إلزام النّاصب في إثبات الحجّة الغائب عجّل فرجه - ج ١

الشيخ علي اليزدي الحائري

إلزام النّاصب في إثبات الحجّة الغائب عجّل فرجه - ج ١

المؤلف:

الشيخ علي اليزدي الحائري


المحقق: السيد علي عاشور
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٤٠
الجزء ١ الجزء ٢

عشرة أو اثنتا عشرة سنة ، كان يرعى الإبل وقد حال الماء بينه وبين إبله وهو يريد العبور عن الماء وهو خائف على نفسه من ذلك ، فلمّا وقفت بحاله أركبته على كتفي وجاوزته عن الماء وألحقته بإبله فنظر إليّ وقال لي بلسانه على ثلاث مرّات : بارك الله في عمرك ، بارك الله في عمرك ، بارك الله في عمرك ، ثمّ اشتغلت بشغلي وتجارتي ورجعت إلى وطني ومضت عليّ سنون عديدة فإذا بليلة من الليالي وكانت ليلة إكمال القمر من الليالي البيض ، كنت في مزرعتي هذه فإذا بالقمر انشق نصفين ، وصار نصفه إلى المشرق ونصفه الآخر إلى المغرب ، وعادا في محلّهما والتصقا فصارا قمرا كالأوّل ، فتعجبنا من ذلك وما عرفنا كيف الحال إلى أن جاءت القوافل من سمت الحجاز ، وأخبرونا بأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله الذي ظهر في الحجاز طلبوا منه هذه المعجزة وصار كما طلبوا وأرادوا ، فصرت مشتاقا لزيارة ذلك النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله المبعوث وسافرت إليه ، فلمّا وصلت مكّة واستأذنت للدخول عليه ، فدخلت عليه ورأيته وقد سطع النور من وجهه إلى السماء ، وهو صلى‌الله‌عليه‌وآله يأكل الرطب فسلّمت عليه وردّ عليّ ، فبقيت من هيبته واقفا في مقامي ثمّ قال لي : كل الرطب فإنّ من المروّة الموافقة وإنّ من النفاق الزندقة ، فقعدت وأكلت الرطب ، وناولني بيده الشريفة رطبة واحدة ثمّ رطبة واحدة حتّى ناولني ستّا غير ما أخذته بيدي وأكلت ، ثمّ نظر إليّ وتبسّم وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : لعلّك ما عرفتني ، أنا ذلك الصبي الذي نجيته من ماء السيل الذي حال بيني وبين إبلي ، فعرفته بتلك العلامة وقلت : نعم عرفتك يا حسن الوجه ، ثمّ قال : مدّ يدك فمددت يدي وصافحته ، فقال : قل : أشهد أن لا إله إلّا الله وأشهد أنّ محمّدا رسول الله ، فقلت ذلك وأسلمت ، ففرح بإسلامي فلمّا أردت الرجوع إلى بلدي واستأذنته به وأذن لي دعا لي وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله لي ثلاث مرّات : بارك الله في عمرك ، بارك الله في عمرك ، بارك الله في عمرك ، فودّعته وفرحت بمحبّته إيّاي ، واستجاب الله دعاءه لي وبارك في عمري ومضى من عمري أزيد من ستمائة سنة ، وكل من كان في هذه المزرعة من نسلي وأولادي ، وبدعائه صلى‌الله‌عليه‌وآله تفضّل الله لي ولهم بكل الخير والبركة (١).

أقول : لما ذكر قصّة شق القمر في ترجمة الشيخ رتن لا ضير بذكر بعض أخبار شقّ القمر:وهو أن جناب المولوي محمد صاحب الحبشي ذكر في تصديق المسيح في جواب الپادري

__________________

(١) سلوة الغريب : ٢٦٤ ـ ٢٦٦ بتفاوت حيث إنّ المصنّف نقلها عن أصل غير عربي ، والكتاب المطبوع عربي.

٢٨١

عند سؤاله عن شقّ القمر وكيفية وقوعه ، نقلا عن سوانح الحرمين وكتب بالهندية ما ترجمته بالعربية وهو : أنّ رجلا هنديا كافرا يعبد الصنم وكان كبيرا في قومه ، وصاحب الاقتدار في بلد دهار المتصلة ببحر چنبل صوبه مالون كان قاعدا في محلّه ، وإذا قد صار القمر نصفين وتفرّق والتصق بعد ساعة ، فسأل علماء مذهبه عن هذه الكيفية قالوا : في كتبنا مذكور أن نبيّا يظهر في العرب ومعجزته شقّ القمر ، ثمّ أرسل هذا الرجل أمينه ومن هو في اموره العظيمة عميده ، واستكشف حاله فآمن به ، وسمّاه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عبد الله وله قبر معروف ومزار عام.

قصّة اخرى أيضا في تصديق المسيح عن المقالة الحادية عشرة من تاريخ فرشته : أنّ في مملكة مليپار كان يهودي من أولاد السامري الذي أبدع عبادة العجل في زمن موسى ، وهو رأى شقّ القمر فتعجّب من هذه الواقعة العجيبة العظيمة ، فاستعلم عن جمع من المعتمدين فعلم أنّه من معاجز النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الامّي ، فسافر إلى الحجاز وتشرّف بخدمته وآمن به ورجع إلى أن بلغ بلد ظفار فمات وقبره معلوم ومزاره عام.

الثالث والثلاثون : سمعت من جمع أنّ من المعمّرين رجلا يسمّى نردوول في الكهف الذي من حوالي كابل من بلاد الأفاغنة من أهل السنّة والجماعة ، فأردت كشف النقاب ورفع الحجاب عن هذا الأمر العجاب ، واستفسرت عمّن له من علم السياحة والتواريخ سائغ وشراب ، من الشيخ والشاب ، والرعية والأرباب ، والأدنين والأنجاب ، والضبّاط والنوّاب ، فأخبروني وصار بحيث ما بقي مجال شك ولا ارتياب أنّ بقدر ثمانية أو تسعة منازل إلى كابل كفّار ، وأهل كابل يأخذون العبيد والإماء من أهل ذلك البلد ، وهم معروفون بكفّار ، سود اللباس مأكولهم لحم المعز ولبسهم جلد المعز ، ويحرم عندهم نكاح الأرحام ، وتمامهم من أولاد نردوول ونتائجه ، وهو في كهف جبل من جبال ذلك البلد.

ونردوول هذا كان في عصر علي أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وحضر غزوة من الغزوات ، وجرح علي عليه‌السلام رأسه بضربته ، وكلّما قرب أن يندمل جراحته يخرج من الكهف فإذا طير يسيح في الهواء ويعود جراحته ودائما مبتل بهذا البلاء ومأكوله كل يوم معزان ؛ معز في النهار ومعز في العشاء ، ويعطيه أهل البلد لكونهم من نتائجه ، وحكى لي واحد من السيّاحين : إنّي حضرت عند باب الكهف لأراه وأعرف حاله وأنّه كيف هو ، فرأيته جالسا جلسة القرفصاء بحيث كانت ركبتاه بحذاء صدره ، وكان رأسي قائما محاذي ركبتيه ، وهو في الكهف دائما يأكل

٢٨٢

وينام ويتغوّط فيه.

