إلزام النّاصب في إثبات الحجّة الغائب عجّل فرجه - ج ١

الشيخ علي اليزدي الحائري

إلزام النّاصب في إثبات الحجّة الغائب عجّل فرجه - ج ١

المؤلف:

الشيخ علي اليزدي الحائري


المحقق: السيد علي عاشور
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٤٠
الجزء ١ الجزء ٢

وأيّده على عدوّه ، وأمّا شبهه من عيسى فاختلاف من اختلف فيه حتّى قالت طائفة منهم : ما ولد ، وقالت طائفة : مات وقالت طائفة قتل وصلب. وأمّا شبهه من جدّه المصطفى فخروجه بالسيف وقتل أعداء الله وأعداء رسوله والجبّارين والطواغيت ، وأنّه ينصر بالسيف وبالرعب ، وأنّه لا تردّ له راية. وإنّ من علامات خروجه ، خروج السفياني من الشام وخروج اليماني وصيحة من السماء في شهر رمضان ، ومناد ينادي باسمه من السماء واسم أبيه (١).

وفيه عن الصادق عليه‌السلام : من أقرّ بجميع الأئمّة وجحد المهدي كان كمن أقرّ بجميع الأنبياء وجحد محمّدا نبوّته ، فقيل له : يا ابن رسول الله فمن المهدي من ولدك؟ قال : الخامس من ولد السابع يغيب عنكم شخصه ؛ ولا تحلّ لكم تسميته (٢).

وفيه عنه عليه‌السلام : إذا توالت ثلاثة أسماء محمد وعلي والحسن كان رابعهم قائمهم (٣).

وفيه عن مفضل : دخلت على الصادق عليه‌السلام قلت : يا سيدي لو عهدت إلينا في الخلف من بعدك؟ فقال لي : يا مفضل الإمام من بعدي ابني موسى والخلف المأمول المنتظر م ح م د ابن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى (٤).

وفي أعلام الورى عن مفضل عنه عليه‌السلام : إنّ الله تبارك وتعالى خلق أربعة عشر نورا قبل خلق الخلق بأربعة عشر ألف عام فهي أرواحنا. فقيل له : يا ابن رسول الله ومن الأربعة عشر؟ فقال : محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة من ولد الحسين ، آخرهم القائم الذي يقوم بعد غيبته ، ويطهّر الأرض من كلّ جور وظلم (٥).

وفيه عن الحميري في حديث طويل : قلت للصادق عليه‌السلام : يا ابن رسول الله روي لنا أخبار عن آبائك في الغيبة وصحّة كونها ، فأخبرني بمن تقع؟ فقال : إنّ الغيبة ستقع بالسادس من ولدي وهو الثاني عشر من الأئمّة الهداة بعد رسول الله ؛ أوّلهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وآخرهم القائم بالحقّ بقيّة الله في الأرض وصاحب الزمان ، وبقي من غيبته ما بقي نوح في قومه ، لم يخرج من الدنيا حتّى يظهر فيخرج فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت

__________________

(١) كشف الغمة : ٣ / ٣٣٠.

(٢) أعلام الورى : ٢ / ٢٣٤ ط. مؤسسة آل البيت.

(٣) المصدر السابق.

(٤) المصدر السابق.

(٥) أعلام الورى : ٤٠٨ الفصل الثاني من النص عليهم. ط. قم الاولى.

٢٠١

جورا وظلما (١).

وفي الكافي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : إنّ الله عزوجل أنزل على نبيّه كتابا قبل وفاته وقال : يا محمد هذه وصيتك إلى النجبة من أهلك. قال : وما النجبة يا جبرئيل؟ قال : علي بن أبي طالب وولده ، وكان على الكتاب خواتم من ذهب ، ودفعه النبي إلى أمير المؤمنين وأمره أن يفك خاتما منه ويعمل بما فيه ، ففك أمير المؤمنين خاتما وعمل بما فيه ، ثمّ دفعه إلى ابنه الحسن ففكّ خاتما وعمل بما فيه ، ثمّ دفعه إلى الحسين ففكّ خاتما فوجد فيه : أن اخرج بقوم إلى الشهادة ، فلا شهادة لهم إلّا معك واشر نفسك لله ففعل ، ثمّ دفعه إلى علي بن الحسين ففك خاتما فوجد فيه : أن أطرق واصمت إلى منزلك ، واعبد ربّك حتّى يأتيك اليقين ففعل ، ثمّ دفعه إلى محمّد بن علي ففك خاتما فوجد فيه : حدّث الناس وأفتهم ولا تخافنّ إلّا الله عزوجل فإنّه لا سبيل لأحد عليك ، ثمّ دفعه إلى ابنه جعفر ففك خاتما فوجد فيه : حدّث الناس وأفتهم وانشر علوم أهل بيتك ، وصدّق آباءك الصالحين ، ولا تخافن إلّا الله عزوجل وأنت في حرز وأمان ففعل ، ثمّ دفعه إلى ابنه موسى وكذلك يدفعه موسى إلى الذي بعده ، ثمّ كذلك إلى قيام المهدي (٢).

وفي الأربعين عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه‌السلام : إذا فقد الخامس من ولد السابع فالله الله في أديانكم ، لا يزيلنّكم أحد عنها ، يا بني إنّه لا بدّ لصاحب هذا الأمر من غيبة حتّى يرجع عن هذا الأمر من كان يقول به ، إنّما هي محنة من الله عزوجل امتحن بها خلقه ، ولو علم آباؤكم وأجدادكم دينا أصحّ من هذا لاتّبعوه. فقلت : يا سيدي من الخامس من ولد السابع؟ فقال : يا بني عقولكم تصغر من هذا ، وأخلاقكم تضيق عن حمله ، ولكن إن تعيشوا فسوف تدركونه (٣).

وفيه عن يونس بن عبد الرّحمن قال : دخلت على موسى بن جعفر عليه‌السلام فقلت له : يا ابن رسول الله أنت القائم بالحق؟ فقال : أنا القائم بالحق ، ولكن القائم الذي يطهّر الأرض من أعداء الله ويملأها عدلا كما ملئت جورا هو الخامس من ولدي ، له غيبة يطول أمدها خوفا على نفسه ، يرتدّ فيها أقوام ويثبت فيها آخرون ، ثمّ قال : طوبى لشيعتنا المتمسّكين بحبلنا

__________________

(١) أعلام الورى : ٢٨٦ الفصل الرابع من النصّ عليهم.

(٢) الكافي : ١ / ٢٨٠ ح ٢.

(٣) الكافي : ١ / ٣٣٦ ح ٢.

٢٠٢

في غيبة قائمنا الثابتين على موالاتنا والبراءة من أعدائنا ، اولئك منّا ونحن منهم ، قد رضوا بنا أئمّة ورضينا بهم شيعة ، فطوبى لهم ثمّ طوبى لهم والله معنا في درجاتنا يوم القيامة (١).

