كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء - ج ٢

الشيخ جعفر كاشف الغطاء

كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء - ج ٢

المؤلف:

الشيخ جعفر كاشف الغطاء


المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-953-4
الصفحات: ٤٦٣

ولو خرج الغائط يابساً غير ملوّث (١) ، أو أخرج هو أو البول في حقنة أدخل طرفها في الذكر أو الدبر فلم يصب الخارج الحواشي لم يكن استنجاء ، إذ لا نجاسة خبث وإن حصل الحدث.

ولو شكّ في إصابة الحواشي وعدمها فالحكم بالإصابة أقرب إلى الإصابة ، كما لو شكّ في الخارج أنّه منهما أو من ملطّخ بهما أو لا في وجه قويّ ، إلا أن يحكم الاستبراء بالنفي ، عملاً بظاهر السيرة ، والاحتياط يوافقها ، ولا يعتبر الشكّ من المعتاد وكثير الشكّ ويبني على الفعل.

الثالث : فيما يستنجي به ، وهو قسمان : عام وخاصّ.

القسم الأوّل الماء المطلق : وهو ما يدخل تحت إطلاق اسمه دون ما يخرج عنه لذاته أو لانقلابه أو امتزاجه بما يخرجه عن الاسم أو الاسمين ، ومع الشكّ والتساوي في الصفة ولا عارضيّة ولا معروضية يلحق بحكم المضاف ، ومع الاختلاف والشكّ يلحق بالمعروض على إشكال.

وتطهير مخرج البول منه لا يكون إلا به ويدخل ماؤه في حكم ماء الاستنجاء بشرط عدم التجاوز والإصابة والخليط والتغيير ، وكذا ما تعدّى من الغائط حواشي المخرج الطبيعي أو العادي وتجاوز العادة ، فعلم أو شكّ في عدم صدق اسم الاستنجاء عليه ليس من مائه ، أمّا ما حاذى المخرج فيجوز تطهيره بغيره مع الإمكان وإن لم ينفصل عن غيره ، وكذا ما اختلط منه بنجاسة من داخل كالدم المصاحب له ، أو من خارج منه ، أو من غيره.

وخليط الطاهر لا يخلّ من داخل كان أو من خارج وإن قضى الأصل بخلافه ، لقضاء الإطلاق ؛ بشمول حكمه كغيره ؛ لكثرة مصاحبته وإن خرج عن اسمه.

وما أصابته أو أصابت محلّه نجاسة من خارج وإن لم تتّصف بممازجته سواء قلنا باشتداد حكم النجاسة والمتنجّسات مع إصابة مثلهما من المماثلات وغيرها ، أو من

__________________

(١) في «ح» : متلوّث.

١٤١

خصوص المخالفات ، أو لا ، لا يجري فيه حكم الاستنجاء. نعم لو قلع المصيب والمصاب عاد حكم الاستنجاء من غير ارتياب ، من غير فرق بين المائع وغيره.

وإسلام الكافر بعد التخلّي (١) قبل الاستنجاء لا يمنع عن الاستنجاء بغير الماء في محلّ الإجزاء ، ولو أصاب غائط غيره حين الكفر منع ، ويستمرّ الحكم إلى ما بعد الإسلام.

وامتزاج ما يخرج من مخرج غير عادي ولا طبيعي كامتزاج الخبث الخارجي.

ولا فرق بين الورودين مع عصمة الماء : ورود الماء على المحلّ وورود المحلّ على الماء ، وما ينفعل بالملاقاة من دون تغيير ، فوروده على المحلّ شرط في التطهير.

ولو جلس حول ماء فأدار الماء من كفّه كفاه ؛ لتحقّق الغسل بذلك. ولا عبرة بالرائحة ، سواء علقت بالرطوبة الباقية أو بالبدن ، علم حالها أو جهل.

وما يخرج من المقعدة حدث مطلقا ، وخبث بشرط الإصابة للحواشي.

القسم الثاني : الخاصّ بالغائط السالم عن التعدّي ، وعن الامتزاج ، أو الاتّصال بنجاسة من غير ذلك الغائط ، أو منه بعد الانفصال ، أو متنجّس به أو بغيره على إشكال.

ولو كان الخليط في ضمن الغائط فسقط قبل الاستنجاء وقبل إصابة الحواشي ، أو ما بقي عليها طهر بغير الماء ، ولو اختصّ المصاب والخليط بجانب دون جانب كان لكلّ حكم نفسه.

(فجامع الشرائط من الغائط يطهر بغير الماء ، وهو الأجسام القالعة للنجاسة مع وجود عينها ، أو الجارية على محلّها مع عدمها مع القابليّة لقلعها على فرض وجودها في وجه كما سيجي‌ء) (٢) ، بمسحها لا بمجرّد الاتّصال ، من حجر أو مدر أو خزف أو حصى أو رمل أو تراب أو خشب أو أعواد أو حيوان أو جزئه أو بعض البدن من كفّ أو قدم أو صوف أو شعر ، أو خيوط ، أو خرق من حرير أو غيره ، أو قرطاس أو غيرها ، أو مختلفة ، لكلّ مسحة نوع.

__________________

(١) في «س» ، «م» : التغوط.

(٢) بدل ما بين القوسين في «م» ، «س» : ما عدا ما استثني من غير الغائط مطلقاً ممّا لم يكن باقياً على المخرج خارجاً منه أو لا ، وهو الأجسام التابعة للنجاسة أو الرافعة لحكمها.

١٤٢

من طاهر بتمامه أو بجزئه الماسح على اختلاف الوجهين ، لأنجس ولا متنجّس وإن كان يابساً بيابس بكر جزئه المطهر أو كلّه على اختلاف الوجهين ، لا يستعمل فيه قبل ، وإن كان طاهراً من أصله إذ كان فيه مطهّراً لجاف مع جفافه ، أو متمّماً للمسحات بعد زوال العين ، أو بالغسل بعد التنجيس ، والظاهر عدم البأس بالتبييس وإزالة السطح النجس ، أو جزء من جانب آخر. فمن استعمل جزءاً من بدنه أو من حيوان آخر بطل حكمه ، فلا يستنجي به ما دام حيّاً ، إلا أن يبدل ظاهره بباطنه على تأمّل.

جافّ احتياطاً ، قالع للنجاسة بالفعل مع وجودها ، لا يلزق ولا يزلق ، وبالتقدير مع عدمها ، ويقوى عدم الاعتبار فيه إن لم يعلّق شي‌ء منها فيه.