الرابع والثلاثون : في المجمع الرائق تصنيف السيّد هبة الله الموسوي عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال : إنّ داود عليه‌السلام خرج يقرأ الزبور ، وكان إذا قرأ الزبور لا يبقى جبل ولا حجر ولا طائر إلّا أجابه ، فانتهى إلى جبل فإذا على ذلك الجبل نبيّ عابد يقال له حزقيل ، فلمّا سمع دويّ الجبال وأصوات السباع والطير علم أنّه داود عليه‌السلام ، فقال داود : يا حزقيل تأذن لي فأصعد إليك؟

قال : لا. فبكى داود فأوحى الله عزوجل إليه : يا حزقيل لا تعير داود وسلني العافية. قال:فأخذ حزقيل بيد داود ورفعه إليه. فقال داود : يا حزقيل هل هممت بخطيئة قط؟ قال : لا. قال : فهل دخلك العجب ممّا أنت من عبادة الله عزوجل؟ قال : لا. قال : فهل ركنت إلى الدنيا فأحببت أن تأخذ من شهوتها ولذّتها؟ قال : بلى ربّما عرض ذلك بقلبي. قال : فما تصنع إذا كان ذلك؟ قال : أدخل هذا الشعب فأعتبر بما فيه. قال : فدخل داود الشعب فإذا سرير من حديد عليه جمجمة بالية وعظام فانية ، وإذا لوح من حديد فيه كتابة فقرأها داود عليه‌السلام فإذا فيها : أنا ملكت ألف سنة وبنيت ألف مدينة وافتضضت ألف بكر ، فكان آخر عمري أن صار التراب فراشي والحجارة وسادي والديدان والهوام جيراني ، فمن رآني فلا يغترّ بالدنيا (١).

في العوالم عن عوالي اللئالي بالإسناد إلى أحمد بن فهد عن بهاء الدين علي بن عبد الحميد عن يحيى بن نجل الكوفي عن صالح بن عبد الله اليمني وكان قدم الكوفة ، قال يحيى : ورأيته بها سنة أربع وثلاثين وسبعمائة عن أبيه عبد الله اليمني ، وأنّه كان من المعمّرين وأدرك سلمان الفارسي رضى الله عنه ، وأنه روى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : حبّ الدنيا رأس كلّ خطيئة ، ورأس العبادة حسن الظنّ بالله (٢).

روى أبو رواحة الأنصاري عن المغربي قال : كنت عند أمير المؤمنين عليه‌السلام وقد أراد حرب معاوية ، فنظر إلى جمجمة في جانب الفرات وقد أتت عليه ، فمرّ عليها أمير المؤمنين عليه‌السلام فدعاها فأجابته بالتلبية ، وقد خرجت بين يديه وتكلّمت بكلام فصيح فأمرها بالرجوع فرجعت إلى مكانها كما كانت.

__________________

(١) أمالي الشيخ : ١٥٩ ح ١٥٧ مجلس ٢١.

(٢) بحار الأنوار : ٥١ / ٢٥٨ ، وعوالي اللئالي : ١ / ٢٧.

٢٨٣

ولمّا فرغ من حرب نهروان أبصرنا جمجمة نخرة بالية فقال : هاتوها ، فحرّكها بسوطه وقال : أخبرني من أنت فقير أم غني ، شقيّ أم سعيد ، ملك أم رعية؟ فقالت بلسان فصيح : يا أمير المؤمنين أنا كنت ملكا ظالما ، فأنا پرويز بن هرمز ملك الملوك ، ملكت مشارق الأرض ومغاربها وسهلها وجبلها وبحرها وبرّها ، أنا الذي أخذت ألف مدينة في الدنيا وقتلت ألف ملك من ملوكها ، يا أمير المؤمنين أنا الذي بنيت خمسين مدينة وفضضت خمسمائة ألف جارية بكر ، واشتريت ألف عبد تركي وأرمني ، وتزوّجت سبعين ألفا من بنات الملوك ، وما من ملك في الأرض إلّا غلبته وظلمت أهله ، فلمّا جاءني ملك الموت قال : يا ظالم يا طاغي خالفت الحقّ ، فتزلزلت أعضائي وارتعدت فرائصي وعرض علي أهل حبسي فإذا هم سبعون ألفا من أولاد الملوك قد شقوا من حبسي ، فلمّا رفع ملك الموت روحي سكن أهل الأرض من ظلمي ، فأنا معذّب في النار أبد الآبدين ، فوكّل الله لي سبعين ألف ألف من الزبانية ، في يد كلّ واحد منهم مرزبة من نار لو ضربت على جبال أهل الأرض لاحترقت الجبال فتدكدكت ، وكلّما ضربني الملك بواحدة من تلك المرازيب تشتعل فيّ النار فيحييني الله تعالى ويعذّبني بظلمي على عباده أبد الآبدين ، وكذلك وكلّ الله تعالى بعدد كلّ شعرة في بدني حيّة تنهشني وعقربة تلدغني ، وكلّ ذلك أحسّ به كالحيّ في دنياه فتقول لي الحيّات والعقارب : هذا جزاء ظلمك على عباده. فسكتت الجمجمة فبكى جميع عسكر أمير المؤمنين عليه‌السلام وضربوا على رءوسهم (١).

__________________

(١) مدينة المعاجز : ١ / ٢٣١ ، والبحار : ٤١ / ٢١٥.

٢٨٤

الغصن الخامس

في أخبار أمّه وتولّده والمعترفين بولادته من أهل السنّة والجماعة ومن رآه في حياة أبيه عليه‌السلام وبعد وفاته في غيبته الصغرى والكبرى ومعاجزه وسفرائه وتوقيعاته ، وهو مشتمل على فروع :

الفرع الأوّل : أخبار أمّه. في البحار عن بشر بن سليمان النحاس وهو من ولد أبي أيّوب الأنصاري أحد موالي أبي الحسن وأبي محمد وجارهما بسر من رأى قال : أتاني كافور الخادم فقال : مولانا أبو الحسن علي بن محمد العسكري يدعوك إليه فأتيته ، فلمّا جلست بين يديه قال عليه‌السلام لي : يا بشر إنّك من ولد الأنصار وهذه الموالاة لم تزل فيكم يرثها خلف عن سلف وأنتم ثقاتنا أهل البيت ، وإنّي مزكيك ومشرّفك بفضيلة تسبق بها الشيعة في الموالاة بسرّ أطلعك عليه وانفذك في ابتياع أمة ، فكتب كتابا لطيفا بخطّ رومي ولغة رومية وطبع عليه خاتمه وأخرج شقّة صفراء فيها مائتان وعشرون دينارا فقال عليه‌السلام : خذها وتوجّه إلى بغداد واحضر معبر الفرات ضحوة يوم كذا ، فإذا وصلت إلى جانبك زواريق السبايا وترى الجواري فيها ستجد طوائف المبتاعين من وكلاء قواد بني العبّاس وشرذمة من فتيان العرب ، فإذا رأيت ذلك فأشرف من العبد على المسمّى عمر بن يزيد النخاس عامّة نهارك إلى أن تبرز للمبتاعين جارية صفتها كذا وكذا ، لابسة حريرين صفيفين (١) ، تمتنع من العرض ولمس المعترض والانقياد لمن يحاول لمسها ، وتسمع صرخة رومية من وراء ستر رقيق فاعلم أنّها تقول واهتك ستراه ، فيقول بعض المبتاعين عليّ ثلاثمائة دينار فقد زادني العفاف فيها رغبة فتقول بالعربية : لو برزت في زي سليمان بن داود وعلى شبه ملكه ما بدت لي فيك رغبة فأشفق على مالك ، فيقول النخاس : وما الحيلة ولا بدّ من بيعك ، فتقول الجارية : وما العجلة ولا بدّ من اختيار مبتاع يسكن قلبي إليه وإلى وفائه وأمانته ، فعند ذلك قم إلى عمر بن يزيد النخاس وقل له : إنّ معي كتابا ملطفا لبعض الأشراف كتب بلغة رومية وخط رومي

__________________

(١) ثوب كثير الغزل.

