إلزام النّاصب في إثبات الحجّة الغائب عجّل فرجه - ج ١

الشيخ علي اليزدي الحائري

إلزام النّاصب في إثبات الحجّة الغائب عجّل فرجه - ج ١

المؤلف:

الشيخ علي اليزدي الحائري


المحقق: السيد علي عاشور
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٤٠
الجزء ١ الجزء ٢

رجلا منّي ومن عترتي فيملأ الأرض عدلا كما ملأها من كان قبله جورا ، وتخرج له الأرض أفلاذ كبدها ويحثو المال حثوا ولا يعدّه عدّا ، وذلك حتّى يضرب الإسلام بجرانه (١). الجران : باطن العنق ، يقال للشيء إذا قرّ واستقرّ.

وفيه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : المهدي من ولدي اسمه اسمي وكنيته كنيتي ، أشبه الناس بي خلقا وخلقا ، تكون له غيبة وحيرة تضلّ فيه الامم ، ثمّ يقبل كالشهاب الثاقب فيملأها عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا (٢).

وفيه عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : طوبى لمن أدرك قائم أهل بيتي وهو مقتد به قبل قيامه ، يأتم به وبأئمة الهدى من قبله ، وبرئ إلى الله من عدوّهم ، اولئك رفقائي وأكرم أمّتي عليّ (٣).

وفي غيبة النعماني عن الباقر عليه‌السلام قال : إذا قام قائم أهل البيت قسّم بالسوية وعدل في الرعية ، فمن أطاعه فقد أطاع الله ومن عصاه فقد عصى الله ، إنّما سمّي المهدي مهديا لأنّه يهدي إلى أمر خفي ، ويستخرج التوراة وسائر كتب الله عزوجل من غار بأنطاكية ، ويحكم بين أهل التوراة بالتوراة ، وبين أهل الإنجيل بالإنجيل ، وبين أهل الزبور بالزبور ، وبين أهل القرآن بالقرآن ، ويجمع إليه أموال الدنيا من بطن الأرض وظهرها فيقول للناس ، تعالوا إلى ما قطعتم فيه الأرحام وسفكتم فيه الدماء الحرام وركبتم فيه ما حرّم الله عزوجل ، فيعطي شيئا لم يعطه أحد كان قبله ، ويملأ الأرض عدلا وقسطا ونورا كما ملئت ظلما وجورا وشرّا (٤).

وفي كتاب كنز الواعظين للفاضل المحدّث البرغاني عن غيبة النعماني مسندا عن أبان ابن عثمان عن الصادق عليه‌السلام : بينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ذات يوم بالبقيع فأتاه علي فسلّم عليه فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : اجلس ، فأجلسه عن يمينه ، ثمّ جاء جعفر بن أبي طالب عليه‌السلام ، فسأل عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقيل له هو بالبقيع فأتاه فسلّم عليه فأجلسه عن يساره ، ثمّ جاء العبّاس فسأل عنه فقيل هو بالبقيع ، فأتاه فسلّم عليه وأجلسه أمامه ، ثمّ التفت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى علي عليه‌السلام فقال : ألا أبشّرك ، ألا اخبرك يا علي؟ فقال : بلى يا رسول الله فقال : كان جبرئيل عندي آنفا

__________________

(١) البحار : ٢٨ / ١٨ ح ٢٥ والمستدرك : ٤ / ٥١٤.

(٢) البحار : ٣ / ٢٦٨ ح ٣. وكمال الدين : ٢٨٧.

(٣) كمال الدين : ٢٨٧ والغيبة : ٤٥٦.

(٤) البحار : ٥٢ / ٣٥١ ح ١٠٣ وغيبة النعماني : ٣٢٢.

١٦١

وأخبرني أنّ القائم الذي يخرج في آخر الزمان فيملأ الأرض عدلا كما ملئت ظلما وجورا ، من ذريتك ، من ولد الحسين عليه‌السلام ، فقال علي عليه‌السلام : يا رسول الله : ما أصابنا خير قط من الله إلّا على يدك.

ثمّ التفت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا جعفر ألا أبشّرك؟ قال : بلى يا رسول الله. فقال : كان جبرئيل عندي آنفا فأخبرني أنّ الذي يدفعها إلى القائم هو من ذريتك ، أتدري من هو؟ قال : لا قال : ذلك الذي وجهه كالدينار ، وأسنانه كالمنشار وسيفه كحريق النار ، يدخل الجبل ذليلا ويخرج منه عزيزا ، يكتنفه جبرائيل وميكائيل ، ثمّ التفت إلى العبّاس فقال : يا عمّ النبي ألا أخبرك بما أخبرني به جبرئيل؟ فقال : بلى يا رسول الله. قال : قال لي : ويل لذريتك من ولد العبّاس. فقال : يا رسول الله أجتنب النساء. قال له : قد فرغ الله ممّا هو كائن (١).

وفي إثبات الهداة للشيخ حرّ العاملي رحمه‌الله عن الأصبغ عن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : فكرت في مولود يكون من ظهري الحادي عشر من ولدي ، هو المهدي الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما ، يكون لغيبته حيرة يضلّ فيها أقوام ويهتدي آخرون. إلى أن قال : أولئك خيار هذه الامّة مع خيار أبرار هذه العترة. انتهى (٢).

وفيه أيضا عن الصادق عليه‌السلام قال : في القائم سنّة من موسى وسنّة من يوسف وسنّة من عيسى وسنّة من محمّد فأمّا سنّة موسى فخائف يترقّب ، وأمّا سنّة يوسف فإنّ إخوته كانوا يبايعونه ويخاطبونه ولا يعرفونه ، وأمّا سنّة عيسى فالسياحة ، وأمّا سنّة محمّد فالسيف (٣).

وفي العيون في حديث الرضا عليه‌السلام عن أبي الصلت الهروي بشهادته ومحل قبره وظهور الحيتان الصغار ، ثمّ خروج حوتة كبيرة والتقاطها الحيتان الصغار إشعار وإخبار بقيامه عليه‌السلام ، يناسب ذكر تمام الخبر لليمن والبركة ومزيد البصيرة.

عن علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن أبي الصلت الهروي قال : بينا أنا واقف بين يدي أبي الحسن الرضا عليه‌السلام إذ قال : يا أبا الصلت ادخل هذه القبّة التي فيها قبر هارون ، وائتني بتراب من أربعة جوانبها. قال : فمضيت فأتيت به فلمّا مثل بين يديه قال لي : ناولني هذا التراب ، وهو من عند الباب فناولته فأخذه وشمّه ثمّ رمى به ثمّ قال : سيحفر لي هاهنا فتظهر

__________________

(١) غيبة النعماني : ٢٤٧.

(٢) الكافي : ١ / ٣٣٨ ح ٧.

(٣) الإمامة والتبصرة : ٩٤ وكمال الدين : ١٥٢.

١٦٢

صخرة لو جمع عليها كلّ معول بخراسان لم يتهيّأ قلعها ، ثمّ قال في الذي عند الرجل والذي عند الرأس مثل ذلك ، ثمّ قال : ناولني هذا التراب فهو من تربتي.

