بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٤٣
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

سدى ، ولا أظهر حكمته لعبا ، بذلك أخبر في قوله : «أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا». فإن قال قائل : فلم يعلم الله ما يكون من العباد حتى اختبرهم؟ قلنا : بلى قد علم ما يكون منهم قبل كونه ، وذلك قوله : «ولوردوا لعادوا لما نهوا عنه» وإنما اختبرهم ليعلمهم عدله ولا يعذبهم إلا بحجة بعد الفعل ، وقد أخبر بقوله : «ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا» وقوله : «وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا» وقوله : «رسلا مبشرين ومنذرين» فالاختبار من الله بالاستطاعة التي ملكها عبده وهو القول بين الجبر والتفويض بهذا نطق القرآن وجرت الاخبار عن الائمة من آل الرسول.

فإن قالوا : ما الحجة في قول الله : «يهدي من يشاء ويضل من يشاء» وما أشبهها؟ قيل : مجاز هذه الآيات كلها على معنيين : أما أحدهما فإخبار عن قدرته أي أنه قادر على هداية من يشاء وضلال من يشاء ، وإذا أجبرهم بقدرته على أحدهما لم يجب لهم ثواب ولا عليهم عقاب على نحو ما شرحنا في الكتاب ، والمعنى الآخر أن الهداية منه تعريفه كقوله : «وأما ثمود فهديناهم» أي عرفناهم «فاستحبوا العمى على الهدى» فلو جبرهم على الهدى لم يقدروا أن يضلوا ، وليس كلما وردت آية مشتبهة كانت الآية حجة على محكم الآيات اللواتي أمرنا بالاخذ بها ، من ذلك قوله : «منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين قي قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله» الآية ، وقال : «فبشر عبادي الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه» أي أحكمه وأشرحه «أولئك الذى هديهم الله وأولئك هم أولو الالباب» وفقنا الله وإياكم من القول والعمل لما يحب ويرضى ، وجنبنا وإياكم معاصيه بمنه وفضله ، والحمد لله كثيرا كما هو أهله ، وصلى الله على محمد وآله الطيبين ، وحسبنا الله و نعم الوكيل. «ص ٤٥٨ ـ ٤٧٥»

بيان : قوله تعالى : فقد ظلم الله على بناء التفعيل أي نسبه إلى الظلم. قوله عليه‌السلام : ومن زعم أن الله يدفع عن أهل المعاصي العذاب أي عموما بحيث لا يعاقب أحدا منهم كما هو مقتضى الجبر ، فلا ينافي سقوط بعضها بالعفو أو الشفاعة. وقوله عليه‌السلام : ولما لزمت

٨١

الاشياء أي الخطايا والذنوب ، وفي بعض النسخ الاسماء وهو أوفق بما روي عنه عليه‌السلام في موضع آخر أي لا يصح إطلاق المؤمن والكافر والصالح والطالح وأشباهها على الحقيقة.

فذلكة : اعلم أن الذى استفاض عن الائمة عليهم‌السلام هو نفي الجبر والتفويض ، و إثبات الامر بين الامرين ، وقد اعترف به بعض المخالفين أيضا ، قال إمامهم الرازي : حال هذه المسألة عجيبة فإن الناس كانوا مختلفين فيها أبدا بسبب أن ما يمكن الرجوع فيها إليها متعارضة متدافعة : فمعول الجبرية على أنه لابد لترجيح الفعل على الترك من مرجح ليس من العبد ; ومعول القدرية على أن العبد لو لم يكن قادرا على فعل لما حسن المدح والذم والامر والنهي ، وهما مقدمتان بديهيتان ، ثم من الادلة العقلية اعتماد الجبرية على أن تفاصيل أحوال الافعال غير معلومة للعبد ، واعتماد القدرية على أن أفعال العباد واقعة على وفق تصورهم ودواعيهم وهما متعارضتان ، ومن الالزامات الخطابية أن القدرة على الايجاد صفة كمال لا يليق بالعبد الذي هو منبع النقصان ، وأن أفعال العباد تكون سفها وعبثا ، فلا يليق بالمتعالي عن النقصان ، وأما الدلائل السمعية فالقرآن مملو بما يوهم بالامرين وكذا الآثار ، فإن أمة من الامم لم تكن خالية من الفرقتين ، وكذا الاوضاع والحكايات متدافعة من الجانبين ، حتى قيل : إن وضع النرد على الجبر ، ووضع الشطرنج على القدر ، إلا أن مذهبنا أقوى بسبب أن القدح في قولنا : لا يترجح الممكن إلا بمرجح يوجب انسداد باب إثبات الصانع ، ونحن نقول : الحق ما قال بعض أئمة الدين : إنه لا جبر ولا تفويض ، ولكن أمر بين أمرين ، وذلك أن مبنى المبادي القريبة لافعال العبد على قدرته واختياره ، والمبادي البعيدة على عجزه واضطراره فالانسان مضطر في صورة مختار كالقلم في يد الكاتب و الوتد في شق الحائط ، وفي كلام العقلاء : قال الحائط للوتد : لم تشقني؟ فقال : سل من يدقني انتهى.

وأما معنى الجبر فهو ما ذهبت إليه الاشاعرة من أن الله تعالى أجرى الاعمال على أيدي العباد من غير قدرة مؤثرة لهم فيها ، وعذبهم عليها.

٨٢

وأما التفويض فهو ما ذهب إليه المعتزلة من أنه تعالى أوجد العباد وأقدرهم على تلك الافعال ، وفوض إليهم الاختيار. فهم مستقلون بإيجادها على وفق مشيتهم وقدرتهم ، وليس لله في أفعالهم صنع.

وأما الامر بين الامرين فالذي ظهر مما سبق من الاخبار هو أن لهداياته وتوفيقاته تعالى مدخلا في أفعال العباد بحيث لا يصل إلى حد الالجاء والاضطرار كما أن سيدا أمر عبده بشئ يقدر على فعله ، وفهمه ذلك ، ووعده على فعله شيئا من الثواب ، وعلى تركه شيئا من العقاب فلو اكتفى من تكليف عبده بذلك ولم يزد عليه مع علمه بأنه لا يفعل الفعل بمحض ذلك لم يكن ملوما عند العقلاء لو عاقبه على تركه ، ولا يقول عاقل بأنه أجبره على ترك الفعل ، ولو لم يكتف السيد بذلك وزاد في ألطافه ، والوعد بإكرامه ، والوعيد على تركه ، وأكد ذلك ببعث من يحثه على الفعل ويرغبه فيه ، ثم فعل بقدرته واختياره ذلك الفعل فلا يقول عاقل بأنه جبره على ذلك الفعل ; وأما فعل ذلك بالنسبة إلى جماعة وتركه بالنسبة إلى آخرين فيرجع إلى حسن اختيارهم وصفاء طويتهم ، أو سوء اختيارهم وقبح سريرتهم ، فالقول بهذا لا يوجب نسبة الظلم إليه تعالى بأن يجبرهم على المعاصي ثم يعذبهم عليها كما يلزم الاولين ، ولا عز له تعالى عن ملكه ، واستقلال العباد بحيث لا مدخل لله في أفعالهم فيكونون شركاء لله في تدبير عالم الوجود كما يلزم الآخرين ، وقد مرت شواهد هذا المعنى في الاخبار ; ويؤيده ما رواه الكليني ، عن أبى عبدالله عليه‌السلام أنه سأله رجل : أجبر الله العباد على المعاصي؟ قال : لا ; فقال : ففوض إليهم الامر؟ قال : لا ، قال : فماذا؟ قال : لطف من ربك بين ذلك. (١) ويظهر من(٢)

