كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء - ج ٢

الشيخ جعفر كاشف الغطاء

كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء - ج ٢

المؤلف:

الشيخ جعفر كاشف الغطاء


المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-953-4
الصفحات: ٤٦٣

أواني الخشب أو القرع أو الفخار غير المزفّت إلى غير ذلك ممّا يتشرّب باطنه بالنجاسة ، فإنّه يطهر بالإجراء على الظاهر مع نفوذ رطوبة الماء وعدمها كما لو وضع فيه شي‌ء من الأدهان.

ولا يطهر من البواطن ما انجمد بعد الانفعال ممّا لا يتشرّب بالماء كالدهن والشحم المنجمدين بعد تنجّسهما مائعين ؛ والصابون والفضّة والذهب ، وباقي الجواهر المنطبعة بعد الإذابة ، والمنجمدين من اللبن ونحوه وإن طهر ظاهرها وما لا يتشرّب إلا بعد استحالة الرطوبة كالمنجمد بعد التنجّس مائعاً من دبس أو عسل أو سكّر ونحوها (١).

والظاهر أنّه لا فرق في عدم التطهير في جميع ما ذكر بين الماء المعصوم وغيره.

وأمّا المنجمد بعد الانفعال ممّا يرسب فيه رطوبة الماء من غير استحالة كالمشويّ من المنجمد من مائع الطين ، ويابس العجين فالظاهر فيها طهارة البطون ، كالحبوب واللحوم مطبوخة أو باقية على حالها جافّة أو رطبة من غير حاجة إلى تجفيف أو تنظيف بماء معصوم ؛ لأنّ الظاهر أنّ اتّصال الرطوبة بمثلها مغنٍ في التطهير.

وما كان منها ممّا يرسب فيه ماء الغسالة كالمتّخذة من الطين الخالي عن طبخ النار ، فلا يطهّره سوى الماء المعصوم.

وما أشبه الباطن وهو من الظاهر كبعض ما تحت الأظفار ، وبعض باطن السرّة ، والعينين ، والأذنين ، وما تحت الحاجب من جبائر أو عصائب أو لطوخ أو نحوها يجري عليه حكم الظاهر ، ولا يشترط جريان الماء عليها ويكتفي بوصوله إليها.

الثاني من المطهّرات : إشراق عين الشمس غير محجوبة بما يحدث ظلا من سحاب وغيره على متنجّس بعين نجاسة أو متنجّس يزول عينها بالجفاف من بول أو ماء مطلق أو مضاف أو غيرهما من المائعات التي لا يبقى لها عين معه مستقِلا ، أو مع ضميمة لا ينافي نسبة الجفاف إليه وحده ، فلو صحّ الإسناد إلى الغير منفرداً من نار أو هواء أو طول بقاء أو حرارة شمس خالية عن الإشراق ونحوها أو ما تركّب منها أو المجموع بشرط

__________________

(١) في «س» ، «م» زيادة : لا يطهر باطنه.

٣٨١

الاجتماع لم يؤثّر شيئاً.

ولو كان جافّاً قبل الإشراق لم يطهر به إلا إذا رُطّب ثمّ جفّف ، والمدار على صدق الجفاف عرفاً.

وإنّما يطهر ما لم يعدّ من المنقول حين الإصابة من أرض أو ما اتّصل بها من قير أو جصّ أو نورة أو بني فيها من حياض أو جدران أو سقف أو تنّور أو أبواب أو أخشاب أو نبت فيها من أشجار ، وما يتبعها من الثمار أو زروع أو نباتات باقية في محالّها غير مجذوذة ، أو أثبت فيها من الات كدولاب ماء ، وأخشاب بكرة ، وأسفل رحى ماء ونحوها ، أو فرش عليها من خصوص بوريا أو حصير.

وما انتقل من حاله نقل إلى غيرها ، وبالعكس ينتقل حكمه. وهو مطهّر على الحقيقة لا مسوّغ للسجود فقط ، ولو شكّ في مستند التجفيف بقي على حكم النجاسة ، كما لو شكّ في أصله.

والظاهر الاقتصار في التطهير على الظاهر إن اقتصر الجفاف عليه ، وإن عمّ عمّ ، ولو عبر من أعلى إلى شي‌ء آخر تحته ، ولا يحتسب معه شيئاً واحداً كحصيرين موضوع أحدهما على الأخر اختصّ التطهير بالأعلى ، ولو جفّ بعض من الجسم الرطب دون الأخر كان لكلّ حكمه.

والظاهر تمشية الحكم إلى الأواني المثبتة العظام ، وفي إلحاق البيدر ونحوه قبل التصفية وجه قويّ.

ولو استند مبدء التجفيف إلى شي‌ء وغايته إلى آخر فالمدار على الغاية.

ولو كسفت الشمس واحترق القرص بطل حكمه ولو بقي بعضها وصدق الإشراق وتحقّق التجفيف بقي الحكم ، ولو أعدّ الإشراق التجفيف ، وأتمّه غيره لم يؤثّر طهارة.

وما أصابته رطوبة نجسة من المنقول ولم يكن مطهّر سوى الشمس أدخل في غير المنقول حتّى تطهّره الشمس ويُخرَج.

والقصب والخوص إذا جعلا في بارية أو حصير كذلك ، والظاهر أنّ المنقول من الأرض طيناً أو تراباً كغير المنقول.

٣٨٢

ولو جفّ أعلى الحصير من أعلاه فقط اختصّ بالتطهير ، وإذا قلبه وجفّ الأسفل طهرا معاً ، وإذا أشرقت على جسم حيوان فجفّفته طهّره الزوال.

الثالث من المطهّرات : بعض الأرض الذي يصحّ إطلاق الأرض عليه من دون إضافة ، الطاهر ، الخالي عن رطوبة سارية متّصلاً أو منفصلاً ، ماسحاً أو ممسوحاً أو متماسحين أو مباشراً خالياً عن الصفتين حراماً أو مباحاً من تراب أو رمل أو نورة أو طين مفخوراً أو حجر أو مدر أو حصى أو غيرها ممّا لم يكن له خاصيّة تخرجه عن الاسم كذهب أو فضّة أو غيرهما من الجواهر المنطبعة ، وكقير وكبريت وفيروزج وعقيق ومرجان ولؤلؤ وغيرها من غيرها لباطن القدم أو الخفّ أو النعل ونحوهما ممّا يلبس بالقدم كالقبقاب (١) أو خشبة الأقطع أو ركبتي المقعد أو كعبه (٢) أو كفيّه أو نحوها ؛ ويتبعها الحواشي القريبة وإن كانت من الظاهر.

