إلزام النّاصب في إثبات الحجّة الغائب عجّل فرجه - ج ١

الشيخ علي اليزدي الحائري

إلزام النّاصب في إثبات الحجّة الغائب عجّل فرجه - ج ١

المؤلف:

الشيخ علي اليزدي الحائري


المحقق: السيد علي عاشور
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٤٠
الجزء ١ الجزء ٢

لمحمد.

وفي هذا الكتاب اثنا عشر إماما من أئمة الضلالة من قريش من قومه ، يعادون أهل بيته ويمنعونهم حقّهم ويقتلونهم ويطردونهم ويحرمونهم ويخنقونهم ، مسمّين واحدا واحدا بأسمائهم ونعتهم ، وكم يملك كلّ رجل منهم وما يلقى من قومه ولدك وأنصارك وشيعتك من القتل والخوف والبلاء ، وكيف يديلكم منهم ومن أوليائهم وأنصارهم ، وما يلقون من الذل والخزي والقتل والخوف منكم أهل البيت.

ثمّ قال : ابسط يدك يا أمير المؤمنين ابايعك ، فإنّي أشهد أن لا إله إلّا الله وأشهد أنّ محمّدا رسول الله ، وأشهد أنّك وصيّه وخليفته في بيعته وشاهده على خلقه وحجّته في أرضه ، وأنّ الإسلام دين الله الذي اصطفاه لنفسه ورضيه لأوليائه ، وأنّه دين عيسى ومن كان قبله من أنبياء الله ورسله ، وهو الدين الذي دان به من مضى من آبائي ، وإنّي أتولّاك وأتولّى أولياءك وأبرأ من أعدائك ، وأتولّى الأئمّة من ولدك وأبرأ من عدوّهم وممّن خالفهم وبرئ منهم ، وادّعى حقّهم وظلمهم من الأوّلين والآخرين ، فتناول يد أمير المؤمنين عليه‌السلام فبايعه ، ثمّ قال له أمير المؤمنين : أرني كتابك فناوله إيّاه فقال لرجل من أصحابه : قم مع الرجل فانظر ترجمانا يفهم كلامه فلينسخه لك بالعربية ، فلمّا انتسخه ، أتاه به فقال للحسن : يا بني ائتني بالكتاب الذي دفعته إليك ، واقرأ أنت يا بني وانظر أنت يا فلان في نسخة هذا الكتاب فإنّه خطي وإملاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقرأه فما خالف حرفا واحدا فكأنّه إملاء رجل واحد ، فحمد الله أمير المؤمنين وقال : الحمد لله الذي لو شاء لم تختلف الامّة ولم تفترق ، والحمد لله الذي لم ينسني ولم يضع أمري ولم يخمد (١) ذكري عنده وعند أوليائه ؛ إذ صغر وخمل عند أولياء الشيطان وحزبه (٢). انتهى (٣).

وفي الينابيع عن الحمويني الشافعي في فرائد السمطين عن دعبل الخزاعي : أنشدت قصيدة لمولاي الرضا عليه‌السلام أوّلها :

مدارس آيات خلت من تلاوة

ومنزل وحي مقفر العرصات

__________________

(١) في المصدر : يخمل ذكري.

(٢) في المصدر : إذ صغر وخمل ذكر أولياء الشيطان وحزبه.

(٣) بطوله في : كتاب سليم بن قيس : ٢٥٢ ، والخرائج : ٢ / ٧٤٤.

١٨١

وقبر ببغداد لنفس زكية

تضمّنها الرّحمن في الغرفات

قال : قال لي الرضا : أفلا الحق البيتين بقصيدتك؟ قلت : بلى يا ابن رسول الله ، فقال عليه‌السلام :

وقبر بطوس يا لها من مصيبة

توقد في الأحشاء بالحرقات

إلى الحشر حتّى يبعث الله قائما

يفرّج عنّا الهمّ والكربات

قال دعبل : ثمّ قرأت بواقي القصيدة عنده فلما انتهيت إلى قولي :

خروج إمام لا محالة واقع

يقوم على اسم الله والبركات

يميّز فينا كلّ حقّ وباطل

ويجزي على النعماء والنقمات

بكى الرضا عليه‌السلام بكاء شديدا ثمّ قال : يا دعبل نطق روح القدس بلسانك ، أتعرف من هذا الإمام؟ ومتى يقوم؟ قلت : لا إلّا أني سمعت خروج إمام منكم يملأ الأرض قسطا وعدلا.

فقال : إنّ الإمام بعدي ابني محمد وبعد محمد ابنه علي وبعد علي ابنه الحسن وبعد الحسن ابنه الحجّة القائم ، وهو المنتظر في غيبته المطاع في ظهوره فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما ، وأما متى يقوم فإخبار عن الوقت (١).

وفي عيون أخبار الرضا عليه‌السلام من طرق الشيعة هكذا ، إلّا أن فيه : لقد حدّثني أبي عن أبيه عن آبائه عن علي عن النبي قيل له : يا رسول الله متى يخرج القائم من ذريتك؟ فقال : مثله مثل الساعة لا يجلّيها لوقتها إلّا هو ثقلت في الأرض لا تأتيكم إلّا بغتة (٢).

أقول : ولما انجرّ الكلام إلى هذا فلا ضير أن نذكر بقية حال دعبل من بركة هذه القصيدة فتكون على بصيرة من أمرك.

في إكمال الدين : نهض الرضا عليه‌السلام بعد فراغ دعبل من إنشاده القصيدة ، وأمره أن لا يبرح من موضعه فدخل الدار ، فلمّا كان بعد ساعة خرج الخادم إليه بمائة دينار رضوية ، فقال له : يقول لك مولاي اجعلها في نفقتك. فقال : والله ما لهذا جئت ولا قلت هذه القصيدة طمعا في شيء يصل إلي ، وردّ الصرّة وسأل ثوبا من ثياب الرضا عليه‌السلام ليتبرّك به ويتشرّف ، وأنفذ إليه الرضا بجبّة خزّ مع الصرّة وقال للخادم : قل له يقول لك مولاي خذ هذه الصرّة فإنّك ستحتاج إليها ولا تراجعني فيها.

__________________

(١) ينابيع المودّة : ٣ / ٣٠٩ وفرائد السمطين : ٢ / ٣٣٧ ح ٥٩١.

(٢) عيون أخبار الرضا : ٢٦٥ ـ ٢٦٦ ح ٣٤ باب ٦٦.

١٨٢

فأخذ دعبل الصرّة والجبة وانصرف ، وسار من مرو في قافلة فلما أتوا ميان (بلد بقرب نيسابور قوهان) وقع عليهم اللصوص وأخذوا القافلة بأسرها وكتّفوا أهلها ، وكان دعبل فيمن كتف ، وملك اللصوص القافلة وجعلوا يقتسمونها بينهم ، فقال رجل من اللصوص متمثّلا بقول دعبل من قصيدة :

أرى فيئهم في غيرهم متقسّما

وأيديهم من فيئهم صفرات

فسمعه دعبل فقال : لمن هذا البيت؟ قال : لرجل من خزاعة يقال له دعبل بن علي. قال دعبل : أنا دعبل بن علي قائل هذه القصيدة التي منها هذا البيت ، فوثب الرجل إلى رئيسهم وكان يصلّي على رأس تل وكان من الشيعة فأخبره ، فجاء بنفسه حتّى وقف على دعبل فقال له : أنت دعبل؟ فقال : نعم. قال : أنشد القصيدة ، فأنشدها فحل كتافه وكتاف جميع أهل القافلة وردّ إليهم جميع ما اخذ منهم لكرامة دعبل.