________________

(١) أورده الكلينى في باب الجبر والقدر من الكافى باسناده عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن الحسن زعلان ، عن أبى طالب القمى ، عن رجل ، عن أبى عبدالله عليه‌السلام.

(٢) ومرجع الخبرين في مؤداهما واحد ، وهو الذى يشاهده كل إنسان من نفسه عيانا وهو أنه مع قطع النظر عن سائر الاسباب من الموجبات والموانع يملك اختيار الفعل أو الترك فله أن يفعل وله أن يترك ، وأما كونه مالكا للاختيار فانما ملكه إياه ربه سبحانه كما في الاخبار ; ومن أحسن الامثلة لذلك مثال المولى اذا ملك عبده ما يحتاج إليه في حياته من مال يتصرف فيه وزوجة يأنس اليها و دار يسكنها وأثاث ومتاع فان قلنا أن هذا التمليك يبطل ملك المولى كان قولا بالتفويض ، وإن قلنا أن ذلك لا يوجب للعبد ملكا والمولى باق على مالكيته كما كان كان قولا بالجبر ، وان قلنا ان العبد يملك بذلك والمولى مالك لجميع ما يملكه في عين ملكه وأنه من كمال ملك المولى كان قولا بالامر بين الامرين. ط

٨٣

بعض الاخبار أن المراد بالتفويض المنفي هو كون العبد مستقلا في الفعل لا يقدر الرب تعالى على صرفه عنه ، والامر بين الامرين هو أنه جعلهم مختارين في الفعل و الترك مع قدرته على صرفهم عما يختارون ، ومنهم من فسر الامر بين الامرين بأن الاسباب القريبة للفعل يرجع إلى قدرة العبد ، والاسباب البعيدة كالآلات والاسباب والاعضاء والجوارح والقوى إلى قدرة الرب تعالى ، فقد حصل الفعل بمجموع القدرتين; وفيه أن التفويض بهذا المعنى لم يقل به أحد حتى يرد عليه ; ومنهم من قال : الامر بين الامرين هو كون بعض الاشياء باختيار العبد وهي الافعال التكليفية ، وكون بعضها بغير اختياره كالصحة والمرض والنون واليقظة ، والذكر والنسيان وأشباه ذلك ، ويرد عليه ما أوردناه على الوجه السابق والله تعالى يعلم وحججه عليهم‌السلام. وبسط القول في تلك المسألة وإيراد الدلائل والبراهين على ما هو الحق فيها ودفع الشكوك والشبه عنها لا يناسب ما هو المقصود من هذا الكتاب ، والله يهدي من يشاء إلى الحق والصواب.

*(باب ٣)*

*(القضاء والقدر (١) والمشية والارادة وسائر أسباب الفعل)*

الايات ، البقرة : «٢» ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد ٢٥٣.

آل عمران «٣» وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا ١٤٥.

الانعام «٦» ولو شاء الله ما أشركوا ١٠٧ «وقال تعالى» : ولو شاء الله ما فعلوه فذره وما يفترون ١٣٧ «وقال تعالى» : سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شئ كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون * قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهديكم أجمعين ١٤٨ ـ ١٤٩.

________________

(١) مسألة القضاء والقدر من العقائد التى جاءت بها جميع الاديان ، وليست خاصة بالمسلمين ، ولكثرة استعمال هاتين اللفظتين ظن بعض الناس أن فيهما معنى الا كراه والاجبار وليس كما ظن ، وسيوافيك الاخبار والروايات وكلمات الاعلام في ذلك فتعلم أنهما لا ينافيان الاختيار.

٨٤

الاعراف «٧» قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ١٨٧.

الانفال «٨» ولكن ليقضي الله أمرا كان مفعولا ٤٢.

التوبة «٩» قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولينا وعلى الله فليتوكل المؤمنون ٥١ «وقال تعالى» : فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحيوة الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون ٥٥.

يونس «١٠» ولو شاء ربك لآمن من في الارض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين * وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون ٩٩ ـ ١٠٠

الاحزاب «٣٣» وكان أمر الله مفعولا ٣٧ وقال وكان أمر الله قدرا مقدورا ٣٨.

فاطر «٣٥» وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب إن ذلك على الله يسير ١١.

السجدة «٤١» ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم ٤٥.

معسق «٤٢» ولو شاء الله لجعلهم أمة واحدة ولكن يدخل من يشاء في رحمته والظالمون مالهم من ولي ولا نصير ٨ «وقال تعالى» : ولولا كلمة الفصل لقضي بينهم ٢١.

الزخرف «٤٣» وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم ما لهم بذلك من علم إن هم إلا يخرصون ٢٠.

القمر «٥٤» إنا كل شئ خلقناه بقدر ٤٩ «وقال» : وكل شئ فعلوه في الزبر* وكل صغير وكبير مستطر ٥٢ ـ ٥٣.

الحديد «٥٧» ما أصاب من مصيبة في الارض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير ٢٢.

الحشر «٥٩» ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله ٥.

التغابن «٦٤» ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ١١.

الطلاق «٦٥» يتنزل الامر بينهن لتعلموا أن الله على كل شئ قدير وأن الله قد أحاط بكل شئ علما ١٢.

٨٥

المدثر«٧٤» كذلك يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء ٣١ «وقال تعالى» : وما يذكرون إلا أن يشاء الله ٥٦.

الدهر «٧٦» وما تشاؤن إلا أن يشاء الله ٣٠ «وقال تعالى» : يدخل من يشاء في رحمته ٣١.

كورت «٨١» وما تشاؤن إلا أن يشاء الله رب العالمين ٢٩.

تفسير : ولو شاء الله ما اقتتلوا أي لو شاء أن يجبرهم ويلجئهم على ترك الاقتتال لفعل لكنه مناف للتكليف فلذا وكلهم إلى اختيارهم فاقتتلوا ، وإذن الله أمره وتقديره ، وقيل : علمه ، من أذن بمعنى علم.