ثمّ قال : سيحفر لي في هذا الموضوع فتأمرهم أن يحفروا لي سبع مراقي إلى أسفل ، وأن يشق ضريحه لي فإن أبوا أن يلحدوا فتأمرهم أن يجعلوا اللحد ذراعين وشبرا ، فإنّ الله تعالى سيوسعه ما يشاء ، فإذا فعلوا ذلك فإنّك ترى عند رأسي نداوة فتكلّم بالكلام الذي اعلمك ، فإنّه ينبع الماء حتّى يمتلئ اللحد وترى فيه حيتانا صغارا ففتّ لها الخبز الذي اعطيك فإنّها تلتقطه ، فإذا لم يبق منه شيء خرجت منه حوتة كبيرة فالتقطت الحيتان الصغار حتّى لا يبقى منها شيء ، ثمّ تغيب فإذا غابت فضع يدك على الماء ثمّ تكلّم بالكلام الذي اعلمك ، فإنّه يغيض الماء ولا يبقى منه شيء ، ولا تفعل ذلك إلّا بحضرة المأمون ، ثمّ قال : يا أبا الصلت غدا أدخل إلى هذا الفاجر فإن أنا خرجت مكشوف الرأس فتكلّم أكلمك وإن خرجت وأنا مغطّى الرأس فلا تكلّمني.

قال أبو الصلت : فلمّا أصبحنا من الغد لبس ثيابه وجلس فجعل في محرابه ينتظر ، فبينا هو كذلك إذ دخل عليه غلام المأمون فقال له : أجب أمير المؤمنين فلبس نعله ورداءه وقام يمشي وأنا أتبعه حتّى دخل على المأمون وبين يديه طبق عليه عنب وأطباق فاكهة ، وبيده عنقود عنب قد أكل بعضه وبقي بعضه ، فلمّا أبصر الرضا وثب إليه فعانقه وقبّل ما بين عينيه وأجلسه معه ، ثمّ ناوله العنقود وقال له : يا ابن رسول الله ما رأيت عنبا أحسن من هذا.

قال له الرضا عليه‌السلام : ربّما يكون عنبا حسنا يكون من الجنّة. فقال له : كل منه. فقال له الرضا : تعفيني منه. فقال : لا بدّ من ذلك وما يمنعك منه لعلّك تتّهمنا بشيء ، فتناول العنقود فأكل منه ثمّ ناوله فأكل منه الرضا عليه‌السلام ثلاث حبّات ثمّ رمى به وقام. فقال المأمون : إلى أين؟ فقال عليه‌السلام : إلى حيث وجهتني ، وخرج مغطّى الرأس فلم اكلّمه حتّى دخل الدار ، فأمر أن يغلق الباب فغلقت ثمّ نام عليه‌السلام على فراشه ، ومكثت واقفا في صحن الدار مهموما محزونا ، فبينا أنا كذلك إذ دخل علي شاب حسن الوجه ، قطط الشعر أشبه الناس بالرضا فبادرت إليه فقلت له : من أين دخلت الدار والباب مغلق. فقال : الذي جاء بي من المدينة في هذا الوقت هو الذي أدخلني الدار والباب مغلق. فقلت له : ومن أنت؟ قال لي : أنّا حجّة الله عليك يا أبا الصلت أنا محمد بن علي ، ثمّ مضى نحو أبيه عليهما‌السلام فدخل

١٦٣

وأمرني بالدخول معه ، فلمّا نظر إليه الرضا عليه‌السلام وثب إليه فعانقه وضمّه إلى صدره وقبّل ما بين عينيه ثمّ سحبه سحبا في فراشه ، وأكبّ على محمّد بن علي عليه‌السلام يقبّله ويسارّه بشيء لم أفهمه فرأيت على شفتي الرضا عليه‌السلام زبدا أشدّ بياضا من الثلج ، ورأيت أبا جعفر عليه‌السلام يلحسه بلسانه ثمّ أدخل يده بين ثوبيه وصدره فاستخرج شيئا شبيها بالعصفور فابتلعه أبو جعفر عليه‌السلام ، ومضى الرضا عليه‌السلام ، فقال أبو جعفر : قم يا أبا الصلت فأتني بالمغتسل والماء من الخزانة.

فقلت : ما في الخزانة مغتسل ولا ماء. فقال عليه‌السلام : انته إلى ما أمرتك به ، فدخلت الخزانة فإذا فيها مغتسل وماء ، فأخرجته وشمرت ثيابي لأغسله فقال لي : تنحّ يا أبا الصلت فإنّ لي من يعينني غيرك ، فغسله ثمّ قال لي : ادخل الخزانة فأخرج لي السفط الذي فيه كفنه وحنوطه ، فدخلت فإذا أنا بسفط لم أره في تلك الخزانة قط فحملته إليه فكفّنه وصلّى عليه ثمّ قال : ائتني بالتابوت ، فقلت : أمضي إلى النجّار حتّى يصلح التابوت. قال : قم فإنّ في الخزانة تابوتا فدخلت الخزانة فوجدت تابوتا لم أره قط ، فأتيته به فأخذ الرضا عليه‌السلام بعد ما صلّى عليه فوضعه في التابوت ، وصفّ قدميه وصلّى ركعتين لم يفرغ منهما حتّى علا التابوت ، فانشق السقف فخرج منها التابوت ومضى. فقلت : يا ابن رسول الله الساعة يجيئنا المأمون ويطالبنا بالرضا عليه‌السلام فما نصنع؟ فقال لي : اسكت فإنّه سيعود يا أبا الصلت ، ما من نبي يموت بالمشرق ويموت وصيّه بالمغرب إلّا جمع الله تعالى بين أرواحهما وأجسادهما ، فما أتمّ الحديث حتّى انشق السقف فنزل التابوت فقام عليه‌السلام واستخرج الرضا عليه‌السلام من التابوت ووضعه على فراشه كأنّه لم يغسل ولم يكفّن.

ثم قال لي : يا أبا الصلت قم فافتح الباب للمأمون ففتحت الباب فإذا المأمون والغلمان بالباب ، فدخل باكيا حزينا قد شقّ جيبه ولطم رأسه وهو يقول : يا سيداه فجعت بك يا سيدي ، ثمّ دخل وجلس عند رأسه وقال : خذوا في تجهيزه ، فأمر بحفر القبر فحفرت الموضع فظهر كلّ شيء كما وصفه الرضا عليه‌السلام ، فقال له بعض جلسائه : ألست تزعم أنّه إمام؟ قال : بلى. قال : لا يكون الإمام إلّا مقدم الناس ، فأمر له أن يحفر له في القبلة ، فقلت : أمرني أن أحفر له سبع مراقي وأن أشق له ضريحه ، فقال : انتهوا إلى ما يأمر به أبو الصلت سوى الضريح ، ولكن يحفر له ويلحد ، فلمّا رأى ما ظهر من النداوة والحيتان وغير ذلك قال المأمون : لم يزل الرضا عليه‌السلام يرينا عجائبه في حياته حتّى أراناها بعد وفاته أيضا.