وسار دعبل حتّى وصل إلى قم فسأله أهل قم أن ينشدهم القصيدة فأمرهم أن يجتمعوا في مسجد الجامع ، فلما اجتمعوا صعد دعبل المنبر فأنشدهم القصيدة ، فوصله الناس من المال والخلع بشيء كثير واتصل بهم خبر الجبّة فسألوه أن يبيعها منهم بألف دينار فامتنع من ذلك ، فقالوا له : بعنا شيئا منها بألف دينار فأبي عليهم ، وسار عن قم فلمّا خرج عن رستاق البلد لحق به قوم من أحداث العرب وأخذوا الجبّة منه ، فرجع دعبل إلى قم وسألهم ردّ الجبّة عليه فامتنع الأحداث من ذلك وعصوا المشايخ في أمرها فقالوا لدعبل : لا سبيل لك إلى الجبّة فخذ ثمنها ألف دينار ، فأبى عليهم فلما يئس من ردّهم الجبّة فسألهم أن يدفعوا إليه شيئا منها فأجابوه إلى ذلك ، فأعطوه بعضها ودفعوا إليه ثمن باقيها ألف دينار ، وانصرف دعبل إلى وطنه فوجد اللصوص قد أخذوا جميع ما كان في منزله ، فباع المائة دينار التي كان الرضا عليه‌السلام وصله بها من الشيعة ، كل دينار بمائة درهم فحصل في يده عشرة آلاف درهم ، فتذكّر قول الرضا عليه‌السلام إنّك ستحتاج إلى الدنانير.

وكانت له جارية لها من قلبه محل ، فرمدت رمدا عظيما فأدخل أهل الطب عليها فنظروا إليها فقالوا : أمّا العين اليمنى فليس فيها لنا علاج ولا حيلة ، قد ذهبت ، وأمّا اليسرى فنحن نعالجها ونجتهد ولا نرى أن تسلم ، فاغتمّ لذلك غمّا شديدا وجزع عليها جزعا عظيما ، ثمّ إنّه ذكر ما معه من فضلة الجبّة فمسحها على عيني الجارية وعصبها بعصابة من أوّل الليل

١٨٣

فأصبحت وعيناها أضحّ ممّا كانتا ، وكأنّه ليس لها أثر رمد قط ببركة مولانا أبي الحسن الرضا عليه‌السلام (١).

وفي العيون عن علي بن دعبل الخزاعي ، يقول : لمّا أن حضرت أبي الوفاة تغيّر لونه وانعقد لسانه واسودّ وجهه فكدّت الرجوع من مذهبه ، فرأيته بعد ثلاث فيما يرى النائم وعليه ثياب بيض وقلنسوة بيضاء فقلت : يا أبه ما فعل الله بك؟ فقال : يا بني إنّ الذي رأيته من اسوداد وجهي وانعقاد لساني كان من شرب الخمر في دار الدنيا ، ولم أزل كذلك حتّى لقيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعليه ثياب بيض وقلنسوة بيضاء فقال لي : أنت دعبل؟ قلت : نعم يا رسول الله ، قال : فأنشدني قولك في أولادي فأنشدته قولي :

لا أضحك الله سنّ الدهر إن ضحكت

وآل أحمد مظلومون قد قهروا

مشرّدون نفوا عن عقر دارهم

كأنّهم قد جنوا ما ليس يغتفر

قال : فقال لي : أحسنت فشفع وأعطاني ثيابه وها هي وأشار إلى ثياب بدنه (٢).

وفي العيون : سمعت أبا نصر بن الحسن الكرخي الكاتب يقول : رأيت على قبر دعبل بن علي الخزاعي :

أعد لله يوم يلقاه

دعبل أن لا إله إلّا هو

يقولها مخلصا عساه بها

يرحمه في القيامة الله

الله مولاه والرسول ومن

بعدهما فالوصي مولاه (٣).

__________________

(١) كمال الدين : ٣٧٦ ح ٧ باب ٣٥.

(٢) عيون أخبار الرضا : ٢٦٦ ح ٣٦ باب ٦٦ خبر دعبل.

(٣) عيون أخبار الرضا : ٢٦٧ ح ٣٧.

١٨٤

الفرع الخامس

إخبار النبي والأئمّة بأعيان الأئمّة وأسمائهم عليهم‌السلام

من طرق الخاصّة

في أعلام الورى أنّ رسول الله يقول : إنّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ثمّ علي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، فإذا استشهد فابنه الحسن أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، فإذا استشهد فأخوه الحسين بن علي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، فإذا استشهد فابنه علي بن الحسين أولى بالمؤمنين من أنفسهم وستدركه يا علي ، ثمّ ابنه محمد بن علي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وستدركه يا حسين ثمّ تكملة اثني عشر إماما تسعة من ولد الحسين (١).

وفيه سئل أمير المؤمنين عليه‌السلام عن معنى قول رسول الله : «إنّي مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي» من العترة؟ قال : أنا والحسن والحسين والأئمّة التسعة من ولد الحسين ، تاسعهم مهديّهم وقائمهم ، لا يفارقون كتاب الله ولا يفارقهم حتّى يردوا على رسول الله حوضه (٢).

وفيه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنا وعلي والحسن والحسين والتسعة من ولد الحسين مطهّرون معصومون (٣).

وفيه عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنا سيّد النبيّين وعلي سيّد الوصيّين ، وإنّ أوصيائي من بعدي اثنا عشر وصيّا ؛ أوّلهم علي بن أبي طالب عليه‌السلام وآخرهم القائم (٤).

وفيه عن جابر بن عبد الله الأنصاري : لمّا أنزل الله تعالى على نبيّه (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (٥) قلت : يا رسول الله قد عرفنا الله ورسوله فمن أولو الأمر الذين قرن الله طاعتهم بطاعته؟ فقال : هم خلفائي يا جابر وأئمّة المسلمين

__________________

(١) أعلام الورى : ٣٩٥ الفصل الثاني من النص عليهم.

(٢) أعلام الورى : ٣٩٦ الفصل الثاني من النص عليهم.

(٣) أعلام الورى : ٣٩٦ الفصل الثاني من النص عليهم.

(٤) أعلام الورى : ٣٩١ الفصل الثاني من النص عليهم.

(٥) النساء : ٥٩.

١٨٥

بعدي ؛ أوّلهم علي بن أبي طالب ثمّ الحسن ثمّ الحسين ثمّ علي بن الحسين ثمّ محمد بن علي المعروف بالتوراة بالباقر وستدركه يا جابر ، فإذا لقيته فأقرئه منّي السلام ، ثمّ الصادق جعفر بن محمد ثمّ موسى بن جعفر ثمّ علي بن موسى ثمّ محمّد بن علي ثمّ علي بن محمّد ثمّ الحسن بن علي ثمّ سميّي وكنيّي حجّة الله في أرضه وبقيته في عباده محمد بن الحسن ابن علي عليهم‌السلام ، ذلك الذي يغيب عن شيعته وأوليائه غيبة لا يثبت فيها على القول بإمامته إلّا من امتحن الله قلبه للإيمان.

قال جابر : فقلت : يا رسول الله فهل يقع لشيعته الانتفاع به في غيبته؟ فقال : إي والذي بعثني بالنبوّة ، إنّهم يستضيئون بنوره وينتفعون بولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن تجلاها سحاب ، يا جابر : هذا من مكنون سرّ الله ومخزون علم الله فاكتمه إلّا عن أهله ، الحديث. فليطلب تمامه في محلّه (١).

