إلزام النّاصب في إثبات الحجّة الغائب عجّل فرجه - ج ١

الشيخ علي اليزدي الحائري

إلزام النّاصب في إثبات الحجّة الغائب عجّل فرجه - ج ١

المؤلف:

الشيخ علي اليزدي الحائري


المحقق: السيد علي عاشور
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٤٠
الجزء ١ الجزء ٢

تخلو من حجّة ، ولا يبقى الناس في فترة أكثر من تيه بني إسرائيل ، وقد ظهر أيّام خروجي ، فهذه أمانة في رقبتك فحدّث بها إخوانك من أهل الحقّ (١).

الثاني عشر : ممّن رآه في غيبته الصغرى : في البحار عن أبي نعيم محمد بن أحمد الأنصاري قال : كنت حاضرا عند المستجار بمكّة وجماعة زهاء ثلاثين رجلا ، لم يكن منهم مخلص غير محمّد بن القاسم العلوي ، فبينا نحن كذلك في اليوم السادس من ذي الحجّة سنة ثلاث وتسعين ومائتين ؛ إذ خرج علينا شاب من الطواف ، عليه إزاران محرم بهما وفي يده نعلان ، فلمّا رأيناه قمنا جميعا هيبة له ، ولم يبق منّا أحد إلّا قام فسلّم علينا وجلس متوسّطا ونحن حوله ، ثمّ التفت يمينا وشمالا ثمّ قال : أتدرون ما كان يقول أبو عبد الله عليه‌السلام في دعائه الإلحاح؟ قلنا : وما كان يقول؟

قال : كان يقول : اللهمّ إنّي أسألك باسمك الذي به تقوم السماء وبه تقوم الأرض وبه تفرّق بين الحقّ والباطل وبه تجمع بين المتفرّق وبه تفرّق بين المجتمع ، وبه أحصيت عدد الرمال وزنة الجبال وكيل البحار ، أن تصلّي على محمّد وآل محمّد وأن تجعل لي من أمري فرجا ومخرجا ، ثمّ نهض ودخل الطواف فقمنا لقيامه حتّى انصرف ، ونسينا أن نذكر أمره وأن نقول من هو وأي شيء هو إلى الغد في ذلك الوقت ، فخرج علينا من الطواف فقمنا له كقيامنا بالأمس وجلس في مجلسه متوسّطا وتوسّطنا ، فنظر يمينا وشمالا وقال : أتدرون ما كان يقول أمير المؤمنين عليه‌السلام بعد صلاة الفريضة؟ فقلنا : وما كان يقول؟

قال : كان يقول إليك رفعت الأصوات ودعيت الدعوة ، ولك عنت الوجوه ، ولك خضعت الرقاب ، وإليك التحاكم في الأعمال ، يا خير من سئل ويا خير من أعطى يا صادق يا بارئ ، يا من لا يخلف الميعاد يا من أمر بالدعاء ووعد بالإجابة يا من قال (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) (٢) يا من قال : (وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (٣) يا من قال : (يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (٤) لبيك وسعديك ، ها أنا ذا بين

__________________

(١) غيبة الشيخ الطوسي : ٢٥٣ فصل ما روي من الأخبار المتضمّنة لمن رآه وهو لا يعرفه.

(٢) سورة غافر : ٦٠.

(٣) سورة البقرة : ١٨٦.

(٤) سورة الزمر : ٥٣.

٣٤١

يديك المسرف وأنت القائل : (لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً) (١) ثمّ نظر يمينا وشمالا بعد هذا الدعاء فقال : أتدرون ما كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول في سجدة الشكر؟ فقلت : وما كان يقول؟

قال : كان يقول : يا من لا تزيده كثرة العطاء إلّا سعة وعطاء ، يا من لا تنفد خزائنه ، يا من له خزائن السماوات والأرض ، يا من له خزائن ما دق وجل لا تمنعك إساءتي من إحسانك ، أنت تفعل بي الذي أنت أهله فأنت أهل الجود والكرم والعفو والتجاوز ، يا رب يا الله لا تفعل بي الذي أنا أهله فإنّي أهل العقوبة وقد استحققتها لا حجّة لي ولا عذر لي عندك ، أبوء لك بذنوبي كلّها وأعترف بها كي تعفو عنّي وأنت أعلم بها منّي ، أبوء لك بكل ذنب أذنبته وكلّ خطيئة احتملتها وكلّ سيّئة عملتها ، ربّ اغفر لي وارحم وتجاوز عمّا تعلم إنّك أنت الأعزّ الأكرم. وقام فدخل الطواف فقمنا لقيامه ، وعاد من الغد في ذلك الوقت فقمنا لإقباله كفعلنا فيما مضى ، فجلس متوسطا ونظر يمينا وشمالا فقال : كان علي بن الحسين سيّد العابدين يقول في سجوده في هذا الموضع ـ وأشار بيده إلى الحجر تحت الميزاب ـ : عبيدك بفنائك ، مسكينك بفنائك ، فقيرك بفنائك ، سائلك بفنائك يسألك ما لا يقدر عليه غيرك.

ثمّ نظر يمينا وشمالا ونظر إلى محمّد بن القاسم من بيننا فقال : يا محمّد بن القاسم أنت على خير إن شاء الله ، وكان محمد بن القاسم يقول بهذا الأمر ، ثمّ قام فدخل الطواف فما بقي منّا أحد إلّا وقد الهم ما ذكره من الدعاء ، ونسينا أن نتذاكر أمره إلّا في آخر يوم ، فقال لنا أبو علي المحمودي : يا قوم أتعرفون هذا؟ هذا والله صاحب زمانكم. فقلنا : وكيف علمت يا أبا علي؟ فذكر أنّه مكث سبع سنين يدعو ربّه ويسأله معاينة صاحب الزمان ، قال : فبينا نحن يوما عشية عرفة وإذا بالرجل بعينه يدعو بدعاء وعيته ، فسألته ممّن هو؟ فقال : من الناس. قلت : من أيّ الناس؟ قال : من عربها. قلت : من أيّ عربها؟ قال : من أشرفها. قلت : ومن هم؟ قال : بنو هاشم. قلت : من أيّ بني هاشم؟ قال : من أعلاها ذروة وأسناها. قلت : ممّن؟ قال : ممّن فلق إلهام وأطعم الطعام وصلّى والناس نيام. فقال : فعلمت أنّه علوي فأحببته على العلويّة ، ثمّ افتقدته من بين يديّ ، فلم أدر كيف مضى ، فسألت القوم الذين كانوا حوله تعرفون هذا العلوي؟ قالوا : نعم يحجّ معنا في كلّ سنة ماشيا. فقلت : سبحان الله والله ما أرى

__________________

(١) الزمر : ٥٣.

٣٤٢

به أثر مشي.

قال : فانصرفت إلى المزدلفة كئيبا حزينا على فراقه ونمت من ليلتي تلك فإذا أنا برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا أحمد رأيت طلبتك. فقلت : ومن ذاك يا سيّدي؟ فقال : الذي رأيته في عشيتك هو صاحب زمانك. قال : فلمّا سمعنا ذلك منه عاتبناه أن لا يكون أعلمنا ذلك ، فذكر أنّه كان ينسى أمره إلى وقت ما حدثنا به (١).

الثالث عشر : ممّن رآه في غيبته الصغرى : في البحار عن الزهري قال : طلبت هذا الأمر طلبا شافيا حتّى ذهب لي فيه مال صالح ، فوقعت إلى العمري وخدمته ولزمته وسألته بعد ذلك عن صاحب الزمان فقال لي : ليس إلى ذلك وصول ، فخضعت فقال لي : بكّر بالغداة ، فوافيت واستقبلني ومعه شاب من أحسن الناس وجها وأطيبهم رائحة بهيئة التجّار ، وفي كمّه شيء كهيئة التجّار ، فلمّا نظرت إليه دنوت من العمري فأومى إلي فعدلت إليه وسألته فأجابني عن كلّ ما أردت ، ثمّ مرّ ليدخل الدار وكانت من الدور التي لا نكترث لها ، فقال العمري : إذا أردت أن تسأل سل فإنّك لا تراه بعد ذا ، فذهبت لأسأل فلم يسمع ودخل الدار وما كلّمني بأكثر من أن قال : ملعون ملعون من أخّر العشاء إلى أن تشتبك النجوم ، ملعون ملعون من أخّر الغداة إلى أن تنقضي النجوم ، ودخل الدار (٢).