مشتمل على عدد الثلاث ؛ إذ هو أقلّ العدد ، ولا بدّ من إتمامه إن زال قبل تمامه ، وإن لم يزل زيد في العدد حتى يزول ، ولو زال على الزوج ألحق به الفرد ندباً بثلاث مسحات بها له أو به لها أو على التماسح ، ولا يكفي مجرّد الوضع وإن ترتّب عليه النقاء ، (ولا) (١) تعدّد الماسح دون المسح كما إذا مسح بالثلاث مع الاجتماع ، أو تعدّد المسح دونه كذوي الجهات أو الطبقات إذا لم يتجاوز حدّ العادة في العظم بالنسبة إلى هذا العمل.

أمّا لو تجاوز كالأرض المتّسعة والنخل والشجر ونحوها أغنى تعدّد الجهات في التطهير.

ولو كانت الأحجار أو الخرق مثلاً موصولة بواصل لا يخرجها عن اسم التعدّد حكم بتعدّدها ، وكذا الملتصقة على إشكال ، والأصابع إن جمعت فكالواحد ، وإن تفرّقت فكالمتعدّد ، ولو وجب الماء في (٢) مسح الدبر ولم يوجد قيل : وجب المسح لتخفيف النجاسة (٣) ، وليس ببعيد ، ولا سيّما إذا أُزيلت العين والأثر ، أو العين فقط ، وكذا القول في مسح البعض. ولا اعتبار باللون في المسح ، ولا الغسل على الأقوى.

ولو فصل جزءاً غير مستعمل جائه حكم البكارة على اشكال (وفي الطهارة يجري

__________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ : فلو. والصحيح ما أثبتناه.

(٢) بدله في «س» ، «م» : و.

(٣) استفاده الشهيد في المسالك ١ : ٢٩ من كلام صاحب الشرائع.

١٤٣

من غير إشكال) (١) ولو ثلّث الماسح ومسح بكلّ ثلاث على حدة أجزأ إذا تقدّم كسره على مسحه ، ويقوى إجزاء هذه الأحكام في الطهارة والبكارة.

ولا بدّ من مسح الكلّ ثلاثاً ؛ فلو وزّع الثلاث على أثلاث المخرج لكلّ ثلث واحدة احتسبت بواحدة ، ولم يفد تطهيراً.

ولا يشترط فيها كيفيّة خاصّة على نحو الإدارة على الحلقة أو غيره ، ولا عدم الارتفاع بعد الإصابة.

ولو كان الماسح خالياً عن الوصف المطلوب كقابليته للقلع ابتداءً ثمّ عاد إلى القابلية في الأثناء فلا عبرة به ؛ لارتفاع البكارة عنه قبل القابلية ، وكذلك العكس.

ولو شك في العدد بنى على الأقلّ إلا أن يكون كثير الشك عرفاً.

ولو خصّ الوسط أو أحد الطرفين فقط بالمسح قويت طهارته. ولو مسح بثلاثة من أصابعه قامت مقام ثلاث أحجار. ولو استحال الماسح حقيقة أُخرى قوي (٢) عود البكارة.

والمشكوك في بكارتها كالمشكوك في طهارتها يحكم بالثبوت فيها. ولا يزيل البكارة إصابة غير النجو ، ولا إصابته لغير الاستنجاء ، ولا إصابته خارجاً من غير المعتاد ، حيث لا يكون حدثاً ، وفيما كان استنجي به من البول إشكال.

ولا يشترط الاستمرار في مسح الماسح ، ولا المتابعة بين المسحات على الأقوى.

ومع الشك في الخليط أو التجاوز أو الاتّصال بالنجاسة يقوي الحكم بالعدم.

المطلب الرابع : فيما يحرم الاستنجاء به وهو أُمور :

أحدها : الروث ؛ وهو رجيع ذات الحافر من الخيل والبغال والحمير ، وقد يلحق بها ما يماثلها من حيوانات البرّ ، ولا يدخل فيه رجيع ذات الظلف (٣) ، وذات الظفر

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في «س» ، «م».

(٢) في نسخة من «ح» زيادة : عدم.

(٣) الظلف من الشاة والبقر ونحوه كالظفر من الإنسان ، والجمع أظلاف مثل حمل وأحمال. المصباح المنير : ٣٨٥.

١٤٤

والخفّ (١) أخذاً بالمتيقّن فيما خالف الأصل (٢).

والأولى بل الأحوط تجنّب رجيع ذات الخف والظلف ، بل رجيع كلّ حيوان ، لوروده في النصّ (٣).

ولا فرق في الروث بين النجس بالأصل كروث غير المأكول لجِلّته ، أو وطء إنسان أو مطلقاً أو بالعارض لإصابته بنجاسة أو متنجّس ، وبين المؤثّر للتطهير كالذي لا يزلق ولا يلزق مثلاً وغيره ، والمقصود به التطهير وغيره.

وما يشعر به التعليل من كونه «للجنّ طعاماً» غير مناف ؛ إذ ربما كانوا يأكلون حلالاً وحراماً ، أو كانوا يذوقونه ولا يأكلونه. أو كانوا لا يذوقونه بل يشمّونه شمّاً. أو يكون المنع لكونه في الأصل من جنس طعامهم ؛ إذ لا يختلفون مع الإنس في الحلال والحرام ، أو لشرفيّته ، لا لظلمهم بقذارته ، فيبقى المطلق على حاله أو العامّ على عمومه.

وقد يتسرّى الحكم من جهة التعليل إلى مطلق التنجيس والتقذير ، والإلقاء في الخلوات ومواضع القذارات ، والبناء على الجمود أولى في مثل هذه المقامات.

ولو انقلبت الحقيقة بحيث لا يصدق عليه الاسم على وجه الحقيقة ؛ لصيرورته تراباً أو رماداً أو نحوهما ، زال التحريم ، وأمّا إذا تفتّت فلم يبق على هيئته مع بقائه على حقيقته فالمنع باقٍ.

والأقوى عدم حصول التطهير به ، مع جمعه للشرائط ، للنص (٤) لا للمنافاة بينه وبين العصيان.

ويجري فيه متّصلاً بعضه ببعض احتمال التعدّد ، فيحتسب في التطهير متعدّداً على القول به ، والوحدة ، والأوّل أولى.

ولو شكّ في أنّه روث أو لا ، فإن كان في محصور علم وجوده فيه حرام ، وإلا فلا.

__________________

(١) خُفّ : البعير. المصباح المنير : ١٧٦

(٢) في «ح» زيادة : المستفاد من الإطلاق.