قال الناقل لهذا الحديث الفاضل المحقّق الحاج ميرزا إبراهيم الخوئي في أربعينه : أحد العلل التي من أجلها وقعت الغيبة الخوف كما ذكر في هذا الحديث ، وقد كان موسى بن جعفر عليهما‌السلام في ظهوره كاتما لأمره وكان شيعته لا يجترءون على الإشارة إليه خوفا من طاغية زمانهم ، حتّى أنّ هشام بن الحكم لما سئل في مجلس يحيى بن خالد عن الدلالة على الإمام أخبر بها ، فلمّا قيل له : فمن هذا الموصوف؟ قال : صاحب أمير المؤمنين هارون الرشيد ، وكان هو خلف الستر قد سمع كلامه ، فقال : أعطانا والله من جراب النورة ، فلمّا علم هشام أنّه قد أتى هرب ، فطلب فلم يقدر عليه فخرج إلى الكوفة ومات بها عند بعض الشيعة فلم يكف عنه الطلب حتّى وضع ميتا بالكناسة وكتب رقعة معه : هذا هشام بن الحكم الذي يطلبه أمير المؤمنين حتّى نظر إليه القاضي والعدول وصاحب المعونة والعامل ، فحينئذ كفّ الطاغية عنه (٢).

وفي الأربعين عن علي بن موسى عليه‌السلام لحسن بن محبوب : لا بدّ من فتنة صمّاء صيلم (٣) ، يسقط منها كل بطانة ووليجة وذلك عند فقدان الشيعة الثالث من ولدي ، يبكي عليه أهل السماء وأهل الأرض ، وكل حيرى وحيران وكل حزين ولهفان ، ثمّ قال : بأبي وأمّي سمي جدّي وشبيهي وشبيه موسى بن عمران عليه حتوب (٤) النور ويتوقّد من شعاع ضياء القدس ، يحزن لموته أهل الأرض والسماء ، وكم من مؤمنة وكم من مؤمن متأسّف حيران حزين عند فقدان الماء المعين ، كأني بهم آيس ما كانوا وقد نودوا نداء يسمع من بعد كما يسمع من قرب ، يكون رحمة على المؤمنين وعذابا على الكافرين (٥).

وفيه عن عبد العظيم بن عبد الله عن زيد بن حسن بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام قال : دخلت على سيدي محمد بن علي بن موسى عليهم‌السلام وأنا أريد أن أسأله عن القائم أهو المهدي أو غيره ، فابتدأني فقال : يا أبا القاسم إنّ القائم منّا هو المهدي الذي يجب أن ينتظر في غيبته

__________________

(١) كمال الدين : ٣٦١ ح ٥ باب ٣٤.

(٢) كمال الدين : ٣٦٨ ح ٥.

(٣) الفتنة الصماء : هي التي تدع الناس حيارى لا يجدون المخلص منها ، والصيلم الشديد من الداهية.

(٤) في الإمامة والتبصرة : عليه جيوب.

(٥) الإمامة والتبصرة : ١١٤ ومختصر البصائر : ٣٨.

٢٠٣

ويطاع في ظهوره ، وهو الثالث من ولدي ، والذي بعث محمّدا بالنبوّة وخصّنا بالإمامة إنّه لو لم يبق من الدنيا إلّا يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم حتّى يخرج فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما ، وإنّ الله تبارك وتعالى يصلح له أمره في ليلة كما أصلح أمر كليمه موسى ، إذ ذهب ليقتبس لأهله نارا فرجع وهو رسول نبي ، ثمّ قال عليه‌السلام : أفضل أعمال شيعتنا انتظار الفرج (١).

وفيه عن صغير بن دلف قال : سمعت أبا جعفر الثاني يقول : إنّ الإمام بعدي ابني علي ، أمره أمري وقوله قولي وطاعته طاعتي ، والإمام بعده ابنه الحسن أمره أمر أبيه وقوله قول أبيه وطاعته طاعة أبيه ، ثمّ سكت فقلت له : يا ابن رسول الله فمن الإمام بعد الحسن؟ فبكى عليه‌السلام بكاء شديدا ثمّ قال عليه‌السلام : إنّ من بعد الحسن ابنه القائم بالحق المنتظر ، فقلت له : يا ابن رسول الله ولم سمّي القائم؟ قال : لأنّه يقوم بعد موت ذكره وارتداد أكثر القائلين بإمامته. فقلت له : ولم سمّي المنتظر؟ قال عليه‌السلام : لأنّ له غيبة تكثر أيّامها ويطول أمدها ، فينتظر خروجه المخلصون وينكره المرتابون ويستهزىء بذكره الجاحدون ويكذّب فيها الوقّاتون ويهلك فيها المستعجلون وينجو فيها المسلمون (٢).

وفيه عن محمد بن عبد الله الحسيني : قلت لمحمد بن علي بن موسى عليهم‌السلام : إنّي لأرجو أن تكون القائم من أهل بيت محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما.

فقال : يا أبا القاسم ما منّا إلّا قائم بأمر الله عزوجل وهاد إلى دينه ، ولكن القائم الذي يطهّر الله به الأرض من أهل الكفر والجحود ويملأها قسطا وعدلا هو الذي يخفى عن الناس ولادته ، ويغيب عنهم شخصه ، ويحرم عليهم تسميته ، وهو سمّي رسول الله وكنيّه وهو الذي تطوى له الأرض ويذلّ له كلّ صعب ، يجتمع إليه من أصحابه عدّة أهل بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا من أقاصي الأرض وذلك قول الله عزوجل (أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٣) فإذا اجتمعت له هذه العدّة من أهل الإخلاص أظهر أمره ، فإذا أكمل له العقد وهو عشرة آلاف رجل خرج بإذن الله عزوجل فلا يزال يقتل أعداء الله حتّى يرضى الله عزوجل.

__________________

(١) كفاية الأثر : ٢٨١.

(٢) كمال الدين : ٣٧٨ وكفاية الأثر : ٢٨٣.

(٣) سورة البقرة : ١٤٨.

٢٠٤

قال عبد العظيم : فقلت : يا سيدي وكيف يعلم أنّ الله قد رضي؟ قال : يلقي في قلبه الرحمة ، فإذا دخل المدينة أخرج اللات والعزّى وأحرقهما (١).

وفيه عن علي بن مهزيار كتبت إلى أبي الحسن أسأله عن الفرج فكتب : إذا غاب صاحبكم عن دار الظالمين فتوقّعوا الفرج (٢).

وفيه عن داود بن قاسم الجعفري : سمعت أبا الحسن صاحب العسكر يقول : الخلف من بعدي ابني الحسن فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف ، فقلت : لم جعلني الله فداك؟ فقال : لأنّكم لا ترون شخصه ولا يحلّ لكم ذكره باسمه. قلت : فكيف نذكره؟ قال : قولوا الحجّة من آل محمّد (٣).

