بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٤٣
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

يرميه من فمه «إلا لديه» حافظ حاضر معه ، يعني الملك الموكل به ، إما صاحب اليمين ، وإما صاحب الشمال ، يحفظ عمله ، لا يغيب عنه. والهاء في لديه تعود إلى القول أو إلى القائل. وعن أبي أمامة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : إن صاحب الشمال ليرفع القلم ست ساعات عن العبد المسلم المخطئ أو المسئ ، فإن ندم واستغفر الله منها ألقاها وإلا كتب واحدة. وفي رواية أخرى إن صاحب اليمين أمير على صاحب الشمال ، فإذا عمل حسنة كتبها له صاحب اليمين بعشر أمثالها ، وإذا عمل سيئة فأراد صاحب الشمال أن يكتبها قال له صاحب اليمين : أمسك ، فيمسك عنه سبع ساعات ، فإن استغفر الله منها لم يكتب عليه شئ وإن لم يستغفر الله كتبت له سيئة واحدة.

وقال في قوله تعالى : «إن عليكم لحافظين» أي من الملائكة يحفظون عليكم ما تعملونه من الطاعات والمعاصي ، ثم وصف الحفظة فقال : «كراما» على ربهم «كاتبين» يكتبون أعمال بني آدم يعلمون ما تفعلون من خير وشر فيكتبونه عليكم لا يخفى عليهم من ذلك شئ. وقيل إن الملائكة تعلم ما يفعله العبد إما باضطرار وإما باستدلال. وقيل : معناه : يعلمون ما تفعلون من الظاهر دون الباطن.

١ ـ كا : عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن يحيى بن المبارك ، عن عبدالله بن جبلة ، عن إسحاق بن عمار ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : إن المؤمنين إذا قعدا يتحدثان قالت الحفظة بعضها لبعض : اعتزلوا بنا فلعل لهما سرا وقد ستر الله عليهما ; فقلت : أليس الله عزوجل يقول : «ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد»؟ فقال : يا إسحاق إن كانت الحفظة لا تسمع فإن عالم السر يسمع ويرى.

٢ ـ كا : علي بن محمد ، عن سهل بن زياد ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن عبد الرحمن بن سالم ، عن إسحاق بن عمار قال : قلت لابي عبدالله عليه‌السلام : أخبرني بأفضل المواقيت في صلاة الفجر ، فقال : مع طلوع الفجر إن الله تعالى يقول : «وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا» يعني صلاة الفجر تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار ، فإذا صلى العبد الصبح مع(١) طلوع الفجر أثبتت له مرتين ، أثبتها ملائكة الليل وملائكة النهار. «ف ج ١ ص ٧٨»

________________

(١) في نسخة من المصدر : من طلوع الفجر. م

٣٢١

٣ ـ نهج : اعلموا عباد الله أن عليكم رصدا من أنفسكم ، وعيونا(١) من جوارحكم ، وحفاظ صدق يحفظون أعمالكم وعدد أنفاسكم ، لا تستركم منهم ظلمة ليل داج ، ولا يكنكم(٢) منهم باب ذو رتاج.

بيان الرصد بالتحريك القوم يرصدون. والرتاج بالكسر : الغلق.

٤ ـ ين : الحسين بن علوان ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : سألته عن موضع الملكين من الانسان ، قال : ههنا واحد ، وههنا واحد. يعني عند شدقيه. (٣)

٥ ـ ين : ابن أبي عمير ، عن محمد بن حمران ، عن زرارة قال : سمعت أبا عبدالله عليه‌السلام يقول : ما من أحد إلا ومعه ملكان يكتبان ما يلفظه ، ثم يرفعان ذلك إلى ملكين فوقهما فيثبتان ما كان من خير وشر ويلقيان ما سوى ذلك.

٦ ـ ين : حماد ، عن حريز ، وإبراهيم بن عمر ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : لا يكتب الملكان إلا ما نطق به العبد.

٧ ـ ين : حماد ، عن حريز ، عن زرارة ، عن أحدهما عليهما‌السلام قال : لا يكتب الملك إلا ما يسمع قال الله عزوجل : «واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة» قال : لا يعلم ثواب ذلك الذكر في نفس العبد غير الله تعالى.

٨ ـ ين : النضر ، عن حسين بن موسى ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : إن في الهواء ملكا يقال له : إسماعيل على ثلاثمائة ألف ملك ، كل واحد منهم على مائة ألف ، يحصون أعمال العباد ، فإذا كان رأس السنة بعث الله إليهم ملكا يقال له : السجل فانتسخ ذلك منهم ، وهو قول الله تبارك وتعالى : «يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب».

________________

(١) جمع العين : الجاسوس والديدبان.

(٢) أى لا يستركم ولا يخفاكم.

(٣) الشدق بكسر الشين وفتحها وسكون الدال : زاوية الفم من باطن الخدين. ولعله إشاره إلى احاطة الملكين بما يلفظ ، وشدة اطلاعهما بما يتكلم.

٣٢٢

٩ ـ ين : النضر ، عن عاصم بن حميد ، عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام في قول الله تبارك وتعالى : «إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد» قال : هما الملكان. وسألته عن قول الله تبارك وتعالى : «هذا ما لدي عتيد» قال : هو الملك الذي يحفظ عليه عمله. وسألته عن قول الله عزوجل : «قال قرينه ربنا ما أطغيته» قال : هو شيطان.

