إلزام النّاصب في إثبات الحجّة الغائب عجّل فرجه - ج ١

الشيخ علي اليزدي الحائري

إلزام النّاصب في إثبات الحجّة الغائب عجّل فرجه - ج ١

المؤلف:

الشيخ علي اليزدي الحائري


المحقق: السيد علي عاشور
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٤٠
الجزء ١ الجزء ٢

كفيتم ، وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج ، فإنّ ذلك فرجكم والسلام عليك يا إسحاق بن يعقوب وعلى من اتّبع الهدى (١).

وفيه : عن أبي عبد الله عليه‌السلام : أقرب ما يكون العبد إلى الله عزوجل وأرضى ما يكون عنه إذا افتقدوا حجّة الله فلم يظهر لهم ، وحجب عنهم فلم يعلموا بمكانه ، وهم في ذلك يعلمون أنّه لم تبطل حجج الله ولا بيّناته ، فعندها فليتوقّعوا الفرج صباحا ومساء. وإنّ أشدّ ما يكون الله غضبا على أعدائه إذا أفقدهم حجّته فلم يظهر لهم ، وقد علم أنّ أولياءه لا يرتابون ولو علم أنّهم يرتابون ما أفقدهم حجّته طرفة عين (٢).

وفيه : عن جابر الجعفي عن جابر الأنصاري أنّه سأل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : هل ينتفع الشيعة بالقائم عجل الله فرجه في غيبته؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : إي والذي بعثني بالنبوّة إنّهم لينتفعون به ، ويستضيئون بنور ولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن جلّلها السحاب (٣).

أقول : التشبيه بالشمس المجلّلة بالسحاب يومئ إلى امور كما يستفاد من كلمات العلّامة المجلسي رحمه‌الله (٤).

الأوّل : أن نور الوجود والعلم والهداية يصل إلى الخلق بتوسّطه عليه‌السلام ، إذ ثبت بالأخبار المستفيضة أنّهم العلل الغائية لإيجاد الخلق ، فلولاهم لم يصل نور الوجود إلى غيرهم ، وببركتهم والاستشفاع بهم والتوسل إليهم يظهر العلوم والمعارف على الخلق ، ويكشف البلايا عنهم ، فلولاهم لاستحق الخلق بقبائح أعمالهم أنواع العذاب ، كما قال الله تعالى : (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) (٥) ولقد جربنا مرارا لا نحصيها أنّه عند انفلاق الامور وإعضال المسائل والبعد عن جناب الحقّ تعالى وانسداد أبواب الفيض لمّا استشفعنا بهم وتوسّلنا بأنوارهم ، فبقدر ما يحصل الارتباط المعنوي بهم في ذلك الوقت تنكشف تلك الامور الصعبة ، وهذا معاين لمن أكحل الله عين قلبه بنور الإيمان.

الثاني : كما أنّ الشمس المحجوبة بالسحاب مع انتفاع الناس بها ، ينتظرون في كلّ آن انكشاف السحاب عنها وظهورها ليكون انتفاعهم بها أكثر ، فكذلك في أيّام غيبته ينتظر

__________________

(١) الاحتجاج : ٢٨٤ ، والبحار : ٥٣ / ١٨١ ح ١٠.

(٢) البحار : ٥٢ / ٩٤ ح ٩ ، وكمال الدين : ٣٣٩.

(٣) البحار : ٥٢ / ٩٢ ح ٨ ، والأنوار البهية : ٣٤١.

(٤) البحار : ٥٢ / ٩٣ ح ٨.

(٥) سورة الأنفال : ٣٣.

٣٨١

المخلصون من شيعته خروجه وظهوره في كلّ وقت وزمان ولا ييأسون منه.

الثالث : أنّ منكر وجوده مع وفور ظهور آثاره ، كمنكر وجود الشمس إذا غيّبها السحاب عن الأبصار.

الرابع : أنّ الشمس قد تكون غيبتها في السحاب أصلح للعباد من ظهورها لهم بغير حجاب ، فكذلك غيبته عجل الله فرجه أصلح لهم في تلك الأزمان ؛ فلذا غاب عنهم.

الخامس : أنّ الناظر إلى الشمس لا يمكنه النظر إليها بارزة عن السحاب ، وربّما عمي بالنظر إليها لضعف الباصرة عن الإحاطة بها ، فكذلك شمس ذاته المقدّسة ربّما يكون ظهوره أضرّ لبصائرهم ، ويكون سببا لعماهم عن الحقّ ، وتحتمل بصائرهم الإيمان به في غيبته كما ينظر الإنسان إلى الشمس من تحت السحاب ولا يتضرّر بذلك.

السادس : أنّ الشمس قد تخرج من السحاب وينظر إليها واحد دون واحد ، فكذلك يمكن أن يظهر عليه‌السلام في أيّام غيبته لبعض الخلق دون بعض.

السابع : أنّهم كالشمس في عموم النفع وإنّما لا ينتفع بهم من كان أعمى ، كما فسّر به في الأخبار قوله تعالى : (وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلاً) (١).

الثامن : أنّ الشمس كما أنّ شعاعها يدخل البيوت بقدر ما فيها من الروازن والشبابيك ، وبقدر ما يرتفع عنها من الموانع ، فكذلك الخلق إنّما ينتفعون بأنوار هدايتهم بقدر ما يرفعون الموانع عن حواسّهم ومشاعرهم التي هي روازن قلوبهم من الشهوات النفسانية والعلائق الجسمانية ، وبقدر ما يدفعون عن قلوبهم من الغواشي الكثيفة الهيولانية ، إلى أن ينتهي الأمر إلى حيث يكون بمنزلة من هو تحت السماء يحيط به شعاع الشمس من جميع جوانبه بغير حجاب. فقد فتحت لك من هذه الجنّة الروحانية ثمانية أبواب ، ولقد فتح الله عنّي بفضله ثمانية اخرى تضيق العبارة عن ذكرها ، عسى الله أن يفتح علينا وعليك في معرفتهم ألف باب ، يفتح من كلّ باب ألف باب (٢).

عن ابن عمير عمّن ذكره عن أبي عبد الله عليه‌السلام قلت له : ما بال أمير المؤمنين عليه‌السلام لم يقاتل

__________________

(١) الإسراء : ٧٢.

(٢) الوجوه الثمانية للعلّامة المجلسي في بحاره : ٥٢ / ٩٣ ، وقد ذكرت في كتابنا قصص أهل البيت ثمانية وجوه اخرى فمن أراد فليرجع إليها.

٣٨٢

مخالفيه في الأول؟ قال : لآية في كتاب الله عزوجل (لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً) (١) قال : قلت : وما يعني بتزيلهم؟ قال : ودائع مؤمنون في أصلاب قوم كافرين ، ومنافقين فلم يكن علي عليه‌السلام ليقتل الآباء حتى تخرج الودائع فلما خرج ظهر على من ظهر وقتله ، فكذلك القائم لن يظهر أبدا حتّى تخرج ودائع الله عزوجل ، فإذا خرجت ظهر على من ظهر من أعداء الله عزوجل جلاله فقتلهم (٢).

وفيه : سأل أبو خالد أبا جعفر عليه‌السلام أن يسمّي القائم حتّى أعرفه باسمه. فقال عليه‌السلام : يا أبا خالد سألتني عن أمر لو أنّ بني فاطمة عرفوه لحرصوا على أن يقطّعوه بضعة بضعة (٣).

وفيه : قال الشيخ رحمه‌الله : لا علّة تمنع من ظهوره إلّا خوفه على نفسه من القتل (٤) ، لأنّه لو كان غير ذلك لما ساغ له الاستتار ، وكان يتحمّل المشاق والأذى ، فإنّ منازل الأئمّة وكذلك الأنبياء إنّما تعظم لتحمّلهم المشاق العظيمة في ذات الله تعالى (٥).