٢٨٥

ووصف فيه كرمه ووفاءه وسخاءه فناولها إيّاه لتتأمّل منه أخلاق صاحبه ، فإن مالت إليه ورضيته فأنا وكيله في ابتياعها منك.

قال بشر بن سليمان : فامتثلت جميع ما حدّه لي مولاي أبو الحسن عليه‌السلام في أمر الجارية ، فلمّا نظرت في الكتاب بكت بكاء شديدا وقالت لعمر بن يزيد بعني من صاحب هذا الكتاب ، وحلفت بالمحرجة والمغلظة أنّه متى امتنع من بيعها منه قتلت نفسها ، فما زلت أشاحّه في ثمنها حتّى استقر الأمر فيه على مقدار ما كان أصحبنيه مولاي من الدنانير ، فاستوفاه وتسلّمت الجارية ضاحكة مستبشرة وانصرفت بها إلى الحجرة التي كنت آوي إليها ببغداد ، فما أخذها القرار حتّى أخرجت كتاب مولانا عليه‌السلام من جيبها وهي تلثمه وتطبقه على جفنها وتضعه على خدّها وتمسحه على بدنها ، فقلت تعجّبا منها : تلثمين كتابا لا تعرفين صاحبه؟

فقالت : أيّها العاجز الضعيف المعرفة بمحل أولاد الأنبياء ، أعرني سمعك وفرّغ لي قلبك : أنا مليكة بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم وأمّي من ولد الحواريين تنسب إلى وصي المسيح شمعون ، انبئك بالعجب أنّ جدّي قيصر أراد أن يزوّجني من ابن أخيه وأنا من بنات ثلاث عشرة سنة فجمع في قصره من نسل الحواريين من القسيسين والرهبان ثلاثمائة رجل ، ومن ذوي الأخطار منهم سبعمائة رجل ، وجمع من أمراء الأجناد وقوّاد العسكر ونقباء الجيوش وملوك العشائر أربعة آلاف ، وأبرز من بهيّ ملكه عرشا مصاغا من أصناف الجواهر ورفعه فوق أربعين مرقاة ، فلمّا صعد ابن أخيه وأحدقت الصلب وقامت الأساقفة عكفا ونشرت أسفار الإنجيل ، تسافلت الصلب من الأعلى فلصقت الأرض وتقوّضت أعمدة العرش ، فانهارت إلى القرار وخرّ الصاعد من العرش مغشيا عليه ، فتغيّرت ألوان الأساقفة وارتعدت فرائصهم.

فقال كبيرهم لجدّي : أيّها الملك اعفنا من ملاقاة هذه النحوس الدالّة على زوال هذا الدين المسيحي والمذهب الملكاني ، فتطيّر جدّي من ذلك تطيرا شديدا وقال للأساقفة : أقيموا هذه الأعمدة وارفعوا الصلبان وأحضروا أخا هذا المدبر العاهر المنكوس جدّه لازوّجه هذه الصبية فيدفع نحوسه عنكم بسعوده ، ولمّا فعلوا ذلك حدث على الثاني مثل ما حدث على الأوّل وتفرّق الناس ، وقام جدّي قيصر مغتمّا فدخل منزل النساء وارخيت

٢٨٦

الستور ، ورأيت في تلك الليلة كأنّ المسيح عليه‌السلام وشمعون وعدّة من الحواريين قد اجتمعوا في قصر جدّي ونصبوا فيه منبرا من نور يباري السماء علوّا وارتفاعا في الموضع الذي كان نصب جدّي فيه عرشه ، ودخل عليه محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله وختنه ووصيّه عليه‌السلام وعدّة من أبنائه فتقدّم المسيح إليه فاعتنقه ، فقال له محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا روح الله إنّي جئتك خاطبا من وصيك شمعون فتاته مليكة لا بني هذا ، وأومأ بيده إلى أبي محمد ابن صاحب هذا الكتاب ، فنظر المسيح إلى شمعون وقال له : قد أتاك الشرف فصل رحمك إلى رحم آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله.

قال : قد فعلت ، فصعد ذلك المنبر فخطب محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله وزوّجني من ابنه وشهد المسيح وشهد أبناء محمّد والحواريون ، فلمّا استيقظت أشفقت أن أقص هذه الرؤيا على أبي وجدّي مخافة القتل ، فكنت أسرّها ولا ابديها لهم وضرب صدري بمحبّة أبي محمد عليه‌السلام حتى امتنعت من الطعام والشراب فضعفت نفسي ودقّ شخصي ومرضت مرضا شديدا ، فما بقي من مدائن الروم طبيب إلّا أحضره جدّي وسأله عن دوائي ، فلمّا برح به اليأس قال : يا قرّة عيني هل يخطر ببالك شهوة فأزودكها في هذه الدنيا؟

فقلت : يا جدّي أرى أبواب الفرج علي مغلقة فلو كشفت العذاب عمّن في سجنك من أسارى المسلمين ، وفككت عنهم الأغلال وتصدّقت عليهم ومنيتهم الخلاص ، رجوت أن يهب المسيح وأمّه عافية ، فلمّا فعل ذلك تجلّدت في إظهار الصحّة من بدني قليلا وتناولت يسيرا من الطعام ، فسر بذلك وأقبل على إكرام الأسارى وإعزازهم ، فرأيت أيضا بعد أربع عشرة ليلة كأنّ سيّدة نساء العالمين قد زارتني ومعها مريم بنت عمران وألف من وصائف الجنان فتقول لي مريم : هذه سيّدة النساء عليها‌السلام أمّ زوجك أبي محمّد عليه‌السلام ، فأتعلّق بها وأبكي وأشكو إليها امتناع أبي محمد من زيارتي ، فقالت سيّدة النساء عليها‌السلام : إنّ ابني أبا محمّد لا يزورك وأنت مشركة بالله على مذهب النصارى ، وهذه اختي مريم بنت عمران تبرأ إلى الله من دينك فإن ملت إلى رضاء الله تعالى ورضا المسيح وزيارة أبي محمّد إيّاك فقولي : أشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ أبي محمّدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلمّا تكلّمت بهذه الكلمة ضمّتني إلى صدرها سيّدة نساء العالمين ، وطيّبت نفسي وقالت : الآن توقعي زيارة أبي محمّد وإنّي منفذة إليك ، فانتبهت وأنا أقول وأتوقّع لقاء أبي محمّد ، فلمّا نمت من الليلة القابلة رأيت أبا محمّد عليه‌السلام وكأنّي أقول : قد جفوتني يا حبيبي بعد أن أتلفت نفسي معالجة حبّك ، فقال : ما

٢٨٧

كان تأخّري عنك إلّا لشركك ، فقد أسلمت وأنا زائرك في كلّ ليلة إلى أن يجمع الله شملنا في العيان ، فما قطع عنّي زيارته بعد ذلك إلى هذه الغاية.

قال بشر : فقلت لها : وكيف وقعت في الأسارى؟ فقالت : أخبرني أبو محمّد عليه‌السلام ليلة من الليالي أنّ جدّك سيسيّر جيشا إلى قتال المسلمين يوم كذا وكذا ثمّ يتبعهم فعليك باللحاق بهم متنكّرة في زي الخدم مع عدّة من الوصائف من طريق كذا ، ففعلت ذلك فوقفت علينا طلائع المسلمين حتّى كان من أمري ما رأيت وشاهدت ، وما شعر بأنّي ابنة ملك الروم إلى هذه الغاية أحد سواك وذلك بإطلاعي إيّاك عليه ، ولقد سألني الشيخ الذي وقعت إليه في سهم الغنيمة عن اسمي فأنكرته وقلت : نرجس اسم الجواري. قلت : العجب أنّك رومية ولسانك عربي! قالت : نعم من ولع جدّي وحمله إيّاي على تعلّم الآداب أن أوعز إلى امرأة ترجمانة له في الاختلاف إليّ ، وكانت تقصدني صباحا ومساء وتفيدني العربية حتّى استمر لساني عليها واستقام.