١٠ ـ ج : سأل الزنديق الصادق عليه‌السلام : ما علة الملائكة الموكلين بعباده يكتبون عليهم ولهم ، والله عالم السر وما هو أخفى؟ قال : استعبدهم بذلك وجعلهم شهودا على خلقه ليكون العباد لملازمتهم إياهم أشد على طاعة الله مواظبة ، وعن معصيته أشد انقباضا ، وكم من عبد يهم بمعصية فذكر مكانها فارعوى وكف ، فيقول : ربي يراني ، و حفظتى بذلك تشهد ، (١) وإن الله برأفته ولطفه أيضا وكلهم بعباده يذبون عنهم مردة الشياطين ، وهوام الارض ، وآفات كثيرة من حيث لا يرون بإذن الله إلى أن يجئ أمر الله عزوجل. «ص ١٩١»

١١ ـ أقول : روي في كتاب قضاء الحقوق وثواب الاعمال ورجال الكشي بأسانيدهم عن إسحاق بن عمار قال : لما كثر مالي أجلست على بابي بوابا يرد عني فقراء الشيعة ، فخرجت إلى مكة في تلك السنة فسلمت على أبي عبدالله عليه‌السلام ، فرد علي بوجه قاطب مزور ، (٢) فقلت له : جعلت فداك ما الذي غير حالي عندك؟ قال : تغيرك على المؤمنين ، فقلت : جعلت فداك والله إني لاعلم أنهم على دين الله ولكن خشيت الشهرة على نفسي ، فقال : يا إسحاق أما علمت أن المؤمنين إذا التقيا فتصافحا أنزل الله بين إبهاميهما مائة رحمة ، تسعة وتسعين لاشدهما حبا ، فإذا اعتنقا غمرتهما الرحمة ، فإذا لبثا لا يريدان بذلك إلا وجه الله تعالى قيل لهما : غفر لكما ; فإذا جلسا يتسائلان قالت الحفظة بعضها لبعض : اعتزلوا بنا عنهما فإن لهما سرا وقد ستره الله عليهما ; قال قلت : جعلت فداك فلا تسمع الحفظة قولهما ولا تكتبه وقد قال تعالى : «ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد»؟ قال : فنكس رأسه طويلا ثم رفعه وقد فاضت دموعه على لحيته ،

________________

(١) في المصدر : وحفظتى على ذلك يشهد. م

(٢) قطب الرجل. زوى وقبض ما بين عينيه وعبس. وزور عنه : مال.

٣٢٣

وقال : إن كانت الحفظة لا تسمعه ولا تكتبه فقد سمعه عالم السر وأخفى ، يا إسحاق خف الله كأنك تراه ، فإن كنت لا تراه فإنه يراك ، فإن شككت أنه يراك فقد كفرت وإن أيقنت أنه يراك ثم بارزته بالمعصية فقد جعلته أهون الناظرين إليك. (١)

١٢ ـ سعد السعود : رواه من كتاب قصص القرآن للهيصم بن محمد النيسابوري قال : دخل عثمان على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : أخبرني عن العبد كم معه من ملك؟ قال : ملك على يمينك(٢) على حسناتك ، وواحد على الشمال ، فإذا عملت حسنة كتب عشرا ، وإذا عملت سيئة قال الذي على الشمال للذي على اليمين أكتب؟ قال : لعله يستغفر ويتوب فإذا قال ثلاثا قال : نعم اكتب ، أراحنا الله منه فبئس القرين ، ما أقل مراقبته لله عزوجل!. وما أقل استحياؤه منه!(٣) يقول الله : «ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد» وملكان بين يديك ومن خلفك يقول الله سبحانه : «له معقبات من بين يديه ومن خلفه» وملك قابض على ناصيتك ، فإذا تواضعت لله رفعك ، وإذا تجبرت على الله وضعك وفضحك ، وملكان(٤) على شفتيك ليس يحفظان إلا الصلاة على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وملك قائم على فيك لا يدع أن تدخل الحية في فيك ، وملكان على عينيك ، فهذه عشرة أملاك على كل آدمي ، وملائكة الليل سوى ملائكة النهار ، فهؤلاء عشرون ملكا على كل آدمي ، وإبليس بالنهار وولده بالليل ، قال الله تعالى : «وإن عليكم لحافظين» الآية. وقال عزوجل : «إذ يتلقي المتلقيان» الآية.

ثم قال السيد رحمه الله : واعلم أن الله عزوجل وكل بكل إنسان ملكين يكتبان عليه الخير والشر. ووردت الاخبار بأنه يأتيه ملكان بالنهار وملكان بالليل ، وذلك قوله تعالى : «له معقبات» لانهم يتعاقبون ليلا ونهارا ، وإن ملكي النهار يأتيانه إذا انفجر الصبح فيكتبان ما يعمله إلى غروب الشمس ، فإذا غربت نزل إليه الملكان الموكلان بكتابة الليل ، ويصعد الملكان الكاتبان بالنهار بديوانه إلى الله عزوجل فلا يزال ذلك دأبهم إلى

________________

(١) وروى الكليني في باب المصافحة باسناده عن إسحاق بن عمار نحوه.

(٢) في نسخة : عن يمينك.

(٣) في نسخة : منا.

(٤) في نسخة : وملكان مقربان.

٣٢٤

حضور أجله ، فاذا حضر أجله قالا للرجل الصالح : جزاك الله من صاحب عنا خيرا ، فكم من عمل صالح أريتناه ، وكم من قول حسن أسمعتناه ، وكم من مجلس حسن أحضرتناه ، فنحن لك اليوم على ما تحبه ، وشفعاء إلى ربك ; وإن كان عاصيا قالا له : جزاك الله من صاحب عنا شرا ، فلقد كنت تؤذينا ، فكم من عمل سيئ أريتناه ، وكم من قوى سيئ أسمعتناه ، وكم من مجلس سوء أحضرتناه ، ونحن لك اليوم على ما تكره. وشهيدان عند ربك.