وفيه : عن عبد الله بن عبّاس عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ الله تعالى اطلع على الأرض اطلاعة فاختارني منها فجعلني نبيّا ، ثمّ اطلع الثانية فاختار منها عليا فجعله إماما ، ثمّ أمرني أن أتخذه أخا ووصيّا وخليفة ووزيرا ، فعلي منّي وأنا من علي ، وهو زوج ابنتي وأبو سبطيّ الحسن والحسين ، ألا وإنّ الله تبارك وتعالى جعلني وإيّاه حججا على عباده ، وجعل من صلب الحسين أئمّة يقومون بأمري ويحفظون وصيتي ، التاسع منهم قائم أهل بيتي ومهدي أمّتي أشبه الناس بي في شمائله وأقواله وأفعاله ، يظهر بعد غيبة طويلة وحيرة مظلمة ، فيعلن أمر الله ويظهر دين الله ويؤيّد ينصر الله وينصر بملائكة الله ، فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا (٢).

وفيه عن حسين بن علي قال : دخلت على رسول الله وعنده أبي بن كعب فقال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : مرحبا يا أبا عبد الله يا زين السماوات والأرض. قال له أبي : وكيف يكون يا رسول الله زين السماوات والأرض أحد غيرك؟ فقال : والذي بعثني بالحقّ نبيّا إنّ الحسين بن علي في السماء أكبر منه في الأرض ، وإنّه لمكتوب على يمين عرش الله مصباح هدى وسفينة نجاة وإمام غير وهن وعزّ وفخر وعلم وذخر ، وإنّ الله عزوجل ركب في صلبه نطفة طيّبة مباركة

__________________

(١) أعلام الورى : ٣٩٧.

(٢) أعلام الورى : ٣٩٧ الفصل الثاني من النصّ عليهم.

١٨٦

زكية ، خلقت من قبل أن يكون مخلوق في الأرحام أو يجري ماء في الأصلاب أو يكون ليل أو نهار ، ولقد لقن دعوات ما يدعو بهن مخلوق إلّا حشره الله عزوجل معه وكان شفيعه في آخرته ، وفرّج الله عنه كربه ، وقضى بها دينه ويسّر أمره وأوضح سبيله وقوي على عدوّه ولم يهتك ستره. فقال له أبي : وما هذه الدعوات يا رسول الله؟ قال : تقول إذا فرغت من صلاتك وأنت قاعد : اللهمّ إنّي أسألك بكلماتك ومعاقد عزّك وسكّان سماواتك وأنبيائك ورسلك أن تستجيب لي ، فقد رهقني من أمري عسرا ، فأسألك أن تصلّي على محمّد وآل محمّد وأن تجعل لي فرجا من عسري ويسرا ومخرجا ، فإنّ الله عزوجل يسهّل أمرك ويشرح صدرك ويلقنك شهادة أن لا إله إلّا الله عند خروج نفسك.

قال له أبي : يا رسول الله فما هذه النطفة في صلب الحسين عليه‌السلام؟ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : مثل هذه النطفة كمثل القمر وهي نطفة تبيين وبيان (١) ، يكون من اتّبعه رشيدا ومن ضلّ عنه غويا. قال : فما اسمه وما دعاؤه؟ قال : اسمه علي ودعاؤه : يا دائم يا ديموم يا حي يا قيوم يا كاشف الغمّ ويا فارج الهمّ ويا باعث الرسل ويا صادق الوعد ، من دعا بهذا الدعاء حشره الله مع علي بن الحسين وكان قائده إلى الجنّة. قال له أبي : يا رسول الله فهل له من خلف ووصي؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : نعم له مواريث السماوات والأرض. قال : وما معنى مواريث السماوات والأرض؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : القضاء بالحق والحكم بالديانة وتأويل الأحكام وبيان ما يكون. قال : فما اسمه؟

قال : محمد وإنّ الملائكة لتستأنس به في السماوات ويقول في دعائه : اللهم إن كان لي عندك رضوان وود فاغفر لي ولمن تبعني من إخواني وشيعتي وطيّب ما في صلبي ، فركّب الله عزوجل في صلبه نطفة مباركة زكية ، وأخبرني أنّ الله طيّب هذه النطفة وسمّاها عنده جعفرا وجعله هاديا وراضيا ومرضيا ، يدعو ربّه فيقول في دعائه : يا ديّان غير متوان يا أرحم الراحمين ، اجعل لشيعتي من النار وقاء ، ولهم عندك رضى واغفر ذنوبهم واستر عيوبهم ويسّر امورهم واقض ديونهم واستر عوراتهم ، وهب لهم الكبائر التي بينك وبينهم ، يا من لا يخاف الضيم ، ولا تأخذه سنة ولا نوم ، اجعل لي من كلّ غمّ فرجا. من دعا بهذا الدعاء حشره الله أبيض الوجه مع جعفر بن محمد إلى الجنّة.

يا أبي إنّ الله ركب على هذه النطفة نطفة زكية مباركة طيّبة أنزل عليهما الرحمة وسمّاها

__________________

(١) في العيون : وهي نطفة بنين وبنات.

١٨٧

عنده موسى. فقال له أبي يا رسول الله كأنّهم يتواصفون ويتناسلون ويتوارثون ويصف بعضهم بعضا، قال : وصفهم لي جبرئيل عن ربّ العالمين جل جلاله ، قال : فهل لموسى من دعوة يدعو بها سوى دعاء آبائه؟ قال : نعم يقول في دعائه : يا خالق الخلق ويا باسط الرزق وفالق الحب وبارئ النسم ومحيي الأموات ومميت الأحياء ودائم الثبات ومخرج النبات افعل بي ما أنت أهله. من دعا بهذا الدعاء قضى الله حوائجه وحشره يوم القيامة مع موسى ابن جعفر.

وإنّ الله عزوجل ركّب في صلبه نطفة مباركة زكية مرضية وسمّاها عنده عليا وكان لله في خلقه رضيا في علمه وحكمه ، وجعله حجّة على خلقه إلى يوم القيامة ، وله دعاء يدعو به فيقول : اللهمّ اعطني الهدى وثبّتني عليه ، واحشرني مع الذين لا خوف عليهم ولا حزن ولا جزع ، إنّك أهل التقوى وأهل المغفرة.

وإنّ الله عزوجل ركّب في صلبه نطفة مباركة طيّبة زكية مرضية ، وسمّاها محمد بن علي فهو شفيع شيعته ووارث علم جدّه ، له علامة بيّنة وحجّة ظاهرة إذا ولد ، يقول : لا إله إلّا الله ويقول في دعائه : يا من لا شبيه له ولا مثال ، أنت الله لا إله إلّا أنت ، ولا خالق إلّا أنت ، تغني المخلوقين وتبقى ، أنت حلمت عمّن عصاك وفي المغفرة رضاك ، من دعا بهذا الدعاء كان محمد بن علي شفيعه يوم القيامة.

وإنّ الله تبارك وتعالى ركّب في صلبه نطفة لا باغية ولا طاغية ، بارّة مباركة طيّبة طاهرة سمّاها عنده علي بن محمد ، فألبسها السكينة والوقار ، وأودعها العلوم وكلّ سرّ مكتوم ، من لقيه وفي صدره شيء أنبأه به وحذّره من عدوّه ، ويقول في دعائه : يا نور يا برهان يا مبين يا منير يا رب اكفني شرّ الشرور ، وآفات الدهور ، وأسألك النجاة يوم ينفخ في الصور ، من دعا بهذا الدعاء كان علي بن محمد شفيعه وقائده إلى الجنّة.