(٣) انظر الوسائل ١ : ٢٥١ أبواب أحكام الخلوة ب ٣٥.

(٤) التهذيب ١ : ٣٥٤ ح ١٠٥٣ ، انظر الوسائل ١ : ٢٥١ أبواب أحكام الخلوة ب ٣٥ ح ١ و ٤ و ٥.

١٤٥

ثانيها : العظم من ميّت أو حيّ ، إنسان أو غيره ، نجس العين أو طاهرها ، متنجّس بالعارض أو لا ، من قابل التذكية أو غيره.

واحتمال التخصيص فيه باعتبار التعليل سبق البحث فيه في مسألة الروث.

ويجري البحث في منقلبه كما جرى في منقلبه ، ومتفرّق أجزائه كمتفرّق أجزائه ، وحكم تطهيره على القول به كحكم تطهيره ، ما لم يفض استنجاء المستنجي به بتكفيره كالاستنجاء بعظم نبيّ أو وصيّه.

والتحريم في الشحم واللحم أشدّ منه في العظم ، والقرمطة من العظم ، وحكم تقذيره كحكم تقذيره.

ولو جبر على الاستنجاء إمّا بعظم أو روث اختار الروث على إشكال ، ويجب الاقتصار على أقلّ ما يندفع به الإجبار ، ويحرم بالمشتبه بهما مع الانحصار.

ولو لم يستتبع التطهير التقذير ، كما إذا لم يكن في المحلّ قذر ومن الغائط أثر ، أو كان بعد الزوال بالأُولى أو الثانية جرى الحكم أيضاً ، ويحتمل زيادة الإثم لو كان عظم ما قصد بتذكيته القربة كالهدي والأُضحيّة ونحوهما.

ولا يجري على الأظفار ولا الجلد ، ولا الصوف ولا الوبر ، ولا الشعر ونحوها حكم العظام.

ولا يترتّب تطهير عليه ، ولا على ما قبله ؛ للنص (١).

ولو كان الروث أو العظم طاهرين أو نجسين لم تسرِ نجاستهما ، لم يمنعا عن الاستنجاء بغير الماء ، ومع النجاسة والسراية يمنعان.

ثالثها : المحترمات وهي أقسام :

منها : ما يستتبع التكفير فليزم منه عدم التطهير ، كالاستنجاء بحجر الكعبة وثوبها ، وكتابة القرآن ، وأسماء الله وصفاته المقصود نسبتها إليه وإن لم تكن مختصّة به ، وأسماء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكتب الأنبياء وأسماؤهم وأثواب عليها أسماء الله ، وماء

__________________

(١) التهذيب ١ : ٣٥٤ ح ١٠٥٣ ، الوسائل ١ : ٢٥٢ أبواب أحكام الخلوة ب ٣٥ ح ١.

١٤٦

غسل به مثلاً بقصد الشفاء ، وماء زمزم بقصد الإهانة ، وبالكفّ وفيها خاتم عليه شي‌ء من محترمات الإسلام بقصد الإهانة.

ويحتمل إلحاق كتب أخبارنا والزيارات والدعوات ونحوها ، وأسماء أئمّتنا عليهم‌السلام والتربة الحسينيّة وضرائح الأئمّة عليهم‌السلام وأبعاضها وأبعاض ثيابها والقناديل ونحوها مع قصد الإهانة في وجه ؛ لأولويّته من السبّ والطعن.

ولا يزول احترام المحترم بانفعاله بالنجاسة.

ولو اضطرّ إلى الاستنجاء ، ودار بين المغصوب والمحترم ، والروث والعظم ، قدّم الأخيرين (١) ، ولو دار بين الأوّلين قدّم المغصوب في شديد الحرمة دون ضعيفها.

ومنها : ما يستتبع العصيان دون التكفير ، كالمستعمل لشي‌ء من هذا القسم بقصد التبرّك أو الاستشفاء ، أو مع الخلوّ عن القصد ، من دون قصد إهانة.

والظاهر تسرية الحكم بالنسبة إلى أعاظم الصحابة ، وأكابر الشهداء ، كالعبّاس وباقي شهداء كربلاء ، حيث لا يكون لغرض الاستشفاء ونحوه.

ومنها : ما لا يستتبع العصيان ويدخل في جملة المكروهات ، كالمأخوذ من قبور المؤمنين ، وما يحاذيها ، وما أُخذ للتبرّك من ثياب العلماء والصلحاء والسادات ؛ ويجري الحكم مع استلزام الإصابة ، أو التلويث ، وعدمهما ، وإن كان فيهما أشد.

ويجري مثل هذا الحكم في التطهير من الأخباث.

ويتبع الحكم حصول وصف الاحترام وعدم لزوم الحرج ، فلا حرمة للكناسة المخرجة إلى الصحراء ، بخلاف ما أُخذ من التراب للتبرّك والاستشفاء أو لقصد التعبّد باستعمالها ، كالمتّخذ من التربة الحسينيّة ، أو الرضويّة أو غيرهما للسجود عليها ، أو التسبيح بها.

وكذا تنتفي الحرمة باستهلاك المحترم في الخلاء ، أو في الماء ، أو في غيرهما من الأشياء ، ولا مانع من الاستنجاء بأرض كربلاء ونحوها ، وأبعاضها ، وأبعاض كلّ حرم

__________________

(١) في «ح» : الأخير.

١٤٧

من الحرمين وغيرهما في محالّها ؛ للزوم الحرج.

وربّما أُلحق بذلك ما خرج من الأواني للاستعمال ، لا لقصد الشفاء ، فالمحترمات بين ما يحترم لذاته ، وما يحترم باعتبار ما قصد به من الجهات ، فقد يرتفع الاحترام بالقصد ، ككناسة المحترمات ، وما نقل من البنيان من التراب والآلات.

وأمّا المطعومات فإن لم تكن عادية كالبقول الغير المعتادة ونحوها فلا احترام لها ، ولعلّ ترك ذلك فيها لا يخلو من رجحان ، وإن كانت عادية فالمخبوز منها و (١) المعجون محترم ، وفي إلحاق المطحون وجه ، ولا يبعد تمشية الاحترام إلى كلّ معتاد من الثمار ونحوها ، وأما الحبوب فمحترمة على وجه الرجحان.

ولو قصد كفر النعمة كَفَر وكلّما يستتبع التكفير لا يترتّب عليه التطهير ، فلو أتى بعمل الاستنجاء المكفّر ، ثم أسلم وقبلت توبته ، أعاد الاستنجاء إن لم نقل بالطهارة تبعاً ، ولو استعمل المكفّر بعد ما أن أتى بشي‌ء من العمل ثمّ أسلم ، أتمّ ما تقدّم.

