كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء - ج ٢

الشيخ جعفر كاشف الغطاء

كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء - ج ٢

المؤلف:

الشيخ جعفر كاشف الغطاء


المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-953-4
الصفحات: ٤٦٣

والغسل شرط للجواز ، واجب مع الوجوب ، ومندوب مع الندب. والعاصي بقرائته يجب عليه وعلى المستمع له السجود ، وإن كان عاصياً باستماعه.

ولو أجبر على قراءة سورة منها على التخيير احتمل وجوب اختيار القصيرة ، أو على أية كذلك احتمل وجوب اختيار غير آيات السجدات ، مع المساواة أو مطلقاً.

وأمّا آيات السجدات فالظاهر عدم التفاوت فيها ، والأحوط اختيار القصيرة ، والظاهر استباحة القراءة بالتيمّم ، ولو خيّر جبراً بين قراءة سورة مكرّرة مرّتين أو أكثر ، وبين التعدّد مع اختلاف السور ، أو بين قراءة أبعاض السور ، وبين السورة تامّة مع التساوي احتمل ترجيح الأوّلين (١) وبين الاستقامة والتكسير يقدّم الأخير.

ويستوي منسوخ الحكم منها وغيره ، وأمّا منسوخ التلاوة مع فرضه فلا بأس به.

ومنها : الصوم مطلقاً واجباً أو لا ، رمضانيّاً أو قضائه أو لا ، ونفي الشرطيّة في الندب لا يخلو من قوّة. وهو واجب للواجب شرط فيه ، ومندوب للمندوب ، ووجوبه موسّع من غروب الحمرة المشرقيّة إلى بلوغ زمان لا يزيد على مقدار فعله وفعل مقدّماته قبل الصبح ، فيتضيّق حينئذٍ.

ولو أتى به من ليس في ذمّته مشروط به في شهر رمضان قبل المغرب ، ولو بعد الغروب كان أتياً بالمندوب ، فمن لم يصبح متطهّراً من جنابته عمداً بطل صومه ، والناسي كالعامد ، وغير العالم بالموضوع والمجبور لا شي‌ء عليهما ، ولا يلزم عليه البدار في النهار إذا ارتفع العذر فيه ، وإن كان الاحتياط فيه كمن احتلم أو جامع ناسياً في النهار.

ولو تعمّد الجنابة بزعم بقاء الوقت أو أخّر الغسل لذلك الزعم ، فظهر الصبح صحّ صومه في المعيّن ، ولو بقي زمان التيمّم للمهمل أو المعذور قام مقام الغسل في الأخير منها ، وفي الأوّل على إشكال. ويجب عليه البقاء متيقّظاً إلى الصبح.

ولو نام عازماً على البقاء أو متردّداً في وجه قويّ ، فكالعامد في لزوم القضاء والكفّارة ، ولو نام مرّة أُخرى بعد النوم المسبوق بالجنابة أو المقترن بها فكالعامد أيضاً في

__________________

(١) في «س» ، «م» : الأوّل.

١٨١

خصوص القضاء.

والظاهر مساواة غسل الحيض وغسل النفاس لغسل الجنابة في جميع الأحكام السابقة ، وفي هذا المقام أبحاث تجي‌ء بحول الله تعالى في كتاب الصيام.

المقام الرابع : في السنن والآداب

وهي أُمور :

منها : غسل الكفّين من الزندين ، وأفضل منه من نصف الذراع ، وأفضل منهما من المرفقين ، والظاهر اختصاص الجنابة بالأخيرين ثلاث مرّات ، كما يستحبّ لحدث النوم مرّة ، وللبول مرّة أو مرّتين على اختلاف الوجهين ، وللغائط مرّتين ، ومع الاختلاط في الصور السبع يقوى دخول الأقلّ في الأكثر ، والاكتفاء بحكم الواحد للمتساويين ، ومع منع التداخل أقلّ المراتب مرّتان إن اكتفى في البول بالمرّة ، وإلا فثلاث ، وأكثرها سبع على الأوّل ، وثمان على الثاني ، ولو اقتصر على بعض السنّة اختياراً أو اضطراراً فالأقوى أنّه يستحقّ بنسبته من الأجر.

ومنها : المضمضة والاستنشاق وقد مرّ الكلام في معناهما ثلاثاً ثلاثاً ، ولو قيل برجحان زيادة التعمّق هنا فيهما وفيما قبلهما لم يكن بعيداً ، ولو اقتصر على بعض العدد اختياراً أو اضطراراً لم يبعد ترتّب الأجر عليه بنسبته ، وفي لزوم الترتيب بغسل اليدين ثم المضمضة ثم الاستنشاق والتعقيب بين الأصناف (١) والأبعاض. والنيّة ، والمباشرة حتّى لو أخلّ أعاد بوجه يشتمل على ما فات من الصفة وفي جواز اقتران النيّة بأحدها وتظهر الثمرة ظهوراً بيّناً على القول بالإخطار وجه قويّ. وقد مرّ الكلام في مثله.

ولو جعل المتقدّم متأخّراً على القول بلزوم الترتيب ، ولم يكن مشرّعاً لصدور ذلك عن عذر اكتفى به ، وأعاد المتأخّر على الأقوى ، وفي إجراء حكم التسمية المقرّرة في

__________________

(١) في «س» ، «م» : الأطراف.

١٨٢

الوضوء في الأغسال مطلقاً أو في خصوص الرافعة وجه ، وعليه فتكون مستثناة من قراءة الجنب والحائض لو كرّهناها مطلقاً ، أو يبنى على اختلاف الجهة.

ولو أطلق البسملة فلا بحث ، ولو عيّنها من سورة غير (١) العزائم أتى بالوظيفة إن قلنا بالتداخل ، بخلاف ما إذا عيّنها منها ، وكذا في أجزاء الدعوات الموظّفة عند غسل (٢) اليدين ، وإدخال اليد في الماء والمضمضة والاستنشاق في وجه قريب ، والأحوط قصد مطلق الدعاء مع الإتيان بها دون الخصوصيّة.

ولو قصر الماء عن المضمضة أو الاستنشاق احتمل التخيير ، وترجيح المضمضة ، والظاهر تقديمهما (٣) على غسلات الكفّين والسنّة في الوضوء والغسل.