١٣ ـ وفي رواية أنهما إذا إراد النزول صباحا ومساءا نسخ لهما إسرافيل عمل العبد من اللوح المحفوظ فيعطيهما ذلك ، فإذا صعدا صباحا ومساءا بديوان العبد قابله إسرافيل بالنسخة التي نسخ لهما حتى يظهر أنه كان كما نسخ لهما.

١٤ ـ وعن ابن مسعود أنه قال : الملكان يكتبان أعمال العلانية في ديوان و أعمال السر في ديوان آخر. (١)

١٥ ـ كا : العدة ، عن البرقي ، عن عثمان بن عيسى ، عن سماعة ، عن أبى بصير ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : إن المؤمن ليهم بالحسنة ولا يعمل بها فتكتب له حسنة ، فإن هو عملها كتبت له عشر حسنات ; وإن المؤمن ليهم بالسيئة أن يعملها فلا يعملها فلا تكتب عليه. «ج ٢ ص ٤٢٨ ـ ٤٢٩»

١٦ ـ كا : العدة عن البرقي ، عن علي بن حفص العوسي ، عن على بن السائح ، عن عبدالله بن موسى بن جعفر ، عن أبيه قال : سألته ، عن الملكين : هل يعلمان بالذنب إذا أراد العبد أن يفعله أو الحسنة؟ فقال : ريح الكنيف وريح الطيب(٢) سواء؟ قلت : لا ، قال : إن العبد إذا هم بالحسنة خرج نفسه طيب الريح فقال صاحب اليمين لصاحب الشمال : قم(٣) فإنه قد هم بالحسنة ، فإذا فعلها كان لسانه قلمه ، وريقه مداده ، فأثبتها له ; وإذا هم بالسيئة خرج نفسه منتن الريح فيقول صاحب الشمال لصاحب اليمين :

________________

(١) الديوان : مجتمع الصحف. والكتاب يكتب فيه أهل الجيش وأهل العطية ، والجمع دواوين ودياوين.

(٢) بفتح الطاء وتشديد الياء ، أو بكسر الطاء ، وكان هذين ريحان معنويان يجدهما الملائكة قاله المصنف في المرآت.

(٣) في نسخة : قف.

٣٢٥

قف فإنه قد هم بالسيئة ، فإذا هو فعلها كان لسانه قلمه ، وريقه مداده ، فأثبتها عليه. «ج ٢ ص ٤٢٩»

١٧ ـ كا : محمد بن يحيى ، عن ابن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن فضيل بن عثمان المرادي قال : سمعت أبا عبدالله عليه‌السلام يقول : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أربع من كن فيه لم يهلك على الله بعدهن إلا هالك(١) : يهم العبد الحسنة فيعملها فإن هو لم يعملها كتب الله له حسنة بحسن نيته ، وإن هو عملها كتب الله له عشرا ; ويهم بالسيئة أن يعملها فإن لم يعملها لم يكتب عليه شئ وإن هو عملها أجل سبع ساعات ، وقال صاحب الحسنات لصاحب السيئات وهو صاحب الشمال : لا تعجل عسى أن يتبعها بحسنة تمحوها ، فإن الله يقول : «إن الحسنات يذهبن السيئات» أو الاستغفار ، فإن هو قال : «أستغفر الله الذي لا إله إلا هو ، عالم الغيب والشهادة ، العزيز الحكيم ، الغفور الرحيم ذو الجلال والاكرام وأتوب إليه» لم يكتب عليه شئ ، وإن مضت سبع ساعات ولم يتبعها بحسنة ولا استغفار(٢) قال صاحب الحسنات لصاحب السيئات : اكتب على الشقي المحروم. «ج ٢ ص ٤٢٩ ـ ٤٣٠»

١٨ ـ نهج : قال : أمير المؤمنين عليه‌السلام : فاتقوا الله الذي أنتم بعينه ، ونواصيكم بيده ، وتقلبكم في قبضته ، إن أسررتم علمه ، وإن أعلنتم كتبه ، وقد وكل بذلك حفظة كراما ، لا يسقطون حقا ولا يثبتون باطلا.

________________

(١) قال المصنف في مرآت العقول : اعلم أن الهلاك في قوله : «يهلك» بمعنى الخسران واستحقاق العقاب ، وفى قوله : «هالك» بمعنى الضلال والشقاوة الجبلية ، وتعديته بكلمة «على» إما بتضمين الورود ، أى لم يهلك حين وروده على الله ، أو معنى الاجتراء أى مجترئا على الله ، أو معنى العلو و الرفعة ، كأن من يعصيه تعالى يترفع عليه ويخاصمه. ويحتمل أن يكون « على » بمعنى «في» نحوه قوله تعالى : «على حين غفلة» أى في معرفته وأوامره ونواهيه ، أو بمعنى «من» بتضمين معنى الحينية ، كما في قوله تعالى : «إذا اكتالوا على الناس يستوفون» أو بمعنى «عن» بتضمين معنى المجاوزة ، أو بمعنى «مع» أى حالكونه معه ومع ما هو عليه من اللطف والعناية. أقول : الخصال الاربع : اولها أن يهم بالحسنة من دون عمل ، الثانيه أن يعمل بها ، الثالث أن يهم بالسيئة من دون عمل والرابعة أن يعمل بها ولكن يتبعها بحسنة تمحوها ، أو استغفار قبل مضى سبع ساعات.

(٢) في المصدر : ولم يتبعها حسنة واستغفار. م

٣٢٦

١٩ ـ يب : محمد بن علي بن محبوب ، عن اليقطيني ، عن الحسن بن علي ، عن إبراهيم ابن عبدالحميد قال : سمعت أبا عبدالله عليه‌السلام يقول : إن أمير المؤمنين عليه‌السلام كان إذا أراد قضاء الحاجة وقف على باب المذهب(١) ثم التفت يمينا وشمالا إلى ملكيه فيقول أميطا عني(٢) فلكما الله علي أن لا أحدث حدثا حتى أخرج إليكما.