قال بشر : فلمّا انكفأت بها إلى سرّ من رأى دخلت على مولاي أبي الحسن عليه‌السلام فقال : أراك الله عزّ الإسلام وذلّ النصرانية وشرف محمّد وأهل بيته. قالت : كيف أصف لك يا بن رسول الله ما أنت أعلم به منّي. قال عليه‌السلام : فإنّي احبّ أن اكرمك فأيّما أحبّ إليك أصف لك يا بن رسول الله ما أنت أعلم به منّي. قال عليه‌السلام : فإنّي احبّ أن اكرمك فأيّما أحبّ إليك عشرة آلاف دينار أم بشرى لك بشرف الأبد؟ قالت : بشرى بولد لي. قال لها : أبشري بولد يملك الدنيا شرقا وغربا ويملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا. قالت : ممن؟ قال : ممّن خطبك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله له ليلة كذا في شهر كذا من سنة كذا بالرومية ، قال لها : ممّن زوّجك المسيح ووصيّه؟ قالت : من ابنك أبي محمّد عليه‌السلام. فقال : هل تعرفينه؟ قالت : وهل خلت ليلة لم يزرني فيها ، منذ الليلة التي أسلمت على يد سيّدة النساء عليها‌السلام. قال : فقال مولانا : يا كافور ادع اختي حكيمة (ر ض) ، فلمّا دخلت قال لها : ها هيه واعتنقتها طويلا ومالت بها كثيرا ، فقال لها أبو الحسن : يا بنت رسول الله خذيها إلى منزلك وعلّميها الفرائض والسنن ، فإنّها زوجة أبي محمّد وأمّ القائم عجل الله فرجه (١).

__________________

(١) كمال الدين : ٤٢٣ ، وغيبة الشيخ الطوسي : ٢١٣ والبحار : ٥١ / ٨ خ ١٢.

٢٨٨

الفرع الثاني

أخبار تولّده عجل الله فرجه

في إرشاد المفيد : كان الإمام القائم عليه‌السلام بعد أبي محمد ابنه المسمّى باسم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله المكنّى بكنيته ، ولم يخلف أبوه ولدا ظاهرا ولا باطنا غيره ، وخلّفه غائبا مستترا وكان مولده ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين وأمّه أمّ ولد يقال لها نرجس ، وكان سنّه عند وفاة أبيه خمس سنين ، آتاه الله فيها الحكمة وفصل الخطاب وجعله آية للعالمين ، وآتاه الله الحكمة كما آتاها يحيى صبيا ، وجعله إماما في حال الطفولية الظاهرة كما جعل عيسى ابن مريم في المهد نبيّا ، وله قبل قيامه غيبتان : إحداهما أطول من الاخرى كما جاءت بذلك الأخبار ؛ فأمّا القصرى منهما منذ وقت مولده إلى انقطاع السفارة بينه وبين شيعته وعدم السفراء بالوفاة ، وأمّا الطولى فهي بعد الاولى وفي آخرها يقوم بالسيف ، قال الله عزوجل (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ) (١) وقال جلّ اسمه (وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ) (٢) وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لن تنقضي الأيّام والليالي حتّى يبعث الله رجلا من أهل بيتي يواطي اسمه اسمي يملؤها عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا (٣).

وفي البحار عن محمّد بن عبد الله المطهري قال : قصدت حكيمة بنت محمد بعد مضيّ أبي محمد أسألها عن الحجّة وما قد اختلفت فيه الناس من الحيرة التي هم فيها. فقالت لي : اجلس ، فجلست ، ثمّ قالت لي : يا محمد إنّ الله تبارك وتعالى لا يخلي الأرض من حجّة ناطقة أو صامتة ، ولم يجعلها في أخوين بعد الحسن والحسين عليهما‌السلام تفضيلا للحسن والحسين وتمييزا لهما أن يكون في الأرض عديلهما ، إلّا أنّ الله تبارك وتعالى خصّ ولد الحسين

__________________

(١) سورة القصص : ٥.

(٢) سورة الأنبياء : ١٠٥.

(٣) الإرشاد : ٣٤٦ باب ذكر الإمام القائم.

٢٨٩

بالفضل على ولد الحسن كما خصّ ولد هارون على ولد موسى وإن كان موسى حجّة على هارون والفضل لولده إلى يوم القيامة. ولا بدّ للامّة من حيرة يرتاب فيها المبطلون ويخلص فيها المحقّقون لئلّا يكون للناس على الله حجّة بعد الرسل ، وإنّ الحيرة لا بدّ واقعة بعد مضيّ أبي محمّد الحسنعليه‌السلام.

فقلت : يا مولاتي هل كان للحسن ولد؟ فتبسّمت ثمّ قالت : إذا لم يكن للحسن عقب فمن الحجّة من بعده ، وقد أخبرتك أنّ الإمامة لا تكون للأخوين بعد الحسن والحسين. فقلت : يا سيّدتي حدّثيني بولادة مولاي وغيبته؟ قالت : نعم ، كانت لي جارية يقال لها نرجس فزارني ابن أخي وأقبل يحدّ النظر إليها فقلت له : يا سيدي لعلّك هويتها فأرسلها إليك؟ فقال : لا يا عمّة لكن أتعجّب منها. فقلت : وما أعجبك؟ فقال عليه‌السلام : سيخرج منها ولد كريم على الله عزوجل الذي يملأ الله به الأرض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما. قلت : فأرسلها إليك يا سيّدي؟ فقال : استأذني في ذلك أبي عليه‌السلام.

قالت : فلبست ثيابي وأتيت منزل أبي الحسن فسلّمت وجلست فبدأني وقال : حكيمة ابعثي بنرجس إلى ابني أبي محمّد. قالت : فقلت : يا سيدي على هذا قصدتك أن أستأذنك في ذلك ، فقال : يا مباركة إنّ الله تبارك وتعالى أحبّ أن يشركك في الأجر ويجعل لك في الخير نصيبا. قالت حكيمة : فلم ألبث أن رجعت إلى منزلي وزيّنتها ووهبتها لأبي محمّد وجمعت بينه وبينها في منزلي ، فأقام عندي أيّاما ثمّ مضى إلى والده ووجّهت بها معه ، قالت حكيمة : فمضى أبو الحسن وجلس أبو محمد مكان والده ، وكنت أزوره كما كنت أزور والده فجاءتني نرجس يوما تخلع خفي وقالت : يا مولاتي ناوليني خفك.

فقلت : بل أنت سيدتي ومولاتي ، والله ما رفعت إليك خفّي لتخلعيه لا خدمتني ، بل أخدمك على بصري ، فسمع أبو محمد ذلك ، فقال : جزاك الله خيرا يا عمّة ، فجلست عنده إلى غروب الشمس فصحت بالجارية وقلت : ناوليني ثيابي لأنصرف ، فقال : يا عمّتاه بيتي الليلة عندنا فإنّه سيولد الليلة المولود الكريم على الله عزوجل ، الذي يحيي الله عزوجل به الأرض بعد موتها ، قلت : ممّن يا سيدي ولست أرى بنرجس شيئا من أثر الحمل؟ فقال : من نرجس لا من غيرها. قالت : فوثبت إلى نرجس فقلبتها ظهرا لبطن فلم أر بها أثرا من حمل ، فعدت إليه فأخبرته بما فعلت ، فتبسّم ثمّ قال لي : إذا كان وقت الفجر يظهر لك بها الحمل ؛

٢٩٠

لأنّ مثلها مثل أمّ موسى لم يظهر بها الحمل ولم يعلم بها أحد إلى وقت ولادتها ؛ لأنّ فرعون كان يشقّ بطون الحبالى في طلب موسى وهذا نظير موسى.

