان الروح جسم رقيق هوائي مأخوذ من الريح ، ويدل على ذلك أنه يخرج من البدن ويرد عليه وهي الحساسة الفعالة ، دون البدن ، وليست من الحياة في شئ لان ضد الحياة الموت ، وليس كذلك الروح وهذا قول علي بن عيسى. « يرزقون » من نعيم الجنة غدوا وعشيا. وقيل : يرزقون النعيم في قبورهم.

« فرحين بما آتيهم الله من فضله » أي مسرورين بما أعطاهم الله من ضروب نعمه في الجنة ، وقيل : في قبورهم. وقيل : فرحين بما نالوا من الشهادة وجزائها « و يستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم » أي يسرون بإخوانهم الذين فارقوهم وهم أحياء في الدنيا على مناهجهم من الايمان والجهاد ، لعلمهم بأنهم إذا استشهدوا لحقوا بهم وصاروا من كرامة الله تعالى إلى مثل ما صاروا إليه ، يقولون : إخواننا يقتلون كما قتلنا ، فيصيبون من النعيم مثل ما أصبنا.

وقيل : إنه يؤتى الشهيد بكتاب فيه ذكر من تقدم عليه من إخوانه فيسر بذلك ويستبشر كما يستبشر أهل الغائب بقدومه في الدنيا. وقيل : معناه : لم يلحقوا بهم في الفضل إلا أن لهم فضلا عظيما بتصديقهم وإيمانهم « ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون » أي يستبشرون بأن لا خوف عليهم ، وذلك لانه بدل من قوله : « الذين لم يلحقوا بهم من خلفهم » لان

٢٠٩

الذين يلحقون بهم مشتملون على عدم الحزن ، والاستبشار هنا إنما يقع بعدم خوف هؤلاء اللاحقين ، ومعناه : لا خوف عليهم فيمن خلفوه من ذريتهم لان الله تعالى يتولاهم « ولا هم يحزنون » على ما خلفوا من أموالهم لان الله قد أجزل لهم ما عوضهم. وقيل : معناه : لا خوف عليهم فيما يقدمون عليه لان الله تعالى محص ذنوبهم بالشهادة ، ولا هم يحزنون على مفارقة الدنيا فرحا بالآخرة « ويستبشرون » يعني هؤلاء الذين قتلوا في سبيل » بنعمة من الله وفضل « الفضل والنعمة عبارتان يعبر بهما عن معنى واحد.

وقيل : النعمة : ما استحقوه بطاعتهم ، والفضل : ما زادهم سبحانه من المضاعفة.

وقال رحمه الله في قوله تعالى : « يثبت الله الذين آمنوا » أي يثبتهم في كرامته وثوابه بقولهم الثابت الذي وجد منهم وهو كلمة الايمان ، لانه ثابت بالحجج والادلة.

وقيل : معناه : يثبت الله المؤمنين بسبب كلمة التوحيد وحرمتها في الحياة الدنيا حتى لا يزلوا ولا يضلوا عن طريق الحق ، ويثبتهم بها في الآخرة حتى لا يزلوا ولا يضلوا عن طريق الجنة. وقيل : معناه : يثبتهم بالتمكين في الارض والنصرة والفتح في الدنيا ، وبإسكانهم الجنة في الآخرة. وقال أكثر المفسرين أن المراد بقوله : « في الآخرة » في القبر والآية وردت في سؤال القبر ، وهو قول ابن عباس وابن مسعود ، وهو المروي عن أئمتنا عليهم‌السلام.