ومنها : أن يقول عند غسل الجنابة قبل الشروع فيه مع المقارنة لأوّله ويحتمل الإطلاق في القبل والبعد بلا فصل معتبر والمقارنة : «اللهم طهّر قلبي وتقبّل سعيي ، واجعل ما عندك خيراً لي اللهم اجعلني من التوّابين ، واجعلني من المتطهّرين» وروى بنحو آخر (٤) ، وإجرائه في باقي الأغسال الرافعة أو مطلقاً غير بعيد ، غير أنّ الإتيان بمثل ذلك بقصد مطلق الدعاء أولى.

ومنها : الاستبراء بعد تحقّق خروج المني ، يعني الاستبراء بالبول ولو قليلاً ، أو بعضه مع حبس الباقي في وجه قويّ ، (ولا اعتبار للخارج من غير البول إلا مع العلم بحصول البراءة منه) (٥) ولا بالمشكوك (٦) في خروجه أو بوليته وإن كان لعدم الاستبراء من البول الواقع قبل خروج المني.

واستحبابه مخصوص بالذكر مع خروجه من مخرج البول المعتاد ولو غير الذكر (٧) ،

__________________

(١) في «س» : بين.

(٢) في «س» ، «م» : عند الغسل.

(٣) في «س» ، «م» : تقديمها

(٤) الكافي ٣ : ٤٣ ح ٤ ، التهذيب ١ : ١٤٦ ب ٦ ح ٤١٤ ، الوسائل ١ : ٥٢٠ أبواب الجنابة ب ٣٧ ح ١.

(٥) ما بين القوسين زيادة في «ح».

(٦) في «س» ، «م» : ولو شك.

(٧) في «س» ، «م» زيادة : لم يكن مجزياً.

١٨٣

وخروج البول من مخرجه ، ولو اختلف المخرجان لم يتحقق استبراء.

وهو مستحبّ لغيره ، للحفظ من حصول الحدث ، والحكم على البدن أو الثوب بالنجاسة ، وعليه أنّ البدن والثوب لو كانا ملوّثين ولم يكن عازماً على الغسل سقط استحبابه ، ويحتمل الاستحباب لنفسه ، فلا فرق.

وليس على الأنثى استبراء ، قيل : لأنّ مخرج بولها غير مخرج منيّها (١) ، وهذا إنّما ينفي استبراء البول دون الخرطات ، ولا يستبعد استحبابه لها بالخرطات ، والتعصير والتنحنح.

والخنثى إذا اتّحد مخرج بولها ومنيّها وكان ذكراً فالظاهر ثبوت الاستبراء لها ، ويقوى ذلك مع العلم بأُنوثيّتها وإشكالها ، ولو اختلف سقط ، ولو علمت ذكوريّتها علمت.

ولو عجز عن البول أغنت الخرطات كما في استبراء البول عنه ، ولو عادت القدرة من دون فصل كثير أو حركة كذلك لزم الاستبراء بالبول ، ولو منع منه أو ذهل أو نسي بقي حكمه ، وطول الفصل وزيادة الحركة بحيث يحصل الأمن من بقاء شي‌ء منه في الذكر مغنيان عنه ، ولا يدخل الاستبراء في تعمّد الجنابة ، فلا بأس به للصائم.

وإذا خرج المني من ثقب بين الدبر والذكر أو من وسط الذكر انتهى الاستبراء إلى محلّ الخروج ، ولا يبعد استحباب الاستبراء بمجرّد احتمال الإنزال ، ولو شكّ في الاستبراء وكان من عادته أو كان كثير الشك فلا يلتفت. ومن خرج من ذكره دم سائل ثم انقطع أمكن القول باستبراء الخرطات فيه كالبول.

والغرض من الاستبراء دفع ما يحتمل تخلّفه في المجرى من المني ، فالاستبراء على دائم التقاطر وإن سقط اعتباره من جهة البول ، لا يسقط من جهة المني ، ويحصل الاستبراء عنه به.

ومنها : إمرار اليد أو ما يقوم مقامها مع المأذونيّة شرعاً وفي استحباب إمرار اليمين على الذكر أو غيره من العورة وجه قويّ وتخليل ما يصله الماء لتحصيل العلم ؛ لأنّ

__________________

(١) الروضة البهيّة ١ : ٣٥٤.

١٨٤

الظنّ القويّ كاف.

وقيام الغير بالتخليل والدلك مقيّد مع العجز دون الاختيار ، ثم إنّه إنّما يتمشّى في المتقدّم قبل الدخول في المؤخّر. وفي كونهما من السنن المستدعية للنيّة زائداً على الأصل وجه ، وفي دخوله ودخول غسل الكفّين والمضمضة والاستنشاق تحت نذر الغسل وعهده وجهان مبنيّان على الدخول وعدمه ، ويجري مثله في الوضوء.

ولو توقّف الحكم بالاستيعاب عليه وجب ، والأقوى خروجه ، ويجري الحكم في جميع الأغسال بل الوضوءات من الواجبات والمندوبات ، ولا يجري في غسل الارتماس إلا قبل الخروج من الماء ، إذ لا أثر له بعد الخروج على قولنا من أنّه عبارة عن الكون الواحد تحت الماء.

ويترتّب في الدلك والتخليل على نحو ترتيب الأعضاء ، ولو بلغ في الاطمئنان إلى حدّه سقط اعتباره ، ويحتمل استحبابه ؛ لأنّه من شأنه حصول الاطمئنان ، ولإظهار العبوديّة ، وللاعتياد على الاحتياط.

ومنها : استحضار العبوديّة والانقياد في تمام الفعل ) كسائر المركّبات من العبادات.

ومنها : الإسراع في الإتيان به ، وعدم المبيت على الجنابة إلا مع إرادة العود إليها.

ومنها : طلب ماء ومكان وزمان لا ارتياب فيها من شبهة إضافة أو نجاسة أو تحريم أو معارضة لأمر مهّم ونحو ذلك.

ومنها : أن يكون بالماء الفرات ، وأفضله شطّ الفرات مع النزاهة.

ومنها : أن يكون بصاع ، وهو على الأصحّ أربعة أمداد ، والمدّ رطلان وربع بالعراقي ، ورطل وثمن بالمكّي ، ورطل وثلث وثلثي الربع بالمدني. والرطل العراقي مائة وثلاثون درهماً ، وكلّ عشرة دراهم سبعة مثاقيل شرعيّة.

والمثقال الشرعي عبارة عن الذهب الصنمي وهو عبارة عن ثلاث أرباع المثقال الصيرفي ، فيكون الرطل عبارة عن واحد وتسعين مثقالاً شرعيّا ، وهي ثمانية وستّون

__________________

(١) في «س» : الغسل.

