إلزام النّاصب في إثبات الحجّة الغائب عجّل فرجه - ج ١

الشيخ علي اليزدي الحائري

إلزام النّاصب في إثبات الحجّة الغائب عجّل فرجه - ج ١

المؤلف:

الشيخ علي اليزدي الحائري


المحقق: السيد علي عاشور
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٤٠
الجزء ١ الجزء ٢

الْماكِرِينَ) (١)

وقد أخفى الله عزوجل حمل أمّه نرجس بنت يشوعا قيصر الروم عن عامّة الناس كما أخفى حمل أمّ موسى عن فرعون وقومه ، مع أنّ الكهنة والمنجّمين قد عيّنوا سنة ولادته إلى أن بعث المعتمد العبّاسي القوابل سرّا وأمرهنّ أن يدخلن دور بني هاشم سيما دار العسكري عليه‌السلام بلا استئذان ، وفي أي وقت كان ليفتشن أثره ويتطلعن خبره إلى أن نوّر الكون بقدومه إلى عالم الوجود ، وتولد عجل الله فرجه قبل وفاة أبيه بسنتين ، وقيل بخمس ، في سامراء في منتصف شعبان ، كما في نوحة الأحزان من مؤلفات العالم الفاضل محمد يوسف اللاهخوارماني الذي ألف في زمن شاه عباس الثاني رحمه‌الله : إنّه كان عليه‌السلام يوما من الأيّام في حجر والدته في صحن الدار إذ أحسّت نرجس بالقوابل فاضطربت اضطرابا شديدا ، ولم تجد فرصة حتّى تخفي ذلك النّور ، فهتف هاتف بها أن ألقي حجّة الله القهار في البئر التي في صحن الدار ، فألقته في البئر وقد سمعت القوابل صوت الطفل فدخلن الدار بسرعة فبالغن في التفحّص فلم يجدن منه أثرا فخرجن والهات حائرات ، فلما فرغت الدار عن الأغيار أقبلت نرجس إلى البئر لكي تعلم ما جرى على قرّة عينها ، فلمّا أشرفت على البئر رأت الماء يفور إلى أن ساوى أرض الدار ، وحجّة الله فوق الماء صحيحا سالما كالبدر الطالع ، والقماط (٢) الذي عليه لم يبتل أبدا فتناولته وأرضعته وحمدت الله وسجدت له شكرا فهتف هاتف : أن يا نرجس ألقيه إلى البئر أربعين يوما ، فمتى أردت أن تسترضعيه نوصله إليك ، فكانت كلّما أرادت إرضاعه تأتي إلى شفير البئر فيفور الماء ، وحجّة الله فوقه فتأخذه وترضعه وتقرّ عينها بجماله وترده إلى البئر فينزل الماء إلى قراره ، فبقي عجل الله فرجه في البئر في تلك المدّة كما كان يوسف الصدّيق أيضا كذلك ، وكان مستورا عن أعين الناس (٣).

الرابع عشر : ممّن رآه في حياة أبيه عليها‌السلام : وفيه عن علي بن إبراهيم بن مهزيار الذي كان خادما له عليه‌السلام أنّ الحسن العسكري كان يأمرني بإحضار حجّة الله من السرداب ، وأنا أحضره

__________________

(١) سورة آل عمران : ٥٤.

(٢) القماط : خرقة عريضة تلفّ على الصغير إذا شدّ في المهد.

(٣) الأحاديث هذه نقلها المصنّف بالمضمون قد صرّح في أوّل الحديث ، راجع غيبة الشيخ وغيبة النعماني ، وبعض الأحاديث تقدّم ، نعم الحديث الأخير لم أجده.

٣٢١

عنده وهو يأخذه ويقبّله ويتكلّم معه ، وهو يجاوب أباه بذلك وهو يشير إلي بردّه وأردّه إلى السرداب ، حتّى أنّه عليه‌السلام أمرني بإحضاره يوما من الأيّام فقال عليه‌السلام : يا ابن مهزيار ائتني بولدي حجّة الله ، فأتيت به إليه من السرداب ، فأخذه منّي وأجلسه في حجره وقبّل وجهه وتكلّم معه بلغة لا أعرفها وهو يجاوب أباه بتلك اللغة ، فأمرني بردّه إلى محلّه ومكانه ، فذهبت به ورجعت إلى العسكري عليه‌السلام ، ثمّ رأيت أشخاصا من خواصّ المعتمد العبّاسي عند الإمام عليه‌السلام يقولون : إنّ الخليفة يقرئك السلام ويقول : بلغنا أنّ الله عزوجل أكرمك بولد وكبر فلم لا تخبرنا بذلك لكي نشاركك في الفرح والسرور؟ ولا بدّ لك أن تبعثه إلينا فإنّا مشتاقون إليه.

قال ابن مهزيار : لمّا سمعت منهم هذه المقالة فزعت وتضجرت وتفجرت واضطرب فؤادي فقال الإمام : يا ابن مهزيار اذهب بحجّة الله إلى الخليفة ، فزاد اضطرابي وحيرتي ؛ لأني كنت متيقّنا أنّه أراد قتله فكنت أتعلّل وأنظر إلى سيّدي ومولاي العسكري عليه‌السلام فتبسّم في وجهي وقال : لا تخف اذهب بحجّة الله إلى الخليفة ، فأخذتني الهيبة ورجعت إلى السرداب فرأيته يتلألأ نوره كالشمس المضيئة فما كنت رأيته بذلك الحسن والجمال ، وكانت الشامة السوداء في خدّه الأيمن كوكبا دريّا ، فحملته على كتفي وكان عليه برقع ، فلمّا أخرجته من السرداب تنوّرت سامراء من تلك الطلعة الغرّاء وسطع النور من وجهه إلى عنان السماء واجتمع الناس رجالا ونساء في الطرق والشوارع وصعدوا على السطوح فانسدّ الطريق عليّ ، فلم أقدر على المشي إلى أن صار أعوان الخليفة يبعدون الناس من حولي حتّى أدخلوني دار الامارة.

فرفع الحجاب فدخلنا مجلس الخليفة ، فلمّا نظر هو وجلساؤه إلى طلعته الغراء وإلى ذلك الجمال والبهاء أخذتهم الهيبة منه فتغيّرت ألوانهم وطاش لبهم وحارت عقولهم وخرست ألسنتهم ، فصار الرجل منهم لا يتكلّم ولا يقدر أن يتحرّك من مكانه ، فبقيت واقفا والنور الساطع والضياء اللامع على كتفي ، فبعد برهة من الزمان قام الوزير وصار يشاور الخليفة ، فأحسست أنّه يريد قتله فغلب عليّ الخوف من أجل سيّدي ومولاي ، فإذا بالخليفة أشار إلى السيّافين أن اقتلوه ، فكل واحد منهم أراد سلّ سيفه من غمده ، فلم يقدر عليه ولم يخرج السيف من غمده ، وقال الوزير : هذا من سحر بني هاشم ، وليس هذا بعجيب ولكن ما أظن أنّ سحرهم يؤثر في السيوف التي في خزانة الخليفة ، فأمر بإتيان

٣٢٢

السيوف من الخزانة فأتيت فلم يقدروا أيضا على إخراجها من أغمادها ، وجاءوا بالمواسي والسكاكين فلم يقدروا على فكّها.