وفي إلحاق أسفل الرمح والعكاذ والعرادة ونعلي الدابّة ونحوها وجه قويّ.

وتكفي مجرّد الإصابة مع الخلوّ عن العين ، وتلزم المباشرة المزيلة للعين مع وجودها ، ولا يعتبر زوال الأثر وإن كان الأحوط ذلك.

ولو وطئ بعين النجاسة ما يقتضي هتك حرمة الإسلام طهر بذلك النعل دون القدم ، ولو تاب حيث تقبل توبته أجزء ذلك التطهير على إشكال ، وإن لم يبلغ حدّ التكفير عصى وطهر ، ومع الجهل بالموضوع أو عدم التكليف أو النسيان تترتّب الطهارة بلا عصيان ، والمكلّفون وغيرهم سواء ، ولا يعتبر في ذلك قصد ، بل المدار على مجرّد الحصول.

وإذا فقد الماء وضاقت الغاية المشروطة بالطهارة ، وجب المشي ونحوه ممّا يبعث على التطهير ، ومع التعذّر يجب الشراء أو الاستيجار بما لا يضرّ بالحال.

ولا يشترط الإغراق في المسّ ، ولا يكفي الخفيف ، بل يعتبر التوسّط.

ولو حصل الاشتباه في القابلية للشكّ في الأرضيّة دون الشكّ في الطهارة

__________________

(١) القبقاب : النعل المتّخذ من الخشب ، لسان اللسان ٢ : ٣٤٨.

(٢) بدلها في «ح» : كفله أو كفيّه.

٣٨٣

لم يحكم بالتطهير.

وباطن طبقات النعل مع سراية رطوبة النجاسة وزوال عينها يتبع الظاهر في الطهارة ، ومع بقاء الرطوبة في الأعماق يقوى بقائها على النجاسة ، لكن لا يجب البحث عنه.

ولو أخذ حجراً أو مدراً ونحوهما اكتفى بالمسّ مرّة أو المسح مع عدم وجود العين ، ومع وجودها كذلك إن زالت بذلك ، وإلا كرّر حتّى تزول. وجميع ما بين الأصابع ممّا لم يتّصل بالأرض يفتقر إلى الماء ، ولا تكرار في مسح ما يجب التكرار في غسله.

الرابع من المطهّرات : الاستحالة ، وتختصّ من بينها بتطهير جميع أعيان النجاسات والمتنجّسات مائعات وجامدات ، وهي في الحقيقة غير مطهّرة ، وإنّما هي للحقيقة مغيّرة ، فهي مطهّرة للنجس كما هي منجّسة للطاهر إذا استحالا إلى ضدّيهما ، وهو قسمان :

أحدهما : ما استحال بنفسه من غير محيل ولا عمل ، نجساً أو متنجّساً ، أصابته نجاسة من خارج دخلت معه في الاستحالة أو لا ، كالعذرة تكون في المزارع أو غيرها تراباً ، والنجاسات المنتنة دوداً أو غيره من طاهر العين ؛ والعلقة النجسة تكون حيواناً طاهر العين ، والعلف المتنجّس أو الماء أو العذرة النجسة تكون في طاهر العين حلال اللحم روثاً أو بولاً ، أو تكون في طاهر العين لبناً أو عرقاً ، والخمر يكون بنفسه خلاً ، والميتة النجسة تراباً أو دوداً إلى غير ذلك.

وليس منه انقلاب الماء ثلجاً أو ملحاً أو بالعكس ؛ لأنّ ذلك انجماد لا انقلاب ، وكلّما اتصل به حين النجاسة فصادف حين التطهير يطهر تبعاً لطهارته.

القسم الثاني : ما استحال بواسطة ، وهو أقسام :

أحدها : ما استحال بعمل مجرّد عن الإصابة بتحريك قويّ أو بمعالجة أو بآلات ، كأن يستحيل الخمر بذلك خلا. والظاهر طهارة الآلات المقارن استعمالها حال التطهير ، وكذا جميع ما أصابه الخمر حال الاستحالة.

ثانيها : ما استحال بالإضافة كما إذا امتزج مع الخمر خلّ فقلبه إليه ، وصار خلا ،

٣٨٤

ولو انقلب شي‌ء منه ، وبقي الباقي لم يحكم بالطهارة ، ويحتمل الفرق بين الأعلى والأسفل ، وبين المسامت ، فيحكم بطهارة الأخير منعاً للسراية ؛ والأول أوفق بالقواعد.

والمستهلك من الخمر في الخلّ يقضي بنجاسته ، كما أنّ كلّ مستهلك من النجاسات كذلك ، ولو انقلب الخلّ خمراً ، ثمّ تخلّل طهر ، ولو شكّ في الانقلاب بقي على نجاسته ، وكلّما أصيب حال الانقلاب يطهر تبعاً ، وما سبقت إصابته من أعلى الانية كذلك.

(ولو كان المحيل متنجّسا بغير نجاسة المحال ، فإن استحال إلى المحال أوّلاً ، ثمّ رجع هو والمحال إلى ما استحال عنه طهر ، وإن أحال ولم يستحيل بقي على نجاسته) (١).

ولو تخمّر ما في بطن العنب ثمّ تخلّل ، تعلّق به الحكمان. وليس منه المتكوّن بالعمل طحينا أو جريشا أو عجيناً ؛ لأنّه تفريق الأجزاء أو جمعها لأمن الاستحالة.

ثالثها : ما استحال بتأثير مؤثّر ، وله أفراد كثيرة منها : تأثير النار بجعل أعيان النجاسات أو المتنجّسات من حطب وغيره رماداً ويقوى إلحاق الأرض بذلك أو دخاناً ، أو جعل الماء المتنجّس أو مائعات النجاسات أو المتنجّسات بخاراً ، مع عدم تصاعد الماء لقوّة الحرارة.

وأمّا جعل العجين خبزا ، والحبوب طبيخاً ، والسكّر حلواء ، والعسل مع الخلّ سكنجبيناً ، والعصير دبساً ، والطين خزفاً ، والمطبوخ من الرمل جصّاً ، ونحو ذلك. فهو من تغيير الصورة ، لا قلب الحقيقة.