١٨٥

مثقالاً صيرفيّة وربع ، ينقص عن الأُوقية العطّاريّة النجفيّة سبعة مثاقيل إلا ربعاً ؛ لأنّها عبارة عن خمسة وسبعين مثقالاً صيرفيّاً.

فيكون الصاع عبارة عن ستّمائة مثقال صيرفيّة ، وأربعة عشر مثقالاً وربع فيكون عبارة عن حقّتين بالعطّاري وأربعة عشر مثقالاً وربع.

ويحتمل دخول المقدّمات فيه ، وعن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من استقلّ ذلك فهو على خلاف سنّتي ، والثابت على سنّتي معي في حظيرة القدس» (١) وفي تخصيص الحكم فيه بمستوي الخلقة ، ويؤخذ في غيره بنسبته وجه قويّ.

ومنها : إرخاء الشفتين ، والجفنين ، وحلقة الدبر ، وعدم ضمّ الشفتين ، والأصابع ، والبحث عمّا تحت الأظفار والمغابن ، وثقب الأذن والأنف ، والحاجب من حليّ وكحل وخاتم ، ورمص عين وضعيف خضاب ، ودسم ووسخ تحت الأظفار ، أو في الأقدام أو حول المرافق ، وطين ملتصق بباطن الأقدام ، ونحو ذلك زائداً على قدر الواجب من المظنّة.

ومنها : الاتّزار وقت الغسل في حال الارتماس والترتيب ولا سيّما تحت السماء.

ومنها : توزيع الصاع على الأعضاء ، وإعطاء كلّ واحد ما يناسبه ، ولو خصّ البعض بالزائد على ما يناسبه ربما فاتت السنّة.

ومنها : اختيار الترتيب على الارتماس وتجنّب الترتيب بالرمس احتياطاً.

ومنها : ائتمان النائب لو عجز عن المباشرة فيما يخفى على بصره ، والظاهر عدم الاجتزاء إلا بالعدل من المسلمين مع عقله وبلوغه إلا مع النظر إليه ، والظاهر جريان جميع ما مرّ من السنن في جميع الأغسال سوى الاستبراء.

المقام الخامس : في المكروهات للجنب وهي أُمور :

منها : استعمال الماء المتعفّن لطول زمانه أو لعارض أو سؤر غير مأكول اللحم من

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٣ ح ٧٠ ، الوسائل ١ : ٣٣٨ أبواب الوضوء ب ٥٠ ح ٦.

١٨٦

فضل شربه وإصابة فمه أو جسمه على اختلاف تفسيره وما أصابه حيّة أو فأرةً أو عقرب أو وزغ أو متّهم بالنجاسة ، وما فيه شبهة نجاسة أو تحريم أو إضافة ومثله شبهة المكان والظرف والمصبّ.

ومنها : الأكل والشرب بما يسمّى أكلاً وشرباً عرفاً ، فلا عبرة ببقايا الغذاء ، ولا بالباقي من رطوبة الماء ، والظاهر تمشية الكراهة بالنسبة إلى جميع ما يصل إلى الجوف من أيّ منفذ كان من أنف أو أذن أو من محلّ الحقنة أو غيرها.

والمدار على وصول الجوف ، فلو أدخل شيئاً جنباً ، ثم ابتلعه طاهراً فلا كراهة بخلاف العكس ، وتحصل الكراهة بكلّ لقمة وشربة لا بكلّ جرعة على الأقوى.

وتندفع الكراهة بالوضوء كوضوء الصلاة ، غير أنّ الظاهر أنّه ليس عبادة ، ولا ينقضه الحدث ، ولا يحتاج إلى نيّة ، وفيه المضمضة والاستنشاق ، وليس فيه تلك الوظائف من الأذكار والقراءة والدعاء.

وتخفّ الكراهة بغسل الكفّين والمضمضة والاستنشاق وغسل الوجه ، ولو أتى ببعضها خفّت الكراهة على مقداره. والأقسام العشرة أفضلها عاشرها.

ولا يقوم التيمّم مقام الوضوء ، مع تعذّر استعمال الماء ، والظاهر الاكتفاء بالإتيان بذلك مرّة ، ولا حاجة إلى الإعادة بطول الفصل أو بالعود إلى الأكل والشرب على الأقوى.

ومنها : النوم قبل الوضوء ، فإنّه مكروه للجنب ، وترك مستحبّ في غيره ، والظاهر أنّه تخفيف لكراهة النوم قبله لا رفع ، والأولى أن لا ينام حتّى يغتسل.

ومنها : الخضاب في اللحية بالحمرة أو السوَد ) ، أو الرأس والكفّين ، والظاهر اشتداد الكراهة بزيادته ، فيكره الخضاب للجنب والجنابة للمختضب ، وتخفّ كراهة الجنابة إذا تمّ أثر الحناء.

ومنها : قراءة شي‌ء من القرآن وإن قلّ ، وتشتدّ ببلوغ سبع آيات ، وأشدّ منها قراءة.

__________________

(١) السوَد : السواد ، لون معروف. المصباح المنير : ٢٩٤.

١٨٧

سبعين أية من غير العزائم أمّا منها فيحرم كما مرّ. وفي لحوق الحكم بالتكرار لذلك المقدار بحث ، ولو كرّر مشتركا كالبسملة ونحوها قاصداً سورة واحدة ، كان مكرّراً ، وإن قصد سوراً متعدّدة كان أتياً بآيات مختلفة.

ولو قرأ شيئاً من الآيات سهواً أو نسياناً أو لعذر من الأعذار يرفع الكراهة ، ثمّ ارتفع العذر فقرأ ، فهل يضاف إليه ما سبق أو لا ، وجهان أقواهما العدم. والظاهر أنّها كراهة عبادة ، لا تنافي حصول الأجر بالقراءة وإن قلّ ؛ فلو اغتسل ثم قرأ كان أكثر ثواباً. وقد يراد حصول الأجر على الترك لا من حيث هو ترك ، بل لأجل التكريم والتعظيم.

ولو فرّق الآيات أو الكلمات أو الحروف لم ترتفع الكراهة مع بقاء الاسم ، ومنسوخ الحكم داخل في الحكم دون منسوخ التلاوة ، وتتفاوت مراتب الكراهة بتفاوت الأفضليّة والأكثريّة.