ولو استعمل المحترم مكفّراً أو غيره ، غافلاً أو جاهلاً بالموضوع ، أو مجبوراً ، طهر المحلّ ، ومع التعمّد فالكلّ مطهر ما عدا المكفّر والروث والعظم في وجه قويّ ، وكلّ من استحلّ ما علم تحريمه من الدين ضرورةً مرتدّ كافر.

رابعها : المحرّمات من مغصوب أو مرهون أو محجور عليه ، ونحوها ممّا يعلم فيه المنع من ذي السلطان أو يشكّ فيه ممّا لا يدخل تحت أية نفي الجناح (٢) ، إذا لم يكن ممّا يقتضي المنع فيه وفي أمثاله حصول الحرج والضيق على النوع ، فلا مانع من الاستنجاء لغير الغاصب ومقوّميه بماء متّسع كثير ، وأرض متّسعة ، مع الاستعمال لها في محالّها أو بإخراج شي‌ء غير ضارٍّ منها إلى خارج ، من دون ضمان مثل أو قيمةٍ.

ولو جبره جابر على الاستنجاء بأحد شيئين مردّداً بين المحترم والحرام ، أو المحترمين أو الحرامين مثلاً وجبت مراعاة الميزان.

__________________

(١) في «ح» : أو.

(٢) (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ). الآية ٦١ من سورة النور.

١٤٨

ويلحق بذلك الاستنجاء بالماء أو غيره ، مع ترتّب الضرر المعتبر على المخرج أو الكفين ، ونحو ذلك ، وحمل الغير أو مملوكه أو ما يحرم مباشرته على مباشرته ، ويترتّب عليهما التطهير أيضاً. ولا ينبغي التأمّل في ترتّب التطهير في صورة التحريم للحرمة الناشئة من الغصب مثلاً ، وإنّما البحث في التحريم للاحترام ونحوه.

المطلب الخامس : في كيفيّته

يعتبر في الاستنجاء بالماء المنفعل بالملاقاة وروده على المحل ، ولا يجزئ خلافه ، ويكفي فيه مسمّى الغَسل ولو بالإجراء مثل الدهن.

وتكفي فيه الغسلة الواحدة مع حصول النقاء بها ، من غير فرق بين البول والغائط ، وإن كان الأولى في الأوّل التعدّد ، وعدم احتساب غسلة الإزالة ، والتثليث أو التربيع أفضل فيما عدا الطفل الذي لم يتغذّ بالطعام في وجه قويّ.

ويجوز الاكتفاء بغسلة الإزالة مع غلبة الماء على النجاسة ، وعدم تغيّره بها مع إصابتها. ويحصل التطهير للمغسول والغاسل معاً ، فلا حاجة إلى غسل مستقلّ في الجزء المباشر (١).

ويشترط في حصول التطهير زوال العين والأثر ، وهو عبارة عن الأجزاء الصغار التي لا تحسّ ، دون الرائحة واللون المجرّدين على القولين من انتقال الأعراض مستقلّة وخلافه لأنّ المدار في الحكم على الاسم.

وفي الاستنجاء بغير الماء زوال العين قبله أو به مع حصول الشرط ، دون ما لا يحس من الأجزاء ؛ فإنّها لا تقلع غالباً بدون الماء ، ولعلّ ذلك مجز فيما يشبهه ممّا يطهر بالأرض كباطن النعل والقدم.

ولا فرق هنا بين الورودين على أصحّ الوجهين ، ولا يشترط إدارة الماسح ولا توزيعه ، ولا مجانسته لما يشاركه في المسح حتّى أنّ المسحة الواحدة لو كان بعضها بحجر وبعضها

__________________

(١) في النسخ : المباشرة.

١٤٩

بخرق مثلاً لم يكن بها بأس. ويعتبر فيه ما يسمّى مسحاً ، فلو زال بمجرّد الإصابة كان كما إذا زال من نفسه ، ويتخيّر بين مباشرته واستنابة غيره ، مع عدم استلزام نظر أو مسّ محرّمين ، ولو عصى وفعل طهر المحلّ.

ولو أمكنه تحصيل المأذون شرعاً مع العجز بأُجرة أو بشراء مملوكة بثمن لا يضرّ بحاله وجب ، ولا يجب على أحد الزوجين النيابة عن الأخر.

ولو تعذّر الغسل الجائز لوجود جراحة لا يمكن غسل دمها متّصلة بموضع الاستنجاء ، أو لغير ذلك ، سقط حكم الاستنجاء. ويكره الاستنجاء باليمين ؛ لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «إنّ اليمين للطهور ، واليسار للخلاء» (١) وربما أفاد تعظيم اليمين ، وإهانة اليسار في كلّ شي‌ء. ويكره مسّ الذكر باليمين.

المطلب السادس : في حكم ما يستنجى به

أمّا ما عدا الماء (٢) مما يصّح به الاستنجاء ، فإن صادف نجاسة رطبة على المحلّ أزالها ، وأزال حكمها مع الشروط ، وانفعل بها ، ولا مانع من أن يستلب الصفة من المحلّ لنفسه فتنجّس ويطهّر ، كما نقول ذلك في ماء الغسالة ، والأرض المطهّرة لباطن القدم ونحوها ، ولا حاجة بعد الإزالة ، واستيفاء العدد إلى مسحٍ بطاهر.

وأمّا الواقعة على نجاسة أو محلّ جافّين فهي طاهرة مطهّرة لمحلّ النجو ، إلا في استنجاء ثانٍ ، وتطهّر إن كانت من الأرض القدم والنعل ؛ لعدم اشتراط البكارة في تطهيرهما.

ولو شكّ في إصابة الحواشي أو جفاف الرطوبة أو خفاء العين ، حكم بالتنجيس في وجه قويّ. ولو تجدّد في أثناء العدد قليل من الغائط وأصاب المحل ، لزم الإتيان بالعدد تامّاً في محلّ الإصابة ، وبطل أثر ما كان فاعلاً فيه.

وأمّا الماء المستعمل فيه من بول أو غائط ، قبل انفصاله وبعده ، قبل النقاء وبعده ،

__________________

(١) ورد في سنن أبي داود ١ : ٥٥ كتاب الطهارة ح ٣٣ «عن عائشة : كانت يد رسول الله صلّى الله عليه آله اليمنى لطهوره وطعامه ، وكانت يده اليسرى لخلائه ، وما كان من أذى».

(٢) سقطت كلمة «الماء» من «ح».