وقال الطبرسي في قوله تعالى : «فلو شاء لهداكم أجمعين» أي لو شاء لالجأكم إلى الايمان ، وهذه المشية تخالف المشية المذكورة في الآية الاولى. لان الله سبحانه أثبت هذه ونفى تلك ، فالاولى مشية الاختيار والثانية مشية الالجاء. وقيل : إن المراد به : لو شاء لهداكم إلى نيل الثواب ودخول الجنة ابتداءا من غير تكليف.

قوله تعالى : «قل لا أملك لنفسى نفعا ولا ضرا» أي مطلقا لان ما يتوقف عليه الفعل من الاسباب والآلات إنما هو بقدرته تعالى ، وهو لا ينافي الاختيار ، أو فيما ليس باختيار العبد من دفع البلايا وجلب المنافع ، ويؤيده قوله تعالى بعد ذلك : «ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء».

قوله تعالى : «ليقضي الله أمرا كان مفعولا» أي قدر الله التقاءكم مع المشركين في بدر على غير ميعاد منكم ليقضي أمرا كان كائنا لا محالة ، أو من شأنه أن يكون هو إعزاز الدين وأهله ، وإذلال الشرك وأهله ، ومعنى «ليقضي» : ليفعل ، أو ليظهر قضاؤه. قوله تعالى : في الزبر «أي في الكتب التي كتبتها الحفظة ، أو في اللوح المحفوظ ، «وكل صغير وكبير مستطر» أي وما قدموه من أعمالهم من صغير وكبير مكتوب عليهم ، أو كل صغير وكبير من الارزاق والآجال ونحوها مكتوب في اللوح.

قوله تعالى : «وما يذكرون إلا أن يشاء الله» أي إلا أن يشاء أن يجبرهم على ذلك بقرينة قوله سابقا : «إنها تذكرة فمن شاء ذكره» وقيل : إلا أن يشاء الله من حيث

٨٦

أمر به ونهى عن تركه فكانت مشيته سابقة أي لا يذكرون إلا والله قد شاء ذلك.

١ ـ ب : ابن طريف ، عن ابن علوان ، عن جعفر ، عن أبيه ، قال : قيل لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا رسول الله رقى(١) يستشفى بها هل ترد من قدر الله؟ فقال : إنها من قدر الله. «ص ٤٥».

٢ ـ ل : الخليل بن أحمد السنجري ، عن محمد بن إسحاق بن خزيمة ، عن علي بن حجر ، عن شريك ، عن منصور بن المعتمر ، (٢) عن ربعي بن خراش ، (٣) عن علي عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا يؤمن عبد حتى يؤمن بأربعة : حتى يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأني رسول الله بعثني بالحق ، وحتى يؤمن بالبعث بعد الموت ، وحتى يؤمن بالقدر.

٣ ـ ل : أبوأحمد محمد بن جعفر البندار ، عن جعفر بن محمد بن نوح ، عن محمد بن عمر ، عن يزيد بن زريع ، عن بشر بن نمير ، عن القاسم بن عبدالرحمن ، عن أبي أمامة(٤) قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أربعة لا ينظر الله إليهم القيامة : عاق ، ومنان ، ومكذب بالقدر ، ومدمن خمر.

٤ ـ ل : حمزة العلوي ، عن أحمد الهمداني ، عن يحيى بن الحسن بن جعفر ، عن

________________

(١) جمع الرقية بالضم : العوذة.

(٢) قال العلامة في القسم الثانى من الخلاصة : منصور بن معتمر من أصحاب الباقر عليه‌السلام تبرى انتهى ، وقال ابن حجر في تقريب التهذيب : منصور بن المعتمر بن عبدالله السلمى ، أبوعثاب ـ بمثلثة

تقيلة ثم موحدة ـ الكوفى ، ثقة ، ثبت ، وكان لا يدلس ، من طبقة الاعمش ، مات سنة ١٣٢.

(٣) ربعى بالكسر الراء وسكون الباء ، والعين المهملة ، خراش بالخاء المعجمة المكسورة والراء والسين المعجمة ، ضبطه كذلك الميرزا في هامس الوسيط ، وحكى ذلك أيضا عن ابن داود ، وضبطه ابن حجر في التقريب بكسر المهملة وآخره معجمة وقال : أبومريم العبسى الكوفى ثقة ، عابد ، مخضرم ، من الثانية ، مات سنة مائة ، وقيل : غير ذلك انتهى. أقول : وأرخ وفاته في الوسيط و في المحكى عن مختصر الذهبى سنة ١٠١ وحكى عن البرقى وغيره أنه وأخاه مسعود من خواص أمير المؤمينن عليه‌السلام من مضر.

(٤) لعله صدى ـ بالتصغير ـ ابن عجلان أبوامامة الباهلى الصحابى المشهور سكن الشام ومات بها سنة ٨٦ وقيل ٨١.

٨٧

محمد بن ميمون الخزاز ، عن عبدالله بن ميمون ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن علي بن الحسين عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ستة لعنهم الله وكل نبي مجاب : الزائد في كتاب الله ، والمكذب بقدر الله ، والتارك لسنتي ، والمستحل من عترتي ما حرم الله ، والمتسلط بالجبروت ليذل من أعزه الله ويعز من أذله الله ، والمستأثر بفئ المسلمين المستحل له.

٥ ـ ل : ابن المتوكل ، عن محمد العطار ، عن محمد بن أحمد ، عن أحمد بن محمد ، عن أبي القاسم الكوفي ، عن عبدالمؤمن الانصاري ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إني لعنت سبعة لعنهم الله وكل نبي مجاب قبلي ، فقيل : ومن هم يا رسول الله؟ فقال : الزائد في كتاب الله ، والمكذب بقدر الله ، والمخالف لسنتي ، و المستحل من عترتي ما حرم الله ، والمتسلط بالجيرية(١) ليعز من أذل الله ويذل من أعز الله ، والمستأثر على المسلمين(٢) بفيئهم مستحلا له والمحرم ما أحل الله عز وجل. ٦ ـ ل : محمد بن عمر الحافظ ، عن محمد بن الحسين الخثعمي ، عن ثابت بن عامر السنجاري؟ عن عبدالملك بن الوليد ، عن عمرو بن عبدالجبار ، عن عبدالله بن زياد ، عن زيد بن علي ، عن أبيه ، عن جده ، عن علي عليهم‌السلام قال : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : سبعة لعنهم الله وكل نبي مجاب ، المغير لكتاب الله ، والمكذب بقدر الله ، والمبدل سنة رسول الله ، والمتسحل من عترتي ما حرم الله عزوجل ، والمتسلط في سلطانه ليعز من أذل الله ويذل من أعز الله ، والمستحل لحرم الله ، (٣) والمتكبر عبادة الله عزوجل.