١٦٤

فقال له وزير كان معه : أتدري ما أخبرك به الرضا عليه‌السلام؟ قال : لا. قال : إنّه أخبرك أن ملككم يا بني عبّاس مع كثرتكم وطول مدّتكم مثل هذه الحيتان ، حتّى إذا فنيت آجالكم وانقطعت آثاركم وذهبت دولتكم سلّط الله عليكم رجلا منّا فأفناكم عن آخركم. قال له : صدقت. ثمّ قال لي يا أبا الصلت علّمني الكلام الذي تكلّمت به. قلت : والله لقد نسيت الكلام من ساعتي وقد كنت صدقت ، فأمر بحبسي ودفن الرضا عليه‌السلام فحبست سنة فضاق علي الحبس وسهرت الليلة ودعوت الله بدعاء ذكرت فيه محمّدا وآل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وسألت الله تعالى بحقّهم أن يفرّج عنّي ، فلم أستتم الدعاء حتّى دخل عليّ أبو جعفر محمّد بن علي عليهما‌السلام فقال لي : يا أبا الصلت لقد ضاق صدرك؟ فقلت : إي والله. قال : قم فاخرج ثمّ ضرب يده إلى القيود التي كانت علي ففكّها ، وأخذ بيدي وأخرجني من الدار والحرسة والغلمة يرونني فلم يستطيعوا أن يكلّموني فخرجت من باب الدار ، ثمّ قال لي : امض في ودائع الله فإنك لن تصل إليه ولن يصل إليك أبدا. فقال أبو الصلت : فلم ألتق مع المأمون إلى هذا الوقت (١).

ورويت كيفية غسله وكفنه ودفنه عليه‌السلام وخروج الحيتان من طرق أهل السنّة عن هرثمة باختلاف يسير (٢).

وفي الخصال عن أبي عبد الله عليه‌السلام : سيأتي مسجدكم هذا ـ يعني مكة ـ ثلاثمائة وثلاثة عشر يعلم أهل مكة أنّهم لم يلدهم آباؤهم ولا أجدادهم ، عليهم السيوف ، مكتوب على كلّ سيف كلمة تفتح ألف كلمة طلعت (٣) الريح فتنادي بكل واد : هذا المهدي يقضي بقضاء آل داود ، ولا يسأل عليه بيّنة (٤).

وفي العوالم عن أبي سعيد الخراساني قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : المهدي والقائم واحد؟ فقال : نعم. فقلت : لأي شيء سمّي المهدي؟ قال : لأنّه يهدي إلى أمر خفي ، وسمّي القائم لأنّه يقوم بعد ما يموت ، إنّه يقوم بأمر عظيم (٥).

أقول : قوله : بعد ما يموت ، أي يموت ذكره أو بزعم الناس.

__________________

(١) عيون أخبار الرضا : ٢٤٥ باب ٦٣ ح ١ حديث أبي الصلت.

(٢) مدينة المعاجز : ٧ / ٧٦.

(٣) في المصدر : تبعث وبالهامش : في بعض النسخ : طلعت.

(٤) الخصال : ٦٤٩ ح ٤٣ باب علّم رسول الله عليّا ألف باب من أبواب الثمانين وما فوق.

(٥) غيبة الطوسي : ٤٧١ ح ٤٨٩.

١٦٥

الفرع الثالث

في الآيات القرآنية المفسّرة بأعيان الأئمّة الاثني عشر :

الآية الاولى : قوله تعالى في سورة البقرة (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) (١).

في الدمعة عن تأويل الآيات عن مفضّل قال : سألت الصادق عليه‌السلام عن قول الله عزوجل (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ) ما هذه الكلمات؟ قال : هي الكلمات التي تلقّاها آدم من ربّه فتاب عليه ، وهو أنّه قال : يا ربّ بحقّ محمّد وعلي وفاطمة والحسن والحسين إلّا تبت علي ، فتاب عليه إنّه هو التوّاب الرحيم. قال : فقلت : يا ابن رسول الله فما معنى قوله (فَأَتَمَّهُنَ) قال : أتمهنّ إلى القائم اثني عشر إماما : علي والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين. وأما قوله : (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ ...) أي إماما يقتدى به في أقواله وأفعاله ويقوم بتدبير الامّة وسياستها ، فلمّا بشّره ربّه بذلك قال فرحا واستبشارا (وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) والعهد هو الإمامة ، والظالم هو الكافر بقوله تعالى : (وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ) ولذلك انّ الظالم لا يكون إماما (٢).

الآية الثانية : قوله تعالى (آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ) (٣).

في الدمعة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لما اسري بي إلى السماء قال لي العزيز : آمن الرسول بما انزل إليه من ربّه. قلت : والمؤمنون. قال : صدقت يا محمد عليك السلام ، من خلفت لامّتك من بعدك؟ قلت : خيرها لأهلها. قال : علي بن أبي طالب. قلت : نعم يا رب. قال : يا محمّد إنّي اطلعت على الأرض اطلاعة فاخترتك منها ، واشتققت لك اسما من أسمائي ، لا أذكر في مكان إلّا وذكرت معي فأنا المحمود وأنت محمّد.

ثمّ اطلعت ثانية فاخترت عليا واشتققت له اسما من أسمائي فأنا الأعلى وهو علي ، يا

__________________

(١) البقرة : ١٢٤.

(٢) الخصال : ٣٠٥ ح ٨٤.

(٣) البقرة : ٢٨٥.

١٦٦

محمد إنّي خلقتك وخلقت عليا وفاطمة والحسن والحسين أشباح نور من نوري ، وعرضت ولايتكم على السماوات وأهلها وعلى الأرضين ومن فيهنّ ، فمن قبل ولايتكم كان عندي من المقرّبين ومن جحدها كان عندي من الكفّار الضالّين.

يا محمّد لو أنّ عبدا عبدني حتّى ينقطع أو يصير كالشن البالي ثمّ أتاني جاحدا لولايتكم ما غفرت له حتّى يقرّ بولايتكم. يا محمد تحب أن تراهم؟ قلت : نعم يا رب ، قال : التفت عن يمين العرش فالتفتّ فإذا أنا بأشباح علي وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة كلّهم ، حتّى بلغ المهدي في ضحضاح من نور قيام يصلّون ، المهدي في وسطهم كأنّه كوكب درّي. فقال لي : يا محمد هؤلاء الحجج ، وهو الثائر من عترتك ، فو عزّتي وجلالي إنّه الحجّة الواجبة لأوليائي والمنتقم من أعدائي(١).

الآية الثالثة : في سورة الأنفال قوله تعالى (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (٢).

في الدمعة عن حسين بن علي عليهما‌السلام : لما أنزل الله تبارك وتعالى هذه الآية سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن تأويلها فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما عنى بها غيركم ، فأنتم أولو الأرحام ، فإذا متّ فأبوك علي أولى بي وبمكاني ، فإذا مضى أبوك فأخوك الحسن أولى به ، فإذا مضى الحسن فأنت أولى به. قلت : يا رسول الله فمن أولى بي من بعدي؟ فقال : ابنك علي أولى بك من بعدك ، فإذا مضى فابنه محمّد أولى به ، فإذا مضى محمّد فابنه جعفر أولى به من بعده ، فإذا مضى جعفر فابنه موسى أولى به من بعده ، فإذا مضى موسى فابنه علي أولى به من بعده ، فإذا مضى علي فابنه محمّد أولى به من بعده ، فإذا مضى محمّد فابنه علي أولى به من بعده ، فإذا مضى علي فابنه الحسن أولى به من بعده ، فإذا مضى الحسن وقعت الغيبة في التاسع من ولدك ، فهذه الأئمّة التسعة من صلبك ، أعطاهم الله علمي وفهمي ، طينتهم من طينتي ، ما لقوم يؤذونني فيهم ، لا أنالهم الله شفاعتي (٣).

الآية الرابعة : قوله تعالى (بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (٤).