الرابع عشر : ممّن رآه في غيبته الصغرى : في الكافي عن بعض أهل المدائن قال : كنت حاجّا مع رفيق لي فوافينا إلى الموقف فإذا شاب قاعد عليه إزار ورداء ، وفي رجله نعل صفراء ، قوّمت الإزار والرداء بمائة وخمسين دينارا ، وليس فيه أثر السفر ، فدنا منّا سائل فرددناه فدنا من الشاب فسأله فحمل شيئا من الأرض وناوله ، فدعا له السائل واجتهد في الدعاء وأطال فقام الشاب وغاب عنّا ، فدنونا من السائل فقلنا له : ويحك ما أعطاك ، فأرانا حصاة ذهب مضرسة قدرناها عشرين مثقالا فقلت لصاحبي : مولانا عندنا ونحن لا ندري ، ثمّ ذهبنا في طلبه فدرنا الموقف كلّه فلم نقدر عليه ، فسألنا من كان حوله من أهل مكّة والمدينة فقالوا : شاب علوي يحجّ في كلّ سنة ماشيا (٣).

__________________

(١) غيبة الشيخ : ٢٥٩ ح ٢٢٧ ، والبحار : ٥٢ / ٨ ح ٥.

(٢) البحار : ٥٢ / ١٥ ح ١٣ والاحتجاج : ٢ / ٤٧٩.

(٣) الكافي : ١ / ٣٣٢ والخرائج والجرائح : ٢ / ٦٩٤ بتفاوت.

٣٤٣

الخامس عشر : ممّن رآه في غيبته الصغرى : في البحار عن أبي ذر أحمد بن أبي سورة وهو محمد بن الحسن بن عبد الله التميمي وكان زيديا قال : سمعت هذه الحكاية من جماعة يروونها عن أبي رحمه‌الله أنّه خرج إلى الحير قال : فلمّا صرت إلى الحير إذا شاب حسن الوجه يصلّي ، ثمّ إنّه ودّع وودّعت وخرجنا فجئنا إلى الشرعة فقال لي : يا أبا سورة ، أين تريد؟ فقلت : الكوفة. فقال لي : مع من؟ قلت : مع الناس. قال لي : لا تريد نحن جميعا نمضي. قلت : ومن معنا؟ فقال : ليس نريد معنا أحدا.

قال : فمشينا ليلتنا فإذا نحن على مقابر مسجد السهلة فقال لي : هو ذا منزلك فإن شئت فامض ، فسألني الرجل عن حالي فأخبرته بضيقتي وبعيلتي ، فلم يزل يماشيني حتى انتهيت إلى النواويس في السحر فجلسنا ، ثمّ حفر بيده فإذا الماء قد خرج فتوضّأ ثمّ صلّى ثلاث عشرة ركعة ثمّ قال : امض إلى أبي الحسن علي بن يحيى فأقرئه السلام وقل له : يقول لك الرجل ادفع إلى أبي سورة من السبعمائة دينار التي مدفونة في موضع كذا وكذا مائة دينار ، وإنّي مضيت من ساعتي إلى منزله فدققت الباب فقيل : من هذا؟ فقلت قولي لأبي الحسن : هذا أبو سورة ، فسمعته يقول : ما لي ولأبي سورة ثمّ خرج إلي فسلّمت عليه ، وقصصت عليه الخبر فدخل وأخرج إليّ مائة دينار فقبضتها فقال : صافحته؟ فقلت : نعم فأخذ يدي فوضعها على عينيه ومسح بها وجهه (١).

__________________

(١) غيبة الشيخ : ٢٧٠ والبحار : ٥٢ / ١٥ ح ١٢.

٣٤٤

الفرع السادس

في ذكر جملة من معاجزه ودلائله

الاولى : في كشف الغمّة عن أبي الحسن المسترق الضرير قال : كنت يوما في مجلس حسن بن عبد الله بن حمدان ناصر الدولة فتذاكر لي أمر الناحية قال : كنت أزري عليها إلى أن حضرت مجلس عمّي الحسين يوما فأخذت أتكلّم في ذلك فقال : يا بني قد كنت أقول بمقالتك هذه إلى أن ندبت إلى ولاية قم حين استصعبت على السلطان ، وكان كلّ من ورد إليها من جهة السلطان يحاربه أهلها ، فسلم إلي جيش وخرجت نحوها ، فلمّا خرجت إلى ناحية طرز وخرجت إلى الصيد ففاتتني طريدة فاتبعتها وأوغلت في أثرها حتّى بلغت إلى نهر فسرت فيه ، كلّما سرت يتسع النهر ، فبينا أنا كذلك إذ طلع علي فارس تحته شهباء وهو متعمّم بعمامة خزّ خضراء ، لا أرى منه سوى سواد عينيه ، وفي رجليه خفّان أحمران فقال لي : يا حسين. وما أمرني وما كنّاني فقلت : ما ذا تريد؟ فقال : لم تزري على الناحية؟ ولم تمنع أصحابي خمس مالك؟

وكنت رجلا وقورا لا أخاف شيئا فأرعدت وتهيبته وقلت له : أفعل يا سيّدي ما تأمر به. فقال : إذا أتيت إلى الموضع الذي أنت متوجّه إليه ، فدخلته عفوا وكسبت ما كسبته فيه تحمل خمسه إلى مستحقّه. فقلت : السمع والطاعة. فقال : امض راشدا ولوى عنان دابته وانصرف ، فلم أدر أي طريق سلك فطلبته يمينا وشمالا فخفي عليّ أمره ، فازددت رعبا وانكفأت راجعا إلى عسكري وتناسيت الحديث.

فلمّا بلغت قم وعندي أنني اريد محاربة القوم خرج إلي أهلها وقالوا : كنّا نحارب من يجيئنا لخلافهم لنا ، وأمّا إذ وافيت أنت فلا خلاف بيننا وبينك ، ادخل البلدة فدبرها كما ترى ، فأقمت فيها زمانا وكسبت أموالا زائدة على ما كنت أتوقّع ثمّ وشى القواد بي إلى السلطان ، وحسدت على طول مقامي وكثرة ما اكتسبت ، فعزلت ورجعت إلى بغداد فابتدأت بدار السلطان فسلّمت وأقبلت إلى منزلي ، وجاءني فيمن جاءني محمد بن العثمان

٣٤٥

العمري فتخطّى رقاب الناس حتّى اتكأ على متكئي ، فاغتظت من ذلك ، ولم يزل قاعدا لا يبرح والناس يدخلون ويخرجون ، وأنا أزداد غيظا فلمّا تصرّم المجلس دنا لي وقال بيني وبينك سرّ فاسمعه. فقلت : قل. فقال : صاحب الشهباء والنهر يقول : قد وفينا بما وعدنا. فذكرت الحديث وارتعشت من ذلك وقلت : السمع والطاعة ، فقمت وأخذت بيده وفتحت الخزائن ، فلم يزل يخمسها إلى أن خمّس شيئا قد كنت أنسيته ممّا كنت قد جمعته وانصرف ، ولم أشكّ بعد ذلك وتحقّقت الأمر ، فأنا منذ سمعت هذا من عمّي أبي عبد الله زال ما كان اعترضني من شكّ (١).

