كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء - ج ٣

الشيخ جعفر كاشف الغطاء

كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء - ج ٣

المؤلف:

الشيخ جعفر كاشف الغطاء


المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-371-030-3
الصفحات: ٥٥٢

١
٢

٣

٤

كتاب الصلاة

٥
٦

في شرائط الصلاة

القسم الثاني : من شرائط الصلاة اللّباس

وهو عِبارة عمّا مِن شأنه الإعداد لستر البدن أو ستر ساتره ، مع الاتصال بأحدهما أو بعضاً من أعلاه ؛ كالعمامة والقلنسوة والعصابة والمقنعة ، أو أسفله ؛ كالخفّ والجورَب والنعل ونحوها ، أو وسطه ؛ كالقميص والقباء ونحوهما ؛ للتحفّظ عن البرد أو الحرّ أو النظر ، أو مُطلق الضرر ، أو لطلب التجمّل أو التزيين ، أو الإعداد لبقاء صفة الستر ؛ كالحزام والتكّة.

فيخرج الفسطاط ، والدثار ، والجبار ، وعصائب الجروح والقروح ، والحلي ، والسلاح ، وما يصنع من الجواهر المنطبعة فيوضع وضع الحلي من حلق الحديد ، ونحوه ممّا لا يُعمل كهيئة اللباس كما في الدرع ، وجزء اللّباس كالعَلَم ، والمتّصل به في أطرافه مخيطاً به ؛ كالكِفاف والسفائف والخيوط ونحوها ، أو ملبّداً ولو في وسطه ؛ كالحشو على إشكال.

وأمّا الوجهان أو الوجوه فمن اللّباس ، والمتّصل به من شعر ونحوه لا يُعدّ لباساً.

وكيف كان ؛ فاللباس قسمان : مُطلق ينصرف إليه الإطلاق من دون ضميمة ، ومُضاف لا يُعرف إلا بالإضافة أو القرينة ، والحكم على المطلق يخصّ القسم الأوّل ، والظاهر أنّه أعمّ من الثوب.

٧

فالمنع في اللباس فضلاً عن غيره قد يتعلّق بخصوص لبسه ، دون مطلق مصاحبته وحمله واتصاله ، كما في الحرير ، والمتنجّس ، والذهب مسكوكاً ، وغير مسكوك ، غير أنّ اللّبس في الذهب لا يعقل إلا بالخلط ، أو الوضع في أجزاء اللّباس ، أو جعله حليّاً ، بل الظاهر دخول المطلي فيه ، وقد يتعلّق بالملبوس ، وجزئه ، والملتصق به ، ولا بأس بحمله ، كأجزاء ما لا يؤكل لحمه (١).

وقد يعمّ الأحوال من اللّبس ، والاتصال بالملبوس ، والحمل ، وكلّما يتحرّك بحركة الصلاة ونحوها ، كالمغصوب وشبهه ممّا تعلّق به الرهن والحجر ونحوهما (وقد يتعلّق بخصوص اللبس والاتصال ، كما لا يؤكل لحمه وفضلاته) (٢) ، وسيجي‌ء الكلام في ذلك مفصّلاً.

وينحصر البحث فيه في مقامات :

الأوّل : فيما تتحقّق به حقيقة الستر المراد

يَلزم فيما يجب سَتره للصّلاة حال الاختيار أن يُسمّى لباساً عُرفاً ، فلا يجزي التستّر بحشيشٍ ، ولا خوصٍ ، ولا ليفٍ ، ولا ورقِ شجرٍ ، ولا قطنٍ ، ولا كتّانٍ ، ولا صوفٍ غير مغزولة ، أو مغزولةٍ غير منسوجة ، ولا طينٍ ، ولا نورةٍ ، ولا بماءٍ ، ولا حفرةٍ ، ولا بجزءٍ من بدن إنسان أو حيوان ، ولا بحاجبٍ من شجرةٍ أو حجرٍ أو ظلمةٍ ، أو عمى يمنع عن الإبصار.

وما جعل من الحشيش والخوص والليف ونحوها كما ينقل عن بعض الأولياء بصورة اللباس يكون بحكمه ، ومع الاضطرار يقدّم ما قبل الطين على الطين والنورة ونحوهما.

وفي تقديم الطين وأخويه على السابق عليهما وعليه ، وتقديم مغزوله على غيره ، والطين والنورة على ما بعدهما ، والماء الكدر الساتر على الحفرة ، وهي على ما بعدها ،

__________________

(١) في «ح» زيادة : وفضلاته.