وفيه عن عبد العظيم الحسني ، ابن عبد الله بن علي بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي ابن أبي طالب عليه‌السلام : دخلت على سيدي علي بن محمد قال : فبصر بي وقال : مرحبا بك يا أبا القاسم أنت وليّنا حقّا. قال : فقلت له : يا ابن رسول الله إنّي اريد أن أعرض عليك ديني فإن كان مرضيا أثبت عليه حتّى ألقى الله عزوجل. فقال : هات يا أبا القاسم. فقلت : إنّي أقول : إنّ الله تبارك وتعالى واحد ليس كمثله شيء خارج عن الحدّين حدّ التشبيه وحدّ الإبطال ، وإنّه ليس بجسم ولا صورة ولا عرض ولا جوهر ، بل هو مجسّم الأجسام ومصوّر الصور وخالق الأعراض والجواهر وربّ كلّ شيء ومالكه وجاعله ومحدثه ، وإنّ محمّدا عبده ورسوله خاتم النبيّين فلا نبي بعده إلى يوم القيامة ، وإنّ شريعته خاتم الشرائع فلا شريعة بعدها إلى يوم القيامة.

وأقول إنّ الإمام والخليفة وولي الأمر بعده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام ثمّ الحسن ثمّ الحسين ثمّ علي بن الحسين ثمّ محمد بن علي ثمّ جعفر بن محمّد ثمّ موسى بن جعفر ثمّ علي بن موسى ثمّ محمّد بن علي ثمّ أنت يا مولاي. فقال عليه‌السلام : ومن بعدي الحسن ابني ، فكيف للناس بالخلف بعده؟ قال : فقلت : وكيف ذلك يا مولاي؟ قال : لأنّه لا يرى شخصه ولا يحلّ ذكره باسمه حتّى يخرج فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما

__________________

(١) غيبة النعماني : ١٦٥.

(٢) الإمامة والتبصرة : ٩٣ والخرائج : ٣ / ١١٧٢ ح ٦٧.

(٣) الإرشاد للمفيد : ٢ / ٣٢٠.

٢٠٥

وجورا. قال : فقلت : أقررت. وأقول : بأنّ وليّهم ولي الله وعدوّهم عدوّ الله وطاعتهم طاعة الله ومعصيتهم معصية الله عزوجل. الحديث ، إلى هنا محلّ الحاجة (١).

وفيه عن سعد بن عبد الله دخلت على أبي محمد الحسن بن علي عليهما‌السلام وأنا أريد أن أسأله عن الخلف من بعده ، فقال مبتدئا : يا أحمد بن إسحاق إنّ الله تبارك وتعالى لم يخل الأرض منذ خلق آدم إلى يوم القيامة من حجّة لله على خلقه ، به يدفع البلاء عن أهل الأرض وبه ينزل الغيث وبه يخرج بركات الأرض. فقلت له : يا ابن رسول الله فمن الإمام والخليفة بعدك فنهض عليه‌السلام مسرعا فدخل البيت ثمّ خرج وعلى عاتقه غلام كأن وجهه القمر ليلة البدر من أبناء ثلاث سنين فقال عليه‌السلام : يا أحمد بن إسحاق لو لا كرامتك على الله وعلى حججه ما عرضت عليك ابني هذا ، إنّه سمّي رسول الله وكنيّه الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما ، يا أحمد بن إسحاق مثله في هذه الامّة مثل الخضر ، ومثله مثل ذي القرنين والله ليغيبن غيبة لا ينجو منها من الهلكة إلّا من ثبّته الله على القول بإمامته ووفّقه للدعاء بتعجيل فرجه.

قال أحمد بن إسحاق : فقلت له : يا مولاي فهل من علامة يطمئن بها قلبي؟ فنطق الغلام بلسان عربي فصيح فقال عجل الله فرجه : أنا بقيّة الله في أرضه والمنتقم من أعدائه فلا تطلب أثرا بعد عين يا أحمد بن إسحاق. قال أحمد بن إسحاق : فخرجت مسرورا فرحا فلمّا كان من الغد عدت إليه فقلت له : يا ابن رسول الله لقد عظم سروري بما مننت عليّ ، فما السنّة الجارية فيه من الخضر وذي القرنين؟ فقال : طول الغيبة يا أحمد. فقلت : يا ابن رسول الله فإنّ غيبته لتطول؟ قال : إي وربّي حتّى يرجع عن هذا الأمر أكثر القائلين به ، فلا يبقى إلّا من أخذ الله عهده بولايتنا وكتب في قلبه الإيمان وأيّده بروح منه ، يا أحمد بن إسحاق هذا أمر من أمر الله وسرّ من سرّ الله وغيب من غيب الله ، فخذ ما آتيتك واكتمه وكن من الشاكرين تكن معنا غدا في عليين (٢).

__________________

(١) أمالي الصدوق : ٤١٩ ح ٥٥٧.

(٢) كمال الدين : ٣٨٥ ح ١ باب ٣٨.

٢٠٦

الفرع السادس

في ذكر كتاب وجد عند صخرة تحت أرض الكعبة في زمان عبد الله بن الزبير ، وفيه أخبار عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة الاثني عشر عليهم‌السلام.

في الدمعة عن المقتضب عن عبد الله بن ربيعة ـ رجل من أهل مكّة ـ قال : قال لي : إنّي محدّثك الحديث فاحفظه عنّي واكتمه علي ما دمت حيّا ، أو يأذن الله فيه بما يشاء : كنت مع من عمل مع ابن الزبير في الكعبة قال : حدّثني أنّ ابن الزبير أمر العمّال أن يبلغوا في الأرض. قال : فبلغنا صخورا أمثال الإبل ، فوجدت على بعض تلك الصخور كتابا موضوعا ، فتناولته وسترت أمره فلمّا صرت إلى منزلي تأمّلته فرأيته كتابا لا أدري من أي شيء هو ، ولا أدري الذي كتب به ما هو إلّا أنه ينطوي الكتاب فقرأت فيه :

باسم الأوّل لا شيء قبله ، لا تمنعوا الحكمة أهلها فتظلموهم ، ولا تعطوها غير مستحقيها فتظلموها ، إنّ الله يصيب بنوره من يشاء ، والله يهدي من يشاء ، والله ضالّ لمن يريد. باسم الأوّل لا نهاية له القائم على كلّ نفس بما كسبت ، وكان عرشه على الماء ، ثمّ خلق الخلق بقدرته وصوّرهم بحكمته وميّزهم بمشيئته كيف شاء ، وجعلهم شعوبا وقبائل وبيوتا لعلمه السابق فيهم ، ثمّ جعل من تلك القبائل قبيلة مكرمة سمّاها قريشا وهي أهل الإمامة ، ثمّ جعل من تلك القبيلة بيتا خصّه الله بالبناء والرفعة ، وهم ولد عبد المطّلب حفظة هذا البيت وعمّاره وولاته وسكّانه.