قالت حكيمة : فلم أزل أرقبها إلى وقت طلوع الفجر وهي نائمة بين يدي لا تقلب جنبا إلى جنب ، حتّى إذا كان في آخر الليل وقت طلوع الفجر وثبت فزعة فضممتها إلى صدري وسمّيت عليها فصاح أبو محمد وقال : اقرئي عليها : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) وقلت لها : ما حالك؟ قالت : ظهر الأمر الذي أخبرك به مولاي ، فأقبلت أقرأ عليها كما أمرني ، فأجابني الجنين من بطنها يقرأ كما أقرأ وسلّم علي.

قالت حكيمة : ففزعت لما سمعت ، فصاح لي أبو محمد : لا تعجبي من أمر الله عزوجل ، إنّ الله تبارك وتعالى ينطقنا بالحكمة صغارا ويجعلنا حجّة في أرضه كبارا ، فلم يستتم الكلام حتّى غيّبت عنّي نرجس فلم أرها ، كأنّه ضرب بيني وبينها حجاب ، فعدوت نحو أبي محمّد وأنا صارخة فقال لي : ارجعي يا عمّة فإنّك ستجدينها في مكانها.

قالت : فرجعت فلم ألبث أن كشف الحجاب بيني وبينها وإذا أنا بها وعليها من أثر النور ما غشّى بصري ، وإذا أنا بالصبي ساجدا على وجهه جاثيا على ركبتيه رافعا سبابتيه نحو السماء وهو يقول : «أشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له وأنّ جدّي رسول الله وأنّ أبي أمير المؤمنين ،» ثمّ عدّ إماما إماما إلى أن بلغ إلى نفسه فقال عجل الله فرجه : اللهمّ أنجز لي وعدي وأتمم لي أمري وثبّت وطأتي واملأ الأرض بي عدلا وقسطا. فصاح أبو محمّد الحسن عليه‌السلام فقال : يا عمّة تناوليه فهاتيه ، فتناولته وأتيت به نحوه ، فلمّا مثلت بين يدي أبيه وهو على يدي ، سلّم على أبيه فتناوله الحسن والطير ترفرف على رأسه فصاح بطير منها فقال له : احمله واحفظه وردّه إلينا في كل أربعين يوما فتناوله الطائر وطار به في جوّ السماء ، واتبعه سائر الطير ، وسمعت أبا محمد يقول : استودعتك الذي استودعته أمّ موسى موسى ، فبكت نرجس فقال لها : اسكتي فإنّ الرضاع محرم عليه إلّا من ثديك وسيعاد إليك كما ردّ موسى إلى أمّه ، وذلك قوله عزوجل : (فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ) (١).

قالت حكيمة : فقلت : ما هذا الطائر؟ قال : هذا روح القدس الموكّل بالأئمّة ، يوفقهم ويسدّدهم ويربيهم بالعلم. قالت حكيمة : فلمّا أن كان بعد أربعين يوما ردّ الغلام ووجّه إليّ

__________________

(١) سورة القصص : ١٣.

٢٩١

ابن أخي فدعاني فدخلت عليه فإذا أنا بصبي متحرّك يمشي بين يديه فقلت : سيدي هذا ابن سنتين؟ فتبسّم عليه‌السلام ثمّ قال : إنّ أولاد الأنبياء والأوصياء إذا كانوا أئمّة ينشئون بخلاف ما ينشأ غيرهم ، وإنّ الصبي منّا إذا أتى عليه شهر كان كمن يأتي عليه سنة ، وإنّ الصبي منّا ليتكلّم في بطن أمّه ويقرأ القرآن ويعبد ربّه عزوجل ، وعند الرضاع تطيعه الملائكة وتنزل عليهم صباحا ومساء.

قالت حكيمة : فلم أزل أرى ذلك الصبي كلّ أربعين يوما إلى أن رأيته رجلا قبل مضيّ أبي محمّد عليه‌السلام بأيّام قلائل فلم أعرفه فقلت لأبي محمّد : من هذا الذي تأمرني أن أجلس بين يديه؟ فقال : ابن نرجس وخليفتي من بعدي وعن قليل تفقدوني فاسمعي له وأطيعي. قالت حكيمة : فمضى أبو محمّد بأيّام قلائل وافترق الناس كما ترى ، والله إنّي لأراه صباحا ومساء وإنّه لينبئني عمّا تسألونني عنه فأخبركم ، وو الله إنّي لاريد أن أسأله عن الشيء فيبدأني به ، وإنّه ليرد عليّ الأمر فيخرج إليّ منه جوابه من ساعته من غير مسألتي ، وقد أخبرني البارحة بمجيئك إليّ وأمرني أن اخبرك بالحقّ. قال محمّد بن عبد الله : فو الله لقد أخبرتني حكيمة بأشياء لم يطّلع عليها إلّا الله عزوجل ، فعلمت أنّ ذلك صدق وعدل من الله تعالى ، وأنّ الله عزوجل قد أطلعه على ما لم يطلع عليه أحدا من خلقه (١).

__________________

(١) كمال الدين : ٤٢٩ ، ومدينة المعاجز : ٨ / ٦٨ ، والبحار : ٥١ / ١٢ ح ١٤.

٢٩٢

الفرع الثالث

في ذكر بعض المعترفين بولادته من أهل السنّة والجماعة

اعلم أيّها الطالب للحقّ والإنصاف أنّ في خصوص تولّده عجل الله فرجه في سر من رأى أنّه وهو ابن الحسن العسكري لا يكاد يوجد منكر من طرف الخاصّة. وأمّا من طرف أهل السنّة فالمعترفون بولادته في سر من رأى من نرجس في سنة خمس وخمسين ومائتين ، بل غيبته في السرداب من المعروفين الموثقين كثير بحيث لا يكاد يحصى عددهم ، ونحن نذكر جلّا منهم :

الأوّل : أبو سالم كمال الدين محمد بن طلحة بن محمد بن الحسن القرشي النصيبي : ولا يكاد يوجد منكر من أهل السنّة والجماعة لنفسه ولكتابه المسمّى بمطالب السئول ، قال في كتابه : الباب الثاني عشر في أبي القاسم م ح م د بن الحسن الخالص بن علي المتوكّل بن محمد القانع بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين الزكي بن علي المرتضى أمير المؤمنين عليه‌السلام بن أبي طالب ، المهدي الحجّة الخلف الصالح المنتظر عجل الله فرجه ورحمة الله وبركاته :

فهذا الخلف الحجّة قد أيّده الله

هدانا منهج الحق وآتاه سجاياه

وأعلاه ذرى العليا وبالتأييد رقّاه

وآتاه حلى فضل عظيم فتحلاه

وقد قال رسول الله قولا قد رويناه

وذو العلم بما قال إذا أدركت معناه

يرى الأخبار في المهدي جاءت بمسمّاه

وقد أبداه بالنسبة والوصف وسمّاه

ويكفي قوله : مني لإشراق محياه

ومن بضعته الزهراء مجراه ومرساه

ولن يبلغ ما اوتيه أمثال وأشباه

فإن قالوا هو المهدي ما ماتوا بما فاهوا

قد وقع من النبوّة في أكناف عناصرها ورضع من الرسالة أخلاف أواصرها وترع من القرابة بسجال معاصرها ، وبرع في صفات الشرف فعقدت عليه بخناصرها ، فاقتنى من الأنساب شرف نصابها ، واعتلا عند الانتساب على شرف أحسابها ، واجتنى جنا الهداية من