وقال رحمه الله في قوله تعالى : « حتى إذا جاء أحدهم الموت » يعني أن هؤلاء الكفار إذا أشرفوا على الموت سألوا الله تعالى عند ذلك الرجعة إلى دار التكليف ، فيقول أحدهم : « رب ارجعون » وفي معناه قولان : أحدهما أنهم استغاثوا أولا بالله ثم رجعوا إلى مسألة الملائكة فقال لهم : ارجعوني ، أي ردوني إلى الدنيا : والآخر أنه على عادة العرب في تعظيم المخاطب « لعلي أعمل صالحا فيما تركت » أي في تركتي ، أو في دنياي ، فإنه ترك الدنيا وصار إلى الآخرة ، أو فيما ضيعت وفرطت أي في صلاتي وصيامي وطاعاتي ، ثم قال سبحانه في الجواب عن سؤالهم : « كلا » أي لا يرجع إلى الدنيا « إنها » أي مسألة الرجعة « كلمة هو قائلها » أي كلام يقوله ولا فائدة له في ذلك ، أو كلمة

٢١٠

يقولها بلسانه وليس لها حقيقة ، مثل قوله : « ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه (١) » « ومن ورائهم » أي ومن بين أيديهم « برزخ » أي حاجز بين الموت والبعث في القيامة من القبور. وقيل : حاجز بينهم وبين الرجوع إلى الدنيا وهم فيه « إلى يوم يبعثون » وقيل : البرزخ : الامهال إلى يوم القيامة وهو القبر ، وكل فصل بين شيئين فهو برزخ.

وقال رضي‌الله‌عنه في قوله تعالى : « قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين » : اختلف في معناه على وجوه : أحدها أن الاماتة الاولى في الدنيا بعد الحياة ، والثانية في القبر قبل البعث ، والاحياء الاولى في القبر للمسألة ، والثانية في الحشر ، عن السدي وهو اختيار البلخي.

وثانيها أن الاماتة الاولى حال كونهم نطفا فأحياهم الله في الدنيا ، ثم أماتهم الموتة الثانية ، ثم أحياهم للبعث ، فهاتان حياتان ومماتان.

وثالثها أن الحياة الاولى في الدنيا ، والثانية في القبر ، ولم يرد الحياة يوم القيامة ، والموتة الاولى في الدنيا ، والثانية في القبر انتهى.

أقول : اختار الرازي في تفسيره الوجه الاول ، ثم ذكر عليه وجوها من الاعتراض وأجاب عنها ولا نطيل الكلام بذكرها.

وقال الشيخ البهائي قدس الله روحه : اشتهر الاحتجاج في الكتب الكلامية في إثبات عذاب القبر بقوله تعالى : ـ حكاية عن الكفار ـ « ربنا أمتنا اثنتين » الآية ، وتقريره أنه سبحانه حكى عنهم على وجه يشعر بتصديق الاعتراف بإماتتين إحيائين ، فإحدى الاماتتين في الدنيا ، وإلاخرى في القبر بعد السؤال ، وأحد الاحيائين فيه للسؤال ، والآخر في القيامة ، وأما الاحياء في الدنيا فإنما سكتوا لان غرضهم الاحياء الذي عرفوا فيه قدرة الله سبحانه على البعث ، ولهذا قالوا : « فاعترفنا بذنوبنا » أي بالذنوب التي حصلت بسبب إنكار الحشر ، والاحياء في الدنيا لم يكونوا فيه معترفين بذنوبهم.

قال المحقق الشريف في شرح المواقف : إن تفسير هذه الآية على هذا الوجه هو الشائع المستفيض بين المفسرين ، ثم قال : وأما حمل الاماتة الاولى على خلقهم أمواتا في أطوار النطفة ، وحمل الاماتة الثانية على الاماتة الطارية على الحياة ، وحمل الاحيائين

__________________

(١) الانعام : ٢٨.

٢١١

على الاحياء في الدنيا والحشر فقد رد بأن الاماتة إنما تكون بعد سابقة الحياة ، ولا حياة في أطوار النطفة ، وبأنه قول شذاد من المفسرين ، والمعتمد هو قول الاكثرين. انتهى كلامه.

