كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء - ج ٢

الشيخ جعفر كاشف الغطاء

كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء - ج ٢

المؤلف:

الشيخ جعفر كاشف الغطاء


المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-953-4
الصفحات: ٤٦٣

ضرباً عرفاً فلا يجب الإغراق ، ولا يجزي الخفيف المشكوك في دخوله تحت الإطلاق بمجموع باطن كلّ الكفّين متّصلتين كلا بكلّ أو بعضاً ببعض ، أو كلا ببعض أو منفصلتين مكاناً أو في الزمان ، بشرط أن يكونا متعاقبتين ، على إشكال في الصورتين الأخيرتين ، مباشرتين للمضروب لا محجوبتين.

ولو قطع بعض من إحدى الكفّين مع كلّ الأخرى أو بعضها أغنى الباقي ، ولو قُطعا معاً من فوق المفصل فلا ضرب ، والقول بوجوبه حينئذٍ بالباقي ثمّ يمسح بهما جبهته ، ثمّ وضع كلّ منهما على الأخرى ، ثمّ يجرّهما مرتّباً غير بعيد ، ومن نفسه يضرب بمحلّه احتياطاً.

ويجوز كون المضروب أعلى من الضارب أو أسفل أو مسامتاً ، ولو كان على أحد الكفّين ظاهراً أو باطناً ما يتيمّم به ، وضرب بالكفّ الأخر عليه احتسب من الضرب ودخل في التفريق.

ولو ضرب بالباطن فانكشط منه شي‌ء قبل إتمام المسح بذلك الضرب ممّا يلزم المسح به أعاد الضرب ، بخلاف المنكشط من الممسوح والمغسول بعد مسحه وغسله ، وكذا لو انكشف الباطن ورجع قبل المسح إلى ما كان عليه ؛ فإنّه يعاد الضرب عليه.

ولو كان حال الضرب للكفّ حاجب فكشفه بعد الضرب قبل الرفع وباشر المضروب أعاد الضرب ، والضرب المبتدأ لا تكرار فيه ، فلو كرّر ناوياً بالمجموع شَرّعَ وأعاد ، وبالجميع كلّ بانفراد شرع ولم يعد.

ويحتمل أنّ تجويز التفريق مقيّد بما إذا لم يشترط بقاء العلوق إلى حين المسح ، وإلا فإن نسخ العلوق الثاني مثلاً العلوق الأوّل أبطل.

ولو منع من ضرب باطن الكفّين معا مانع ضرب بظاهر هما أو من باطن أحدهما خاصّة ضرب ببطن واحدة وظهر الأُخرى ، ولو منع من البعض فيهما أو في أحدهما احتمل لزوم الجمع بين ضربه وضرب ما يحاذيه من الظاهر ، ويحتمل الاقتصار على ما أمكن من الباطن.

ولو تعذّر فيهما أو في بعضهما أو في أحدهما أو بعضه اكتفى بالوضع لمحلّ العذر ،

٣٢١

والمسح يتبع الضرب والوضع ، فلو كان المضروب الظاهر كان المسح به لا بالباطن.

ويجب استغراق جميع الباطنين بالضرب ما جرى على الممسوح وما لم يجر ومسطّح الأنامل وما بين الأصابع ، وحافّتا الإبهام ، والخنصر الخارجان من الظاهر (١) ، وما اتّصل بالباطن من حاجب يسوغ إبقائه من جبيرة أو شداد أو لُطوخ أو نحوها (٢) ، من ظاهر الباطن. وباطن الباطن المحاط به بجلدة منكشطة مثلاً خال عن الحكم.

ولو زعم وجود المانع عن الضرب ، فوضع أو عن خصوص الباطن فضرب بالظاهر فظهر الاشتباه جاء بالضرب المعهود مع الفراغ وقبله ولو كان على باطن الكفّين جبيرة أو شِداد أو لُطوخ أو غيرها ممّا يحجب وجب رفعه ، وإن تعسّر ضرب به عوضاً عمّا تحت.

ولا يجب البحث عما بين الخيوط ، وطئّات الخِرَق المتضامّة أو ما حاذى حواشي المتفرّقة ؛ لعسر ذلك ، وتحقّق صدق الضرب بضربها. ولو جعل الضارب مضروباً وبالعكس بطل ، ولو تضاربا قوي القول بالصحّة.

ولمّا كان اللازم الضرب بتمام باطن الكفّ وجب رفع الخواتم ، وجميع الحواجب عن باطن الكفّ.

والعاجز عن الضرب يلتمس أو يستأجر من غير ضرر يلزمه بعرضه أو ماله من يضرب كفّه بنفسه عنه ، وإلا يمكن فكفي النائب مع عدم المانع شرعيّاً كالأجنبي لغير مماثله أو مالكه لغير المأذون من المالك وإن أمكن التبعيض لزم. ولعلّ الوضع بقوّة أقرب إلى الضرب.

ولو دار الأمر بين وضع المنوب عنه وضرب النائب قدّم الأوّل على الثاني ، ومن صحّت أصالته صحّت نيابته ، ومن لا تصحّ أصالته لا تصّح نيابته إن اعتبرت نيّته وأريدت بدليّته ، وإلا صحّت ، ولو أمكنت المباشرة في ضرب دون ضرب أُعطي كلّ حكمه.

الثاني : مسح المسطّح من الجبهة لا المسح به. وفي جواز التماسح قوّة ، الذي هو

__________________

(١) وفي «س» كذا : وحافّة الإبهام والخنصر خارجان من الظاهر.

(٢) وفي «ح» زيادة : تقوم مقام الظاهر ، وباطن الباطن.

٣٢٢

عبارة عن (١) الجبهة المحاطة بقصاص الشعر وأعلى الحاجبين من الأعلى أو الطرفين ، وبذلك يحصل التفاوت يسيراً علوّاً وهبوطاً.

والعبرة بالمعتاد في المقامين ، ولا عبرة بالأصلع والأغمّ في البين ، ومخالف العادة في منبت الحاجبين ، وبخطّي الجبينين الواصلين من طرف القصاص ما لم تخرج عن العادة في غير الذكورات وطرفي الحاجبين على النحوين المعتادين ، والمرجع في غير المعتاد منهما إلى المعتاد ، ويلزم إدخال بعض الحدود من الجوانب الأربعة تحصيلاً لليقين.