ثمّ اختار من ذلك البيت نبيّا يقال له محمّد ويدعى في السماء أحمد ، يبعثه الله في آخر الزمان نبيّا ، وبرسالته مبلغا وللعباد إلى دينه داعيا منعوتا في الكتب ، تبشّر به الأنبياء ويرث علمه خير الأوصياء ، يبعثه الله وهو ابن أربعين عند ظهور الشرك وانقطاع الوحي وظهور الفتن ؛ ليظهر الله به دين الإسلام ويدحر به الشيطان ويعبد به الرّحمن ، قوله فصل وحكمه عدل يعطيه الله النبوّة بمكّة والسلطان بطيبة ، له مهاجرة من مكة إلى طيبة وبها موضع قبره ، يشهر سيفه ويقاتل من خالفه ويقيم الحدود فيمن اتبعه ، هو على الامّة شهيد ولهم يوم القيامة شفيع ، يؤيّده بنصره ويعضده بأخيه وابن عمّه وصهره وزوج ابنته ووصيّه في أمّته من بعده ، وحجّة الله على خلقه ، ينصبه لهم علما عند اقتراب أجله ، هو باب الله فمن أتى الله من غير الباب ضلّ ، يقبضه الله وقد خلف في أمّته عمودا بعد أن يبيّن لهم ، يقول بقوله فيهم

٢٠٧

ويبيّنه لهم ، هو القائم من بعده والإمام والخليفة في أمّته ، فلا يزال مبغضا محسودا مخذولا ومن حقّه ممنوعا ، لأحقاد في القلوب وضغائن في الصدور ولعلوّ مرتبته وعظم منزلته وعلمه وحلمه ، وهو وارث العلم ومفسّره ، مسئول غير سائل ، عالم غير جاهل ، كريم غير لئيم ، كرّار غير فرّار ، لا تأخذه في الله لومة لائم ، يقبضه الله عزوجل شهيدا بالسيف مقتولا هو (١) يتولّى قبض روحه ، ويدفن في الموضع المعروف بالغري ، يجمع الله بينه وبين النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

ثمّ القائم من بعده ابنه الحسن سيّد الشباب وزين الفتيان ، يقتل مسموما ، يدفن بأرض طيبة في الموضع المعروف بالبقيع ، ثمّ يكون بعده الحسين عليه‌السلام إمام عدل يضرب بالسيف ويقري الضيف ، يقتل بالسيف على شاطئ الفرات في الأيّام الزاكيات ، يقتله بنو الطوامث والبغيات ، يدفن بكربلاء ، قبره للناس نور وضياء وعلم ، ثمّ يكون القائم من بعده ابنه سيّد العابدين وسراج المؤمنين ، يموت موتا ، يدفن في أرض طيبة في الموضع المعروف بالبقيع ، ثمّ يكون الإمام القائم بعده المحمود فعاله محمد باقر العلم ومعدنه وناشره ومفسّره ، يموت موتا يدفن بالبقيع من أرض طيبة ، ثمّ يكون الإمام جعفر ، وهو الصادق وبالحكمة ناطق ، مظهر كلّ معجزة وسراج الامّة ، يموت موتا بأرض طيبة ، موضع قبره بالبقيع.

ثمّ الإمام بعده المختلف دفنه ، سمي المناجي ربّه موسى بن جعفر يقتل بالسمّ في محبسه ، يدفن في الأرض المعروفة بالزوراء ، ثمّ القائم بعده ابنه الإمام علي الرضا المرتضى لدين الله إمام الحق ، يقتل بالسمّ في أرض العجم ، ثمّ القائم الإمام بعده ابنه محمد ، يموت موتا ، يدفن بالأرض المعروفة بالزوراء ، ثمّ القائم بعده ابنه علي لله ناصر ويموت موتا ويدفن في المدينة المحدثة ، ثمّ القائم بعده ابنه الحسن وارث علم النبوّة ومعدن الحكمة ، يستضاء به من الظلم ، يموت موتا يدفن في المدينة المحدثة.

ثمّ المنتظر بعده اسمه اسم النبي يأمر بالعدل ويفعله وينهى عن المنكر ويجتنبه ، يكشف الله به الظلم ويجلو به الشك والعمى ، ويرعى الذئب في أيّامه مع الغنم ، ويرضى عنه ساكن السماء والطير في الجوّ والحيتان في البحار ، يا له من عبد ما أكرمه على الله ، طوبى لمن أطاعه وويل لمن عصاه ، طوبى لمن قاتل بين يديه فقتل وقتل ، اولئك عليهم صلوات من ربّهم ورحمة واولئك هم المهتدون ، واولئك هم المفلحون (٢).

__________________

(١) يعني الله عزوجل كما ورد عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله راجع

(٢) بطوله في مقتضب الأثر : ١٢ ـ ١٤ ، والبحار : ٣٦ / ٢١٩.

٢٠٨

زهرتان

الزهرة الأولى

في الدر النظيم عن الجارود بن منذر العبدي وكان نصرانيا ، أسلم عام الحديبية وأنشد في رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :

أنبأ الأولون باسمك فينا

وبأسماء أوصياء كرام

فقال رسول الله : أفيكم من يعرف قس بن ساعدة الأيادي؟ فقال الجارود : كلّنا نعرف يا رسول الله ، غير أني من بينهم عارف بخبره ، واقف على أثره. فقال سلمان : أخبرنا؟ فقال : يا رسول الله لقد شهدت قسا وقد خرج من ناد من أندية أياد إلى ضحضح ذي قتاد وسمر وعتاد ، وهو مشتمل بنجاد ، فوقف في أضحيان ليل كالشمس ، رافعا في السماء وجهه وإصبعه ، فدنوت منه فسمعته يقول : اللهم ربّ السماوات الأرفعة والأرضين الممرعة ، بحق محمّد والثلاثة المحاميد معه والعليين الأربعة ، وفاطمة والحسنين الأربعة ، وجعفر وموسى التبعة ، وسمي الكليم الضرعة ، اولئك النقباء الشفعة ، والطريق المهيعة ، درسة الأناجيل ونفاة الأباطيل والصادقو القيل ، عدد النقباء من بني إسرائيل ، فهم أوّل البداية وعليهم تقوم الساعة ، وبهم تنال الشفاعة ، ولهم من الله فرض الطاعة ، اسقنا غيثا مغيثا ، ثمّ قال : ليتني ادركهم ولو بعد لأي (١) من عمري ومحياي ، ثمّ أنشأ يقول :

أقسم قس قسما

ليس به مكتتما

لو عاش ألفي سنة

لم يلق منها سأما

حتّى يلاقي أحمدا

والنجباء الحكماء

هم أوصياء أحمد

أفضل من تحت السما

يعمى الأنام عنهم

وهم ضياء للعمى

لست بناس ذكرهم

حتّى احلّ الرجما

__________________

(١) في الصحاح : يقال فعل ذلك بعد لأي ، أي : بعد شدة وإبطاء.