وفي جعل الحطب فحماً إشكال ، والأقوى فيه عدم الاستحالة ، أمّا جعل الفحم باروداً فليس منها قطعاً. وكلّما تغيّر اسمه لتفريق أجزاءٍ أو جمعٍ أو حدوث وأوصاف أو زوالها فليس من الاستحالة.

ومنها : تأثير الملح كما إذا وقع كلب أو خنزير أو كافر أو ميتة نجسة أو غيرها من النجاسات أو المتنجّسات فانقلبت ملحاً.

ومنها : تأثير الثلج بإحالة ما يقع فيه ثلجاً ونحو ذلك.

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في «س» ، «م».

٣٨٥

والمدار على تبدّل الحقيقة ودخولها في حقيقة أخرى ، فينتسخ حكم الأُولى وترجع إلى حكم الثانية ، فلو تبدّل الطاهر العين المطهّر إلى طاهر مُطهّر كانقلاب بعض الأجسام إلى الماء أو إلى التراب انقلب حكمه فيطهر أسفل النعل والقدم وإناء الولوغ ، وبالعكس بالعكس.

وإذا انقلبت نجاسته إلى أُخرى ، وفي إحداهما لزوم العصر أو التعدّد أو العفو دون الأُخرى ، أو الأشدّية أو الأضعفيّة أو الانتساب إلى المأكول أو طاهر العين دون الأخرى ؛ انتسخ حكم الأُولى بحكم الثانية.

الخامس : مطلق إخراج قدر معيّن من ماء البئر ، حيث نقول بتنجيسها بغير المغيّر ، وسيجي‌ء الكلام فيها مفصّلاً بحول الله تعالى.

السادس : ذهاب الثلثين وزنا أو مسحاً من العصير المحكوم بنجاسته ، لعصيريّته ، ما لم تصبه نجاسة غير مجانسة من خارج ؛ بالنار أو بالشمس أو بالهواء أو بالتشريب أو بطول البقاء أو المركّب على اختلاف أنواعه على إشكال فيما عدا الأوّل ، ولا سيّما الثلاثة الأخيرة ، ولا سيّما الأخيرين (١) ؛ إذ لو اكتفيتا (٢) بمطلق الجفاف لم يتنجّس بالعصير أكبر المتنجّسات.

وهو مطهّر له ولما دخل فيه ابتداء أو بعد الغليان والاشتداد من تراب أو أخشاب أو فواكه أو غيرها ، ويطهر باطنها مع بقائها إلى حين التطهير ، وكذا ظاهر الإناء وباطنه أعلاه وأسفله ممّا أصابه مقارنا للتطهير ، أو سابقاً عليه ، وإن كان متشرّباً كإناء خزف ونحوه. ولأعضاء بدن العامل وثيابه مع بقائه ، وبقائها عليه مشغولاً إلى حين التطهير ، ولآلات الاستعمال كذلك ، ولا يطهر غير العامل ، أو العامل معرضاً عن العمل خالياً عن صورة التشاغل ، ولا الآلات كذلك.

ولو كان العصير غليظاً يفسده الغليان أُضيف إليه ماء ، وعمل به العمل المذكور ، ولو أدخل عصير في عصيرٍ أو في دبس طهُر الأخير تبعاً للأوّل بذهاب ثلثي المجموع.

__________________

(١) في «س» : الأخيرة.

(٢) في «ح» اكتفيت.

٣٨٦

ولو تعارض الوزن والكيل أو المسح لذهابهما بواحد دون الأخر اكتفى بالواحد ، والأحوط اعتبار الوزن ، ولو تخميناً مع إفادة القطع أو شبهه. ولا يلزم البحث عن كيفيّة الذهاب عن الجوانب ، نعم لو علم الذهاب من جانب دون آخر انتظر ذهابهما منه أيضاً.

ولو شكّ في الذهاب بنى على عدمه ، ولو شكّ في غليانه أو اشتداده أو عنبيّته ، لاحتمال تمريّته أو زبيبيّته أو حصرميّته مثلاً ، أو لمزجه بشي‌ء منها بنى على طهارته.

وما أخذ من يد المسلمين معرضاً للأكل والشرب يبني على طهارته وإباحته ، (ولو أخرج العصير ، ثمّ أدخل طهر تبعاً ، ولو تنجّس العصير بنجاسة خارجيّة لم يطهر على الأصحّ بناءً على أنّ النجس يتأثّر من مثله) (١).

السابع : زوال التغيير عن ماء البئر أو غيرها من جار أو ماء مطر أو معتصم بمادّة أرضيّة كالعين ونحوها ، أو ذات كريّة مع عدم انقطاع العمود الواصل بينه وبين العاصم ؛ فإنّها تطهر بمجرّد زوال التغيير ، ويمكن إدخال ذلك في باب تطهير الماء.

الثامن : الانتقال ، وهو قريب من الاستحالة بأن ينتقل شي‌ء محكوم بنجاسته باعتبار محلّه إلى محلّ يقتضي طهارته إذا دخل في اسمه ، كما ينتقل دم الإنسان أو الحيوان من ذي النفس إلى باطن غير ذي النفس من بعوضة ، ونحوها ، فيكون من دمها ، ويلتحق بحكم دمائها ، كما أنّه لو انعكس الأمر انعكس الحكم.

ولو دخل دم المعفوّ عن دمه في غير المعفوّ عنه ذهب العفو ، وبالعكس بالعكس ، ولو شرب الشجر أو النبات ماءً متنجّساً طهر بمجرّد انتقاله إلى باطنه ، وإذا انتقل الطاهر إلى الطاهر جرى عليه حكم الأخير من كراهة أو رجحان.

ولو شكّ في انتقال الاسم بعد الانتقال من الجسم كما إذا دخل شي‌ء من النجاسات المتعلّقة بذوات النفوس في بطون غير ذوات النفوس ، ولم يستقرّ فيها حتّى يتبدّل الاسم حكم بالسابق.

التاسع : الجفاف ، ويجري في البئر إذا غار ماؤها على الأقوى متغيّراً بالنجاسة في

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في «س» ، «م».

٣٨٧

السابق أو لا ، مع انقطاع المادّة وعدمها بأن سدّت عنها ، ولو كان الجفاف بوضع تراب ونحوه لا يبعد بقاء حكم النجاسة ، وفي إلحاق العيون ونحوها بها وجه قويّ ، والأقوى خلافه.

العاشر : حجر الاستنجاء وخرقه ونحوها إذا لم يستلزم هتك حرمة تقضي بالتكفير ، مع استجماع الشرائط السابقة على نحو ما تقدّم بيانها.