٢٩٣

معادنها وأسبابها ؛ فهو من ولد الطهر البتول ، المجزوم بكونها بضعة من الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فالرسالة أصلها وإنّها لأشرف العناصر والاصول ، فأمّا مولده فبسرّمن رأى في الثالث والعشرين من رمضان سنة ثمان وخمسين ومائتين للهجرة. وأمّا نسبه أبا وامّا فأبوه الحسن الخالص بن علي المتوكّل ـ إلى أن قال : ابن علي المرتضى أمير المؤمنين ـ إلى أن قال : وأمّا اسمه فمحمّد وكنيته أبو القاسم ولقبه الحجّة والخلف الصالح ، وقيل : المنتظر (١).

الثاني : أبو عبد الله محمد بن يوسف الكنجي الشافعي الذي يعبّر عنه ابن الصباغ المالكي في كتابه الفصول المهمّة : بالإمام الحافظ ، ووثّقه وبجّله جمع من العلماء ، ولا يوجد له معارض في أهل السنّة والجماعة قال في كتابه كفاية الطالب بعد ذكر تاريخ ولادة أبي محمّد عليه‌السلام ووفاته : وخلّف ابنه ، وهو الإمام المنتظر (٢).

وفي كتابه البيان بعد ذكر الأئمّة من ولد أمير المؤمنين عليه‌السلام ما لفظه : وخلّف ـ يعني علي الهادي ـ من الولد أبا محمد الحسن ابنه. ثمّ ذكر تاريخ ولادته ووفاته وقال : ابنه وهو الحجّة الإمام المنتظر ، وكان قد أخفى مولده وستر أمره لصعوبة الوقت وخوف السلطان. والباب الرابع والعشرون منه في الدلالة على جواز بقاء المهدي عجل الله فرجه منذ غيبته (٣).

الثالث : نور الدين علي بن محمد بن الصباغ المالكي ، ووثّقه وبجّله جلّ من العلماء منهم محمد بن عبد الرّحمن السخاوي البصري تلميذ الحافظ ابن حجر العسقلاني ، قال في الفصول المهمّة : الفصل الثاني عشر في ذكر أبي القاسم الحجّة الخلف الصالح ابن أبي محمد الحسن الخالص ، وهو الإمام الثاني عشر وتاريخ ولادته ودلائل إمامته (٤).

الرابع : شمس الدين يوسف بن قزأغلي بن عبد الله البغدادي الحنفي ، سبط العالم الواعظ أبي الفرج عبد الرّحمن بن جوزي في آخر كتابه الموسوم بتذكرة خواص الامّة بعد ترجمة العسكري عليه‌السلام : ذكر أولاده منهم (م ح م د) الإمام فقال هو (م ح م د) بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى الرضا بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام ، وكنيته أبو عبد الله وأبو القاسم ، وهو الخلف الحجّة صاحب الزمان القائم

__________________

(١) مطالب السئول : باب ١٢ وكشف الغمة : ٣ / ٢٣٣ عنه.

(٢) كفاية الطالب : ٤٥٨ ذيل الباب الثامن.

(٣) البيان : ١٤٨.

(٤) الفصول المهمّة.

٢٩٤

والمنتظر والتالي ، وهو آخر الأئمّة (١).

الخامس : الشيخ الأكبر محيي الدين بن العربي في الباب السادس والستّين وثلاثمائة من الفتوحات : واعلموا أنّه لا بدّ من خروج المهدي عجل الله فرجه لكن لا يخرج حتّى تمتلئ الأرض جورا وظلما فيملأها قسطا وعدلا ، ولو لم يبق من الدنيا إلّا يوم واحد طوّل الله ذلك اليوم حتّى يلي ذلك الخليفة ، وهو من عترة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من ولد فاطمة عليها‌السلام ، جدّه الحسين ابن علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، ووالده الحسن العسكري بن الإمام علي النقي ـ بالنون ـ بن الإمام محمد التقي ـ بالتاء ـ بن الإمام علي الرضا بن موسى الكاظم بن الإمام جعفر الصادق بن الإمام محمد الباقر بن الإمام زين العابدين علي بن الإمام الحسين بن الإمام علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، يواطئ اسمه اسم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، يبايعه المسلمون ما بين الركن والمقام ، يشبه رسول الله في الخلق ـ بفتح الخاء ـ وينزل عنه في الخلق ـ بضمّها ـ إذ لا يكون أحد مثل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في أخلاقه ، والله تعالى يقول : (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (٢) وهو أجلى الجبهة ، أقنى الأنف ، أسعد الناس به أهل الكوفة يقسم المال بالسوية ويعدل في الرعية ، يمشي الخضر بين يديه ، يعيش خمسا أو سبعا أو تسعا ، يقفو أثر رسول الله ، له ملك يسدّده من حيث لا يراه ، يفتح المدينة الرومية بالتكبير مع سبعين ألفا من المسلمين ، يعزّ الله به الإسلام بعد ذلّه ، ويحييه بعد موته ، ويضع الجزية ويدعو إلى الله بالسيف فمن أبى قتل ومن نازعه خذل ، يحكم بالدين الخالص عن الرأي. إلى آخر كلامه (٣).

السادس : الشيخ العارف عبد الوهاب بن أحمد بن علي الشعراني في كتابه المسمّى باليواقيت ، وهو بمنزلة الشرح لتعلّقات الفتوحات ، وهذا كتابه تلقّاه العلماء بالقبول. قال في المبحث الخامس والستّين من الجزء الثاني من الكتاب المذكور : في بيان أنّ جميع أشراط الساعة التي أخبرنا بها الشارع حقّ لا بدّ أن تقع كلّها قبل قيام الساعة ، وذلك لخروج المهدي عجل الله فرجه ثمّ الدجّال ثمّ نزول عيسى ـ إلى أن قال ـ إلى انتهاء الألف ، ثمّ تأخذ في ابتداء الاضمحلال إلى أن يصير الدين غريبا كما بدأ ، وذلك الاضمحلال يكون بدايته من

__________________

(١) تذكرة الخواص : ٣٢٥ فصل في ذكر الحجّة المهدي عليه‌السلام.

(٢) سورة القلم : ٤.

(٣) الفتوحات المكية : ٣ / ٤١٩ باب ٣٦٦ ط. بولاق ـ مصر ، اليواقيت والجواهر : ٤٢٢ ـ ٤٢٣.

٢٩٥

مضي ثلاثين سنة من القرن الحادي عشر ، فهناك يترقّب خروج المهدي عجل الله فرجه ، وهو من أولاد الإمام الحسن العسكري ومولده ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين ، وهو باق إلى أن يجتمع بعيسى ابن مريم فيكون عمره إلى وقتنا هذا ـ وهو سنة ثمان وخمسين وتسعمائة ـ سبعمائة وثلاث سنين (١).