(٢) ما بين القوسين ليس في «ح».

٨

وما قبل الظلمة عليها ، وهي على ما بعدها وجه قريب ؛ لأنّ الحجب عن النظر واجب من حيث الصلاة أيضاً عند أهل النظر (١).

ولو قيل : بأنّ كلّ ما كان للسّتر أليق كان بالتقديم أحقّ ، لم يكن بعيداً.

والواجب ستر اللون دون الحجم. ودخول اللون في لون الساتر فلا يمتاز عنه لا يكفي في تحقّق الستر. ولو حصل الستر من مجموع الثياب الرِّقاق في الصلاة أجزأ. ولو دارَ بين رِقاقٍ ، وكان بعضها أقرب إلى الستر ، احتملَ وجوب تقديمه.

ويجب التركيب من الحشيش والطين والثياب الرقاق ونحوها من اثنين أو ثلاثة وهكذا إذا لم يفِ أحدها بالستر.

ومن تمكّن من مرتبة متقدّمة أو مركّب متقدّم بشراءٍ بثمنٍ أو استيجارٍ بأُجرةٍ لا يضرّان بالحال ، وجب عليه ذلك.

ولو دارَ بين ستر بعض ما يجب ستره من مرتبة سابقة ، وستر جميعه من مرتبة لاحقة ، قُدّمَ اللاحق على السابق. والجمع بين بعض من السابق وبعض من الحق مقدّم على الاقتصار على اللاحق.

وإدخال الناظر تحت الثياب وعكسه من اللمس مع المأذونيّة في النظر واللمس وعدمها مُفسدان.

المقام الثاني : في بيان مقدار الساتر للعورة

وهو قسمان :

أحدهما : عورة النظر

وهي من الذَّكَر ثلاث : الذَّكَر ، والدبُر بمقدار الحلقة وما دارت عليه ، والأُنثيان.

وفي الأُنثى اثنان : الفرج بمقدار الشفرتين ؛ وما دارا عليه ، والدبر ، وكذا الذكر

__________________

(١) في «ح» زيادة : والنظر إلى المرتسم في الأجسام الصيقلة ، وبواسطة المنظرة داخل في الحرمة ، مخالف في وصف الشدّة ، وفي اشتداد الحرمة لشرف المنظور وقرب الرحم ومملوكيّة البضع وحداثة السنّ وجه قوي.

٩

المقطوع منه الذكر من أصله أو البيضتان كذلك.

وفي الخُنثى المُشكل أربع ، وهي مجموع ما سبق. وكذا غير المُشكل ؛ اعتباراً بالصورة ، من غير فرق بين الأصالة والزيادة في وجه قويّ.

وفي مقطوع الذَّكر والبيضتين وممسوحهما أو ممسوح الدبر وحده مع بقاء أحدهما واحدة. وفي ممسوحهما معه على ما يُحكى وقوعه لا عورة له ، ويمكن احتساب محلّ المسح عورة.

ونظرها والنظر إليها محرّمان من المسلم والكافر ، كتابيّاً أو لا ، الذكر والأُنثى ، إلا ممّن بينهما علاقة الزوجيّة أو الملكيّة ، ولو مع الحَجر برهانة ، أو فَلَس مع عدم المدافع ، أو تزويج (أو تحليل عام له ، أو خاصّ به) (١).

والأقوى : أنّ الخُنثى المُشكل والمَمسوح الفرج بدنهما ما عدا المستثنى في عورة المرأة عورة على كلّ ناظر. وبدن غيرهما عدا المستثنى عورة عليهما.

ويجب التستّر في جميع ما سبق عن الناظر ، وحبس البصر عن المنظور ، من غير فرقٍ بين المالكة وغيرها ، والخَصِيّ وغيره ، والمسلمة وغيرها.

ولا يجب التستّر إلا عن المميّز من الصبيان ، وغضّ النظر عن العورة الخاصّة ، إلا عن عورة من بلغَ خمس سنين ، والأحوط ثلاث. ومع الشهوة لا مدخليّة لاعتبار السنين.

ويقوى أنّه يجب على الوليّ بعد تمييزه بحيث ينكر عليه تمرينه على عدم ناظريّته ، ومنظوريّته. والحكم هنا لا يُناط بعدد ، بل المدار فيه على الإنكار ، والظاهر أنّ مسألة الاداب من هذا القبيل.