الحادي عشر : تغيير الإضافة كرطوبات الكافر من عَرَق أو بُصاق أو نُخامة أو قيح أو سوداء ، أو صفراء مستصحبة في بدن الكافر ، ولم تنفصل إلى حين الإسلام ، وفي إلحاق الثياب إشكال.

ومثل ذلك عرق الجِل من الإبل الباقي بعد الاستبراء مع عدم الانفصال ، والظاهر جري الحكم في فضلاته بالنسبة إلى حكم فضلات غير المأكول ، ومع القول بالطهارة يختلف الحكم من جهة الكراهة ، كغيره من الرطوبات الطاهرة ، ولو أصابت مع الشكّ ، بقي الحكم الأوّل.

الثاني عشر : استبراء الجِلة ، فإنّه مطهّر لما يكون حين الجلل ولم ينفصل من بول أو غائط ، ولعلّه يرجع إلى القسم السابق.

الثالث عشر : الانفصال ، فإنّ انفصال ماء الغسالة مطهّر للرطوبة الباقية والقطرات المتخلّفة ؛ وانفصال القطرات من الدلو الأخير الذي يتمّ به التطهير على القول به مطهّر لها.

الرابع عشر : زوال العين عن بدن الحيوان الصامت وعن البواطن وما تضمّنته ممّا يعلق بالأسنان ونحوه ، ممّا يدخل فيها من نجاسة أو متنجّس من الخارج ، فلا فرق بين إزالتها بالماء أو بالبول ؛ لأنّ المدار على الزوال ، والمزيل من المقدّمات ، غير أنّ الإزالة بالماء لا تتوقّف على التجفيف ولا العصر لو كان شعره ممّا يعصر بخلاف غيره.

الخامس عشر : خروج دم الذبح من المذبح أو المنحر لا مطلق الانفصال.

ولو خرج من غير المحلّ المعتاد أشكل ، ولو نحره أو ذبحه مخلّا ببعض الشروط وبقيت حياته ، فنحره أو ذبحه ، فالمدار على انفصال الدم الثاني ، والدم الخارج أوّلاً

٣٨٨

لا يطهر بالتبع وهكذا كلّ خارج قبل تمام التذكية الشرعيّة.

ومثله خروج الدم من طعنة أو جرح باعثين على التذكية في مستعصٍ ونحوه أو بكلب المعلّم ما لم تصبه شي‌ء من موضع إصابته ، وما لم تصبه أو تصب محلّه نجاسة خارجيّة ، أو يرد إلى الباطن من الدم الخارج ما يزيد على المتعارف ؛ ويختصّ بالنجاسة حينئذٍ ما أصابه دون غيره.

ومن قطع المذبح من أسفل من محلّ الدم ، أو استعمل لحم الذبيحة من الوسط أو المؤخّر ، مع تجنب الإله الذابحة أو استعمالها بعد التطهير والسلامة من مباشرة دم المذبح ، بقي المتخلّف من الدم على طهارته.

السادس عشر : الغَيبَة ؛ وهي مطهّرة لبدن الإنسان بشرط إسلامه قبل الغيبة أو في أثنائها ، وليس الإيمان من شرطها على الأقوى ، ولثيابه على الأقوى ، مع احتمال التطهير.

والظاهر إلحاق جميع ما يستعمله المسلمون من حيث يعلمون أولا يعلمون من فرش أو ظرف أو أماكن ومساكن ، والظاهر تسرية الحكم إلى الحيوان حيث لا يعلم زوال العين ، مع احتمال زوالها.

ولا يجري الحكم فيما يغيب عنه من ثيابه أو آنيته ونحوها إلا إذا كان المباشر غيره ، ولا يجري الحكم في الظلمة وحبس البصر.

السابع عشر : الاستعمال كالات العصير وآلات البئر ، وبدن العاصر ، والنازح ، وثيابهما ، ونحو ذلك ، وقد مرّ الكلام في ذلك ، وبدن مغسّل الميّت وثيابه ، وآلات التغسيل وثياب الميّت التي غسل فيها وخرقته التي وضعت عليه من دون عصر.

الثامن عشر : التبعيّة في التطهير كصدر البئر وحواشيها وأطرافها ، وما كان في مائها ، وما كان في العصير ، وحواشي إنية طبخه ، وما كان في المستحيل أو المنتقل ورطوبات الكافر بعد إسلامه كما مرّ الكلام فيه.

التاسع عشر : الاشتراك ؛ وهو اشتراك المسلم والكافر في بعض البدن ، كما إذا كانا على حقو واحد ، محكوماً بتعدّدهما ، وكان أحدهما مسلما ، والآخر كافراً

٣٨٩

في أقوى الوجهين.

العشرون : إسلام الكافر الأصليّ أو الارتداديّ ما عدا الفطري في الرجال والخنثى المشكل والممسوح محكوم بطهارتهما فيه ، ومنكرو بعض الضروريّات مع سبق بعض الشبهات ، ودخولهم في اسم المسلمين كطوائف الجبريّة والمفوّضة والصوفيّة إذا تابوا قبلت توبتهم للشكّ في شمول أدلّة الفطريّة لهم ، وأصالة قبول توبتهم.

ويطهر بحصول الاعتقاد إن اكتفينا به ، وإلا بتمام لفظ الإقرار ، ويكفي فيه مجرّد الشهادتين ؛ لاشتمالهما على باقي الأصول.

(ولا يطلب في تحقّق الإسلام سوى الشهادتين ، لاشتمالها على إثبات جميع الصفات ، وصدق جميع ما جاء عن علّة الموجودات ؛ حتّى لو صدر بعض الأقوال من بعض الجهّال ، مع عدم المعرفة بحقيقة الحال ، لم يناف ثبوت الإسلام بعد التصديق بجميع ما جاء به النبيّ عليه وآله السلام) (١).

الحادي والعشرون : التبعيّة في الإسلام للأب أو الأمّ أو الجدّين القريبين أو السابي المسلم مع عدم وجود أحد الأبوين أو الأجداد معه.

الثاني والعشرون : سبق استعمال الماء كالمغتسل قبل الصلب ، وهو شبيه بالتطهير بعد الموت.

الثالث والعشرون : الشهادة وهي مطهّرة لبدن الشهيد بالنحو السابق ، ولما قطع منه بعد الموت أو قبله في المعركة ، دون ما تقدّم.