ثمّ أمر الخليفة بإشارة من الوزير بالأسود الضارية من بركة السباع ، فأتي بثلاثة من الأسود الضارية والسباع العادية فأشار إلى الخليفة وقال : ألقه نحو الاسود ، فحار عقلي وطاش لبّي وقلت في نفسي : إنّي لا أفعل ذلك ولو أنّي اقتل ، فقرب عجل الله فرجه من اذني فقال لي : لا تخف وألقنى ، فلمّا سمعت من سيدي ومولاي ذلك ألقيته نحو الأسود بلا تأمّل ، فتبادرت وتسابقت الأسود نحوه وأخذوه بأيديهم في الهواء ، ووضعوه على الأرض برفق ولين ورجعوا إليّ القهقرى مؤدّبين كأنّهم العبيد بين يدي الموالي واقفين ، ثمّ تكلّم واحد منهم بلسان فصيح ، وشهد بوحدانية الباري عزّ شأنه وبرسالة النبي المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله وبإمامة علي المرتضى والزكي المجتبى والشهيد بكربلاء وعن الأئمّة واحدا واحدا ، ثمّ قال : يا ابن رسول الله لي إليك الشكوى فهل تأذن لي؟ فأذن له فقال : إنّي هرم وهذان شابّان فإذا جيء إلينا بطعمة ما يراعياني ، ويأكلان الطعمة قبل أن أكمل فأبقى جائعا ، قال عجل الله فرجه : مكافأتهما أن يصيرا مثلك وتصير مثلهما ، فلمّا قال هذا الكلام فإذا صار كما قال ، وصارا كما أراد ، فعرض لهما الهرم وعاد له الشباب ما شاء الله ، فلمّا رأى الحاضرون كبّروا جميعا من غير اختيار ، وفزع الخليفة ومن كان معه وتغيّرت ألوانهم ، فأمر بردّه إلى أبيه العسكري عليه‌السلام ، فعدت ضاحكا شاكرا لله حامدا له ، فأتيت به إلى أبيه وقصصت عليه القصّة فأمرني بردّه إلى السرداب فذهبت به (١).

__________________

(١) لم أجده في المصادر.

٣٢٣

الفرع الخامس

فيمن رآه بعد أبيه في غيبته الصغرى

الأوّل : ممّن رآه في الغيبة الصغرى : في البحار عن علي بن سنان الموصلي عن أبيه : لمّا قبض سيّدنا أبو محمد الحسن بن علي العسكري وفد من قم والجبال وفود بالأموال التي كانت تحمل على الرسم ، ولم يكن عندهم خبر وفاته ، فلمّا أن وصلوا إلى سر من رأى سألوا عن سيّدنا الحسن بن علي عليه‌السلام فقيل لهم إنّه قد فقد. قالوا : فمن وارثه؟ قالوا : أخوه جعفر بن علي ، فسألوا عنه فقيل لهم قد خرج متنزّها وركب زورقا في الدجلة يشرب ومعه المغنون.

قال : فتشاور القوم وقالوا : ليست هذه صفات الإمام ، وقال بعضهم لبعض : امضوا بنا لنردّ هذه الأموال إلى أصحابها ، فقال أبو العبّاس أحمد بن جعفر الحميري القمي : قفوا بنا حتّى ينصرف هذا الرجل ونختبر أمره على الصحّة. قال : فلمّا انصرف دخلوا عليه فسلّموا عليه وقالوا : يا سيّدنا نحن قوم من أهل قم ومعنا جماعة من الشيعة وغيرها كنّا نحمل إلى سيّدنا أبي محمد الحسن بن علي الأموال ، فقال : وأين هي؟ قالوا : معنا قال (لع) : احملوها إلي.

قالوا : إنّ لهذه الأموال خبرا طريفا. فقال : وما هو؟ قالوا : إنّ هذه الأموال تجمع ويكون فيها من عامّة الشيعة الدينار والديناران ، ثمّ يجعلونها في كيس ويختمون عليها ، وكنّا إذا وردنا بالمال قال سيّدنا أبو محمد : جملة المال كذا كذا دينارا ؛ من فلان كذا ومن فلان كذا حتى يأتي على أسماء الناس كلّهم ويقول ما على الخواتيم من نقش. فقال جعفر : كذبتم ، تقولون على أخي ما لم يفعله هذا علم الغيب. قال : فلمّا سمع القوم كلام جعفر جعل ينظر بعضهم إلى بعض ، فقال لهم : احملوا هذا المال إلي. فقالوا : إنّا قوم مستأجرون ، وكلاء لأرباب المال ولا نسلّم المال إلّا بالعلامات التي كنّا نعرفها من سيّدنا أبي محمد الحسن بن علي ، فإن كنت الإمام فبيّن لنا وإلّا رددناها إلى أصحابها يرون فيها رأيهم.

قال : فدخل جعفر على الخليفة وكان بسر من رأى فاستعدى عليهم فلمّا حضروا قال الخليفة : احملوا هذا المال إلى جعفر. قالوا : أصلح الله أمير المؤمنين إنّا قوم مستأجرون ،

٣٢٤

وكلاء لأرباب هذه الأموال وهي لجماعة أمرونا أن لا نسلّمها إلّا بعلامة ودلالة ، وقد جرت بهذا العادة مع أبي محمد الحسن بن علي عليه‌السلام ، فقال الخليفة : وما الدلالة التي كانت لأبي محمّد عليه‌السلام؟ قال القوم : كان يصف الدنانير وأصحابها والأموال وكم هي ، فإذا فعل ذلك سلّمناها إليه ، وقد وفدنا عليه مرارا فكانت هذه علامتنا منه ودلالتنا ، وقد مات فإن يكن هذا الرجل صاحب هذا الأمر فليقم لنا ما كان يقيم لنا أخوه وإلّا رددناها إلى أصحابها. فقال جعفر : يا أمير المؤمنين إنّ هؤلاء قوم كذّابون ، يكذبون على أخي وهذا علم الغيب ، فقال الخليفة : القوم رسل وما على الرسول إلّا البلاغ المبين. قال : فبهت جعفر ولم يحر جوابا.

فقال القوم : يتطوّل أمير المؤمنين بإخراج أمره إلى من يبذرقنا (١) حتّى نخرج من هذه البلدة. قال : فأمر لهم بنقيب فأخرجهم منها ، فلمّا أن خرجوا من البلد خرج إليهم غلام أحسن الناس وجها كأنّه خادم فنادى : يا فلان ابن فلان ويا فلان ابن فلان أجيبوا مولاكم. قال : فقالوا له : أنت مولانا؟ قال : معاذ الله أنا عبد مولاكم فسيروا إليه ، قالوا : فسرنا معه حتّى دخلنا دار مولانا الحسن بن علي فإذا ولده القائم قاعد على سرير كأنّه فلقة القمر ، عليه ثياب خضر فسلّمنا عليه فردّ علينا السلام ثمّ قال : جملة المال كذا وكذا دينارا ، حمل فلان كذا وفلان كذا ، ولم يزل يصف حتّى وصف الجميع ثمّ وصف ثيابنا ورحالنا وما كان معنا من الدواب ، فخررنا سجّدا لله عزوجل شكرا لما عرفنا ، وقبّلنا الأرض بين يديه ، ثمّ سألناه عمّا أردنا وأجاب ، فحملنا إليه الأموال ، وأمرنا القائم أن لا نحمل إلى سر من رأى بعدها شيئا فإنّه ينصب لنا ببغداد رجلا نحمل إليه الأموال ويخرج من عنده التوقيعات.

قال : فانصرفنا من عنده ودفع إلى أبي جعفر محمد بن جعفر القمي الحميري شيئا من الحنوط والكفن وقال له : أعظم الله أجرك في نفسك. قال : فما بلغ أبو العبّاس عقبة همدان حتّى توفي رحمه‌الله ، وكنّا بعد ذلك نحمل الأموال إلى بغداد ، إلى الأبواب المنصوبين ويخرج من عنده التوقيعات (٢).

قال الصدوق : هذا الخبر يدلّ على أنّ الخليفة كان يعرف هذا الأمر ، كيف هو وأين موضعه فلهذا كفّ عن القوم وعمّا معهم من الأموال ، ودفع جعفر الكذّاب عنهم ولم يأمرهم

__________________

(١) من البذرقة. وهي الجماعة التي تتقدم القافلة وتكون معها تحرسها. (مجمع : ٥ / ١٣).

(٢) كمال الدين : ٤٧٩ ح ٢٦ باب ٤٣ ، والبحار : ٥٢ / ٤٨ ح ٣٤.

٣٢٥

بتسليمها إليه ، إلّا أنّه كان يحبّ أن يخفى هذا الأمر ولا يظهر لئلّا يهتدي إليه الناس فيعرفونه ، وقد كان جعفر حمل إلى الخليفة عشرين ألف دينار لمّا توفي الحسن بن علي عليه‌السلام فقال له : يا أمير المؤمنين تجعل لي مرتبة أخي ومنزلته؟ فقال الخليفة : اعلم أنّ منزلة أخيك لم تكن بنا إنّما كانت بالله عزوجل ، نحن كنّا نجتهد في حطّ منزلته والوضع منه ، وكان الله عزوجل يأبى إلّا أن يزيده كل يوم رفعة لما كان فيه من الصيانة وحسن السمت والعلم والعبادة ، فإن كنت عند شيعة أخيك بمنزلته فلا حاجة بك إلينا ، وإن لم تكن عندهم بمنزلته ولم يكن فيك ما في أخيك لم نغن عنك في ذلك شيئا (١).