فإن قيل : هلّا منع الله من قتله بما يحول بينه وبين من يريد قتله؟

قلنا : المنع الذي لا ينافي التكليف هو النهي عن خلافه والأمر بوجوب اتباعه ونصرته وإلزام الانقياد له ، وكلّ ذلك فعله تعالى ، وأمّا الحيلولة بينهم وبينه فإنّه ينافي التكليف وينقض الغرض ، لأنّ الغرض بالتكليف استحقاق الثواب ، والحيلولة ينافي ذلك ، وربما كان في الحيلولة والمنع من قتله بالقهر مفسدة للخلق فلا يحسن من الله فعلها ، وليس هذا كما قال بعض أصحابنا أنّه لا يمتنع أن يكون في ظهوره مفسدة وفي استتاره مصلحة ؛ لأنّ الذي قاله يفسد طريق وجوب الرسالة في كلّ حال ، ويطرق القول بأنّها تجري مجرى الألطاف التي تتغيّر بالأزمان والأوقات والقهر والحيلولة ، ليس كذلك ولا يمتنع أن يقال في ذلك مفسدة ولا يؤدّي إلى فساد وجوب الرئاسة.

فإن قيل : أليس آباؤه كانوا ظاهرين ولم يخافوا ولا صاروا بحيث لا يصل إليهم أحد؟

__________________

(١) سورة الفتح : ٢٥.

(٢) تفسير القمّي : ٢ / ٢٩٢ ط. الأعلمي ، وعلل الشرائع : ١ / ١٤٧ ح ٣ ، باب ١٢٢ بتفاوت فيهما.

(٣) البحار : ٥٢ / ٩٨ ح ٢١ ، وغيبة النعماني : ٢٨٩.

(٤) أقول : مراده قدس‌سره من الخوف على النفس الخوف من انقطاع الحجّة على الناس بقتله ، وهذا غير الخوف على النفس المنافي للقاء الله وحبّ الشهادة في سبيله.

(٥) غيبة الشيخ : ٣٢٩ ، البحار : ٥٢ / ٩٨ ح ٢٢.

٣٨٣

قلنا : آباؤه عليهم‌السلام حالهم بخلاف حاله لأنّه كان المعلوم من حال آبائه لسلاطين الوقت وغيرهم لا يرون الخروج عليهم ، ولا يعتقدون أنّهم يقومون بالسيف ويزيلون الأول ، بل كان المعلوم من حالهم أنّهم ينتظرون مهديا وليس يضرّ السلطان اعتقاد من يعتقد إمامتهم إذا أمنوهم على مملكتهم ، وليس كذلك صاحب الزمان ؛ لأنّ المعلوم منه أن يقوم بالسيف ويزيل الممالك ويقهر كلّ سلطان ويبسط العدل ويميت الجور ، فمن هذه صفته يخاف جانبه وتتقى فورته فيتبع ويوصل ويوضع العيون عليه ، ويعنى به خوفا من وثبته ورهبة من تمكنه ، فيخاف حينئذ ويخرج إلى التحرّز والاستظهار بأن يخفي شخصه عن كلّ من لا يأمنه من وليّ وعدوّ إلى وقت خروجه.

وأيضا فآباؤه إنّما ظهروا لأنّه كان المعلوم أنّه لو حدث بهم حادث لكان هناك من يقوم مقامه ويسدّ مسدّه من أولادهم وليس كذلك صاحب الزمان عجل الله فرجه لأنّ المعلوم أنّه ليس بعده من يقوم مقامه قبل حضور وقت قيامه بالسيف ، فلذلك وجب استتاره وغيبته ، وفارق حاله حال آبائه ، وهذا واضح بحمد الله.

فإن قيل : بأيّ شيء يعلم زوال الخوف وقت ظهوره ، بالوحي من الله فالإمام لا يوحى إليه ، أو بعلم ضروري فذلك ينافي التكليف ، أو بأمارة توجب غلبة الظنّ ففي ذلك تقرير بالنفس.

قلنا : عن ذلك جوابان :

أحدهما : أنّ الله أعلمه على لسان نبيّه وأوقفه عليه من جهة آبائه زمان غيبته المخوفة وزمان زوال الخوف عنه ، فهو يتبع في ذلك ما شرع له واوقف عليه ، وإنّما أخفى ذلك عنّا لما فيه من المصلحة ، فأمّا هو فعالم به لا يرجع إلى الظنّ.

والثاني : أنّه لا يمتنع أن يغلب على ظنّه بقوّة الامارات بحسب العادة قوّة سلطانه ، فيظهر عند ذلك ويكون قد اعلم أنّه متى غلب في ظنّه كذلك وجب عليه ، ويكون الظنّ شرطا والعمل عنده معلوما ، كما تقوله في تنفيذ الحكم عند شهادة الشهود ، والعمل على جهات القبلة بحسب الامارات والظنون ، وإن كان وجوب التنفيذ للحكم والتوجّه إلى القبلة معلومين وهذا واضح بحمد الله (١).

__________________

(١) غيبة الطوسي : ٣٣١.

٣٨٤

وأمّا ما روي من الأخبار من امتحان الشيعة في حال الغيبة ، وصعوبة الأمر عليهم واختيارهم للصبر عليه ، فالوجه فيها الإخبار عمّا يتّفق من ذلك من الصعوبة والمشاق ، لا أن الله تعالى غيّب الإمام ليكون ذلك ، وكيف يريد الله وما ينال المؤمنين من جهة الظالمين ظلم منهم لهم ومعصية والله لا يريد ذلك ، بل سبب الغيبة هو الخوف على ما قلناه ، وأخبروا بما يتّفق في هذه الحال ، وما للمؤمن من الثواب على الصبر على ذلك والتمسّك إلى أن يفرّج الله عنهم (١).

فاكهة : اعلم أنّ بعض المخالفين يشنعوننا بأنّه إذا لم يمكن التوسّل إلى إمام زمانكم ، ولا أخذ المسائل الدينية عنه فأيّ ثمرة تترتّب على مجرّد معرفته حتّى يكون من مات وليس عارفا به فقد مات ميتة الجاهلية؟ والإمامية يقولون : ليست الثمرة منحصرة في مشاهدته وأخذ المسائل عنه ، بل نفس التصديق بوجوده وأنّه خليفة الله في الأرض أمر مطلوب لذاته ، وركن من أركان الايمان كتصديق من كان في عصر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بوجوده ونبوّته.

وقد روي عن جابر بن عبد الله أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ذكر المهدي فقال : ذلك الذي يفتح الله عزوجل على يديه مشارق الأرض ومغاربها ، يغيب عن أوليائه غيبة لا يثبت فيها إلّا من امتحن الله قلبه للايمان ، فقلت : يا رسول الله هل لشيعته انتفاع به في غيبته؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : إي والذي بعثني بالحقّ إنّهم يستضيئون بنوره وينتفعون بولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن علاها السحاب(٢).

ثمّ قالت الإمامية : إنّ تشنيعكم علينا مقلوب عليكم ؛ لأنّكم تذهبون إلى أنّ المراد بإمام الزمان في هذا الحديث صاحب الشوكة من ملوك الدنيا كائنا من كان ، عالما أو جاهلا عدلا أو فاسقا ، وأيّ ثمرة على معرفة الجاهل الفاسق ليكون من مات ولم يعرفه فقد مات ميتة جاهلية؟

فاكهة اخرى : حكى السيّد صاحب المقام رضيّ الدين علي بن طاوس أنّه اجتمع يوما في بغداد مع بعض فضلائه فانجرّ الكلام بينهما إلى ذكر الإمام محمّد بن الحسن المهدي ، عجل الله فرجه وما تدّعيه الإمامية من حياته في هذه المدّة الطويلة ، فشنع ذلك الفاضل على من يصدق بوجوده ويعتقد طول عمره إلى ذلك الزمان إنكارا بليغا. قال

__________________

(١) غيبة الطوسي : ٣٣٥.