وأمّا في باقي التكاليف ، فكلام الأصحاب فيها مختلف : فقيل : لستّ (٢) ، وقيل : لسبع (٣) ، وقيل : لتسع (٤) ، وقيل : يضرب عليها لعشر (٥) ، وقيل : لتسع. والأقوى

__________________

(١) في «ح» : أو تحليل عام أو خاص لمحلّل له واحد ، وفي «م» ، و «س» : أو تحليل أو التحليل العام له أو الخاص به.

(٢) اللمعة (الروضة البهيّة) ١ : ٥٧٠.

(٣) البيان : ١٤٨.

(٤) النهاية في مجرد الفقه والفتوى : ١٤٩.

(٥) الدروس ١ : ١٣٨.

١٠

في النظر أنّه يختلف باختلاف مراتب القابليّة.

وكذا الروايات : فعن أبي جعفر عليه‌السلام : «أنّه إذا بلغ الغلام ثلاث سنين قيل له : قل : لا إله إلا الله سبع مرّات ؛ فإذا تمّ له ثلاث سنين وسبعة أشهر وعشرون يوماً ، قيل له : قل : محمّد رسول الله سبعاً ؛ فإذا تمّ له أربع سنين ، قيل له : قل صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ فإذا تمّ له ستّ سنين ، أُمر بغسل الوجه والكفّين والصلاة ، وضُرِب عليهما ؛ فإذا تمّ له تسع ، عُلّم الصوم والصلاة وضُرِب عليهما. فإذا تعلّم الوضوء والصلاة غُفر لوالديه» ؛. (١)

وعن أبي جعفر عليه‌السلام أيضاً أنّه يُعلّم السجود ويوجّه إلى القبلة لخمس ، فإذا تمّ له ستّ ، عُلّم الركوع والسجود ، وأُخذ بالصلاة ؛ وإذا تمّ له تسع ، عُلّم الوضوء ، وضُرب عليه ، وعُلّم الصلاة ، وضُرب عليها (٢). وليس فيهما تعرّض للإناث ، فلا يظهر حكمهن ولا حكم المشتبه بهنّ من خناثى أو ممسوحين ، ولا لغير الصلاة من واجبات ومحظورات ممّا لا يتعلّق بمقدّماتها. والظاهر البناء على التوزيع ، وفي باقي العبادات يؤخذ على الدرجات.

والظاهر أنّ جميع ما يترتّب عليه ضرر عليه أو على الناس مع احترامهم وسائر المحترمات لا اعتبار فيها بعدد السنين ، والله أعلم.

وبدن المماثل بالذكورة والأُنوثة ، والمحرم لنسب أو مُصاهرة ممّا عدا العورة الخاصّة ليس بعورة. ويجوز النظر إليه ، إلا عن شهوة وريبة ، (أمّا مع الشهوة والريبة فلا يجوز لغير الزوج وشبهه. وفي منعه بالنسبة إلى عورة الحيوان وصور الجدران وجه قويّ. وحصول التلذّذ بالصورة لجسميّتها أو روحها الحيوانيّة لا بأس به ، بخلاف ما كان للرّوح الإنسانيّة ، وبدن المخالف عورة على المستثنى) (٣).

ويجب على المرأة سَتْر البدن عن غير المحارم ، ولا يجب على الرجل سوى ستر عورته ، وإنّما يجب على النساء ترك النظر إلى بدنه ، ممّا عدا المستثنى.

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٨٢ ح ٨٦٣ ، أمالي الطوسي : ٤٣٤ ح ٩٧٢ ، الوسائل ١٥ : ١٩٣ أبواب أحكام الأولاد ب ٨٢ ح ٣.

(٢) أمالي الصدوق : ٣٢٠ ح ١٩ ، وفي أمالي الطوسي : ٤٣٣ ح ٩٧٢ ، وتنبيه الخواطر ٢ : ٢١ ، والوسائل ١٥ : ١٩٣ أبواب أحكام الأولاد ب ٨٢ ح ٣ بتفاوت ، البحار ٨٥ : ١٣١ ح ٢.

(٣) ما بين القوسين زيادة في «ح».

١١

كما أنّ كلام المرأة عورة على الرجل في غير محلّ الحاجة ، دون العكس.

والظاهر أنّ اللمس أقوى حُرمة من النظر.

(ولو اضطُرّ إلى الكشف في بعض الأحوال قويَ ترجيح الأهمّ فالأهمّ.

ولو تعدّد العُراة واتحد اللّباس ، مُباحاً أو مشتركاً ، قُدّمت النساء استحباباً. وفي تقديم أرباب الشرف نَسَباً أو حَسَباً وجه.