المعجزة الثانية : في كشف الغمّة عن أبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه قال : لمّا وصلت بغداد في سنة سبع وثلاثين للحجّ ، وهي السنة التي ردّ القرامطة فيها الحجر إلى مكانه من البيت ، كان أكبر همّي بمن ينصب الحجر لأنّي مضى عليّ في أثناء الكتب قصّة أخذه وأنّه ينصبه في مكانه الحجّة في الزمان ، كما في زمن الحجّاج وضعه زين العابدين في مكانه فاستقرّ ، فاعتللت علّة صعبة خفت فيها على نفسي ولم يتهيأ لي ما قصدت له فاستنبت المعروف بابن هشام ، وأعطيته رقعة مختومة أسأل فيها عن مدّة عمري وهل تكون المنية في هذه العلّة أم لا ، وقلت : همّي إيصال هذه الرقعة إلى واضع الحجر في مكانه وأخذ جوابه وإنّما أندبك لهذا ، فقال المعروف بابن هشام : لما حصلت بمكّة وعزم على إعادة الحجر بذلت لسدنة البيت جملة تمكّنت معها من الكون بحيث أرى واضع الحجر في مكانه ، فأقمت معي منهم من يمنع عنّي ازدحام الناس ، فكلّما عمد إنسان لوضعه اضطرب ولم يستقم ، فأقبل غلام أسمر اللون حسن الوجه فتناوله ووضعه في مكانه ، فاستقام كأنّه لم يزل عنه ، وعلت لذلك الأصوات فانصرف خارجا من الباب فنهضت من مكاني أتبعه وأدفع الناس عنّي يمينا وشمالا حتّى ظنّ بي الاختلاط في العقل ، والناس يفرجون لي ، وعيني لا تفارقه حتّى انقطع عنّي الناس وكنت أسرع الشدّة خلفه وهو يمشي على تؤدة ولا ادركه ، فلمّا حصل بحيث لا يراه أحد غيري وقف والتفت إلي فقال : هات ما معك فناولته الرقعة ، فقال من غير أن ينظر فيها : قل له لا خوف عليك في هذه العلّة ، ويكون ما لا بدّ منه بعد ثلاثين سنة. قال : فوقع علي الزمع حتّى لم أطق حراكا وتركني وانصرف.

__________________

(١) كشف الغمّة : ٢ / ٥٠١ الباب ٢٥.

٣٤٦

قال أبو القاسم : فأعلمني بهذه الجملة فلمّا كانت سنة سبع وستّين اعتل أبو القاسم ، فأخذ ينظر في أمره وتحصيل جهازه إلى قبره ، وكتب وصيّته واستعمل الجدّ في ذلك فقيل له : ما هذا الخوف ونرجو أن يتفضّل الله بالسلامة فما عليك مخوفة ، فقال : هذه السنة التي وعدت وخوفت منها فمات في علّته (١).

المعجزة الثالثة : في البحار عن أبي محمد عيسى بن مهدي الجوهري قال : خرجت في سنة ثمان وستّين ومائتين إلى الحجّ ، وكان قصدي المدينة حيث صحّ عندنا أنّ صاحب الزمان عجل الله فرجه قد ظهر ، فاعتللت وقد خرجنا من فيل (٢) فتعلّقت نفسي بشهوة السمك والتمر ، فلمّا وردت المدينة ولقيت بها إخواننا وبشّروني بظهوره بصابر فصرت إلى صابر فلمّا أشرفت على الوادي رأيت عنيزات عجافا ، فدخلت القصر فوقفت أرقب الأمر إلى أن صلّيت العشاءين وأنا أدعو وأتضرّع وأسأل ، فإذا أنا ببدر الخادم يصيح بي : يا عيسى ابن مهدي الجوهري ادخل ، فكبّرت وهلّلت وأكثرت من حمد الله عزوجل والثناء عليه ، فلمّا صرت في صحن القصر رأيت مائدة منصوبة ، فمرّ بي الخادم إليها فأجلسني عليها وقال لي : مولاك يأمرك أن تأكل ما اشتهيت في علّتك وأنت خارج من فيل. فقلت : حسبي بهذا برهانا فكيف آكل ولم أر سيدي ومولاي؟

فصاح : يا عيسى كل من طعامك فإنّك تراني فجلست على المائدة فإذا عليها سمك حار يفور وتمر إلى جانبه أشبه التمور بتمرنا ، وبجانب التمر لبن فقلت في نفسي عليل وسمك وتمر ولبن فصاح بي : يا عيسى أتشكّ في أمرنا فأنت أعلم بما ينفعك ويضرّك؟ فبكيت واستغفرت الله تعالى وأكلت من الجميع ، وكلّما رفعت يدي منه لم يتبيّن موضعها فيه فوجدته أطيب ما ذقته في الدنيا فأكلت منه كثيرا حتّى استحييت ، فصاح بي لا تستحي يا عيسى فإنّه من طعام الجنّة لم تصنعه يد مخلوق ، وأكلت فرأيت نفسي لا تنتهي عنه من أكله فقلت : يا مولاي حسبي. فصاح بي أقبل إليّ ، فقلت في نفسي : آتي مولاي ولم أغسل يدي ، فصاح بي يا عيسى وهل لما أكلت غمر؟ فشممت يدي وإذا هي أعطر من المسك والكافور ، فدنوت منه فبدا لي نور غشّى بصري ورهبت حتّى ظننت أنّ عقلي قد اختلط ،

__________________

(١) كشف الغمّة : ٢ / ٥٠٢ باب ٢٥ والخرائج : ٤٧٧.

(٢) في البحار والهداية وإثبات الهداة : فيد ، وهي قلعة في طريق مكّة ، وفيل هو باب في مسجد الكوفة.

٣٤٧

فقال عجل الله فرجه : يا عيسى ما كان لك أن تراني لو لا المكذّبون القائلون : بأين هو؟ ومتى كان؟ وأين ولد؟ ومن رآه؟ وما الذي خرج إليكم منه؟ وبأيّ شيء نبأكم؟ وأي معجز أتاكم؟أما والله لقد دفعوا أمير المؤمنين عليه‌السلام مع ما رووه وقدّموا عليه وكادوه وقتلوه وكذلك آبائي ، ولم يصدقوهم ونسبوهم إلى السحر وخدمة الجنّ إلى ما تبين ، يا عيسى فخبّر أولياءنا ما رأيت وإيّاك أن تخبر عدوّنا فتسلبه ، فقلت : يا مولاي ادع لي بالثبات ، فقال : لو لم يثبتك الله ما رأيتني ، وامض بنجحك راشدا ، فخرجت أكثر حمدا لله (١).

المعجزة الرابعة : في مدينة المعاجز : سئل محمد بن عبد الحميد البزاز ومحمد بن يحيى ومحمد بن ميمون الخراساني وحسين بن مسعود الفزاري عن جعفر الكذّاب وما جرى من أمره قبل غيبة سيّدنا أبي الحسن وأبي محمد صاحبي العسكري عليه‌السلام ، وبعد غيبة سيّدنا أبي محمّد عليه‌السلام وما ادّعاه جعفر وما ادعي له. فحدّثوا أنّ سيّدنا أبا الحسن كان يقول : تجنبوا ابني جعفرا فإنّه منّي بمنزلة نمرود من نوح الذي قال الله عزوجل فيه : قال نوح (إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي) قال الله (يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ) (٢) وأنّ أبا محمّد عليه‌السلام كان يقول لنا بعد أبي الحسن : الله الله أن يظهر لكم أخي جعفر على سرّ ، فو الله ما مثلي ومثله إلّا مثل هابيل وقابيل ابني آدم حيث حسد قابيل هابيل على ما أعطاه من فضله فقلته ، ولو تهيّأ لجعفر قتلي لفعل ولكنّ الله غالب على أمره ، ولقد عهدنا بجعفر وكلّ من في البلد وكل من في العسكر من الحاشية والرجال والنساء والخدم يشكون إلينا إذا وردنا أمر جعفر فيقولون : إنّه يلبس المضي من النساء (٣) ويضرب له بالعيدان ويشرب الخمر ويبذل الدراهم والخلع لمن في داره على كتمان ذلك عليه ، فيأخذون منه ولا يكتمون.

وإنّ الشيعة بعد أبي محمّد عليه‌السلام أرادوا هجره وتركوا السلام عليه ، وقالوا : لا تقية بيننا وبينه نتجمل به ، وإن نحن لقيناه وسلمنا عليه ودخلنا داره وذكرناه نحن فنضل الناس فيه وعملوا على ما يروننا نفعله فيكون ذلك من أهل النار ، وإنّ جعفرا لمّا كان في ليلة وفاة أبي محمد ختم على الخزائن وكلّما في الدار ، وأصبح ولم يبق في الخزائن ولا في الدار إلّا شيء يسير

__________________

(١) الهداية الكبرى : ٣٧٣ ، وإثبات الهداة : ٣ / ٧٠٠ ح ١٣٨ ، البحار : ٥٢ / ٦٩ ح ٥٤.