٢٠٩

قال الجارود : فقلت : يا رسول الله أنبئني أنبأك الله بخير هذه الأسماء التي لم نشهدها وأشهدنا قس ذكرها؟ فقال رسول الله : يا جارود ليلة اسري بي إلى السماء أوحى الله عزوجل إليّ أن سل من أرسلنا قبلك من رسلنا على ما بعثوا. قلت : على ما بعثوا؟ قال : بعثتهم على نبوّتك وولاية علي بن أبي طالب والأئمّة منكما ، ثمّ عرفني الله تعالى بهم وبأسمائهم ، ثمّ ذكر رسول الله للجارود أسماءهم واحدا واحدا إلى المهدي عليه‌السلام ، ثمّ قال : قال لي الرب : هؤلاء أوليائي وهذا المنتقم من أعدائي ، يعني المهدي (١).

وقد ذكر صاحب الروضة أنّ هذا الاستسقاء كان قبل النبوّة بعشر سنين ، وشهادة سلمان بمثل ذلك مشهورة.

__________________

(١) مناقب آل أبي طالب : ١ / ٢٤٧.

٢١٠

الزهرة الثانية

اعلم أنّ انحصار عدد الأئمّة في اثني عشر بوجوه :

الأوّل : أن الإيمان والإسلام مبني على أصلين أحدهما : لا إله إلّا الله ، والثاني : محمّد رسول الله ، وكلّ واحد من هذين الأصلين مركّب من اثني عشر حرفا ، والإمامة فرع الإيمان المتأصل والإسلام المقرر ، فيكون عدّة القائمين بها اثنا عشر كعدد كلّ واحد من الأصلين المذكورين.

الثاني : أنّ الله تعالى أنزل في كتابه العزيز (وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً) (١) فجعل عدّة القائمين بفضيلة الإمامة والتقدمة بها مختصّة به ، ولهذا لما بايع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الأنصار ليلة العقبة قال لهم : أخرجوا لي منكم اثني عشر نقيبا كنقباء بني إسرائيل ، ففعلوا فصار ذلك طريقا متبعا وعددا مطلوبا.

الوجه الثالث : قال الله تعالى (وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ وَقَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً) (٢) فجعل الأسباط الهداة في الإسلام اثني عشر.

الوجه الرابع : أنّ مصالح العالم في تصرّفاتهم لمّا كانت في حصولها مفتقرة إلى الزمان ؛ لاستحالة انتظام مصالح الأعمال وإدخالها في الوجود الدنياوي بغير الزمان ، وكان الزمان عبارة عن الليل والنهار ، وكلّ واحد منهما حال الاعتدال مركّب من اثني عشر جزءا يسمّى ساعات ، فكانت مصالح العالم مفتقرة إلى ما هو بهذا العدد ، وكانت مصالح الأنام مفتقرة إلى الأئمّة وإرشادها ، فجعل عددهم كعدد أجزاء كلّ واحد من جزئي الزمان للافتقار إليه كما تقدّم.

الوجه الخامس : أنّ نور الإمامة يهدي القلوب والعقول إلى سلوك طريق الحق ، ويوضح لها المقاصد في سلوك سبيل النجاة كما يهدي نور الشمس والقمر أبصار الخلائق إلى سلوك الطرق ، ويوضح لهم المناهج السهلة ليسلكوها ، والمسالك الوعرة ليتركوها ، فهما نوران

__________________

(١) المائدة : ١٢.

(٢) الأعراف : ١٥٩ ـ ١٦٠.

٢١١

هاديان : أحدهما يهدي البصائر وهو نور الإمامة والآخر يهدي الأبصار وهو نور الشمس والقمر ، ولكلّ واحد من هذين النورين محال يتناقلها ، فمحل ذلك النور الهادي الأبصار البروج الاثنا عشر التي أوّلها الحمل وآخرها المنتهى إليه الحوت ، فينقل من واحد إلى آخر ، فيكون محال النور الثاني الهادي للبصائر وهو نور الإمامة منحصرا في اثني عشر أيضا.

لطيفة : قد ورد في الحديث النبوي أنّ الأرض بما عليها محمولة على الحوت (١).

وفي هذا إشارة لطيفة وحكمة شريفة وهو أنّ محال ذلك النور لمّا كان آخرها الحوت ، والحوت حامل لأثقال هذا الوجود وقصر العالم في الدنيا ، فآخر محال هذا النور وهو نور الإمامة أيضا حال انتقال مصالح أديانهم ، وهو المهدي عجل الله فرجه (٢).

الوجه السادس : أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : الأئمّة من قريش (٣). فلا يجوز أن تكون الإمامة في غير قرشي وإن كان عربيا ، والذي عليه محققو علماء النسب أنّ كل من ولده النضر بن كنانة ، فهو قرشي ، فمردّ كلّ قرشي إلى النضر بن كنانة ، والنضر هو دوحة متفرّع صفة الشرف عليها ، وتنبعث منها وترجع إليها ، وهذه القبيلة الشريفة كمل شرفها وعظم قدرها واشتهر ذكرها ، واستحقّت التقدّم على بقية القبائل وسائر البطون من العرب وغيرها برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فنسب قريش انحدر من النضر بن كنانة إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فرسول الله في الشرف بمنزلة مركز الدائرة بالنسبة إلى محيطها ، فمنه يرقى الشرف.

فإذا فرضت الشرف خطا متصاعدا متراقيا متّصلا إلى المحيط ، مركّبا من نقط هي آباؤه أبا فأبا ، وجدته محمّد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب ابن مرّة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر ، فالمركز الذي انبعث منه الشرف متصاعدا هو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله. ووجدت المحيط الذي تنتهي الصفة الشريفة القرشية إليه هو النضر بن كنانة ، فالخط المتصاعد الذي بين المركز وبين المنتهى المحيط اثنا عشر جزءا.

فإذا كانت درجات الشرف المعدودة متصاعدة اثني عشر ، لاستحالة أن يكون الخطّان

__________________

(١) الصحيفة الصادقية : ٢٣٢ ، والاحتجاج : ١ / ١٠٠.

(٢) هذا الكلام للعلّامة الحلّي في العدد القوية : ٧٩ ذيل حديث ١٣٧.

(٣) المحاسن للبرقي : ١ / ٥٦ ح ٨٧ والكافي : ٨ / ٣٤٣ ح ٥٤١.