وكلّما جازَ لمسه ، جازَ نظره ، إلا ما كان لتخصيص المالك أو المعالجة ، فإنّه يختصّ بما يتوقّف عليه ، ونحو ذلك.

وفي مباشرة القوابل والأُمّهات والدايات إيذان بجواز النظر واللمس لعورات الصبيان ، فضلاً عن الأبدان.

وفي مسألة المعالجة للعورة يقدّم الأمثال ، وفي ترجيح المحارم من غير الأمثال أو الأجانب وجهان. وكذا في ترجيح المعتدّة البائنة على غيرها ، أو خصوص الرجعيّة ، أو العدم فيهما وجوه) (١).

والباقي من مقطوع الذكر والبيضتين ، وباقي ما يدخل تحت العورة يجري مجرى الكلّ.

والمنفصل من العورة الخاصّة مع بقاء الشكل ، ومن باقي العورة ، إذا كان عضواً تاماً أو قطعة مُعتبرة كذلك ، بخلاف ما كان من شعر أو ظفر أو عظم أو لحم ، ولم يكن من قبيل القسمين الأوّلين.

ولو دارَ الأمر بين سَتْر العورة من المرأة أو بعض آخر من بدنها من الأجنبيّ ، وبينه من الرجل كذلك ، تعيّن الأوّل. (ولو دار بين الأهمّ كما قارب العورة ، وبين غيره ، قُدّم الأهمّ) (٢).

ويُستثنى من بدن المرأة وبدن الرجل في إباحة النظر دون اللمس مع المخالفة وعدم المحرميّة الوجه ، وهو ما يواجه به ، فيكون أوسع من وجه الوضوء ، فالجسد والشعر والأُذنان والنزعتان واجبة الستر ، بخلاف العِذار والصدغين والبياض أمام الأُذنين.

__________________

(١) ما بين القوسين زيادة في «ح».

(٢) ما بين القوسين زيادة في «ح».

١٢

ويُستثنى الكفّان المحدودان من الطرفين بالزندين ، وأطراف الأنامل. ولحوق ظاهر القدمين قويّ.

ثانيهما : عورة الصلاة

وهي مساوية لعورة النظر في الرجل.

وفي المرأة والخُنثى المشكل وممسوح الفَرج تمام البدن عدا ما استُثني للنظر. فيكتفي الرجل بثوب واحد ، وللمرأة ثوبان ، ولو أفادَ ثوب مفادَ ثوبين أجزأ.

ووجه المرأة وكفّاها وظاهر قدميها ليست من عورة الصلاة ، وفيها إشكال من جهة النظر ، فعورة النظر أخصّ من هذه الجهة. وإن خصّصنا الرخصة في كشف رأس الصبية التي لم تبلغ ، ورأس المملوكة بخصوص الصلاة كما هو الأقوى (١) كانت عورة الصلاة أخصّ من هذا الوجه.

(وقد يلحق به ما في باطن الفم من اللسان والأسنان ونحوهما في وجه قويّ ، وكذا الزينة المتّصلة بالبدن الحاجبة له عن الرؤية كما سيجي‌ء) (٢).

وتختصّ عورة النظر بالاكتفاء بكلّ حاجبٍ عنه ، من حرام أو حلال ، للذات أو بالعارض ، متّصل أو منفصل ، وتستوي مراتبه فيه. فالثياب ، والنبات ، والطين ، والظلمة ، والعمى ، والفقدان للنّاظر ، واحد.

بخلاف عورة الصلاة ؛ فإنّها مقيّدة مرتّبة على نحو ما سبق ، حتّى أنّ المركّب من أقوى وأضعف وله أقسام كثيرة يقدّم على الأضعف.

ويقوى أنّ مباح النظر إلى العورة نظريّة أو صلاتيّة محرّم نظره إليها فيها. ويجب على المنظور إليه التستّر عنه ، فلو ترك عصى من وجهين ، في وجه قويّ.

وعورة الرجل في النظر بالنسبة إلى المحرم والمماثل مساوية لعورته في الصلاة ، وبالنسبة إلى غيرهما أوسع منها.

__________________

(١) المعترضة ليست في «م» ، «س».

(٢) ما بين القوسين ليس في «م» ، «س».

١٣

وعورة المرأة بالنسبة إلى المماثل والمحارم أخصّ من عورة الصلاة ، وبالنسبة إلى غيرهما مساوية على الأقوى ، إلا في الأمة والصبيّة ، فقد يقال : بأنّ عورة النظر فيهما أوسع.