__________________

(١) تأويل الآيات : ١ / ٩٨ والمختصر للحلي : ٨٢.

(٢) الأنفال : ٧٥.

(٣) كفاية الأثر : ١٧٦.

(٤) هود : ٨٦.

١٦٧

في الدمعة عن الحسن بن مسعود ومحمد بن خليل قالا : دخلنا على سيّدنا أبي الحسن علي بن محمد عليه‌السلام بسامراء وعنده جماعة من شيعته ، فسألناه عن الأيام سعدها ونحسها فقال عليه‌السلام : لا تعادوا الأيّام فتعاديكم. وسألناه عن معنى الحديث فقال عليه‌السلام : له معنيان : ظاهر وباطن ، فالظاهر أن السبت لنا والأحد لشيعتنا والاثنين لبني امية والثلاثاء لشيعتهم والأربعاء لبني العبّاس والخميس لشيعتهم والجمعة للمسلمين عيد. والباطن : السبت جدّي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والأحد أمير المؤمنين عليه‌السلام ، والاثنين الحسن والحسين ، والثلاثاء علي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد عليهم‌السلام ، والأربعاء موسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد ابن علي وأنا ، والخميس ابني الحسن ، والجمعة ابنه الذي به يجمع الكلم ويتم النعم ويحق الله الحقّ ويزهق الباطل ، وهو مهديكم المنتظر ، ثمّ قرأ : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) قال : هو والله بقية الله (١).

الآية الخامسة : قوله تعالى (وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ) (٢) في الخرائج عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : أتدري ما كان قميص يوسف؟ قلت : لا. قال : إنّ إبراهيم لمّا أو قد له النار أتاه جبرئيل بثوب من الجنة فألبسه إيّاه فلم يضرّه معه حرّ ولا برد ، فلمّا حضر إبراهيم الموت جعله في تميمة وعلقها على إسحاق ، وعلقه إسحاق على يعقوب ، فلمّا ولد يوسف علّقه عليه فكان في عضده حتّى كان من أمره ما كان ، فلما أخرجه يوسف من التميمة بمصر وجد يعقوب ريحه ، وهو قوله تعالى حاكيا عنه (إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ) فهو ذلك القميص الذي أنزل من الجنّة.

قلت له : جعلت فداك فإلى من صار ذلك القميص؟ قال : إلى أهله ، وهو قائمنا إذا خرج يجد المؤمنون ريحه إن شاء الله شرقا وغربا ، ثمّ قال : كل نبي ورث علما أو غيره فقد انتهى إلى محمّد وآله (٣).

الآية السادسة : قوله تعالى (طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ) (٤) في الإكمال عن أبي بصير : قال

__________________

(١) الهداية الكبرى : ٣٦٣ ومن لا يحضره الفقيه : ١ / ٤٢٥ ح ١٢٥٧.

(٢) يوسف : ٩٤.

(٣) الخرائج والجرائح : ٦٩٣ فصل في اعلام الإمام محمد بن الحسن المهدي.

(٤) الرعد : ٢٩.

١٦٨

الصادق عليه‌السلام : طوبى لمن تمسّك بأمرنا في غيبة قائمنا فلم يزغ قلبه بعد الهداية. فقلت له : جعلت فداك وما طوبى؟ قال عليه‌السلام : شجرة في الجنّة أصلها في دار علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، وليس من مؤمن إلّا وفي داره غصن من أغصانها ، وذلك قول الله عزوجل (طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ) (١).

الآية السابعة : قوله تعالى في سورة الحجر (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ. وَإِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ) (٢).

عن المفيد في الإرشاد عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إذا قام قائم آل محمّد يحكم بين الناس بحكم داود عليه‌السلام ، لا يحتاج إلى بيّنة ، يلهمه الله فيحكم بعلمه ويخبر كلّ قوم بما استنبطوه ، ويعرف وليّه من عدوّه بالتوسم ، قال الله عزوجل : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ) (٣).

الآية الثامنة : قوله تعالى في سورة الأنبياء (فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا) إلى قوله (لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ) (٤).

في الدمعة عن القمي : فلمّا أحسّوا بأسنا يعني بني امية إذا أحسّوا بالقائم من آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله (إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ) يعني الكنوز التي كنزوها. قال : فيدخلون بني امية إلى الروم إذا طلبهم القائم ، ثمّ يخرجهم من الروم ويطالبهم بالكنوز التي كنزوها فيقولون كما حكى الله (يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ) (٥) قال : بالسيف وتحت ظلال السيوف ، وهذا كلّه ممّا لفظه ماض ومعناه مستقبل (٦).

الآية التاسعة : قوله تعالى في سورة الشعراء (فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ) (٧).

في البحار عن الباقر عليه‌السلام قال : إذا ظهر قائمنا أهل البيت قال (فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً) أي خفتكم على نفسي وجئتكم لما أذن لي ربي وأصلح لي أمري(٨).

__________________

(١) كمال الدين : ٣٥٨ ح ٥٥ باب ٣٣.

(٢) الحجر : ٧٤ ـ ٧٥.

(٣) الإرشاد : ٢ / ٣٨٦ ، وينابيع المعاجز : ٩٠.

(٤) الأنبياء : ١٢ و ١٣.

(٥) الأنبياء : ١٤ ـ ١٥.

(٦) تفسير القمي : ٢ / ٦٨ ـ ٢٥٤.

(٧) الشعراء : ٢١.

(٨) البحار : ٥٢ / ٣٨٥ ح ١٩٤.

١٦٩

الآية العاشرة : قوله تعالى في سورة ص (هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ)(١). عن بصائر الدرجات عن أبي عبيدة الحذاء قال : كنّا زمان أبي جعفر عليه‌السلام مضى حين نردد كالغنم لا راعي لها ، فلقينا سالم بن أبي حفصة فقال : يا أبا عبيدة من إمامك؟ قال : قلت : أئمّتي آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله. قال : هلكت وأهلكت أما سمعت أنا وأنت أبا جعفر وهو يقول : من مات وليس له إمام مات ميتة جاهلية. قلت : بلى لعمري لقد كان ذلك.

ثمّ بعد ذلك بثلاث أو نحوها دخلنا على أبي عبد الله فرزق الله لنا المعرفة فدخلت عليه فقلت له : لقيت سالما فقال لي كذا وكذا وقلت له كذا وكذا. فقال أبو عبد الله : يا ويل لسالم ثلاث مرّات أما يدري سالم ما منزلة الإمام ، الإمام أعظم ممّا يذهب إليه سالم والناس أجمعين ، يا أبا عبيدة إنّه لم يمت منّا ميّت حتّى يخلف من بعده من يعمل بمثل عمله ، ويسير بمثل سيرته ويدعو إلى مثل الذي دعا إليه ، يا أبا عبيدة إنّه لم يمنع الله ما أعطى داود أن يعطي سليمان أفضل ممّا أعطى داود ، ثمّ قال : (هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ). قال : قلت : ما أعطاه الله جعلت فداك؟ قال : نعم يا أبا عبيدة إنّه إذا قام قائم آل محمّد حكم بحكم داود وسليمان لا يسأل الناس البيّنة (٢).

الآية الحادية عشرة : قوله تعالى في سورة الواقعة (السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ) (٣).