الثاني : ممّن رآه في غيبته الصغرى : في تبصرة الولي عن أبي علي محمد بن أحمد المحمودي قال : حججت نيفا وعشرين سنة ، كنت جميعها أتعلّق بأستار الكعبة وأقف على الحطيم والحجر الأسود ومقام إبراهيم ، وأديم الدعاء في هذه المواضع ، وأقف بالموقف وأجعل جلّ دعائي أن يريني مولاي صاحب الزمان ، فإنني في بعض السنين قد وقفت بمكّة على أن أبتاع حاجة ومعي غلام في يده مشربة [حليج ملمعة] (٢) فدفعت إلى الغلام الثمن وأخذت المشربة من يده ، وتشاغل الغلام بمماكسة البيع وأنا واقف أترقّب ؛ إذ جذب ردائي جاذب ، فحوّلت وجهي إليه فرأيت رجلا ذعرت حين نظرت إليه هيبة له فقال لي : تبيع المشربة ، فلم أستطع ردّ الجواب وغاب عن عيني ، فلم يلحقه بصري وظننته مولاي ، فإنّني في يوم من الأيّام كنت اصلّي بباب الصفا ، فسجدت وجعلت مرفقي في صدري فحرّكني تحرّكا برجله فرفعت رأسي فقال : افتح منكبك عن صدرك ، ففتحت عيني فإذا الرجل الذي سألني عن المشربة ولحقني من هيبته ما حار بصري ، فغاب عن عيني وأقمت على رجائي ويقيني ومضيت مدّة وأنا أرجح واديم الدعاء في الموقف ، فإنّني في آخر سنة جالس في الكعبة ومعي يمان بن الفتح بن دينار ومحمد بن القاسم العلوي وعلان الكناني ونحن نتحدّث إذا أنا بالرجل في الطواف وأشربت بالنظر إليه وقمت أسعى لأتبعه ، فطاف حتّى إذا بلغ الحجر رأى سائلا واقفا على الحجر ، ويستحلف ويسأل الناس بالله جلّ وعزّ أن يصدّق عليه ، فإذا بالرجل قد طلع ، فلمّا نظر السائل انكبّ إلى الأرض فأخذ منها شيئا ودفع

__________________

(١) كمال الدين : ٤٧٩ ذيل ح ٢٦ باب ٤٣.

(٢) زيادة من دلائل الإمامة وفيه : المشربة إناء يشرب فيه ، والحليج اللبن الذي ينقع فيه التمر ثمّ يماث.

٣٢٦

إلى السائل ، فسألته عمّا وهب لك فأبى أن يعلمني ، فوهبت له دينارا فقلت له : أرني ما في يدك ، ففتح يده فقدّرت أنّ فيها عشرين دينارا ، فوقع في قلبي اليقين أنّه مولاي ، ورجعت إلى مجلسي الذي كنت فيه وعيني ممدودة إلى الطواف حتّى إذا فرغ من طوافه عدل إلينا فلحقنا له هيبة شديدة وحارت أبصارنا جميعا ، قمنا إليه فجلس فقلنا له : ممّن الرجل؟ فقال : من العرب. فقلت : من أيّ العرب؟ فقال : من بني هاشم. فقلنا : من أيّ بني هاشم؟ فقال : ليس يخفى عليكم ، أتدرون ما كان يقول زين العابدين عند فراغه من صلاته في سجدة الشكر؟ قلنا : لا. قال : كان يقول : يا كريم مسكينك بفنائك ، يا كريم فقيرك زائرك ، حقيرك ببابك يا كريم. ثمّ انصرف عنّا ووقعنا نموج ونتذكّر ونتفكّر ولم نحقّق. ولمّا كان من الغد رأيناه في الطواف فامتدت عيوننا إليه فلمّا فرغ من طوافه خرج إلينا وجلس عندنا وأنس وتحدّث ، ثمّ قال : أتدرون ما كان يقول زين العابدين في دعائه بعقب الصلاة؟ قلنا : تعلّمنا. قال : كان يقول : اللهمّ إنّي أسألك باسمك الذي به تقوم السماء والأرض ، وباسمك الذي به تجمع المتفرّق ، وبه تفرّق بين المجتمع ، وباسمك الذي تفرّق به بين الحقّ والباطل ، وباسمك الذي تعلم به كيل البحار وعدد الرمال ووزن الجبال أن تفعل بي كذا وكذا وأقبل عليّ ، حتّى إذا صرنا بعرفات وأدمت الدعاء ، فلمّا أفضنا وصرنا إلى المزدلفة وبتنا بها فرأيت رسول الله فقال لي : هل بلغت حاجتك ، فتيقّنت عندها (١).

الثالث : ممّن رآه في غيبته الصغرى : فيه عن أبي محمد الحسن بن وجنا النصيبي قال :كنت ساجدا تحت الميزاب في رابع أربع وخمسين حجّة بعد العتمة ، وأنا أتضرّع في الدعاء إذ حرّكني محرّك فقال : قم يا حسن بن وجنا. قال : فقمت فإذا جارية صفراء نحيفة البدن أقول إنّها من أبناء أربعين فما فوقها ، فمشت بين يدي وأنا لا أسألها عن شيء حتّى أتت بي دار خديجة وفيه بيت ، بابه في وسط الحائط وله درجة سدج ترتقي إليه ، فصعدت فوقفت بالباب فقال لي صاحب الزمان : يا حسن أتراك خفيت عليّ ، والله ما من وقت في حجّك إلّا وأنا معك فيه ، ثمّ جعل يعدّ عليّ أوقاتي فوقعت مغشيا على وجهي فحسست بيد قد وقعت عليّ فقمت فقال لي : يا حسن الزم دار جعفر بن محمد ولا يهمنك طعامك ولا شرابك ولا ما يستر عورتك ، ثمّ دفع إليّ دفترا فيه دعاء الفرج وصلاته عليه ، فقال : بهذا فادع

__________________

(١) دلائل الإمامة : ٥٣٧ ، ومدينة المعاجز : ٨ / ١١٤.

٣٢٧

وهكذا صلّ عليّ ، ولا تعطه إلّا محقّي أوليائي فإنّ الله جلّ جلاله موفّقك. فقلت : يا مولاي أراك بعدها؟

فقال : يا حسن إذا شاء الله.

قال : فانصرفت من حجّتي ولزمت دار جعفر بن محمد فأنا أخرج منها فلا أعود إليها إلّا لثلاث خصال : لتجديد وضوء أو لنوم أو لوقت الإفطار ، فأدخل بيتي وقت الإفطار فاصيب رباعيا مملوءا ماء ورغيفا على رأسه وعليه ما تشتهي نفسي بالنهار ، فآكل ذلك فهو كفاية لي ، وكسوة الشتاء في وقت الشتاء وكسوة الصيف في وقت الصيف ، وإنّي لأدخل الماء بالنهار وأرشّ البيت وادخل الكوز فارغا فاوتى بالطعام ولا حاجة لي إليه فأتصدّق به كيلا يعلم بي من معي (١).