٢١٢

الخارجان من المركز إلى المحيط متفاوتين ، فالنبي منبع الشرف الذي الإمامة منه بنفسه متصاعدا ، وهو منبع الشرف الذي هو محل الإمامة متنازلا ، فيلزم أن يكون الأئمّة اثني عشر ، فكما أن الخط المتصاعد اثنا عشر فالخط المتنازل اثنا عشر ، وهم : علي ، الحسن ، الحسين ، علي ، محمد ، جعفر ، موسى ، علي ، محمد ، علي ، الحسن ، محمد عليهم‌السلام جميعا ، فأوّل من ثبتت له الصفة بأنّه قرشي مالك بن نضر ولا يتعداه صاعدا وهو الثاني عشر ، وكذلك المنتهي تثبت له الإمامة ولا تتعدّاه نازلا واستقرّت في محمد بن الحسن المهدي وهو الثاني عشر عليه‌السلام.

٢١٣

الفرع السابع

إخبار أهل الجفر والحساب بأعيان الأئمّة

صلوات الله عليهم أجمعين

في الينابيع عن الشيخ عبد الرّحمن بن محمد علي بن أحمد البسطامي ـ كان أعلم زمانه في علم الحروف ـ : أمّا آدم عليه‌السلام فهو نبي مرسل خلقه الله تعالى بيده ونفخ فيه من روحه فأنزل عليه عشر صحائف ، وهو أوّل من تكلّم في علم الحروف ، وله كتاب سفر الخفايا ، وهو أوّل كتاب كان في الدنيا في علم الحروف ، وذكر فيه أسرار غريبة وامور عجيبة ، وله كتاب الملكوت وهو ثاني كتاب كان في الدنيا في علم الحروف وصاحب الهيكل الأحمر قد أخذ من شيث عليه‌السلام كتاب الملكوت وكتاب السفر المستقيم ، وهو ثالث كتاب كان في الدنيا في علم الحروف عاش تسعمائة وثلاثين سنة شمسية.

عن ابن عبّاس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : خلق الله الأحرف وجعل لها سرّا ، فلمّا خلق آدم عليه‌السلام بثّ فيه السرّ ولم يبثّه في الملائكة ، فجرت الأحرف على لسان آدم بفنون الجريان وفنون اللغات ، وقد اطلع الله على أسرار أولاده وما يحدث بينهم إلى يوم القيامة ، ومن هذه الكتب تفرّعت سائر العلوم الحرفية والأسرار العددية إلى يومنا هذا وإلى ما شاء الله.

ثمّ بعده ورث علم أسرار الحروف ابنه أغاناذيمون وهو نبي الله شيث عليه‌السلام ، وهو نبي مرسل أنزل الله عليه خمسين صحيفة ، وهو وصي آدم عليه‌السلام وولي عهده ، وهو الذي بنى الكعبة المعظّمة بالطين والحجر ، وله سفر جليل الشأن في علم الحروف ، وهو رابع كتاب في الدنيا في علم الحروف ، وعاش تسعمائة سنة شمسية ، ثم ورث علم الحروف ابنه أنوش ، ثمّ ابنه قينا وإليه ينسب القلم القيناوي ، ثمّ ابنه مهلائيل ثمّ ابنه بارد ، وفي زمانه عبدت الأصنام ثمّ ابنه هرمس وهو نبي الله إدريس وهو نبي مرسل أنزل الله عليه ثلاثين صحيفة ، وإليه انتهت الرئاسة في العلوم الحرفية والأسرار الحكمية واللطائف العددية والإشارات الفلكية ، وقد ازدحم على بابه سائر الحكماء ، واقتبس من مشكاة أنواره سائر العلماء ، وقد صنّف

٢١٤

كتاب كنز الأسرار وذخائر الأبرار ، وهو خامس كتاب كان في الدنيا في علم الحروف ، وعلّمه جبرائيل علم الرمل ، وبه أظهر الله نبوّته وقد بني اثنين وسبعين مدينة ، وتعلّم منه علم الحروف الهرامسة وهم أربعون رجلا ، وكان أمهرهم اسقلينوس الذي هو أبو الحكماء والأطبّاء ، وهو أوّل من أظهر الطب ، وهو خادم نبي الله إدريس عليه‌السلام وتلميذه ، ثمّ ابنه متوشلخ ثمّ ابنه لامك ثمّ ابنه نوح عليه‌السلام ، وهو نبي مرسل وله سفر جليل القدر ، وهو سادس كتاب كان في الدنيا في علم الحروف ، ثمّ ابنه سام ثمّ ابنه أرفخشد ثمّ ابنه شالخ ثمّ ابنه عابر ، وهو نبي الله هود عليه‌السلام ثمّ ابنه فالغ ثمّ ابنه يقطر وهو قاسم الأرض بين الناس ، ثمّ ابنه صالح نبي الله ورث علم الحروف ، ثمّ ارغوا بن فالغ المذكور ورث علم الحروف ، ثمّ ابنه اسردع ثمّ ابنه ناحود ثمّ ابنه تارخ ثمّ ابنه إبراهيم عليه‌السلام ، وهو نبي مرسل أنزل الله عليه عشرين صحيفة ، وهو أوّل من تكلّم في علم الوفق (١).

وقيل : إنّه وفق القاف في أساس الكعبة المكرمة ، وله سفر عظيم القدر ، وهو سابع كتاب كان في علم الحروف ، ثمّ ابناه إسماعيل وإسحاق ثمّ ابنه يعقوب ثمّ ابنه يوسف ثمّ موسى عليه‌السلام ، وهو نبي مرسل أنزل الله عليه التوراة وعلّمه علم الكيمياء ، وكان أعلم الناس في عصره بأسرار الأوفاق وبالوفق المسدس ، استخرج تابوت يوسف من النيل ، ثمّ وصيّه يوشع ابن نون ثمّ إلياس عليه‌السلام ثمّ حزقيل ، وقيل زردشت الآذربيجاني أخذ علم أسرار الحروف عن أصحاب موسى ، ثمّ أخذ عن زردشت جاماسب الحكيم وهو أكبر أصحابه ، ثمّ داود عليه‌السلام ثمّ ابنه سليمان عليه‌السلام ثمّ آصف بن برخيا وهو وزير سليمان ثمّ أشعيا عليهم‌السلام ثمّ أرميا ، ثمّ عيسى عليه‌السلام ورث علم الحروف ، ثمّ محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ورث علم الحروف.

وقال الإمام الحسين بن علي عليهما‌السلام : العلم الذي دعي إليه المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله علم الحروف ، وعلم الحروف في لام الألف وعلم لام ألف في الألف وعلم الألف في النقطة وعلم النقطة في المعرفة الأصلية وعلم المعرفة الأصلية في علم الأزل وعلم الأزل في المشيئة ـ أي المعلوم ـ وعلم المشيئة في غيب الهوية ، وهو الذي دعا الله إليه نبيّه بقوله : (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ) (٢) ، والهاء في (أنّه) راجع إلى غيب الهوية ، ثمّ إنّ الإمام عليا عليه‌السلام ورث علم أسرار الحروف من سيّدنا ومولانا محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله وإليه الإشارة بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنا مدينة العلم وعلي بابها.

__________________

(١) من علم الحروف.

(٢) محمد : ١٩.