ولا يجب استيعاب باطن الكفّين ، بل يجزئ منهما ما استغرق الجبهة مع وضع الخط الفاصل بينهما على منتصف القصاص تقريباً ، وإجرائهما إلى الحدّ الأسفل من دون حاجة إلى ردّ ما زاد على الجبهة من الكفّين إليها لتحصيل الإحاطة بهما في الماسحيّة ، ولا إلى التحريك لكلّ منهما إلى الجانب الأخر لاستيفاء ما لم يجرِ عليه شي‌ء من باطنهما ، لوقوعه تحت الحدّ الواصل بينهما ؛ وإن كان الاحتياط أولى فيهما.

ولا بدّ من المسح بهما مجتمعين متّصلين من غير فصل في المسح بينهما أو بين أبعاضهما اقتصاراً على محلّ اليقين ، واضعاً لصدريهما ممّا يحاذي الزندين على شي‌ء من أسفل القصاص ؛ ليحصل يقين الشمول ماسحاً بطولهما على ما يسامت القصاص من طول الجبهة ، لا بالعرض على العرض أو الطول ، ولا العكس ، ولا على الاختلاف بين الكفّين ؛ لتحصيل الإحاطة ، والتجنّب عن مخالفة العادة من وسط القصاص مباشراً ، ومع العجز يرجع إلى النيابة مع الشروط المذكورة سابقاً.

ولا تكرار في المسح وإن سنّ في الغسل المبدل عنه ، كما إذا كان بدلاً عن الوضوء ، فلو كرّر جاء فيه ما مرّ ، وليس من التكرار ما قصد به الاحتياط دون الوسواس ضرباً ومسحاً. ولو بطن الممسوح كلا أو بعضاً بعد ظهوره وبعد مسحه أو بالعكس مضى ولا إعادة.

ولو بدأ بالمسح من الأسفل أو أحد الحاجبين لم يجز. ولو كان في المخالفة في شي‌ء

__________________

(١) في «ح» زيادة : مسطّح.

٣٢٣

من أحكامه موافقة تقيّة بشرائطها السابقة فلا فساد. وشعر الأغمّ النابت على موضع المسح يجتزئ بمسحه عن مسح ما تحته ، ولا يلزم حلقه ، ولا استبطانه.

والعاجز عن المسح بالكفّين معاً يمسح بإحداهما ، وعن التمام فيهما أو في إحداهما يقتصر على البعض ، وكذا مقطوع إحداهما أو بعضها أو بعضهما ، ويجري مثله في الضرب.

والمقطوع من الحدود يعمل بما بقي منها ، والمقطوع من فوقها يضرب بما بقي من يديه ، فإن لم يكن فيما بقي من بدنه ، وملاحظة التفاوت في القرب والبعد بعيدة ، فإن لم يكن فبغيره.

وصاحب الجبهتين في الرأسين ، والأكفّ في اليدين يضرب ويمسح بالجميع وعلى الجميع مع العلم بالأصالة فيها ، والشك دون العلم بالزيادة ، والأحوط عدم الفرق ، واستغراق الكلّ.

وفي الاثنين على الحقو الواحد يعتبر الدفعة في الضرب مع وحدتهما ، ويجوز الترتيب بين عمليهما مع تعدّدهما. وفيهما أبحاث تعلم مما سبق في مقامه.

الثالث : الضرب الثاني خاصاً به الكفّين للغسل فقط على أشهر القولين ، أو أتياً بالضرب والضربتين في تيمّمين في المقامين من الوضوء والغسل ليوافق المذهبين.

ولو أتى بتيمّم بضربة ، وأتمّه ، ثمّ ضرب ضربة أخرى لليدين وافق المذهبين في وضوئه وغسله ، وجاء بالاحتياط في العمل بطريق أقصر من الطريق الأوّل.

ولو ضرب ضرباً ثانياً بقصد الاحتياط قبل الإتمام جرى في الوضوء والغسل إن لم نعتبر بقاء العلوق أو اعتبرناه وما فقدناه ، والضربان الأوّل والثاني ضرب واحد لا اختلاف فيهما وصفاً وكيفيّة ، فإن أخذ بالاحتياط على الوجه الأوّل تيمّم للوضوء المجرّد ، ولغسل الجنابة تيمّمين ، ولباقي الأغسال أربعة ، وعلى الوجه الثاني والثالث يلزم في الأولين واحد ، وللباقي اثنان.

الرابع : مسح تمام طول ظاهر الكفّ اليمنى ، وعرضه بتمام عرض باطن الكفّ اليسرى ، وبمقدار ما اشتمل عليها من طوله ، واضعاً عرض الماسح دون طوله على تمام

٣٢٤

طول الممسوح ، دون عرضه ، فتصح صورة من الأربع ؛ لتوقّف الإحاطة غالباً على ذلك ، ولتوقّف العلم بالفراغ ، للعلم بدخوله في الأدلة عليه.

وسطح الأنامل وما بين الأصابع ، وحاشيتا الإبهام والخنصر من خارج ؛ خارجة ، والمتّصل من ظهور الأظفار باللحم بحيث لا يعمّها المسح وما تحت أطراف الأظفار لا يدخل في حكم الباطن الماسح ولا الظاهر الممسوح.

ولو جعل الممسوح ماسحاً بطل المسح ، وفي التماسح لا يبعد الصحّة. ولو تعذّر المسح بالبطن مسح (١) بالظهر ، ولو تعذّر مسح الظهر احتمل الرجوع إلى مسح البطن ، والأوجه السقوط ؛ لأنّ ما يتعلق بالماسح من الخوارج وعلى نحو المقدّمة ، بخلاف المتعلّق بالممسوح ، وما بقي من الماسح أو الممسوح يتعلّق الحكم به ، فلو قطعت من دون مفصل الزند بقي الحكم ومن فوقه يرتفع الحكم ، وكذا من نفس المفصل ، والأحوط الإتيان به.

ويلزم الابتداء بالأعلى في مسح الكفّين ، كما يلزم في الجبهة على أصحّ الوجهين ، فيلزم إدخال شي‌ء من المفصلين ، كما يلزم إدخال شي‌ء من القصاص (ولا يلزم تحرّي الأعلى فالأعلى مسامتا كان أو لا) (٢) ولا يلزم الاستمرار من غير انقطاع ، وإن كان الاحتياط فيه.

الخامس : مسح تمام طول ظاهر كفّ اليسرى وعرضه بتمام عرض باطن الكفّ اليمنى ، وبمقدار ما اشتمل عليها من طوله واضعاً لعرض الماسح دون طوله على تمام طول الممسوح دون عرضه ، فيقتصر في الجواز على صورة من الأربع عملاً بالاحتياط ، وطلباً ليقين الفراغ ، ويجري من الحكم ما جرى في سابقه.