٢٠ ـ ين : ابن المغيرة ، عن جميل بن دراج ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : إذا هم العبد بسيئة لم تكتب عليه ، وإذا هم بحسنة كتبت له.

٢١ ـ عد : اعتقادنا أنه ما من عبد إلا وملكان موكلان به يكتبان جميع أعماله ، ومن هم بحسنة ولم يعملها كتب له حسنة ، فإن عملها كتب له عشر ، فإن هم بسيئة لم تكتب حتى يعملها ، فإن عملها كتب عليه سيئة واحدة ، (٣) والملكان يكتبان على العبد كل شئ حتى النفخ في الرماد ، قال الله عزوجل : «وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون».

ومر أمير المؤمنين عليه‌السلام برجل وهو يتكلم بفضول الكلام فقال : يا هذا؟ إنك تملي على كاتبيك(٤) كتابا إلى ربك فتكلم بما يعنيك ودع ما لا يعنيك. «ص ٨٦»

٢٢ ـ وقال عليه‌السلام : لا يزال الرجل المسلم يكتب محسنا ما دام ساكتا فإذا تكلم كتب إما محسنا أو مسيئا ، وموضع المكلين من ابن آدم الشدقان ، صاحب اليمين يكتب الحسنات ، وصاحب الشمال يكتب السيئات ، وملكا النهار يكتبان عمل العبد بالنهار ، وملكا الليل يكتبان عمل العبد في الليل. «ص ٨٦»

٢٣ ـ وروى الصدوق رحمه الله في كتاب فضائل الشيعة : عن أبيه ، عن سعد ، عن عباد بن سليمان ، عن سدير الصيرفي ، (٥) عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : دخلت عليه وعنده أبوبصير وميسر وعدة من جلسائه ، فلما أن أخذت مجلسي أقبل علي بوجهه ، وقال :

________________

(١) أى باب الكنيف.

(٢) أى ابعد او تنحا عنى.

(٣) في المصدر : وان عملها اجل سبع ساعات فان تاب قبلها لم يكتب عليه وان لم يتب كتب عليه سيئة واحدة. م

(٤) في نسخة : ملائكتك

(٥) سدير وزان شريف.

٣٢٧

ياسدير أما إن ولينا ليعبدالله قائما وقاعدا ونائما وحيا وميتا ; قال : قلت جعلت فداك : أما عبادته قائما وقاعدا وحيا فقد عرفنا ، فكيف يعبدالله نائما وميتا؟ قال : إن ولينا ليضع رأسه فيرقد فإذا كان وقت الصلاة وكل به ملكين خلقا في الارض لهم يصعدا إلى السماء ولم يريا ملكوتهما ، فيصليان عنده حتى ينتبه فيكتب الله ثواب صلاتهما له ، والركعة من صلاتهما تعدل ألف صلاة من صلاة الآدميين ; وإن ولينا ليقبضه الله إليه فيصعد ملكاه إلى السماء فيقولان : يا ربنا عبدك فلان بن فلان انقطع واستوفى أجله ، ولانت أعلم منا بذلك ، فأذن لنا نعبدك في آفاق سمائك وأطراف أرضك ; قال : فيوحي الله إليهما : أن في سمائي لمن يعبدني وما لي في عبادته من حاجة بل هو أحوج إليها ، وأن في أرضي لمن يعبدني حق عبادتي ، وما خلقت خلقا أحوج إلي منه فأهبطا إلى قبر وليي ; فيقولان : يا ربنا من هذا يسعد بحبك إياه ; قال : فيوحي الله إليهما : ذلك من أخذ ميثاقه بمحمد عبدي ووصيه وذريتهما بالولاية ، اهبطا إلى قبر وليي فلان بن فلان فصليا عنده إلى أن أبعثه في القيامة ، قال : فيهبط الملكان فيصليان عند القبر إلى أن يبعثه الله فيكتب ثواب صلاتهما له ، والركعة من صلاتهما تعدل ألف صلاة من صلاة الآدميين ، قال سدير : جعلت فداك يا بن رسول الله فإذا وليكم نائما وميتا أعبد منه حيا وقائما؟ قال : فقال : هيهات يا سدير إن ولينا ليؤمن على الله عزوجل يوم القيامة فيجيز أمانه.

٢٤ ـ ما : جماعة عن أبي المفضل ، عن أحمد بن محمد بن إسحاق العلوي العريضي ، عن محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن موسى بن جعفر ، عن عميه علي والحسين ابني موسى ، عن أبيهما موسى بن جعفر ، عن آبائه ، عن علي عليهم‌السلام عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : يوحي الله عزوجل إلى الحفظة الكرام : لا تكتبوا على عبدي المؤمن عند ضجره شيئا. (١) «ص ١٦»

أقول : الاخبار الدالة على الكاتبين مبثوثة في الابواب السابقة واللاحقة وفيما ذكرناه هنا كفاية.

٢٥ ـ محاسبة النفس : للسيد علي بن طاووس قدس الله روحه : من أمالي المفيد

________________

(١) نقل هذه الرواية بعينها في باب من رفع عنه القلم تحت رقم ٢٠ عن هذا المصدر م

٣٢٨

بإسناده إلى علي بن الحسين عليهما‌السلام قال : إن الملك الموكل على العبد يكتب في صحيفة أعماله ، فأملوا بأولها وآخرها خيرا يغفر لكم ما بين ذلك.

٢٦ ـ ومنه نقلا من كتاب الدعاء لمحمد بن الحسن الصفار بإسناده عن الصادق عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : طوبى لمن وجد في صحيفة عمله يوم القيامة تحت كل ذنب : استغفر الله.