(٢) أمالي الصدوق : ١١١ المجلس ٢٣ ح ٩.

٣٨٥

السيّد رحمه‌الله : فقلت له : إنّك تعلم أنّه لو حضر اليوم رجل وادّعى أنه يمشي على الماء لاجتمع لمشاهدته كلّ أهل البلد ، فإذا مشى على الماء وعاينوه وقضوا تعجّبهم منه ، ثمّ جاء في اليوم الثاني آخر وقال : أنا أمشي على الماء أيضا فشاهدوا مشيه عليه ، لكان تعجّبه أقل من الأوّل.

فإذا جاء في اليوم الثالث آخر وادّعى أنّه يمشي على الماء أيضا ، فربّما لا يجتمع للنظر إليه إلّا القليل ممّن شاهد الأولين ، فإذا مشى سقط التعجّب بالكلية فإذا جاء رابع وقال : أنا أيضا أمشي على الماء كما مشوا ، فاجتمع عليه جماعة ممّن شاهدوا الثلاثة الأول ، ثمّ أخذوا يتعجّبون منه تعجّبا زائدا على تعجّبهم الأوّل والثاني والثالث لتعجّب العقلاء من نقص عقولهم وخاطبوهم بما يكرهون ، وهذا بعينه حال المهدي عجل الله فرجه فإنّكم رويتم أنّ إدريس حيّ موجود في السماء من زمانه إلى الآن ورويتم أنّ الخضر حي موجود من زمان موسى عليه‌السلام أو قبله إلى الآن ، ورويتم أن عيسى عليه‌السلام حيّ موجود في السماء وأنّه سيعود إلى الأرض إذا ظهر المهدي عجل الله فرجه ويقتدي به ، فهذه ثلاثة نفر من البشر قد طالت أعمارهم زيادة على المهدي عجل الله فرجه ، فكيف لا تتعجّبون منهم وتتعجبون من أن يكون لرجل من ذرية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله اسوة بواحد منهم ، وتنكرون أن يكون من جملة آياته صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يعمر واحد من عترته وذريّته زيادة على المتعارف من الأعمار في هذا الزمان (١)؟

__________________

(١) كشف المحجّة : ٥٥ ط. النجف ، وكتاب الأربعين للشيخ الماحوزي : ٢٢٠ ط. الأولى ١٤١٧ ه‍.

٣٨٦

الفرع التاسع

في توقيعاته الشريفة التي صدرت من

الناحية المقدّسة

الأول : في الاحتجاج عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن إسحاق بن سعد الأشعري رحمه‌الله : أنّه جاء بعض أصحابنا يعلمه أنّ جعفر بن علي كتب إليه كتابا يعرّفه كتابا نفسه ، ويعلمه أنّه القيّم بعد أخيه وأنّ عنده من علم الحلال والحرام ما يحتاج إليه وغير ذلك من العلوم كلّها. قال أحمد ابن إسحاق : فلمّا قرأت الكتاب كتبت إلى صاحب الزمان وصيّرت كتاب جعفر في درجه فخرج إلي الجواب في ذلك : «بسم الله الرّحمن الرحيم آتاني كتابك أبقاك الله والكتاب الذي أنفذت في درجه» وأحاطت معرفتي بجميع ما تضمّنه على اختلاف ألفاظه وتكرّر الخطأ فيه ، ولو تدبّرته لوقفت على بعض ما وقفت عليه منه ، والحمد لله ربّ العالمين حمدا لا شريك له على إحسانه إلينا وفضله علينا ، أبي الله عزوجل للحقّ إلّا إتماما وللباطل إلّا زهوقا ، وهو شاهد عليّ ممّا أذكره ، ولي عليكم بما أقوله إذا اجتمعنا لليوم الذي لا ريب فيه ويسألنا عمّا نحن فيه مختلفون ، وإنّه لم يجعل لصاحب الكتاب على المكتوب إليه ولا عليك ولا على أحد من الخلق جميعا إمامة مفترضة ولا طاعة ولا ذمّة ، وسأبيّن لكم جملة تكتفون بها إن شاء الله :

يا هذا يرحمك الله إنّ الله تعالى لم يخلق الخلق عبثا ولا أهملهم سدى ، بل خلقهم بقدرته وجعل لهم أسماعا وأبصارا وقلوبا وألبابا ، ثمّ بعث إليهم النبيّين مبشّرين ومنذرين يأمرونهم بطاعته ، وينهونهم عن معصيته ، ويعرّفونهم ما جهلوه من أمر خالقهم ودينهم ، وأنزل عليهم كتابا وبعث إليهم ملائكة ، وباين بينهم وبين من بعثهم إليهم بالفضل الذي جعل لهم عليهم ، وما آتاهم الله من الدلائل الظاهرة والبراهين الباهرة والآيات الغالبة ، فمنهم من جعل النار عليه بردا وسلاما واتخذه خليلا ، ومنهم من كلّمه تكليما وجعل عصاه ثعبانا مبينا ، ومنهم من أحيى الموتى بإذن الله وأبرأ الاكمه والأبرص بإذن الله ، ومنهم من علّمه

٣٨٧

منطق الطير واوتي من كلّ شيء ، ثمّ بعث محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله رحمة للعالمين وتمّم نعمته وختم به أنبياءه ، وأرسله إلى الناس كافّة ، وأظهر من صدقه ما أظهر ، وبيّن من آياته وعلاماته ما بيّن ، ثمّ قبضه صلى‌الله‌عليه‌وآله حميدا فقيدا سعيدا ، وجعل الأمر من بعده إلى أخيه وابن عمّه ووصيّه ووارثه علي بن أبي طالب عليه‌السلام.

ثمّ إلى الأوصياء من ولده واحدا بعد واحد ، أحيى بهم دينه ، وأتمّ بهم نوره ، وجعل بينهم وبين إخوانهم وبني عمّهم والأدنين فالأدنين من ذوي أرحامهم فرقا بيّنا تعرف به الحجّة من المحجوج والإمام من المأموم ، بأن عصمهم من الذنوب وبرأهم من العيوب ، وطهّرهم من الدنس ونزّههم من اللبس وجعلهم خزّان علمه ومستودع حكمته وموضع سرّه وأيّدهم بالدلائل ، ولو لا ذلك لكان الناس على سواء ، ولادّعى أمر الله عزوجل كلّ أحد ، ولما عرف الحقّ من الباطل ولا العلم من الجهل ، وقد ادّعى هذا المبطل المدّعي على الله الكذب بما ادّعاه ، فلا أدري بأي حالة هي له رجا أن يتمّ دعواه في دين الله ، فو الله ما يعرف حلالا من حرام ولا يفرّق بين خطأ وصواب ، فما يعلم حقّا من باطل ولا محكما من متشابه ، ولا يعرف حدّ الصلاة ولا وقتها ، أم بورع فالله شهيد على تركه الصلاة الفريضة أربعين يوما يزعم ذلك لطلب الشعوذة (١) ولعلّ خبره تأدى إليكم ، وهاتيك طروق منكرة منصوبة وآثار عصيانه لله عزوجل مشهودة قائمة ، أم بآية فليأت بها أم بحجّة فليعمّها أم بدلالة فليذكرها قال الله عزوجل في كتابه (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، حم تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ، ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ ، قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ، وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ وَإِذا حُشِرَ النَّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً وَكانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ) (٢).