المقام الثاني : في الشروط

وهي بعد ما اشترط في سائر العبادات من إسلام وإيمان وتميّز وعقل أُمور :

__________________

(١) بدلها في «ح» : صحّ.

(٢) ما بين القوسين ليس في «س» ، «م».

٣٢٥

أحدها : النيّة ، وقد سبق بيان حقيقتها ، ولا يشترط فيها سوى قصد التقرّب إلى الله تعالى ، وتتوقّف على استحضار سبب الرجحان ، وكلّ عبادة عرف رجحانها ، وقصد التقرّب بها صحّت ، وترتّب عليها غاياتها ؛ لأن المؤثّرات الشرعيّة كالمؤثّرات العقليّة ، وارتفاع الحدث والاستباحة ترتيبهما على نحو ترتّب ارتفاع الخبث والاستباحة ، به وليسا من العبادات ، بل من الشرائط الخارجيات ، كالوقت والمكان والقبلة واللباس. فلو نوى فعل الغاية أو تردّد فيه أو نوى عدمه مع تحقّق الخطاب بها (وعدمه مع ارتفاع المانع) (١) فيكون بحيث لو أراد فعل في مقدمة عبادة أو غير عبادة لم يعتبر في رجحانها فعل الغاية صحّ في الجميع.

ويلزم قصد التيمّم مقارناً للضرب ، وقصد بدليّة الوضوء أو الغسل وإن قلنا بوحدة الكيفيّة فلا يجوز التأخير في التعيين إلى وقت مسح الجبهة فيما لزم فيه تيمّمان عن الوضوء والغسل معاً كأغسال الأحداث ما عدا غسل الجنابة ، ولا فيما يلزمان عن غسلين أو أغسال مع إرادة التداخل.

والأقوى أنّه مبيح لا رافع إلى وقت التمكّن من الماء ، ولا ينكشف رفعه بالاستمرار على عدم وجدانه حتى يحدث أو يموت. ويقوى اختيار الرفع في تيمّم الميّت ما لم يجد الماء قبل الدفن ، وكيف كان فلا يجب على المتيمّم معرفة رفعه أو إباحته ، ولا يعتبر أحدهما في نيّته ، ولو نوى إباحة مطلقة تعمّهما فلا بأس.

والمداخلة في البدل بحكم المداخلة في المبدل منه ، فيداخل بين أقسام الأغسال القابلة لبدليّة التيمّم دون الوضوء والغسل ، وإن قلنا باتّحاد الكيفيّة ، والظاهر وجوب التداخل وعدم التفريق فيه بين الأبدال ، بخلاف الأغسال ، وإن أمكن القول بالمساواة باعتبار اختلاف الجهة ، وعلى الأوّل متى قُصِد واحد بلا شرط ارتفع الجميع ، بناءً على وحدة نوع التيمّم ، ومع شرط لا ، يشكل القول بالصحّة.

والظاهر أنّ الضرب من الأجزاء دون المقدّمات ، فمتى دخل فيه بقصد معيّن من

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في «س» ، «م».

٣٢٦

غسل أو وضوء لم يجز العدول عنه إلى غيره ، بل إذا تجدّد له قصد آخر أعاد من الأصل ، وفي المقدّمات من السواك أو غسل الكفّين والمضمضة والاستنشاق إذا لم نقل بدخولها لا يبعد جواز إطلاقها ، وجواز العدول فيها لحصول المطلوب.

ولو أراد المبيح لغير الجنابة ممّا يترتّب عليه الغسل والوضوء كان عليه التعيين ، ولا يبعد جواز الإطلاق ، كما أنّه لا يبعد ذلك في الوضوء والغسل.

وله الخيار في تقديم ما شاء منهما وله أن يتيمّم للوضوء (تيمّماً واحداً ، ويجمع بين الأغسال بتيمّم ، كما له ذلك في الوضوء والأغسال ، وأن يعيّن غاية ويعدل إلى غيرها كما في الطهارة المائيّة ، وله أنّ يتيمّم عن الوضوء) (١) ويطلق بين الأغسال التي معها الوضوء ، وأن يعيّن الواحد ، ويعدل إلى غيره ، كما في الوضوء على إشكال.

ولو تيمّم عن غسل فظهر غيره بطل ، ولو تيمّم عن أغسال فظهر عدم بعضها صحّ عن الباقي ، ولو تيمّم فنسي ثمّ تيمّم أخرى ، فظهر الفساد في الأوّل اجتزأ بالثاني ، وهكذا الحال في الوضوءات والأغسال.

ثانيها : تعذّر استعمال الماء عقلاً أو شرعاً ، وله أسباب :

الأوّل : عدم الماء بحيث يعلم أو يظنّ ظنّاً متاخماً من العلم تطمئنّ النفس إليه بعدم الوصول إليه قبل فوات الوقت ، ولو تيمّم والحال هذه ودخل في الغاية المشروطة به على الاستمرار دون الصوم الذي لا يعتبر فيه سوى مصادفة الصبح ووجد الماء فإن كانت غير صلاة كالطواف قطع وتطهّر وأتم ، وإن كانت صلاتاً فوجده في الأثناء في رحله أو قريباً منه وكان جاهلاً به أو ناسياً له دخل في مسألة واجد الماء في الأثناء ، وسيجي‌ء الكلام فيه في الأحكام.

وإن وجده بعد الفراغ فالظاهر البناء عليها ، ولو كان في ظرفه شي‌ء ، ولم يعلم بكونه ماء أو كان معه أتباع ولم يعلم بوجود الماء عندهم ، وكان متمكّناً من الاختبار فتيمّم بطل تيمّمه.

__________________

(١) ما بين القوسين زيادة في «ح».

٣٢٧

ولو كان في الصحراء وجهل الحال طلب في الأرض من الجهات الأربع ، والأحوط أن يجعل مسيره دوائر حتّى ينتهي إلى المركز مقدار غلوتين على كلّ خطّ من الخطوط الأربعة والغلوة الرمية بالسهم المتوسّط في القوس المتوسّط من الرامي المتوسّط مع الحالة المتوسّطة في الهواء المتوسط ، مع الاستقرار المتوسّط ، والوضع المتوسّط ، والجذب والدفع المتوسّطين ، وهكذا ، لا جزء من خمسة وعشرين جزءاً من فرسخ ، ولا من ثلاثمائة ذراع إلى أربعمائة ، ولا عشر الميل في السهل.