الرابع والعشرون : المطهّر للنجاسة الحكميّة ، كالاستبراء فإنّه يحكم معه بطهارة ما يخرج من المشتبه بالبول أو المنيّ.

الخامس والعشرون : التيمّم للميّت في وجه قويّ ) ، (وأمّا ما ورد من أنّ طين المطر طاهر إلى ثلاثة أيّام (٣) فمبنيّ على أنّه من الأمور العامّة البلوى ، فالاحتياط فيه يلزم فيه

__________________

(١) ما بين القوسين أثبتناه من «ح».

(٢) بدلها في «س» : المتيمّم في وجه قويّ ، وفي «م» المتيمّم في وجه قويّ.

(٣) ورد مضمونه في الوسائل ١ : ١٠٩ أبواب الماء المطلق ب ٦ ح ٦.

٣٩٠

الحرج العام ، ويتسرّي إلى الخاص ، وقد بيّنا سابقاً أنّ الاحتياط في مثله ساقط) (١).

المطلب الرابع : في مستحبّات التطهير

وهي أُمور :

أحدها : تدليس لون دم الحيض بعد زوال عينه وقد يلحق به ألوان سائر النجاسات بما يناسبها مع احمرار لونها أو مطلقاً ، وسائر الأعراض من الروائح وغيرها بصبغ المِشق ، وقد يُلحق به ما يقوم مقامه من سائر الأصباغ.

ثانيها : تثليث الغسل في سائر المتنجّسات ، مع إدخال الغسلة المزيلة ، أو مع عدم إدخالها ، ولعلّه أولى.

ثالثها : رشّ الثوب بالماء إذا أصاب الكلب أو الخنزير أو المجوسيّ أو الكافر مطلقاً بيبوسته ، وفي تكراره مع التكرار وجه ، والأقوى التداخل ، وفي رشّ البعض بعض الأجر ، وهكذا في كلّ متعدّد.

رابعها : المسح بالتراب أو الحائط لموضع مصافحة المجوسيّ.

خامسها : ما ألحقه بعضهم من رشّ موضع إصابة الثعلب أو الأرنب أو الفأرة أو الوزغة.

سادسها : غسل طين المطر إذا أصاب شيئاً بعد ثلاثة أيّام.

سابعها : تسبيع الغسل للإناء من ولوغ الخنزير ومن إصابة النبيذ ، ويقوى إلحاق جميع المسكرات من المائعات ، وموت الجرذية.

ثامنها : غسل الإناء من سائر النجاسات ثلاثاً بعد زوال العين.

تاسعها : غسل الإناء من ولوغ الكلب خمساً ، وأولى من ذلك السبع.

عاشرها : أن يكون النائب في التطهير عدلاً ذكراً أو أُنثى ، ويجري في كلّ مكلّف ؛ لصيرورته صاحب يد ، وغير البالغ لا يجوز الاعتماد عليه ، إلا مع الاطّلاع عليه أو

__________________

(١) ما بين القوسين زيادة في «ح».

٣٩١

حصول العلم.

حادي عشرها : أن يفرك ويدلك استظهاراً ، ويبالغ في العصر زائداً على المجزي ، مع عدم بلوغ حدّ الوسواس.

ثاني عشرها : الدوام على طهارة البدن والثياب ، فإنّ الظاهر أنّ لها رجحاناً بحسب الذات ، وآخر باعتبار الغايات.

ثالث عشرها : أن يأخذ بالاحتياط مع حصول المظنّة بالنجاسة في غير الأمور العامّة.

رابع عشرها : تقصير الثياب ، وتحرّي المواضع الطاهرة لموضع موطإ نعله وقدميه ، والأخذ بالتوسّط في المطهّر بين الإسراف والتقتير.

(خامس عشرها : استحباب النضح بالماء للثوب إذا لاقى ميتة أو كلباً مع اليبوسة ، ومن عرق الجنب من الحلال.

سادس عشرها : استحباب غسل الثوب من عرق الحائض) (١).

المطلب الخامس : في الأواني

جمع إنية وهي جمع إناء كوعاء وأوعية وأواعي وزناً ومعنى ، وتفسيرها بالظروف والأوعية تفسير بالأعمّ كما هي عادة أهل اللغة في أمثالها من التفسير بالأعمّ ، والإحالة إلى العرف في تحقيق المعنى. والظاهر أنّها عبارة عمّا جمعت أُمور :

أحدها : الظرفية.

الثاني : أن يكون المظروف معرضاً للرفع والوضع ، فموضع (٢) فصّ الخاتم وإن عظم ، وعكوز الرمح ، وضبّة السيف ، والمجوّف من حليّ المرأة المعدّ لوضع شي‌ء فيه للتلذّذ بصوته ومحلّ العوذة ، وقاب الساعة ، وآنية جعلت لظاهر أُخرى ، بمنزلة الثوب ، مع الوضع على عدم الانفصال ، ولو انفصلت ثم وصلت ، أو بالعكس رجعت

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في «س» ، «م».

(٢) كذا في جميع النسخ.

٣٩٢

إلى الحالة الأولى.

الثالث : أن تكون موضوعة على صورة متاع البيت الذي يعتاد استعماله عند أهله من أكل أو شرب أو طبخ أو غسل أو نحوها فليس القليان ، ولا رأسها ، ولا رأس الشطب ، ولا ما يجعل موضعاً له أو للقليان ، ولا قراب السيف والخنجر ، والسكّين ، وبيت السهام ، وبيت المكحلة ، والمرآة والصندوق ، والسقط (١) ، وقوطي النشوق والعطر ، ومحلّ القبلة نامه والمباخر ونحوها منها.

الرابع : أن يكون له أسفل يمسك ما يوضع فيه ، وحواشي كذلك ، فلو خلا عن ذلك كالقناديل ، والمشبّكات ، والمخرمات ، والسفرة والطبق ونحوها لم يكن منها ، والمدار على الهيئة لأعلى الفعلية ، ومرجعها إلى العرف ، والبحث فيها في مقامات :

أوّلها : ما كان من النقدين الفضّة والذهب فإذا دخلت تحت الاسم حرم عملها ، وحرم الأكل والشرب منها بتناول بالفم أو اليد أو بظرف آخر بالأخذ أو بالإدارة بقصد الاستعمال ، لا بقصد التفريغ ، فيعصي بالتناول ، والوضع بالفم ، والابتلاع.