٢١٥

وهو أوّل من وضع وفق مائة في مائة في الإسلام ، ثمّ الإمامان الحسن والحسين ورثا علم أسرار الحروف من أبيها ، ثمّ ابنه الإمام زين العابدين ورث من أبيه علم أسرار الحروف ثمّ ابنه الإمام محمد الباقر عليه‌السلام ، ثمّ ابنه الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام وهو الذي حلّ معاقد رموزه وفك طلاسم كنوزه.

وقال الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام : علمنا غابر ومزبور وكتاب مسطور في رقّ منشور ، ونكت في القلوب ومفاتيح أسرار الغيوب ، ونقر في الأسماع ولا تنفر منه الطباع ، وعندنا الجفر الأبيض والجفر الأحمر والجفر الأكبر والجفر الأصغر ، والجامعة والصحيفة وكتاب علي ، قال : لسان الحروف ومشكاة أنوار الظروف

[قال] أبو عبد الله زين الكافي : أمّا قوله : «علمنا غابر» فإنّه أشار به إلى العلم بما مضى من القرون والأنبياء ، وكلّما كان من الحوادث في الدنيا ، وأمّا المزبور فإنّه أشار إلى المسطور في الكتب الإلهية والأسرار الفرقانية المنزلة من السماء على المرسلين والأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ، وأمّا الكتاب المسطور فإنّه أشار به إلى أنّه مرقوم في اللوح المحفوظ.

أمّا قوله : «نقر في الأسماع» فإنّه أشار به إلى أنّه كلام عليّ وخطاب جليّ ، لا ينفر منه الطبع ولا يكرهه السمع ، لأنّه كلام عذب ، يسمعونه ولا يرون قائله فيؤمنون بالغيب. وأمّا الجفر الأبيض فإنّه أشار به إلى أنّه وعاء فيه كتب الله المنزلة وأسرارها المكنونة وتأويلاتها. وأمّا الجفر الأحمر فإنّه أشار به إلى أنّه وعاء فيه سلاح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو عند من له الأمر ، ولا يظهر حتّى يقوم رجل من أهل البيت.

وأمّا الجفر الأكبر فإنّه أشار به إلى المصادر الوفقية التي هي من ألف با تا ثا إلى آخرها ، وهي ألف وفق. وأمّا الجفر الأصغر فإنّه أشار به إلى المصادر الوفقية التي هي مركّبة من أبجد إلى قرشت ، وهي سبعمائة وفق. وأمّا الجامعة فإنّه أشار به إلى كتاب فيه علم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة. وأمّا الصحيفة فهي صحيفة فاطمة عليها‌السلام ، فإنّه أشار بها إلى ذكر الوقائع والفتن والملاحم وما هو كائن إلى يوم القيامة. وأمّا كتاب علي فإنّه أشار إلى كتاب أملاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من فلق فيه ـ أي من شقّ فمه ولسانه المبارك ـ وكتب علي ، وأثبت فيه كلّما يحتاج إليه من الشرائع الدينية والأحكام والقضايا حتى فيه جلدة ونصف الجلدة. والجفر من حيث اللغة فإنّه رق الجدي.

٢١٦

وقال جعفر الصادق عليه‌السلام أيضا : منّا الفرس الغواص والفارس القناص. وقيل : إنّه يظهر في آخر الزمان مع محمّد المهدي عجل الله فرجه ولا يعرفه على الحقيقة إلّا هو رضي‌الله‌عنه وقيل : إنّ المهدي عجل الله فرجه يستخرج كتبا من غار أنطاكية ويستخرج الزبور من بحيرة طبرية ، فيها ممّا ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة وفيها الألواح وعصا موسى.

والمهدي عجل الله فرجه أكثر الناس علما وحلما ، وعلى خدّه الأيمن خال أسود ، هو من ولد الحسين بن علي عليهما‌السلام. وأمّا الجامعة فهو عبارة عن سفر آدم عليه‌السلام وسفر الشيث عليه‌السلام وسفر إدريس وسفر نوح وسفر إبراهيم عليهم‌السلام ، وقد تناقله أهل البصائر كابرا عن كابر إلى زماننا وإلى ما شاء الله.

قال بعض العارفين : إنّ الحروف سرّ من أسرار الله تعالى ، والعمل بها من أشرف العلوم المخزونة ، وهو من العلم المكنون المخصوص به أهل القلوب الطاهرة من الأنبياء والأولياء ، وهو الذي يقول فيه محمد بن علي الحكيم الترمذي : علم الأولياء فافهم.

ولا بدّ للشارع في علم الحروف من معرفة علم التصحيف.

كتب علي عليه‌السلام : خراب البصرة بالريح ، يعني بالزنج.

قال الحافظ الذهبي : ما علم التصحيف في هذه الكلمة إلّا بعد المائتين من الهجرة ؛ لأنّ بالقرمط الزنجي خربت البصرة ، واعلم أنّ الله تبارك وتعالى قال : (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها) (١) يعني الحروف المحيطة بكل نطق ، وهي اثنان وثلاثون حرفا تحوي جميع لغات الناطقين في الموجودات كلّها مع اختلاف ألسنتهم ولغاتهم ، فمنها ثمانية وعشرون عربية بعدد منازل القمر ، ومنها أربعة عجمية وهي پ چ ژ گ.

قال جعفر الصادق عليه‌السلام : علّم الله آدم الأسماء بالقلم الذي في اللوح المحفوظ ، وقيل : إنّ الحروف كانت تتشكّل لآدم عليه‌السلام في قوالب نورانية عند إرادة مسمّاها ، وهي خاصته التي اختصّه الله تعالى بها ، وعلّمه الله سبعين ألف باب من العلم ، وعلّمه ألف حرفة ، وأنزل عليه تحريم الميتة والدم ولحم الخنزير ، وأنزل عليه حروف المعجم في إحدى وعشرين ورقة وهي أوّل كتاب كان في الدنيا ، وكونها في إحدى وعشرين ورقة إشارة إلى أن الدنيا سبعة أدوار ـ أي سبعة آلاف سنة ـ وأنزل عليه عشر صحائف وفيها ألف لغة ، وقد بيّن الله فيها

__________________

(١) سورة البقرة : ٣١.

٢١٧

أخبار الدنيا وما يكون فيها في أهل كل زمان ، وذكر صورهم وسيرهم مع أنبيائهم واممهم وملوكهم وعبيدهم ورعاياهم ، وما يحدث في الأرض (١).

روي عن أبي ذرّ الغفاري رحمه‌الله : قلت : يا رسول الله أي كتاب أنزل الله تعالى على آدم؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : كتاب الحروف المعجم : ا ب ت ث الخ ، فهي تسعة وعشرون حرفا. قلت : يا رسول الله عددت ثمانية وعشرين حرفا. فغضب صلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى احمرّت عيناه فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا أبا ذر والذي بعثني بالحق نبيّا ما أنزل الله على آدم في اللغة العربية إلّا تسعة وعشرين حرفا. قلت : يا رسول الله أليس فيها لام وألف؟ قال : لام وألف حرف واحد ، قد أنزله الله تعالى على آدم في صحيفة واحدة ومعه سبعون ألف ملك ، من خالف لام ألف فقد كفر بما أنزل الله تعالى علي.