فقد جعل التفسير بالوجه الاول مستفيضا ، وبالوحه الثاني شاذا ، ويخطر بالبال أن الامر بالعكس فإن الشائع المستفيض بين المفسرين هو ما جعله شاذا ، و الشاذ النادر هو ما جعله مستفيضا ، ولعل هذا من سهو قلمه ، فإن التفاسير المشهورة التي عليها المدار في هذه الاعصار هي الكشاف ، ومفاتح الغيب ، ومعالم التنزيل ، ومجمع البيان ، وجوامع الجامع ، وتفسير النيشابوري ، وتفسير البيضاوي ، ولم يختر أحد من هؤلاء تفسير الآية بالوجه الاول ، بل أكثرهم إنما اختاروا التفسير الثاني.

وأما التفسير الاول فبعضهم نقله ثم زيفه وبعضهم اقتصر على مجرد نقله من غير ترجيح ، فلو كان هو الشائع المستفيض كما زعمه السيد المحقق لما كان الحال على هذا المنوال ، قال في الكشاف : أراد بالاماتتين خلقهم أمواتا أولا ، وإماتتهم عند انقضاء آجالهم ، وبالاحيائين الاحياء الاولى ، وإحياء البعث.

ثم قال بعد ذلك : فإن قلت : كيف صح أن يسمى خلقهم أمواتا إماتة؟ قلت : كما صح أن تقول : سبحان من صغر جسم البعوضة وكبر جسم الفيل ، وقولك للحفار : ضيق فم الركية ووسع أسفلها ، وليس ثم نقل من كبر إلى صغر ، ولا من صغر إلى كبر ، ولا من ضيق إلى سعة ، ولا من سعة إلى ضيق ، وإنما أردت الانشاء على تلك الصفات ، والسبب في صحته أن الصغر والكبر جائزان معا على المصنوع الواحد من غير ترجيح لاحدهما ، وكذلك الضيق والسعة ، فإذا اختار الصانع أحد الجائزين وهو متمكن منهما على السواء فقد صرف المصنوع عن الجائز الآخر ، فجعل صرفه عنه كنقله منه ، ومن جعل الاماتتين التي بعد حياة الدنيا ، والتي بعد حياة القبر لزمه إثبات ثلاث إحياءآت وهو خلاف ما في القرآن ، إلا أن يتمحل فيجعل إحداها غير معتد بها ، أو يزعم أن الله يحييهم في القبور وتستمر بهم تلك الحياة فلا يموتون بعدها و

٢١٢

يعدهم في المستثنين من الصعقة في قوله تعالى : « إلا من شاء الله ».

فإن قلت : كيف تسبب هذا لقوله : « فاعترفنا بذنوبنا »؟ قلت : قد أنكروا البعث فكفروا وتبع ذلك من الذنوب ما لا يحصى لان من لم يخش العاقبة تخرق في المعاصي ، فلما رأوا الاماتة والاحياء قد تكررا عليهم علموا بأن الله تعالى قادر على الاعادة قدرته على الانشاء ، فاعترفوا بذنوبهم التي اقترفوها من إنكار البعث ، وما تبعه من معاصيهم. انتهى كلامه.

وقال الشيخ أمين الاسلام في جوامع الجامع : أراد بالاماتتين خلقهم أمواتا أولا ، وإماتتهم عند انقضاء آجالهم ، وبالاحيائين الاحياء الاولى ، وإحياء البعث.

وقيل : الاماتتان هما التي في الدنيا بعد الحياة ، والتي في القبر قبل البعث ، والاحياءان هما التي في القبر للمسألة ، والتي في البعث انتهى. وفي كلام هذين الفاضلين كفاية والله الموفق.