فالتمس تولّى الله توفيقك من هذا الظالم ما ذكرت لك وامتحنه ، واسأله عن آية من كتاب الله يفسّرها أو صلاة يبيّن حدودها وما يجب فيها لتعلم حاله ومقداره ، ويظهر لك عواره ونقصانه والله حسيبه ، حفظ الله الحقّ على أهله وأقرّه في مستقرّه ، وقد أبى الله عزوجل أن

__________________

(١) الشعبذة.

(٢) سورة الأحقاف : الآيات ١ ـ ٦.

٣٨٨

تكون الإمامة في أخوين إلّا في الحسن والحسين عليها‌السلام ، وإذا أذن الله لنا في القول ظهر الحقّ واضمحل الباطل وانحسر عنكم ، وإلى الله أرغب في الكفاية وجميل الصنع والولاية وحسبنا الله ونعم الوكيل وصلّى الله على محمّد وآل محمّد (١).

الثاني : من التوقيعات وفيه : عن علي بن أحمد الدلّال القمّي قال : اختلف جماعة من الشيعة في أنّ الله عزوجل فوّض إلى الأئمّة صلوات الله عليهم أن يخلقوا ويرزقوا ، فقال قوم : هذا محال لا يجوز على الله تعالى ؛ لأنّ الأجسام لا يقدر على خلقها غير الله عزوجل. وقال آخرون : بل الله عزوجل أقدر الأئمّة على ذلك ، وفوّض إليهم فخلقوا ورزقوا ، وتنازعوا في ذلك تنازعا شديدا. قال قائل : ما بالكم لا ترجعون إلى أبي جعفر محمد بن عثمان فتسألونه عن ذلك ليوضّح لكم الحقّ فيه ، فإنّه الطريق إلى صاحب الأمر عجل الله فرجه ، فرضيت الجماعة بأبي جعفر وسلّمت وأجابت إلى قوله فكتبوا المسألة وأنفذوها ، فخرج إليهم من جهته توقيع نسخته : إنّ الله تعالى هو الذي خلق الأجسام وقسّم الأرزاق لأنّه ليس بجسم ولا حالّ في جسم ، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ، وأمّا الأئمّة فإنّهم يسألون الله تعالى فيخلق ويسألونه فيرزق إيجابا لمسألتهم وإعظاما لحقّهم (٢).

الثالث : من التوقيعات وفيه : عن أبي عمرو العمري ، قال : تشاجر ابن أبي غانم القزويني وجماعة من الشيعة في الخلف وذكر ابن أبي غانم أنّ أبا محمد مضى ولا خلف له ، ثمّ إنّهم كتبوا في ذلك كتابا وأنفذوه إلى الناحية وأعلموه بما تشاجروا فيه ، فورد جواب كتابهم بخطّه عليه‌السلام وعلى آله وآبائه : بسم الله الرّحمن الرحيم عافانا الله وإيّاكم من الفتن ، ووهب لنا ولكم روح اليقين ، وأجارنا وإيّاكم من سوء المنقلب ، إنّه أنهي إليّ ارتياب جماعة منكم في الدين وما دخلهم من الشكّ والحيرة في ولاة أمرهم فغمّنا ذلك لكم لا لنا ، وساءنا فيكم لا فينا ؛ لأنّ الله معنا فلا فاقة بنا إلى غيره ، والحقّ معنا فلن يوحشنا من قعد ، ونحن صنائع ربّنا والخلق بعد صنائعنا ، يا هؤلاء ما لكم في الريب تتردّدون ، وفي الحيرة تنعكسون؟

أو ما سمعتم الله عزوجل يقول : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي

__________________

(١) الاحتجاج : ٤٦٨ احتجاج الحجّة القائم عليه‌السلام.

(٢) الاحتجاج : ٤٧١ احتجاج الحجّة القائم عليه‌السلام.

٣٨٩

الْأَمْرِ مِنْكُمْ)؟ (١) أو ما علمتم ما جاءت به الآثار ممّا يكون يحدث في أئمّتكم على الماضين والباقين منهم السلام؟ أو ما رأيتم كيف جعل الله لكم معاقل تأوون إليها وأعلاما تهتدون بها من لدن آدم عليه‌السلام إلى أن ظهر الماضي ، كلّما غاب علم بدا علم ، وإذا أفل نجم طلع نجم ، فلمّا قبضه الله إليه ظننتم أن الله أبطل دينه وقطع بينه وبين خلقه؟ كلّا ما كان ذلك وما يكون حتّى تقوم الساعة ويظهر أمر الله وهم كارهون ، وإنّ الماضي مضى عليه‌السلام سعيدا فقيدا على منهاج آبائه عليهم‌السلام حذو النعل بالنعل ، وفينا وصيّه وعلمه ومنه خلفه ومن يسدّ مسدّه ، ولا ينازعنا موضعه إلّا ظالم آثم ولا يدّعيه دوننا إلّا كافر جاحد ، ولو لا أنّ أمر الله لا يغلب ، وسرّه لا يظهر ولا يعلن لظهر لكم من حقّنا ما تبتز منه عقولكم ويزيد شكوككم ، ما شاء الله كان ، ولكل أجل كتاب فاتّقوا الله وسلّموا لنا وردوا الأمر إلينا ، فعلينا الإصدار كما كان منّا الإيراد ، ولا تحاولوا كشف ما غطي عنكم ، ولا تميلوا عن اليمين وتعدلوا إلى اليسار ، واجعلوا قصدكم إلينا بالمودّة على السنّة الواضحة فقد نصحت ، والله شاهد عليّ وعليكم.

ولو لا ما عندنا من محبّة صاحبكم ورحمتكم والإشفاق عليكم لكنّا عن مخاطبتكم في شغل ممّا قد امتحنّا به من منازعة الظالم العتلّ الضالّ المتتابع في غيّه ، المضاد لربّه ، المدّعي ما ليس له ، الجاحد حقّ من افترض الله طاعته ، الظالم الغاصب ، وفي ابنة رسول الله صلّى الله عليه وعليها لي اسوة حسنة وسيردى الجاهل رداء عمله وسيعلم الكافر لمن عقبى الدار ، عصمنا الله وإيّاكم من المهالك والأسواء والآفات والعاهات كلّها برحمته ، فإنّه ولي ذلك والقادر على ما يشاء ، وكان لنا ولكم وليّا حافظا ، والسلام على جميع الأوصياء والأولياء والمؤمنين ورحمة الله وبركاته ، وصلّى الله على محمّد النبي وآله وسلّم تسليما (٢).

الرابعة : من التوقيعات فيه : عن الكافي عن إسحاق بن يعقوب قال : سألت محمد بن عثمان العمري رحمه‌الله أن يوصل لي كتابا قد سألت فيه عن مسائل أشكلت عليّ فورد التوقيع بخطّ مولانا صاحب الزمان عجل الله فرجه : أمّا ما سألت عنه ـ أرشدك الله وثبّتك ووقاك من أمر المنكرين لي من أهل بيتنا وبني عمّنا ـ فاعلم أنّه ليس بين الله وبين أحد قرابة ، ومن أنكرني فليس منّي وسبيله سبيل ابن نوح ، أمّا سبيل عمّي جعفر وولده فسبيل إخوة

__________________

(١) النساء : ٥٩.

(٢) الاحتجاج : ٤٦٦ احتجاج القائم عليه‌السلام.

٣٩٠

يوسف ، وأمّا الفقاع فشربه حرام ولا بأس بالشلماب (١) ، وأمّا أموالكم فلا نقبلها إلّا لتطهروا ، فمن شاء فليصل ومن شاء فليقطع ، وما آتانا الله خير ممّا آتاكم.