ولو ألحق بها قراءة المحترمات من الأحاديث القدسيّة وغيرها من الروايات ، والدعوات والزيارات وذكر المعظمّة من الأسماء والصفات ، مع أخفّيّة الكراهة أو أشدّيتها على اختلاف مراتبها مع استثناء ذكر الله تعالى ؛ لأنّه حسن على كلّ حال ، أو بدونه ؛ لأنّ أقلّيّة الثواب لا تنافي كراهة العبادة كان قويّاً.

ومنها : الدخول إلى المواضع المعظمّة ، ولمس الملموسات المحترمة ممّا لم يدخل في المنع.

ومنها : الجماع قبل الغسل ، وتغسيل الميّت قبله.

ومنها : الحضور عند المحتضر ، والدخول مع الميّت في قبره.

ومنها : صلاة الجنازة وسجود الشكر والتلاوة.

القسم الثاني : غسل الدماء المخصوصة بالنساء ، وفيها مطالب

[المطلب] الأوّل : في أقسامها وهي ستّة :

الأوّل : دم الحيض ؛ وهو في الغالب بالنسبة إلى اللون وهو أقوى من غيره أسود

١٨٨

ودونه الأحمر ، ثمّ الأشقر ، ثم الأصفر ، وبالنسبة إلى غيره حار عبيط أي طريّ غليظ ، منتن يخرج بقوّة ، ودفع ، وحرقة ، ولذع.

وقويّ كلّ صفة مقدّم على ضعيفها ، وسابقتها في أحد القسمين على لاحقتها ، ومتعدّدها على مفردها ، وأكثرها على أقلّها عدداً لتكرّره على أكثرها ، ومع ضعف السابق أو قلّته وصفاً ، وقوّة اللاحق أو كثرته لا بدّ من مراعاة الميزان.

يعتاد النساء في كلّ شهر مرّة أو مرّتين غالباً ، وقد يتخلّف عن الصفات الغالبة ، والأوقات الموظّفة ، فيثبت ببعض الشواهد الخارجة.

والسبب في عروضه للنساء بعد أن لم يكن ، أو كثرته فيهنّ بعد ندرته ؛ لعروضه لهنّ في السنة مرّة سابقاً ، على اختلاف الروايات.

روي فيه : «أنّ سبعمائة منهنّ تزيّنّ وتطيّبن ، ولبسن لباس الرجال ، واختلطن بهم ، فعرض لهنّ أو كثر عليهنّ ، فخجلن واحتجبن» (١).

والأصل في حكمته تغذّي الولد به في بطن أُمّه ، وكأنّه كان تغذّيه قبل حدوثه (بالمرّات أو بالنحو المعتاد) (٢) كما نقل عن القرون الماضية (٣) بغيره أو منه ، وإن لم يخرج إلى خارج أو كان في تلك الأوقات مستغنياً عن الغذاء بحكم خالق الأرض والسماء ، وما زاد على الغذاء فقد تقذفه الحبلى على أصحّ القولين.

وعند قرب الولادة يستحيل لبناً خالصاً مودعاً في ما حول الثديين لتغذيته ولذلك ينقطع غالباً بعد الولادة. ومن فوائده ترطيب الرحم ، ودفع الخشونة عنه دفعاً للأذيّة عنه أو عن الولد ، ودفع ضرر البدن بدفع الحرارة أو غيرها من الآلام عنه باندفاعه ؛ ولذلك كان احتباسه دليل فساد المزاج.

ومن فوائده تنبيه الإنسان عن غفلته ومعرفته مقدار منزلته إذ كان متلوّثاً به متغذّياً منه ، وحبسه عن الجماع ، ليعرف مقدار النعمة بفقدها ، ومعرفة النساء كمال الرجال

__________________

(١) الفقيه ١ : ٤٩ ح ١٩٣ ، علل الشرائع ١ : ٢٩٠ ب ٢١٥ ح ٢ ، الوسائل ١ : ٥٥٠ أبواب الحيض ب ٩ ح ٣.

(٢) بدل ما بين القوسين في «ح» : بالمرّة أو بالنحو المعتاد.

(٣) الفقيه ١ : ٤٩ ح ١٩٣ ، علل الشرائع ١ : ٢٩٠ ، الوسائل ١ : ٥٥٠ أبواب الحيض ب ٩ ح ٣.

١٨٩

ونقصهنّ فيرغبن إلى طاعتهم ، وامتحان الطرفين بتكاليف أشدّها تجنّب أرباب الشبق منهم ومنهنّ عن الجماع إلى غير ذلك.

وله خواصّ يمتاز بها عن جميع الدماء وآخر يشاركها فيها ، فمن القسم الأوّل تحديد أقلّه بثلاثة أيّام متوالية يستمرّ فيها الدم من مبدئها إلى ختامها ولو في باطن الرحم. فتحديد الأقلّ وتثليث أيّامه ، وتواليها على الأقوى لا مجرّد كونها في ضمن العشرة واستمرارها من خواصّه (١).

ومن القسم الثاني ما يشترك بينه وبين النفاس ، وهو تحديد الأكثر وكونه عشرة أيّام ، والظاهر عدم اعتبار الاستمرار فيها ، والظاهر هنا وفيما سبق البناء على التلفيق والتكميل في المنكسر منهما ، والليالي المتوسّطة داخلة فيهما ، والواقعتان على

الحدّين كالأُولى والرابعة والأُولى والحادية عشر خارجتان عنهما ، ولا تصلحان (٢) مكمّلين للكسور على إشكال. وفي الجمع بين حكم الاحتساب للمنكسر يوماً تامّاً ، وبين التلفيق وبين الطرح ، رفع للشبهة وأخذ بالاحتياط.

ومنها : ما لا يشاركه فيها سوى الاستحاضة ، وهو التميز بالصفات في بعض الأوقات. ودم الحيض دم معروف عند النساء متميّز عندهنّ تميز البول والمني. وقد يقع فيه الاشتباه ، فتحال معرفته إلى من يعلم ما في الأرحام ، ويرجع في بيانه إلى أهل العصمة عليهم‌السلام.

الثاني : دم الاستحاضة.

وهو في الغالب أصفر ودونه في الغلبة الأشقر ثم الأحمر ثمّ الأسود ، بارد فاسد رقيق سليم من النتن فاتر سالم من الحرقة والدفع واللذع مضادّ في الصفات لدم الحيض فكلّ مرتبة مقدّمة في الحيض مؤخّرة فيه وبالعكس ، وتجي‌ء في تعدّد الصفات ووحدتها وضعفها وقوّتها نظير ما تقدّم في الحيض.