ثم قال رحمه الله : وعساك تقول : إن تفسير الآية على ما هو الشائع المستفيض كما ذكرته يقتضي سكوت الكفار عن الاحياء والاماتة الواقعين في القبر ، فما السبب في سكوتهم عنهما؟ فنقول : إن الحياة في القبر حياة برزخية ناقصة ، ليس معها من آثار الحياة سوى الاحساس بالالم أو اللذة ، حتى أنه قد توقف بعض الامة في عود الروح إلى الميت ، فلذلك لم يعتدوا بها في جنب الحياتين الاخريين ، قال في شرح المقاصد : اتفق أهل الحق على أنه تعالى بعيد إلى الميت في القبر نوع حياة قدر ما يتألم ويلتذ ، لكن توقفوا في أنه هل يعاد الروح إليه أم لا؟ وما يتوهم من امتناع الحياة بدون الروح ممنوع ، وإنما ذلك في الحياة الكاملة التي تكون معها القدرة والافعال الاختيارية. انتهى كلامه. والحق أن الروح يتعلق به وإلا لما قدر على إجابة الملكين ، ولكنه تعلق ضعيف ، كما يشعر به ما رواه في الكافي عن الصادق عليه‌السلام في حديث طويل : فيدخل عليه ملكا القبر : منكر ونكير فيلقيان فيه الروح إلى حقويه ، الحديث. وقد يستبعد تعلق الروح بمن أكلته السباع ، أو احرق وتفرقت أجزاؤه يمينا وشمالا ، ولا استبعاد فيه نظرا إلى قدرة الله سبحانه على حفظ أجزائه الاصلية عن

٢١٣

التفرق ، أو جمعها بعده ، وتعلق الروح بها تعلقا ما ، وقد روي عن أئمتنا عليهم‌السلام ما يدل على أن الاجزاء الاصلية محفوظة إلى يوم القيامة. انتهى كلامه ضاعف الله إكرامه.

أقول : الشيخ الطبرسي رحمه الله وإن اختار في الجوامع التفسير الثاني اختار في المجمع التفسير الاول حيث قدمه على غيره ، والرازي بالغ في اختيار الاول وذب عنه قول من أنكره ، وقال : احتج أكثر العلماء بهذه الآية على إثبات عذاب القبر ، والبيضاوي ذكرهما وقدم الثاني ، لانه يقتص أثر الزمخشري غالبا فظهر أن ما ذكره السيد الشريف ليس ببعيد عن الصواب في هذا الباب.

١ ـ فس : « ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله » الآية ، فإنه حدثني أبي ، عن ابن محبوب ، عن أبي عبيدة الحذاء ، عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : هم والله شيعتنا ، إذا دخلوا الجنة واستقبلوا الكرامة من الله استبشروا بمن لم يلحق بهم من إخوانهم من المؤمنين في الدنيا « ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون » وهو رد على من يبطل الثواب والعقاب بعد الموت. « ص ١١٥ »

٢ ـ فس : « حتى إذا جاء أحدهم الموت » إلى قوله : « إنها كلمة هو قائلها » فإنها نزلت في مانع الزكاة (١) قوله : « ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون » قال : البرزخ هو أمر بين أمرين ، وهو الثواب والعقاب بين الدنيا والآخرة ، وهو رد على من أنكر عذاب القبر والثواب والعقاب قبل يوم القيامة ، (٢) وهو قول الصادق عليه‌السلام : والله ما أخاف عليكم إلا البرزخ ، فأما إذا صار الامر إلينا فنحن أولى بكم. « ص ٤٤٧ ـ ٤٤٩ »

وقال علي بن الحسين عليهما‌السلام : إن القبر روضة من رياض الجنة ، أو حفرة من حفر النيران.

وأقول : قد مضى خبر علي بن الحسين عليه‌السلام في باب الموت أنه عليه‌السلام تلا : « ومن

__________________

(١) في المصدر : في مانع الزكاة والخمس. م

(٢) في المصدر : قبل القيامة. م

٢١٤

ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون » قال : هو القبر ، وإن لهم فيه لمعيشة ضنكا ، والله إن القبر لروضة من رياض الجنة ، أو حفرة من حفر النيران. أقول : هذا الخبر يدل على أن المراد بالمعيشة الضنك في الآية هو عذاب القبر ، ويؤيده ذكر القيامة بعدها ، وإليه ذهب كثير من المفسرين ، ولا يجوز أن يراد بها سوء الحال في الدنيا لان كثيرا من الكفار في الدنيا في معيشة طيبة هنيئة غير ضنك ، والمؤمنين بالضد من ذلك.