٢٧ ـ ومنه مرسلا عن الصادق عليه‌السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : لا تقطعوا نهاركم بكذا وكذا ، وفعلنا كذا وكذا ، فإن معكم حفظة يحصون عليكم وعلينا.

٢٨ ـ ومنه نقلا من تبيان شيخ الطائفة في تفسير قوله تعالى : «وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون» قال : روي في الخبر أن الاعمال تعرض على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في كل إثنين وخميس فيعلمها ، وكذلك تعرض على الائمة عليهم‌السلام فيعرفونها وهم المعنيون بقوله : والمؤمنون.

٢٩ ـ ومنه نقلا من كتاب الازمنة لمحمد بن عمران المرزباني قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يصوم الاثنين والخميس ، فقيل له : لم ذلك؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن الاعمال ترفع في

كل اثنين وخميس ، فأحب أن ترفع عملي وأنا صائم.

٣٠ ـ وبإسناده عن أبي أيوب قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما من اثنين ولا خميس إلا ترفع فيه الاعمال إلا عمل المقادير.

٣١ ـ ومنه نقلا من كتاب التذييل لمحمد بن النجار بإسناده إلى الصادق عليه‌السلام قال : إذا كان يوم الخميس عند العصر أهبط الله عزوجل ملائكة من السماء إلى الارض ، معها صحائف من فضة ، بأيديهم أقلام من ذهب تكتب الصلاة على محمد وآله إلى غروب الشمس. (١)

٣٢ ـ ومنه نقلا من كتب بعض الاصحاب بإسناده إلى عبدالصمد بن عبدالملك قال : سمعت أبا عبدالله عليه‌السلام يقول : آخر خميس من الشهر ترفع فيه الاعمال.

٣٣ ـ ومنه بإسناده إلى شيخ الطائفة ، بإسناده إلى عنبسة العابد ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : آخر خميس في الشهر ترفع فيه أعمال الشهر.

________________

(١) في نسخة : عند غروب الشمس.

٣٢٩

٣٤ ـ ومنه نقلا من كتاب خطب أمير المؤمنين عليه‌السلام لعبد العزيز الجلودي قال : إن ابن الكواء سأل أمير المؤمنين عن البيت المعمور والسقف المرفوع ، قال : ويلك ذلك الضراح بيت في السماء الرابعة حيال الكعبة من لؤلؤة واحدة ، يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ، لا يعودون إليه إلى يوم القيامة ، فيه كتاب أهل الجنة عن يمين الباب يكتبون أعمال أهل الجنة ، وفيه كتاب أهل النار عن يسار الباب يكتبون أعمال أهل النار بأقلام سود ، فإذا كان وقت العشاء ارتفع الملكان فيسمعون منهما ما عمل الرجل فذلك قوله تعالى : «هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون».

٣٥ ـ ومنه نقلا من كتاب ابن عمر الزاهد صاحب تغلب قال : أخبرني عطاء ، عن الصباحي استاد الامامية من الشيعة ، عن جعفر بن محمد الصادق ، عن آبائه عليهم‌السلام قالوا : قال أمير أمؤمنين عليه‌السلام : إن الملكين يجلسان على ناجذي الرجل ، يكتبان خيره وشره ، ويستمدان من غريه وربما جلسا على الصماغين.

فسمعت تغلبا يقول : الاختيار من هذا كله ما قال أمير المؤمنين عليه‌السلام. قال : الناجدان : النابان ، والغران : الشدقان ، والصامغان والصماغان ـ ومن قالهما بالعين فقد صحفهما ـ : مجتمعا الريق من الجانبين ، وهما اللذين يسميهما العامة الصوارين. وقال : سئل عن قول أمير المؤمنين عليه‌السلام : نظفوا الصماغين فإنهما مقعد الملكين ، فقال تغلب : هما الموضع الذي يجتمع فيه الريق من الانسان ، وهما الذي يسميه العامة الصوارين.

بيان روى في النهاية الخبرين عن أمير المؤمنين عليه‌السلام وقال : التواجذ : هي التي تبدو عند الضحك ، وقال الغران بالضم : الشدقان. وقال : الصماغان : مجتمع الريق في جانبي الشفة. وقيل : هما ملتقي الشدقين ، ويقال لهما : الصامغان والصماغان والصواران.

٣٣٠

*«باب ١٨»*

الوعد والوعيد والحبط والتكفير

الايات البقرة «٢» ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فاولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة واولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ٢١٧.

آل عمران «٣» إن الله لا يخلف الميعاد ٩ «وقال تعالى» : اولئك الذين حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة ومالهم من ناصرين ٢٢ «وقال» : إنك لا تخلف الميعاد ١٩٤.

النساء «٤» إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم ٣١ «وقال تعالى» : ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوء يجز به ١٢٣.

الاعراف «٧» والذين كذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة حبطت أعمالهم ١٤٧.

الانفال «٨» يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم ٢٩.

التوبة «٩» ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر اولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون ١٧ «وقال» : اولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة ٦٩.

الرعد «١٣» إن الله لا يخلف الميعاد ٣١.

الكهف «١٨» اولئلك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم ١٠٥.

العنكبوت «٢٩» والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنكفرن عنهم سيئاتهم و لنجزينهم أحسن الذي كانوا يعملون ٧.

الروم «٣٠» وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون ٦ «وقال سبحانه» : فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون ٦٠.

الاحزاب «٣٣» وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا ١٢ «وقال تعالى» : اولئك لم يؤمنوا بأحبط الله أعمالهم وكان ذلك على الله يسيرا ١٩.

٣٣١

الزمر «٣٩» وعد الله لا يخلف الله الميعاد ٢٠ «وقال تعالى» : ليكفر الله عنهم أسوء الذي عملوا ويجزيهم أجرهم بأحسن الذي كانوا يعملون ٣٥.