(٢) هود : ٤٥ ـ ٤٦.

(٣) في الهداية : يلبس المصنعات من ثياب النساء ، وفي مدينة المعاجز : المصبغات.

٣٤٨

نزر وجماعة من الخدم والإماء فقالوا : لا تضربنا فو الله لقد رأينا الأمتعة والذخائر تحمل وتوقر بها جمال في الشارع ، ونحن لا نستطيع الكلام ولا الحركة إلى أن سارت الجمال وتغلقت الأبواب كما كانت ، فولّى جعفر على رأسه أسفا على ما أخرج من الدار وإنّه بقي يأكل ما كان له معه ويبيع حتّى لم يبق له قوت يوم ، وكان له من الولد أربعة وعشرون ولدا ، بنين وبنات وأمّهات أولاد ، حشم وخدم وغلمان فبلغ به الفقر إلى أن أمر الجدّة وجدّة أمّ أبي محمد أن يجري عليه من مالها الدقيق واللحم والشعير لدوابه وكسوة أولاده وأمّهاتهم وحشمه وغلمانه ونفقاتهم ، ولقد ظهرت منه أشياء أكثر ممّا وصفناه ، ونسأل الله العصمة والعافية من البلاء في الدنيا والآخرة (١).

المعجزة الخامسة : في البحار عن أحمد الدينوري السراج المكنّى بأبي العبّاس الملقّب باستارة قال : انصرفت من أردبيل إلى دينور واريد أن أحجّ ، وذلك بعد مضيّ أبي محمد الحسن بن علي عليه‌السلام بسنة أو سنتين ، وكان الناس في حيرة فاستبشر أهل دينور بموافاتي واجتمع الشيعة عندي فقالوا : اجتمع عندنا ستّة عشر ألف دينار من مال الموالي ونحتاج أن نحملها معك وتسلّمها بحيث يجب تسليمها. قال : فقلت : يا قوم هذه حيرة ولا نعرف الباب في هذا الوقت؟ قال : فقالوا : إنّما اخترناك لحمل هذا المال لما نعرف من ثقتك وكرمك ، فاعمل على أن لا تخرجه من يديك إلّا بحجّة. قال : فحمل إليّ ذلك المال في صرر باسم رجل رجل ، فحملت ذلك المال وخرجت ، فلمّا وافيت قرميسين كان أحمد بن الحسن بن الحسن مقيما بها فصرت إليه مسلّما ، فلمّا لقيني استبشر بي ثمّ أعطاني ألف دينار في كيس وتخوت ثياب ألوان معكمة لم أعرف ما فيها ثمّ قال لي : احمل هذا معك ولا تخرجه عن يدك إلّا بحجّة. قال : فقبضت المال والتخوت بما فيها من الثياب ، فلمّا وردت بغداد لم يكن لي همّة غير البحث عمّن اشير إليه بالنيابة فقيل لي : إنّ هاهنا رجلا يعرف بالباقطاني يدّعي النيابة وآخر يعرف بإسحاق الأحمر يدّعي النيابة وآخر يعرف بأبي جعفر العمري يدّعي النيابة.

قال : فبدأت بالباقطاني وصرت إليه فوجدته شيخا مهيبا له مروّة ظاهرة وفرس عربي وغلمان كثير ، ويجتمع إليه الناس يتناظرون قال : فدخلت إليه وسلّمت عليه فرحّب وسرّ

__________________

(١) مدينة المعاجز : ٧ / ٥٢٧ ، والهداية الكبرى للخصيبي : ٣٨٢.

٣٤٩

وقرّب قال : فأطلت القعود إلى أن أخرج أكثر الناس قال : فسألني عن ديني فعرّفته أنّي رجل من أهل دينور وافيت ومعي شيء من المال أحتاج أن اسلّمه ، فقال لي : احمله. قال : فقلت : اريد حجّة. قال : تعود إلي في غد. قال : فعدت إليه من الغد فلم يأت بحجّة وعدت إليه في اليوم الثالث فلم يأت بحجّة.

قال : فصرت إلى إسحاق الأحمر فوجدته شابّا نظيفا منزله أكبر من منزل الباقطاني وفرسه ولباسه ومروته أسرى وغلمانه أكثر من غلمانه ويجتمع عنده من الناس أكثر ممّا يجتمع عند الباقطاني قال : فدخلت وسلّمت فرحّب وقرّب ، قال : فصبرت إلى أن خفّ الناس قال : فسألني عن حاجتي. فقلت له كما قلت للباقطاني وعدت إليه ثلاثة أيّام فلم يأت بحجّة. قال : فصرت إلى أبي جعفر العمري فوجدته شيخا متواضعا عليه مبطنة بيضاء ، قاعد على لبد في بيت صغير ليس له غلمان ولا له من المروة والفرس ما وجدت لغيره ، قال : فسلّمت فردّ الجواب وأدناني وبسط منّي ثمّ سألني عن حالي فعرّفته أنّي وافيت من الجبل وحملت مالا ، قال : فقال : إن أحببت أن يصل هذا الشيء إلى من يجب أن يصل إليه تخرج إلى سرّ من رأى وتسأل دار ابن الرضا عليه‌السلام وعن فلان بن فلان الوكيل ـ وكانت دار ابن الرضا عامرة بأهلها ـ فإنّك تجد هناك ما تريد.

قال : فخرجت من عنده ومضيت نحو سرّ من رأى فصرت إلى دار ابن الرضا عليه‌السلام ، وسألت عن الوكيل فذكر البوّاب أنّه مشتغل في الدار وأنّه يخرج آنفا ، فقعدت على الباب أنتظر خروجه فخرج بعد ساعة ، فقمت وسلّمت عليه وأخذ بيدي إلى بيت كان له وسألني عن حالي وما وردت له ، فعرّفته أنّي حملت شيئا من المال من ناحية الجبل وأحتاج أن اسلّمه بحجّة ، قال : فقال : نعم ، ثمّ قدّم إليّ طعاما وقال لي : تغدّ بهذا واسترح فإنّك تعبت فإنّ بيننا وبين الصلاة الاولى ساعة فإنّي أحمل إليك ما تريد.

قال : فأكلت ونمت فلمّا كان وقت الصلاة نهضت وصلّيت وذهبت إلى المشرعة واغتسلت وانصرفت إلى بيت الرجل وسكنت إلى أن مضى من الليل ربعه ، فجاءني بعد أن مضى من الليل ربعه ومعه درج فيه : بسم الله الرّحمن الرحيم وافى أحمد بن محمد الدينوري وحمل ستّة عشر ألف دينار في كذا وكذا صرّة فيها صرّة فلان بن فلان كذا وكذا دينار ، إلى أن عدّد الصرر كلّها وصرّة فلان بن فلان الزراع ستّة عشر دينارا ، قال : فوسوس لي

٣٥٠

الشيطان فقلت : إنّ سيّدي أعلم بهذا منّي فما زلت أقرأ ذكره صرّة صرّة وذكر صاحبها حتّى أتيت عليها عند آخرها ، ثمّ ذكر : قد حمل من قرميسين من عند أحمد بن الحسن المادرائي أخي الصوان كيس ألف دينار وكذا وكذا تختا من الثياب منها ثوب فلان وثوب لونه كذا حتّى نسب الثياب إلى آخرها بأنسابها وألوانها ، قال : فحمدت الله وشكرته على ما منّ به عليّ من إزالة الشكّ عن قلبي ، فأمر بتسليم جميع ما حملت إلى حيث يأمرك أبو جعفر العمري.