قال الطبرسي رحمه الله « فإن له معيشة ضنكا » أي عيشا ضيقا ، وهو أن يقتر الله عليه الرزق ، عقوبة له على إعراضه فان وسع عليه فإنه يضيق عليه المعيشة بأن يمسكه ولا ينفقه على نفسه ، وإن أنفقه فإن الحرص على الجمع وزيادة الطلب يضيق المعيشة عليه. وقيل : هو عذاب القبر ، عن ابن مسعود وأبي سعيد الخدري والسدي ورواه أبوهريرة مرفوعا. وقيل : هو طعام الزقوم والضريع في جهنم لان مآله إليها وإن كان في سعة من الدنيا وقيل : معناه : أن يكون عيشه منغصا بأن ينفق إنفاق من لا يوقن بالخلف. وقيل : وهو الحرام في الدنيا والذي يؤدي إلى النار. وقيل : عيشا ضيقا في الدنيا لقصرها وسائر ما يشوبها ويكدرها ، وإنما العيش الرغد في الجنة.

٣ ـ كا : علي ، عن أبيه ، عن حماد ، عن حريز ، عن زرارة قال : قلت لابي جعفر عليه‌السلام : أرأيت الميت إذا مات لم تجعل معه الجريدة؟ قال : يتجافى عنه العذاب و الحساب ما دام العود رطبا ، قال : والعذاب كله في يوم واحد ، في ساعة واحدة ، قدر ما يدخل القبر ويرجع القوم ، وإنما جعلت السعفتان لذلك فلا يصيبه عذاب ولا حساب بعد جفوفهما إن شاء الله. « ف ج ١ ص ٤٢ »

٤ ـ كا : علي ، عن أبيه ، عن عبدالله بن المغيرة ، عن حريز ، وفضيل وعبدالرحمن قالوا : قيل لابي عبدالله عليه‌السلام : لاي شئ يوضع مع الميت الجريدة؟ قال : إنه يتجافى عنه ما دامت رطبة. « ج ١ ف ص ٤٢ »

٥ ـ ين : ابن أبي البلاد ، عن أبيه ، عن بعض أصحابه يرفعه إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال لبعض أصحابه : كيف أنت إذا أتاك فتانا القبر؟ فقال : يارسول الله ما فتانا القبر؟ قال : ملكان فظان غليظان ، أصواتهما كالرعد القاصف ، وأبصارهما كالبرق

٢١٥

الخاطف ، يطئان في أشعارهما ، ويحفران بأنيابهما ، فيسألانك ، قال : وأنا على مثل هذه الحال؟ قال : وأنت على مثل حالك هذه ، قال : إذن أكفيهما.

٦ ـ شف : من تفسير الحافظ محمد بن مؤمن الشيرازي بإسناده رفعه قال : أقبل صخر بن حرب حتى جلس إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا محمد هذا الامر لنا بعدك أم لمن؟ قال : يا صخر الامر بعدي لمن هو مني بمنزلة هارون من موسى ، فأنزل الله تعالى : « عم يتسائلون » يعني يسألك أهل مكة عن خلافة علي بن أبي طالب « عن النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون » منهم المصدق بولايته وخلافته ، ومنهم المكذب « كلا » رد عليهم » سيعلمون « سيعرفون خلافته بعدك إنها حق يكون « ثم كلا سيعلمون » سيعرفون خلافته وولايته إذ يسألون عنها في قبورهم ، فلا يبقى ميت في شرق ولا غرب ولا في بر ولا في بحر إلا ومنكر ونكير يسألانه عن ولاية أمير المؤمنين بعد الموت ، يقولان للميت : من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ ومن إمامك؟.