المؤمن «٤٠» إن وعد الله حق ٧٧.

محمد «٤٧» كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم ٢ «وقال تعالى : «ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم ٩ «وقال» : ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم ٢٨ «وقال» : إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله وشاقوا الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى لن يضروا الله شيئا وسيحبط أعمالهم ٣٢. الفتح «٤٨» ويكفر عنهم سيئاتهم ٥.

الحجرات «٤٩» ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون ٢.

التغابن «٦٤» ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يكفر عنه سيئاته ٩.

الطلاق «٦٥» ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ٥.

التحريم «٦٦» عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ٨.

الزلزال «٩٩» فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ٧ ـ ٨.

تحقيق : اعلم أن المشهور بين متكلمي الامامية بطلان الاحباط والتكفير ، بل قالوا باشتراط الثواب والعقاب بالموافاة ، بمعنى أن الثواب على الايمان مشروط بأن يعلم الله منه أنه يموت على الايمان ; والعقاب على الكفر والفسوق مشروط بأن يعلم الله أنه لا يسلم ولا يتوب وبذلك أولوا الآيات الدالة على الاحباط والتكفير ، وذهبت المعتزله إلى ثبوت الاحباط والتكفير للآيات والاخبار الدالة عليهما. قال شارح المقاصد : لا خلاف في أن من آمن بعد الكفر والمعاصي فهو من أهل الجنة ، بمنزلة من لا معصية له ، ومن كفر ـ نعوذ بالله بعد الايمان والعمل الصالح فهو من أهل النار ، بمنزلة من لا حسنة لة ; وإنما الكلام فيمن آمن وعمل صالحا وآخر سيئا كما يشاهد من الناس فعندنا مآله إلى الجنة ولو بعد النار ، واستحقاقه للثواب

٣٣٢

والعقاب بمقتضى الوعد والوعيد ثابت من غير حبوط ، والمشهور من مذهب المعتزلة أنه من أهل الخلود في النار إذا مات قبل التوبة ، فأشكل عليهم الامر في إيمانه وطاعاته ، وما يثبت من استحقاقاته ، أين طارت؟ وكيف زالت؟ فقالوا : بحبوط الطاعات ، و مالوا إلى أن السيئات يذهبن الحسنات ، حتى ذهبت الجمهور منهم إلى أن الكبيرة الواحدة تحبط ثواب جميع العبادات. وفساده ظاهر ، أما سمعا فللنصوص الدالة على أن الله تعالى لا يضيع أجر من أحسن عملا وعمل صالحا ، وأما عقلا فللقطع بأنه لا يحسن من الحليم الكريم إبطال ثواب إيمان العبد ومواظبته على الطاعات طول العمر بتناول لقمة من الربا ، أو جرعة من الخمر. قالوا : الاحباط مصرح في التنزيل ، كقوله تعالى : «ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم ، اولئك حبطت أعمالهم ، ولا تبطلوا صدقاتكم بالمن والاذى» قلنا : لا بالمعنى الذي قصدتم ، بل بمعنى أن من عمل عملا استحق به الذم ، وكان يمكنه أن يعمله على وجه يستحق به المدح والثواب ; يقال : إنه أحبط عمله كالصدقة مع المن والاذى وبدونها. وأما إحباط الطاعات بالكفر بمعنى أنه لا يثاب عليها البتة فليس من التنازع في شئ ; وحين تنبه أبوعلي وأبوهاشم لفساد هذا الرأي رجعا من التمادي بعض الرجوع ، فقالا : إن المعاصي إنما يحبط الطاعات إذا اوردت عليها ، وإن اوردت الطاعات أحبطت المعاصي ، ثم ليس النظر إلى أعداد الطاعات والمعاصي بل إلى مقادير الاوزار والاجور ، فرب كبيرة يغلب وزرها أجر طاعات كثيرة ، ولا سبيل إلى ضبط ذلك بل هو مفوض إلى علم الله تعالى ، ثم افترقا فزعم أبوعلي أن الاقل يسقط ولا يسقط من الاكثر شيئا ، و يكون سقوط الاقل عقابا إذا كان الساقط ثوابا ، وثوابا إذا كان الساقط عقابا ، وهذا هو الاحباط المحض. قال أبوهاشم : الاقل يسقط ويسقط من الاكثر ما يقابله ، مثلا من له مائة جزء من العقاب واكتسب ألف جزء من الثواب فإنه يسقط منه العقاب ومائة جزء من الثواب بمقابلته ، ويبقى له تسعمائة جزء من الثواب ، وكذا العكس ، وهذا هو القول بالموازنة انتهى كلامه.

أقول : الحق أنه لا يمكن إنكار سقوط ثواب الايمان بالكفر اللاحق الذي

٣٣٣

يموت عليه ، وكذا سقوط عقاب الكفر بالايمان اللاحق الذي يموت عليه. وقد دلت الاخبار الكثيرة على أن كثيرا من المعاصي يوجب سقوط ثواب كثير من الطاعات ، وأن كثيرا من الطاعات كفاره لكثير من السيئات ، والاخبار في ذلك متواترة ، وقد دلت الآيات على أن الحسنات يذهبن السيئات ، ولم يقم دليل تام على بطلان ذلك ، وأما أن ذلك عام في جميع الطاعات والمعاصي فغير معلوم ، وأما أن ذلك على سبيل الاحباط والتكفير بعد ثبوت الثواب والعقاب ، أو على سبيل الاشتراط بأن الثواب في علمه تعالى على ذلك العمل مشروط بعدم وقوع ذلك الفسق بعده ، وأن العقاب على تلك المعصية مشروط بعدم وقوع تلك الطاعة بعدها فلا يثيب ، أولا ثواب وعقاب ، فلا يهمنا تحقيق ذلك ، بل يرجع النزاع في الحقيقة إلى اللفظ ، لكن الظاهر من كلام المعتزلة وأكثر الامامية أنهم لا يعتقدون إسقاط الطاعة شيئا من العقاب ، أو المعصية شيئا من الثواب سوى الاسلام الارتداد والتوبة ، وأما الدلائل التي ذكروها لذلك فلا يخفى وهنها ، وليس هذا الكتاب موضع ذكرها.