وأمّا ظهور الفرج فإنّه إلى الله ، وكذب الوقّاتون ، وأمّا قول من زعم أنّ الحسين لم يقتل فكفر وتكذيب وضلال. وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنّهم حجّتي عليكم وأنا حجّة الله ، وأمّا محمد بن عثمان العمري فرضي‌الله‌عنه وعن أبيه من قبل فإنّه ثقتي وكتابه كتابي ، وأمّا محمّد بن علي بن مهزيار الأهوازي فسيصلح الله قلبه ويزيل عنه شكّه ، وأمّا ما وصلتنا به فلا قبول عندنا إلّا لما طاب وطهر ، وثمن المغنية حرام ، وأمّا محمد ابن شاذان بن نعيم فإنّه رجل من شيعتنا أهل البيت ، وأمّا أبو الخطّاب محمد بن أبي زينب الأجذع ، فإنّه ملعون وأصحابه ملعونون ، فلا تجالس أهل مقالتهم فإنّي منهم بريء وآبائي منهم برآء ، وأمّا المتلبّسون بأموالنا فمن استحلّ منها شيئا فأكله فإنّما يأكل النيران ، وأمّا الخمس فقد ابيح لشيعتنا وجعلوا منه في حلّ إلى وقت ظهور أمرنا لتطيب ولادتهم ولا تخبث.

وأمّا ندامة قوم شكّوا في دين الله على ما وصلونا به فقد أقلنا من استقال ولا حاجة لنا إلى صلة الشاكّين ، وأمّا علّة ما وقع من الغيبة فإنّ الله عزوجل يقول : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ) (٢) ، إنّه لم يكن أحد من آبائي إلّا وقد وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه ، وإنّي أخرج حين أخرج ولا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي ، وأمّا وجه الانتفاع بي في غيبتي فكالانتفاع بالشمس إذا غيّبها عن الأبصار السحاب ، وإنّي لأمان لأهل الأرض كما أنّ النجوم أمان لأهل السماء ، فأغلقوا أبواب السؤال عمّا لا يعنيكم ، ولا تتكلّفوا علم ما قد كفيتم ، وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج فإنّ ذلك فرجكم والسلام عليك يا إسحاق بن يعقوب وعلى من اتّبع الهدى (٣).

الخامسة : من التوقيعات فيه : عن محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني قال : كنت عند

__________________

(١) شراب يتخذ من الشيلم وهو الزوان الذي يكون في البرّ يشبه الشعير ، فيه تخدير نظير البنج.

(٢) سورة المائدة : ١٠١.

(٣) لم أجده في الكافي وهو في البحار : ٥٣ / ١٨٠ ح ١٠ عن الكليني ، وفي الاحتجاج : ٤٦٩ احتجاج القائم عليه‌السلام.

٣٩١

الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح رحمه‌الله مع جماعة منهم علي بن عيسى القصري فقام إليه رجل فقال له : إنّي اريد أن أسألك عن شيء ، فقال له : سل عمّا بدا لك ، فقال الرجل : أخبرني عن الحسين بن علي عليه‌السلام أهو ولي الله؟ قال : نعم.

قال : أخبرني عن قاتله لعنه الله أهو عدوّ لله؟ قال : نعم. قال له الرجل : فهل يجوز أن يسلّط الله عزوجل عدوّه على وليّه؟ فقال له أبو القاسم قدّس الله روحه : افهم ما أقول لك : اعلم أنّ الله تعالى لا يخاطب الناس بمشاهدة العيان ولا يشافههم بالكلام ولكنّه جلّت عظمته يبعث إليهم من أجناسهم وأصنافهم بشرا مثلهم ، ولو بعث إليهم رسلا من غير صنفهم وصورهم لنفروا عنهم ولم يقبلوا منهم ، فلمّا جاءوهم ، وكانوا من جنسهم يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق قالوا لهم : أنتم مثلنا لا نقبل منكم حتّى تأتونا بشيء نعجز عن أن نأتي بمثله فنعلم أنّكم مخصوصون دوننا بما لا نقدر عليه ، فجعل الله عزوجل لهم المعجزات التي يعجز الخلق عنها ؛ فمنهم من جاء بالطوفان بعد الإعذار والإنذار فغرق جميع من طغى وتمرّد ، ومنهم من القي في النار فكانت عليه بردا وسلاما ، ومنهم من أخرج من الحجر الصلد ناقة وأجرى من ضرعها لبنا ، ومنهم من فلق له البحر وفجّر له من العيون وجعل له العصا اليابسة ثعبانا تلقف ما يأفكون ، ومنهم من أبرأ الأكمه والأبرص وأحيى الموتى بإذن الله ، وأنبأهم بما يأكلون وما يدّخرون في بيوتهم ، ومنهم من انشق له القمر وكلّمته البهائم مثل البعير والذئب وغير ذلك.

فلمّا أتوا بمثل ذلك وعجز الخلق من اممهم عن أن يأتوا بمثله كان من تقدير الله جل جلاله ولطفه بعباده وحكمته أن جعل أنبياءه مع هذه المعجزات في حال غالبين واخرى مغلوبين ، وفي حال قاهرين واخرى مقهورين ، ولو جعلهم الله عزوجل في جميع أحوالهم غالبين وقاهرين ولم يبتلهم ولم يمتحنهم لاتخذهم الناس آلهة من دون الله عزوجل ، ولما عرف فضل صبرهم على البلاء والمحن والاختبار ، ولكنّه جعل أحوالهم في ذلك كأحوال غيرهم ليكونوا في حال المحنة والبلوى صابرين ، وفي حال العافية والظهور على الأعداء شاكرين ، ويكونوا في جميع أحوالهم متواضعين غير شامخين ولا متجبّرين ، وليعلم العباد أنّ لهم إلها هو خالقهم ومدبّرهم فيعبدونه ويطيعون رسله ، وتكون حجّة الله ثابتة على من تجاوز الحدّ فيهم وادّعى لهم الربوبية أو عاند وخالف وعصى وجحد بما أتت به الأنبياء

٣٩٢

والرسل عليهم‌السلام ليهلك من هلك عن بيّنة ويحيي من حيّ عن بيّنة.

قال محمد بن إبراهيم بن إسحاق رحمه‌الله : فعدت إلى الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح رحمه‌الله في الغد وأنا أقول في نفسي أتراه ذكر لنا ما ذكر يوم أمس من عند نفسه ، فابتدأني وقال : يا محمد بن إبراهيم لئن أخرّ من السماء فتخطفني الطير أو تهوي بي الريح في مكان سحيق أحبّ إليّ من أن أقول في دين الله برأيي ومن عند نفسي ، بل ذلك عن الأصل ومسموع عن الحجّة صلوات الله وسلامه عليه (١).

السادس : من التوقيعات في الاحتجاج ممّا خرج من صاحب الزمان عجل الله فرجه ردّا على الغلات من التوقيع جوابا لكتاب كتب إليه على يدي محمد بن علي بن هلال الكرخي : يا محمد بن علي تعالى الله عزوجل عمّا يصفون ، سبحانه وبحمده ليس نحن شركاءه في علمه ولا في قدرته ، بل لا يعلم الغيب غيره كما قال في محكم كتابه تباركت أسماؤه (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللهُ) (٢) وأنا وجميع آبائي من الأوّلين آدم ونوح وإبراهيم وموسى وغيرهم من النبيّين ، ومن الآخرين محمّد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلي بن أبي طالب والحسنين عليهم‌السلام وغيرهم ممّن مضى من الأئمّة صلوات الله عليهم أجمعين إلى مبلغ أيّامي ومنتهى عصري ، عبيد لله عزوجل ، يقول الله عزوجل : (مَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى) (٣).