ولا تختلف جهات السَّتْر في حقّ النظر ، بل المدار على الانكشاف للناظر من أيّ الجهات الستّ كان. وعورة الصلاة مقصورة على ما عدا الأسفل ، ولذلك لم يوجب لبس السراويل.

والأقوى بطلان الصلاة بالتكشّف للناظر من جهة الأسفل. ولو انكشفت من جهة الأعلى حال القيام أو الركوع عمداً ، بطلت.

والانكشاف لنفسه أو لغيره في عورة الصلاة غير متفاوت ، بخلاف عورة النظر ؛ لأنّ المدار في الأوّل على مُطلق الانكشاف من دون تفاوت في الناظر ، ويختلفان بكيفيّة الستر ، فإنّه لا فرق في عورة النظر في المحيط بين كونه متجافياً كبعض أقسام الدثار وكالفسطاط ، وبين كون الحاجب جداراً أو حفيرة أو غيرهما ، ولا بين كون الحفيرة ضيّقة أو واسعة ، متّصلة أو منفصلة ، وفي عورة الصلاة يُعتبر هذا الترتيب.

ويُعتبر اعتياد الملبوس واللبس ، فلو طرح الثوب طرحاً ، لم يجزِ (وإذا كان في الثوب خرق فستره بيده بطلت صلاته ، وإن جمعه صحّت) (١) وإذا دارَ الأمر بين ستر العورة المشتركة والخاصّة بالصلاة ، قدّم فيهما المشتركة التي هي مصداق العورة عند الإطلاق.

وإذا دارَ الأمر بين ستر الدبر مع مستوريّته بالأليتين ، وستر الفرج ، قدّم الثاني. والظاهر استواء الدُّبر المكشوف والفرج ، ولا يبعد تقديم الفرج لفضاعته واستقباله للقبلة ، وتقديم الذكر على الأُنثيين ، (وفي تقديم دُبر الخنثى على أحد الفرجين وجه) (٢).

ومنها : وجوب ستر ما بقي من العورة بعد القطع ، وستر الممكن منها مع الوصل ، والترتيب في الأبعاض يتبع الترتيب في الأصل.

والزينة المتعلّقة بما لا يجب ستره في النظر على الأصحّ والصلاة من خضاب أو كُحل أو حُمرة أو سواد أو حلي أو شعر خارج وصل بشعرها ولو كان من شعر الرجال

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في «ح».

(٢) ما بين القوسين ليس في «س» ، «م».

١٤

أو قرامل من صوف ونحوه ونحوها يجب ستره عن الناظر دون الصلاة على الأقوى. ومع كشفها للنّاظر في غير محلّ الرخصة عمداً لا يبعد البطلان.

(ويجب التستّر عن النظر مع وجود الناظر ، وإن كان مع احتمال الإعراض وعمى البصر. ومع احتمال وجود الناظر يحتمل سقوط الحكم ، ووجوب التستّر ، وللفرق بين الظنّ والاحتمال القوي وبين الاحتمال الضعيف وجه ، ولعلّه الأقوى) (١).

ولا بدّ في عورة الصلاة من بيان أُمور :

الأوّل : أنّه لا يجب ستر رأس الصبيّة الشامل لأسفل الرقبة إلى أعلاها إلى أعلى القُنّة (٢) ، وكذا رأس من كانت مملوكة لمالك واحد أو متعدّد ، قِنّاً أو مُكاتبة أو مُدبّرة أو أُمّ ولد ، ما لم يعرض لها تحرير في الكلّ أو في البعض ، مضافاً إلى المستثنى في الحرّة.

وفي عموم الرخصة للشّعر الموصول بشعرها للزينة بعد قطعه منها أو من أمة غيرها أو حرّة أو رجل وشعرها الموصول بغيرها ، وللزينة بالحمرة أو السواد والتطيّب والخطاط والحلي ونحوها إشكال. والأقوى جوازه في الصلاة.

ولو تحرّرت بتمامها أو ببعضها أو بلغت الصبيّة في أثناء الصلاة وقد بقي منها ما يزيد زمانه على زمان التستّر ، وجبَ. ولو توقّف على فعل مخلّ ببعض الشروط من فعل كثير أو استدبار قبلة ونحوهما قوي البطلان. وللصّحة وجه.

ولو لم يبقَ من الصلاة سوى ما يقصر زمان فعله عن زمان التستّر ، كأن يكون قبل السلام الأخير مثلاً ، سقط وجوب التستّر ، وصحّت الصلاة على إشكال.