ثم اعلم أنه لا خلاف بين الامامية في عدم خلود أصحاب الكبائر من المؤمنين في النار ، وأما أنهم هل يدخلون النار ، أو يعذبون في البرزخ والمحشر فقط؟ فقد اختلف فيه الاخبار وسيأتي تحقيقها.

١ ـ سن : علي بن محمد القاساني ، عمن ذكره ، عن عبدالله بن القاسم الجعفري ، عن أبي عبدالله ، عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من وعده الله على عمل(١) ثوابا فهو

منجز له ، ومن أوعده على عمل عقابا فهو فيه بالخيار. «ص ٢٤٦»

٢ ـ كنز الكراجكى : عن المفيد ، عن أحمد بن الحسن بن الوليد ، عن أبيه ، عن محمد بن الحسن الصفار ، عن علي بن محمد القاساني ، عن القاسم بن محمد الاصبهاني ، عن سليمان بن خالد المنقري ، (٢) عن سفيان بن عيينة ، عن حميد بن زياد ، عن عطاء بن يسار ، عن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : يوقف العبد بين يدي الله تعالى فيقول : قيسوا بين

________________

(١) في المصدر : من وعده على عمل. م

(٢) نسبة إلى منقر ـ وزان منبر ـ أبوبطن من سعد ثم من تميم ، وهو منقر بن عبيد بن مقاعس.

٣٣٤

نعمي عليه وبين عمله ، فتستغرق النعم العمل ; فيقولون : قد استغرق النعم العمل ، فيقول : هبوا له النعم ، وقيسوا بين الخير والشر منه ، فإن استوى العملان أذهب الله الشر بالخير ، وأدخله الجنة ، وإن كان له فضل أعطاه الله بفضله ، وإن كان عليه فضل و هو من أهل التقوى ولم يشرك بالله تعالى واتقى الشرك به فهو من أهل المغفرة يغفر الله له برحمته إن شاء ، ويتفضل عليه بعفوه.

عد : اعتقادنا في الوعد والوعيد هو أن من وعده الله على عمل ثوابا فهو منجزه ، ومن وعده على عمل عقابا فهو فيه بالخيار ، إن عذبه فبعدله ، وإن عفا عنه فبفضله ، و ما الله بظلام للعبيد ، وقد قال الله عزوجل : «إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء». (١) «ص ٨٦»

واعتقادنا في العدل هو أن الله تبارك وتعالى أمرنا بالعدل ، وعاملنا بما هو فوقه وهو التفضل ، وذلك أنه عزوجل يقول : «من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون». (٢) «ص ٨٦ ـ ٨٧»

بيان : قال الشيخ المفيد قدس الله روحه في شرح القول الاخير : العدل هو الجزاء على العمل بقدر المستحق عليه ، والظلم هو منع الحقوق ، والله تعالى كريم ، جواد ، متفضل ، رحيم ، قد ضمن الجزاء على الاعمال ، والعوض على المبتدأ من الآلام ، ووعد التفضل بعد ذلك بزيادة من عنده ، فقال تعالى : «للذين أحسنوا الحسنى وزيادة» (٣) فخبر أن للمحسن الثواب المستحق وزيادة من عنده ، وقال : «من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها» يعني له عشر أمثال ما يستحق عليها «ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون» يريد أنه لا يجازيه بأكثر مما يستحقه. ثم ضمن بعد ذلك العفو ، ووعد بالغفران ، فقال سبحانه : «وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم» (٤) وقال : «إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء» (٥) وقال : «قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا» (٦) والحق الذي للعبد هو ما جعل الله حقا له واقتضاء جود الله وكرمه ، وإن

________________

(١) النساء : ٤٨ و ١١٦.

(٢) الانعام : ١٦٠.

(٣) يونس : ٢٦.

(٤) الرعد : ٦.

(٥) النساء : ٤٧.

(٦) يونس : ٥٨.

٣٣٥

كان لو حاسبه بالعدل لم يكن له عليه بعد النعم التي أسلفها حق ، لانه تعالى ابتدأ خلقه بالنعم ، وأوجب عليهم بها الشكر ، وليس أحد من الخلق يكافئ نعم الله تعالى عليه بعمل ، ولا يشكره أحد إلا وهو مقصر بالشكر عن حق النعمة ، وقد أجمع أهل القبلة على أن من قال : إني وفيت جميع ما لله علي وكافأت نعمه بالشكر فهو ضال ، وأجمعوا على أنهم مقصرون عن حق الشكر ، وأن لله عليهم حقوقا لو مد في آعمارهم إلى آخر مدى الزمان لما وفوا الله سبحانه بما له عليهم ، فدل ذلك على أنه ما جعله حقا لهم فإنما جعله بفضله وجوده وكرمه ، ولان حال العامل الشاكر خلاف حال من لا عمل له في العقول ، وذلك أن الشاكر يستحق في العقول الحمد ، ومن لا عمل له فليس له في العقول حمد ، وإذا ثبت الفصل بين العامل ومن لا عمل له كان ما يجب في العقول من حمده هو الذي يحكم عليه بحقه ويشار إليه بذلك ، وإذا أوجبت العقول له مزية على من لا عمل له كان العدل من الله تعالى معاملته بما جعل في العقول له حقا ، وقد أمر تعالى بالعدل ونهى عن الجور فقال تعالى : «إن الله يأمر بالعدل والاحسان» (١) الآية انتهى.

