كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء - ج ٢

الشيخ جعفر كاشف الغطاء

كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء - ج ٢

المؤلف:

الشيخ جعفر كاشف الغطاء


المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-953-4
الصفحات: ٤٦٣

بثلاث نيّات ، يقصد بكلّ واحد البدليّة عن واحد. وينبغي الإتيان برابع احتياطاً بقصد البدليّة عن المجموع.

وصورته على نحو تيمّم الجنب (بضرب باطن كفّي المباشر ، ومسح وجه الميّت ويديه بهما ، ضربة للوجه وضربة لليدين ، ومع التعذّر ينتقل إلى الظاهر ، ثمّ إلى كفّي الميّت وفي النيابة عن الحيّ تقدّم أعضاء المنوب عنه على النائب إن أمكن) (١).

ومع ذهاب بعض مَحالّ المسح وبقاء البعض ، يقتصر على مسح البعض الباقي ، ولو لم يكن منها شي‌ء سقط التيمّم ، والأحوط المسح عليه ثلاثاً عوض المسحات الثلاث كما سيجي‌ء بيانه.

ولو جمع بين ميتين أو أموات أو أعضاء منفصلة من أشخاص متفرّقة ، أو من التامّ والناقص (٢) في صبّ واحد فلا بأس ، ولو قدّم بعض الغسلات من الغسل الواحد أو المتعدّد مع تعذّر الخليط جمع وأتمّ ما نقص في الناقص ، ولو جمع بين ما له تغسيله كمحرم وشبهه وبين غيره صحّ في الأوّل إن لم تَسر النجاسة إليه ، وفسد في الثاني.

ومتعلّق الغسل إنّما هو الظاهر ، فلو غسل ثمّ كشط ، فظهر الباطن لم يجب غسله ، ولو كشط قبل إجراء الماء دخل الباطن في حكم الظاهر.

ويجب استيعاب الشعر وما تحته بالماء ، وليس حاله كحال الوضوء ، وغسل الجنابة ، وباطن العين والأنف والأذن وثقبهما ، وباطن الأظفار ما لم يعلو على الأنامل أو مطلقاً وهو الأقوى هنا من البواطن.

ويجب استيعاب تمام ظاهر البدن بحيث لا تبقى شعرة منه ، أو مقدارها ، إلا وقد جرى عليها الماء. ولا يكتفي هنا بظاهر الشعر عن البشرة ، ولا بها عنه ، بل يغسلان معاً على الأقوى.

ولو كان شخصان متغايران على حقو واحد ، ومات أحدهما ، فإن أمكن قطعه ، وإجراء الأحكام عليه وجب ، وإن خيف على الحيّ من التلف بقطعه أُبقي ، وهل يجب

__________________

(١) بدل ما بين القوسين في «س» ، «م» : من الضرب بكفّيه مرّة ثانية ، يمسح بها كفّيه.

(٢) في «ح» : البعض.

٢٦١

ما عدا الدفن من الأحكام عليه ، فيه وجهان. وكذا كلّ ميّت حصل المانع من دفنه ، والقول بالوجوب في هذا القسم أقوى.

الفصل الرابع : في ماء الغسل

مياه التغسيل ثلاثة أوّلها : ماء السدر ، ويراد به ماء وضع فيه شي‌ء من السدر ، بحيث يصحّ فيه إطلاق اسم ماء السدر عليه (١) ، دون ما لا يلحظ عرفاً كالقليل جدّا ، ولا حدّ له بوزن ، ولا بعدّ ورق ، نعم لا يبعد أن يقال بأن الأفضل فيه رطل ونصف بالعراقي ، ودونه رطل ما لم يخرج الماء عن اسمه.

والرطل عبارة عن ثمانية وستّين مثقالاً وربع صيرفيّة ، فالرطل ينقص عن الأوقية العطّارية وهي عبارة عن خمسة وسبعين مثقالاً صيرفيّة بستّة مثاقيل وثلاثة أرباع صيرفيّة ، ونسبته إلى الأوقية البقّالية التي هي عبارة عن مائة مثقال صيرفية ، ثلاثة أخماس وثمانية مثاقيل وربع ، والرطل ونصفه مائة مثقال ومثقالان وثلاثة أثمان مثقال صيرفيّة.