الرابع : ممّن رآه في غيبته الصغرى عن حبيب بن محمد بن يونس بن شاذان الصنعائي قال : دخلت إلى علي بن مهزيار الأهوازي فسألته عن آل أبي محمّد عليه‌السلام قال : يا أخي لقد سألت عن أمر عظيم ، حججت عشرين حجّة كل أطلب به عيان الإمام فلم أجد إلى ذلك سبيلا ، فبينا أنا ذات ليلة نائم في مرقدي إذ رأيت قائلا يقول : يا علي بن إبراهيم قد أذن الله لك في الحجّ ، فلم أعقل ليلتي حتّى أصبحت فأنا مفكّر في أمري ، أرقب الموسم ليلي ونهاري ، فلمّا كان وقت الموسم أصلحت أمري وخرجت متوجّها نحو المدينة ، فما زلت كذلك حتّى دخلت يثرب فسألت عن آل أبي محمّد عليه‌السلام فلم أجد له أثرا ولا سمعت له خبرا ، فأقمت مفكّرا في أمري حتّى خرجت من المدينة اريد مكّة ، فدخلت الجحفة وأقمت بها يوما وخرجت متوجّها نحو الغدير ، وهو على أربعة أميال من الجحفة فلمّا أن دخلت المسجد صلّيت وعفّرت واجتهدت في الدعاء وابتهلت إلى الله لهم وخرجت اريد عسفان ، فما زلت كذلك حتّى دخلت مكّة ، فأقمت بها أيّاما أطوف البيت واعتكفت ، فبينا أنا ليلة في الطواف إذا أنا بفتى حسن الوجه طيّب الرائحة يتبختر في مشيه ، طائف حول البيت فحسّ قلبي به فقمت نحوه فحككته ، فقال لي : من أين الرجل؟

فقلت : من أهل العراق ، فقال لي : من أي العراق؟ قلت : من الأهواز. فقال لي : أتعرف ابن الخضيب؟ فقلت : رحمه‌الله دعي فأجاب. فقال : رحمه‌الله فما كان أطول ليلته وأكثر تبتله

__________________

(١) الخرائج والجرائح : ٢ / ٩٦١ والثاقب في المناقب : ٦١٢.

٣٢٨

وأغزر دمعته ، أفتعرف علي بن إبراهيم المهزيار؟ فقلت : أنا علي بن إبراهيم المهزيار. فقال:حيّاك الله أبا الحسن ، ما فعلت بالعلامة التي بينك وبين أبي محمد الحسن بن علي عليه‌السلام؟ فقلت : معي. قال : أخرجها ، فأدخلت يدي في جيبي فاستخرجتها ، فلمّا أن رآها لم يتمالك أن غرقت عيناه وبكى منتحبا حتّى بلّ أطماره ثمّ قال : اذن لك الآن يا ابن المهزيار ، صر إلى رحلك وكن على أهبة من أمرك حتّى إذا لبس الليل جلبابه وغمر الناس ظلامه صر إلى شعب بني عامر فإنّك ستلقاني هناك ، فصرت إلى منزلي فلمّا أحسست بالوقت أصلحت رحلي وقدمت راحلتي وعكمتها شديدا ، وحملت وصرت في متنه ، وأقبلت مجدّا في السير حتّى وردت الشعب فإذا أنا بالفتى قائم ينادي : إليّ يا أبا الحسن إليّ ، فما زلت نحوه فلمّا قربت بدأني بالسلام وقال لي : سر بنا يا أخي فما زال يحدّثني وأحدّثه حتّى تخرقنا جبال عرفات وسرنا إلى جبال منى ، وانفجر الفجر الأوّل ونحن قد توسّطنا جبال الطائف فلمّا أن كان هناك أمرني بالنزول وقال لي : انزل فصلّ صلاة الليل ، فصلّيت وأمرني بالوتر فأوترت وكانت فائدة منه.

ثمّ أمرني بالسجود والتعقيب ثمّ فرغ من صلاته وركب وأمرني بالركوب ، وسار وسرت معه حتّى علا ذروة الطائف فقال : هل ترى شيئا؟ قلت : نعم أرى كثيب رمل عليه بيت شعر يتوقّد البيت نورا ، فلمّا أن رأيته طابت نفسي فقال لي : هناك الأمل والرجاء ، ثمّ قال : سر بنا يا أخ ، فسار وسرت بمسيره إلى أن انحدر من الذروة وسار في أسفله فقال : انزل فهاهنا يذلّ كل صعب ويخضع كلّ جبّار ، ثمّ قال : خلّ عن زمام الناقة. قلت : فعلى من أخلفها. فقال : حرم القائم لا يدخله إلّا مؤمن ولا يخرج منه إلّا مؤمن ، فخليت عن زمام راحلتي وسار وسرت معه إلى أن دنا من باب الخباء ، فسبقني بالدخول وأمرني أن أقف حتّى يخرج إلي ، ثمّ قال لي : ادخل هناك السلامة ، فدخلت فإذا أنا به جالس قد اتشح ببردة واتّزر باخرى وقد كسر بردته على عاتقه وهو كأقحوانة ارجوانة (١) قد تكاثف عليها الندى وأصابها ألم الهواء (٢) ، وإذا هو كغصن بان أو قضيب ريحان سمحي سخي تقي نقي ، ليس بالطويل الشامخ ولا بالقصير اللاصق ، بل مربوع القامة ، مدوّر الهامة ، صلت الجبين ، أزجّ الحاجبين ، أقنى الأنف

__________________

(١) أقحوان بابونج ، أرجوانة الأحمر.

(٢) إصابة الندى تشبيه لما أصابه من العرق ، وأصابه ألم الهواء لانكسار لون الحمرة وعدم اشتدادها.

٣٢٩

سهل الخدّين ، على خدّه الأيمن خال كأنّه فتات مسك على رضاضة العنبر ، فلمّا أن رأيته بدرته بالسلام فردّ عليّ أحسن ما سلّمت عليه وشافهني وسألني عن أهل العراق ، فقلت : سيدي قد البسوا جلباب الذلّة وهم بين القوم أذلّاء. فقال لي : يا ابن المهزيار لتملكونهم كما ملكوكم وهم يومئذ أذلّاء. فقلت : سيدي لقد بعد الوطن وطال المطلب. فقال : يا ابن المهزيار أبي أبو محمد عهد إلي أن لا اجاور قوما غضب الله عليهم ولهم الخزي في الدنيا والآخرة ولهم عذاب أليم ، وأمرني أن لا أسكن من الجبال إلّا وعرها ومن البلاد إلّا قفرها ، والله مولاكم أظهر التقية فوكلها بي ، فأنا في التقية إلى يوم يؤذن لي فأخرج. فقلت : يا سيدي متى يكون هذا الأمر؟

فقال : إذا حيل بينكم وبين سبيل الكعبة ، واجتمع الشمس والتمر واستدار بهما الكواكب والنجوم. فقلت : متى يا ابن رسول الله؟ قال لي : في سنة كذا وكذا يخرج دابّة الأرض من بين الصفا والمروة ، ومعه عصا موسى وخاتم سليمان تسوق الناس إلى المحشر.

قال : فأقمت عنده أيّاما وأذن لي بالخروج بعد أن استقصيت لنفسي وخرجت نحو منزلي ، والله لقد سرت من مكة إلى الكوفة ومعي غلام يخدمني فلم ير إلّا خيرا وصلّى الله على محمّد وآله وسلّم (١).

الخامس : ممّن رآه في غيبته الصغرى : فيه عن أبي الأديان : كنت أخدم الحسن بن علي ابن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام ، وأحمل كتبه إلى الأمصار فدخلت عليه في علّته التي توفي فيها فكتب معي كتبا فقال : تمضي بها إلى المدائن ، فإنّك ستغيب خمسة عشر يوما فتدخل إلى سرّ من رأى يوم الخامس عشر وتسمع الواعية في داري وتجدني على المغتسل. قال أبو الأديان : فقلت : يا سيدي فإذا كان ذلك فمن؟ قال : من طالبك بجوابات كتبي فهو القائم بعدي. فقلت : زدني؟ فقال : من يصلّي علي فهو القائم بعدي. فقلت : زدني؟ فقال : من أخبر عمّا في الهميان فهو القائم من بعدي. ثمّ منعتني هيبته أن أسأله ما الهميان ، وخرجت بالكتب إلى المدائن وأخذت جواباتها ودخلت سرّ من رأى يوم الخامس عشر كما قال عليه‌السلام لي فإذا الواعية في داره وإذا أنا بجعفر بن علي أخيه بباب الدار والشيعة حوله يعزّونه ويهنئونه ، فقلت في

__________________

(١) غيبة الطوسي : ٢٦٣.

٣٣٠

نفسي : إن يكن هذا الإمام فقد حالت الإمامة ؛ لأنّي كنت أعرفه يشرب النبيذ ويقامر في الجوسق ويلعب بالطنبور ، فتقدّمت وعزّيت وهنيت فلم يسألني عن شيء.