قال : فانصرفت إلى بغداد وصرت إلى أبي جعفر العمري ، قال : وكان خروجي وانصرافي في ثلاثة أيّام قال : فلمّا بصر بي أبو جعفر العمري ، قال : وكان خروجي وانصرافي في ثلاثة أيّام قال : فلمّا بصر بي أبو جعفر قال : لم لم تخرج؟ فقلت : يا سيّدي من سرّ من رأى انصرفت ، قال : فأنا أحدّث أبا جعفر بهذا إذ وردت رقعة على أبي جعفر العمري من مولانا صاحب الأمر ومعها درج مثل الدرج الذي كان معي ، فيه ذكر المال والثياب وامر أن يسلّم جميع ذلك إلى أبي جعفر محمّد بن أحمد بن جعفر بن القطان القمي ، فلبس أبو جعفر العمري ثيابه وقال لي : احمل ما معك إلى منزل محمد بن أحمد بن جعفر القطان القمي قال : فحملت المال والثياب إلى منزل محمد بن أحمد بن القطان وسلّمتها إليه وخرجت إلى الحجّ ، فلمّا رجعت إلى دينور اجتمع عندي الناس فأخرجت الدرج الذي أخرجه وكيل مولانا عليه‌السلام إليّ وقرأته على القوم فلمّا سمع بذكر الصرّة باسم الزراع سقط مغشيا عليه ، وما زلنا نعلّله حتّى أفاق ، فلمّا أفاق سجد شكرا لله عزوجل وقال : الحمد لله الذي منّ علينا بالهداية ، الآن علمت أنّ الأرض لا تخلو من حجّة ، هذه الصرّة دفعها إليّ هذا الزراع ، لم يقف على ذلك إلّا الله عزوجل.

قال : فخرجت ولقيت بعد ذلك أبا الحسن المادرائي وعرّفته الخبر وقرأت عليه الدرج ، فقال : يا سبحان الله ما شككت في شيء فلا تشكّ في أنّ الله عزوجل لا يخلي أرضه من حجّة ، اعلم أنّه لما عرك أذكوتكين يزيد بن عبد الله بشهرزور وظفر ببلاده واحتوى على خزائنه ، صار إلى رجل وذكر أن يزيد بن عبد الله جعل الفرس الفلاني والسيف الفلاني في باب مولانا ، قال : فجعلت أنقل خزائن يزيد بن عبد الله إلى أذكوتكين أولا فأوّلا وكنت ادافع بالفرس والسيف إلى أن لم يبق شيء غيرهما ، وكنت أرجو أن أخلص ذلك لمولانا عليه‌السلام ، فلمّا اشتدّت مطالبة أذكوتكين إيّاي ولم يمكنّي مدافعته جعلت السيف والفرس في نفسي ألف دينار ووزنتها ودفعتها إلى الخازن وقلت له : ارفع هذه الدنانير في أوثق مكان ولا تخرجنّ إليّ

٣٥١

في حال من الأحوال ولو اشتدّت الحاجة إليها ، وسلمت الفرس والسيف.

قال : فأنا قاعد في مجلسي بالذي أبرم الامور وأوفي القصص وآمر وأنهى ؛ إذ دخل أبو الحسن الأسدي وكان يتعاهدني الوقت بعد الوقت وكنت أقضي حوائجه ، فلمّا طال جلوسه وعليه بؤس كثير قلت له : ما حاجتك؟ قال : أحتاج منك إلى خلوة فأمرت الخازن أن يهيّئ لنا مكانا من الخزانة ، فدخلنا الخزانة فأخرج إليّ رقعة صغيرة من مولانا فيها : يا أحمد بن الحسن الألف دينار التي عندك ثمن الفرس والسيف سلّمها إلى أبي الحسن الأسدي. قال :فخررت لله ساجدا شكرا لما منّ به علي ، وعرفت أنّه حجّة الله حقّا ، لأنّه لم يكن وقف على هذا أحد غيري ، فأضفت إلى ذلك المال ثلاثة آلاف دينار اخرى سرورا بما منّ الله عليّ بهذا الأمر (١).

المعجزة السادسة : في البحار عن محمد بن أحمد الصفواني قال : رأيت القاسم بن العلاء وقد عمّر مائة سنة وسبع عشرة سنة ، منها ثمانون سنة صحيح العينين ، لقي مولانا أبا الحسن وأبا محمد العسكريين وحجب بعد الثمانين وردت عليه عيناه قبل وفاته بسبعة أيّام ؛ وذلك أنّي كنت مقيما عنده بمدينة ألوان من أرض أذربايجان وكان لا ينقطع توقيعات مولانا صاحب الزمان عجل الله فرجه على يد أبي جعفر محمّد بن عثمان العمري ، وبعده على يد أبي القاسم الحسين بن روح قدّس الله أرواحهما ، فانقطعت عنه المكاتبة نحوا من شهرين فقلق رحمه‌الله لذلك ، فبينا نحن عنده نأكل إذ دخل البوّاب مستبشرا فقال له : فيج العراق لا يسمّي بغيره ، فاستبشر القاسم وحوّل وجهه إلى القبلة فسجد ، ودخل كهل قصير يرى أثر الفيوج عليه ، وعليه جبّة مضربة وفي رجله نعل محاملي وعلى كتفه مخلاة ، فقام القاسم فعانقه ووضع المخلاة عن عنقه ودعا بطست وماء فغسل يده وأجلسه إلى جانبه ، فأكلنا وغسلنا أيدينا ، فقام الرجل فأخرج كتابا أفضل من نصف المدرج ، فناوله القاسم فأخذه وقبّله ودفعه إلى كاتب له يقال له ابن أبي سلمة ، فأخذه أبو عبد الله ففضّه وقرأه حتّى أحسّ القاسم بنكاية فقال : يا أبا عبد الله بخير؟ فقال : خير ، فقال : ويحك خرج فيّ شيء؟

فقال أبو عبد الله : ما تكره فلا.

قال القاسم : فما هو؟ قال : نعي الشيخ إلى نفسه بعد ورود هذا الكتاب بأربعين يوما وقد

__________________

(١) بطوله في محاسن البرقي : ١ / ٣٩ ، وبحار الأنوار : ٥١ / ٣٠٠ ح ١٩.

٣٥٢

حمل إليه سبعة أثواب ، فقال القاسم : في سلامة من ديني؟ فقال : في سلامة من دينك ، فضحك رحمه‌الله فقال : ما اؤمل بعد هذا العمر ، فقام الرجل الوارد فأخرج من مخلاته ثلاثة ازر وحبرة يمانية حمراء وعمامة وثوبين ومنديلا ، وكان عنده قميص خلعه عليه مولانا الرضا أبو الحسن عليه‌السلام ، وكان له صديق يقال له عبد الرّحمن بن محمد السنيزي وكان شديد النصب ، وكان بينه وبين القاسم نضّر الله وجهه مودّة في امور الدنيا شديدة ، وكان القاسم يودّه وقد كان عبد الرّحمن وافى إلى الدار لإصلاح بين أبي جعفر بن حمدون الهمداني وبين ختنه ابن القاسم ، فقال القاسم لشيخين من مشايخنا المقيمين معه ، أحدهما يقال له أبو حامد عمران المفلس والآخر أبو علي بن جحدر أن أقرئا هذا الكتاب عبد الرّحمن بن محمد فإنّي احبّ هدايته وأرجو أن يهديه الله بقراءة هذا الكتاب. فقال له : الله الله الله فإنّ الكتاب لا يحتمل ما فيه خلق من الشيعة فكيف عبد الرّحمن بن محمد فقال : أنا أعلم أنّي مفش لسرّ لا يجوز لي إعلانه لكن من محبّتي لعبد الرّحمن بن محمد وشهوتي أن يهديه عزوجل لهذا الأمر هو ذا أقرئه الكتاب.

فلمّا مرّ ذلك اليوم وكان يوم الخميس لثلاث عشرة خلت من رجب دخل عبد الرّحمن ابن محمّد وسلّم عليه ، فأخرج القاسم الكتاب فقال له : اقرأ هذا الكتاب وانظر لنفسك ، فقرأ عبد الرّحمن الكتاب فلمّا بلغ إلى موضع النعي رمى الكتاب عن يده وقال للقاسم : يا أبا محمد اتق الله فإنّك رجل فاضل في دينك متمكّن من عقلك ، والله عزوجل يقول : (وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ) (١) وقال : (عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً) (٢) فضحك القاسم وقال : أتمّ الآية (إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ) ومولاي هو الرضا من الرسول ، وقال : قد علمت أنّك تقول هذا ولكن أرّخ اليوم ، فإن أنا عشت بعد هذا اليوم المؤرّخ في هذا الكتاب فاعلم أنّي لست على شيء ، وإن أنا متّ فانظر لنفسك ، فأرّخ عبد الرّحمن اليوم وافترقوا.