في الدمعة عن غيبة النعماني عن داود بن كثير الرقي قال : قلت لأبي عبد الله جعفر بن محمد عليهما‌السلام : جعلت فداك أخبرني عن قول الله عزوجل (السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ. أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ) قال : نطق الله بهذا يوم ذرأ الخلق في الميثاق ، وقبل أن يخلق الخلق بألفي عام. فقلت : فسّر لي ذلك؟ فقال : إنّ الله جلّ وعزّ لمّا أراد أن يخلق الخلق خلقهم من طين ورفع لهم نارا فقال ادخلوها فكان أوّل من دخلها محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وأمير المؤمنين عليه‌السلام والحسن والحسين وتسعة من الأئمّة ، إمام بعد إمام ثمّ أتبعهم بشيعتهم ، فهم والله السابقون (٤).

الآية الثانية عشرة : قوله تعالى في سورة الصف (فَآمَنَتْ طائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ وَكَفَرَتْ

__________________

(١) ص : ٣٩.

(٢) بصائر الدرجات : ٥٠٩ باب النوادر ح ١١ و ١٥.

(٣) الواقعة : ١٠ ـ ١١.

(٤) غيبة النعماني : ٩٠ ح ٢٠.

١٧٠

طائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ) (١).

في الدمعة عن ابن أبي يعفور قال : دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام وعنده نفر من أصحابه فقال لي : يا ابن أبي يعفور هل قرأت القرآن؟ قال : قلت : نعم ، هذه القراءة. قال : عنها سألتك لبس عن غيرها. قال : فقلت : نعم جعلت فداك ولم؟ قال : لأنّ موسى عليه‌السلام حدّث قومه بحديث لم يحتملوه عنه ، فخرجوا عليه بمصر فقاتلوه فقتلهم وهو قوله عزوجل (فَآمَنَتْ طائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ وَكَفَرَتْ طائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ) وإنّه أوّل قائم يقوم منّا أهل البيت يحدّثكم بحديث لا تحتملونه ، فتخرجون عليه برميلة الدسكرة (٢) فتقاتلونه فيقاتلكم ، فيقتلكم ، وهي آخر خارجة تكون (٣).

__________________

(١) الصف : ١٤.

(٢) الدسكرة القرية أو الأرض المستوية ، وبيوت الأعاجم يكون فيها الشراب والملاهي أو بناء كالقصر حوله بيوت (القاموس).

(٣) كتاب الزهد للكوفي : ١٠٤ والبحار : ٥٢ / ٣٧٥.

١٧١

الفرع الرابع

إخبار النبي والأئمّة بأعيان الأئمّة من طريق أهل السنّة

في غاية المرام عن الصادق جعفر بن محمّد عليهما‌السلام : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : حدّثني جبرئيل عن ربّ العزّة جل جلاله أنّه قال : من علم أنّه لا إله إلّا أنا وحدي ، وأنّ محمدا عبدي ورسولي ، وأنّ علي بن أبي طالب خليفتي ، وأنّ الأئمّة من ولده حججي ، أدخلته الجنّة برحمتي ونجيته من النار بعفوي وأبحت له جواري وأوجبت له كرامتي وأتممت عليه نعمتي وجعلته من خاصّتي وخالصتي ، إن ناداني لبّيته وإن دعاني أجبته وإن سألني أعطيته وإن سكت ابتدأته وإن أساء رحمته وإن فرّ منّي دعوته وإن رجع إلي قبلته وإن قرع بابي فتحته ، ومن لم يشهد أن لا إله إلّا أنا وحدي ، أو شهد بذلك ولم يشهد أنّ محمّدا عبدي ورسولي ، أو شهد بذلك ولم يشهد أنّ علي بن أبي طالب خليفتي ، أو شهد بذلك ولم يشهد أنّ الأئمّة من ولده حججي ، فقد جحد نعمتي وصغّر عظمتي وكفر بآياتي وكتبي ورسلي ، إن قصدني حجبته وإن سألني حرمته وإن ناداني لم أسمع نداءه وإن دعاني لم أستجب دعاءه وإن رجاني خيّبت رجاءه منّى وما أنا بظلّام للعبيد.

فقام جابر بن عبد الله الأنصاري فقال : يا رسول الله ومن الأئمّة من ولد علي بن أبي طالب؟ قال : الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنّة ، ثمّ سيّد العابدين في زمانه علي بن الحسين ، ثمّ الباقر محمد بن علي ستدركه يا جابر فإذا أدركته فأقرئه منّي السلام ، ثمّ الصادق جعفر بن محمد ثمّ الكاظم موسى بن جعفر ثمّ الرضا علي بن موسى ثمّ التقي محمد بن علي ثمّ النقي علي بن محمد ثمّ الزكي الحسن بن علي ثمّ ابنه القائم محمد بالحق ، مهدي أمّتي الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما ، هؤلاء يا جابر خلفائي وأوصيائي وأولادي وعترتي ، من أطاعهم فقد أطاعني ومن عصاهم فقد عصاني ومن أنكرهم أو أنكر واحدا منهم فقد أنكرني ، وبهم يمسك الله السماء أن تقع على الأرض ، وبهم

١٧٢

يحفظ الله الأرض أن تميد بأهلها (١).

وفيه عن أخطب الخطباء ، خطيب خوارزم موفق بن أحمد المكي من أعيان علماء العامة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : لمّا اسري بي إلى السماء أوحى إلي ربّي جل جلاله فقال : يا محمّد إنّي اطلعت إلى الأرض اطلاعة فاخترتك منها وجعلتك نبيّا وشققت لك اسما من اسمي ، فأنا المحمود وأنت محمد ، ثم اطلعت الثانية فاخترت منها عليا وجعلته وصيك وخليفتك وزوج ابنتك وأبا ذريتك وشققت له اسما من أسمائي ، فأنا العلي الأعلى وهو علي ، وخلقت فاطمة والحسن والحسين من نوركما ، ثمّ عرضت ولايتهم على الملائكة فمن قبلها كان عندي من المقرّبين.

يا محمد لو أنّ عبدا عبدني حتّى ينقطع ويصير كالشن البالي ، ثمّ أتاني جاحدا لولايتهم ما أسكنته جنّتي ولا أظللته تحت عرشي. يا محمد تحبّ أن تراهم؟ قلت : نعم يا ربّ. فقال عزوجل : ارفع رأسك ، فرفعت رأسي فإذا أنا بأنوار علي وفاطمة والحسن والحسين وعلي ابن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد ابن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي ، وم ح م د بن الحسن القائم في وسطهم كأنّه كوكب دري. فقلت : ومن هؤلاء؟ قال : هؤلاء الأئمّة وهذا القائم في وسطهم كأنه كوكب دري ، الذي يحلّ حلالي ويحرّم حرامي وبه أنتقم من أعدائي (٢).

أقول : وهكذا عن طرق الخاصة بزيادة : وهو راحة الأولياء وهو الذي يشفي قلوب شيعتك من الظالمين والجاحدين والكافرين ، فيخرج اللات والعزى طريين فيحرقهما ، فلفتنة الناس بهما يومئذ أشدّ من فتنة العجل والسامري (٣).