وإنّ الله قد ركّب في صلبه نطفة وسمّاها عنده الحسن فجعله نورا في بلاده وخليفة في أرضه وعزّا لامّته وهاديا لشيعته وشفيعا لهم عند ربّهم ، ونقمة على من خالفه وحجّة لمن والاه وبرهانا لمن اتخذه إماما ، يقول في دعائه : يا عزيز العزّ في عزّه يا عزيزا أعزّني بعزّتك وأيّدني بنصرك ، وأبعد عنّي همزات الشيطان وادفع عنّي بدفعك وامنع عنّي بمنعك واجعلني من خيار خلقك ، يا واحد يا أحد يا فرد يا صمد ، من دعا بهذا الدعاء حشره الله

١٨٨

عزوجل معه ونجّاه من النار ولو وجبت عليه.

وإنّ الله تعالى ركّب في صلبه نطفة زكية طيّبة طاهرة مطهّرة يرضى بها كلّ مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان ممّن قد أخذ الله ميثاقه في الولاية ، ويكفر بها كلّ جاحد ، فهو إمام تقي نقي سار مرضيّ هادي مهدي ، يحكم بالعدل ويأمر به ويصدق الله ويصدقه الله في قوله ، يخرج من تهامة حتّى يظهر الدلائل والعلامات ، وله بالطالقان كنوز لا ذهب ولا فضّة إلّا خيول مطهمة ورجال مسومة ، يجمع الله له من أقاصي البلاد على عدد أهل بدر ، ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا مع صحيفة مختومة ، فيها عدد أصحابه بأسمائهم وأنسابهم وبلدانهم وطبائعهم وخلقهم ، وكدادون مجدّون في طاعته. فقال له أبي : وما دلائله وعلامته يا رسول الله؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : له علم إذا حان وقت خروجه انتشر ذلك العلم من نفسه ، وأنطقه الله عزوجل فناداه العلم : أخرج يا ولي الله واقتل أعداء الله ، وله رايتان وعلامتان ، وله سيف مغمد ، فإذا حان وقت خروجه اقتلع ذلك السيف من غمده وأنطقه الله عزوجل فناداه السيف : اخرج يا ولي الله وأمرني بأمرك يا حجّة الله فلا يحلّ لك أن تقعد من أعداء الله حيث ثقفتهم ، ويقيم حدود الله ويحكم بحكم الله ، ويكون جبرئيل عن يمينه ، وميكائيل عن يسرته ، وشعيب وصالح على مقدّمته ، وسوف تذكرون ما أقول لكم وافوّض أمري إلى الله تعالى ولو بعد حين.

يا أبي طوبى لمن لقيه وطوبى لمن أحبّه وطوبى لمن قال به ، ينجيهم الله من الهلكة وبالإقرار به وبرسول الله وبجميع الأئمّة تفتح لهم الجنّة ، مثلهم في الأرض كمثل المسك الذي تسطع ريحه فلا يتغيّر أبدا ، ومثلهم في السماء كمثل القمر المنير الذي لا يطفأ أبدا نوره. قال أبي : يا رسول الله كيف حال هؤلاء الأئمّة عن الله عزوجل؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ الله عزوجل أنزل عليّ اثنتي عشرة صحيفة باثني عشر خاتما اسم كلّ إمام على خاتمه وصفته في صحيفته (١).

وفيه : عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لأصحابه : آمنوا بليلة القدر فإنّها تكون من بعدي لعلي بن أبي طالب وولده وهم أحد عشر من بعده (٢).

وفيه عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : اثنا عشر من أهل بيتي أعطاهم الله فهمي وعلمي وحكمتي ، وخلقهم من

__________________

(١) أعلام الورى : ٤٠٤ الفصل الثاني من النص عليهم.

(٢) أعلام الورى : ٣٩٠ الفصل الثاني من النص عليهم.

١٨٩

طينتي ، فويل للمتكبّرين عليهم بعدي ، القاطعين فيهم صلتي ، ما لهم لا أنالهم الله شفاعتي (١).

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : الأئمّة بعدي اثنا عشر أوّلهم أنت يا علي ، وآخرهم القائم الذي يفتح الله على يده مشارق الأرض ومغاربها (٢).

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : الأئمّة بعدي اثنا عشر أوّلهم علي بن أبي طالب وآخرهم القائم ، هم خلفائي وأوصيائي وأوليائي وحجج الله على أمّتي بعدي ، المقرّ لهم مؤمن والمنكر لهم كافر (٣).

وفيه : عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ خلفائي وأوصيائي وحجج الله على الخلق بعدي الاثنا عشر أوّلهم أخي وآخرهم ولدي. قيل : يا رسول الله ومن أخوك؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : علي بن أبي طالب. قيل : فمن ولدك؟ قال : المهدي الذي يملأها قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا ، والذي بعثني بالحقّ بشيرا لو لم يبق من الدنيا إلّا يوم لطوّل الله ذلك اليوم حتّى يخرج فيه ولدي المهدي ، فينزل روح الله عيسى ابن مريم فيصلّي خلفه ، وتشرق الأرض بنور ربّها ، ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب (٤).

وفي أربعين الخوئي عن ابن عبّاس : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّه لما عرج بي ربي جل جلاله أتاني النداء : يا محمد. قلت : لبيك ربّ العظمة لبيك ، فأوحى الله عزوجل إلي : يا محمد فيم اختصم به الملأ الأعلى؟ قلت : إلهي لا علم لي. فقال لي : يا محمد هل اتخذت من الآدميين وزيرا وأخا ووصيّا من بعدك؟ فقلت : إلهي ومن أتخذ؟ تخيّر لي أنت يا إلهي ، فأوحى الله عزوجل إلى : يا محمّد قد اخترت لك من الآدميين عليا فقلت : إلهى ابن عمّي فأوحى الله لي : يا محمد إنّ عليا وارثك ووارث العلم من بعدك ، وصاحب لوائك لواء الحمد يوم القيامة ، وصاحب حوضك يسقي من ورد عليه من بريتي من أمّتك ، ثمّ أوحى الله عزوجل إلي ، يا محمد إنّي قد أقسمت على نفسي قسما حقّا لا يشرب من ذلك الحوض مبغض لك ولأهل بيتك وذريتك الطيبين الطاهرين حقّا حقّا ، أقول يا محمّد لأدخلن جميع أمّتك الجنّة إلّا من أبي.

فقلت : إلهي وأحد يأبى دخول الجنّة؟ فأوحى الله عزوجل إلي : بلى. فقلت : وكيف يا

__________________

(١) أعلام الورى : ٣٩٠.

(٢) أعلام الورى : ٣٩١.

(٣) أعلام الورى : ٣٩١.

(٤) أعلام الورى : ٣٩١.

١٩٠

ربي؟ فأوحى الله عزوجل إلي : يا محمّد اخترتك من خلقي واخترت لك وصيّا من بعدك ، وجعلته منك بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبي بعدك ، وألقيت محبته في قلبك ، وجعلته أبا لولديك ، فحقّه بعدك على امتك كحقّك عليهم في حياتك ، فمن جحد حقّه جحد حقّك ومن أبى أن يواليه فقد أبى أن يواليك ، ومن أبى أن يواليك فقد أبى أن يدخل الجنّة.