وحمّ القاسم يوم السابع من ورود الكتاب واشتدّت به في ذلك اليوم العلّة واستند في فراشه إلى الحائط ، وكان ابنه الحسن بن القاسم مدمنا على شرب الخمر ، وكان متزوّجا إلى أبي عبد الله بن حمدون الهمداني ، وكان جالسا ورداؤه مستور على وجهه في ناحية من

__________________

(١) سورة لقمان : ٣٤.

(٢) سورة الجنّ : ٢٦.

٣٥٣

الدار ، وأبو حامد في ناحية ، وأبو جعفر بن جحدر وأنا وجماعة من أهل البلد نبكي إذ اتّكى القاسم على يديه إلى خلف وجعل يقول : يا محمد يا علي يا حسن يا حسين يا مواليّ كونوا شفعائي إلى الله عزوجل وقالها الثانية وقالها الثالثة فلمّا بلغ في الثالثة : يا موسى يا علي تفرقعت أجفان عينيه كما يفرقع الصبيان شقائق النعمان ، وانتفخت حدقته وجعل يمسح بكمّه عينيه وخرج من عينيه ، شبيه بماء اللحم ثمّ مدّ طرفه إلى ابنه فقال : يا حسن إليّ يا أبا حامد ، إليّ يا أبا علي فاجتمعنا حوله ونظرنا إلى الحدقتين صحيحتين.

فقال له أبو حامد : تراني! وجعل يده على كلّ واحد منّا وشاع الخبر في الناس والعامّة.

وأتاه الناس من العوامّ ينظرون إليه وركب القاضي إليه وهو أبو السبائب عتبة بن عبيد الله المسعودي وهو قاضي القضاة ببغداد ، فدخل عليه فقال له : يا أبا محمد ما هذا الذي بيدي ، وأراه خاتما فصّه فيروزج فقرّبه منه فقال : عليه ثلاثة أسطر فتناوله القاسم رحمه‌الله فلم يمكنه قراءته وخرج الناس متعجّبين يتحدّثون بخبره ، والتفت القاسم إلى ابنه الحسن فقال له : إنّ الله منزلك منزلة ومرتبك مرتبة فاقبلها بشكر. فقال له الحسن : يا أبه قد قبلتها. قال القاسم : على ما ذا؟ قال : على ما تأمرني به يا أبه. قال : على أن ترجع عمّا أنت عليه من شرب الخمر.

قال الحسن : يا أبه وحقّ من أنت في ذكره لأرجعن عن شرب الخمر ومع الخمر أشياء لا تعرفها ، فرفع القاسم يده إلى السماء وقال : اللهمّ ألهم الحسن طاعتك وجنبه معصيتك ، ثلاث مرّات ، ثمّ دعا بدرج فكتب وصيّته بيده رحمه‌الله ، وكانت الضياع التي في يده لمولانا وقف وقفه أبوه وكان فيما أوصى الحسن أن قال : يا بني إن اهّلت لهذا الأمر ـ يعني الوكالة لمولانا ـ فيكون قوتك من نصف ضيعتي المعروفة بفرجيدة ، وسائر ما أملك لمولاي ، وإن لم تؤهل له فاطلب خيرك من حيث يتقبّل الله ، وقبل الحسن وصيته على ذلك ، فلمّا كان في يوم الأربعين وقد طلع الفجر مات القاسم رحمه‌الله فوافاه عبد الرّحمن يعدو في الأسواق حافيا حاسرا وهو يقول : وا سيداه ، فاستعظم الناس ذلك منه وجعل الناس يقولون : ما الذي تفعل بذلك فقال : اسكتوا فقد رأيت ما لم تروه ، وتشيّع ورجع عمّا كان عليه ووقف الكثير من ضياعه وتولّى أبو علي بن جحدر غسل القاسم ، وأبو حامد يصبّ عليه الماء وكفن في ثمانية أثواب ، على بدنه قميص مولاه أبي الحسن عليه‌السلام وما يليه السبعة الأثواب التي جاءته من العراق ، فلمّا كان بعد مدّة يسيرة ورد كتاب تعزية على الحسن مولانا في آخره دعاء : ألهمك

٣٥٤

الله طاعته وجنّبك معصيته ، وهو الدعاء الذي كان دعا به أبوه وكان آخره : قد جعلنا أباك إماما لك وفعاله لك مثالا (١).

المعجزة السابعة : وفيه عن محمد بن الحسن الصير في المقيم بأرض بلخ : أردت الخروج إلى الحجّ وكان معي مال بعضه ذهب وبعضه فضّة ، فجعلت ما كان معي من الذهب سبائك ، وما كان معي من فضّة نقرا ، وكان قد دفع ذلك المال إليّ لاسلّمه إلى الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح قدس‌سره. قال : فلمّا نزلت سرخس ضربت خيمتي على موضع فيه رمل ، وجعلت أميز تلك السبائك والنقر ، فسقطت سبيكة من تلك السبائك منّي وغاصت في الرمل وأنا لا أعلم. قال : فلمّا دخلت همدان ميّزت تلك السبائك والنقر مرّة اخرى اهتماما منّي بحفظهما ، ففقدت منها سبيكة وزنها مائة مثقال وثلاثة مثاقيل أو قال : ثلاثة وتسعون مثقالا فسبكت مكانها من مالي بوزنها سبيكة وجعلتها بين السبائك.

فلمّا وردت مدينة السلام قصدت الشيخ أبا القاسم الحسين بن روح قدّس الله روحه ، وسلّمت إليه ما كان معي من السبائك والنقر فمدّ يده من بين السبائك إلى السبيكة التي كنت سبكتها من مالي بدلا ممّا ضاع منّي ، فرمى بها إليّ وقال لي : ليست هذه السبيكة لنا ، سبيكتنا ضيّعتها بسرخس حيث ضربت خيمتك في الرمل ، فارجع إلى مكانك وانزل حيث نزلت واطلب السبيكة هناك تحت الرمل فإنّك ستجدها وتعود إليّ هاهنا فلا تراني ، فرجعت إلى سرخس ونزلت حيث كنت نزلت ووجدت السبيكة وانصرفت إلى بلدي فلمّا كان بعد ذلك حججت ومعي السبيكة فدخلت مدينة السلام ، وقد كان الشيخ أبو القاسم الحسين بن روح رحمه‌الله مضى ، ولقيت أبا الحسن السمري رضى الله عنه فسلّمت إليه السبيكة (٢).

المعجزة الثامنة : في البحار عن الحسين بن علي بن محمد القمّي المعروف بأبي علي البغدادي قال : كنت ببخارى فدفع إلي المعروف بابن جاوشير عشر سبائك ذهبا وأمرني أن اسلّمها بمدينة السلام إلى الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح قدس‌سره ، فحملتها معي فلمّا بلغت أموية ضاعت منّي سبيكة من تلك السبائك ، ولم أعلم بذلك حتّى دخلت مدينة السلام ، فأخرجت السبائك لاسلّمها فوجدتها ناقصة واحدة منها فاشتريت سبيكة مكانها بوزنها

__________________

(١) بطوله في غيبة الشيخ : ٣١٥ ، وبحار الأنوار : ٥١ / ٣١٥ ح ٣٧.

(٢) البحار : ٥١ / ٣٤٠ ح ٦٨.

٣٥٥

وأضفتها إلى التسع سبائك ، فدخلت على أبي القاسم الروحي رحمه‌الله ووضعت السبائك بين يديه فقال لي : خذ تلك السبيكة التي اشتريتها وأشار إليها بيده ، فإنّ السبيكة التي ضيّعتها قد وصلت إلينا وهو ذا هي ، ثمّ أخرج إليّ تلك السبيكة التي كانت ضاعت منّي بأمويه فنظرت إليها وعرفتها.