ثمّ خرج عقيد فقال : يا سيدي قد كفن أخوك فقم للصلاة عليه فدخل جعفر بن علي والشيعة من حوله يقدمهم السمان والحسن بن قتيل المعتصم المعروف بسلمة ، فلمّا صرنا بالدار إذا نحن بالحسن بن علي عليه‌السلام مكفّنا فتقدّم جعفر بن علي ليصلّي على أخيه ، فلمّا همّ بالتكبير خرج صبي بوجهه سمرة ، بشعره قطط ، بأسنانه تفليج فجذب رداء جعفر بن علي وقال : تأخّر يا عمّ فأنا أحقّ بالصلاة على أبي ، فتأخّر جعفر وقد أربد وجهه ، فتقدّم الصبي فصلّى عليه ودفن إلى جانب قبر أبيه ثمّ قال : يا بصري هات جوابات الكتب التي معك.

فدفعتها إليه وقلت في نفسي : هذه اثنتان بقي الهميان ، ثمّ خرجت إلى جعفر بن علي وهو يزفر ، فقال له حاجز الوشاء : يا سيدي من الصبي لنقيم عليه الحجّة؟ فقال : والله ما رأيته ولا عرفته ، فنحن جلوس إذ قدم نفر من قم فسألوا عن الحسن بن علي عليه‌السلام فعرفوا موته فقالوا : فمن؟ فأشار الناس إلى جعفر بن علي فسلّموا عليه وعزّوه وهنّئوه وقالوا : معنا كتب ومال فتقول ممّن الكتب وكم المال ، فقام ينفض أثوابه ويقول : يريدون منّا أن نعلم الغيب.

قال : فخرج الخادم فقال : معكم كتب فلان وفلان وهميان فيه ألف دينار وعشر دنانير منها مطلسة ، فدفعوا الكتب والمال وقالوا : الذي وجّه بك لأجل ذلك هو الإمام ، فدخل جعفر بن علي على المعتمد وكشف له ذلك فوجه المعتمد خدمه ، فقبضوا على صيقل الجارية وطالبوها بالصبي فأنكرته وادّعت حملا بها لتغطي على حال الصبي ، فسلّمت على ابن أبي الشوارب وبلغتهم موت عبيد الله بن يحيى بن خاقان فجأة ، وخروج صاحب الزنج بالبصرة ، فشغلوا بذلك عن الجارية فخرجت عن أيديهم ، والحمد لله ربّ العالمين (١).

السادس : ممّن رآه في غيبته الصغرى : وفي كشف الغمّة عن رشيق حاجب المادرائي (٢) : بعث إلينا المعتضد وأمرنا أن نركب ونحن ثلاثة نفر ونخرج مخفين السروج ونجنب اخرى (٣) وقال : الحقوا بسامراء واكبسوا دار الحسن بن علي فإنّه توفي ، ومن رأيتم في داره

__________________

(١) كمال الدين : ٤٧٥ ، وتبصرة الولي : ٧٧٦ ح ٤١.

(٢) في المصدر : المادرائي.

(٣) في المصدر : محفين على السروج ونجنب اخرى.

٣٣١

فأتوني برأسه ، فكبسنا الدار كما أمرنا فوجدناها دارا سرية كأن الأيدي رفعت عنها في ذلك الوقت ، فرفعنا الستر وإذا سرداب في الدار الاخرى فدخلناها وكأن بحرا فيها ، وفي أقصاه حصير ، وقد علمنا أنّه على الماء وفوقه رجل من أحسن الناس هيئة قائم يصلّي فلم يلتفت إلينا ولا إلى شيء من أسبابنا ، فسبق أحمد بن عبد الله ليخطي فغرق في الماء ، وما زال يضطرب حتّى مددت يدي إليه فجلست فخلّصته وأخرجته فغشي عليه وبقي ساعة ، وعاد صاحبي الثاني إلى فعل ذلك فناله مثل ذلك ، فبقيت مبهوتا فقلت لصاحب البيت : المعذرة إلى الله وإليك ، فو الله ما علمت كيف الخبر وإلى من نجيء ، وأنا تائب إلى الله ، فما التفت إلي بشيء ممّا قلت فانصرفنا إلى المعتضد فقال : اكتموه وإلّا ضربت رقابكم (١).

السابع : ممّن رآه في غيبته الصغرى : في البحار عن يعقوب بن يوسف الضراب الغساني في منصرفه من أصفهان قال : حججت في سنة إحدى وثمانين ومائتين ، وكنت مع قوم مخالفين من أهل بلدنا فلمّا قدمنا مكّة تقدّم بعضهم فاكترى لنا دارا في زقاق بين سوق الليل ، وهي دار خديجة تسمّى دار الرضا ، وفيها عجوز سمراء فسألتها ـ لما وقفت على أنّها دار الرضا ـ ما تكونين من أصحاب هذه الدار؟ ولم سمّيت دار الرضا؟ فقالت : أنا من مواليهم وهذه دار الرضا علي بن موسى عليه‌السلام ، أسكننيها الحسن بن علي عليه‌السلام فإنّي كنت من خدمه.

فلمّا سمعت ذلك منها أنست بها وأسررت الأمر عن رفقائي المنافقين المخالفين ، فكنت إذا انصرفت من الطواف بالليل أنام معهم في رواق الدار ، وتغلق الباب ونلقي خلف الباب حجرا كبيرا كنّا نديره خلف الباب ، فرأيت غير ليلة ضوء السراج في الرواق الذي كنّا فيه شبيها بضوء المشعل ، ورأيت الباب قد انفتح ولا أرى أحدا فتحه من أهل الدار ، ورأيت رجلا ربعة أسمر إلى الصفرة مائل ، قليل اللحم ، في وجهه سجادة ، عليه قميصان وإزار رقيق ، قد تقنّع به وفي رجله نعل طاق ، فصعد إلى الغرفة في الدار حيث كانت العجوز تسكن ، وكانت تقول لنا إنّ في الغرفة ابنة لا تدع أحدا يصعد إليها ، فكنت أرى الضوء الذي رأيته يضيء في الرواق على الدرجة عند صعود الرجل إلى الغرفة التي يصعدها ، ثمّ أراه في الغرفة من غير أن أرى السراج بعينه ، وكان الذين معي يرون مثل ما أرى ، فتوهّموا أنّ هذا الرجل يختلف إلى ابنة العجوز وأن يكون قد تمتّع بها ، فقالوا : هؤلاء البلدية يرون المتعة

__________________

(١) كشف الغمّة : ٣ / ٣٠٣ ، وفرج المهموم : ٢٤٨ بتفاوت.

٣٣٢

وهذا حرام لا يحلّ فيما زعموا ، وكنّا نراه يدخل ويخرج ويجيء إلى الباب وإذا الحجر على حاله الذي تركناه ، وكنّا نغلق هذا الباب خوفا على متاعنا ، وكنّا لا نرى أحدا يفتحه أو يغلقه والرجل يدخل ويخرج والحجر خلف الباب إلى وقت ننحيه إذا خرجنا.

فلمّا رأيت هذه الأسباب ضرب على قلبي ووقعت في قلبي فتنة ، فتلطّفت العجوز وأحببت أن أقف على خبر الرجل فقلت لها : يا فلانة إنّي أحبّ أن أسألك وافاوضك من غير حضور من معي فلا أقدر عليه ، فأنا احبّ إذا رأيتني في الدار وحدي أن تنزلي إلي لأسألك عن أمر ، فقالت لي مسرعة : وأنا أريد أن أسرّ إليك شيئا فلم يتهيّأ لي ذلك من أجل من معك ، فقلت : ما أردت أن تقولي؟ فقالت : يقول لك ـ ولم تذكر أحدا ـ لا تحاشن أصحابك وشركاءك ولا تلاحهم فإنّهم أعداؤك ودارهم. فقلت لها : من يقول؟ فقالت : أنا أقول ، فلم أجسر لما دخل قلبي من الهيبة أن اراجعها فقلت : أيّ أصحابي تعنين؟ وظننت أنّها تعني رفقائي الذين كانوا حجّاجا معي.