١٥٠

مع قصد الاستنجاء ، دون الاتّفاقي ، اقتصاراً على المتيقّن ، مع وروده على المحلّ ، وعدم تجاوز القذر الحواشي بما فوق العادة ، وعدم الخليط والماسّ للخارج أو المخرج من نجاسة ، من داخل أو خارج من غائط أو غيره ، من ذلك الخارج أو غيره.

ونجاسة الكفر بعد التخلّي قبل الاستنجاء لا تلحق بباقي النجاسات ، فلو أسلم قبله بقي حكم الاستنجاء على حاله مع بقاء العين أو مطلقاً على اختلاف الوجهين على إشكال.

وكذا المتّصل بنجاسة في باطن الدبر ، وعدم التغيّر وعدم البعث على التكفير.

والأجزاء المرئيّة فيه ، حكمه الطهارة بالنسبة إلى المستعمل وغيره ، ويجري عليه حكم غيره من الماء الطاهر ، كجواز استعماله في رفع الحدث والخبث والشرب ونحوه ، مع عدم الاستخباث ، لا مجرّد العفو ، سبق الغاسل من كفّ أو غيره الماء أو سبقه ، زاد وزنه أو لم يزد ، ارتفع جزء الغاسل عنه أو كلّه على إشكال ثم أُعيد أو لم يرتفع ، ثم غسله أو لا ، اتّحد الموضع أو لا ، غسل المحلّ به جملةً أو على التفريق ، اتّصل به أو بالفضلة شي‌ء طاهر تنجّس به من داخل أو من خارج أو لا. والرطوبة الكائنة على المحلّ أو الغاسل قبل الطهارة إذا أصابت شيئاً ، نجّسته ، والمتقاطر بعد النقاء وقبله طاهر ، ولا يلزم نقضه.

ولو فقد ما به الاستنجاء مع توقّف واجب عليه وجب تحصيله مجّاناً بلا عوض ، حيث لا يخلّ بالاعتبار ، أو ببذل عوض غير ضارٍّ ، ويجب جمعه للطهارة إن وجبت ، وفقد الماء ، والمشكوك في شرطه يبنى على أصله.

المقام الخامس : في سنن التخلّي وآدابه )

وهي أُمور :

منها : التعرّض للبول عند إرادة النوم ، وبعد خروج المني ، وعند المدافعة ، ولا سيّما

__________________

(١) وفي «ح» كذا : في سنن التخلّي وهي ما اشترط فيها القربة أو لم تقض بها العادة ، أو ما اجتمع فيها الأمران ، أو آدابه ممّا لم يكن كذلك ، وقد يجعلان كالفقير والمسكين.

١٥١

قبل الصلاة ، وقبل الجماع ، خوف الضرر ، وقبل الركوب في مكان يعسر الخروج منه ، أو على شي‌ء يعسر النزول عنه.

ومنها : وضع الخلاء في الدار ، أو حفر حفيرةً تغني عنها في الأسفار ، وقد يلحق بالخبثين ما عداهما من الأقذار.

ومنها : ارتياد الموضع الذي يأمن فيه من الترشّح كأرض الرمل والتراب ، أو مكان مرتفع لا يبلغ فيه حدّ التطميح (١) ، وما أشبه ذلك ، وقد يلحق بذلك مصبّ ماء الغسالة ونحوه ، وقد يقيّد بعدم سبق التلويث في الثوب والبدن.

ومنها : رفع الثياب وحفظ البدن ، بحيث يأمن من وصول الخبث إليهما ، إن لم يكونا ملوّثين سابقاً بنجاسة منه ، أو من غيره ، أو مطلقاً.

ومنها : الجلوس على القدمين أو ما قام مقامهما لغير المتنوّر ؛ فإنّه يبول قائماً خوفاً من الفتق.

ومنها : المحافظة على الاحتياط زائداً على الواجب في إباحة الماء والمكان والإناء.

ومنها : التنحنح في الخلاء ، أو التنخّم ، أو الهمهمة ، أو وضع علامة ليتحصّن عن الداخل.

ومنها : الاعتبار الموصل إلى معرفة قدرة الملك الجبّار ، والشكر على نعمائه بإخراج ما لو بقي فيه لقضى بفنائه.

ومنها : النظر إلى قذارته ليعرف نقصه وانحطاط منزلته.

ومنها : التباعد من القبلة زائداً على الواجب قيل : ومنها استحباب البعد (٢) ولو حصل الحجب بدونه.

ومنها : ستر تمام البدن بالبعد أو الحجاب ، من غير اكتفاء بستر الثياب.

ومنها : تقديم اليسرى بالدخول إلى بيت الخلاء ، أو الوصول إلى المكان الذي يتخلّى فيه إن لم يكن بيت ، أو مطلقاً ، واليمنى بالخروج ، عكس المسجد ، والأماكن

__________________

(١) قالوا : طمح ببوله ، إذا رماه في الهواء ، الصحاح ١ : ٨٣٩ ، القاموس المحيط ١ : ٢٤٧.

(٢) تذكرة الفقهاء ١ : ١٢٢ مسألة ٣٣.

١٥٢

الشريفة فيهما في وجه ، ونسبا إلى الأصحاب.

ومنها : تقنيع الرأس للنصّ (١) قيل ، ومنها الاعتماد على الرجل اليسرى حال التخلّي (٢).

ومنها : تغطية الرأس ؛ للإجماع ، إمّا إلى قصاص الشعر ، أو إلى المنخرين ، حياءً من الله تعالى ؛ لأنّه عمل العصيان ، ولم يشكر الفضل والإحسان ، أو لئلا تصل الرائحة الخبيثة إلى دماغه.

والتعليل الثاني ظاهر على الثاني ، خفيّ على الأوّل ، وتوجيهه بأنّ للشعر منافذ ، فإذا انسدّت لم يجذب الهواء المستتبع للريح الخبيثة ، غير بعيد أو بدخولها من المنافذ.

ومنها : تجنّب جهات ما كان من المحترمات غير القبلة ، استقبالاً واستدباراً مع قربها أو مطلقا.

ومنها : تجنّب القبلة أوّل الجلوس قبل خروج القذر ، وفي الوسط حال الفترة ، وفي حال الاستنجاء ، والأحوط إلحاقها بحال الخروج.

ومنها : مسح البطن حال القيام من الاستنجاء بيده اليمنى.

ومنها : أن يضع الإناء مع الإراقة منه ، والاغتراف عند الجانب الأيمن.