يا محمد بن علي قد أذانا جهلاء الشيعة وحمقاؤهم ، ومن دينه جناح البعوضة أرجح منه فاشهد الله الذي لا إله إلّا هو وكفى به شهيدا ورسوله محمّدا وملائكته وأنبياءه ورسله وأولياءه عليهم‌السلام ، واشهدك واشهد كلّ من سمع كتابي هذا أنّي بريء إلى الله وإلى رسوله ممّن يقول إنّا نعلم الغيب أو نشاركه في ملكه ، أو يحلّنا محلّا سوى المحلّ الذي رضيه الله لنا وخلقنا له ، أو يتعدّى بنا عمّا قد فسّرته لك وبيّنته في صدر كتابي ، واشهدكم أنّ كلّ من نبرأ منه فإنّ الله يبرأ منه وملائكته ورسله وأولياؤه ، وجعلت هذا التوقيع الذي في هذا الكتاب

__________________

(١) غير موجود في الكافي ، وهو في البحار : ٤٤ / ٢٧٣ ح ١ عن الكافي ، والاحتجاج : ٤٧١ احتجاج القائم عليه‌السلام وعلل الشرائع : ١ / ٢٤٣ ح ١ علة جعل الأنبياء أئمّة باب ١٧٨. وكمال الدين : ٥٠٩.

(٢) سورة النمل : ٦٥.

(٣) سورة طه : ١٢٤ ـ ١٢٦.

٣٩٣

أمانة في عنقك وعنق من سمعه أن لا يكتمه عن أحد من مواليّ وشيعتي ، حتّى يظهر على هذا التوقيع الكلّ من الموالي ، لعلّ الله عزوجل يتلافاهم فيرجعون إلى دين الله الحقّ ، وينتهون عمّا لا يعلمون منتهى أمره ولا يبلغ منتهاه ، فكل من فهم كتابي ولا يرجع إلى ما قد أمرته به ونهيته عنه فقد حلّت عليه اللعنة من الله وممّن ذكرت من عباده الصالحين (١).

السابعة : من التوقيعات فيه : خرج التوقيع إلى الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان قدّس الله سرّه في التعزية بأبيه رحمه‌الله في فصل من الكتاب : إنّا لله وإنّا إليه راجعون تسليما لأمره ورضا بقضائه ، عاش أبوك سعيدا ومات حميدا فرحمه‌الله وألحقه بأوليائه ومواليه عليهم‌السلام ، فلم يزل مجتهدا في أمرهم ساعيا فيما يقرّبه إلى الله عزوجل ، نضّر الله وجهه وأقاله عثرته.

وفي فصل آخر : أجزل الله لك الثواب وأحسن لك العزاء ، رزيت ورزينا وأوحشك فراقه وأوحشنا ، فسرّه الله في منقلبه ، وكان من كمال سعادته أن رزقه الله ولدا مثلك تخلفه من بعده وتقوم مقامه بأمره وتترحّم عليه ، وأقول : الحمد لله فإنّ الأنفس طيّبة بمكانك وما جعله الله عزوجل فيك وعندك ، أعانك الله وقوّاك وعضدك ووفّقك ، وكان لك وليّا وحافظا وراعيا وكافيا (٢).

الثامنة : من التوقيعات فيه : إنّ أبا محمد الحسن السريعي كان من أصحاب أبي الحسن علي بن محمّد عليه‌السلام ثمّ الحسن بن علي عليه‌السلام ، وهو أوّل من ادّعى مقاما لم يجعله الله فيه من قبل صاحب الزمان عجل الله فرجه ، وكذب على الله وحججه ونسب إليهم ما لا يليق بهم وما هم منه برآء ، ثمّ ظهر منه القول بالكفر والإلحاد ، وكذلك كان محمد بن نصير النميري من أصحاب أبي محمّد عليه‌السلام ، فلمّا توفي ادّعى البابية لصاحب الزمان ففضحه الله تعالى بما ظهر منه من الإلحاد والغلوّ والقول بالتناسخ ، وكان يدّعي أنّه رسول نبي أرسله علي بن محمد ويقول فيه بالربوبية ويقول بالإجابة (٣) للخادم ، وكان أيضا من جملة الغلاة حمد بن هلال الكرخي وقد كان من قبل في عداد أصحاب أبي محمّد عليه‌السلام ، ثمّ تغيّر عمّا كان عليه وأنكر بابية أبي جعفر محمد بن عثمان ، فخرج التوقيع بلعنه من قبل صاحب الأمر والزمان

__________________

(١) الاحتجاج : ٤٧٣ احتجاج القائم عليه‌السلام.

(٢) الاحتجاج : ٤٨١ ذكر طرف ممّا خرج أيضا عن صاحب الزمان عليه‌السلام.

(٣) بالإباحة للمحارم.

٣٩٤

وبالبراءة منه في جملة من لعن وتبرأ منه ، وكذا كان أبو طاهر محمد بن علي بن بلال والحسين بن منصور الحلاج ومحمد بن علي الشلمغاني المعروف بابن أبي العزاقري لعنهم الله ، فخرج التوقيع بلعنهم والبراءة منهم جميعا على يد الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح ونسخته :

عرّف ـ أطال الله بقاك وعرفك الله الخير كلّه وختم به عملك ـ من تثق بدينه وتسكن إلى نيّته من إخواننا أدام الله سعادتهم بأنّ محمد بن علي المعروف بالشلمغاني ، عجّل الله له النقمة ولا أمهله ، قد ارتدّ عن الإسلام وفارقه وألحد في دين الله وادّعى ما كفر معه بالخالق جلّ وتعالى ، وافترى كذبا وزورا وقال بهتانا وإثما عظيما ، كذب العادلون بالله وضلّوا ضلالا بعيدا وخسروا خسرانا مبينا ، وإنّا برئنا إلى الله وإلى رسوله ـ صلوات الله وسلامه ورحمته وبركاته عليه ـ منه ولعنّاه ، عليه لعائن الله تترى في الظاهر منّا والباطن ، في السرّ والجهر وفي كلّ وقت وعلى كلّ حال ، وعلى كل من شايعه وتابعه وبلغه هذا القول منّا فأقام على تولّيه بعده ، وأعلمه تولاكم الله أننا في التوقي والمحاذرة منه على مثل ما كنّا عليه ممّن تقدّمه من نظرائه من السريعي (١) والنميري والهلالي والبلالي وغيرهم ، وعادة الله جل ثناؤه مع ذلك قبله وبعده عندنا جميلة وبه نثق وإيّاه نستعين ، وهو حسبنا في كلّ امورنا ونعم الوكيل (٢).

التاسعة : من التوقيعات فيه : في ذكر طرف ممّا خرج أيضا عن صاحب الزمان عجل الله فرجه من المسائل الفقهية وغيرها في التوقيعات على أيدي الأبواب الأربعة وغيرهم رحمهم‌الله :عن الزهري قال : طلبت هذا الأمر طلبا شافيا حتّى ذهب لي فيه مال صالح ، فرفعت إلى العمري وخدمته ولزمته ، فسألته بعد ذلك عن صاحب الزمان عجل الله فرجه فقال : ليس إلى ذلك وصول ، فخضعت له فقال لي : بكّر بالغداة ، فوافيته فاستقبلني ومعه شاب من أحسن الناس وجها وأطيبهم ريحا ، وفي كمّه شيء كهيئة التجّار ، فلمّا نظرت إليه دنوت إلى العمري فأومى إلي ، فعدلت إليه وسألته فأجابني عن كلّ ما أردت ، ثمّ مرّ ليدخل الدار وكانت الدار التي لا يكترث بها فقال العمري : إن أردت أن تسأل فاسأل فإنّك لا تراه بعد ذا ، فذهبت لأسأل فلم يستمع ، ودخل الدار وما كلّمني بأكثر من أن قال : ملعون ملعون من أخّر

__________________

(١) في الغيبة : الشريعي.