قالت : شركاؤك الذين في بلدك وفي الدار معك. وكان جرى بيني وبين الذين معي في الدار شركة عنت في الدين ، فسعوا إلي حتّى هربت واستترت بذلك السبب ، فوقفت على أنّها عنت اولئك ، فقلت لها : ما تكونين أنت من الرضا؟ فقالت : كنت خادمة للحسن بن علي عليه‌السلام ، فلمّا استيقنت ذلك قلت لأسألها عن النائب فقلت : بالله عليك رأيته بعينك؟ فقالت : يا أخي لم أره بعيني فإنّي خرجت واختي حبلى وبشّرني الحسن بن علي عليه‌السلام بأنّي سوف أراه في آخر عمري ، وقال لي : تكونين له كما كنت لي ، وأنا اليوم منذ كذا بمصر ، وإنّما قدمت الآن بكتابة ونفقة وجّه بها إلي على يد رجل من أهل خراسان لا يفصح بالعربية وهي ثلاثون دينارا ، وأمرني أن أحجّ سنتي هذه فخرجت رغبة منّي في أن أراه ، فوقع في قلبي أنّ الرجل الذي كنت أراه هو ، فأخذت عشرة دراهم صحاحا فيها ستّة رضوية ومن ضرب الرضا عليه‌السلام ، قد كنت خبأتها لالقيها في مقام إبراهيم ، وكنت نذرت ونويت ذلك فدفعتها إليها وقلت في نفسي : أدفعها إلى قوم من ولد فاطمة أفضل ممّا ألقيها في المقام وأعظم ثوابا ، فقلت لها : ادفعي هذه الدراهم إلى من يستحقّها من ولد فاطمة ، وكان في نيّتي أنّ الذي رأيته هو الرجل ، وإنّما تدفعها إليه فأخذت الدراهم وصعدت وبقيت ساعة ثمّ نزلت وقالت : يقول لك : ليس لنا فيها حقّ اجعلها في الموضع الذي نويت ، ولكن هذه الرضوية خذ منّا بدلها

٣٣٣

وألقها في الموضع الذي نويت ، ففعلت وقلت في نفسي : الذي امرت به عن الرجل.

ثمّ كان معي نسخة توقيع خرج إلى القاسم بن العلاء بأذربايجان فقلت لها : تعرضين هذه النسخة على إنسان قد رأى توقيعات الغائب؟ فقالت : ناولني فإنّي أعرفه ، فأريتها النسخة وظننت أنّ المرأة تحسن أن تقرأ ، فقالت : لا يمكنني أن أقرأ في هذا المكان ، فصعدت الغرفة ثمّ أنزلته فقالت : صحيح وفي التوقيع : أبشّركم ببشرى ما بشّرت به غيركم ، ثمّ قالت : يقول لك : إذا صلّيت على نبيّك كيف تصلّي؟ فقلت : أقول : اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد وبارك على محمّد وآل محمّد كأفضل ما صلّيت وباركت وترحمت على إبراهيم وآل إبراهيم إنّك حميد مجيد. فقالت : لا ، إذا صلّيت فصلّ عليهم كلّهم وسمّهم. فقلت : نعم ، فلمّا كان من الغد نزلت ومعها دفتر صغير فقالت : يقول لك : إذا صلّيت على النبيّ فصلّ عليه وعلى أوصيائه على هذه النسخة ، فأخذتها وكنت أعمل بها ، ورأيت عدّة ليال قد نزل من الغرفة وضوء السراج قائم وكنت أفتح الباب وأخرج على أثر الضوء ، وأنا أراه أعني الضوء ولا أرى أحدا حتّى يدخل المسجد ، وأرى جماعة من الرجال من بلدان شتّى يأتون باب هذه الدار ، فبعضهم يدفعون إلى العجوز رقاعا معهم ، ورأيت العجوز قد دفعت إليهم كذلك الرقاع فيكلّمونها وتكلّمهم ولا أفهم عينهم ، ورأيت منهم في منصرفنا جماعة في طريقي إلى أن قدمت بغداد.

ونسخة الدفتر الذي خرج : بسم الله الرّحمن الرحيم اللهمّ صلّ على محمّد سيّد المرسلين وخاتم النبيّين وحجّة ربّ العالمين ، المنتخب في الميثاق ، المصطفى في الظلال ، المطهّر من كل آفة ، البريء من كلّ عيب ، المؤمّل للنجاة ، المرتجى للشفاعة ، المفوّض إليه دين الله. اللهمّ شرّف بنيانه وعظّم برهانه وأفلح حجّته وارفع درجته وأضئ نوره وبيّض وجهه ، وأعطه الفضل والفضيلة والدرجة والوسيلة الرفيعة وابعثه مقاما محمودا يغبطه به الأوّلون والآخرون.

وصلّ على أمير المؤمنين ووارث المرسلين وقائد الغرّ المحجّلين وسيّد الوصيّين وحجّة ربّ العالمين ، وصلّ على الحسن بن علي إمام المؤمنين ووارث المرسلين وحجّة ربّ العالمين ، وصلّ على الحسين بن علي إمام المؤمنين ووارث المرسلين وحجّة ربّ العالمين ، وصلّ على علي بن الحسين إمام المؤمنين ووارث المرسلين وحجّة ربّ

٣٣٤

العالمين ، وصلّ على محمّد بن علي إمام المؤمنين ووارث المرسلين وحجّة ربّ العالمين ، وصلّ على جعفر بن محمّد إمام المؤمنين ووارث المرسلين وحجّة ربّ العالمين ، وصلّ على موسى بن جعفر إمام المؤمنين ووارث المرسلين وحجّة ربّ العالمين ، وصلّ على علي بن موسى إمام المؤمنين ووارث المرسلين وحجّة ربّ العالمين ، وصلّ على محمد بن علي إمام المؤمنين ووارث المرسلين وحجّة ربّ العالمين ، وصلّ على علي بن محمد إمام المؤمنين ووارث المرسلين وحجّة ربّ العالمين ، وصلّ على الحسن بن علي إمام المؤمنين ووارث المرسلين وحجّة ربّ العالمين ، وصلّ على الخلف الصالح الهادي المهدي إمام المؤمنين ووارث المرسلين وحجّة ربّ العالمين.

اللهمّ صلّ على محمّد وأهل بيته الأئمّة الهادين المهديين العلماء الصادقين الأبرار المتّقين ، دعائم دينك وأركان توحيدك وتراجمة وحيك وحجّتك على خلقك وخلفائك في أرضك ، الذين اخترتهم لنفسك واصطفيتهم على عبادك وارتضيتهم لدينك وخصصتهم بمعرفتك وجللتهم بكرامتك وغشيتهم برحمتك وربيتهم بنعمتك وغذيتهم بحكمتك وألبستهم نورك ورفعتهم في ملكوتك وحففتهم بملائكتك وشرّفتهم بنبيّك.

اللهمّ صلّ على محمّد وعليهم صلاة كثيرة دائمة طيّبة لا يحيط بها إلّا أنت ولا يسعها إلّا علمك ولا يحصيها أحد غيرك.

اللهمّ وصلّ على وليّك المحيي سنّتك القائم بأمرك الداعي إليك الدليل عليك وحجّتك على خلقك وخليفتك في أرضك وشاهدك على عبادك ، اللهمّ أعزّ نصره ومدّ في عمره وزيّن الأرض بطول بقائه ، اللهمّ اكفه بغي الحاسدين وأعذه من شرّ الكائدين وازجر عنه إرادة الظالمين وخلّصه من أيدي الجبّارين ، اللهمّ أعطه في نفسه وذريته وشيعته ورعيته وخاصّته وعامّته وعدوّه وجميع أهل زمانه ما تقرّبه عينه وتسرّ به نفسه ، وبلّغه أفضل أمله في الدنيا والآخرة إنّك على كلّ شيء قدير.

اللهمّ جدّد به ما محي من دينك ، وأحي به ما بدّل من كتابك ، وأظهر به ما غير من حكمك حتى يعود دينك به وعلى يديه غضّا جديدا خالصا مخلصا لا شكّ فيه ولا شبهة معه ولا باطل عنده ولا بدعة لديه. اللهمّ نوّر بنوره كلّ ظلمة وهدّ بركنه كل بدعة واهدم بعزّته كلّ ضلالة واقسم به كلّ جبّار وأخمد بسيفه كلّ نار وأهلك بعدله كلّ جائر وأجر

٣٣٥

حكمه على كلّ حكم وأذلّ بسلطانه كلّ سلطان. اللهمّ أذلّ كلّ من ناواه وأهلك كل من عاداه وامكر بمن كاده واستأصل من جحد حقّه واستهان بأمره وسعى في إطفاء نوره وأراد إخماد ذكره.