وفيه عن الحمويني عن أصبغ عن عبد الله بن عبّاس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ خلفائي وأوصيائي وحجج الله على الخلق بعدي الاثنا عشر أوّلهم أخي وآخرهم ولدي. قيل : يا رسول الله من أخوك؟ قال : علي بن أبي طالب. قيل : فمن ولدك؟ قال : المهدي الذي يملأها قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما ، والذي بعثني بالحق بشيرا ونذيرا لو لم يبق من الدنيا إلّا يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم حتّى يخرج فيه ولدي المهدي ، فينزل روح الله

__________________

(١) كمال الدين : ٢٦٠ وكفاية الأثر : ١٩.

(٢) ينابيع المودة : ٣ / ٢٤٩ ح ٤٤.

(٣) المختصر للحلي : ٩١ ، والبحار : ٥٢ / ٣٧٩ ح ١٨٥.

١٧٣

عيسى ابن مريم فيصلّي خلفه ، وتشرق الأرض بنور ربّها ، ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب (١).

وفيه عن الحمويني : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنا سيّد النبيّين ، وعلي بن أبي طالب سيّد الوصيّين ، وإنّ أوصيائي بعدي اثنا عشر ؛ أوّلهم علي بن أبي طالب وآخرهم المهدي (٢).

وفيه عنه عن أبي سعيد الخدري أنّ رسول الله قال : يخرج المهدي في أمّتي ، يبعثه الله عيانا للناس ، تنعم الامّة وتعيش الماشية وتخرج الأرض نباتها ويعطى المال صحاحا (٣).

وفيه عن سلمان المحمّدي : دخلت على النبي وإذا الحسين على فخذه وهو يقبّل عينيه ويلثم فاه وهو يقول : أنت السيّد ابن السيّد أبو السادة ، أنت الإمام أخو الإمام ابن الإمام أبو الأئمّة ، أنت الحجّة ابن الحجّة أخو الحجّة أبو الحجج التسعة ، من صلبك تاسعهم قائمهم (٤).

وفيه عن أخطب الخطباء موفق بن أحمد الخوارزمي في مناقبه عن علي بن أبي طالب عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنا واردكم على الحوض وأنت يا علي الساقي والحسن الذائد والحسين الآمر وعلي بن الحسين القارض ومحمد بن علي الناشر وجعفر بن محمد السائق وموسى بن جعفر محصي المحبّين والمبغضين وقامع المنافقين ، وعلي بن موسى زين المؤمنين ومحمد بن علي منزل أهل الجنّة في درجاتهم وعلي بن محمد خطيب شيعته ومزوّجهم الحور العين ، والحسن بن علي سراج أهل الجنّة يستضيئون به ، والمهدي شفيعهم يوم القيامة حيث لا يأذن الله إلّا أن يشاء ويرضى (٥).

وفي أعلام الورى عن ابن عبّاس : سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حين حضرته وفاته فقلت : إذا كان ما نعوذ بالله منه فإلى من؟ فأشار إلى علي فقال : إلى هذا فإنّه مع الحقّ والحقّ معه ، ثمّ يكون من بعده أحد عشر إماما ، مفترضة طاعتهم كطاعتي (٦).

وفيه عن عبّاس بن عبد المطّلب أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال له : يا عم يملك من ولدي اثنا عشر خليفة ، ثمّ تكون امور كريهة شديدة عظيمة ، ثمّ يخرج المهدي من ولدي يصلح الله أمره في

__________________

(١) ينابيع المودّة : ٣ / ٢٩٥ وكمال الدين : ٢٨٠.

(٢) فرائد السمطين للحمويني : ٢ / ٣١٣ ح ٥٦٣.

(٣) نور الأبصار : ١٨٩ باب ٢.

(٤) ينابيع المودّة : ٢ / ٤٤ ح ٤٠١.

(٥) مقتل الحسين للخوارزمي : ١ / ١٤٥.

(٦) أعلام الورى : ٣٨٥ الفصل الأوّل في النصّ عليهم.

١٧٤

ليلة ، فيملأ الأرض عدلا كما ملئت ظلما وجورا ويمكث في الأرض ما شاء الله ، ثمّ يخرج الدجّال(١).

وفي الخصال وعمدة ابن بطريق وأعلام الورى عن صحاح أهل السنّة عن جابر بن سمرة : جئت مع أبي إلى المسجد ورسول الله يخطب فسمعته يقول : يكون من بعدي اثنا عشر أميرا ، ثمّ خفض من صوته فلم أدر ما قال فقلت لأبي : ما قال؟ فقال : كلّهم من قريش (٢).

وبهذا المضمون أخبار كثيرة بطرق مختلفة وفي بعضها : فقالوا له : ثمّ يكون ما ذا؟ قال : ثمّ يكون النفث والنفاث (٣).

وفي العمدة بطرق متعدّدة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : لا يزال الدين قائما حتّى تقوم الساعة ، ويكون عليهم اثنا عشر خليفة ، كلّهم من قريش. وسمعته يقول : عصبة من المسلمين يفتتحون البيت الأبيض ، بيت كسرى وآل كسرى. وسمعته يقول : إنّ بين يدي الساعة كذّابين فاحذروهم(٤).

وفي الخصال عن مسروق قال : بينا نحن نعرض مصاحفنا على ابن مسعود إذ قال له فتى شاب : هل عهد إليكم نبيّكم كم يكون من بعده خليفة؟ قال : إنّك لحدث السن وإنّ هذا شيء ما سألني عنه أحد قبلك. قال : نعم عهد إلينا نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه يكون بعده اثنا عشر خليفة بعدد نقباء بني إسرائيل (٥).

وفيه عنه بهذا المضمون من طرق متعدّدة كثيرة (٦).

وفي الينابيع عن بعض المحقّقين أنّ الأحاديث الدالّة على كون الخلفاء بعده صلى‌الله‌عليه‌وآله اثني عشر قد اشتهرت من طرق كثيرة ، فبشرح الزمان وتعريف الكون علم أنّ مراد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من حديثه هذا الأئمّة الاثنا عشر من أهل بيته وعترته ، إذ لا يمكن أن يحمل هذا الحديث على الخلفاء بعده من أصحابه لقلّتهم عن اثني عشر ، ولا يمكن أن يحمله على الملوك الأموية لزيادتهم على اثني عشر ولظلمهم الفاحش إلّا عمر بن عبد العزيز رحمه‌الله ، ولكونهم عين

__________________

(١) أعلام الورى : ٣٧٦ الفصل الأوّل في النصّ عليهم.

(٢) الخصال : ٤٦٩ ـ ٤٧٢ الخلفاء والأئمّة ح ١٣ و ٢٤.

(٣) كفاية الأثر : ٥٠ ، وكمال الدين : ١ / ٢٧٢.

(٤) غيبة النعماني : ١٢١ ، والعمدة : ٤١٨ ح ٨٦٦.

(٥) عيون أخبار الرضا : ٢ / ٥٣.

(٦) الأمالي للصدوق : ٣٨٦ ح ٤٩٥ وكمال الدين : ٢٧٠.

١٧٥

بني هاشم لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : كلّهم من بني هاشم ، لأنّ النبي في رواية عبد الملك عن جابر وإخفاء صوته في هذا القول يرجح هذه الرواية ، لأنّهم لا يحسنون خلافة بني هاشم.

ولا يمكن أن يحمل على الملوك العبّاسية لزيادتهم على العدد المذكور ولقلّة رعايتهم.