(٢) الغيبة للطوسي : ٤١١ ح ٣٨٤ ، والاحتجاج : ٤٧٤ احتجاج الحجّة القائم عليه‌السلام.

٣٩٥

العشاء إلى أن تشتبك النجوم ، ملعون ملعون من أخّر الغداة إلى أن تنقضي النجوم ، ودخل الدار(١).

العاشرة : من التوقيعات وفيه : عن أبي الحسن محمد بن جعفر الأسدي قال : كان فيما ورد عليّ من الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان قدّس الله روحه في جواب مسائلي إلى صاحب الزمان عجل الله فرجه : أمّا ما سألت عنه من الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها ، فلئن كان كما يقول الناس أنّ الشمس تطلع بين قرني شيطان ، وتغرب بين قرني شيطان فما أرغم أنف الشيطان أفضل من الصلاة مثل صلاة الصبح ، فصلّها وأرغم الشيطان أنفه.

وأمّا ما سألت عنه من أمر الوقوف على ناحيتنا ، وما يجعل لنا ثمّ يحتاج إليه صاحبه فكلّ ما لم يسلم فصاحبه بالخيار ، وكلّ ما سلم فلا خيار لصاحبه فيه احتاج أو لم يحتج ، افتقر إليه أو استغنى عنه. وأمّا ما سألت عنه من أمر من يستحلّ ما في يده من أموالنا ، ويتصرّف فيه تصرّفه في ماله من غير أمرنا فمن فعل ذلك فهو ملعون ونحن خصماؤه يوم القيامة ، وقد قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : المستحلّ من عترتي ما حرّم الله ملعون على لساني ولسان كلّ شيء يجاب ، فمن ظلمنا كان في جملة الظالمين لنا ، وكانت عليه لعنة الله لقوله عزوجل : (أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) (٢) أمّا ما سألت عنه من أمر المولود الذي نبتت غلفته بعد ما يختن مرّة اخرى ، فإنّه يجب أن يقطع غلفته ، فإنّ الأرض تضجّ إلى الله عزوجل من بول الأغلف أربعين صباحا. وأمّا ما سألت عنه من أمر المصلّي والنار والصورة والسراج بين يديه ، هل تجوز صلاته؟ فإنّ الناس يختلفون في ذلك قبلك ، فإنّه جائز لمن لم يكن من أولاد عبدة الأصنام والنيران يصلّي والنار والصورة والسراج بين يديه ، ولا يجوز ذلك لمن يكون من أولاد عبدة الأوثان والنيران (٣).

فأمّا ما سألت من أمر الضياع التي لناحيتنا ، هل يجوز القيام بعمارتها وأداء الخراج وصرف ما يفضل من دخلها إلى الناحية احتسابا للأجر وتقرّبا إليكم؟ فلا يحلّ لأحد أن

__________________

(١) الاحتجاج : ٤٧٩ ذكر طرف ممّا خرج أيضا عن صاحب الزمان عليه‌السلام.

(٢) سورة هود : ١٨.

(٣) روحي فداه أحلّ الصلاة لغير أولاد عبدة النيران مع كراهية ذلك كما هو مذكور في محلّه ، وحرّمه على من كان سابقا على دينهم أو انتسب إليهم من أجل رفع الشبهة عنهم وخوفا من عودتهم إلى مثله.

٣٩٦

يتصرّف في مال غيره بغير إذنه ، فكيف يحلّ ذلك في مالنا ، من فعل ذلك بغير أمرنا فقد استحلّ منّا ما حرّم عليه ، ومن أكل من أموالنا شيئا فإنّما يأكل في بطنه نارا وسيصلى سعيرا. وأمّا ما سألت عنه من أمر الرجل الذي يجعل لناحيتنا ضيعة ، ويسلّمها من قيّم يقوم بها ويعمرها ويؤدّي من دخلها خراجها ومئونتها ، ويجعل ما يبقى من الدخل لناحيتنا ، فإنّ ذلك جائز لمن جعل صاحب الضيعة قيما عليها ، إنّما لا يجوز ذلك لغيره. وأمّا ما سألت عنه من الثمار من أموالنا ، يمرّ به المارّ فيتناول منه ويأكل ، هل يحلّ له ذلك؟ فإنّه يحلّ له أكله ويحرم عليه حمله (١).

الحادية عشرة : من التوقيعات فيه : عن أبي الحسن الأسدي أيضا قال : ورد علي توقيع من الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان العمري قدس‌سره ابتداء لم يتقدّمه سؤال عنه ، نسخته : بسم الله الرّحمن الرّحيم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين على من استحل من أموالنا درهما. قال أبو الحسن رحمه‌الله : فوقع في نفسي أنّ ذلك فيمن استحل من مال الناحية درهما دون من أكل منه غير مستحلّ له ، وقلت في نفسي أيضا : إنّ ذلك في جميع من استحلّ محرما فأيّ فضل في ذلك للحجّة على غيره؟ قال : فوالذي بعث محمّدا بالحقّ نبيّا بشيرا لقد نظرت بعد ذلك في التوقيع فوجدته قد انقلب إلى ما كان في نفسي نسخته : بسم الله الرّحمن الرحيم : لعنة الله والملائكة والناس أجمعين على من أكل من مالنا درهما حراما (٢).

الثانية عشرة : من التوقيعات فيه : أيضا ممّا خرج عن صاحب الزمان من جوابات المسائل الفقهية أيضا ممّا سأله عنها محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري فيما كتب إليه وهو : بسم الله الرّحمن الرّحيم أطال الله بقاك وأدام الله عزّك وتأييدك وسعادتك وسلامتك وأتمّ نعمته عليك وزاد في إحسانه إليك وجميل مواهبه لديك وفضله عندك وجعلني من السوء فداك وقدمني قبلك ، الناس يتنافسون في الدرجات فمن قبلتموه كان مقبولا ومن دفعتموه كان وضيعا ، والخامل من وضعتموه ، ونعوذ بالله من ذلك وببلدنا ـ أيّدك الله ـ جماعة من الوجوه يتنافسون في المنزلة ، وورد ـ أيّدك الله ـ كتابك إلى جماعة منهم في أمر أمرتهم به من معاونة (ص) (٣). وأخرج علي بن محمد بن الحسين بن الملك المعروف

__________________

(١) الاحتجاج : ٤٧٩.

(٢) الاحتجاج : ٤٨٠ وفيه : من استحلّ من أموالنا درهما.

(٣) هذا تعبير بالرمز للمصلحة.

٣٩٧

بملك بادوكة ، وهو ختن (ص) رحمه‌الله من بينهم ، فاغتمّ بذلك وسألني ـ أيّدك الله ـ أن اعلمك ما ناله من ذلك ، فإن كان من ذنب فاستغفر الله منه وإن كان غير ذلك عرّفته ما تسكن نفسه إليه إن شاء الله.

التوقيع : لم نكاتب إلّا من كاتبنا وقد عودتني ـ أدام الله عزّك ـ من تفضّلك ما أنت أهل أن تجريني على العادة وقبلك ـ أعزّك الله ـ فقهاء قالوا : إنّا محتاجون إلى أشياء تسأل لنا عنها(١).