٧ ـ ل : أبى ، عن سعد ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن أبي عبدالله البرقي ، عن زكريا ابن عمران ، عن أبي الحسن الاول عليه‌السلام قال : لا يكون شئ في السماوات والارض إلا بسبعة : بقضاء ، وقدر وإرادة ، ومشية ، وكتاب ، وأجل ، وإذن ، فمن قال غير هذا فقد كذب على الله ، أورد على الله عزوجل.

________________

(١) المتسلط بالجبرية أو بالجبروت أى بالقدرة والسلطة والعظمة.

(٢) استأثر بالشئ على الغير أى استبد به وخص به نفسه.

(٣) الحرم بضم الحاء والراء جمع الحرام : ضد الحلال.

٨٨

٨ ـ فس : أبي ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن مسكان ، (١) عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : إن موسى عليه‌السلام سأل ربه أن يجمع بينه وبين آدم عليه‌السلام فجمع ، فقال له موسى : يا أبه ألم يخلقك الله بيده ، ونفخ فيك من روحه ، وأسجد لك ملائكته ، وأمرك أن لا تأكل من الشجرة؟ فلم عصيته؟ قال : يا موسى بكم وجدت خطيئتي قبل خلقي في التوراة؟ قال : بثلاثين سنة ، (٢) قال : فهو ذلك ، قال الصادق عليه‌السلام : فحج آدم موسى عليه‌السلام. (٣) «ص ٣٦ ـ ٣٧»

بيان : من أصحابنا من حمل هذا الخبر على التقية ، إذ قد ورد ذلك في كتبهم بطرق كثيرة ، وقد رواه السيد في الطرائف من طرقهم ورده ، ويمكن أن يقال : إن المراد أنه كتب في التوراة أن الله وكل آدم إلى اختياره حتى فعل ما فعل لمصلحة إهباطه إلى الدنيا ، وأما كونه قبل خلقه عليه‌السلام فلان التوراة كتب في الالواح السماوية في ذلك الوقت وإن وجده موسى عليه‌السلام بعد بعثته«ويحتمل اطلاع روح موسى على ذلك قبل خلق جسد آدم والله يعلم.

٩ ـ ع : أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن جعفر بن محمد بن مالك ، عن عباد بن يعقوب ، عن عمر بن بشر البزاز قال : قال أبوجعفر محمد بن علي الباقر عليه‌السلام : ما يستطيع أهل القدر أن يقولوا ; والله لقد خلق الله آدم للدنيا وأسكنه الجنة ليعصيه فيرده إلى ما خلقه له. «ص ١٩٢ ـ ١٩٣»

بيان : قوله : ليعصيه أي عالما بأنه يخليه مع اختياره فيعصيه ، فيكون اللام لام العاقبة أي ليخليه فيعصي بذلك مختارا والله يعلم.

١٠ ـ مع : أبي ، عن سعد ، عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى ، عن

________________

(١) قد عرفت سابقا عدم ثبوت رواية ابن مسكان عن أبى عبدالله عليه‌السلام بلا واسطة مما ذكرنا عن النجاشى ، فانه قال : إنه روى عن أبى عبدالله عليه‌السلام وليس بثبت انتهى ، ومما نقلنا عن الكشى من أنه لم يسمع عنه عليه‌السلام إلا حديث من أدرك المشعر فقد أدرك الحج ، فعلى هذا فالرواية مرسلة.

(٢) في المصدر : بثلاثين ألف سنة.

(٣) أى غلب آدم موسى بالحجة.

٨٩

شعيب ، عن أبي بصير قال : قال أبوعبدالله عليه‌السلام : شاء وأراد ، ولم يحب ولم يرض. قلت : كيف؟ قال : شاء أن لا يكون شئ إلا بعلمه ، وأراد مثل ذلك ، ولم يحب أن يقال له : ثالث ثلاثة ، ولم يرض لعباده الكفر.

١ ـ عد : اعتقادنا في الارادة والمشية قول الصادق عليه‌السلام : شاء الله ، وأراد ، ولم يحب ، ولم يرض ، شاء أن لا يكون شئ إلا بعلمه ، وأراد مثل ذلك ، ولم يحب أن يقال له : ثالث ثلاثة ، ولم يرض لعباده الكفر. (١) وقال الله عزوجل : «إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء» (٢) وقال عزوجل : «وما تشاؤن إلا أن يشاء الله» (٣) وقال عزوجل : «ولو شاء ربك لآمن من في الارض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين» (٤) وقال عزوجل : «وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله» (٥) كما قال : «وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا» (٦) كما قال : «يقولون لو كان لنا من الامر شئ ما قتلنا قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم» (٧) وقال عزوجل : «ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون» (٨) وقال عزوجل «ولو شاء الله ما أشركوا وما جعلناك عليهم حفيظا» (٩) وقال عزوجل : «ولو شئنا لآتينا كل نفس هديها» (١٠) وقال عزوجل : «فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للاسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء» (١١) وقال عزوجل : «يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم» (١٢) وقال الله عزوجل : «يريد الله أن لا يجعل لهم حظا في الآخرة» (١٣) وقال عزوجل : «يريد الله

________________

(١) تقدم مسندا تحت رقم ١١ ويأتى بسند آخر تحت رقم ٣٤.

(٢) القصص : ٥٦.

(٣) الدهر : ٣٠.

(٤) يونس : ٩٩.

(٥) يونس : ١٠٠

(٦) آل عمران : ١٤٥.

(٧) آل عمران : ١٥٤.

(٨) الانعام : ١١٢.

(٩) الانعام : ١٠٧.

(١٠) الم السجدة : ١٣.

(١١) الانعام : ١٢٥.

(١٢) النساء : ٢٦. (١٣) آل عمران : ١٧٦.