وغلوة في الحَزن ، ويقوى أنّ العلو والهبوط والشجر منه ، ولو كانت الأرض بعضها سهلاً وبعضها حزناً ، وزّع على النسبة ، ففي المنصّفة غلوة ونصف ، وهكذا ، ويحتمل الاكتفاء بغلوة ترجيحاً للحزن ، ولزوم غلوتين ترجيحاً للسهل.

ولو لم يتمكّن من تمام الغاية أتى بالميسور من الجوانب أو امتدادها ، ولو اختصّت الشبهة بإحدى الجهات أو ببعض أجزائها اقتصر عليه ، والظاهر عدم جواز الاكتفاء بالعدل والعدلين ، ومطلق الواسطة وإن كثرت ما لم يحصل العلم.

ولو تعذّر عليه الطلب التمس أو استأجر من لا تضرّ أُجرته بحاله ممّن يستفيد منه العلم ، فإن لم يمكن رجع إلى الأقوى فالأقوى ظنّاً ويقوى (١) ، تقديم العدلين ثمّ العدل الواحد.

ولو كان الفاقد اثنين ، ولا بدّ من بقاء واحد منهما عند أسبابهما ، فإن اختلفا بالتعديل وعدمه ، والاطمئنان احتمل ترجيح الراجح ؛ لأنّه أقرب إلى أداء التكليفين. ومع القول بالمساواة أو المساواة يجب كفاية ، ويحتمل الاقتراع ، هذا إذا لم تكن فُسحة لطلبهما معاً قبل خروج الوقت.

ولا فرق بين المسافر وغيره في هذا الحكم ، ولو طلب قبل الضيق ثمّ تجدّد له الاحتمال في داخل الحدّ جدّد الطلب ولو بلغ ألفاً ما لم يبلغ حدّ الحرج ، ولو صلّى إحدى الصلاتين بعد الطلب مضت ، وجدّد للثانية مع تجدّد الاحتمال طلباً آخر.

__________________

(١) بدلها في «س» ، «م» : ويحتمل.

٣٢٨

ويجب عليه السعي إلى الماء مع العلم بوجوده ، وعدم الخوف من عدوّ ونحوه وضيق الوقت ، ولو عصى في ترك الطلب مع العلم ، أو غلوة أو غلوتين مع الجهل حتّى ضاق الوقت عصى ، وصحّ تيمّمه وصلاته كسائر من استند امتناع الشرط بعد دخول الوقت إلى اختياره كمن أراق الماء المنحصر ، أو أخّر غسل بدنه أو ثيابه من نجاسة لا يعفى عنها ، أو أتلف ثوباً يصلّي فيه مع احتياجه إلى اللُّبس فاضطرّ إلى لُبس غير المأكول ، وكان ذلك كلّه بعد دخول الوقت.

أمّا ما كان قبله فلا عصيان فيه ، ونحو ذلك من وجبت عليه خصال مرتّبة فأتلف السابقة ، ومن أخّر تعلّم الصلاة حتّى ضاق وقتها إلى غير ذلك.

ولو حصل له مانع يمنعه يمكن دفعه لكن يخاف منه فوت الوقت تيمّم وصحّت صلاته ولا قضاء ، ومن وجد لبعض أعضائه (١) ماء وأمكن الإتمام بجمعه كان واجداً للماء وإلا لم يجب في وضوء ولا غسل ويبقى الماء على حاله إلا إذا قطع عضواً وحدثت جبيرة فعاد مجزياً.

ولو أمكن إتمامه بمضاف أو بعض المائعات وغيرها مع بقائه على إطلاقه وجب ، والقدرة الربانيّة لا يدور التكليف عليها ، ولذلك كان للأنبياء والأوصياء التيمّم عند فقد الماء ، ويلحق بها التمكّن بالدعاء وإمكان استنباط المعتصر المائيّ من المركّبات ، وتبديل الحقائق ؛ لأنّه (٢) يعرف ذلك من الوجدان.

الثاني : حصول المانع شرعاً أو عادة وعرفاً ومن القسم الأوّل أن يكون الماء مملوكاً أو ممنوعاً من استعماله لرهانة أو تحجير ونحوهما ، ولا يجري المنع في الماء الكثير كالماء الجاري في الأنهار أو الراكد في الأراضي المنخفضة الكبار بالنسبة إلى غير الغاصب وأعوانه ، ويقتصر المنع على ما لم يمكن فيه إرضاء المالك بالتماس لا يخلّ بالاعتبار ، أو ببذل ثمن لا يضرّ بالحال.

ولا يجب على واجده بذله لباذل الثمن ، إلا أن يكون وليّاً وأوجبت عليه مراعاة

__________________

(١) في «س» ، «م» : أجزائه.

(٢) في «س» ، «م» : ليس من الوجدان.

٣٢٩

الغبطة أو خوف التلف بذله ، ومثل المملوك في المنع أن يكون وقفاً على جهة مخصوصة مع النصّ على المنع عن التطهير ، أو مع منافاته لها ، أو يكون مفسداً للماء في وِرد مثلاً مشترك بين المسلمين.

أو يكون محترماً (١) كالغسل للجنابة أو مطلقاً داخل بئر زمزم ، أو آبار (٢) المساجد ، أو ما أخذ منها بقصد الاستشفاء ، أو يكون متوقّفاً على الات وأسباب مملوكة ممنوع عن استعمالها ، ولا يمكن استحلالها بسؤال لا يخلّ بالاعتبار أو ببذل ما لا يضرّ بالحال ، أو على قهر من لا يجوز قهره.

أو يكون دائراً بين رفع الخبث الخارج عن العفو مع وجود ما يتيمّم به ، وتطهيره بتمامه ، أو حتّى يدخل في مقدار العفو مع كونه في البدن أو في الثوب مع انحصاره ، ومع عدم حصول المانع عن الإزالة من خوف رطوبة أو جبر جابر أو تعسّر مباشرة واستنابة ، والظاهر عدم تعيّن تخفيف الخبث مع عدم بلوغ حدّ العفو.

ومن القسم الثاني وقد يدخل بعض آحاده في القسم الأوّل أُمور :

منها : أن يكون في بئرٍ عميقة القعر أو نهرٍ عالِ الأجراف (٣) أو مكان متعسّر الوصول وقد تعذّرت أو تعسّرت عليه الأسباب ، أو تحصيل من يقدر على القيام لتحصيله لا مجّاناً ولا بأجرة غير ضارّة.

ومنها : الخوف على نفسه أو نفس محترمة بهيميّة أو إنسانيّة لذاتها دون ما لا حرمة لها أصلاً كنفس الحربي ، والمخالف هنا مثله ، والمرتدّ عن فطرة ، والملحق به كالسابّ لأهل البيت عليهم‌السلام أو تكون حرمتها بالعارض كالمملوك التابع ، والمعتصم المشروط له ذلك.