قال تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً) (٢).

قال بعض المفسّرين : ذلك هو الاسم الأعظم تركّب من الحروف الواردة في فواتح السور ، وكان مكتوبا على خاتم سليمان بن داود عليهما‌السلام ، وبه لان الحديد لداود عليه‌السلام ، وسخّر الجنّ لسليمان وطوى الأرض للخضر ، وبه تعلّم العلم اللدني وبه اوتي عرش بلقيس وبه يحيي عيسى الطير ، وكان مكتوبا على عصا موسى عليه‌السلام وسيف علي عليه‌السلام ، وكما بلغنا عن الإمام الحسين بن علي عليهما‌السلام سأله رجل عن معنى (كهيعص) (٣) فقال له : لو فسّرتها لك لمشيت على الماء.

فأوّل الأقلام قلم السرياني ومنه تفرّعت سائر الأقلام وهو أوّل قلم كان في الدنيا وبه كان آدم عليه‌السلام قد وضع سفره (٤).

__________________

(١) بطوله في ينابيع المودّة : ٣ / ١٩٧ الباب ٦٧.

(٢) النمل : ١٥.

(٣) مريم : ١.

(٤) ينابيع المودّة : ٣ / ٢٠٢.

٢١٨

الفرع الثامن

إخبار الكهنة والسابقين بأعيان الأئمّة عليهم‌السلام

وقيام القائم عجل الله فرجه

في البحار عن كتاب المقتضب : أجلي الفرس عن القادسية وبلغ يزدجرد بن شهريار ما كان من رستم وإدالة العرب عليه ، وظنّ أنّ رستم قد هلك والفرس جميعا ، وجاء مبادرا وأخبره بيوم القادسية وانجلائها عن خمسين ألف قتيل ، فخرج يزدجرد هاربا في أهل بيته ووقف بباب الإيوان وقال : السلام عليك أيّها الإيوان ، ها أنا ذا منصرف عنك وراجع إليك أنا أو رجل من ولدي لم يدن زمانه ولا آن أوانه.

قال سليمان الديلمي فدخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام فسألته عن ذلك وقلت له ما قوله : «أو رجل من ولدي»؟ قال : ذلك صاحبكم القائم بأمر الله عزوجل السادس من ولدي قد ولده يزدجرد فهو ولده (١).

في إثبات الهداة للشيخ حرّ العاملي رحمه‌الله عن هشام بن سعد الرجال قال : إنّا وجدنا حجرا بالإسكندرية مكتوبا فيه : أنا شداد بن عاد ، أنا الذي شيد عماد التي لم يخلق مثلها في البلاد ، إلى أن قال : وكنزت كنزا في البحر على اثني عشر ميلا لن يخرجه أحد حتّى يخرجه قائم آل محمّد(٢).

وفي البحار عن الشعبي : إنّ عبد الملك بن مروان دعاني فقال : يا أبا عمرو إنّ موسى بن نصير العبدي كتب إليّ ـ وكان عامله على المغرب ـ يقول : إنّ مدينة من صفر كان ابتناها نبي الله سليمان بن داود ، أمر الجن أن يبنوها له فاجتمعت العفاريت من الجن على بنائها ، وإنّها من عين القطر التي ألانها الله لسليمان بن داود ، وإنّها في مفازة الأندلس ، وإنّ فيها من الكنوز التي استودعها سليمان ، وقد أردت أن أتعاطى الارتحال إليها ، فأعلمني الغلام بهذا الطريق أنّه صعب لا يتمطى إلّا بالاستعداد من الظهور والأزواد الكثيرة مع بعد المسافة وصعوبتها ،

__________________

(١) البحار : ٥١ / ١٦٣ ، والمقتضب : ٤٠.

(٢) كمال الدين : ٣٠٧.

٢١٩

وإنّ أحدا لم يهتمّ بها إلّا قصر عن بلوغها ، إلّا دارا بن دارا ، فلما قتله الاسكندر قال : والله لقد جئت الأرض والأقاليم كلّها ودان لي أهلها ، وما أرض إلّا وقد وطئتها إلّا هذه الأرض من الأندلس ، فقد أدركها دارا بن دارا وإنّي لجدير بقصدها كي لا اقصر عن غاية بلغها دارا ، فتجهّز الإسكندر واستعد للخروج عاما كاملا ، فلمّا ظنّ أنّه قد استعدّ لذلك وقد كان بعث روّاده فأعلموه أنّ موانع دونها ، فكتب عبد الملك إلى موسى بن نصير يأمره بالاستعداد والاستخلاف على عمله ، فاستعدّ وخرج فرآها وذكر أحوالها.

فلمّا رجع كتب إلى عبد الملك بحالها وقال في آخر الكتاب : فلمّا مضت الأيّام وفنيت الأزواد سرنا نحو بحيرة ذات شجر ، وسرت مع سور البلد فصرت إلى مكان من السور فيه كتاب بالعربية فوقفت على قراءته وأمرت بانتساخه فإذا هو :

ليعلم المرء ذو العزّ المنيع ومن

يرجو الخلود وما حيّ بمخلود

لو أنّ خلقا ينال الخلد في مهل

لنال ذاك سليمان بن داود

سالت له القطر عين القطر فائضة

بالقطر منه عطاء غير مصدود

فقال للجن ابنوا لي به أثرا

يبقى إلى الحشر لا يبلى ولا يؤدي

فصيّروه صفاحا ثمّ هيل له

إلى السماء بإحكام وتجويد

وأفرغ القطر فوق السور منصلتا

فصار صلب من الصماء صيخود

وبثّ فيه كنوز الأرض قاطبة

وسوف يظهر يوما غير محدود

وصار في قعر بطن الأرض مضطجعا

مصمّدا بطوابيق الجلاميد

لم يبق من بعده للملك سابقة

حتّى يضمّن رمسا غير اخدود

هذا ليعلم أنّ الملك منقطع

إلّا من الله ذي النعماء والجود

حتّى إذا ولدت عدنان صاحبها

من هاشم كان منها خير مولود

وخصّه الله بالآيات منبعثا

إلى الخليفة منها البيض والسود

له مقاليد أهل الأرض قاطبة

والأوصياء به أهل المقاليد

هم الخلائف اثنا عشرة حججا

من بعدها الأوصياء السادة الصيد

حتّى يقوم بأمر الله قائمهم

من السماء إذا ما باسمه نودي

فلمّا قرأ عبد الملك الكتاب وأخبره طالب بن مدرك ـ وكان رسوله إليه ـ بما عاين من

٢٢٠