فخررت لله عزوجل ساجدا شاكرا لما أنعم علي ، فإذا مناد ينادي : ارفع يا محمّد رأسك واسألني أعطك. فقلت : إلهي اجمع أمّتي من بعدي على علي بن أبي طالب ليردوا علي جميعا حوضي يوم القيامة ، فأوحى الله عزوجل إلي يا محمد إنّي قد قضيت في عبادي قبل أن أخلقهم ، وقضائي ماض فيهم ، لاهلك به من أشاء وأهدي به من أشاء ، وقد آتيته علمك من بعدك وجعلته وزيرك وخليفتك من بعدك على أهلك وأمّتك ، عزيمة منّي ولا يدخل الجنّة من عاداه وأبغضه وأنكر ولايته بعدك ، فمن أبغضه أبغضك ومن أبغضك فقد أبغضني ، ومن عاداه فقد عاداك ومن عاداك فقد عاداني ومن أحبّه فقد أحبّك ومن أحبّك فقد أحبّني ، وقد جعلت لك هذه الفضيلة ، وأعطيتك أن أخرج من صلبه أحد عشر مهديّا ، كلّهم من ذريتك من البكر البتول ، وآخر رجل منهم يصلّي خلفه عيسى ابن مريم يملأ الأرض عدلا كما ملئت ظلما وجورا ، انجي به من الهلكة وأهدي به من الضلالة وأبرئ به الأعمى وأشفي به المريض ، فقلت : إلهي وسيّدي متى يكون ذلك؟

فأوحى الله عزوجل : يكون ذلك إذا رفع العلم وظهر الجهل وكثر القرّاء وقلّ العمل وكثر القتل وقل الفقهاء الهادون وكثر فقهاء الضلالة والخئونة ، وكثر الشعراء ، واتخذت أمّتك قبورهم مساجد وحليت المصاحف وزخرفت المساجد وكثر الجور والفساد وظهر المنكر وأمرت أمّتك به ، ونهي عن المعروف واكتفى الرجال بالرجال والنساء بالنساء ، وصارت الامراء كفرة وأولياؤهم فجرة وأعوانهم ظلمة وذوو الرأي منهم فسقة ، وعند ثلاثة خسوف خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب ، وخراب البصرة على يد رجل من ذريتك تتبعه الزنوج ، وخروج رجل من ولد الحسين بن علي ، وظهور الدجّال ، يخرج بالمشرق من سجستان وظهور السفياني.

فقلت : إلهي وما يكون بعدي من الفتن؟ فأوحى الله إلي وأخبرني ببلاء بني امية وفتنة

١٩١

ولد عمّي ، وما هو كائن إلى يوم القيامة ، فأوصيت بذلك ابن عمّي حين هبطت إلى الأرض ، وأديت الرسالة ولله الحمد على ذلك كما حمده النبيّون ، وكما حمده كلّ شيء قبل وما هو خالقه إلى يوم القيامة (١).

وفي أعلام الورى : سئل أمير المؤمنين عن معنى قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّي مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي ، من العترة؟ قال : أنا والحسن والحسين والأئمّة التسعة من ولد الحسين، تاسعهم مهديّهم وقائمهم ، لا يفارقون كتاب الله ولا يفارقهم حتّى يردوا على رسول الله حوضه(٢).

وفي أعلام الورى عن أصبغ بن نباتة قال : خرج علينا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام ذات يوم ، ووضع يده في يد ابنه الحسن عليه‌السلام وهو يقول : خرج علينا رسول الله ذات يوم ويده في يدي هكذا وهو يقول : خير الخلق بعدي وسيّدهم أخي هذا ، وهو إمام كلّ مسلم وأمير كل مؤمن بعد وفاتي ، ألا وإنّي أقول : إنّ خير الخلق بعدي وسيّدهم ابني هذا ، إمام كلّ مسلم ، وولي كلّ مؤمن بعد وفاتي ، ألا وإنّه سيظلم بعدي كما ظلمت بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وخير الخلق وسيّدهم بعد الحسن ابني الحسين المظلوم بعد أخيه ، المقتول بأرض كربلاء ، أما إنّه وأصحابه من سادة الشهداء يوم القيامة ، ومن بعد الحسين تسعة من صلبه ، خلفاء الله في أرضه وحججه على عباده وأمناؤه على خزائنه ، وهم أئمّة المسلمين وقادة المؤمنين وسادة المتّقين ، وتاسعهم القائم الذي يملأ الله به الأرض نورا بعد ظلمتها ، وعدلا بعد جورها ، وعلما بعد جهلها ، والذي بعث أخي محمدا بالنبوّة واختصّني بالإمامة لقد نزل بذلك الوحي من السماء على لسان الروح الأمين جبرئيل ، ولقد سئل رسول الله وأنا عنده : من الأئمّة بعده؟ فقال للسائل : والسماء ذات البروج إنّ عددهم كعدد البروج ، ورب الليالي والأيّام والشهور إنّ عدّتهم كعدّة الشهور.

قال السائل : فمن هم يا رسول الله؟ فوضع رسول الله يده على رأسي فقال : أوّلهم هذا وآخرهم المهدي من والاهم فقد والاني ومن عاداهم فقد عاداني ، ومن أحبّهم فقد أحبّني

__________________

(١) كمال الدين : ٢٥٢ باب نص الله عليه (٢٣) ح ١.

(٢) أعلام الورى : ٣٩٦ الفصل الثاني من النص عليهم.

١٩٢

ومن أبغضهم فقد أبغضني ، ومن أنكرهم فقد أنكرني ومن عرفهم فقد عرفني ، بهم يحفظ الله دينه وبهم يعمر بلاده وبهم يرزق عباده ، وبهم ينزل القطر من السماء وبهم يخرج بركات الأرض ، هؤلاء أوصيائي وخلفائي وأئمّة المسلمين وموالي المؤمنين (١).

وفيه : لمّا مات أبو بكر وبويع عمر وعلي جالس ناحية ، إذ أقبل يهودي عليه ثياب حسان وهو من ولد هارون حتّى قام على رأس عمر بن الخطّاب فقال : يا أمير المؤمنين أنت أعلم هذه الامّة بكتابهم وأمر نبيّهم ، فطأطأ عمر رأسه ، فأعاد عليه القول فقال له عمر : ولم ذلك؟ فقال : إنّي جئت مرتاد النفس ، شاكّا في ديني اريد الحجّة وأطلب البرهان. فقال له عمر : دونك هذا الشاب ، وأشار إلى أمير المؤمنين علي عليه‌السلام. فقال الغلام : ومن هذا؟ قال عمر : هذا علي بن أبي طالب ابن عم رسول الله وأبو الحسن وأبو الحسين ابني رسول الله ، وزوج فاطمة بنت رسول الله ، وأعلم الناس بالكتاب والسنّة. قال : فقام الغلام إلى علي عليه‌السلام فقال : أنت كذلك؟ فقال عليه‌السلام له : نعم.

قال الغلام : اريد أن أسألك عن ثلاث وثلاث وواحدة ، فتبسّم أمير المؤمنين عليه‌السلام وقال : يا هاروني ما منعك أن تقول عن سبع؟ فقال : اريد أن أسألك عن ثلاث فإن علمتهنّ سألتك عمّا بعدهنّ ، وإن لم تعلمهن علمت أنّه ليس فيكم علم. قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : فإنّي أسألك بالإله الذي تعبده لئن أجبتك عن ما تسألني لتدعن دينك ولتدخلن في ديني؟ قال : ما جئت إلّا لذلك. قال : فسل. قال : فأخبرني عن أوّل قطرة دم قطرت على وجه الأرض ، أي قطرة دم هي؟ وأوّل عين فاضت على وجه الأرض أي عين هي؟ وأوّل شجرة اهتزّت على وجه الأرض أي شجرة هي؟

فقال عليه‌السلام : يا هاروني أما أنتم فتقولون : أوّل قطرة دم قطرت على وجه الأرض حيث قتل أحد ابني آدم ، وليس كذلك ولكنّه حيث طمثت حوّاء ، وذلك قبل أن تلد ابنيها. وأمّا أنتم فتقولون : أوّل عين فاضت على وجه الأرض العين التي ببيت المقدس ، وليس هو كذلك ولكنّها عين الحياة التي وقف عليها موسى وفتاه ومعهما النون المالح ، فسقط فيها فحيي وهذا الماء لا يصيب ميتا إلّا وحيي. وأمّا أنتم فتقولون : أوّل شجرة اهتزت على وجه الأرض الشجرة التي كانت منها سفينة نوح ، وليس كذلك ولكنّها النخلة التي اهبطت من الجنّة ، وهي

__________________

(١) أعلام الورى : ٣٩٩ الفصل الثاني من النص عليهم.