وأمّا غير المشروط لهم من المعتصمين فلا حرمة لهم كنفس الذمّي والمعاهد ونحوهما مع عدم إدخال حفظه بالشرط.

__________________

(١) في «م» ، «س» : محرّما.

(٢) في «ح» زيادة : الماء.

(٣) في «م» ، «س» : الأطراف.

٣٣٠

وأمّا الزاني المحصن واللائط ومن عليه القصاص المجرّد فالظاهر احترامها منهم (١) من سَبُع أو غيره من الحيوانات المؤذية. أو عطش مهلك أو باعث على حدوث مرض صعب أو دوامه ، من غير فرق بين كونه عن جنابة أو غيرها من غسل أو وضوء تعمّد السبب أو لا ، قبل المرض أو بعده ، قبل الوقت أو بعده. أو على ماله أو مال محترم لغيره ضارٍّ بالحال أو عِرضه أو عِرض محترم لغيره من لُصّ أو عدوّ أو غيرهما ، ومن أذية معتدّ بها أو غيرها ، والخوف من غير سبب معتبر عند العقلاء ، وإنّما سببه الجبن من الخوف المتعلّق به الحكم إن لم يتيسّر علاجه.

ولو أمكن ذبح الحيوان المحترم القابل للتذكية لم يجب ، ولصاحبه الخيار في ذلك إن لم يترتّب عليه ضياع مال يجب حفظه ، وكذا له الخيار فيما يتوقّف عليه حفظ ماله أو مال غيره حيث لا يكون ضارّاً ، ولو استعمل الماء في موضع حرمة استعماله في عبادة بطلت ، ولو عصى الله فقتل نفساً محترمة أو شرب ماء مغصوباً فارتفع خوف الهلاك عنه عصى وصحّت طهارته.

ومنها : خوف البرودة المهلكة أو الباعث على حدوث مرض أو دوامه ، مع تعسّر الحمّام والنار لتسخين الماء أو الهواء إلا ببذل ما يضرّ بحاله.

ومنها : خوف ضيق الوقت عن أداء الفريضة تامّة ، ولا يلزم مجرّد الركعة مع استعمال الماء ، ولو انكشف عدم الضيق أو عدم سبب الخوف صحّ ما فعل ، والمتعذّر أو المتعسّر ، عليه التيمّم من الماء بعد وجود مقدار منه بحكم فاقد أصل الماء ، فيجب عليه السعي في تحصيله ، كما يجب عليه السعي في تحصيله.

ولو توقّف دفع العدوّ المانع على قتله من دون خوف على النفس ولم يكن محترماً قُتِلَ ، وإن كان محترماً وكان الماء مملوكاً تخيّر بين قتله دفاعاً والتيمم ، مع احتمال وجوب القتل معيّناً وحرمته ، وإن كان مباحاً ودعاه إلى استعماله إرادة التطهير من الحدث أو من الخبث في غير محلّ العفو فالأقرب وجوب التيمم حينئذٍ ، ويجب تحصيل

__________________

(١) في «م» ، «س» : بهم.

٣٣١

السلاح للدفع المشروع الواجب على نحو وجوب تحصيل الماء والآلات من غير فرق.

ثالثها : الترتيب ، وهو من الشرائط الوجوديّة دون العلميّة في بدل الوضوء بتقديم الضرب ثم مسح الوجه ثمّ مسح اليد اليمنى ثمّ مسح اليد اليسرى ، وفي بدل الغسل تقديم الضرب ثمّ مسح الوجه ثمّ الضرب لمسح اليدين ثمّ مسح اليد اليمنى ثمّ مسح اليد اليسرى ، فلا تصحّ في الأوّل إلا صورة من أربع وعشرين صورة ، وفي الثاني لا تصحّ إلا صورة من مائة وعشرين.

ولو أخلّ بالترتيب بترك فعل أو بعضه عمداً عاد على المتروك ثمّ أعاد ما بعده مع عدم الإخلال بشرط الموالاة ، وكثير الشكّ لا يعتبر بشكّه فيما مضى من فعل أو بعضه ، ومستقيمه إذا شكّ في فعل أو بعضه وقد دخل في جزء آخر لا يعتبر شكّه فيما هو بدل من الغسل ، وفي بدل الوضوء وجهان ، أقواهما عدم الاعتبار.

ولو عكس الترتيب عامداً فإن أدخله في مبدأ النيّة بطل ، وإلا صحّ على الأصحّ ما تقدّم دون ما تأخّر إن لم يفت الشرط. والجاهل بالحكم حكمه كحكمه. ولو كان عن نسيان صحّ المؤخّر عن تقديم ، وأعاد المقدّم عن تأخير.

وترك جزء ما من المقدّم وإن كان يسيراً ، والأخذ بما بعده مخلّ بالترتيب ، إلا في بعض أبعاض الكفّ فيما تعدّى (١) الحدود من الممسوحات في وجه قويّ ، وما بين خيوط الجبيرة أو طيّات العصائب في تيمّم الجبائر (لا يجب استيعابه) (٢) ولو عكس الترتيب فقطع المقدّم فصار المؤخّر الممسوح في محلّ المقدّم الذي قطع بعد المسح أعاد على المؤخّر.

رابعها : الابتداء بالأعلى ، وهو شرط وجوديّ لا علميّ في مسح الجبهة والكفّين فيما حكم على مبدله في مغسولاته به كالوضوء أو لا ، كالغسل من غير فرق بين قصد بدليّة الترتيب أو الارتماس ، والظاهر أنّ قصد التعيين فيه لاغ.

والظاهر اعتبار الأعلى بالنسبة إلى جميع أجزاء سطح الجبهة لا ما كان علوّه بالنسبة

__________________

(١) بدلها في «س» ، «م» : قارن.

(٢) بدل ما بين القوسين في «س» ، «م» : لا بأس به.

٣٣٢

إلى خطّ منها. ولو كشط جلد من الأعلى فتدلّى ، ففي وجوب ردّه أو الاكتفاء بمحلّه وجهان ، أقواهما الثاني ، ولو تعذّر أو تعسّر مسح المحلّ احتمل وجوب الردّ إليه ، والمسح عليه وإلحاقه بحكم الجروح والجبائر ، والثاني أقوى ، ويجب الأخذ من الحدود لتحصيل يقين الإحاطة بالمحدود.