السابع : نور الدين عبد الرّحمن بن قوام الدين الدشتي الجامي الحنفي في شواهد النبوّة (٢) ، وهو كتاب جليل معتمد ، وفي هذا الكتاب جعل الحجّة ابن الحسن عليه‌السلام الإمام الثاني عشر ، ذكر غرائب حالات ولادته وبعض معاجزه وأنّه الذي يملأ الأرض عدلا وقسطا ، وروى عن حكيمة عمّة أبي محمّد الزكي أنّها قالت : كنت يوما عند أبي محمّد عليه‌السلام فقال : يا عمّة بيتي الليلة فإنّ الله يعطينا خلفا. فقلت : ممّن؟ فإنّي لا أرى في نرجس أثر الحمل. فقال عليه‌السلام : يا عمّة مثل نرجس مثل أمّ موسى لا يظهر حملها إلّا في وقت الولادة (٣) ، إلى آخر حال تولّده كما ذكر في غصن تولّده عجل الله فرجه باختلاف ما روي عن غير واحد رؤيتهم إيّاه في حال حياة أبي محمّد عليه‌السلام ، وحكاية المبعوثين من قبل المعتمد على قتله عليه‌السلام.

الثامن : الحافظ محمد بن محمد بن محمود البخاري المعروف بخواجة پارسا من أعيان علماء الحنفية في كتابه فصل الخطاب : ولمّا زعم أبو عبد الله جعفر بن أبي الحسن علي الهادي رضى الله عنه أنّه لا ولد لأخيه أبي محمد الحسن العسكري عليه‌السلام وادّعى أنّ أخاه الحسن العسكري جعل الإمامة فيه سمّي الكذّاب ، وهو معروف بذلك ، والعقب من ولد جعفر بن علي هذا في علي بن جعفر ، وعقب علي هذا ثلاثة : عبد الله وجعفر وإسماعيل ، وأبو محمد الحسن العسكري ولده م ح م د عليه‌السلام معلوم عند خاصّة خواص أصحابه وثقات أهله. ثمّ جر الكلام في ذكر رواية تولّده عن حكيمة بنت أبي جعفر محمد الجواد كما في ترجمة عبد الرّحمن الجامي قبيل ذلك باختلاف يسير (٤).

التاسع : الحافظ أبو الفتح محمد بن أبي الفوارس في أربعينه (٥) المعروف في الحديث

__________________

(١) اليواقيت والجواهر : ٤٢٢ المبحث الخامس والستّون.

(٢) راجع غيبة النعماني : ١٤.

(٣) مدينة المعاجز : ٨ / ٣١. وتقدّم الحديث مفصّلا.

(٤) عنه خاتمة المستدرك : ٢٢ / ٤٨٧ ح ٢١٤.

(٥) راجع مقتضب الأثر : ١٢.

٢٩٦

الرابع عن أحمد بن نافع البصري قال : حدّثني أبي وكان خادما للإمام أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليه‌السلام قال : حدّثني أبي العبد الصالح موسى بن جعفر قال : حدّثني أبي جعفر الصادق عليه‌السلام قال : حدّثني أبي باقر علوم الأنبياء محمّد بن علي قال : حدّثني أبي سيّد العابدين علي بن الحسين عليه‌السلام قال : حدّثني أبي سيّد الشهداء الحسين بن علي عليه‌السلام قال : حدّثني سيّد الأوصياء علي بن أبي طالب عليه‌السلام أنّه قال : قال لي أخي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من أحبّ أن يلقى الله عزوجل وهو مقبل عليه غير معرض عنه فليتولّ عليا ، ومن سرّه أن يلقى الله وهو راض عنه فليتولّ ابنك الحسن ، ومن أحب أن يلقى الله عزوجل ولا خوف عليه فليتولّ ابنك الحسين ، ومن أحب أن يلقى الله وهو يحطّ عنه ذنوبه فليتولّ علي بن الحسين عليه‌السلام فإنّه كما قال الله تعالى : (سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ) (١) من أحبّ أن يلقى الله عزوجل وهو قرير العين فليتولّ محمد بن علي عليه‌السلام ، ومن أحبّ أن يلقى الله عزوجل فيعطيه كتابه بيمينه فليتولّ جعفر بن محمد ، ومن أحبّ أن يلقى الله طاهرا مطهرا فليتولّ موسى بن جعفر النور الكاظم ، ومن أحبّ أن يلقى الله عزوجل وهو ضاحك فليتولّ علي بن موسى الرضا عليه‌السلام ومن أحبّ أن يلقى الله عزوجل وقد رفعت درجاته وبدّلت سيّئاته حسنات فليتولّ ابنه محمدا ، ومن أحبّ أن يلقى الله عزوجل فيحاسبه حسابا يسيرا ، ويدخله جنّة عرضها السموات والأرض فليتولّ ابنه عليّا ، ومن أحبّ أن يلقى الله عزوجل وهو من الفائزين فليتولّ ابنه الحسن العسكري ، ومن أحبّ أن يلقى الله عزوجل وقد كمل إيمانه وحسن إسلامه فليتولّ ابنه صاحب الزمان المهدي عجل الله فرجه ؛ فهؤلاء مصابيح الدجى وأئمّة الهدى وأعلام التقى فمن أحبّهم وتولّاهم كنت ضامنا له على الله الجنّة (٢).

العاشر : أبو المجد عبد الحقّ الدهلوي البخاري قال في رسالته في المناقب وأحوال الأئمّة الأطهار بعد ذكر أمير المؤمنين والحسنين والسجّاد والباقر والصادق : وهؤلاء من أهل البيت وقع لهم ذكر في الكتاب ـ إلى أن قال ـ ولقد تشرّفا بذكرهم جميعا في الرسالة المنفردة الخ. فقال في الرسالة : وأبو محمد العسكري ، ولده (م ح م د) معلوم عند خواص أصحابه وثقاته. ثمّ نقل قصّة الولادة بالفارسية على طبق ما مرّ عن فصل الخطاب للخواجة

__________________

(١) سورة الفتح : ٢٩.

(٢) الروضة في المعجزات والفضائل : ١٥٥ ، والصراط المستقيم : ٢ / ١٤٨.

٢٩٧

محمّد پارسا (١).

الحادي عشر : السيّد جمال الدين عطاء الله بن السّيد غياث الدين فضل الله بن السيّدعبد الرّحمن المحدث المعروف صاحب كتاب : روضة الأحباب بالفارسية : إمام دوازدهم (م ح م د) بن الحسن عليه‌السلام تولد همايون آن در درج ولايت وجوهر معدن هدايت در منتصف شعبان سنة دويست وپنجاه وپنج در سامره اتفاق افتاد وگفته شده در بيست وسيم از شهر رمضان سنة دويست وپنجاه وهشت ومادر آن عالى عالى گهر امّ ولد بوده ومسماة بصيقل يا سوسن وقيل : نرجس وقيل : حكيمة ، وآن إمام ذو الاحترام در كنيت با حضرت خير الأنام عليه وآله تحف السلام موافقت دارد ومهدي منتظر والخلف الصالح وصاحب الزمان در ألقاب أو منتظم است در وقت وفات پدر عليه‌السلام بزرگوار خود بروايتى كه بصحت اقربست پنجساله بود وبقول ثانى دوساله وحضرت واهب العطايا آن شكوفه گلزار را مانند يحيى بن زكريا سلام الله عليهما در حالت طفوليت حكمت كرامت فرموده ودر وقت صبا به مرتبه بلند إمامت رسانيده وصاحب الزمان يعنى مهدى دوران در زمان معتمد خليفه در سنه دويست وشصت وپنج يا شصت وشش على اختلاف القولين در سردابه سر من رأى أز نظر فرق برا يا غائب شد ، وبعد ذكر كلماتى چند درباره آن جناب ونقل بعضى روايات صريحه در آنكه مهدى موعود همان حجة بن الحسن العسكري است (٢).