فقال الحسين بن علي المزبور : ورأيت تلك السنة بمدينة السلام امرأة تسألني عن وكيل مولانا عجل الله فرجه من هو؟ فأخبرها بعض القمّيين أنّه أبو القاسم الحسين بن روح رحمه‌الله ، وأشار لها إليّ فدخلت عليه وأنا عنده فقالت له : أيّها الشيخ أيّ شيء معي؟ فقال : ما معك فألقيه في دجلة ، ثمّ ائتني حتّى أخبرك فذهبت المرأة وحملت ما كان معها فألقته في دجلة ثمّ رجعت ، ودخلت إلى أبي القاسم الروحي رحمه‌الله فقال أبو القاسم لمملوكة له : أخرجي إليّ الحقّة ، فأخرجت إليه حقّة فقالت للمرأة : هذه الحقّة التي كانت معك ورميت بها في دجلة اخبرك بما فيها أو تخبرين؟ فقالت له : بل أخبرني. فقال : في هذه الحقّة زوج سوار ذهب وحلقة كبيرة فيها جوهر وحلقتان صغيرتان فيهما جوهر وخاتمان أحدهما فيروزج والآخر عقيق ، وكان الأمر كما ذكر لم يغادر منه شيئا ، ثمّ فتح الحقّة فعرض عليّ ما فيها ونظرت المرأة إليه فقالت : هذا الذي حملته بعينه ورميت به في دجلة ، فغشي عليّ وعلى المرأة فرحا بما شاهدناه من صدق الدلالة.

قال الحسين لي بعد ما حدّثني بهذا الحديث : أشهد بالله تعالى أنّ هذا الحديث كما ذكرته لم أزد فيه ولم أنقص منه ، وحلف بالأئمّة الاثني عشر عليهم‌السلام لقد صدق فيما حدّث به ما زاد فيه ولا نقص منه (١).

المعجزة التاسعة : في البحار عن أحمد بن فارس عن بعض إخوانه : أنّ بهمدان ناسا يعرفون ببني راشد وهم كلّهم يتشيّعون ، ومذهبهم مذهب أهل الإمامة ، فسألت عن سبب تشيّعهم من بين أهل همدان ، فقال لي شيخ منهم رأيت فيه صلاحا وسمتا : إنّ سبب ذلك أنّ جدّنا الذي ننسب إليه خرج حاجّا فقال أنّه لما صدر من الحج وساروا منازل في البادية قال : فنشطت في النزول والمشي فمشيت طويلا حتّى أعييت وتعبت ، وقلت في نفسي : أنام نومة تريحني فإذا جاء أواخر القافلة قمت.

__________________

(١) كمال الدين : ٥١٨ ، والبحار : ٥١ / ٣٤٢ ح ٦٩.

٣٥٦

قال : فما انتبهت إلّا بحرّ الشمس ، فلم أر أحدا فتوحّشت ، ولم أر طريقا ، ولا أثرا فتوكّلت على الله عزوجل وقلت أسير حيث وجّهني ، ومشيت غير طويل فوقعت في أرض خضراء نضرة كأنّها قريبة عهد بغيث ، وإذا تربتها أطيب تربة ونظرت في سواء (١) تلك الأرض إلى قصر يلوح كأنّه سيف فقلت : يا ليت شعري ما هذا القصر الذي لم أعهده ولم أسمع به ، فقصدته فلمّا بلغت الباب رأيت خادمين أبيضين ، فسلّمت عليهما فردّا عليّ ردّا جميلا فقالا : اجلس فقد أراد الله بك خيرا ، وقام أحدهما فدخل واحتبس غير بعيد ثمّ خرج فقال : قم فادخل ، فدخلت قصرا لم أر بناء أحسن من بنائه ولا أضوأ منه ، وتقدّم الخادم إلى ستر على بيت فرفعه ثمّ قال لي : ادخل فدخلت البيت فإذا فتى جالس في وسط البيت وقد علّق على رأسه من السقف سيف طويل تكاد ظبته تمسّ رأسه ، والفتى بدر يلوح في ظلام فسلّمت فردّ السلام بألطف الكلام وأحسنه ثمّ قال لي : أتدري من أنا؟ فقلت : لا والله.

فقال : أنا القائم من آل محمّد أنا الذي أخرج في آخر الزمان بهذا السيف ـ وأشار إليه ـ فأملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما ، فسقطت على وجهي وتعفّرت فقال : لا تفعل ، ارفع رأسك ، أنت فلان من مدينة بالجبل يقال لها همدان. قلت : صدقت يا سيدي ومولاي. قال : فتحبّ أن تئوب إلى أهلك؟ قلت : نعم يا سيدي وأبشّرهم بما أتاح الله عزوجل لي. فأومى إلى الخادم فأخذ بيدي وناولني صرّة وخرج ومشى معي خطوات ، فنظرت إلى أطلال وأشجار ومنارة مسجد فقال : أتعرف هذا البلد؟ قلت : إنّ بقرب بلدنا بلدة تعرف باستاباد وهي تشبهها. قال : فقال هذه استاباد ، امض راشدا ، فالتفتّ فلم أره ودخلت استاباد وإذا في الصرّة أربعون أو خمسون دينارا ، فوردت همدان وجمعت أهلي وبشّرتهم بما أتاح الله لي ويسّره عزوجل ، ولم نزل بخير ما بقي معنا من تلك الدنانير (٢).

أقول : استاباد هي التي تعرف اليوم بأسدآباد وهي قريب من همدان وبينهما عقبة كئود ، وسمعت أنّ قبر هذا الرجل بأسدآباد معروف والله تعالى العالم.

المعجزة العاشرة : في البحار : لمّا كان بلدة البحرين تحت ولاية الإفرنج جعلوا واليها رجلا من المسلمين ليكون ادعى إلى تعميرها وأصلح بحالها ، وكان هذا الوالي من النواصب وله

__________________

(١) سواء تلك الأرض : أي وسطها.

(٢) الثاقب في المناقب : ٦٠٦ ، والبحار : ٥٢ / ٤١ ح ٣٠.

٣٥٧

وزير أشدّ نصبا منه ، يظهر العداوة لأهل البحرين لحبّهم لأهل البيت عليهم‌السلام ، ويحتال في إهلاكهم وإضرارهم بكل حيلة ، فلمّا كان في بعض الأيام دخل الوزير على الوالي وبيده رمّانة فأعطاها الوالي فإذا كان مكتوبا عليها : لا إله إلّا الله محمّد رسول الله أبو بكر وعثمان وعمر وعلي خلفاء رسول الله ، فتأمّل الوالي ورأى الكتابة من أصل الرمّانة بحيث لا يحتمل عنده أن يكون صناعة بشر فتعجّب من ذلك وقال للوزير : هذه آية بيّنة وحجّة قويّة على إبطال مذهب الرافضة ، فما رأيك في أهل البحرين؟ فقال له : أصلحك الله إنّ هؤلاء جماعة متعصّبون ينكرون البراهين ، وينبغي لك أن تحضرهم وتريهم هذه الرمّانة فإن قبلوا ورجعوا إلى مذهبنا كان لك الثواب الجزيل بذلك ، وإن أبوا إلّا المقام على ضلالتهم فخيّرهم بين ثلاث : إمّا أن يؤدّوا الجزية وهم صاغرون ، أو يأتوا بجواب عن هذه الآية البيّنة التي لا محيص لهم عنها ، أو تقتل رجالهم وتسبي نساءهم وأولادهم وتأخذ بالغنيمة.

فاستحسن الوالي رأيه وأرسل إلى العلماء والأفاضل الأخيار والنجباء والسادة الأبرار من أهل البحرين ، وأحضرهم وأراهم الرمّانة وأخبرهم بما رأى فيهم إن لم يأتوا بجواب شاف من القتل والأسر وأخذ الأموال وأخذ الجزية على وجه الصغار كالكفّار ، فتحيّروا في أمرها ولم يقدروا على جواب وتغيّرت وجوههم فارتعدت فرائصهم فقال كبراؤهم : أمهلنا أيّها الأمير ثلاثة أيّام لعلّنا نأتيك بجواب ترتضيه وإلّا فاحكم فينا ما شئت ، فأمهلهم فخرجوا من عنده خاشعين مرعوبين متحيّرين ، فاجتمعوا في مجلس وأجالوا الرأي في ذلك فاتفق رأيهم على أن يختاروا من صلحاء البحرين وزهّادهم عشرة ، ففعلوا ثمّ اختاروا من العشرة ثلاثة فقالوا لأحدهم : اخرج الليلة إلى الصحراء واعبد الله فيها واستغث بإمام زماننا وحجّة الله علينا لعلّه يبيّن لك ما هو المخرج من هذه الداهية الدهماء ، فخرج وبات طول ليلته متعبّدا خاشعا داعيا باكيا يدعو الله ويستغيث بالإمام عجل الله فرجه حتّى أصبح ولم ير شيئا ، فأتاهم وأخبرهم. فبعثوا في الليلة الثانية الثاني منهم ، فرجع كصاحبه ولم يأتهم بخير.