خامسها : المباشرة بكفيّه وهو شرط وجوديّ في حقّ المختار فلا يجزي بكفّي غيره ، وأن يكون بفعله فلا يجوز بفعل النائب وإن كان بكفّي المنوب عنه حتّى لو جاء بأقلّ جزء من غير مباشرة بطل التيمّم ، إلا أن يعود على فاقد المباشرة حيث (١) يكون في الأثناء ، ثمّ على ما بعده حيث لا يكون داخلاً في أصل النيّة ، ولا مستلزماً للإخلال ببعض الشروط الشرعيّة ، ولو باشر في تيمّمه ثمّ نسيه فجاء بآخر من غير مباشرة أو بالعكس أجزء الصحيح منهما.

سادسها : الموالاة وهي من الشرائط الوجوديّة فيما هو بدل عمّا فيه الموالاة كالوضوء أو لا ، كالغسل بمعنى أن لا يكون فيه فاصلة زائدة على المتعارف بين الأعمال ، لا (٢) بملاحظة مرور زمان يقتضي جفافاً ينافي موالاة الوضوء لو كان وضوءاً فيتوجّه حينئذٍ الفرق بين بدله وبدل الغسل ؛ لأنّ الظاهر من الأمر بالمركّبات الصرفة أو الشبيهة بذات الجزئيّات كثلاثة أيّام في نذر الصيام أو غيره من الأعمال المتابعة ، إلا ما قام الدليل على خلافه.

وهذه الأحكام بأقسامها الأربعة ممّا مرجعها إلى مسألة الشكّ في شروط العبادة وإلى مسألة الناسي ويعلم ثالثها من الكتاب والسنّة ، وربّما حصل أوّلها من كتاب الله ، وثانيها من النظر فيما قررناه.

سابعها : عدم الحاجب بين بشرة الضارب والمضروب ، وهو شرط وجوديّ في حقّ المختار ، والماسح والممسوح فيجب رفع الحواجب كالخواتم والأوساخ المتكاثفة ونحوها ، ولا يجب طلب ما تحت الشعر النابت في الجبهة أو ظهر الكفّين ، بل يجتزي بمسحه عن

__________________

(١) بدل «حيث» في «م» ، «س» : حتى.

(٢) في «س» : إلا.

٣٣٣

مسحه ، وفي المسترسل من شعر المفصّل أو ما فوقه بيسير (يجري الحكم المتقدّم) (١) ، وما بين الأظفار فضلاً عمّا تحتها وبين سطح الأنامل لا يجب البحث عنه.

ولا يلزم بقاء الممسوح على حاله إلى التمام أو تمام العضو ، بل لو مسح جزءاً صغيراً فحجب أو مسح ظاهر الشعر فحلق أو مسح حاجباً مأموراً بمسحه كجبيرة أو شداد فأزيل ولم يختلّ شرط بعدها صحّ.

وفي لزوم استبطان شعر الحاجبين أو الأغمّ مثلاً وعدمه وجوه ثلاثة ، اللزوم مطلقاً ، والعدم كذلك ، والتفصيل بين ما هو بدل الوضوء وما هو بدل الغسل ، والأوسط أوسط (٢).

والمدار على ما يسمّى حاجباً عرفاً ، فالأجزاء الملحقة بالألوان كالدسومة ، وما تعلق من أجزاء ترابية أو كحلية ولم تتكاثف يجري عليه حكم الألوان في أمر حاجبيّته وعُصبيّته.

ثامنها : دخول وقت العبادة المستباحة به ، ولا يشترط ضيقه مع اليأس من الماء ، وهو شرط وجوديّ.

تاسعها : طهارة محلّ المسح حين إرادة مسحه ، وهو من الشرائط الوجوديّة في حقّ المختار ، فيجوز إبقاء الجزء اللاحق متنجّساً إلى ما بعد الفراغ من السابق ، ثمّ غسل اللاحق قبل مسحه ثمّ مسحه إن لم يلزم الإخلال بشرط ، ولو تعذّر عليه غسل تمام النجاسة ، وجب عليه غسل الميسور.

ولو تمكّن من غسل باطن الكفّين أو أحدهما وظاهرهما أو الجبهة ، قدّم الأوّلان ؛ ليباشر بهما الضرب والمسح ، وسبقهما دون الأخيرين. ويحتمل تقديم مراعاة المتعدّد على المتّحد مطلقاً ، واليمنى واليسرى سيّان ، إلا من جهة التقدّم والتأخّر ، والمعفوّ عنها من النجاسة وغيرها وشديدها وضعيفها هنا سواء ، ولتقديم الوسطين على الجانبين وجه.

__________________

(١) بدل ما بين القوسين في «ح» : يجتزي بمسحه الحكم.

(٢) في «س» ، «م» : والأحوط الوسط.

٣٣٤

عاشرها : إباحة المكان على نحو ما مرّ في مشترك العبادات.

المقام الثالث : فيما يتيمّم به

ويشترط فيه أُمور :

منها : الطهارة والمشتبه بالمحصور منه بمنزلة المشتبه به من الماء يجب اجتنابه ، ويتبعه في أحكامه. ولا يجوز تكرار استعماله في تيمّمات تزيد على عدد المتنجّس بواحد لتحصيل يقين الطاهر ؛ لأنّ المنع من استعماله فيما يشترط بطهارة الحدث أو الإباحة ذاتيّ ، من غير فرق بينهما على الأقوى ، ولو كان جزء صغير من المضروب عليه بمقدار رأس شعرة متنجّساً بطل ذلك الضرب من أصله لا بمقداره لقوّة اعتبار الدفعة.

ولو ضرب فلم يعلق منه سوى الغبار الطاهر أو علقا معاً ، فانفصل المتنجّس حكم بالبطلان أيضاً.

ومنها : الإباحة مع العلوق وبدونه إن لم تشترطه ولا تجزي الإجازة فيه ، ولو بعد الضرب قبل الرفع على ما مرّ من أمثاله ، والممنوع منه الذي يلزم الحرج من المنع عنه لا بأس بالتيمّم بشي‌ء منه في محلّه لغير الغاصب ومساعديه على الغصب ، وفي النقل والحمل يتقوّى المنع مع العلم بالمنع.

وما كان من المساجد وسائر الأوقاف لا مانع من التيمّم فيه ، وإن استلزم بقاء العلوق إلى الخروج ، والمشكوك في المأذونيّة فيه حيث لا يدخل في التسعة المستثنيات (١) تبعاً بمنزلة المغصوب ، والمشتبه بالمحصور كذلك ، ولو أذن المالك للغاصب أو غيره في التيمّم أو غيره من العبادات جاز استعماله وصحّت أعماله ، والممزوج بالمغصوب ولو بيسير منه يجري فيه حكمه.