ولو لم يبقَ من الوقت سوى ما يفي بركعة من الصلاة أو بكلّها على الأقوى ، ولزم من التستر التفويت ، أتمّت وصحّت.

ولو تركَ الاستتار عمداً عالما بالحكم أو جاهلاً به ، بطلَت صلاته. ومع الغفلة ، والنسيان ، والجهل بالموضوع ، وعدم الاختيار ، أو عدم الشعور ككشف الهواء تقوى الصحّة.

__________________

(١) ما بين القوسين أثبتناه من «ح».

(٢) في «ح» زيادة : وفي ذكر هذا الحكم إشعار أو تصريح بصحّة عبادة الصبي. أقول : قنّة كلّ شي‌ء أعلاه.

١٥

ولو فقد الساتر ، أو وجد ما لا يجوز التستّر به في الصلاة ، وجبَ عليه بذل ما لا يضرّ بحاله من ثمن أو اجرة. ولا يجب الاتّهاب ولا قبول الهبة مجّاناً مع لزوم الغضاضة.

ولو وجد قِطعاً متفرّقة وأمكن جمعها بخياطة ولو بأُجرة لا تضرّ بالحال ، وجب.

ويجب تحصيل كلّ مرتبة تعلّق بها الخطاب حتّى الطين والوحل بنحو وجوب تحصيل الثياب.

ولو أمكن التستّر في بعض الصلاة دون بعض ، وجب الإتيان بالممكن ، وتقدّم المقدّم على الأقوى ، وفي تخصيص الأركان وما هو أشدّ وجوباً في غيرها وجه (١).

وإذا تعذّر الساتر أو تعسّر بأقسامه وأمن من الناظر أو كان حاضراً وأمكنه دفعه بيسير ولو بمال لا يضر بالحال ، صلّى قائماً مومئاً برأسه مع الإمكان ، وبعينيه معاً ، ويحتمل الاكتفاء بالواحدة مع عدمه.

وإن لم يأمن الناظر صلّى جالساً ، من غير فرقٍ بين من يجوز له النظر ، كأحد الزوجين مثلاً ، وغيره. وإذا أمن في بعض الصلاة دون بعض ، لحق كلا حكمه.

ويجب رفع المسجد في الواجب بالأصل ، وفي الواجب بالعارض في وجه قويّ ، ويستحب في المستحب (٢).

الثاني : أنّه كما يُشترط الساتر في الصلاة ، كذلك يُشترط في أجزائها المنسيّة ، وركعاتها الاحتياطيّة ، وسجود السهو ، دون سجود الشكر والتلاوة. وفي صلاة الجنازة وجهان : الوجوب ، وعدمه ، والأقوى الأوّل.

الثالث : أنّ كلّ مَن تمكّن مِن شرط الساتر أو غيره بمقدار صلاةِ مَن فرضه التقصير ، تعيّن عليه القصر في مواضع التخيير (٣).

الرابع : أنّ من كان عنده من المال ما يفي بقيمة الماء لرفع الحدث أو الساتر ، رجّح

__________________

(١) في «ح» زيادة : ويجري نحو ذلك في باقي الشرائط الاختيارية.

(٢) في «ح» زيادة : وإذا وجد المباح أو المشترك استحب ترجيح الفاضل من العباد أو من العبادة ، ومع التعارض ترعى الميزان.

(٣) في «ح» زيادة : ولو بذل له الساتر أو غيره من الشرائط بشرط التمام أو القصر تعيّنا.

١٦

الساتر مع فقد جميع مراتبه ، ومع تيسّر البدل الاضطراري من المراتب المتأخّرة من طين ونحوه أو عدم البدل عن الماء (١) يقوى تقديم الماء.

ولو دار بين ترك التستّر واستعمال المتنجّس ، تخيّر على الأقوى ، والأحوط الأوّل.

وفي غير شرط الطهارة من الخبث من لبس جلد الميتة ، والحرير ، والذهب ، وما لا يؤكل لحمه يتعيّن التعرّي.

الخامس : الخُنثى المُشكل والمَمسوح يأخذان بالاحتياط في الصلاة ، وغيرها ، في أصل الساتر ونوعه.

السادس : أنّه قد ظهر ممّا مرّ أنّ الستر من الشرائط العلميّة ، كالإباحة ، والطهارة الخبثيّة ، واستقبال ما بين المشرق والمغرب ، ونحوها ، فمتى ظهر له عدم التستر بعد الفراغ أو في الأثناء ثمّ تستر ، صحّ ما فعل.