اللهمّ صلّ على محمّد المصطفى وعلي المرتضى وفاطمة الزهراء والحسن الرضا والحسين المصطفى وجميع الأوصياء مصابيح الدجى وأعلام الهدى ومنار التقى والعروة الوثقى والحبل المتين والصراط المستقيم ، وصل على وليّك وولاة عهده والأئمّة من ولده ومدّ في أعمارهم وزد في آجالهم وبلغهم أقصى آمالهم دينا ودنيا وآخرة إنّك على كلّ شيء قدير (١).

الثامن : ممّن رآه في غيبته الصغرى : في الكافي عن أبي سعيد غانم الهندي قال : كنت بمدينة الهند المعروفة بقشمير الداخلة ، وأصحاب لي يقعدون على كراسي عن يمين الملك أربعون رجلا ، كلّهم يقرأ الكتب الأربعة ، التوراة والإنجيل والزبور وصحف إبراهيم ، نقضي بين الناس ونفقّههم في دينهم ونفتيهم في حلالهم وحرامهم ، يفزع إلينا الملك ومن دونه ، فتجارينا ذكر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقلنا : هذا النبي المذكور في الكتب قد خفي علينا أمره ويجب علينا الفحص عنه وطلب أثره ، واتفق رأينا وتوافقنا على أن أخرج فأرتاد لهم ، فخرجت ومعي مال جليل فسرت اثني عشر شهرا حتّى قربت من كابل ، فعرض لي قوم من الترك فقطعوا علي وأخذوا مالي وجرحت جراحات شديدة ، ودفعت إلى مدينة كابل فأنفذني ملكها لمّا وقف على خبري إلى مدينة بلخ ، وعليها إذ ذاك داود بن العباس بن أبي أسود فبلغه خبري وأنّي خرجت مرتادا من الهند ، وتعلّمت الفارسية وناظرت الفقهاء وأصحاب الكلام فأرسل إلى داود بن العبّاس فأحضرني مجلسه ، وجمع عليّ الفقهاء فناظروني فأعلمتهم أنّي خرجت من بلدي أطلب هذا النبي الذي وجدته في الكتب.

فقال لي : من هو؟ وما اسمه؟ فقلت : محمّد فقال : هو نبيّنا تطلب ، فسألتهم عن شرائعه فأعلموني ، فقلت لهم : أنا أعلم أنّ محمّدا لنبي ولا أعلمه هذا الذي تصفون أم لا ، فأعلموني موضعه لأقصده فأسأله عن علامات عندي ودلالات ، فإن كان صاحبي الذي طلبت آمنت به ، فقالوا قد مضى صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قلت : فمن وصيّه وخليفته؟ فقالوا : أبو بكر. قلت : فسمّوه لي فإنّ

__________________

(١) بطوله في غيبة الشيخ : ٢٧٩ وبحار الأنوار : ٥٢ / ٢٠ ح ١٤.

٣٣٦

هذه كنيته؟ قالوا : عبد الله بن عثمان ، ونسبوه إلى قريش. قلت : فانسبوا لي محمّدا ، وهل لمحمّد قرابة إلى وصيّه وخليفته؟ فنسبوه ، فقلت : ليس هذا صاحبي الذي طلبت ، صاحبي الذي أطلبه خليفته أخوه في الدين وابن عمّه في النسب وزوج ابنته وأبو ولده ، وليس لهذا النبي ذريّة على الأرض غير ولد هذا الرجل الذي هو خليفته.

قال : فوثبوا بي وقالوا : يا أيّها الأمير إنّ هذا قد خرج من الشرك إلى الكفر هذا حلال الدم. فقلت لهم : يا قوم أنا رجل معي دين متمسّك به لا افارقه حتّى أرى ما هو أقوى منه ، إنّي وجدت صفة الرجل في الكتب الذي أنزلها الله عزوجل على أنبيائه ، وإنّما خرجت من بلاد الهند ومن العزّ الذي كنت فيه طلبا له ، فلمّا فحصت عن أمر صاحبكم الذي ذكرتم لم يكن النبي الموصوف في الكتب فكفّوا عنّي ، وبعث العامل إلى رجل يقال له الحسين بن أسكب فدعاه فقال له : ناظر هذا الرجل الهندي ، فقال له الحسين : أصلحك الله عندك الفقهاء والعلماء وهم أعلم وأبصر بمناظرته ، فقال له : ناظره كما أقول لك واخل به والطف به ، فقال لي الحسين بن إسكيب بعد ما فاوضته : إنّ صاحبك الذي تطلبه هو النبي الذي وصفه هؤلاء وليس الأمر في خليفته كما قالوا ، هذا النبيّ محمّد بن عبد الله بن عبد المطّلب ووصيّه علي ابن أبي طالب بن عبد المطّلب وهو زوج فاطمة بنت محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله وأبو الحسن والحسين سبطي محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله.

قال غانم أبو سعيد : فقلت : الله أكبر هذا الذي طلبت فانصرفت إلى داود بن العبّاس فقلت له : أيّها الأمير وجدت ما طلبت وأنا أشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا رسول الله. قال : فبرّني ووصلني وقال للحسين تفقده. قال : فمضيت إليه حتّى أنست به وفقّهني فيما احتجت إليه من الصلاة والصيام والفرائض. قال : فقلت له : إنّا نقرأ في كتبنا أنّ محمّدا خاتم النبيّين لا نبي بعده وأنّ الأمر من بعده إلى وصيّه وخليفته من بعده ، ثمّ إلى الوصي ، لا يزال أمر الله جاريا في أعقابهم حتّى تنقضي الدنيا فمن وصي وصي محمد؟

قال : الحسن ثمّ الحسين عليهما‌السلام ابنا محمّد ، ثمّ ساق الأمر في الوصية حتّى انتهى إلى صاحب الزمان عليه‌السلام ، ثمّ أعلمني ما حدث فلم يكن لي همّة إلّا طلب الناحية ، فوافى قم وفد من أصحابنا في سنة أربع وستّين ، وخرج معهم حتى وافى بغداد ومعه رفيق له من أهل السند كان صحبه على المذهب ، فحدّثني غانم قال : وأنكرت من رفيقي بعض أخلاقه

٣٣٧

فهجرته ، وخرجت حتّى صرت إلى العبّاسية أتهيّأ للصلاة واصلّي وأنا واقف متفكّرا فيما قصدت لطلبه إذا أنا بآت قد أتاني فقال : أنت فلان ـ اسمه بالهند ـ؟ قلت : نعم ، قال : أجب مولاك، فمضيت معه فلم يزل يتخلّد في الطرق حتّى أتى دارا وبستانا فإذا أنا به عليه‌السلام جالس فقال : مرحبا يا فلان ـ بكلام الهند ـ كيف حالك وكيف خلفت فلانا وفلانا وفلانا ، حتّى عدّ الأربعين كلّهم فسألني عنهم واحدا واحدا ، ثمّ أخبرني بما تجاريناه كلّ ذلك بكلام الهند ، ثمّ قال : أردت أن تحجّ مع أهل قم؟ قلت : نعم يا سيدي. فقال : لا تحجّ معهم وانصرف سنتك هذه وحجّ في قابل ، ثمّ ألقى إليّ صرّة كانت بين يديه فقال لي : اجعلها نفقتك ولا تدخل إلى بغداد إلى فلان ـ سمّاه ـ ولا تطلعه على شيء وانصرف إلينا إلى البلد ، ثمّ وافانا بعض الفيوج فأعلمونا أنّ أصحابنا انصرفوا من العقبة ، ومضى نحو خراسان فلمّا كان في قابل حجّ وأرسل إلينا بهدية من طرف خراسان فأقام بها مدّة ثمّ مات رحمه‌الله (١).