٧ ـ كا : أبوعلي الاشعري ، عن محمد بن عبدالجبار ، ومحمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان جميعا ، عن صفوان ، عن ابن مسكان ، عن الحسن بن زياد الصيقل ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام (١) قال : الجريدة تنفع المؤمن والكافر. « ف ج ١ ص ٤٢ »

٨ ـ ج : في حديث الزنديق الذي سأل الصادق عليه‌السلام عن مسائل أن قال : أخبرني عن السراج إذا انطفأ أين يذهب نوره؟ قال : يذهب فلا يعود ، قال : فما أنكرت أن يكون الانسان مثل ذلك إذا مات وفارق الروح البدن لم يرجع إليه أبدا كما لا يرجع ضوء السراج إليه إذا انطفأ؟ قال : لم تصب القياس إن النار في الاجسام كامنة والاجسام قائمة بأعيانها كالحجر والحديد ، فإذا ضرب أحدهما بالآخر سطعت (٢) » من بينهما نار تقتبس منها سراج له الضوء ، فالنار ثابتة في أجسامها والضوء ذاهب ، والروح جسم رقيق قد ألبس قالبا كثيفا ليس بمنزلة السراج الذي

__________________

(١) في المصدر : قال : يوضع للميت جريدتان واحدة في اليمين والاخرى في الايسر ، قال : قال : الجريدة اه. م

(٢) في المصدر : سقطت. م

٢١٦

ذكرت ، أن الذي خلق في الرحم جنينا من ماء صاف ، وركب فيه ضروبا مختلفة من عروق وعصب وأسنان وشعر وعظام وغير ذلك هو يحييه بعد موته ويعيده بعد فنائه ، قال : فأين الروح؟ قال : في بطن الارض حيث مصرع البدن إلى وقت البعث ، قال : فمن صلب أين روحه؟ قال : في كف الملك الذي قبضها حتى يودعها الارض ، (١) قال أفيتلاشي الروح بعد خروجه عن قالبه أم هو باق؟ قال : بل هو باق إلى وقت ينفخ في الصور ، فعند ذلك تبطل الاشياء وتفنى ، فلا حس ولا محسوس ، ثم اعيدت الاشياء كما بدأها مدبرها ، وذلك أربعمائة سنة تسبت فيها الخلق ، وذلك بين النفختين « ص ١٩١ ـ ١٩٢)

أقول : سيأتي تمام الخبر مشروحا في كتاب الاحتجاجات.

٩ ـ ين : القاسم ، وعثمان بن عيسى ، عن علي ، عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : إن سعدا (٢) لما مات شيعه سبعون ألف ملك ، فقام رسول الله (ص) على قبره فقال : ومثل سعد يضم ، فقالت امه : هنيئا لك يا سعد وكرامة ، فقال لها رسول الله : يا أم سعد لا تحتمي على الله ، فقالت : يا رسول الله قد سمعناك وما تقول في سعد ، فقال : إن سعدا كان في لسانه غلظ على أهله.

١٠ ـ وقال أبوبصير : سمعت أبا عبدالله عليه‌السلام يقول : إن رقية بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لما ماتت قام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على قبرها ، فرفع يده تلقاء السماء ودمعت عيناه ، فقالوا له : يارسول الله إنا قد رأيناك رفعت رأسك إلى السماء ودمعت عيناك ، فقال : إني سألت ربي أن يهب لي رقية من ضمة القبر.

١١ ـ فس : أحمد بن إدريس ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن أبي عمير ، عن إسحاق بن عبدالعزيز ، عن أبي بصير قال : سمعت أبا عبدالله عليه‌السلام يقول : « فأما إن كان من المقربين فروح وريحان « قال : في قبره » وجنة نعيم « قال : في الآخرة » وأما إن كان من المكذبين الضالين فنزل من حميم « في القبر (٣) « وتصلية جحيم » في الآخرة. « ص ٦٦٤ »

__________________

(١) في المصدر بين قوله : يودعها الارض وقوله : قال : افيتلاشى سؤالان آخران. م

(٢) هو سعد بن معاذ ، وتأتى صورة اخرى مفصلة من الحديث تحت رقم ١٤.