ومنها : الاسترخاء يسيراً ؛ حذراً عن تخلّف بعض حواشي الحلقة ودخولها في جملة الباطن ، كما يصنع في الغسل.

ومنها : البدار إلى الاستبراء (٣) بعد انقطاع دريرة البول وتمام خروج القذر ، ثمّ البدار إلى الاستنجاء بعد الاستبراء ، والاستمرار فيهما (٤) إلى التمام.

ومنها : غسل مخرج البول ثلاث مرّات ، إحداها غسلة الإزالة ، وغسل مخرج الغائط مرّتين ، إحداهما غسلة الإزالة على الأقوى ، ولا يبعد استحباب التثليث بعدها

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٧ ح ٤١ ، التهذيب ١ : ٢٤ ح ٦٢ ، الوسائل ١ : ٢١٤ أبواب أحكام الخلوة ب ٣ ح ٤١.

(٢) انظر الحدائق الناظرة ٢ : ٦٨.

(٣) في «م» ، «س» : الاستنجاء.

(٤) في «م» ، «س» : فيه.

١٥٣

فيكون أربع.

ومنها : تقديم غسل مخرج الغائط على غسل مخرج البول.

ومنها : زيادة ما به الاستنجاء على القدر الواجب ، وإدخال قدر ممّا فوق الحواشي زائداً على الواجب ؛ لزيادة الاطمئنان.

ومنها : إلحاق ما يخرج من مذي أو ودي أو وذي قبل الاستبراء بالمشتبه.

ومنها : دلك (١) محلّ الغائط مع عدم توقّف الإزالة عليه ؛ لزيادة الاطمئنان.

ومنها : غلبة الماء زائداً على الواجب من غير إسراف على المتخلّف من البول حال الاستنجاء.

ومنها : التخلّي في الخلاء المعدّ لجمع القذارات ؛ لإصلاح الزرع ، كما يتّفق في كثير من القرى والبلدان ، كما شاهدناه في مملكة إيران.

ومنها : استعمال ما يطمئنّ بطهارته وبكارته ، وعدم احترامه وعدم كراهته.

ومنها : الصبر بعد الفراغ قبل الاستنجاء.

ومنها : إراقة الماء على يديه قبل إدخالهما الإناء.

ومنها : اختيار الماء في الاستنجاء ، والجمع أفضل.

ومنها : اختيار ما عدا الماء حيث يكون حاجة لم تبلغ الوجوب في استعماله.

ومنها : الاستنجاء باليسار.

ومنها : المحافظة على الدعوات والقراءة ، والأذكار الموظّفات. منها : ما يقال عند الدخول ، وهو «بسم الله وبالله اللهم إنّي أعوذ بك من الخبيث المخبث ، الرجس النجس ، الشيطان الرجيم» (٢) ومنها : ما يقال عند الخروج وهو «بسم الله وبالله والحمد لله الذي عافاني من الخبيث المخبث ، وأماط عنّي الأذى» (٣).

ومنها : ما يقال عند التكشّف لبول أو غير ذلك ، وهو «بسم الله» (٤) فإنّ الشيطان

__________________

(١) في «س» ، «م» : فرك ، ولا يخفى أنّه متحد مع الدلك في المعنى.

(٢ و ٣) الكافي ٣ : ١٦ ح ١ ، التهذيب ١ : ٢٥٠ ح ٦٣ ، الوسائل ١ : ٢١٦ أبواب أحكام الخلوة ب ٥ ح ١.

(٤) الفقيه ١ : ١٨ ح ٤٣ ، التهذيب ١ : ٣٥٣ ح ١٠٤٧ ، الوسائل ١ : ٢١٧ باب ٥ من أبواب أحكام الخلوة ح ٤.

١٥٤

يغضّ بصره.

ومنها : ما يقال عند خروج القذر ، وهو «الحمد لله الذي رزقني لذّته ، وأبقى قوّته في جسدي ، وأخرج عنّي أذاه ، يا لها نعمة ، يا لها نعمة ، يا لها نعمة لا يقدر القادرون قدرها» (١).

ومنها : ما يقال حين خروج القذر أيضاً ، وهو «الحمد لله الذي أطعمني طيّباً في عافية ، وأخرجه منّي خبيثاً في عافية» (٢).

ومنها : ما يقال عند الخروج والنظر إلى ما خرج منه ، وهو «اللهم ارزقني الحلال وجنّبني الحرام» (٣).

ومنها : ما يقال عند رؤية الماء ، وهو «الحمد لله الذي جعل الماء طهوراً ، ولم يجعله نجساً» (٤).

ومنها : ما يقال عند الاستنجاء وهو «اللهم حصّن فرجي وأعِفّه ، واستر عورتي ، وحرّمني على النار ، يا ذا الجلال والإكرام» (٥).

ومنها : ما يقال عند الفراغ حال مسح بطنه بيده ، وهو «الحمد لله الذي أماط عنّي الأذى وهنّأني طعامي وشرابي وعافاني من البلوى» (٦).

ومنها : الاستبراء والمراد به هنا طلب البراءة أي سلامة مخرج البول من حلقة الدبر إلى مخرج الذكر من بقايا البول ، ويترتّب الحكم على الحصول بلا قصد ، ولا يتّصف بوجوب ولا بشرطيّة لما يتوقّف على الطهارة ، وإنمّا ثمرته بعد الاستحباب أنّه إذا خرج شي‌ء مشتبه تعلّق به إحدى الإدراكات سوى العلم قبله يحكم عليه في الذكر بحكم البول خبثاً وحدثاً.

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٩ ح ٧٧ ، الوسائل ١ : ٢١٧ أبواب أحكام الخلوة ب ٥ ح ٣ بتفاوت يسير.

(٢) الفقيه ١ : ١٦ ح ٣٧ ، الوسائل ١ : ٢١٧ أبواب أحكام الخلوة ب ٥ ح ٥.

(٣) الفقيه ١ : ٢١ ح ٥٩ ، الوسائل ١ : ٢٣٥ أبواب أحكام الخلوة ب ١٨ ١.

(٤) الفقيه ١ : ٢١ ح ٥٩ ، الوسائل ١ : ٢٨٢ أبواب الوضوء ب ١٦ ح ١.

(٥) الكافي ٣ : ٧٠ ح ٦ ، الوسائل ١ : ٢٨٢ أبواب الوضوء ب ١٦ ح ١.

(٦) الفقيه ١ : ٢٠ ح ٥٨ ، مستدرك الوسائل ١ : ٢٥٥ أبواب أحكام الخلوة ب ٥ ح ١٣.