١٩٣

العجوة ، ومنها تفرع كلّ ما ترى من أنواع النخل.

فقال : صدقت والله الذي لا إله إلّا هو ، إنّي لأجد هذا في كتب أبي هارون ، كتابته بيده واملاء عمّي موسى ، ثمّ قال : أخبرني عن الثلاث الأخر ، عن أوصياء محمّد كم بعده من أئمّة عدل وعن منزله في الجنة ومن يكون ساكنا معه في الجنّة وفي منزله؟ فقال عليه‌السلام : يا هاروني إنّ لمحمّد اثني عشر وصيّا أئمّة عدل لا يضرّهم خذلان من خذلهم ، ولا يستوحشون خلاف من خالفهم ، وإنّهم أرسب في الدين من الجبال الرواسي في الأرض ، ومسكن محمّد في جنّة عدن التي ذكرها الله عزوجل وغرسها بيده ، ومعه في مسكنه فيه الأئمّة الاثنا عشر العدول. فقال : صدقت والله الذي لا إله إلّا هو ، إنّي لأجد ذلك في كتب أبي هارون ، كتابته بيده وإملاء عمّي موسى عليه‌السلام. قال : فأخبرني عن الواحدة : كم يعيش وصيّ محمّد بعده؟ وهل يموت أو يقتل؟ فقال عليه‌السلام : يا هاروني يعيش بعده ثلاثين سنة لا يزيد يوما ولا ينقص يوما ، ثمّ يضرب ضربة هاهنا ، ووضع يده على قرنه وأومأ إلى لحيته ، فتخضب هذه من هذه. قال : فصاح الهاروني وقطع كستيجه (١) وقال : أشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله ، وأنّك وصي رسول الله ، ينبغي أن تفوق ولا تفاق وأن تعظم ولا تستضعف ، ثمّ مضى به علي إلى منزله فعلّمه معالم الدين (٢).

أقول : قد ورد هذا الخبر بطرق مختلفة باختلاف يسير تركناها خوفا من الإطالة.

وفي أعلام الورى عن أبي جعفر محمد بن علي الثاني قال عليه‌السلام : أقبل أمير المؤمنين ذات يوم ومعه الحسن بن علي وسلمان الفارسي ، وأمير المؤمنين متكئ على يد سلمان فدخل المسجد الحرام فجلس ؛ إذ أقبل رجل حسن الهيئة واللباس فسلّم على أمير المؤمنين عليه‌السلام فرد ، فجلس ثمّ قال : يا أمير المؤمنين أسألك عن ثلاث مسائل إن أخبرتني بهنّ علمت أن القوم ركبوا من أمرك ما أقضي عليهم أنهم ليسوا بمأمونين في دنياهم ، ولا في آخرتهم ، وإن تكن الاخرى علمت أنك وهم شرع سواء.

فقال له أمير المؤمنين عليه‌السلام : سلني عمّا بدا لك. فقال : أسألك عن الرجل إذا نام أين تذهب روحه؟ وعن الرجل كيف يذكر وينسى؟ وعن الرجل كيف يشبه ولده الأعمام والأخوال؟

__________________

(١) الكستيج بالضم : حبل غليظ يشدّه الذمّي فوق ثيابه دون الزنار.

(٢) أعلام الورى : ٣٨٨ الفصل الثاني من النص عليهم.

١٩٤

فالتفت أمير المؤمنين عليه‌السلام إلى الحسن عليه‌السلام فقال : يا أبا محمد أجبه. فقال عليه‌السلام : أمّا ما سألت عنه من أمر الإنسان إذا نام أين تذهب روحه ، فإنّ روحه متعلّقة بالريح ، والريح متعلّقة بالهواء إلى وقت ما يتحرّك صاحبها لليقظة ، فإن أذن الله بردّ تلك الروح على صاحبها جذبت تلك الريح الروح ، وجذبت تلك الروح الهواء فرجعت الروح فأسكنت في بدن صاحبها ، وإن لم يأذن الله عزوجل بردّ تلك على صاحبها جذبت الهواء ، وجذبت الريح الروح فلم ترد على صاحبها إلى وقت ما يبعث.

وأمّا ما ذكرت من الذكر والنسيان فإن قلب الرجل في حقّ ، وعلى الحقّ طبق ، فإن صلّى عند ذلك على محمّد وآل محمّد صلاة تامّة انكشف ذلك الطبق عن ذلك الحق فأضاء القلب وذكّر الرجل ما كان نسي ، وإن لم يصلّ على محمّد وآل محمّد أو انتقص من الصلوات عليهم طبق ذلك الطبق على ذلك الحقّ وأظلم القلب ونسي الرجل.

وأمّا ما ذكرت من أمر المولود الذي يشبه أعمامه وأخواله ، فإنّ الرجل إذا أتى أهله فجامعها بقلب ساكن وعروق هادئة وبدن غير مضطرب ، فأسكنت بذلك تلك النطفة جوف الرحم خرج الولد يشبه أباه وأمّه ، وإذا أتاها بقلب غير ساكن وعروق غير هادئة وبدن مضطرب اضطربت تلك النطفة ، فوقعت في حال اضطرابها على بعض العروق فإن وقعت على عرق من عروق الأعمام يشبه الولد أعمامه ، وإن وقعت على عرق من عروق الأخوال أشبه الولد أخواله.

فقال الرجل : أشهد أن لا إله إلّا الله ولم أزل أشهد بها ، وأشهد أنّ محمّدا رسول الله ولم أزل أشهد بذلك ، وأشهد أنّك وصي رسول الله والقائم بحجّته وأشار إلى أمير المؤمنين ، ولم أزل أشهد بذلك ، وأشهد أنّك وصيّه القائم بحجّته ، وأشار إلى الحسن بن علي ، وأشهد أنّ الحسين بن علي أخيك وصي أبيك والقائم بحجّته بعدك ، وأشهد على علي بن الحسين أنه القائم بأمر الحسين من بعده ، وأشهد على محمد بن علي أنّه القائم بأمر علي بن الحسين من بعده ، وأشهد على جعفر بن محمد أنّه القائم بأمر محمد بن علي ، وأشهد على موسى بن جعفر أنّه القائم بأمر جعفر بن محمد ، وأشهد على علي بن موسى أنّه القائم بأمر موسى بن جعفر ، وأشهد على محمّد بن علي أنّه القائم بأمر علي بن موسى ، وأشهد على علي بن محمد أنّه القائم بأمر محمد بن علي ، وأشهد على الحسن بن علي أنّه القائم بأمر علي بن

١٩٥

محمد وأشهد على رجل من ولد الحسن بن علي لا يكنّى ولا يوصف أنّه يخرج فيملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا ، أنّه القائم بأمر الحسن بن علي ، والسلام عليكم أيّها المؤمنون ورحمة الله وبركاته. ثمّ قام ومضى.

فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : يا أبا محمد اتبعه فانظر أين يقصد ، فخرج الحسن بن علي عليهما‌السلام ، قال : فما كان إلّا أن وضع رجله خارج المسجد فما رأيت أين أخذ من أرض الله فرجعت إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام فأعلمته ، فقال : يا أبا محمّد أتعرفه؟ فقلت : الله ورسوله وأمير المؤمنين أعلم ، فقال : هو الخضر (١).

في أعلام الورى عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال أبي لجابر بن عبد الله الأنصاري : إنّ لي إليك حاجة فمتى يخف عليك أن أخلو بك فأسألك عنها؟ فقال له جابر : في أي الأوقات شئت ، فخلا به أبي فقال له : أخبرني عن اللوح الذي رأيته في يد أمّي فاطمة بنت رسول الله ، وما أخبرتك به أمّي أنّ في ذلك اللوح مكتوبا؟ فقال له جابر : أشهد بالله أني دخلت على أمّك فاطمة سلام الله عليها في حياة رسول الله اهنيها بولادة الحسن ، فرأيت في يدها لوحا أخضر ظننت أنّه زمرد ، ورأيت فيه كتابا أبيض شبيه نور الشمس فقلت لها : بأبي أنت وأمّي يا بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما هذا اللوح؟ فقالت عليها‌السلام : هذا اللوح أهداه الله إلى رسول الله فيه اسم أبي صلى‌الله‌عليه‌وآله واسم بعلي عليه‌السلام واسم ابنيّ واسم الأوصياء من ولدي ، فأعطانيه أبي ليسرني بذلك. قال جابر : فأعطتنيه أمّك فاطمة فقرأته وانتسخته.

فقال أبي : فهل لك أن تعرضه علي؟ قال : نعم ، فمشى معه أبي حتّى انتهى إلى منزل جابر وأخرج إلى أبي صحيفة من رق ، قال جابر : فأشهد بالله أني رأيته هكذا في اللوح مكتوبا : بسم الله الرّحمن الرحيم هذا كتاب من الله العزيز العليم لمحمد بن عبد الله نوره وسفيره وحجابه ودليله ، نزل به الروح الأمين من عند ربّ العالمين ، عظّم يا محمد أسمائي واشكر نعمائي ولا تجحد آلائي ، إني أنا الله الذي لا إله إلّا أنا قاصم الجبّارين ومذلّ الظالمين ومبيد المتكبّرين وديّان يوم الدين.

إنّي أنا الله لا إله إلّا أنا فمن رجا غير فضلي وخاف غير عدلي عذّبته عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين ، فإيّاي فاعبد وعليّ فتوكّل إني لم أبعث نبيّا فأكملت أيّامه وانقضت مدّته إلّا

__________________

(١) أعلام الورى : ٤٠٤ الفصل الثاني من النص عليهم.

١٩٦

جعلت له وصيّا ، وإنّي فضّلتك على الأنبياء وفضّلت وصيّك على الأوصياء ، وأكرمتك بشبليك بعده وبسبطيك الحسن والحسين ، فجعلت حسنا معدن علمي بعد انقضاء مدّة أبيه ، وجعلت حسينا خازن وحيي وأكرمته بالشهادة وختمت له بالسعادة ، فهو أفضل من استشهد وأرفع الشهداء درجة ، جعلت كلمتي التامة معه والحجّة البالغة عنده وبعترته اثيب واعاقب ، أوّلهم سيّد العابدين وزين أوليائي الماضين ، وابنه شبيه جدّه المحمود محمد الباقر لعلمي ، والمعدن لحكمي ، سيهلك المرتابون في جعفر ، الرادّ عليه كالرادّ عليّ ، حقّ القول منّي لاكرمن مثوى جعفر ولأسرّنّه في أشياعه وأنصاره وأوليائه ، وانتجبت بعده موسى وارتجيت بعده فتنة عمياء حندس (١) ، ألا إنّ خيط فرجي لا ينقطع وحجّتي لا تخفى وإنّ أوليائي لا يشقون

ألا من جحد واحدا منهم فقد جحد نعمتي من غير آية من كتابي فقد افترى عليّ ، وويل للمفترين الجاحدين ، فعند انقضاء مدّة عبدي موسى وحبيبي وخيرتي ، إنّ المكذّب بالثامن مكذّب بكلّ أوليائي ، وعلي وليّي وناصري ، ومن أضع عليه أعباء النبوّة وأمنحه بالاضطلاع ، يقتله عفريت مستكبر ، يدفن بالمدينة التي بناها العبد الصالح إلى جنب شرّ خلقي ، حق القول منّي لاقرّنّ عينيه بمحمّد ابنه وخليفته من بعده ، فهو وارث علمي ومعدن حكمي وموضع سرّي وحجّتي على خلقي ، وجعلت الجنّة مثواه ، وشفعته في سبعين من أهل بيته قد استوجبوا النار ، وأختم بالسعادة لابنه علي وليّي وناصري ، والشاهد في خلقي ، وأميني على وحيي ، اخرج منه الداعي إلى سبيلي والخازن لعلمي الحسن العسكري ، ثمّ أكمل ذلك بابنه رحمة للعالمين ، عليه كمال موسى وبهاء عيسى وصبر أيّوب ، ستذلّ أوليائي في زمانه ، ويتهادون رءوسهم كما تتهادى رءوس الترك والديلم ، فيقتلون ويحرقون ويكونون خائفين مرعوبين وجلين ، تصبغ الأرض بدمائهم ويغشو الويل والرنين في نسائهم ، أولئك أوليائي حقّا ، بهم أدفع كلّ فتنة عمياء حندس ، وبهم أكشف الزلازل وأرفع الآصار والأغلال ، اولئك عليهم صلوات من ربّهم ورحمة واولئك هم المهتدون. قال أبو بصير لو لم تسمع في دهرك إلّا هذا الحديث لكفاك فصنه إلّا عن أهله (٢).

__________________

(١) أي : شديدة الظلمة.

(٢) أعلام الورى : ٣٩٤ الفصل الثاني من النص عليهم.

١٩٧

وعن إسحاق بن عمّار مثله بتفاوت يسير.

وعن محمد بن جعفر عليه‌السلام عن أبيه جعفر بن محمد عليه‌السلام أنّ أباه محمد بن علي جمع ولده وفيهم عمّهم زيد بن علي ، وأخرج اللوح المذكور وفيه ما ذكر (١).

وفيه عن جابر بن عبد الله : دخلت على فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقدّامها لوح يكاد ضوؤه يعشي الأبصار فيه اثنا عشر اسما ، ثلاثة في ظاهره وثلاثة في باطنه وثلاثة أسماء في آخره وثلاثة أسماء في طرفه فعددتها فإذا هي اثنا عشر ، فقلت : أسماء من هؤلاء؟ قالت : هذه أسماء الأوصياء ، أوّلهم ابن عمّي وأحد عشر من ولدي آخرهم القائم. قال جابر : فرأيت فيها محمّدا محمدا محمّدا في ثلاثة مواضع وعليا عليا عليا في أربعة مواضع ، بشهادة جمع عند معاوية (٢).

في الأربعين : لمّا صالح الحسن بن علي عليهما‌السلام معاوية بن أبي سفيان دخل عليه الناس فلامه بعضهم على بيعته فقال عليه‌السلام : ويحكم ما تدرون ما عملت ، والله الذي عملت خير لشيعتي ممّا طلعت عليه الشمس أو غربت ، ألا تعلمون أني إمامكم ، مفترض الطاعة عليكم وأحد سيدي شباب أهل الجنّة بنصّ رسول الله؟ قالوا : بلى. قال : أما علمتم أنّ الخضر لما خرق السفينة وقتل وأقام الجدار كان ذلك سخطا لموسى بن عمران ؛ إذ خفي عليه وجه الحكم فيه ، وكان ذلك عند الله حكمة وصوابا؟ أما علمتم أنّه ما منّا أحد إلّا ويقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه إلّا القائم الذي يصلّي روح الله عيسى ابن مريم خلفه؟ فإنّ الله عزوجل يخفي ولادته ويغيّب شخصه لئلّا يكون في عنقه بيعة ، إذا خرج التاسع من ولد أخي الحسين ابن سيّدة الإماء ، يطيل الله عمره في غيبته ثمّ يظهر بقدرته في صورة شاب دون أربعين سنة ، ذلك ليعلم أنّ الله على كلّ شيء قدير (٣).