(٣) في المصدر : في قبره. م

٢١٧

١٢ ـ فس : وأما الرد على من أنكر الثواب والعقاب فقوله : « يوم يأتي لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق خالدين فيها ما دامت السموات والارض إلا ما شاء ربك (١) « فإذا قامت القيامة (٢) تبدل السماوات والارض ، وقوله : « النار يعرضون عليها غدوا وعشيا (٣) » « فأما الغدو والعشي إنما يكونان في الدنيا في دار المشركين ، وأما في القيامة فلا يكون غدو ولا عشي ، وقوله : « لهم رزقهم فيها بكرة وعشيا » يعني في جنان الدنيا التي ينقل إليها أرواح المؤمنين ، فأما في جنات الخلد فلا يكون غدو ولا عشي وقوله : « ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون (٤) « فقال الصادق عليه‌السلام : البرزخ : القبر ، وهو الثواب والعقاب بين الدنيا والآخرة ، والدليل على ذلك أيضا قول العالم عليه‌السلام : والله ما يخاف عليكم إلا البرزخ ، وقوله عزوجل : « ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتيهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون » (٥) وقال الصادق عليه‌السلام : يستبشرون والله في الجنة بمن لم يلحق بهم من خلفهم من المؤمنين في الدنيا ، ومثله كثير مما هو رد على من أنكر عذاب القبر. « ص ١٨ »

١٣ ـ ما : فيما كتب أمير المؤمنين عليه‌السلام لمحمد بن أبي بكر : يا عباد الله ما بعد الموت لمن لا يغفر له أشد من الموت ، القبر فاحذروا ضيقه وضنكه وظلمته وغربته ، إن القبر يقول كل يوم : أنا بيت الغربة ، أنا بيت التراب ، أنا بيت الوحشة ، أنا بيت الدود والهوام ، والقبر روضة من رياض الجنة ، أو حفرة من حفر النار ، (٢) إن العبد المؤمن إذا دفن قالت له الارض : مرحبا وأهلا ، قد كنت ممن احب أن تمشي على ظهري ، فإذا وليتك (٧) فستعلم كيف

__________________

(١) هود : ١٠٥ ـ ١٠٧.

(٢) في المصدر : وأما قوله : « ما دامت السموات والارض » انما هو في الدنيا ما دامت السموات الارض فاذا قامت اه. م

(٣) غافر : ٤٦.

(٤) المؤمنون : ١٠٠.

(٥) آل عمران : ١٦٩ ـ ١٧١.

(٦) في المصدر : النيران. م

(٧) إما من ولى فلانا : دنا منه وقرب ، أو من ولى يلى ولاية الشئ : قام به وملك أمره.

٢١٨

صنيعي (١) بك ، فيتسع له مد البصر ، وإن الكافر إذا دفن قالت له الارض : لا مرحبا بك ولا أهلا ، (٢) لقد كنت من أبغض من يمشي على ظهري فإذا وليتك فستعلم كيف صنيعي بك ، فتضمه حتى تلتقي أضلاعه ، وإن المعيشة الضنك التي حذر الله منها عدوه عذاب القبر ، إنه يسلط على الكافر في قبره تسعة وتسعين تنينا (٣) فينهشن لحمه ، ويكسرن عظمه ، يترددن عليه كذلك إلى يوم يبعث ، لو أن تنينا منها نفخ في الارض لم تنبت زرعا ، يا عباد الله إن أنفسكم الضعيفة وأجسادكم الناعمة الرقيقة التي يكفيها اليسير تضعف عن هذا ، فإن استطعتم أن تجزعوا لاجسادكم وأنفسكم بما لا طاقة (٤) لكم به ولا صبر لكم عليه فاعملوا بما أحب الله واتركوا ما كره الله. « ص ١٨ »