وقال العلامة رحمه الله في شرحه على التجريد : ذهب جماعة من معتزلة بغداد إلى أن العفو جائز عقلا ، غير جائز سمعا ، وذهب البصريون إلى جوازه سمعا وهو الحق ، واستدل المصنف رحمه الله بوجوه ثلاثة :

الاول أن العقاب حق الله تعالى فجاز تركه ، والمقدمتان ظاهرتان. الثاني أن العقاب ضرر بالمكلف ، ولا ضرر في تركه على مستحقه ، وكل ما كان كذلك كان تركه حسنا ، أما أنه ضرر بالمكلف فضروري ، وأما عدم الضرر في تركه فقطعي ، لانه تعالى غني بذاته عن كل شئ ، وأما إن ترك مثل هذا حسن فضرورية ، وأما السمع فالآيات الدالة على العفو كقوله تعالى : «إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك» فإما أن يكون هذان الحكمان مع التوبة أو بدونها ، والاول باطل لان الشرك يغفر من التوبة فتعين الثاني ، وأيضا المعصية مع التوبة يجب غفرانها ،

________________

(١) النحل : ٩٠.

٣٣٦

وليس المراد في الآية المعصية التي يجب غفرانها لان الواجب لا يعلق بالمشية ، فما كان يحسن قوله : «لمن يشاء» فوجب عود الآية إلى معصية لا يجب غفرانها ; ولقوله تعالى : «إن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم» و «على» يدل على الحال أو الغرض كما يقال : ضربت زيدا على عصيانه أي لاجل عصيانه ، وهو غير مراد هنا قطعا فتعين الاول ، والله تعالى قذ نطق في كتابه العزيز بأنه عفو غفور ، وأجمع المسلمون عليه ، ولا معنى له إلا إسقاط العقاب عن العاصي انتهى. أقول : سيأتي الآيات والاخبار في ذلك.

إلى هنا تم الجزء الخامس من كتاب بحار الانوار من هذه الطبعة المزدانة

بتعاليق نفيسة قيمة وفوائد جمة ثمينة ; ويحوي

هذا الجزء ٥٢٨ حديثا في ١٨ بابا.

والله الموفق للخير والرشاد.

ذيحجة الحرام ١٣٧٦

٣٣٧

الموضوع

الصفحة

خطبة الكتاب ............................................................................ ١

« أبواب العدل »

باب ١ نفي الظلم والجور عنه تعالى ، وإبطال الجبر والتفويض ، وإثبات الأمر بين الأمرين ، وإثبات الاختيار والاستطاعة ؛ وفيه ١١٢ حديثا ............................................................................ ٢ ـ ٦٧

باب ٢ آخر وهو من الباب الأول وفيه حديث ...................................... ٦٨ ـ ٨٤

باب ٣ القضاء والقدر : والمشية والإرادة وسائر أبواب الفعل ؛ وفيه ٧٩ حديثا ....... ٨٤ ـ ١٣٥

باب ٤ الآجال ؛ وفيه ١٤ حديثا .............................................. ١٣٦ ـ ١٤٣

باب ٥ الأرزاق والأسعار ؛ وفيه ١٣ حديثا ..................................... ١٤٣ ـ ١٥٢

باب ٦ السعادة والشقاوة ، والخير والشر ، وخالقهما ومقدرهما ؛ وفيه ٢٣ حديثا ... ١٥٢ ـ ١٦١

باب ٧ الهداية والإضلال والتوفيق والخذلان ؛ وفيه ٥٠ حديثا ..................... ١٦٢ ـ ٢١٠

باب ٨ التمحيص والاستدراج ، والابتلاء والاختبار ؛ وفيه ١٨ حديثا ............. ٢١٠ ـ ٢٢٠

باب ٩ أن المعرفة منه تعالى ؛ وفيه ١٣ حديثا ................................... ٢٢٠ ـ ٢٢٤

باب ١٠ الطينة والميثاق ؛ وفيه ٦٧ حديثا ...................................... ٢٢٥ ـ ٢٧٦

باب ١١ من لا ينجبون من الناس ، ومحاسن الخلقة وعيوبها اللتين تؤثران فى الخلق ؛ وفيه ١٥ حديثا

............................................................................. ٢٧٦ ـ ٢٨١

باب ١٢ علة عذاب الاستيصال ، وحال ولد الزنا ، وعلة اختلاف أحوال الخلق ؛ وفيه ٤١ حديثا

............................................................................. ٢٨١ ـ ٢٨٨

باب ١٣ الأطفال ومن لم يتم عليهم الحجة في الدنيا ؛ وفيه ٢٢ حديثا ............. ٢٨٨ ـ ٢٩٧

٣٣٨

الموضوع

الصفحة

باب ١٤ من رفع عنه القلم ، ونفي الحرج في الدين ، وشرائط صحة التكليف ، وما يعذر فيه الجاهل ، وأنه يلزم على الله التعريف ؛ وفيه ٢٩ حديثا .............................................................. ٢٩٨ ـ ٣٠٨

باب ١٥ علة خلق العباد وتكليفهم ، والعلة التي من أجلها جعل الله في الدنيا اللذات والآلام والمحن ؛ وفيه ١٨ حديثا ٣٠٩ ـ ٣١٨

باب ١٦ عموم التكاليف ؛ وفيه ثلاثة أحاديث .................................. ٣١٨ ـ ٣١٩

باب ١٧ أن الملائكة يكتبون أعمال العباد ؛ وفيه ٣٥ حديثا ...................... ٣١٩ ـ ٣٣٠

باب ١٨ الوعد والوعيد ، والحبط والتكفير ؛ وفيه حديثان ........................ ٣٣١ ـ ٣٣٧

٣٣٩

٣٤٠