١٥٥

وثمرته مقصورة على الذكر بالنسبة إلى الموضع المعتاد بالأصل أو بالعارض في محلّ الاستبراء. أمّا الأُنثى فلا تجري فيها ثمرته ، بل الخارج المشتبه منها محكوم بطهارته ، وعدم الحدثية والخبثيّة فيه ، مع الاستبراء وعدمه ، على وفق الأصل. وكذا الممسوح والخنثى مشكلاً أو لا ، مع الخروج من الفرج ، وأمّا مع الخروج من الذكر فيقوى جريان حكم الاستبراء فيه ، ولو علمت زيادته على الأقوى.

ولا يبعد استحباب المسحات الثلاث للمرأة والخنثى بالنسبة إلى الفرج ، والممسوح ، من الدبر إلى حاشية الفرج أو الثقب ، والتعصّر ، والتنحنح ، والتحرّك ، والتمهّل ، والقبض بقوّة ونحوها ، ممّا يقضي بالخروج.

وأكمل أنحائه المسح من طرف حاشية الدبر ، والأولى إدخالها بتمامها بالوسطى إلى أصل الذكر ، ثم عصر ما بين أصله وطرفه بجذبٍ ، ثم نتر طرفه ثلاثاً ثلاثاً مترتّبات متعقّبات أفراداً وأبعاضاً ، فلو أخلّ بالترتيب أو حصلت فرجة أعاد من الأصل ، ولا يلزم فيه المبالغة في مسح أو نتر ، ولا يكفي المسمّى ممّا لا قابليّة له في إخراج المتخلّف ، ويجزئ فيه التوسّط.

ويقوى جواز الاكتفاء بالستّ بالجمع بين عمل الخرط والنتر في الثلاث بين أصل الذكر وطرفه. وطول المدّة وكثرة الحركة بحيث لا يخاف بقاء شي‌ء في المجري يجريان مجري الاستبراء.

ولو علم حصول الثمرة بأقل من العدد كفى ، ولو أكّد الاستبراء بالتنحنح ثلاثاً والتعصّر فلا بأس.

ومقطوع الذكر من أصله يبقى على ثلاث ، وبها تتمّ الثمرة ، ومن وسطه مع بقاء شي‌ء من الحشفة يبقى حكمه ، ومع عدم بقاء شي‌ء من الحشفة يبقى على ستّ ، ويقوى لزوم اعتبار ثلاث النتر ، ويقوى جري الحكم احتياطاً في تحصيل السنّة بالنسبة إلى الدم السائل مطلقاً من الذكر ، أو خصوص الخارج من المعدة على نحو البول تحصيلاً للاطمئنان بعدم الخروج ، ولو ضعف عن الخرط القوي كرّر.

ومن تعذّر عليه الاستبراء كلا أو بعضاً فحكمه حكم غير المستبرئ عن جبر كان ،

١٥٦

أو مرض أو نسيان أو غيرها ، بخلاف الاستبراء (١) من المنيّ فإنّه يسقط حكمه مع التعذّر ، وعمل الخرط.

ولا يعتبر في الاستبراء المباشرة ، ولا كونه بالأصابع ، ولا بخصوص الوسطى ، ولا الكفّ ، ولا اليسرى ، وإن كان تمام الفضيلة بتمامها ، أو بعضها بتبعيضها على اختلافها.

ولو تمكّن من بعض أنواع الخرطات أو آحادها دون بعض ممّا له مدخليّة في رفع أو تخفيف ما تخلّف في المجرى فأتى بها ، أُعطي بمقدارها من ثوابها. ولا اعتبار باحتمال المصاحبة ؛ لما عرفت حقيقته من مذي ونحوه على الأقوى.

ولا يجري فيه كما في الاستنجاء ما يجري في حال التخلّي من الأحكام ، وفي أمر السنن يسهل الأمر.

ولو كان محدثاً متلوّث الثياب والبدن ، ولا يريد الإزالة ، سقط استحبابه ، ويمكن القول بالاستحباب النفسي أو بتخفيف النجاسة. والخارج في أثناء الاستبراء أو بعده بالاستبراء بحكم حدث جديد ، ولا استبراء فيه ، والخارج قبله كذلك لكنّه يجري فيه الاستبراء ، فلا يفسد (٢) صلاة متقدّمة ، ولا يجري عليه حكم العمد ، ولهذا لا يمنع منه الصائم بعد الإمناء كما سيجي‌ء في محلّه إن شاء الله تعالى.

ولو خرج لا بجهة الاستبراء أعيد له الاستبراء من أصله. ويشترط في اعتباره وقوعه بعد انقطاع دريرة البول. والخارج من الرطوبات من دم أو مذي أو نحوهما لا يجري عليه حكم المشتبه. والأولى أن يكون بعد الفراغ من تطهير الدبر.

ولو وقعت قطرة بعده ، أو في أثنائه ، وعلم أنّها بول ، عاد الحدث والخبث ، واستدعت الاستبراء جديداً ، وفي إلحاق المشكوك به قبل استبراء البول أو المنيّ بالنسبة إلى الغير ، وفي إجراء شكّ الغير مجرى شكّه بحث ، وعليه يحتمل القول بتسرية حكم استبراء المني واستبراء البول إلى الحيوان في وجه بعيد.

__________________

(١) في «م» و «س» : المستمني.

(٢) في النسخ : فلا تفسد ، وما أثبتناه هو الأنسب.

١٥٧

ولو أصاب الخارج من ذكره قبل ما يقتضي البراءة بعد خروج البول أو المنيّ من غير فصل زمان أو نحوه قضى بالتنجيس فيه في أحد الوجهين.

ولو شكّ في الاستبراء ولم يكن من عادته ذلك ، ولا كان كثير الشك ، ولا حصلت فاصلة طولىّ ، ولا دخل في عمل استنجاء أو غيره ، استبراء كما في الاستنجاء.

ولو كان معتاداً أو كثير الشك مثلاً فلا اعتبار بشكّه ؛ لأنّه في الحال الأوّل أذكر ، وفي الحال الثاني تلزمه استبراءات لا تحصر.

ولو شكّ في العدد بنى على الأقلّ ، إذا خلا عن الصفتين ، ولو شكّ في السابق بعد الدخول في اللاحق لم يعتبر شكّه.

ولو علم باستبراء وشكّ في كونه عن منيّ أو عن بول بنى على الثاني ويحتمل الأوّل ليجمع بين الحالين.