ولا يشترط فيه بقاء الرائحة والأحوط اعتبارها ، ولا يقوم غيره مقامه لا اختياراً ولا اضطراراً.

ثانيها : ماء الكافور ، وهو طيب معروف يؤتى به من الهند في الأصل أحمر ، ويبيّض بالعمل ، ويكفي منه ما يحصل به صدق الاسم حتّى يقال ماء كافور ، ولا اعتبار بالذرّة ونحوها (٢) ، ولا حدّ له ، قلّة ولا كثرة ، ولا يقوم مقامه شي‌ء من طيب أو غيره ، مع إمكانه وعدمه.

ويشترط فيه بقاء الرائحة على الأقوى ؛ وفيه وفي السدر أيضاً أن يكونا مباحين ، فلا أثر للمغصوبين ولو تعقّب رضاء المالك في وجه قويّ.

__________________

(١) في «ح» زيادة : مرس أو لا ، والأحوط الأوّل.

(٢) وفي «ح» زيادة : ولا بالمرس وعدمه.

٢٦٢

ثالثها : ماء القَراح كسحاب ، ويراد به هنا ماء لم يمازجه شي‌ء من الخليطين ممازجة تبعث على إضافة الماء إليهما ، ولا بأس بحصول شي‌ء منهما لا يبعث على صحّة الإضافة ، فلا مانع من وضع ماء القراح في إناء كان فيه أحد مائهما ، ولم يبقَ فيه شي‌ء منهما يبعث على صدق اسمهما ، وإن كان خلاف الاحتياط ، ولا يضرّ دخول خليط آخر غيرهما مع بقاء اسم الماء عليه.

ولو تعذّر الخليطان أو أحدهما لتمام الأعضاء أو لبعض أجزائها أو لجزء منه ؛ لعدم القيمة والباذل ، أو خوف الفساد ، أو الإهمال بالتأخير وجب استعمال ماء القراح في مقام العوز.

ولو لم يكن من الماء إلا ما يكفي لأحد المياه الثلاثة ووجد الخليطان قدّم ماء السدر على غيره ، فإن لم يكن ، فالكافور على القراح في وجه قويّ.

ولو حصل من الخليط ما يكفي عضواً أو بعض عضو ، والماء لا يفي إلا لغسل واحد ، احتمل وجوب الخليط مقدّماً للعضو السابق بالماء السابق ، فيغسّل الرأس بماء السدر ، والجانب الأيمن بماء الكافور والأيسر بالقراح ، ويحتمل الرجوع إلى ماء القراح ، وإلغاء الخليطين ، ولعلّ الأوّل أقوى.

ولو حصل من الخليطين ما لا يبعث على صحة الإضافة قوي وجوب وضعه.

ويشترط في المياه الثلاثة طهارتها ، فلو انكشف نجاستها بعد الغُسل غسل أوّلاً تعبّداً ، ثمّ غسّل. وإباحتها ما لم يكن من المياه المتّسعة ، ولم يكن الغاسل أو الميّت غاصبين أو مقوّمين للغصب فإنّه يجوز فيه حينئذٍ. وإطلاقها فمتى خرجت عن صدق اسم الماء المطلق عليها ، ولو بسبب أحد الخليطين لم يجز استعمالها.

وعدم المانع شرعاً عن استعمالها من خوف عطش على نفسه ، وإن لم يكن محترمة أو على نفس محترمة. وأن يكون من المياه التي لا تنفعل بملاقاة النجاسة كالماء الجاري والكرّ ونحوهما ، فيما لو غسّل ارتماساً ؛ فإنّه لو أُريد ذلك لزم أن يوضع أحد الخليطين على ماء معصوم فيؤتى بحكمه ، ثمّ يوضع الخليط الأخر على آخر ويؤتى بعمله.