ومنها : إباحة ما وضع عليه من أرض أو سقف أو ظرف أو فراش ونحوها على وجه يعدّ تصرّفاً ، أو انتفاعاً ، ولو انفصل بعد الضرب قبل المسح لم يفد شيئا ، وفسد

__________________

(١) انظر آية ٦١ من سورة النور كما سبق.

٣٣٥

التيمّم لفساد الشرط.

ومنها : الإطلاق فلا يصحّ تراب أو أرض أو غبار أو طين مضافة لا تدخل في إطلاق الاسم ، إلا مع الإضافة أو قرينة خارجة.

ومنها : الترتيب بين أقسامه على نحو ما نرتّبها في الذكر ، وهي أُمور :

الأوّل : التراب وشرطه الإطلاق بأن يدخل تحت العنوان من دون قرينة ولا إضافة ، وإذا أُضيف كانت إضافته لتميز المصداق ، لا لتصحيح الإطلاق ، ويدخل فيه الأبيض ، والأحمر ، والأسود والأصفر ما لم يخرج عن الاسم لخصوصيّته ، كالمغرة ونحوها.

وليس منه الرمل والجصّ والنورة وسحيق الخزف ونحوها ممّا يدخل تحت اسم الأرض دون التراب ، ولا تراب الصياغة ، والأشنان والحديد ، والنحاس واللؤلؤ ، والخشب ، وسحيق النبات ونحوها ، ممّا يدخل في المضاف من التراب مع الخروج عن اسم الأرض.

والمزج المخرج عن صدق اسم المطلق يدخله في حكم المضاف ، والظاهر أنّ الأجزاء الدقاق غير مانعة عن تمشية حكم الإطلاق. والمشكوك فيه بحكم المضاف إلا إذا استصحب اليقين (١) السابق.

والشبهة في المحصور مانعة عن الاكتفاء ببعض أفراده ، ولو أتى بالتكرار بحيث يريد الواحد مثلاً بزعم الإصابة للكلّ (٢) بكلّ واحد على التدريج صحّ (على القول بلزوم الدفعة) (٣) وكذا في مقام الاضطرار ؛ لعدم النصّ على إراقته كما في الماء (٤) في وجه قويّ. ويقوى المنع مع الاختيار ؛ لقصر جواز الاحتياط على حال الاضطرار.

ولو ضرب على غير المجزي بعد المجزي أجزأ ، وكذا العكس إن لم يلزم إخلال بشرط الموالاة أو العلوق.

ولو تيمّم بالرمل أو الرماد أو الجصّ أو النورة أو الحصى أو الصفا أو المشويّ أو

__________________

(١) في «م» ، «س» : التعيّن ، وكذا في «ح» ، وما أثبتناه في المتن هو استظهار من نفس «ح».

(٢) في «ح» : للأكل ويحتمل أن يكون تصحيف : للآكد.

(٣) ما بين القوسين ليس في «ح».

(٤) ما بين الحاصرتين لم يكن في «س» ، «م».

٣٣٦

سحيقها مع وجود التراب لم يصحّ على الأصحّ ، وما خرج عن اسم التراب بعمل أو بإحراق فصار رماداً منع منه.

الثاني : الأرض المطلقة من غير التراب التي يطلق عليها اسم الأرض من دون قرينة من إضافة أو غيرها من حجر أو مدر أو صفا أو رمل أو حصى أو جصّ أو نورة مطبوخة أو لا أو مشويّ من الطين من خزف أو غيره جافة أو مبتلّة ما لم تدخل في اسم الطين والوحل.

وما خرج عن المصداق في الإطلاق ودخل بالاستحالة في قسم المضافة كأرض الملح ، والكحل وما يكون من الياقوت ، والزمرّد ، واللعل والعقيق ، والمرجان ، والفيروزج ، والقير ، والكبريت ، ونحوها.

أو التكوّن من الماء كالمرمر واللؤلؤ ونحوهما ، أو بالمزج بأن يخالطها ممّا ليس منها فيخرجها عن الاسم ، ولو استحال غير الأرض إليها أو استحالت إليه ، فالمدار على المحال إليه دون المحال. ولو شكّ في الاستحالة بنى على ما سبق من الحالة ، والأحوط التجنّب.

الثالث : غبار التراب مع ترتّب العلوق في ثياب أو فراش أو دثار أو لبد سرج أو رحل أو شعر دابّة أو وطاء ونحوها ، مع طهارة ما نشأ منه وإطلاقه فيختصّ بما كان من التراب المطلق وإباحته في وجه قويّ ، والظاهر مساواة محالّه ، فعُرف الدابّة ولبد السرج مثلاً متساوية مع كونه من التراب ، ويحتمل تقديم الأكثر على الأقلّ.

الرابع : غبار أجزاء الأرض ممّا لا يعدّ تُراباً ، كالجصّ والنورة وسحيق المشويّ ونحوها ، بل هو مرتبة ثانية من الغبار في وجه قويّ ، ولو أمكن تكرار النفض حتّى يعود إلى أحد القسمين الأوّلين وجب ، ولا اعتبار بغبار الطحين وسحيق الأشنان والكحل ، وسحيق النبات والشجر ونحوها.

ويشترط إباحة محلّ الغبار مع الضرب عليه ، ولو نفضه فحصل منه تراب ، أباحه الإعراض أو الإذن ، عصى في النفض ، وأطاع في الفرض ومع عدم الإباحة يعصي فيهما.

ويشترط طهارته ، ويجزي في الحكم بها عدم العلم بنجاسته ، والغبار المختلط

٣٣٧

ممّا يجوز ولا يجوز يلحق الاسم ، فيختصّ الجواز في صورة واحدة منه ، والمشكوك فيه لا يجوز فيه ، غير أنّ غبار التراب كالأصل فيه ، فالاحتمال الضعيف لا يؤثّر فيه ، وفي تقديم الغليظ على الخفيف وجه قويّ.

ولا بدّ من كون المضروب عليه بمقدار باطن الكفّ ، وكون ما فيه غبار يسع الباطنين مع الإمكان ، ولو حصل الغبار أو القابل منه بعد الضرب قبل الرفع لم يؤثّر في الجواز شيئاً.

الخامس : الوحل من التراب ويشترط فيه ما مرّ من طهارة وإباحة وإطلاق.

السادس : الوحل ) من سحيق أجزاء الأرض من غير التراب وهو مرتبة ثانية بعد طين التراب ، ويشترط على نحو ما سبق فيما سبق طهارته وإباحته وإطلاقه ، ويضرب في المقامين على الطين ، ثمّ ينفضه نفض التراب ؛ ليبقى مثل العلوق استحباباً ، ولا بأس بالمسح به على حاله.