٩٠

أن يخفف عنكم» (١) وقال : «يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر» (٢) وقال عز وجل : «والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما» (٣) وقال عزوجل : «وما الله يريد ظلما للعباد». (٤)

فهذا اعتقادنا في الارادة والمشية ، ومخالفونا يشنعون علينا في ذلك ، ويقولون : إنا نقول : إن الله عزوجل أراد المعاصي وأراد قتل الحسين عليه‌السلام وليس هكذا نقول ، ولكنا نقول : إن الله عزوجل أراد أن يكون معصية العاصين خلاف طاعة المطيعين ، وأراد أن تكون المعاصي غير منسوبة إليه من جهة الفعل ، وأراد أن يكون موصوفا بالعلم بها قبل كونها ، ونقول : أراد الله أن يكون قتل الحسين عليه‌السلام معصية له خلاف الطاعة ، ونقول : أراد أن يكون قتله منهيا عنه غير مأمور به ، ونقول : أراد الله أن يكون مستقبحا غير مستحسن ، ونقول : أراد الله عزوجل أن يكون قتله سخطا لله غير رضاه ، ونقول : أراد الله عزوجل أن لا يمنع من قتله بالجبر والقدرة كما منع منه بالنهي ، ونقول : أراد الله أن لا يدفع القتل عنه كما دفع الحرق عن إبراهيم عليه‌السلام ، حين قال عزوجل للنار التي القي فيها : «يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم» (٥) ونقول : لم يزل الله عالما بأن الحسين عليه‌السلام سيقتل ويدرك بقتله سعادة الابد ، ويشقى قاتله شقاوة الابد ، و نقول : ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن. هذا اعتقادنا في الارادة والمشية ، دون ما نسب إلينا أهل الخلاف والمشنعون علينا من أهل الالحاد «ص ٦٩ ـ ٧١»

أقول : قال الشيخ المفيد نور الله ضريحه : الذي ذكره الشيخ أبوجعفر رحمه الله في هذا الباب لا يتحصل ومعانيه تختلف وتتناقض ، والسبب في ذلك أنه عمل على ظواهر الاحاديث المختلفة ، ولم يكن ممن يرى النظر فيميز بين الحق والباطل ، ويعمل على ما توجب الحجة : ومن عول في مذهبه على الاقاويل المختلفة وتقليد الرواة كانت حاله في الضعف ما وصفناه : والحق في ذلك أن الله تعالى لا يريد إلا ما حسن من الافعال ، ولا

________________

(١) النساء : ٢٧.

(٢) البقرة : ١٨٥.

(٣) النساء : ٢٧.

(٤) النساء : ٣١.

(٥) الانبياء : ٦٩

٩١

يشاء إلا الجميل من الاعمال ، ولا يريد القبائح ، ولا يشاء الفواحش ، تعالى الله عما يقول المبطلون علوا كبيرا ، قال الله تعالى : «وما الله يريد ظلما للعباد» وقال : «يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر» وقال : «يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم» الآية «والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما ; يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الانسان ضعيفا» فخبر سبحانه أنه لا يريد لعباده العسر ، بل يريد بهم اليسر ، وأنه يريد لهم البيان ، ولا يريد لهم الضلال ، ويريد التخفيف عنهم ، ولا يريد التثقيل عليهم ، فلو كان سبحانه مريدا لمعاصيهم لنا في ذلك إرادة البيان لهم ، أو التخفيف عنهم واليسر لهم ، فكتاب الله تعالى شاهد بضد ما ذهب إليه الضالون المفترون على الله الكذب ، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا. فأما ما تعلقوا به من قوله تعالى : «فمن يرد الله أن يهديه» الآية فليس للمجبرة به تعلق ولا فيه حجة ، من قبل أن المعنى فيه من أراد الله تعالى أن ينعمه ويثيبه جزاءا على طاعته شرح صدره للاسلام بالالطاف التي يحبوه بها ، فييسر له بها استدامة أعمال الطاعات ، والهداية في هذا الموضع هي التنعيم ، قال الله تعالى ـ فيما خبر به عن أهل الجنة ـ : «الحمد لله الذي هدانا لهذا» (١) الآية أي نعمنا به وأثابنا إياه ، والضلال في هذه الآية هو العذاب ، قال الله تعالى : «إن المجرمين في ضلال وسعر» (٢) فسمي العذاب ضلالا والنعيم هداية ، والاصل في ذلك أن الضلال هو الهلاك ، والهداية هي النجاة ، قال الله تعالى ـ حكاية عن العرب ـ : «أئذا ضللنا في الارض أئنا لفي خلق جديد» (٣) يعنون إذا هلكنا فيها ، وكأن المعنى في قوله : «فمن يرد الله أن يهديه» ما قدمناه «ومن يرد أن يضله» ما وصفناه ، والمعنى في قوله : «يجعل صدره ضيقا حرجا» يريد سلبه التوفيق عقوبة له على عصيانه ، ومنعه الالطاف جزاءا له على إساءته ، فشرح الصدر : ثواب الطاعة بالتوفيق ، وتضييقه : عقاب المعصية بمنع التوفيق ، وليس في هذه الآية على ما بيناه شبهة لاهل الخلاف فيما ادعوه من أن الله تعالى يضل عن الايمان ، ويصد

________________

(١) الاعراف : ٤٣.

(٢) القمر : ٤٧.

(٣) الم السجدة : ١٠.

٩٢

عن الاسلام ، ويريد الكفر ، ويشاء الضلال ; وأما قوله تعالى : «ولو شاء ربك لآمن من في الارض كلهم جميعا» فالمراد به الاخبار عن قدرته ، وأنه لو شاء أن يلجئهم إلى الايمان ويحملهم عليه بالاكراه والاضطرار لكان على ذلك قادرا ، لكنه شاء تعالى منهم الايمان على الطوع والاختيار ، وآخر الآية يدل على ما ذكرناه وهو قوله : «أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين» (١) يريد أن الله قادر على إكراههم على الايمان لكنه لا يفعل ذلك ، ولو شاءه لتيسر عليه ، وكل ما يتعلقون به من أمثال هذه الآية فالقول فيه ما ذكرناه أو نحوه على ما بيناه ، وفرار المجبرة من إطلاق القول : بأن الله يريد أن يعصى ويكفر به ويقتل أولياؤه إلى القول بأنه يريد أن يكون ما علم كما علم ويريد أن يكون معاصيه قبائح منهيا عنها وقوع فيما هربوا منه ، وتورط فيما كرهوه ، (٢) وذلك أنه إذا كان ما علم من القبيح كما علم وكان تعالى مريدا لان يكون ما علم من القبيح كما علم فقد أراد القبيح وأراد أن يكون قبيحا ، فما معنى فرارهم من شئ إلى نفسه؟ وهربهم من معنى إلى عينه؟! فكيف يتم لهم ذلك مع أهل العقول؟! وهل قولهم هذا إلا كقول إنسان : أنا لا أسب زيدا لكني أسب أبا عمرو وزيد هو أبو عمرو؟ وكقول اليهود إذ قالوا سخرية بأنفسهم : نحن لا نكفر بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله لكنا نكفر بأحمد؟! فهذا رعونة(٣) وجهل ممن صار إليه.

١٢ ـ ن : أحمد بن إبراهيم بن بكر الخوري ، عن إبراهيم بن محمد بن مروان ، عن جعفر بن محمد بن زياد ، عن أحمد بن عبدالله الجويباري ، عن علي بن موسى الرضا ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن علي عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن الله عزوجل قدر المقادير ، و دبر التدابير قبل أن يخلق آدم بألفي عام. «ص ٨٠»

ن : بالاسانيد الثلاثة عنه عليه‌السلام مثله. صح : عنه عليه‌السلام مثله.