روي لنا عن العالم عليه‌السلام أنّه سئل عن إمام قوم صلّى بهم بعض صلاتهم وحدثت عليه حادثة كيف يعمل من خلفه؟ فقال : يؤخّر ويتقدّم بعضهم ويتمّ صلاتهم ويغتسل من مسّه.

التوقيع : ليس على من نحّاه إلّا غسل اليد ، وإذا لم تحدث حادثة تقطع الصلاة تمّم صلاته مع القوم (٢).

وروي عن العالم عليه‌السلام أنّ من مسّ ميّتا بحرارته غسل يده ، ومن مسّه وقد برد فعليه الغسل ، وهذا الإمام في هذه الحالة لا يكون إلّا بحرارته فالعمل في ذلك على ما هو ، ولعلّه ينحيه بثيابه ولا يمسّه ، فكيف يجب عليه الغسل؟

التوقيع : إذا مسّه على هذه الحال لم يكن عليه إلّا غسل يده (٣).

وعن صلاة جعفر إذا سها في التسبيح في قيام أو قعود أو ركوع أو سجود ، وذكره في حالة اخرى قد صار فيها من هذه الصلاة ، هل يعيد ما فاته من ذلك التسبيح في الحالة التي ذكرها أم يتجاوز في صلاته؟

التوقيع : إذا سها في حالة من ذلك ثمّ ذكر في حالة اخرى قضى ما فاته في الحالة التي ذكره (٤).

وعن المرأة يموت زوجها يجوز أن تخرج في جنازته أم لا؟

التوقيع : تخرج في جنازته (٥).

وهل يجوز لها في عدّتها أن تزور قبر زوجها أم لا؟

التوقيع : تزور قبر زوجها ولا تبيت عن بيتها (٦).

__________________

(١) الاحتجاج : ٤٨١ ذكر طرف ممّا خرج أيضا عن صاحب الزمان.

(٢) الاحتجاج : ٤٨١.

(٣) المصدر نفسه.

(٤) المصدر نفسه.

(٥) المصدر نفسه.

(٦) المصدر نفسه.

٣٩٨

وهل يجوز لها أن تخرج في قضاء حقّ يلزمها ، أم لا تبرح من بيتها وهي في عدّتها؟

التوقيع : إذا كان حقّ خرجت فيه وقضته ، وإن كانت لها حاجة ولم يكن لها من ينظر فيها خرجت بها حتّى تقضيها ، ولا تبيت إلّا في بيتها (١).

وروي في ثواب القرآن في الفرائض وغيرها أنّ العالم عليه‌السلام قال : عجبا لمن لم يقرأ في صلاته (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) كيف تقبل صلاته. وروي : ما زكت صلاة لم يقرأ فيها (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) وروي أنّ من قرأ في فرائضه الهمزة اعطي من الدنيا ، فهل يجوز أن يقرأ الهمزة ويدع هاتين السورتين اللتين ذكرناهما مع ما قد روي أنّه لا تقبل صلاة ولا تزكو إلّا بهما؟

التوقيع : الثواب في السور على ما قد روي ، وإذا ترك سورة ممّا فيها الثواب وقرأ (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) و (إِنَّا أَنْزَلْناهُ) لفضلهما اعطي ثواب ما قرأ وثواب السورة التي ترك ، ويجوز أن يقرأ غير هاتين السورتين وتكون صلاته تامّة ولكن يكون قد ترك الفضل (٢).

وعن وداع شهر رمضان متى يكون فقد اختلف فيه أصحابنا فبعضهم يقول : يقرأ في آخر ليلة منه ، وبعضهم يقول : هو في آخر يوم منه إذا رأى هلال شوّال.

التوقيع : العمل في شهر رمضان في لياليه ، والوداع يقع هو في آخر ليلة منه ، فإذا خاف أن ينقص الشهر جعله في ليلتين (٣).

وعن قول الله عزوجل (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) (٤) أرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله المعني به؟ (ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ) ما هذه القوّة؟ (مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ) ما هذه الطاعة؟ وأين هي؟ ما خرج لهذه المسألة جواب ، فرأيك ـ أدام الله عزّك ـ بالتفضّل علي بمسألة من تثق به من الفقهاء عن هذه المسائل ، وإجابتي عنها منعما ، مع ما يشرحه لي من أمر علي بن محمد بن الحسين بن الملك المتقدّم ذكره بما يسكن إليه ويعتدّ بنعمة الله عنده ، وتفضّل علي بدعاء جامع لي ولإخواني في الدنيا والآخرة ، فعلت مثابا إن شاء الله.

التوقيع : جمع الله لك ولإخوانك خير الدنيا والآخرة (٥).

الثالثة عشرة : من التوقيعات كتاب آخر لمحمّد بن عبد الله الحميري أيضا إليه عليه

__________________

(١) المصدر نفسه.

(٢) المصدر نفسه.

(٣) الاحتجاج : ٤٨٣.

(٤) سورة الحاقة : ٤٠.

(٥) الاحتجاج : ٤٨٣.

٣٩٩

الصلاة والسلام في مثل ذلك : فرأيك ـ أدام الله عزّك ـ في تأمّل رقعتي والتفضّل بما أسأل من ذلك لأضيفه إلى سائر أياديك عندي ومننك عليّ ، واحتجت ـ أدام الله عزّك ـ أن تسأل لي بعض الفقهاء عن المصلّي إذا قام من التشهّد الأوّل إلى الركعة الثالثة ، هل يجب عليه أن يكبّر فإنّ بعض أصحابنا قال : لا يجب عليه التكبير ويجزيه أن يقول : بحول الله وقوّته أقوم وأقعد.

الجواب : إنّ فيه حديثين ؛ أمّا أحدهما فإنّه إذا انتقل من حالة إلى حالة اخرى فعليه التكبير ، وأمّا الآخر فإنّه روي أنّه إذا رفع رأسه من السجدة الثانية فكبّر ثمّ جلس ثمّ قام ، فليس عليه في القيام بعد القعود تكبير ، وكذلك في التشهّد الأوّل تجري هذا المجرى وبأيّهما أخذت من جهة التسليم كان صوابا.

وعن فصّ الجوهر ، هل تجوز فيه الصلاة إذا كان في اصبعه؟

الجواب : فيه كراهية أن يصلّي فيه ، وفيه إطلاق والعمل على الكراهية.

وعن رجل اشترى هديا لرجل غائب عنه ، وسأله أن ينحر عنه هديا بمنى ، فلمّا أراد نحر الهدي نسي اسم الرجل ونحر الهدي ثمّ ذكره بعد ذلك أيجزي عن الرجل أم لا؟

الجواب : لا بأس بذلك وقد أجزأ عن صاحبه.

وعندنا حاكة مجوس يأكلون الميتة ولا يغتسلون من الجنابة وينسجون لنا ثيابا فهل تجوز الصلاة فيها قبل أن تغسل؟

الجواب : لا بأس بالصلاة فيها.

وعن المصلّي يكون في صلاة الليل في ظلمة ، فإذا سجد يغلط بالسجادة ويضع جبهته على مسح أو نطع ، فإذا رفع رأسه وجد السجّادة ، هل يعتدّ بهذه السجدة أم لا يعتدّ؟

الجواب : ما لم يستو جالسا فلا شيء عليه في رفع رأسه بطلب الجمرة.

وعن المحرم يرفع الظلال ، هل يرفع الخشب العمارية أو الكنيسية ويرفع الجناحين أم لا؟

الجواب : لا شيء عليه في تركه ورفع الخشب.

وعن المحرم يستظلّ من المطر بنطع أو غيره حذرا على ثيابه وما في محمله أن يبتلّ ، فهل يجوز ذلك أم لا؟

الجواب : إذا فعل ذلك في المحمل في طريقه فعليه دم.

٤٠٠