ولو صلّى مع إمام فظهرت مكشوفيّة عورته بعد الفراغ أو في الأثناء ، وعلم كونه غافلاً أو جاهلاً بالموضوع أو ناسياً للصلاة ، أو مسلوب الاختيار لهويّ أو غيره ، أو شكّ في علمه وعدمه ؛ فيبني على الصحّة ، صحّت صلاة المأموم. ولا يجب الانفراد مع عدم علمه بتعمّده ، ولا إخباره بالانكشاف ، كسائر الشروط العلميّة.

ويُستثنى المديون ، ولعلّه أولى من باقي المستثنيات ، ويبقى حقّه ، فلو كان الغريم حاضراً مطالباً ، ولم يكن له وفاء إلا من قيمة الماء أو الساتر المضطر إليهما للصّلاة المفروضة مع الضيق مثلاً ، لم يجب وفاؤه إلا بعد فراغه.

ولو صلّى موسّعة أو نافلة متطهّراً بالماء ، عصى ، وبطلت صلاته. وإن صلّى بالساتر ولم يستثن في الديون ، عصى ، وصحّت صلاته [على إشكال]. وإن كان عنده وفاء ، كان له تأخيره بمقدار الصلاة.

ولو وهبَ الساتر أو باعه أو أتلفه كغيره من الشرائط ؛ فإن كان قبل الوقت ، فلا إثم ولا فساد ، وبعد الوقت فيه الإثم ولا فساد.

ولو كان له خيار في لباسه المنتقل مع الانحصار ، وجبَ عليه الفسخ.

__________________

(١) المعترضة ليست في «س» ، «م».

١٧

ولو أُعير ثوب وليس عنده سواه ؛ فرجع المُعير في أثناء الصلاة ، حرمَ استعماله ، وأُلحق بفقد الساتر ؛ ويحتمل العدم.

ولو شك في ستر الثوب ، كان كغير الساتر. ولو دار الأمر بينه وبين معلوم العدم ، قوي وجوب تقديمه.

ولو علم وجود الساتر في ضمن ثياب محصورة ، صلّى بالجميع حتّى يحصل اليقين. ولو دارَ في الإتيان بالجميع والصلاة بالمتيقن المنفرد ، قدّم الثاني.

(ولو كان في الثوب خرق فجمعه بيده أجزأ ، ولو ستره بيده أو بطين أو حشيش لم يجزئه ، ولو ستره بوضع خرقة قوي الإجزاء.

ولو كان الثوب ساتراً لها في الجلوس دون القيام ، صلّت قائمة. ولو استبدلت حين جلوسها أو سجودها ثوباً يسترها في الحالين أجزأ) (١).

ولا دخل للقدم في الستر وعدمه ؛ لضعف دليله ، فيجوز كشفها وسترها ببعضها أو بتمامها مع بعض الساق ودونه ، ويكفي في ذي الساق لدفع الشبهة ارتفاعه عن مفصل القدم بيسير.

ولو خيط غير الساتر بالساتر دخل في حكمه ، بخلاف ما إذا جعل فوقه أو تحته.

ولو كان غير ساتر للقدم ، فعادَ بالجذب ساتراً ؛ أو ساتراً ، فعادَ لميل جوانبه غير ساتر ، دخل في حكمه السابق على إشكال. ويكفي فيه مجرّد الإحاطة وإن حكى ما تحته. والمخرق لا يعدّ من ساتر القدم.

المقام الثالث : في بيان شروطه وما يتبعها

وهي أُمور :

الأوّل : الستر ، وقد علمت كيفيّته.

الثاني : الإباحة ، بملكيّةِ عينٍ أو منفعةٍ أو عارية أو إذن.

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في «م» ، «س».

١٨

فلا تصحّ صلاة فريضة ، وما يتبعها من أجزاء منسيّة ، أو ركعات احتياطيّة ، أو سجود سهو ومثلها سجود الشكر والتلاوة وإن لم يكن اللّباس شرطاً فيهما ولا صلاة نافلة ، ولا صلاة جنازة بغير المباح شرعاً ، مختاراً ، ذاكراً ، عالماً بموضوع الغصب ، عالماً بحكمه أو جاهلاً به.