بيان : قوله عليه‌السلام : تسعة وتسعين تنينا قال الشيخ البهائي رحمه الله : قال بعض أصحاب الحال : ولا ينبغي أن يتعجب من التخصيص بهذا العدد ، فلعل عدد هذه الحيات بقدر عدد الصفات المذمومة من الكبر والريا والحسد والحقد وسائر الاخلاق والملكات الردية ، فإنها تنشعب وتتنوع أنواعا كثيرة ، وهي بعينها تنقلب حيات في تلك النشأة. انتهى كلامه. ولبعض أصحاب الحديث في نكتة التخصيص بهذا العدد وجه ظاهري إقناعي ، محصله أنه قد ورد في الحديث أن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة ، ومعنى إحصائها الاذعان باتصافه عز وعلا بكل منها ، وروى الصادق عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : إن لله مائة رحمة ، أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والانس والبهائم ، وأخر تسعة وتسعين رحمة يرحم بها عباده ، فتبين من الحديث الاول أنه سبحانه بين لعباده معالم معرفته بهذه الاسماء التسعة والتسعين ، ومن الحديث الثاني أن لهم عنده في النشأة الاخروية تسعة وتسعين رحمة ، وحيث إن الكافر لم يعرف الله سبحانه بشئ من تلك الاسماء جعل له في مقابل كل اسم رحمة تنين ينهشه في قبره. هذا حاصل كلامه وهو كما ترى.

__________________

(١) في المصدر : « صنعى » في الموضعين. م

(٢) في المصدر : لا مرحبا ولا أهلا. م

(٣) كسكين حية عظيمة.

(٤) في المصدر : مما لا طاقة. م

٢١٩

١٤ ـ ع ، لى : علي بن الحسين بن الشقير الهمداني ، عن جعفر بن أحمد بن يوسف ، عن علي بن بزرج الخياط ، عن عمر بن اليسع ، عن عبدالله بن اليسع ، عن ابن سنان ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : اتي رسول الله (ص) فقيل له : إن سعد بن معاذ قد مات ، فقام رسول الله (ص) وقام أصحابه معه ، فأمر بغسل سعد وهو قائم على عضادة الباب ، فلما أن حنط وكفن وحمل على سريره تبعه رسول الله (ص) بلا حذاء ولا رداء ، ثم كان يأخذ يمنة السرير مرة ويسرة السرير مرة حتى انتهى به إلى القبر ، فنزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى لحده وسوى اللبن عليه ، وجعل يقول : ناولوني حجرا ، ناولوني ترابا رطبا ، يسد به ما بين اللبن ، فلما أن فرغ وحثا التراب عليه وسوى قبره قال رسول لله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إني لاعلم أنه سيبلى ويصل البلى إليه ، ولكن الله يحب عبدا إذا عمل عملا أحكمه ، فلما أن سوى التربة عليه قالت ام سعد : يا سعد هنيئا لك الجنة ، فقال رسول الله (ص) : يا ام سعد مه ، لا تجزمي على ربك فإن سعدا قد أصابته ضمة ، قال : فرجع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ورجع الناس فقالوا له : يارسول الله لقد رأيناك صنعت على سعد ما لم تصنعه على أحد ، إنك تبعت جنازته بلا رداء ولا حذاء ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن الملائكة كانت بلا رداء ولا حذاء فتأسيت بها ، قالوا : وكنت تأخذ يمنة السرير مرة ، ويسرة السرير مرة ، قال : كانت يدي في يد جبرئيل آخذ حيث يأخذ ، قالوا : أمرت بغسله وصليت على جنازته ولحدته في قبره ثم قلت : إن سعدا قد أصابته ضمة! قال : فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : نعم إنه كان في خلقه مع أهله سوء. « ع ص ١١١ »

ما : الغضائري عن الصدوق مثله. « ص ٢٧٢ ـ ٢٧٣ »

١٥ ـ لى : العطار ، عن أبيه ، عن البرقي ، عن محمد بن علي الكوفي ، عن التفليسي ، عن إبراهيم بن محمد ، عن الصادق ، عن آبائه (ع) قال : قال رسول الله (ص) : مر عيسى بن مريم عليه‌السلام بقبر يعذب صاحبه ، ثم مر به من قابل فإذا هو ليس يعذب ، فقال : يارب مررت بهذا القبر عام أول فكان صاحبه يعذب ، ثم مررت به العام فإذا هو ليس يعذب؟ فأوحى الله عزوجل إليه : ياروح الله إنه أدرك له ولد صالح فأصلح طريقا وآوى يتيما فغفرت له بما عمل ابنه. « ص ٣٠٦ »

٢٢٠