فازداد قلقهم وجزعهم فأحضروا الثالث وكان تقيّا فاضلا اسمه محمد بن عيسى فخرج الليلة الثالثة حافيا حاسر الرأس إلى الصحراء ، وكانت ليلة مظلمة فدعا وبكى وتوسّل إلى الله تعالى في خلاص هؤلاء المؤمنين وكشف هذه البلية عنهم ، واستغاث بصاحب الزمان ، فلمّا كان آخر الليل إذا هو برجل يخاطبه ويقول : يا محمّد بن عيسى ما لي أراك على هذه الحالة

٣٥٨

ولما ذا خرجت إلى هذه البرية؟ فقال له : أيّها الرجل دعني فإنّي خرجت لأمر عظيم وخطب جسيم لا أذكره إلّا لإمامي ولا أشكوه إلّا إلى من يقدر على كشفه عنّي. فقال عجل الله فرجه : يا محمّد بن عيسى أنا صاحب الأمر فاذكر حاجتك؟ فقال : إن كنت هو فأنت تعلم قصّتي ولا تحتاج إلى أن أشرحها لك. فقال : نعم ، خرجت لما دهمكم من أمر الرمّانة وما كتب عليها وما أوعدكم الأمير به.

قال : فلمّا سمعت ذلك منه توجّهت إليه وقلت له : نعم يا مولاي قد تعلم ما أصابنا وأنت إمامنا وملاذنا والقادر على كشفه عنّا ، فقال صلوات الله عليه : يا محمّد بن عيسى إنّ الوزير لعنه الله في داره شجرة رمّان فلمّا حملت تلك الشجرة صنع شيئا من الطين على هيئة الرمّانة وجعلها نصفين وكتب في داخل كلّ نصف بعض تلك الكتابة ثمّ وضعها على الرّمانة وشدّها عليها وهي صغيرة فأثّر فيها وصارت هكذا ، فإذا مضيتم غدا إلى الوالي فقل له جئتك بالجواب ولكنّي لا أبديه إلّا في دار الوزير ، فإذا مضيتم إلى داره فانظر عن يمينك ترى فيها غرفة فقل للوالي : لا اجيبك إلّا في تلك الغرفة ، وسيأبى الوزير عن ذلك وأنت بالغ في ذلك ولا ترض إلّا بصعودها فإذا صعد فاصعد معه ولا تتركه وحده يتقدّم عليك ، فإذا دخلت الغرفة رأيت كوة فيها كيس أبيض فانهض إليه وخذه ، وترى فيه تلك الطينة التي عملها لهذه الحيلة ، ثمّ ضعها أمام الوالي وضع الرمّانة فيها لينكشف له جلية الحال.

وأيضا يا محمّد بن عيسى قل للوالي : إنّ لنا معجزة اخرى وهي أنّ هذه الرمّانة ليس فيها إلّا الرماد والدخان وإن أردت صحّة ذلك فأمر الوزير بكسرها فإذا كسرها طار الرماد والدخان على وجهه ولحيته ، فلمّا سمع محمد بن عيسى ذلك من الإمام فرح فرحا شديدا وقبّل يدي الإمام صلوات الله عليه ، وانصرف إلى أهله بالبشارة والسرور ، فلمّا أصبحوا مضوا إلى الوالي ففعل محمد بن عيسى كلّما أمره الإمام عجل الله فرجه وظهر كلّ ما أخبره فالتفت الوالي إلى محمد بن عيسى وقال : من أخبرك بهذا؟ فقال : إمام زماننا وحجّة الله علينا. فقال : ومن إمامكم؟ فأخبره بالأئمّة عليهم‌السلام واحدا بعد واحد إلى أن انتهى إلى صاحب الأمر صلوات الله عليهم. فقال الوالي : مدّ يدك فأنا أشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا عبده ورسوله وأنّ الخليفة بعده بلا فصل أمير المؤمنين علي عليه‌السلام ، ثمّ أقرّ بالأئمّة إلى آخرهم عليهم‌السلام وحسن إيمانه وأمر بقتل الوزير واعتذر إلى أهل بحرين وأحسن إليهم وأكرمهم ، قال من قال : وهذه القصّة

٣٥٩

مشهورة عند أهل البحرين ، وقبر محمّد بن عيسى عندهم معروف يزوره الناس (١).

المعجزة الحادية عشرة : في البحار : عن أبي الحسن بن أبي البغل الكاتب قال : تقلّدت عملا من أبي منصور بن صالحان ، وجرى بيني وبينه ما أوجب استتاري فطلبني وأخافني فمكثت مستترا خائفا ، ثمّ قصدت مقابر قريش ليلة الجمعة واعتمدت المبيت هناك للدعاء والمسألة وكانت ليلة ريح ومطر فسألت أبا جعفر القيم أن يغلق الأبواب ، وأن يجتهد في خلوة الموضع لأخلو بما اريده من الدعاء والمسألة ، وآمن من دخول إنسان لم آمنه وخفت من لقائي له ، ففعل وقفل الأبواب وانتصف الليل وورد من الريح والمطر ما قطع الناس عن الموضع ، ومكثت أدعو وأزور واصلّي.

فبينا أنا كذلك إذ سمعت وطئا عند مولانا موسى عليه‌السلام وإذا برجل يزور فسلّم على آدم واولي العزم ثمّ الأئمّة عليهم‌السلام واحدا بعد واحد إلى أن انتهى إلى صاحب الزمان عجل الله فرجه فلم يذكره ، فعجبت من ذلك وقلت : لعلّه نسي أو لم يعرف أو هذا مذهب لهذا الرجل ، فلمّا فرغ من زيارته صلّى ركعتين وأقبل إلى عند مولانا أبي جعفر عليه‌السلام فزار مثل تلك الزيارة وذلك السلام وصلّى ركعتين وأنا خائف منه إذ لم أعرفه ، ورأيته شابّا تامّا من الرجال ، عليه ثياب بيض وعمامة محنك وذؤابة ، ورداء على كتفه مسبل فقال : يا أبا الحسن بن أبي البغل أين أنت عن دعاء الفرج؟ فقلت : وما هو يا سيّدي؟

فقال : تصلّي ركعتين وتقول : يا من أظهر الجميل وستر القبيح يا من لم يؤاخذ بالجريرة ولم يهتك الستر يا كريم الصفح يا عظيم المنّ يا حسن التجاوز يا واسع المغفرة يا باسط اليدين بالرحمة يا منتهى كلّ نجوى ويا غاية كلّ شكوى يا عون كل مستعين يا مبتدئا بالنعم قبل استحقاقها يا ربّاه ، عشر مرّات ، يا سيّداه ، عشر مرّات ، يا مولاه ، عشر مرّات ، يا غايتاه ، عشر مرّات ، يا منتهى غاية رغبتاه ، عشر مرّات ، أسألك بحقّ هذه الأسماء وبحقّ محمّد وآله الطاهرين إلّا ما كشفت كربي ونفّست همّي وفرّجت غمّي وأصلحت حالي ، وتدعو بعد ذلك ما شئت وتسأل حاجتك ثمّ تضع خدّك الأيمن على الأرض وتقول مائة مرّة في سجودك : يا محمّد يا علي يا علي يا محمّد اكفياني فإنّكما كافياي وانصراني فانّكما ناصراي ، وتضع خدّك الأيسر على الأرض وتقول مائة مرّة : أدركني ، وتكرّرها كثيرا وتقول :

__________________

(١) بطوله في بحار الأنوار : ٥٢ / ١٨٠ ـ ١٨١.

٣٦٠