وفي الأربعين قال الحسين بن علي عليهما‌السلام : في التاسع من ولدي سنّة من يوسف وسنّة من موسى بن عمران ، وهو قائمنا أهل البيت ، يصلح الله تبارك وتعالى أمره في ليلة واحدة (٤).

__________________

(١) عيون أخبار الرضا : ٤٤ باب النصوص على الرضا (٦) ح ١. والاختصاص : ٢١٢ في إثبات إمامة الأئمّة.

(٢) أعلام الورى : ٣٩٤ الفصل الثاني من النص عليهم.

(٣) كمال الدين : ٣١٦ ح ٢٧ باب ٢٩.

(٤) كشف الغمة : ٢ / ٥٢٢ الفصل الثاني.

١٩٨

وفيه عنه عليه‌السلام : قائم هذه الامّة هو التاسع من ولدي وهو صاحب الغيبة ، وهو الذي يقسم ميراثه وهو حيّ (١).

وعنه عليه‌السلام : منّا اثنا عشر مهديا أوّلهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وآخرهم التاسع من ولدي وهو الإمام القائم بالحق ، يحيي الله به الأرض بعد موتها ، ويظهر به دين الحق على الدين كلّه ولو كره المشركون ، وله غيبة يرتدّ فيها أقوام ويثبت على الدين فيها آخرون فيؤذون ويقال : متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ، أما إن الصابر في غيبته على الأذى والتكذيب بمنزلة المجاهد بالسيف بين يدي رسول الله.

وفيه عنه عليه‌السلام : لو لم يبق من الدنيا إلّا يوم واحد لطوّل الله عزوجل ذلك اليوم حتّى يخرج رجل من ولدي ، فيملأها عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا ، كذلك سمعت رسول الله (٢).

وفيه عن أبي خالد الكابلي قال : دخلت على سيدي علي بن الحسين زين العابدين عليه‌السلام فقلت له : يا ابن رسول الله أخبرني بالذين فرض الله طاعتهم ومودّتهم ، وأوجب على عباده الاقتداء بهم بعد رسول الله ، فقال عليه‌السلام : يا كنكر إنّ اولي الأمر الذين جعلهم الله أئمّة للناس وأوجب عليهم طاعتهم : أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ثمّ الحسن ثمّ الحسين ابنا علي ابن أبي طالب ، ثمّ انتهى الأمر إلينا وسكت. فقلت له : يا سيدي روي لنا عن أمير المؤمنين أن الأرض لا تخلو من حجّة لله على عباده ، فمن الحجّة والإمام بعدك؟ فقال : ابني محمد ، فاسمه في التوراة باقر يبقر العلم بقرا ، هو الحجّة والإمام بعدي ومن بعد محمّد ابنه جعفر واسمه عند أهل السماء الصادق.

فقلت : يا سيدي فكيف صار اسمه الصادق وكلّكم الصادقون؟ فقال عليه‌السلام : حدّثني أبي عن أبيه أنّ رسول الله قال : إذا ولد ابني جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب فسمّوه الصادق لأنّ الخامس من ولده الذي اسمه جعفر يدّعي الإمامة افتراء على الله وكذبا عليه ، فسمّوه جعفر الكذّاب المفتري على الله والمدّعي بما ليس بأهل ، المخالف على أبيه والحاسد لأخيه ذلك اليوم الذي يروم كشف سرّ الله عند غيبة ولي الله ، ثمّ بكى علي بن الحسين عليه‌السلام بكاء شديدا ، ثمّ قال : كأنّي بجعفر الكذّاب وقد حمل طاغية زمانه على تفتيش أمر ولي الله والمغيب في حفظ الله ، والتوكيل بحرم أبيه جهلا منه بولادته ، وحرصا

__________________

(١) أعلام الورى : ٢ / ٢٣١.

(٢) كمال الدين : ٥٧٧ باب حديث شداد.

١٩٩

على قتله إن ظفر به طمعا في ميراث أبيه حتّى يأخذه بغير حقّه.

فقال أبو خالد : فقلت له : يا ابن رسول الله وإنّ ذلك لكائن؟ فقال : إي وربّي إنّ ذلك لمكتوب عندنا في الصحيفة التي فيها ذكر المحن التي تجري علينا بعد رسول الله. قال : فقلت له : يا ابن رسول الله ثمّ يكون ما ذا؟ قال : ثمّ تمتد الغيبة بولي الله الثاني عشر من أوصياء رسول الله والأئمّة بعده ، يا أبا خالد إنّ أهل زمان غيبته والقائلين بإمامته والمنتظرين لظهوره أفضل من أهل كلّ زمان ؛ لأنّ الله تعالى ذكره أعطاهم من العقول والأفهام والمعرفة ما صارت الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة ، وجعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول الله بالسيف ، اولئك المخلصون حقّا وشيعتنا صدقا والدعاة إلى الله سرّا وجهرا (١).

وفي أعلام الورى عن أبي جعفر عليه‌السلام : إنّ الله تعالى أرسل محمّدا إلى الجنّ والإنس وجعل من بعده اثني عشر وصيّا ، منهم من سبق ومنهم من بقي ، وكلّ وصي جرت به سنّة الأوصياء الذين من بعد محمّد على سنّة أوصياء عيسى ، وكانوا اثني عشر (٢).

وفي الأربعين عن أبي بصير : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : في صاحب هذا الأمر أربع سنن من أربعة أنبياء : سنّة من موسى وسنّة من عيسى وسنّة من يوسف وسنّة من محمّد ، أمّا من موسى فخائف يترقّب ، وأمّا من يوسف فالحبس ، وأمّا من عيسى فيقال : إنّه مات ولم يمت ، وأمّا من محمّد فالسيف (٣).

وفيه عن محمد بن مسلم : دخلت على أبي جعفر عليه‌السلام وأنا اريد أن أسأله عن القائم من آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال لي مبتدئا : يا محمد بن مسلم إنّ في القائم من آل محمّد شبه من خمسة من الرسل : يونس بن متى ويوسف بن يعقوب وموسى وعيسى ومحمد ، فأمّا شبهه من يونس فرجوعه من غيبته وهو شاب بعد كبر السن ، وأمّا شبهه من يوسف بن يعقوب فالغيبة من خاصة وعامة ، واختفاؤه من اخوته ، وإشكال أمره على أبيه يعقوب مع قرب المسافة بينه وبين أبيه وأهله وشيعته ، وأمّا شبهه من موسى فدوام خوفه وطول غيبته وخفاء ولادته ، وتعب شيعته من بعده ممّا لقوا من الأذى والهوان إلى أن أذن الله عزوجل في ظهوره ونصره

__________________

(١) كمال الدين : ٢٩٩ باب ٣١ ح ٢ ، والبحار : ٣٦ / ٣٨٦.

(٢) أعلام الورى : ٣٨٦ الفصل الثاني من النص عليهم ط. قم الاولى.

(٣) كمال الدين : ٣٢٧.

٢٠٠