الآية (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) (١) وحديث الكساء ، فلا بدّ من أن يحمل هذا الحديث على الأئمّة الاثني عشر من أهل بيته وعترته ؛ لأنّهم كانوا أعلم أهل زمانهم وأجلّهم وأورعهم وأتقاهم وأعلاهم نسبا وأفضلهم حسبا وأكرمهم عند الله ، وكانت علومهم عن آبائهم متصلا بجدّهم صلوات الله عليه وعليهم وبالوراثة واللدنية (٢).

في الينابيع عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : من أنكر خروج المهدي فقد كفر بما انزل على محمد ، ومن أنكر نزول عيسى فقد كفر ، ومن أنكر خروج الدجّال فقد كفر (٣).

وفيه قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ خلفائي وأوصيائي وحجج الله على الخلق بعدي الاثنا عشر ؛ أوّلهم علي وآخرهم ولدي المهدي ، فينزل روح الله عيسى ابن مريم فيصلّي خلف المهدي ، وتشرق الأرض بنور ربّها ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب (٤).

وفيه عن فرائد السمطين عن مجاهد عن ابن عبّاس قال : قدم يهودي يقال له نعثل فقال : يا محمّد أسألك عن أشياء تلجلج في صدري منذ حين فإن أجبتني عنها أسلمت على يديك ، قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : سل يا أبا عمارة. فقال : يا محمد صف لي ربّك؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا يوصف إلّا بما وصف به نفسه ، وكيف يوصف الخالق الذي تعجز العقول أن تدركه والأوهام أن تناله والخطرات أن تحدّه والأبصار أن تحيط به ، جل وعلا عمّا يصفه الواصفون ، ناء في قربه وقريب في نأيه ، هو كيّف الكيف وأيّن الأين فلا يقال له أين هو ، وهو منقطع الكيفية والأينونية ، فهو الأحد الصمد كما وصف نفسه ، والواصفون لا يبلغون نعته ، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد.

قال : صدقت يا محمد فأخبرني عن قولك : إنّه واحد لا شبيه له ، أليس الله واحدا والإنسان واحد؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : الله عزّ وعلا واحد حقيقي أحدي المعنى ، أي لا جزء ولا تركّب

__________________

(١) الشورى : ٢٣.

(٢) ينابيع المودّة : ٣ / ٢٩٢ ح.

(٣) ينابيع المودّة : ٣ / ٢٩٥.

(٤) المصدر السابق ، وفرائد السمطين : ٤ / ٣٣٢ ح ٥٨٥.

١٧٦

له ، والإنسان واحد ثنائي المعنى مركّب من روح وبدن. قال : صدقت ، فأخبرني عن وصيّك من هو ، فما من نبي إلّا وله وصي وإنّ نبيّنا موسى بن عمران أوصى [إلى] يوشع بن نون. فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ وصيّي علي بن أبي طالب وبعده سبطاي الحسن والحسين تتلوه تسعة أئمة من صلب الحسين. قال : يا محمّد : فسمّهم لي؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا مضى الحسين فابنه علي فإذا مضى علي فابنه محمد فإذا مضى محمد فابنه جعفر فإذا مضى جعفر فابنه موسى فإذا مضى موسى فابنه علي فإذا مضى علي فابنه محمد فإذا مضى محمد فابنه علي فإذا مضى علي فابنه الحسن فإذا مضى الحسن فابنه الحجّة محمّد المهدي عجل الله فرجه ، فهؤلاء اثنا عشرة إلى هنا محلّ الحاجة (١).

وما ذكرنا يعدّ إتماما للخبر المؤلفة. قال : أخبرني عن كيفية موت علي والحسن والحسين؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : يقتل علي بضربة على قرنه والحسن يقتل بالسمّ والحسين بالذبح. قال : فأين مكانهم؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : في الجنّة في درجتي. قال : أشهد أن لا إله إلّا الله وأنّك رسول الله ، وأشهد أنّهم الأوصياء بعدك ، ولقد وجدت في كتب الأنبياء المتقدّمة وفيما عهد إلينا موسى ابن عمران أنّه إذا كان آخر الزمان يخرج نبي يقال له أحمد ومحمّد وهو خاتم الأنبياء ، لا نبي بعده فيكون أوصياؤه بعده اثني عشر أوّلهم ابن عمّه وختنه والثاني والثالث كانا أخوين من ولده ، ويقتل أمّة النبي الأوّل بالسيف والثاني بالسمّ والثالث مع جماعة من أهل بيته بالسيف وبالعطش في موضع الغربة ، فهو كولد الغنم يذبح ويصبر على القتل ، يرفع درجاته ودرجات أهل بيته وذريّته ولإخراج محبّيه وأتباعه من النار ، والتسعة الأوصياء منهم من أولاد الثالث ، فهؤلاء الاثنا عشر عدد الأسباط.

قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : أتعرف الأسباط؟ قال : نعم إنّهم كانوا اثني عشر أوّلهم لاوي بن برخيا وهو الذي غاب عن بني إسرائيل غيبة ، ثمّ عاد فأظهر الله به شريعته بعد اندراسها ، وقاتل قرسطيا الملك حتّى قتل الملك. قال : كائن في أمّتي ما كان في بني إسرائيل حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة ، وإنّ الثاني عشر من ولدي يغيب حتّى لا يرى ، ويأتي على أمّتي بزمن لا يبقى من الإسلام إلّا اسمه ولا يبقى من القرآن إلّا رسمه ، فحينئذ يأذن الله تعالى له بالخروج فيظهر الله الإسلام به ويجدّده ، طوبى لمن أحبّهم وتبعهم والويل لمن أبغضهم وخالفهم ، وطوبى

__________________

(١) ينابيع المودّة : ٣ / ٢٨١ وفرائد السمطين : ٢ / ١٣٢ ح ٤٣١.

١٧٧

لمن تمسّك بهداهم (١).

أقول : كذا في كتاب الدر النظيم باختلاف يسير وفي آخره فانتفض نعثل فقام بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأنشأ يقول :

صلّى العلي ذو العلى

عليك يا خير البشر

أنت النبي المصطفى

والهاشمي المفتخر

بك قد هدانا ربّنا

وفيك نرجو ما أمر

ومعشر سمّيتهم

أئمة اثني عشر

حباهم ربّ العلى

ثمّ صفاهم من كدر

قد فاز من والاهم

وخاب من عادى الزهر

آخرهم يشفي الظما

وهو الإمام المنتظر

عترتك الأخيار لي

والتابعون ما أمر

من كان عنهم معرضا

فسوف يصلاه سقر (٢)

وفيه : عن المناقب عن واثلة عن جابر بن عبد الله الأنصاري : دخل جندل بن جنادة بن جبير اليهودي على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا محمّد أخبرني عمّا ليس لله وعمّا ليس عند الله وعمّا لا يعلمه الله ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : أما ما ليس لله فليس لله شريك ، وأمّا ما ليس عند الله فليس عند الله ظلم للعباد ، وأمّا ما لا يعلمه الله فذلك قولكم يا معشر اليهود : إنّ عزيزا ابن الله ، والله لا يعلم أنّ له ولدا ، بل يعلم أنّه مخلوقه وعبده. فقال : أشهد أن لا إله إلّا الله وأنّك رسول الله حقّا وصدقا.