والشاكّ في الاستبراء كالقاطع بعدمه ، ولو شكّ في أصل الخروج حكم بنفيه ، ولو علم بالخروج والاستبراء وجهل تاريخهما ، أو تاريخ أحدهما وعلم تاريخ الأخر ، حكم بتأخّر الاستبراء على إشكال ، من غير فرق بين أن يعلم حاله السابق ، أولا يعلمه ، والخارج بالاستبراء كالخارج قبله ، وفي إلحاق غير المستبرئ مع خروج المشتبه ، بالمحدثين في باب النذور والعهود والايمان ، إشكال. ويستحبّ فيه البدار كما في الاستنجاء.

المقام السادس ؛ في المكروهات ،

وهي أُمور :

منها : استقبال قرص الشمس ، وكذا قرص القمر والهلال ليلاً أو نهاراً ، مع الكسوف أو الخسوف ، مع الاحتراق وعدمه ، أو الخلوّ عنهما ، مع عدم حجب السحاب أو الثياب أو بعض البدن ونحوها بخصوص الفرج ، دون المقاديم والمآخير ، لا كاستقبال القبلة حال خروج البول من الذكر أو من مطلق المحلّ المعتاد ، لا عند الدخول ، ولا حال الجلوس أو القيام أو غيرها الخالية منه في البول المخرج لا الخارج بنفسه كالصادر من المسلوس والمتقاطر ، وعلى النحو المعتاد دون ما يخرج بالاستبراء ابتداءً واستدامة.

١٥٨

(والقول بالتحريم في الأوّلين ضعيف) (١)

ولو زعم عدم الاستقبال فانكشف حصوله حال التشاغل حرف فرجه.

والمستقبل بالبول من مقطوع الذكر من دون البيضتين أو معهما من الأصل ، والممسوح ، والمستدبر ، والمستقبل بالغائط ، يدخلون في الكراهة في وجه (٢).

ومن بقي له البيضتان فقط بحكم مقطوع الجميع ، لكنّ القول بالكراهة هنا أقرب ، والقول بكراهة الاستقبال والاستدبار في كلّ من البول والغائط بعيد عن الاستفادة من الأخبار (٣).

ولو اجتمع القرصان نهاراً ودار الأمر بين الاستقبالين رجّح استقبال القمر ، وفي أمر الدوران بين المندوبات والمكروهات في هذا الباب وفي غيره يرجّح الثاني بحسب الحقيقة ، وفيما بين الآحاد ومع ملاحظة الخصوصيّات يرعى الميزان ، وكذا بين الواجبات والمحظورات طبيعةً وخصوصيّةً وبين الآحاد.

ومنها : بروز الوجه والفرج للقرصين.

ومنها : استقبال الريح واستدبارها بالبول بل والغائط ، بل جميع مقاديم البدن ، بل وجميع مآخيره ، مع الكشف وبدونه ، على نحو القبلة تعبّداً ، أو لخوف الترشّح فيخصّ البول ، أو مطلق التلوّث فيعمّه مع الغائط ، أو لاحترام الملك الموكّل بالريح.

ومع ملاحظة التعليل يظهر من بعض أفراده التخصيص بالريح القويّ ، أو بغير من تلوّثت ثيابه وبدنه سابقاً ، أو التعميم لما كان على النحو المعتاد ، أو على وجه التقاطر.

ومنها : التطميح بالبول في الهواء الساكن بالجلوس على محلّ مرتفع غير محاط كالخلاء ارتفاعاً معتدّاً به من سطح ونحوه ، تعبّداً ، أو لخشية الرجوع إليه ، أو لاحترام السكّان إن عمّت سكناهم الساكن.

ومنها : البول في الأرض الصلبة ، أو غيرها من كلّ صلب يقتضي ترشّح البول ،

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في «ح».

(٢) في «ح» زيادة : والأوجه خلافه.

(٣) الوسائل ١ : ٢١٢ أبواب أحكام الخلوة ب ٢.

١٥٩

ولا يبعد تسرية الحكم إلى كلّ ما يخشى منه الترشّح من غسالة النجاسات ، وسيلان الدم ونحوها ، في كلّ ما عللت كراهته بخوف الترشّح.

ومنها : طول الجلوس على الخلاء ؛ لأنّه يورث الناسور ، وذو الناسور ربما يورث فيه الدوام.

ومنها : استصحاب دراهم بيض غير مصرورة.

ومنها : الحقن وهو مدافعة البول ، والحقب وهو مدافعة الغائط للمصلّي ، أو مطلقاً ، وقد يلحق بهما الريح ، وربما وجبا مع تعذّر الطهور.

وقد يجري في الطواف وسجود السهو ، وربما الحق به سجود الشكر والتلاوة وغيرهما من العبادات مع منافاة الإقبال ، وربما قيل بالكراهة لذاته.

ومنها : دخول الخلاء ومعه شي‌ء من القرآن أو شي‌ء مكتوب عليه اسم الله تعالى خاتماً كان أو غيره وربما ألحق به جميع الأسماء والصفات وباقي المحترمات.

ومنها : التخلّي على القبر حيث لا يكون محترماً ، وإذا كان محترماً كان محرّماً ، وربما كان مكفّراً ، ويقوى استثناء قبر الكافر والمخالف ونحوهما من البين.

ومنها : البول خارج الماء مع الدخول فيه ، أو في الماء مطلقاً ويقوى إلحاق مطلق القطرات والتغوّط به ، ولإلحاق مطلق النجاسات بل مطلق القذارات وجه حيث لا يكون مملوكاً للغير خالياً عن الإذن كماء الحمّام مثلاً ، ولا ضارّاً بماء الوقف وشبهه من المشتركات كمياه الابار والمصانع الموظّفة في طرق المسلمين ؛ لأنّ له سكاناً ، وفي الراكد أشد كراهة ، وروى : أنّ من فعل ذلك فحدث عليه شي‌ء فلا يلومنّ إلا نفسه (١) وأنّ البول في الراكد من الجفاء (٢) ، ويورث النسيان (٣) ، وقيل : إنّه يورث الحصر ، وفي الجاري يورث السلس (٤). ولعلّ التخلّي في باطنه أشدّ كراهة.

__________________

(١) علل الشرائع : ٢٨٣ ح ١ ، الوسائل ١ : ٢٤٠ أبواب أحكام الخلوة ب ٢٤ ح ٦.

(٢) دعائم الإسلام ١ : ١٠٤.

(٣) الفقيه ١ : ١٦ ح ٣٥ ، الوسائل ١ : ٢٤٠ أبواب الخلوة ب ٢٤ ح ٤.

(٤) انظر كشف اللثام ١ : ٢٣٠.

١٦٠