__________________

(١) في «ح» زيادة : ومع تعذّر الاختبار في التوالي والاستمرار يحكم بالحيض والظاهر وجوبه مع الإمكان.

(٢) في «ح» : وتصلحان.

١٩٠

يخرج من عرق يسمّى العاذل بالذال المعجمة محلّه في أقصى الرحم لأحدّ لقليله ولا لكثيره ، ولا اعتبار للوصف في غير هذين القسمين ، وفاقدة إحدى حواسّ البصر أو الشمّ أو اللّمس أو المعرفة ترجع إلى الواجدة ، مع العدالة أو حصول المظنّة الباعثة على الاطمئنان ، ومع الاختلاف تأخذ بالترجيح ، والظاهر وجوب الرجوع ، ومع التعذّر ترجع إلى القواعد الاتية.

الثالث : دم النفاس :

وهو ما يخرج مع ولادة ما هو إنسان ، أو مبدء إنسان علقة فما فوقها على أصحّ القولين ، أو بعدها متّصلاً أو منفصلاً بما لا يزيد على عشرة أيّام ، وهو من فاضل دم الحيض على نحو ما مرّ ، ومن هذا يظهر أنّ الغالب كونه بصفات دم الحيض ، وإن لم تكن معتبرة فيه ، فالحكم يدور مدار وجوده بأيّ صفة كان ، ولا حدّ لقليله ، وهذه الأقسام الثلاثة لها حدود ، وأوقات دون ما عداها.

الرابع والخامس والسادس : دم العُذرة :

وهي البكارة ودم الجُرح ودم القَرح الخارجان من الرحم ، وليس لهذه الثلاثة رجوع في تميزهنّ إلى صفات ولا إلى أوقات.

المطلب الثاني : في حصول الاشتباه بين أنواع الدماء ما عدا دم الحيض ،

وينحصر النظر فيه في مقامين.

[المقام] الأوّل : في المقدّمات

دم النفاس بعد تحقّق الولادة أصل لما عداه ممّا يحتمل حدوثه من الدماء ، وقبله ما عداه أصل له ، كما إذا شكّ في أنّ الخارج إنسان أو مبدأ إنسان أو غيرهما.

ودم الاستحاضة أصل بالنسبة إلى دم العذرة والجُرح والقَرح ، مع عدم تحقق

١٩١

أسبابها أو مع عدم تحقّق دمائها ، وأمّا مع تحقّق (١) أحدهما فهي أصل له على تأمّل في تحقّق الأسباب فقط ، وقد يقال بأنّ كلّ دم مستصحب أصل بالنسبة إلى غيره ممّا يحتمل حدوث سببه أو حدوثه ، وأمّا مع احتمال الحدوث وفقد السبب أو جهله قِدَم الاستحاضة هو الأصل ؛ لأنّه من الدماء الطبيعيّة.

المقام الثاني : في بيان أحوال التعارض وهي أقسام :

الأوّل : اشتباه دم النفاس بدم الاستحاضة ، وحكمه تقديم دم النفاس مع القطع بالولادة وخروج الدم استصحاباً ، وكذا مع القطع بها دونه عملاً بالظاهر ، وفي الترجيح بموافقة وصف دم الحيض مع حصول الشكّ ؛ لأنّه دم حيض تخلف في الرحم ، لتغذية الولد وجه غير أنّ الظاهر من الأخبار خلافه (٢).

الثاني والثالث والرابع : اشتباهه بدم البكارة كأن حملت وهي بكر بالمساحقة ونحوها ، وفضت بكارتها بالولادة ، وبدم الجُرح والقَرح ، والحكم في الجميع تقديمه مع القطع بالولادة ، وتقديم غيره مع الشكّ فيها.

ولو علمت الولادة وشكّ في الدم مع سبق الدم من غيرها ، فلا يبعد ترجيح الظاهر ، وهو دم الولادة ، ويحتمل جريان حكم الاختبار بالتطويق وعدمه ، والخروج من الأيسر وخلافه ، على نحو ما سيجي‌ء من التعارض بينها وبين الحيض.

الخامس والسادس : اشتباه دم العُذرة بدم الجُرح أو القَرح ، ويقدّم هنا معلوم السبب على مجهوله ، ومعلوم الدم على مجهوله ، ومع التساوي يرتفع التميز ، ويمكن القول بأصالة دم العذرة مع حصول الأسباب ؛ لأنّه كالطبيعي ، ويمكن القول باختبار العُذرة بتطويق القطنة وعدمها حيث لا يكونان كالطوق ، وحيث لا يكون الدم كثيراً منصباً يمنع عن التطويق والجرح والقرح بالخروج من الأيمن أو الأيسر ، كما سيجي‌ء في مسألة اشتباه الحيض ، والثمرة هنا وإن كانت ظاهرة لكنّها قليلة.

__________________

(١) في «س» ، «م» : عدم تحقق.

(٢) الكافي ٣ : ٩٨ ح ٣ ، ٤ ، التهذيب ١ : ١٧٥ ح ٤٩٩ ، الوسائل ٢ : ٦١٢ أبواب النفاس ب ٣.

١٩٢

السابع : اشتباه دم الجُرح بدم القَرح ، ولا مائز هنا إلا إذا علم تطويق أحدهما دون الأخر ، فلا تعلم حاله أو يعلم عدم تطويقه ، وأنّى لنا بذلك ، ولا ثمرة يعتّد بها.

الثامن والتاسع والعاشر : اشتباه دم الاستحاضة بدم العُذرة أو الجُرح أو القَرح ، وهو أصل بالنسبة إليها ما لم تعلم دمائها ، فإن علمت واستصحبت عمل عليها ، ولو علمت أسبابها فلا يبعد تقديمها أيضاً عليها.

ويقوى في النظر الرجوع إلى التطويق وعدمه ، وأمّا اعتبار الخروج من الجانب المعدّ للجروح والقروح فبعيد ، والأقوى الرجوع إلى أصالة الطهارة من الحدث ، فتنتفي الاستحاضة مع العلم بالأسباب ، مع العلم بالدم وبدونه.

فإن لم يكن علم بالأسباب ولا بالدم فالحكم بالاستحاضة ؛ لأنّها أصل كما يظهر من التتبع ، وإذا تعذّر الاختبار رجع إلى الأصل ، ويكتفى بشهادة عدول أربع من النساء في تعيين الدم ، ولا يبعد الاكتفاء بالواحدة مع العدالة ، وينبغي الأخذ بالاحتياط الذي هو طريق النجاة في أمثال هذه المقامات.