١٣ ـ فس : أبى ، عن النوفلي ، عن السكوني؟ عن جعفر ، عن أبيه صلوات الله

________________

(١) قد أشرنا قبيل ذلك إلى موضع الاية وإلى مواضع سائر الايات.

(٢) تورط الرجل : وقع في الورطة أو في أمر مشكل.

(٣) الرعونة : الحمق والهوج في الكلام.

٩٣

عليهما قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : سبق العلم وجف القلم ومضى القضاء وتم القدر بتحقيق الكتاب ، وتصديق الرسل ، وبالسعادة من الله لمن آمن واتقى ، وبالشقاء لمن كذب وكفر ، وبالولاية من الله للمؤمنين ، وبالبراءة منه للمشركين. ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن الله يقول : يابن آدم بمشيتي كنت أنت الذي تشاء لنفسك ما تشاء ، وبإرادتي كنت أنت الذي تريد لنفسك ما تريد ، وبفضل نعمتي عليك قويت على معصيتي ، وبقوتي وعصمتي وعافيتي أديت إلي فرائضي ، وأنا أولى بحسناتك منك ، وأنت أولى بذنبك مني ، الخير مني إليك بما أوليتك به ، (١) والشر مني إليك بما جنيت جزاءا ، وبكثير من تسلطي لك انطويت عن طاعتي ، وبسوء ظنك بي قنطت من رحمتي ، فلي الحمد والحجة عليك بالبيان ، ولي السبيل عليك بالعصيان ، ولك الجزاء الحسن عندي بالاحسان ، لم أدع تحذيرك بي ، ولم آخذك عند عزتك ، وهو قوله : «ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة» لم أكلفك فوق طاقتك ، ولم أحملك من الامانة إلا ما أقررت بها على نفسك ، ورضيت لنفسي منك ما رضيت به لنفسك مني. «ص ٥٤٧ ـ ٥٤٨»

١٤ ـ يد : أبي وابن الوليد معا ، عن محمد العطار ، وأحمد بن إدريس معا ، عن الاشعري ، عن ابن يزيد ، عن علي بن حسان ، عن السكوني ، عن ثور بن يزيد ، عن خالد بن سعدان ، عن معاذ بن جبل ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مثله. «ص ٣٥٣ ـ ٣٥٤» بيان : قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : بتحقيق الكتاب أي جنس الكتاب ، فالمراد كل كتاب منزل ، أو القرآن ، أو اللوح. قوله تعالى : بمشيتي كنت أنت الذي تشاء أي شئت أن أجعلك شائيا مختارا ، وأردت أن أجعلك مريدا فجعلتك كذلك وفي «يد» : الخير مني بما أوليت بدءا. فيمكن أن يقرأ أوليت على صيغة الخطاب والتكلم.

قوله تعالى : وبكثير من تسلطي لك أي من التسلط الذي جعلت لك على الخلق وعلى الامور. وانطوى عن الشئ أي هاجره وجانبه. وفي التوحيد مكان تلك الفقرة : وبإحساني إليك قويت على طاعتي.

________________

(١) في المصدر : الخير منى اليك واصل بما اوليتك.

٩٤

قوله تعالى : ولم آخذك عند عزتك أي لم أعذبك عند غفلتك ، بل وعظتك و نبهتك وحذرتك. وقوله : وهو قوله إلى قوله : من دابة ليس في التوحيد ولا يبعد كونه كلام علي بن إبراهيم.

١٥ ـ فس : «والذي قدر فهدى» قال : قدر الاشياء في التقدير الاول ثم هدى إليها من يشاء. «ص ٧٢١»

١٦ ـ ج : روي أنه سئل أمير المؤمنين عليه‌السلام عن القضاء والقدر ، فقال : لا تقولوا : وكلهم الله إلى أنفسهم فتوهنوه ، ولا تقولوا : جبرهم (١) على المعاصي فتظلموه ، ولكن قولوا : الخير بتوفيق الله ، والشر بخذلان الله ، وكل سابق في علم الله. «ص ١١٠»

١٧ ـ قال الرضا عليه‌السلام : ثمانية أشياء لا تكون إلا بقضاء الله وقدره : النوم ، و اليقظة ، والقوة ، والضعف ، والصحة ، والمرض ، والموت ، والحياة. (٢)

١٨ ـ وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : يقول الله عزوجل : من لم يرض بقضائي ، ولم يشكر لنعمائي ، ولم يصبر على بلائي ، فليتخذ ربا سوائي. (٣)

١٩ ـ ج : روي عن علي بن محمد العسكري عليهما‌السلام في رسالته إلى أهل الاهواز في نفي الجبر والتفويض أنه قال : روي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : أنه سأله رجل بعد انصرافه من الشام فقال : يا أمير المؤمنين أخبرنا عن خروجنا إلى الشام أبقضاء وقدر؟ فقال له أمير المؤمنين : نعم يا شيخ ما علوتم تعلة ولا هبطتم بطن واد إلا بقضاء من الله وقدره; فقال الرجل : عند الله أحتسب عنائي والله ما أرى لي من الاجر شيئا.

فقال علي عليه‌السلام : بلى فقد عظم الله لكم الاجر في مسيركم وأنتم ذاهبون ، وعلى منصرفكم وأنتم منقلبون ، ولم تكونوا في شئ من حالاتكم مكرهين؟ (٤) فقال الرجل : وكيف لا نكون مضطرين والقضاء والقدر ساقانا وعنهما كان مسيرنا؟ فقال أمير المؤمنين

________________

(١) في المصدر : اجبرهم. م

(٢) لم نجده في الاحتجاج. م

(٣) لم نجده ايضا فيه. م

(٤) في المصدر : من حالاتكم مكرهين ولا اليه مضطرين. م

٩٥

عليه‌السلام : لعلك أردت قضاءا لازما وقدرا حتما لو كان ذلك كذلك لبطل الثواب و العقاب ، وسقط الوعد والوعيد ، والامر من الله والنهي ، وما كانت تأتي من الله لائمة لمذنب ، ولا محمدة لمحسن ، ولا كان المحسن أولى بثواب الاحسان من المذنب ، ولا المذنب أولى بعقوبة الذنب من المحسن ، تلك مقالة إخوان عبدة الاوثان ، وجنود الشيطان ، وخصماء الرحمن ، وشهداء الزور والبهتان ، وأهل العمى(١) والطغيان ، هم قدرية هذه الامة ومجوسها ; إن الله تعالى أمر تخييرا ، ونهى تحذيرا ، وكلف يسيرا ، ولم يعص مغلوبا ، ولم يطع مكرها ، ولم يرسل الرسل هزلا ، ولم ينزل القرآن عبثا ، ولم يخلق السماوات والارض وما بينهما باطلا ، ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار. قال ثم تلا عليهم : «وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه»