ثمّ قال : إنّي رأيت البارحة في النوم موسى بن عمران فقال : يا جندل أسلم على يد محمّد خاتم الأنبياء واستمسك بأوصيائه من بعده. فقلت : أسلم! فلله الحمد أسلمت وهداني بك. ثمّ قال : أخبرني يا رسول الله عن أوصيائك من بعدك لأتمسّك بهم ، قال : أوصيائي الاثنا عشر؟ قال جندل : هكذا وجدناهم في التوراة وقال : يا رسول الله سمّهم لي؟ فقال : أوّلهم سيّد الأوصياء أبو الأئمّة علي ، ثمّ ابناه الحسن والحسين فاستمسك بهم ، ولا يغرنّك جهل الجاهلين ، فإذا ولد علي بن الحسين زين العابدين يقضي الله عليك ، ويكون

__________________

(١) بحار الأنوار : ٣٦ / ٢٨٣ بتفاوت.

(٢) العدد القوية للحلي : ٨١.

١٧٨

آخر زادك من الدنيا شربة لبن تشربه.

فقال جندل : وجدناه في التوراة وفي كتب الأنبياء : إيليا وشبر وشبير فهذه اسماء علي والحسن والحسين. فمن بعد الحسين ما أساميهم؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا انقضت مدّة الحسين فالإمام ابنه علي ويلقّب بزين العابدين عليه‌السلام ، فبعده ابنه محمد يلقب بالباقر ، فبعده ابنه جعفر يدعى بالصادق ، فبعده ابنه موسى يدعى بالكاظم ، فبعده ابنه علي يدعى بالرضا ، فبعده ابنه محمد يدعى بالتقي والزكي ، فبعده علي يدعى بالنقي والهادي ، فبعده ابنه الحسن يدعى بالعسكري ، فبعده ابنه محمد يدعى بالمهدي والقائم والحجة فيغيب ثمّ يخرج ، فإذا خرج يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا ، طوبى للصابرين في غيبته ، طوبى للمقيمين على محبّتهم ، أولئك الذين وصفهم الله في كتابه وقال : (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) (١) ثمّ قال تعالى : (أُولئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (٢) فقال جندل : الحمد لله الذي وفّقني بمعرفتهم. ثمّ عاش إلى أن كانت ولادة علي بن الحسين عليهما‌السلام فخرج إلى الطائف ، ومرض وشرب لبنا وقال : أخبرني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يكون آخر زادي من الدنيا شربة لبن ، ومات ودفن بالطائف بالموضع المعروف بالكوزارة (٣).

في الدمعة عن كتاب سليم بن قيس الهلالي قال : أقبلنا من صفين مع أمير المؤمنين عليه‌السلام فنزل العسكر قريبا من دير النصارى فنزل إلينا من الدير شيخ حسن الوجه ، حسن الهيئة والسمة ، معه كتاب في يده حتّى أتى أمير المؤمنين عليه‌السلام فسلّم عليه بالخلافة. فقال له علي : مرحبا يا أخي شمعون بن حمون ، كيف حالك رحمك الله؟

قال : بخير يا أمير المؤمنين وسيّد المسلمين ووصي رسول ربّ العالمين ، أنا من حواري أخيك عيسى ابن مريم عليه‌السلام ، وأنا من نسل شمعون بن يوحنا وصي عيسى ابن مريم ، وإليه دفع كتبه وعلمه ، فلم يزل أهل بيته على دينه مستمسكين بملّته ، لم يكفروا ولم يبدّلوا ولم يغيّروا ، وتلك الكتب عندي ، إملاء عيسى وخط أبينا ، وفيه كلّ شيء يفعل الناس من بعده ، كل ملك ملك وكم يملك ، وما يكون في زمان كلّ ملك منهم حتّى يبعث الله رجلا من العرب من ولد إسماعيل بن إبراهيم خليل الله من أرض تهامة يقال له أحمد ، الأنجل العينين

__________________

(١) البقرة : ٣.

(٢) المجادلة : ٢٢.

(٣) ينابيع المودّة : ٣ / ٢٨٥ باب ٧٦.

١٧٩

المقرون الحاجبين ، صاحب الناقة والحمار والقضيب والتاج يعني العمامة.

ثمّ ذكر مبعثه ومولده وهجرته صلى‌الله‌عليه‌وآله ومن يقاتله ومن ينصره ومن يعاديه وكم يعيش وما تلقى أمّته بعده ، إلى أن ينزل عيسى ابن مريم من السماء (١) ، فذكر في ذلك الكتاب ثلاثة عشر رجلا من ولد إسماعيل ، هم خير خلق الله وأحبّ من خلق الله إلى الله ، وأن الله وليّ من والاهم وعدوّ من عاداهم ، من أطاعهم اهتدى ومن عصاهم ضلّ ، طاعتهم لله طاعة ومعصيتهم لله معصية ، مكتوب بأسمائهم وأنسابهم ونعتهم ، وكم يعيش كلّ رجل منهم ، وكم رجل منهم يستتر بدينه ويكتمه من قومه ، ومن يظهر حتّى ينزل عيسى على آخرهم فيصلّي خلفه ويقول : إنّكم الأئمّة لا ينبغي لأحد أن يتقدّمكم ، فيتقدّم فيصلّي بالناس وعيسى خلفه في الصف الأوّل ، وهو أفضلهم وأخيرهم ، له مثل اجورهم ونور من أطاعهم واهتدى بهم : بسم الله الرّحمن الرحيم أحمد رسول الله وهو محمد ويس والفتاح والخاتم والحاشر والعاقب والماحي والقائد هو نبي الله وخليل الله وحبيب الله وصفيّ الله وخيرته يرى تقلّبه في الساجدين ، يعني في أصلاب النبيّين ، هو أكرم خلق الله على الله وأحبّهم إليه لم يخلق الله خلقا ملكا مقرّبا ولا نبيّا مرسلا آدم فمن سواه خيرا عند الله منه ولا أحب إلى الله منه ، يقعده الله يوم القيامة على عرشه ويشفّعه في كلّ من يشفع فيه ، باسمه جرى القلم في اللوح المحفوظ.

ثمّ أخوه ووزيره وخليفته وأحبّ من خلق الله إلى الله بعده ، ابن عمّه علي بن أبي طالب ولي كلّ مؤمن بعده ، ثمّ أحد عشر رجلا من ولده وولد ولده ؛ أوّلهم شبر والثاني شبير وتسعة من ولد شبير واحدا بعد واحد ، آخرهم الذي يصلّي عيسى خلفه يسمّيه من يملك منهم ومن يستتر بدينه ومن يظهر ، فأوّل من يظهر منهم يملأ جميع بلاد الله قسطا وعدلا ، ويملك ما بين الشرق والغرب حتّى يظهره الله على الأديان كلّها ، فبعث النبي وأبي حي فصدّق به وآمن به وشهد أنّه رسول الله ، وكان شيخا كبيرا ، لم يكن به شخوص فمات وقال : يا بني إنّ وصي محمّد وخليفته الذي اسمه في هذا الكتاب ونعته سيمرّ بك ، إذا مضى ثلاثة من أئمّة الضلالة والمسمّين بأسمائهم وقبائلهم ، فإذا مرّ بك فاخرج إليه فبايعه وقاتل معه عدوّه فإنّ الجهاد معه كالجهاد مع محمّد ، والموالي له كالموالي لمحمد والمعادي له كالمعادي

__________________

(١) في المصدر : وما تلقى أمّته من بعده من الفرقة والاختلاف وفيه تسمية كل إمام هدى وإمام ضلالة.

١٨٠