المطلب الثالث : في الاشتباه بين الحيض وغيره

وفيه بحثان :

[البحث] الأوّل : في المقدّمات

وفيه فصول :

[الفصل] الأوّل : فيما يمتنع فيه الحيض. وهو ضروب :

أحدها : الصغر فيمتنع حصوله من الصغيرة التي لم تبلغ تسع سنوات ، كلّ سنة عبارة عن اثنى عشر شهراً هلاليّة إن وافقت ولادتها أوّل اليوم الأول من أيّام الشهر ، ويدخل فيها شهر عددي إن حدثت خلال الشهر على الأقوى ؛ ويحتمل الاكتفاء بتكميل الأيّام الفائتة من الشهر الثاني وهكذا ، فيكون بتمامها هلاليّةً.

١٩٣

ويحتمل رجوع السنة إلى العدديّة والأقوى ما ذكرناه ، والأخذ بالاحتياط أسلم ، ويكتفى بالتلفيق في اليوم المنكسر على الأقوى ، ويحتمل إلغاؤه فلا يحتسب من الأيّام ، واحتسابه يوماً تامّاً ، والتفصيل بين القليل والكثير في الاحتساب وعدمه ، والتلفيق وعدمه ، وفي احتساب وقت خروج بعض الولد من اليوم وجه ، والأوجه خلافه.

ويثبت البلوغ بالقرائن العلميّة ، والعلامات الشرعيّة ، والأخبار القطعيّة ، وشهادة العدلين من الرجال ، وأربع من عدول النساء فيما لا يمكن اطّلاع الرجال عليه من العلامات ، وفي الاكتفاء بالعدل الواحد رجلاً كان أو امرأة في ترتيب أحكام العبادات وجه قويّ.

ثانيها : اليأس ويحصل بالطعن بالسنّ ، ويعلم بالقرائن القاطعة متحدة أو متعدّدة كاحديداب الظهر ، وبياض الشعر ، وتقلّص الوجه ، وانهدام الأسنان ، ونحول الجسم ونحوها ، مع العلم باستنادها إلى الطعن في السنّ ، بحيث يساوي العدد المعتبر في اليأس ، أو يزيد عليه.

وببلوغ ستّين سنة هلاليّة ، ويجري فيها مع انكسار الأيّام أو الشهور ما ذكر في مسألة البلوغ ، هذا إن كانت قرشيّة منسوبة إلى قريش ، حرّة كانت أو أمة ، وهو النضر بن كنانة بالأبوين أو بالأب فقط دون الامّ وحدها على الأقوى.

وربما قيل (١) باعتبار نسب الأُمّ هنا لأنّ المدار على أمزجة النساء هاشميّة كانت أو لا ، وإن كان المعروف منهم اليوم من انتسب إلى هاشم بالأُبوّة ، ثم المعروف من بني هاشم من انتسب إلى أبي طالب عليه‌السلام أو العبّاس ، وقد ينتسب بعض في البوادي إلى قريش ، ولا يبعد جريان الحكم فيهم ، أو كانت نبطيّة منسوبة إلى النبط ، وهم في أصحّ الأقوال (٢) قوم كانوا في زمان صدور الروايات ينزلون سواد العراق.

وإلحاق جميع النازلين بقصد التوطّن في كلّ حين غير بعيد ، أمّا النازلون لا بقصد التوطّن فلا يجري عليهم حكمهم ، ولو عدلوا عن التوطّن في سواد العراق ، واتّخذوا

__________________

(١) مدارك الأحكام ١ : ٣٢٢.

(٢) مجمع البحرين ٤ : ٢٧٥ باب ما أوّله النون.

١٩٤

وطناً أُخر أخرجوا عن الحكم ، مع مضي زمان يقتضي تغيّر المزاج أو مطلقاً ، وفي اعتبار انقضاء ستّة أشهر في الوطن الجديد للخروج عن الحكم الأوّل أو الثاني وجه.

(ويضعّف القول بأنّهم قوم ينزلون البطائح بين العراقين ، أو أنّهم قوم من العجم أو أنّهم من كان أحد أبويهم عجميّاً والآخر عربيّاً أو أنّهم عرب استعجموا ، أو عجم استعربوا ، وأن أهل عمّان عرب استنبطوا ، وأهل البحرين نبط استعربوا) (١) ، والأقوى أنّهم في هذا الوقت لا يعلمون ، وبالأصل ينفون.

(ولا يعتبر النسب الشرعي ، فيجري الحكم في ولد الزنا هنا ، وفيما سبق ؛ لأنّ المدار على المزاج ، والمشكوك منهما ينفى عنهما ، والثابت بالإقرار أو بالقرعة يجري عليه حكمهما) (٢) ، وببلوغ خمسين سنة على النحو المتقدّم فيما عداهما.

ويثبت النسب فيهما بالقرائن المفيدة للعلم وبالشياع وشهادة العدلين وفي الاكتفاء بشهادة العدل الواحد ، ولو أُنثى وجه قويّ.

ولو استمرّ الدم من قبل بلوغ الحدّ إلى ما بعد بلوغه ، فإن كان الماضي قبل الحدّ ثلاثة أيّام فما فوقها ولم يكن مانع حكم بكونه حيضاً ، دون ما بعد الحدّ ، وإلا فالكلّ ليس بحيض. ولا يجري هنا حكم تجاوز العشرة وعدمه.

ثالثها : الذكورة ؛ فيمتنع من الخنثى ، ويحكم بأنّ الخارج من فرجها ليس بحيض إذا علمت ذكورتها ببعض العلامات ، ومع الشكّ فيها يشكّ في كون الدم حيضاً ، وينفى بأصل الطهارة من الحدث.

رابعها : النقصان عن ثلاثة أيّام متوالية يستمرّ فيها الدم من أوّلها إلى آخرها ولو في باطن الرحم بعد البروز ابتداء ، ويستعلم بإدخال القطنة ونحوها.

خامسها : الزيادة على عشرة أيّام وحكم المنكسر ظاهر ممّا تقدّم وجميع ما ذكر من السنين والشهور والأيّام لا تدخل فيه الليلتان الواقعتان على الحدّين ، ويدخل فيه الليالي المتوسّطات.

__________________

(١) ما بين القوسين زيادة في «ح».

(٢) ما بين القوسين زيادة في «ح».

١٩٥

سادسها : أن يكون مسبوقاً أو ملحوقاً بحيض أو نفاس قطعيّين ، مع عدم فصل أقلّ الطهر وهو عشرة أيّام.