ولو أمكن تجفيفه حتى يعود إلى أصله وجب ، والمتّخذ من غير الأرض لا عبرة به ، ولو شكّ فيه لم يجز التيمّم به ، والشكّ في المحصور من مضاف أو متنجّس يجري فيه حكمه المذكور ، ولو لم يُحط المضروب بتمام الباطن وتعذّر المحيط ، كرّر ضرب الأجزاء إلى الاستيفاء ، فإن تعذّر اقتصر ، ويحتمل ضعيفاً السقوط كالممسوح.

السابع : ما تركّب من قسمين من الأقسام السابقة أو أكثر ؛ لعدم وفاء قسم واحد بمباشرة تمام باطن الكفّ ، وصور التركيب ثنائيها وثلاثيها إلى سداسيها كثيرة.

ويرجع كلّ سابق على لاحق وعلى ما تركّب منهما ، وفي ترجيح اللاحق على ما تركّب من سابقه ولاحقه ، وما تركّب من السابق ولاحق اللاحق على اللاحق إشكال.

ولا يجوز العدول إلى اللاحق عن السابق إلا مع تعذّره أو تعسّره ولو بثمن أو أُجرة لا تضرّ بالحال ، ولو وجد السابق بعد الفراغ من اللاحق وبعد الفراغ من الصلاة ، أو الدخول فيها قبل الركوع ، أو بعده مضى على صلاته.

ولو وجده قبل الدخول في الصلاة بعد الفراغ منه أو في أثنائه قوي القول بلزوم

__________________

(١) بدلها في «س» ، «م» : ما إذا كان.

٣٣٨

الإعادة ، ويحتمل الإلحاق بوجدان الماء ، وتمشية الغلوة والغلوتين في فاقد التراب ، أو فاقد مطلق السابق ، وإن وجد اللاحق ذات وجهين أقواهما تسرية الحكم. ولا ينبغي ترك الاحتياط في أمثال هذه المقامات.

الثامن : الثلج على ما قيل صلباً أو رخواً والتحقيق عدم اعتباره في باب التيمّم ، نعم إن أمكنت إذابته بكفّيه أو بغيرهما حتّى يقوم مقام الماء وجبت ، وإلا فحاله كحال الماء المتكوّن ملحاً أو نحوه.

ولو تيمّم به قاصداً له أو لرطوبته على اختلاف الوجهين عاملاً بالاحتياط وصلّى (١) أخذ بالجزم وقضى أو أعاد ، وفي تقديم الصلب على الرخو ؛ لأنّه أقوى شبهاً بالأرض ، أو بالرخو ؛ لأنّه أقوى شبهاً بالتراب وجهان ، والأقوى أنّهما سيّان.

المقام الرابع : في التيمّم الاضطراري

وهو أقسام :

أحدها : تيمّم التقيّة بالنكس أو مسح جميع محالّ الغسل في الطهارة المائيّة ونحو ذلك ، ويصحّ مع جمع الشروط المذكورة في بابها ، وإذا كان ما به التقيّة مشتملاً على المشروع وزيادة ، وجب تخصيص المشروع بالنيّة وإخراج الزيادة.

ثانيها : ما يتيمّم به ، ولا يصحّ التيمّم عند الاضطرار مع تجاوز الأقسام السابقة ، ويصحّ مع التنقّل عن السابق إلى اللاحق كما تقدّم ، ومع القصور عن مباشرة تمام باطن الكفّ وإمكان التكرير حتّى يستوفي يجب التكرير ، ومع تعذّره أو تعسّره يقتصر على الممكن ، ولا يسقط على الأقوى.

وأمّا نجاسته بتمامه أو امتزاجه بحيث لا يتميّز فلا يسوغها الاضطرار ، ونجاسة بعضه حكمها مع عدم التعدّي أو التعدّي والعفو حكم القصور. والمغصوب مع الاضطرار إلى التيمّم به لفقد غيره كحاله مع الاختيار ، وأمّا في الإجبار مع

__________________

(١) في «م» ، «س» زيادة : ثمّ.

٣٣٩

الاضطرار فيصحّ فيه كالنسيان.

ثالثها : أنّه إذا كان في الكفّ ، في ضربه أو مسحه لُقطة نقص من الكفّين أو من أحدهما ، تعلّق الحكم بالباقي ، ولا يجب تدارك الفائت بالبدل ، وإذا قطع أحدهما مستوفى اختصّ الضرب ومسح الوجه بالآخر ، وإذا قطعاً معاً سقط الضرب بهما ، ولزم البدل في وجه.

وإذا كان فيهما أو في أحدهما كسر أو في باطن أحدهما جرح يمنع بنجاسته أو بخوف أذيّته عن مباشرته جعل الجبار والعصابة عوضاً عن البشرة ، وضرب بهما ومسح ، إن كلا فكلّ ، وإن بعضاً فبعض ، ولو تعذّر أو تعسّر إلا بالبعض أتى بالممكن ، ولا يجب البدل عن غيره.

وإذا حصل عذر عن الضرب اجتزأ بالوضع ولم يلزم ضرب البدل ، وإذا عذر عنه استقبل بيده ما يأتي به الريح أو غيره ، ويقدّم على الضرب على الغبار كما يقدّم الوضع على الغبار على ضرب الوحل على إشكال.

رابعها : ما يكون في الممسوح ، وفيه ضروب :

أحدها : القطع ، فمتى قطع أحدها من أصله ولم يبقَ شي‌ء منه ، سقط حكمه ، واجتزأ بالباقي ، وإن بقي بعضه اجتزأ به ، فقد ينتهي إلى الانحصار بعضو واحد أو بعضه ، كمسح الجبهة أو بعضها أو جبيرتها مثلاً ، مع وضعها أو مجرّد إصابتها مرتّباً.

ثانيها : تيمّم الجبائر والعصائب ، والظاهر هنا عدم الفرق بين ما يكون على تمام العضو أو الأعضاء وما يكون على البعض منه ، أو منها ، ويمسح بجبيرة الماسح مثلاً على جبيرة الممسوح ، ولا يلتفت إلى ما بين الخيوط وطئّات العصائب ممّا يشقّ وصول الماسح إليه.

ولو دار الأمر بين الوضع بلا جبيرة وبين الضرب معها قدّم الأوّل على الثاني ، ويراعى أعلى الجبيرة الموضوعة على ما يطلب (١) أعلاه.

__________________

(١) في «س» : يعلم.

٣٤٠