ولا يجب استفراغه ، والظاهر عدم وجوب إخراجه من فيه بعد وضعه فيه ، بل إلقائه من يده بعد التوبة والندم على إشكال. ولو فرّغ غير قاصد للأكل والشرب منه ، بل مريد التخلّص لم يحرم المأكول والمشروب.

وإذا امتزج أحد الجوهرين بالآخر أو ركّب منهما بوصل قطعتين أو قِطَع جرى الحكم ، ولو امتزج أو تلبّس بشي‌ء غيره ، ولم يخرج عن الاسم فكذلك وإن خرج عن الاسم خرج عن الحكم ، ولو خرج بالكسر ثمّ عاد بالجمع ، أو خرج بالجمع ثمّ عاد بالكسر خرج ثمّ عاد ، ولو شكّ في تحقّق الاسم ارتفع الحكم ، بخلاف مسألة الولوغ مثلاً.

ولا بأس بما اتّخذ من الجواهر وإن بلغت أعلى القيم ، وإنّما الحكم مقصور على الجوهرين المذكورين ، والمتّخذ من المعادن مع تمام المشابهة بينه وبينهما لا بأس به ما لم يدخل تحت الاسم ، وكما حرم الأكل والشرب فيها كذلك يحرم مطلق استعمالها.

__________________

(١) كذا في «ح» ، وفي «م» : السبت. والصحيح السفط وهو ما يعبّأ فيه الطيب ، لسان اللسان ١ : ٦٠٤.

٣٩٣

ولو توضأ رامساً لعضوه أو اغتسل مرتمساً في غسله أو تناول بيده أو بالة من أحدهما بطل ما فعل ، ولو أخرجه بقصد التفريغ ثمّ عمل فلا بأس ، ولو جعل أحدهما مصبّاً للماء مع قصد الاستعمال فالحكم فيه البطلان ، والعالم وجاهل الحكم سيّان في البطلان ، وجاهل الموضوع والناسي ، والمجبور في الصحّة سواء ، كما في المغصوب.

ولو علم في الأثناء حرم الإتمام ، ويجب كسرها ، ولا يجوز إبقاؤها لزينة ولا لغيرها ، وليس على الكاسر ضمان قيمة الهيئة ولو أمكن تحويل الهيئة إلى ما يخرج عن اسم الإناء أجزأ عن الكسر.

ولو دار بين استعمال أحدهما واستعمال المغصوب قُدّما عليه. وبينهما وبين جلد الميتة أو بين الفضّة والذهب احتمل تقديم الأوّل في الثاني ، والثاني في الأوّل ، والمشتبه بالمحصور يجب اجتنابه ، وما يتناول من يد المسلم لا يجب البحث عنه مؤالفاً كان أو مخالفاً.

والمُذَهّب والمُفَضّض تمويهاً وتلبيساً وتنبيتاً لا بأس به على كراهة.

ويجب اجتناب وضع الفم حال الشرب على موضع التحلية ، ولو تعذّر التطهير إلا منهما لزم التيمّم.

ولا يجوز هبتها ولا عاريتها ولا رهنها ولا بيعها ، ولا غيرها من النوافل ، ولا تسليمها إلا بشرط الكسر أو العلم به ، مع كون المتعلّق المادّة دون الصورة ، وعدم حصول التراخي فيه.

المقام الثاني : ما اتّخذ من الجلود

كلّ جلد طاهر ممّا كان من غير ذي النفس أو ذي النفس مع قابليّة التذكية ووقوعها ، من مأكول اللحم وغيره يجوز استعماله في جميع ضروب الاستعمال ، وما كان نجساً لكونه من نجس العين ، أو من ذي النفس طاهر العين ولا يقبل التذكية كالمسلم ، وإن كان جلده طاهراً كما بعد التغسيل ونحوه ، أو يقبلها ولم يذكّ ، فلا يجوز التصرّف به على وجه الاستعمال فيما تسري نجاسته إليه كقليل الماء ، أو لا ، ككثيره.

٣٩٤

وفيما عدا ذلك ممّا يدعى استعمالاً ، مع استلزام المباشرة برطوبة وعدمه ، مع الدباغ وعدمه ، فلا يجعل ظرفاً ولو للعذرات لتنظيف الخلوات ، ولا ميزاناً ولا مكيالاً ولا فراشاً ولا غطاءً ولا معياراً ولا غير ذلك ولو أُعِدّت للأشياء الجافّة.

والظاهر أنّ الانتفاع به لوقود الحمّام أو لغيره أو لجعله بوّاً أو لإطعام كلاب ، أو في بناء أو غيرها ، أو للتوصّل إلى قتل بعض الحيوانات المؤذية ، ونحو ذلك ليس من الاستعمال.

ولو جعله ظرفاً للماء مقدّماً على المعصية ، ووضع فيه ماء قليل متّصل بالعاصم لم يتنجّس ، ولو لم يعتصم تنجّس ولو كان كثيراً ، فإن زاد على الكرّ وحصل الكرّ فيه منصبّاً من دون انقطاع ولم ينقص بالتشريب عنه لم ينجّس بالأخذ حتّى يبلغ حدّ الكرّية من غير زيادة ، فإذا بلغ وتناول منه شيئاً فنقص عن الكرّية ، كان المأخوذ طاهراً والباقي نجساً ، كما إذا كان في إناء طاهر ، وكانت فيه نجاسة فأخذ منه مع بقاء عين النجاسة فيه ، وإذا أخذت مع المنفصل انعكس الأمر.

والظاهر أنّ حكمه على نحو إنية النقدين في بطلان الوضوء والغسل ، وجد غيره أو لا ، كما في الغصب ، مع احتمال الصحّة لو تاب بعد الانفصال في الجميع بالنسبة إلى الغرفة الأخيرة أو مع وجود المتمّم ، وفي لزوم الإخراج عن الصورة وجه.

وكلّما وجد في أيدي المسلمين من الجلود ممّا (١) لم يعلم حاله يبنى على تذكيته ، علم بسبق يد الكفّار عليه أو لا ، وكذا ما وجد في سوق المسلمين ، وفي يد من لا يعلم حاله.

وكذا (٢) ما وجد في أيدي الكفار ، ولم يعلم مأخذها من أيدي المسلمين محكوم بنجاستها.

ولو تعارض السوق واليد قُدّمت اليد في القسمين ، وما وجد في أرض المسلمين

__________________

(١) في «س» ، «م» : وممّا.

(٢) الظاهر زيادة : كذا.