سابعها : أن يخرج من غير الموضع المعتاد بقسميه الأصلي والعارضي.

الفصل الثاني : في تحقيق الأصل من الدماء الذي يرجع إليه عند الاشتباه.

دم الحيض أصل في الدماء الخارجة من أرحام النساء لملازمته لهنّ غالباً ، وتكرّره عليهنّ دائماً حتّى صار طبيعته من طبائعهنّ ، حتّى أنّهن يحكمن بمجرّد رؤية الدم أنّه دم حيض ، ويميّزنه كما يميّزن البول والمني ، وهو المستفاد من الإجماع والأخبار (١) ، فمن شكّ منهنّ في دم لم يعلم سببه ، ولا استصحب وجوده حكم بأنّه دم حيض ، أمّا لو علم سببه كجرح أو قرح واستصحب وجوده عوّل على الاستصحاب فيه ، ولو شكّ في أنّ الخارج دم أو رطوبة طاهرة أو نجسة عوّل على أصالة الطهارة من الحدث فلا يكون حيضاً.

الفصل الثالث : فيما يستثني من ذلك الأصل

وهو أُمور :

منها : ما يشكّ في قابليّته لاحتمال ذكوريّته كالخنثى المشكل ، ووجوب عمل العملين عليها غير بعيد ، وقد يتصوّر الاشتباه في الممسوح.

ومنها : ما شكّ في قابليّته لاحتمال عدم البلوغ ، ولم يكن شاهد من صفة أو استمرار على نحو خاصّ ونحوهما ممّا يدلّ على أنّه دم حيض.

ومنها : دم الحبلى في غير وقت عادتها ، مع خلوّه عن الصفات والاستمرار عليها وبه يجمع بين الأخبار (٢).

ومنها : ما يكون بين العشرة والعادة مع تجاوز العشرة ، فإنّ الظاهر أنّه حكم ظاهريّ لا قطعيّ.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٨٣ باب جامع في الحائض والمستحاضة ح ١ ، الوسائل ٢ : ٥٤٧ و ٥٥٥ ب ١٢ من أبواب الحيض ح ٢.

(٢) الكافي ٣ : ٩٦ ح ٢ ، ٣ ، الاستبصار ١ : ١٣٩ ح ٧ ، ٨ ، الوسائل ٢ : ٥٧٩ ب ٣ من أبواب الحيض ح ١٠ ، ١١ ، ١٢.

١٩٦

ومنها : الدم المستمر تمام الشهر إذا ما كان من الفواصل بين آحاده أقلّ من أقلّ الطهر يحكم به منه بحيضة واحدة ، مع قيام الاحتمال في الباقي.

ومنها : ما لو كان بين دم العادة وغيره ما نقص عن أقلّ الطهر. ولو كان الدم الثاني بحيث يمكن تكميل أقلّ الطهر منه ، وبقاء ما يساوي أقلّ الحيض أو يزيد عليه فإنّه مع إمكان كون ذلك الزائد على أقلّ الطهر حيضاً لا يحكم بكونه حيضاً.

ومنها : ما زاد على مدّة عادة الأنساب والأقران في مقام الرجوع إليها ، وما زاد على ما في الروايات ممّا نقص عن العشرة في هذه المواضع ؛ فإنّه لا يحكم فيها بالحيض مع الإمكان.

ومنها : ما خصّه الوصف الموافق للاستحاضة.

ومنها : ما قضت به العادة مع حصول مضادّ لها قبل أو بعد ؛ فإنّ ترجيح العادة عليه حكم ظاهريّ على الظاهر ، ولا أثر للإمكان.

ومنها : ما شكّ في كونه حين ابتداء خروجه دماً وإن خرج من المحلّ (١).

ومنها : ما شكّ في أنّه دم خارج من الرحم أو من خارج.

البحث الثاني : في بيان حال اشتباهه مع باقي الدماء

وهو أقسام :

[القسم] الأوّل : اشتباهه بدم النفاس ، وهو مقدّم على دم النفاس ، مع احتمال الولادة وعدم العلم بها ، كما إذا خرج منها ما شكّ في كونه إنساناً أو مبدأ إنسان ، وخصوصاً مع استصحابه لحصوله في العادة قبل احتمال الولادة.

وأمّا مع العلم والقطع بالولادة ، فالحكم بدم النفاس ، مع الخروج مصاحباً للولادة ، أو متأخّراً عنها بأقلّ من عشرة أيّام ، ولا اعتبار هنا بالصفات وغيرها.

[القسم] الثاني اشتباهه بدم العُذرة ؛ والحكم فيه أنّه إن لم يعلم فضّ البكارة ، فالمدار

__________________

(١) في «م» ، «س» زيادة : أو لا.

١٩٧

على أصالة الحيض ، ومع العلم بذلك فلا يخلو من أحوال :

منها : أن يشكّ في الدم المبتدأ ، فلا يدري أنّه من أيّ القسمين.

ومنها : أن يعلم دم العذرة ، ويشكّ في انقطاعه وحدوث دم الحيض ، أو يعلم استمراره ، ويشكّ في اختلاط دم الحيض به.

ومنها : أن يكون الحيض متقدّماً ويشكّ في انقطاعه وحدوث دم العذرة ، ولا شكّ في الحكم ببقاء الحيض في القسم الأخير حتى يثبت خلافه.

وأمّا القسمان الآخران ، فالمرجع فيهما إلى الاختبار بوضع قطنة أو نحوها ولو إصبعاً مع إمكان الاستعلام به وإبقائها بمقدار ما يحصل به الاستظهار بالزمان والمقدار ، والنساء أعرف بذلك ، فإن خرجت مطوّقة ولو من بعض جوانبها فهو من دم العُذرة.

وإذا خرجت مغموسة أو علم أنّ إصابة الدم من الجانب المرتفع عن محلّ البكارة فهو من الحيض. ويشترط أن لا يكون جَرح أو قُرح محيطاً بالفرج إحاطة العذرة. ويشترط أيضاً أن لا يكون الدم كثيراً مستولياً على القطنة بمجرّد دخولها ، فلا يمكن الاختبار.

ولو أتت بعبادة مشروطة بالطهارة قبل الاستظهار مع إمكانه بطلت وإن ظهرت ظاهرة بعده على الأقوى ، ولو تعذّر الاختبار لعمى مع فقد المرشد العدل من ذكر أو أنثى أو ظلام مع عدم المصباح أو كثرة دم أو غير ذلك قوي ترجيح دم الحيض لأصالته ، ويحتمل الرجوع إلى أصل الطهارة ، ولا سيّما مع العلم بسبق دم العذرة ، واحتمال طروّ دم الحيض.