الثاني عشر : الحافظ بن محمد أحمد بن إبراهيم بن هاشم الطوسي البلاذري في مسلسلاته : أخبرني فريد عصره الشيخ حسن بن علي العجمي ، أنا (٣) حافظ عصره جمال الدين الباهلي ، أنا مسند وقته محمد الحجازي الواعظ ، أنا صوفي زمانه الشيخ عبد الوهاب الشعراني ، أنا مجتهد عصره الجلال السيوطي ، أنا حفظ عصره أبو نعيم رضوان العقبي ، أنا معرفي زمانه الشيخ محمد بن الجوزي ، أنا الإمام جلال الدين محمد بن محمد بن الجمال زاهد عصره ، أنا الإمام محمد بن مسعود محدث بلاد فارس في زمانه ، أنا شيخنا إسماعيل ابن مظفر الشيرازي عالم وقته ، أنا عبد السلام بن أبي الربيع الحنفي محدّث زمانه ، أنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن شابور القلانسي شيخ عصره ، أنا عبد العزيز ، حدثنا (٤) محمد الأمّي

__________________

(١) راجع كشف الغمة : ٢ / ٤٩٨.

(٢) راجع غيبة النعماني : ١٤ ومقتضب الأثر : ١٢.

(٣) أي أخبرنا.

(٤) أي حدّثنا.

٢٩٨

إمام أوانه ، أنا سليمان بن إبراهيم بن محمد بن سليمان نادرة عصره ، حدثنا أحمد بن محمد بن هاشم البلاذري حافظ زمانه ، حدثنا (م ح م د) بن الحسن المحجوب إمام عصره ، حدثنا الحسن بن علي عن أبيه عن جدّه عن أبي جدّه علي بن موسى الرضا ، حدثنا موسى الكاظم قال : حدثنا أبي جعفر الصادق ، حدثنا أبي محمد الباقر بن علي ، حدثنا علي بن الحسين زين العابدين السجّاد ، حدثنا أبي الحسين سيّد الشهداء عليه‌السلام ، حدثنا أبي علي بن أبي طالب سيّد الأولياء ، قال : أخبرنا سيّد الأنبياء محمّد بن عبد الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : أخبرني جبرئيل سيّد الملائكة قال : قال الله تعالى سيّد السادات : إنّي أنا الله لا إله إلّا أنا ، من أقرّ لي بالتوحيد دخل حصني ومن دخل حصني أمن من عذابي.

الثالث عشر : الشيخ العالم الأريب الأوحد أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن الخشّاب عن صدقة بن موسى ، حدّثنا أبي شهاب الدين المعروف بملك العلماء عن الرضا عليه‌السلام الخلف الصالح من ولد أبي محمد الحسن بن علي ، وهو صاحب الزمان وهو المهدي. وعن هارون بن موسى عن أبيه موسى قال : قال سيّدي جعفر بن محمّد عليه‌السلام : الخلف الصالح من ولدي هو المهدي ، اسمه م ح م د وكنيته أبو القاسم يخرج في آخر الزمان يقال لامّه صيقل ، وفي رواية ، بل أمّه حكيمة ، وفي رواية اخرى ثالثة يقال لها : نرجس ، ويقال بل سوسن ، والله أعلم بذلك (١).

الرابع عشر : شهاب الدين بن شمس (٢) الدين بن عمر الهندي المعروف بملك العلماء ، صاحب التفسير الموسوم بالبحر المواج قال في كتابه الموسوم ب «هداية السعداء» (٣) : ويقول أهل السنّة : إنّ خلافة الخلفاء الأربعة ثابتة بالنص ، كذا في عقيدة الحافظية ، قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : خلافتي ثلاثون سنة ، وقد تمّت بعلي وكذا خلافة الأئمّة الاثني عشر أوّلهم : الإمام علي كرّم الله وجهه ، وفي خلافته ورد حديث : الخلافة ثلاثون سنة ، والثاني : الإمام الشاه حسن رضى الله عنه ، قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : هذا ابني سيّد سيصلح بين المسلمين ، والثالث : الإمام الشاه حسين عليه‌السلام ، قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : هذا ابني ستقتله الباغية ، وتسعة من ولد الشاه حسين ، قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : بعد الحسين بن علي كانوا من أبنائه تسعة أئمّة آخرهم القائم.

__________________

(١) تاريخ مواليد الأئمّة لابن الخشّاب : ٤٥ ، وكشف الغمة : ٣ / ٢٦٥.

(٢) في المصدر : شهاب.

(٣) غيبة النعماني : ١٥.

٢٩٩

وقال جابر بن عبد الله الأنصاري : دخلت على فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وبين يديها ألواح فيها أسماء أئمّة من ولدها فعددت أحد عشر اسما آخرهم القائم. ثمّ أورد على نفسه سؤالا أنّه لم يدّع زين العابدين الخلافة فأجاب عنه بكلام طويل حاصله : أنّه رأى ما فعل بجدّه أمير المؤمنين وأبيه عليها‌السلام من الخروج والقتل والظلم ، وسمع أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله رأى في منامه أن أجرية الكلاب تصعد على منبره وتعوي فحزن فنزل عليه جبرئيل بالآية (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) وهي مدّة ملك بني امية وتسلّطهم على عباد الله ، فخاف وسكت إلى أن يظهر المهدي من ولده فيرفع الألوية ويخرج السيف فيملأ الأرض عدلا وقسطا إلى أن قال : وأوّلهم الإمام زين العابدين والثاني الإمام محمد الباقر والثالث الإمام جعفر الصادق عليهم‌السلام والرابع الإمام موسى الكاظم ابنه ، والخامس علي الرضا ابنه ، والسادس الإمام محمّد التقي ابنه ، والسابع الإمام علي النقي ابنه ، والثامن الإمام الحسن العسكري ابنه ، والتاسع الإمام حجّة الله القائم الإمام المهدي ابنه ، وهو غائب وله عمر طويل ، كما بين المؤمنين عيسى وإلياس وخضر ، وفي الكافرين الدجّال والسامري (١).

الخامس عشر : الشيخ العالم المحدّث علي المتقي ابن حسام الدين ابن القاضي عبد الملك بن قاضي خان القرشي من كبار العلماء ، وقد مدحوه في التراجم ووصفوه بكل جميل قال في كتاب المرقاة في شرح المشكاة بعد ذكر حديث اثني عشرية الخلفاء ؛ قلت : وقد حملت الشيعة الاثني عشر على أنّهم من أهل بيت النبوّة متوالية أعمّ من أن بهم خلافة حقيقة ، يعني ظاهرا أو استحقاقا ؛ فأوّلهم علي ثمّ الحسن والحسين فزين العابدين فمحمد الباقر فجعفر الصادق فموسى الكاظم فعليّ الرضا فمحمّد التقي فعليّ النقي فحسن العسكري عليهم‌السلام ، فمحمّد المهدي رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ، على ما ذكرهم صاحب زبدة الأولياء خواجه محمد پارسا في كتاب فصل الخطاب مفصّلا ، وتبعه مولانا نور الدين عبد الرّحمن الجامي في أواخر شواهد النبوّة ، وذكر فضائلهم ومناقبهم وكراماتهم مجملة ، وفيه ردّ على الروافض حيث يظنّون بأهل السنّة بأنّهم يبغضون أهل البيت باعتقادهم الفاسد وفهمهم الكاسد. وأوّل كلامه وإن كان نقدا لمذهب الشيعة ، إلّا أنّ آخره صريح في

__________________

(١) راجع كشف الغمة : ٣ / ٢٤٦ ، ومقدمة غيبة النعماني : ١٥.

٣٠٠