٣٩٥

وعليه آثار الاستعمال بأيّ نحو كان ممّا لا يغتفر في جلد الميتة حكم بتذكيته ، ومع التعارض يقدّم اليد ثمّ السوق عليها.

وما يؤتى به من بلاد الكفّار كالبرغال والقضاغي ونحوه لا بأس به إذا أخذ من يد المسلمين أو من سوقهم ، والظاهر أنّ الاحتياط في مثله من الأُمور العامّة المتداولة ليس بمطلوب.

كما أنّ الاحتياط لاحتمال الحرمة في الحبوب واللحوم والأدهان والسكّر ، والعقاقير الهنديّة ، والدراهم المسكوكة من خزنة السلطان ومشارع المسلمين ، ومواردهم والأواني المتردّدة عليها أفواههم ، وما أعدّ للاستعمال في سرجهم ونحوها لم يعرف رجحانه عنه.

ولو كان في يد المسلم المخالف جلد مدبوغ وعلم أنّه يطهر جلد الميتة بالدباغ ، أو في يد الفاسق وعلم أنّه لا يبالي بالنجاسة ، ولا بالميتة ، أو في يد الكافر مستعملاً له بعد إسلامه حكم بطهارته.

ولو جعل الإناء من جلد الميتة محلّا لانصباب ماء غسل الوضوء مثلاً بطل الوضوء ، ولو وقع اتّفاقاً لم يبطل ، وبذلك يفترق عن المغصوب ، ويساوي المتّخذ من النقدين.

المقام الثالث : ما اتّخذ من الأشياء المحترمة

كخشب الضرائح المقدّسة وترابها ، وتراب قبور النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّة عليهم‌السلام ، وتراب الكعبة ، وهذه يجب احترامها لنفسها ، فلا تلوّث بنجاسة ، ويجب إزالتها عنها وإخراجها من الكنيف ما لم تستهلك أجزائها فيه.

وقد يلحق به تراب المساجد (وإن لم يحرم إخراجه لبعض الوجوه) (١) خصوصاً الخمسة ، ثمّ الأربعة ثمّ الثلاثة ، ثمّ الحرميّان ، مع جعلها إنيةً تجريّاً على المعصية أو اشتباهاً. كل ذلك ما لم يخرج عن الاحترام بسبب كونه كناسة.

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في «س» ، «م».

٣٩٦

وأمّا المأخوذ من الأراضي المحترمة كحرم الكعبة أو النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو الحسين عليه‌السلام أو باقي الأئمّة عليهم‌السلام ممّا اتّخذ للاحترام للسجود أو للتسبيح أو للتبّرك أو للاستشفاء بالأكل والشرب منها أو للحرز قاصداً لذلك أو مهدياً لذلك فهذه يحرم إدخال النجاسة فيها ، ويجب غسلها عنها ، باقية في الحرم أو خارجة عنه.

وما لم يقصد بها ذلك بل قصد بها الاستعمال مطلقاً فمع بقائه في الحرم بمنزلة أرضه لا يلزم احترامه على من فيه ، ومع الخروج يقوى عدم لزوم الاحترام ، وإن كان الاحتياط فيه.

وفي لزوم ذلك على غير القاصد وجهان ، أوجههما أنّهما سيّان ، ولو اشتبه عليه أو على غيره القصد فلا احترام ، ولو استنبطها مستنبط لا بقصد الاحترام ، ثمّ تناولها غيره بهذا القصد اختلف تكليفهما باختلاف قصدهما ؛ ولو اختلف قصد الأخذين أو المستنبطين رجح جانب الاحترام.

ومن استعمل شيئاً من المحترمات الإسلاميّة هاتكاً للحرمة خرج عن الإسلام ، والمستعمل لشي‌ء من المحترمات الإيمانيّة بذلك القصد خارج عن الإيمان.

المقام الرابع : الأواني ممّا عدا ما مرّ

والانتفاع بها واستعمالها بأيّ نحو كان لا بأس به ، والمأخوذة من يد يهوديّ أو نصرانيّ أو غيرهما من الكفّار إذا لم يعلم الإصابة برطوبة محكوم بطهارتها. حتّى لو أُدير شي‌ء من المائعات في أيدي الكفّار ، واحتمل أن يكون المباشر مسلماً أو لم تعلم مباشرته حكم بالطهارة. ولا عبرة بكون المال ماله والدار داره.

ومن اتّخذ من السفاط ظرفين ، وعلم بأنّه يعطى أحدهما للكفّار ، يجوز الشرب منه من دون سؤال ، مع قيام الاحتمال.

وفي مسألة التنجيس والتطهير مرّ الكلام مفصّلاً ، وفي مسألة المحصور وغير المحصور يجي‌ء الكلام فيه مفصّلا إن شاء الله تعالى.

٣٩٧

المطلب السادس : في المياه

جمع ماء أصله ماه قلبت هاؤه همزة ، وهو قسمان :

أحدهما : المطلق ، وهو ما يصحّ إطلاق الاسم عليه من دون إضافة ، ولا نصب قرينة ، وينصرف الإطلاق إليه إذا تجرّد عنهما ، وهو أحد العناصر الأربعة الذي أنعم الله به على العباد ، وأحيا به ميت البلاد وأروى به العطشان ، وجعل الحياة مقرونة به في الشجر والنبات والحيوان أو به قوام العبادات الموصولة إلى رضا جبّار السماوات ؛ لتأثير الطهارة من الأحداث والنجاسات.

وإن أضيف كانت إضافته لتمييز المصداق لا لتصحيح الإطلاق ، كما يقال : ماء البحر ، ماء النهر ، ماء السدر ، ماء الكافور ، ماء البئر ، ماء العين ، ماء الثلج ، ماء الملح ونحوها.

ولا يُطَهّر من الحدث شي‌ء من مائع أو جامد ولا من الخبث من المائعات شي‌ء سواه من غير فرق بين ما يدعى ماء مضافاً كماء الورد ، والهندبا ، والصفصاف ، ونحوها من المعتصرات أو المصعدّات ، أو لا ينصرف إليه إطلاق المضاف وإن أطلق عليه اسم الماء مع القرينة كماء التمر وماء المرق وماء السكّر ، وماء العسل ، وماء الذهب ونحوها.

والظاهر أنّ البخار المتولّد من الماء المطلق المتصاعد تصاعد الأجزاء ، دون المجتمع من العرق خالياً عن الضميمة ماء دون غيره ، وهذا لا يفرق فيه بين القليل والكثير ممّا له مادّة من الأرض أو لا في انفعاله بمجرّد الملاقاة للنجاسة.