وإذا ارتفع العذر لزم الاختبار ، فإن ظهرت طاهرة وكانت تركت ما يلزم قضاؤه قضته ، وإن عملت صحّ عملها على الوجه الأخير ، ويحتمل قوّياً القول بالصحّة على الوجه الأوّل إن كانت عملت بقصد الاحتياط ، ولو توقّف حصول المرشد أو المصباح مثلاً على بذل ما لا يضرّ بالحال وجب ، ولا اعتبار هنا لصفة ولا وقت.

القسم الثالث : اشتباهه بدم القرح ومثله الجرح ؛ لعدم التميز بينهما في الباطن ، أو لأنّهما في المعنى واحد ، ويقع على أحوال ، والحكم فيها البناء على الحيض ، مع الشكّ

١٩٨

في حصولهما ، ومع العلم بحصول أحدهما أو كليهما فلا يخلو عن أحوال :

منها : الشكّ في الدم ابتداءً فلا يدرى من الحيض أو من أحدهما.

ومنها : أن يعلم دم الجرح والقرح ويشكّ في عروض دم الحيض.

ومنها : أن يعلم دم الحيض ويشكّ في انقطاعه ، وحدوث دم الجرح أو القرح. ولا ينبغي الشكّ في الحيض بالنسبة إلى القسم الأخير حتّى يثبت خلافه ، وأمّا القسمان السابقان فإن علم تدويرهما قوي إجراء حكم البكارة فيهما ، وإلا فإن علم وجودهما يميناً وشمالاً معاً بطل الاستظهار ، وإن تعيّنا في أحد الجهتين عملت كيفيّة الاستظهار.

ويعتبر في التميز الخروج من تلك الجهة المعيّنة ، وإن كان من جهة مغايرة للجهتين فلا استظهار. ويحتمل اعتبار الاستظهار من جهتها ، وإن جهل الحال بين الجهتين السابقتين أو الجهات استظهرت بحكم الشرع بمعرفة جهة الخروج ، فإن خرج من الأيمن فهو من الحيض ، وإن خرج من الأيسر فهو من أحدهما على أصحّ القولين. ولعلّه الموافق للظاهر ؛ لأنّ القرح غالباً في الأمعاء ، وميلها إلى الأيسر وطريق الاحتياط غير خفيّ.

(وللاستظهار طرق ، والنساء أدرى بها ، والأولى في كيفيّته فيه نحو ما في الرواية (١) ، وهو أن تستلقي على قفاها ، وترفع رجليها ، وتستدخل إصبعها الوسطى ، وإن كان الظاهر أنّ المراد أنّه أحد الطرق) (٢).

ولو أهملت الاختبار ، وأتت بما شرط بالطهارة فسد ، ولو تعذّر الاختبار لكثرة الدم أو لعارض أو لعمى مع فقد المرشد أو ظلمة مع فقد المصباح ونحو ذلك ، بنت على الحيض على الأقوى ؛ لأصالته ، ويحتمل تقديم أصل الطهارة فينتفي الحيض ، ويحتمل الفرق فيبنى على أصل الطهارة فيما لو كان المانع الكثرة دون غيره ، أو بالعكس ، وطريق الاحتياط غير خفي.

فلو أتت بعمل بناءً على أصل الطهارة مشروط بها ، فظهر الخلاف قضته ، وإن كان

__________________

(١) الكافي ٣ : ٩٤ ح ٣ ، التهذيب ١ : ٣٨٥ ح ١١٨٥ ، الوسائل ٢ : ٥٦٠ أبواب الحيض ب ١٦ ح ١ ، ٢.

(٢) ما بين القوسين زيادة في «ح».

١٩٩

ممّا يقضى ، وإن وافق صحّ. وإن بنت على الحيض ظاهراً وعملت بقصد الاحتياط صحّ أيضاً في وجه قويّ ، وبدون قصد الاحتياط يفسد مع المخالفة والموافقة ، ولو توقّف حصول المصباح أو المرشد على بذل ما لا يضر بالحال وجب.

القسم الرابع : اشتباهه بدم الاستحاضة ، وتمام القول فيه موقوف على بيان أنواع ذوات الدم وهي أقسام :

أوّلها : ذات العادة التامّة وقتا وعدداً ، وتثبت برؤية الدم متّصفاً بصفات دم الحيض كلا أو بعضاً أولا ، مع إمكانه مرّتين متّفقتين وقتاً وعدداً من دون زيادة في أحدهما بيوم تامّ ، ولا اعتبار بالكسور زيادة ونقصاً في أصحّ الوجهين (١) من دون فصل بينهما بدم آخر صالح لكونه حيضاً مغاير بعدد أو وقت.

وفصل النفاس غير مخلّ ، ولا يثبت به عادة يرجع إليها فيه ولا في الحيض ، وإن تكرّر متّفقاً بالوقت والعدد ، ولا به مع أيّام حيض موافقة له عدداً و (٢) وقتاً ، ويعتبر التكرّر في شهرين هلاليّين متواليين أو غير متواليين فلو اعتادت شهرين يفصل بينهما شهر بياض كانت معتادة وهكذا.

ولو كان الدم مستمرّاً فرأت ما كان بصفة الحيض مرّتين متساويتين في الشهرين مثلا عدداً ووقتا مع كون ما بالصفة لا ينقص عن ثلاثة ولا يزيد على عشرة ، كانت معتادة وصفيّةً.

ولو وجدته أوّلاً بعدد خال عن الوصف ثم رأته بذلك العدد في المستمرّ الخالي عن الوصف متّصفاً بالوصف فاقداً للموانع كانت عادتها مركّبة من الوجود والوصف.

ولو تكرّر الدم بأنحاء مختلفة كما إذا رأته مرّتين جامعين للأوصاف ، وآخرين غير جامعين ، فالعمل على الجامع ، أو رأت مكرّراً متّصفين بالأشدّ ، وآخرين متّصفين بالأضعف ، أو مرّتين متصفين بالأكثر جمعاً ، وآخرين بالأقلّ مع إمكان (٣) الجمع ،

__________________

(١) في «ح» زيادة : ويحتمل اعتبار ما تناهى في القلّة كسره.

(٢) في «م» : أو.

(٣) في «م» : مع عدم الإمكان.

٢٠٠