قال : فنهض الرجل مسرورا وهو يقول :

أنت الامام الذي نرجو بطاعته

يوم النشور من الرحمن رضوانا

وساق الابيات إلى قوله :

أنى يحب وقد صحت عزيمته؟

على الذي قال أعلن ذاك إعلانا

«ص ١٠٩ ـ ١١٠»

٢٠ ـ وروي أن الرجل قال : فما القضاء والقدر الذي ذكرته يا أمير المؤمنين؟ قال : الامر بالطاعة ، والنهي عن المعصية ، والتمكين من فعل الحسنة وترك المعصية ، والمعونة على القربة إليه ، والخذلان لمن عصاه ، والوعد والوعيد ، والترغيب والترهيب كل ذلك قضاء الله في أفعالنا وقدره لاعمالنا ، أما غير ذلك فلا تظنه فإن الظن له محبط للاعمال ، فقال الرجل : فرجت عني يا أمير المؤمنين فرج الله عنك «ص ١٠٩»

٢١ ـ فوائد الكراجكي ، عن المفيد ، عن محمد بن عمر الحافظ ، عن إسحاق بن جعفر العلوي ، عن أبي جعفر محمد بن علي ، عن سليمان بن محمد القرشي ، عن السكوني ، عن الصادق عليه‌السلام ، عن أبيه ، عن جده عليهم‌السلام قال : دخل رجل من أهل العراق على أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال : أخبرنا عن خروجنا إلى أهل الشام ; إلى آخر الحبرين «ص ١٦٩ –١٧٠»

________________

(١) في المصدر : واهل الغى. م

٩٦

٢٢ ـ عد : اعتقادنا في القضاء والقدر قول الصادق عليه‌السلام لزرارة حين سأله فقال : ما تقول في القضاء والقدر؟ قال : أقول : إن الله عزوجل إذا جمع العباد يوم القيامة سألهم عما عهد إليهم ، ولم يسألهم عما قضى عليهم ، (١) والكلام في القدر منهي عنه كما قال أمير المؤمنين عليه‌السلام لرجل قد سأله عن القدر : فقال : بحر عميق فلا تلجه ، ثم سأله ثانية فقال : طريق مظلم فلا تسلكه ، ثم سأله ثالثة فقال : سر الله فلا تتكلفه. (٢) «ص ٧١»

٢٣ ـ وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام في القدر : ألا إن القدر سر من سر الله ، (٣) وحرز من حرز الله مرفوع في حجاب الله ، مطوي عن خلق الله ، مختوم بخاتم الله ، سابق في علم الله ، وضع الله عن العباد علمه ، ورفعه فوق شهاداتهم ، (٤) لانهم لا ينالونه بحقيقة الربانية ، ولا بقدرة الصمدانية ، ولا بعظمة النورانية ، ولا بعزة الوحدانية ، لانه بحرز اخر ، مواج ، خالص لله عزوجل ، عمقه ما بين السماء والارض ، عرضه ما بين المشرق والمغرب ، أسود كالليل الدامس ، كثير الحيات والحيتان ، تعلو مرة وتسفل أخرى ، في قعره شمس تضئ ، لا ينبغى أن يطلع عليها إلا الواحد الفرد ، فمن تطلع عليها فقد ضاد الله في حكمه ، ونازعه في سلطانه ، وكشف عن سره وستره ، وباء بغضب من الله ، ومأواه جهنم ، وبئس المصير. (٥) «ص ٧١»

٢٤ ـ وروي أن أمير المؤمنين عليه‌السلام عدل من عند حائط مائل إلى مكان آخر ، فقيل له : يا أمير المؤمنين تفر من قضاء الله؟ فقال عليه‌السلام : أفر من قضاء الله إلى قدر الله. (٦) وسئل

________________

(١) سيأتي الحديث مسندا تحت رقم ٣٨ وتقدم مرسلا عن زرارة في الباب السابق تحت رقم ١١١ نحوه.

(٢) سيأتي مسندا تحت رقم ٣٥.

(٣) في المصدر : سر من سر الله وستر من ستر الله. م

(٤) في المصدر : ورفعه فوق شهاداتهم ومبلغ عقولهم. م

(٥) أورده مسندا في ص ٣٩٢ من التوحيد ، والسند هكذا : محمد بن موسى المتوكل ، عن السعد آبادى ، عن البرقى ، عن أبيه ، عن محمد بن سنان ، عن زياد بن المنذر ، عن ابن طريف ، عن الاصبغ ، عن أمير المؤمنين عليه‌السلام. فليراجعه.

(٦) انظر الحديث منسدا تحت رقم ٤١.

٩٧

الصادق عليه‌السلام عن الرقى هل تدفع من القدر شيئا؟ فقال : هي من القدر. (١) «ص ٧١ ـ ٧٢» أقول : قال الشيخ المفيد رحمه الله في شرح هذا الكلام : عمل أبوجعفر في هذا الباب على أحاديث شواذ لها وجوه تعرفها العلماء متى صحت وثبت أسنادها ، ولم يقل فيه قولا محصلا ، وقد كان ينبغي له لما لم يعرف للقضاء معنى أن يهمل الكلام فيه والقضاء معروف في اللغة ، وعليه شواهد من القرآن فالقضاء على أربعة أضراب : أحدها الخلق ، والثاني الامر ، والثالث الاعلام ، والرابع القضاء بالحكم : فأما شاهد الاول فقوله تعالى : «فقضيهن سبع سموات» (٢) وأما الثاني فقوله تعالى : «وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه» (٣) وأما الثالث فقوله تعالى : «وقضينا إلى بني إسرائيل» (٤) وأما الرابع فقوله : «والله يقضي بالحق» (٥) يعني يفصل بالحكم بالحق بين الخلق ، وقوله : «وقضي بينهم بالحق». (٦) وقد قيل : إن للقضاء معنى خامسا وهو الفراغ من الامر ، واستشهد على ذلك بقول يوسف عليه‌السلام : «قضي الامر الذي فيه تستفتيان» (٧) يعني فرغ منه ، و هذا يرجع إلى معنى الخلق.