وأمّا المطلق فليس له أقسام متفاوتة بالنسبة إلى المفسد العام وهو النجاسة المغيّرة للونه بلونها أو لطعمه بطعمها أو ريحه بريحها بدخولها فيه بعينها ، لا بدخول متغيّر بها ، ولا باكتساب ريح (١) بمجاورتها تغييراً حسّيّا بحيث يدركه الحسّ ، وإن لم يميّزه ؛ لغلبة صفة عارضة عليه كصبغ الحمرة ، ووقوع الملح أو جيفة طاهرة تغلب صفتها صفتها ، لا تقديريّاً محضا كبول يساوي الماء لوناً أو طعماً بحيث لو فرض مخالفة وصفه

__________________

(١) بدل كلمة «ريح» في «ح» صفة منها.

٣٩٨

دخل في المحسوس ، لا مع فرض أعلى مراتبه ، ولا وسطها ، ولا أدناهاً.

ولو كسبت نجاسة أخرى وصفا ، فغيرّت بالوصف المكتسب عدّ من التغيير على الأقوى.

ولو وقعت ضروب من النجاسات ولم تغيّر ، ولكن علم أنّها مع اتّحاد النوع يظهر لها التغيير فهو من التقدير. والصفات اللازمة كالرائحة الكبريتيّة (١) يقوى لحوقها بالعارضة.

والمتغيّر إن غيّر بصفته فلا اعتبار به ، وإن غيّر بصفتها العارضيّة قوي لحوقه بحكم التغيير ، ولو حصل الاشتباه في أصل التغيير أو منشإه بنى على التطهير.

ولا فرق هنا بين المعتصم وغيره ، إلا أنّ غير المعتصم بأحد العواصم يفسده التغيير بتمامه كما يفسده غيره ، وأمّا المعتصم فيختصّ بالتنجيس منه البعض المتغيّر دون الباقي ، مع عدم انقطاع العمود بين العاصم وبين السالم بوجود أقلّ واصل.

ومتى بعث الامتزاج بالنجاسة المتساوية في الوصف على الخروج عن اسم المائيّة كان كسائر النجاسات مع غلبة اسمها عليه وجرت أحكامها عليه. ومع الخروج عن الاسمين تثبت المتنجّسة ، وتخرج عن الحكمين.

ولو امتزج مع المطلق ما يخرجه عن الإطلاق إلى الإضافة دخل في قسم المضاف. ولو تغيّر الماء بغير الصفات الثلاث من صفات النجاسة من ثقل وخفّة وحرارة وبرودة وغلظ ورقّة لم يحكم عليه بالتغيير.

وليس المدار في التغيير على إدراك الحواسّ القاصرة ، ولا على القويّة النادرة ، بل على ما هو المعتاد بين العباد ، وفاقد الحاسّة يرجع إلى التقليد ، وإذا تعارضت عليه النقلة ولا ترجيح ، عمل على الطهارة ، ومع الترجيح بالعدالة وخلافها والكثرة وخلافها وتعارض المرجّحين الشرعيّين يأخذ بالراجح (ومع فقد الرجحان يأخذ بقول المثبت) (٢).

ولو شكّ في ذهاب التغيير بعد ثبوته بنى على بقائه ، وبالعكس بالعكس. ويثبت

__________________

(١) في «س» ، «م» : الكريهة.

(٢) ما بين القوسين ليس في «س» ، «م».

٣٩٩

وجوداً وارتفاعا بخبر العدل أو العدلين على اختلاف الرأيين أو صاحب اليد ولو بوجه النيابة به أو بوجه الغصب في وجه قويّ ، وبالنسبة إلى ما عدا التغيير ينقسم إلى أقسام تختلف بها الأحكام :

أحدها : الجاري ، ويعتصم قليله وكثيره ، وهو السائل النابع من الأرض ؛ لتكوّنه فيها بالأصالة أو لعروضه بنفوذ ماء سائل أو مستقرّ أو ثلج أو نحوها في أعماق الأرض بحيث لا ينقص عن كرّ فما زاد ، أمّا ما كانت مادّته قليلة كبعض الثمد فليس بحكمه أو تكوّنه على ظهرها من ثلج مع تكثّر سيلانه دون قلّته فإنّ عصمته تتوقّف على بلوغ الكرّية كالراكد ، والثمرة تظهر فيما يتعلّق من السنن باسمه.

والنازّ من الجدار إن انتهى إلى منبع الأرض ساواه في الحكم ، وإلا فلا.

وكلّما ساواه بالنبع دون السيلان ولم يكن بئراً كمياه العيون وماء النزّ على وجه الأرض مع المكث ، ونحوها نحوه ، وما جرى لا عن نبع ليس منه ، وما ينبع مرّة وينقطع أخرى يختلف حكمه باختلافه.

ولو جهل حاله وقت إصابة النجاسة بني على العصمة في طهارته ، وتطهيره المتفرّع على الطهارة ، ولو أصيب بعد الانقطاع فنبع طهر السابق بمجرّد الاتّصال ، ومع التغيير بعد زواله ، ولو أصابته حال الجريان ، وبقيت إلى الانقطاع نجّسته.

ولو شكّ في أنّه ذو منبع أو لا ، بنى على العدم ، بعكس ما لو علم وجود المنبع ، وشكّ في انسداده. ولو سال من العيون أو الابار ولو من بعض إلى بعض كالقنوات كان من الجاري ، ولا فرق فيه بين كونه متصاعداً بفوّارة ، وغير متصاعد.

ولو تغيّر بعضه فإن قطع التغيير عمود الماء نجس المتغيّر والمنفصل ، وإلا اختصّ المتغيّر دون غيره ، وما ركد من بعض حواشيه ، أو اتّصل به من خارج يجري عليه حكمه وتتأتّى به السنّة وما انفصل بقطع العمود بالتغيير إذا اعتصم بالكريّة فهو معصوم.

ولا يحتسب ما جرى فيه من الجاري كالجاري بعد انسداد المادّة ، وما كان منحدراً من ماء بئر متنجّس نجس ما جرى منه إن لم يتّصل بالمادّة الأرضيّة ، ولو بأدنى واصل. ولو كانت طاهرة أو مختلفة يطهر مرّة وينجس أخرى حكم (بطهاريّته دون مطهّرية

٤٠٠