ومنه ما لا يُعلم إذن المالك باستعماله ، مغصوبَ العين كانَ ، أو مغصوب المنفعة ، كاستعمال الراهن والمفلس مثلاً ، ساتراً للبدن أو لا ، ساتراً للعورتين أو لا ، قابلاً لسترهما أو لا ، دخلا فيه بكفّ أو خياطة أو ترقيع أو لا ، واضعاً بدنه عليه حال الركوع أو السجود أو لا ، ملبوساً لبس الثياب أو النعلين أو السلاح أو الحلي أو لا ، معصباً به بعض البدن أو مجبّراً أو مطروحاً عليه أو محمولاً على رأسه أو بدنه أو في كمّه ، منفرداً أو في ظرف مباح ، حتّى لو حمل حيواناً مغصوباً أو إنساناً ظلماً جرى عليه الحكم.

وكذا لو استند حالَ صلاته إلى عبدٍ أو عصى مغصوبين ، ونحوهما.

وتصحّ صلاة المأذون عموماً أو خصوصاً ، غاصباً كانَ أو غيره ، ولا تجزي الإجازة بعد الدخول في العمل أو بعد الفراغ منه.

ولو صلّى به جاهلاً بالغصب ، أو غافلاً ، أو ناسياً ، أو مجبوراً ، أو مضطراً ، فلا يتوجّه إليه النهي ، ولم تفسد صلاته.

ولو ارتفع العُذر في الأثناء واستمرّ على حاله ، بطلت. ويُعذر بمقدار زمان النزع ، وإن طالَ ، ما لم يتماهل فيه.

ووصل القرامل والشعور وأصباغ الثياب القاضية بالشركة مُفسدة ، بخلاف أثر الكحل ، والخضاب ، ونحوهما ممّا يلتحق بالأعراض حقيقة ، أو عرفاً (ولو في بدن العبد أو لحيته وإن زادت قيمته) (١).

والمملوك بالمعاوضة على عينٍ مغصوبة أو مغصوب جزء منها ولو يسيراً ، (ومال المقترض مع نيّة عدم الوفاء ، أو عدم نيّته ، أو نيّة وفائه من الحرام من الغصب) (٢) ، ومنها ما يتعلّق به جزء من خمس أو زكاة ونحوهما ، فإنّه بحكم المغصوب.

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في «س» ، «م».

(٢) ما بين القوسين ليس في «س» ، «م».

١٩

وما لا ربط له بالأكوان كالأذان والإقامة ، والتعقيبات ، وسائر العبادات القولية يقع صحيحاً (١).

وإذن ذي السلطان متّبعة ، فيقتصر في الصحّة على ما أذنَ به من عبادة عامّة أو خاصّة ، واجبة أو مندوبة ، ولا يتجاوز ما أذن به إلى غيره ، إلا مع الاستفادة من أولويّة ونحوها.

ولو أذن بمقدار ركعتين ، تعيّن التقصير في مقام التخيير.

والإذن في الصلاة إذن في توابعها ، كركعات الاحتياط ، والأجزاء المنسيّة ، وسجود السهو إذا قلنا بالفورية. والظاهر دخول المقدمات المقارنة ، كالأذان والإقامة ، وما بعدها من الوظائف ، وربّما استفيد من خبر كميل.

والإذن المطلقة بل العامّة لا تشمل الغاصب (٢).

ولو عدل عن الإذن بعد الدخول في الصلاة ، لم يجب القطع على الأقوى. وفي إلحاق الوضوء ونحوه بها في الحكم وجه قويّ.

والثوب المشترك بغير إذن الشريك في غير وقت المهاياة مغصوب.

ولو خِيف على المغصوب من التلف ، وجب لبسه ، وصحّت به الصلاة. ولو أذن المالك باللّبس دون الصلاة ، بطلت.

وإذن الفحوى كالإذن المصرّحة.

والمحرّم على المحرِم مخيطاً أو مطيّباً أو ساتراً للرأس مثلاً مُفسد للصلاة لبسُهُ على إشكال.

ولا فرقَ بين غصب العين ، وغصب المنفعة ، كالمستأجر ، ومال المفلس ، والمرهون.

والمصبوغ بالمغصوب بحكم المغصوب إن كان للصّبغ قيمة.

ولو أُلقي عليه مغصوب وأمكن رفعه بسهولة من غير ارتكاب مُبطل ، وجب ، وإلا

__________________

(١) في «م» زيادة : والقول بالفساد فيها يتبع الصلاة وربما دخل في إطلاق خبر كميل غير بعيد.

(٢) في «ح» زيادة : ويظهر من تتبّع الأخبار وتعليلاتها في مثل لباس الحرير ، والذهب ، وغيرهما ، ومن اعتبار الكمال لها في جميع حالاتها اعتبار الإباحة في مكانها ، ولباسها ، ومصحوبها.

٢٠