التاسع : ممّن رآه في غيبته الصغرى : في البحار عن محمد بن أحمد بن خلف قال : نزلنا مسجدا في المنزل المعروف بالعبّاسية على مرحلتين من فسطاط مصر ، وتفرّق غلماني في النزول وبقي معي في المسجد غلام أعجمي ، فرأيت في زاويته شيخا كثير التسبيح فلمّا زالت الشمس ركعت وصلّيت الظهر في أوّل وقتها ودعوت بالطعام وسألت الشيخ أن يأكل معي فأجابني ، فلمّا طعمنا سألته عن اسمه واسم أبيه وعن بلده وحرفته ، فذكر أنّ اسمه محمد بن عبيد الله وأنّه من أهل قم ، وذكر أنّه يسيح منذ ثلاثين سنة في طلب الحقّ وينتقل في البلدان والسواحل ، وأنّه أوطن مكّة والمدينة نحو عشرين سنة يبحث عن الأخبار ويتتبع الآثار ، فلمّا كان في سنة ثلاث وتسعين ومائتين طاف بالبيت ، ثمّ صار إلى مقام إبراهيم فركع فيه وغلبته عينه فأنبهه صوت دعاء لم يجر في سمعه مثله.

قال : فتأمّلت الداعي فإذا هو شاب أسمر لم أرقط في حسن صورته واعتدال قامته ، ثمّ صلّى فخرج وسعى فتبعته وأوقع الله في نفسي أنّه صاحب الزمان ، فلمّا فرغ من سعيه قصد بعض الشعاب فقصدت أثره ، فلمّا قربت منه إذا أنا بأسود مثل الفنيق (٢) قد اعترضني فصاح بي بصوت لم أسمع أهول منه : ما تريد عافاك الله؟ فارتعدت ووقفت وزال الشخص عن بصري وبقيت متحيّرا ، فلمّا طال بي الوقوف والحيرة انصرفت ألوم نفسي وأعذلها بانصرافي

__________________

(١) الكافي : ١ / ٥١٧ ح ٣.

(٢) الفنيق : الفحل من الابل المكرم.

٣٣٨

بزجرة الأسود ، فخلوت بربّي عزوجل أدعوه وأسأله بحقّ رسوله وآله أن لا يخيب سعيي ، وأن يظهر لي ما يثبّت به قلبي ويزيد في بصري ، فلمّا كان بعد سنين زرت قبر المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فبينا أنا في الروضة التي بين القبر والمنبر إذ غلبتني عيني فإذا محرّك يحرّكني فاستيقظت فإذا أنا بالأسود فقال : ما خبرك وكيف كنت؟ فقلت : أحمد الله وأذمّك. فقال : لا تفعل فإنّي امرت بما خاطبتك ، به وقد أدركت خيرا كثيرا فطب نفسا وازدد من الشكر لله عزوجل على ما أدركت وعاينت ، ما فعل فلان ـ وسمّى بعض إخواني المستبصرين ـ فقلت : ببرقة (١). فقال : صدقت ففلان؟ ـ وسمّى رفيقا لي مجتهدا في العبادة مستبصرا في الديانة ، فقلت : بالاسكندرية ، حتّى سمّى لي عدّة من إخواني ، ثمّ ذكر اسما غريبا فقال : ما فعل فغفور؟ قلت : لا أعرفه. فقال : كيف لا تعرفه وهو رومي فيهديه الله فيخرج ناصر من قسطنطينة.

ثمّ سألني عن رجل آخر فقلت : لا أعرفه. فقال : هذا رجل من أهل هيت من أنصار مولاي ، امض إلى أصحابك فقل لهم : نرجو أن يكون قد أذن الله في الانتصار للمستضعفين وفي الانتقام من الظالمين ، وقد لقيت جماعة من أصحابي وأديت إليهم وأبلغتهم ما حملت وأنا منصرف ، واشير عليك أن لا تتلبّس بما يثقل به ظهرك وتتعب به جسمك ، وأن تحبس نفسك على طاعة ربّك فإنّ الأمر قريب إن شاء الله ، فأمرت خازني فأحضر لي خمسين دينارا وسألته قبولها فقال : يا أخي قد حرّم الله علي أن آخذ منك ما أنا مستغن عنه كما أحلّ لي أن آخذ منك الشيء إذا احتجت إليه.

فقلت : هل سمع هذا الكلام منك أحد غيري من أصحاب السلطان؟ فقال : نعم أخوك أحمد بن الحسين الهمداني المدفوع عن نعمته بأذربايجان ، وقد استأذن للحج أملا أن يلقى ما لقيت ، فحجّ أحمد بن الحسين الهمداني رحمه‌الله في تلك السنة فقتله زكرويه بن مهرويه ، وافترقنا وانصرفت إلى الثغر ، ثمّ حججت فلقيت بالمدينة رجلا اسمه طاهر من ولد الحسين الأصغر يقال إنّه يعلم من هذا الأمر شيئا ، فثابرت عليه حتّى أنس بي وسكن إلي ، ووقف على صحّة عقيدتي فقلت له : يا ابن رسول الله بحق آبائك الطاهرين لما جعلتني مثلك في العلم بهذا الأمر ، فقد شهد عندي من توثقه بقصد القاسم بن عبيد الله بن سليمان بن وهب إيّاي بمذهبي واعتقادي ، وإنّه غزا بلادي مرارا فسلّمني الله منه. فقال : يا أخي اكتم ما تسمع

__________________

(١) قرية من قرى قم.

٣٣٩

منّي الخبر في هذه الجبال ، وإنّما يرى العجائب الذين يحملون الزاد في الليل ويقصدون به مواضع يعرفونها ، فقد نهينا عن الفحص والتفتيش ، فودّعته وانصرفت عنه (١).

العاشر : ممّن رآه في غيبته الصغرى : في البحار عن يوسف بن أحمد الجعفري قال:حججت سنة ست وثلاثمائة وجاورت بمكّة تلك السنة وما بعدها إلى سنة تسع وثلاثمائة ثمّ خرجت عنها منصرفا إلى الشام ، فبينا أنا في بعض الطريق وقد فاتتني صلاة الفجر فنزلت من المحمل وتهيّأت للصلاة ، فرأيت أربعة نفر في محمل فوقفت أعجب منهم فقال أحدهم : مم تعجب ، تركت صلاتك وخالفت مذهبك؟ فقلت للذي يخاطبني : وما علمك بمذهبي؟ فقال : تحبّ أن ترى صاحب زمانك؟ فقلت : نعم ، فأومى إلى أحد الأربعة. فقلت :إنّ له دلائل وعلامات ، فقال : أيّما أحبّ إليك أن ترى الجمل وما عليه صاعدا إلى السماء ، أو ترى المحمل صاعدا إلى السماء؟ فقلت : أيّهما كان فهي دلالة؟ فرأيت الجمل وما عليه يرتفع إلى السماء ، وكان الرجل أومى إلى رجل به سمرة وكأن لونه الذهب ، بين عينيه سجادة (٢).

الحادي عشر : ممّن رآه في غيبته الصغرى : عن علي بن إبراهيم الأودي قبل سنة ثلاثمائة : بينا أنا في الطواف قد طفت ستّة وأريد أن أطوف السابعة ، فإذا أنا بحلقة عن يمين الكعبة وشاب حسن الوجه ، طيّب الرائحة ، هيوب ومع هيبته متقرّب إلى الناس ، فلم أر أحسن من كلامه ولا أعذب من منطقه في حسن جلوسه فذهبت اكلّمه فزبرني (٣) الناس ، فسألت بعضهم : من هذا؟ فقال : ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يظهر للناس في كلّ سنة يوما لخواصّه فيحدّثهم. فقلت : مسترشدا إيّاك فأرشدني هداك الله.

قال : فناولني حصاة فحوّلت وجهي فقال لي بعض جلسائه : ما الذي دفع إليك ابن رسول الله؟ فقلت : حصاة ، فكشفت عن يدي فإذا أنا بسبيكة من ذهب فذهبت ، فإذا أنا به قد لحقني فقال : ثبتت عليك الحجّة ، وظهر لك الحقّ ، وذهب عنك العمى أتعرفني؟ فقلت : اللهمّ لا. قال : أنا المهدي ، أنا قائم الزمان ، أنا الذي أملأها عدلا كما ملئت جورا ، إنّ الأرض لا

__________________

(١) بحار الأنوار : ٥٢ / ٤ ح ٢ وغيبة الشيخ : ٢٥٧.

(٢) بحار الأنوار : ٥٢ / ٥ ح ٣ وغيبة الشيخ : ٢٥٨.

(٣) أي : زجرني ومنعني.

٣٤٠