وإذا ثبت ما ذكرناه في أوجه القضاء بطل قول المجبرة : أن الله تعالى قضى بالمعصية على خلقه لانه لا يخلو إما أن يكونوا يريدون به أن الله خلق العصيان في خلقه فكان يجب أن يقولوا : قضى في خلقه بالعصيان ، ولا يقولوا قضى عليهم لان الخلق فيهم لا عليهم ، مع أن الله تعالى قد أكذب من زعم أنه خلق المعاصي بقوله سبحانه : «الذي

________________

(١) تقدم الحديث مسندا تحت رقم ١ عن كتاب قرب الاسناد ، وأورده الصدوق في ص ٣٩٠ من التوحيد باسناد آخر وهو هكذا : الدقاق ، عن محمد بن أبي عبدالله الكوفى ، عن موسى بن عمران النخعى ، عن عمه الحسين بن يزيد النوفلى ، عن على بن سالم ، عن أبى عبدالله عليه‌السلام قال : سألته عن الرقى أتدفع من القدر شيئا؟ فقال : هى من القدر ، وقال عليه‌السلام : إن القدرية مجوس هذه الامة ، وهم الذين أرادوا أن يصفوا الله بعدله فأخرجوه من سلطانه ، وفيهم نزلت هذه الاية : «يوم يسحبون في النار على وجوههم ذو قوامس سقر إنا كل شئ خلقناه بقدر»

(٢) حم السجدة : ١٢.

(٣) اسرى : ٢٣.

(٤) اسرى : ٤.

(٥) المؤمن : ١٠.

(٦) الزمر : ٦٩.

(٧) يوسف : ٤١.

٩٨

أحسن كل شئ خلقه» (١) كما مر ; ولا وجه لقولهم : قضى المعاصي على معنى أمر بها لانه تعالى قد أكذب مدعي ذلك بقوله تعالى : «إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون» (٢) ولا معنى لقول من زعم أنه قضى بالمعاصي على معنى أنه أعلم الخلق بها إذ كان الخلق لا يعلمون أنهم في المستقبل يطيعون أو يعصون ، ولا يحيطون علما بما يكون منهم في المستقبل على التفصيل ; ولا وجه لقولهم : إنه قضى بالذنوب على معنى أنه حكم بها بين العباد لان أحكام الله تعالى حق ، والمعاصي منهم ، ولا لذلك فائدة وهو لغو باتفاق فبطل قول من زعم أن الله تعالى يقضي بالمعاصي والقبائح.

والوجه عندنا في القضاء والقدر بعد الذي بيناه أن الله تعالى في خلقه قضاءا و قدرا وفي أفعالهم أيضا قضاءا وقدرا معلوما ، ويكون المراد بذلك أنه قد قضى في أفعالهم الحسنة بالامر بها ، وفي أفعالهم القبيحة بالنهي عنها ، وفي أنفسهم بالخلق لها ، وفيما فعله فيهم بالايجاد له ; والقدر منه سبحانه فيما فعله إيقاعه في حقه وموضعه ، وفي أفعال عباده ما قضاه فيها من الامر والنهي والثواب والعقاب لان ذلك كله واقع موقعه و موضوع في مكانه لم يقع عبثا ولم يصنع باطلا.

فإذا فسر القضاء في أفعال الله تعالى والقدر بما شرحناه زالت الشبهة منه وثبتت الحجة به ووضح القول فيه لذوي العقول ولم يلحقه فساد ولا اختلال. فأما الاخبار التي رواها في النهي عن الكلام في القضاء ، والقدر فهي تحتمل وجهين : أحدهما أن يكون النهي خاصا بقوم كان كلامهم في ذلك يفسدهم ويضلهم عن الدين ولا يصلحهم إلا الامساك عنه وترك الخوض فيه ، ولم يكن النهي عنه عاما لكافة المكلفين وقد يصلح بعض الناس بشئ يفسد به آخرون ، ويفسد بعضهم بشئ يصلح به آخرون ، فدبر الائمة عليهم‌السلام أشياعهم في الدين بحسب ما علموه من مصالحهم فيه. والوجه الاخر أن يكون النهي عن الكلام فيهما النهي عن الكلام فيما خلق الله تعالى وعن علله وأسبابه وعما أمر به وتعبد ، وعن القول في علل ذلك إذ كان طلب علل الخلق والامر محظورا لان الله تعالى سترها من أكثر خلقه ألا ترى أنه لا يجوز لاحد

________________

(١) الم الجسدة : ٧.

(٢) الاعراف : ٢٨.

٩٩

أن يطلب لخلقه جميع ما خلق عللا مفصلات ، فيقول : لم خلق كذا وكذا؟ حتى يعد المخلوقات كلها ويحصيها ، ولا يجوز أن يقول : لم أمر بكذا وتعبد بكذا ونهى عن كذا؟ إذ تعبده بذلك وأمره لما هو أعلم به من مصالح الخلق ، ولم يطلع أحدا من خلقه على تفصيل ما خلق وأمر به وتعبد ، وإن كان قد أعلم في الجملة أنه لم يخلق الخلق عبثا ، وإنما خلقهم للحكمة والمصلحة ، ودل على ذلك بالعقل والسمع ، فقال سبحانه : «وما خلقنا السماء والارض وما بينهما لاعبين» (١) وقال : «أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا» (٢) وقال : «إنا كل شئ خلقناه بقدر» (٣) يعني بحق ، ووضعناه في موضعه ، وقال : «وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون» (٤) وقال فيما تعبد : «لن ينال الله لحومها ولا دماؤها و لكن يناله التقوى منكم». (٥)

وقد يصح أن يكون تعالى خلق حيوانا بعينه لعلمه تعالى بأنه يؤمن عند خلقه كفار ، أو يتوب عند ذلك فساق ، أو ينتفع به مؤمنون ، أو يتعظ به ظالمون ، أو ينتفع المخلوق نفسه بذلك ، أو يكون عبرة لواحد في الارض أو في السماء ، وذلك يغيب عنا ، وإن قطعنا في الجملة أن جميع ما صنع الله تعالى إنما صنعه لاغراض حكمية ، ولم يصنعه عبثا ، وكذلك يجوز أن يكون تعبدنا بالصلاة لانها تقربنا من طاعته وتبعدنا عن معصيته ، وتكون العبادة بها لطفا لكافة المتعبدين بها أو لبعضهم.

فلما خفيت هذه الوجوه وكانت مستورة عنا ولم يقع دليل عل التفصيل فيها وإن كان العلم بأنها حكمة في الجملة كان النهي عن الكلام في معنى القضاء والقدر إنما هو عن طلب علل لها مفصلة فلم يكن نهيا عن الكلام في معنى القضاء والقدر. هذا إن سلمت الاخبار التي رواها أبوجعفر رحمه الله ، فأما إن بطلت أو اختل سندها فقد سقط عنا عهدة الكلام فيها ، والحديث الذي رواه عن زرارة حديث صحيح من بين ما روى ، والمعنى فيه ظاهر ليس به على العقلاء خفاء ، وهو مؤيد للقول بالعدل

________________

(١) الانبياء : ١٦.

(٢) المؤمنون : ١١٥.

(٣) القمر : ٤٩.

(٤) الذاريات : ٥٦.

(٥) الحج : ٣٧.

١٠٠