ثمّ يرمس ثالثة في الماء القراح ، والأحوط الاحتراز عن كونه من مجمع ماء غسالة

٢٦٣

الجنب أو مجمع ماء الاستنجاء ، مع أنّ الأقوى في الأخير المنع ؛ لمنافاة الاحترام ، ومع التعذّر بحث.

ويُستحبّ نزاهتها من الأقذار ، وكونها من المياه الشريفة كماء الفرات أو المياه النابعة في الأماكن المشرّفة ، وخلوصها من شبهة النجاسة.

ويكره الحارّ منها مكتسب الحرارة من نار أو غيرها وإرسالها في كنيف أو بالوعة معدّة للنجاسات.

ولا يجب على الناس بذلها أو بذل الخليطين أو بذل قيمتهنّ إلا لزوجة أو مملوك ؛ وإنّما الواجب عموماً القيام بالأعمال البدنيّة ، ولو قيل بوجوب بذل أسباب التجهيز للوالدين لم يكن بعيداً.

الفصل الخامس : فيما يغسّل فيه أو عليه أو منه من مكان أو ساجة أو نحوهما

يشترط إباحة الماء والمكان للغاسل ، والمغسول ، والمغسول فيه ، وعليه أرضاً وهواءً فلا يصحّ بماء مغصوب أو في مكان مغصوب في نفسه أو في هوائه ما لم يكن من الأراضي والمياه المتّسعة ، أمّا منها أو فيها فيصحّ ما لم يكن الغاسل أو الميّت غاصباً.

وإباحة ما يوضع عليه من أخشاب أو باب أو نحوهما وإباحة الأواني التي يغسل بها أو منها ، ومجاري الماء في وجه قويّ. ومع الجهل لا بأس بذلك كلّه ، ويلزم ضمان القيمة والأجرة.

ويُستحبّ جعله تحت ظلال ، وتنظيف (١) الأواني بعد الفراغ من كلّ من الغسلتين من أثر الخليطين ، واختيار المكان الشريف الذي لا مانع من تلويثه بالنجاسة ، السالم من القذارات ، وبذل الجهد في إكرامه واحترامه.

الفصل السادس : في بيان حقيقته

الغسل عبارة عن ثلاثة أغسال ، كلّ واحد منها على نحو غسل الجنابة ترتيباً

__________________

(١) في «س» ، «م» : يطهّر.

٢٦٤

وارتماساً ، أمّا الارتماس فيعتبر فيه ثلاث ارتماسات بثلاث مياه ، مع ثلاث نيّات يقارن بهنّ الكون تحت الماء ، كلّ واحدة عن غسل ، والأحوط تقديم اخرى جامعة (١).

وأمّا غُسل الترتيب فهو عبارة عن ثلاثة أغسال ، بثلاث مياه ، بثلاث نيّات ، يقارن بهنّ الشروع بالرأس ، ولا مانع من التقديم حين الشروع في المقدّمات ؛ والأحوط تقديم النيّة الرابعة في القسمين ، وهي النيّة الجامعة.

أوّلها : بماء السدر ممروساً أو مسحوقاً ليتحقّق إضافته إليه ، وإن صدق بدونهما فلا بأس ، مبتدئاً بالرأس حتّى يتمّه إلى أسفل الرقية ، ثمّ بالجانب الأيمن ، وهو نصف البدن الأيمن من أسفل الرقبة حتّى يتمّه إلى باطن القدم الأيمن ، ثمّ بالجانب الأيسر ، وهو نصف البدن الأيسر حتّى يتمّه إلى باطن القدم الأيسر ، والعورة والسرّة يكرّر غسلهما أو ينصّفهما ، ويلزم إدخال بعض أجزاء الحدود ليحصل يقين الترتيب.

ثانيها : بماء الكافور على ذلك النحو ، ويكتفي بالمسمّى ، مع صدق الاسم ، وورد قدر نصف حبّة.

ثالثها : بالماء القَراح كذلك مرتّباً لها ، فلو قدّم مؤخراً ، أو أخّر مقدّماً من غسل على غسل ، أو عضو على عضو عمداً أو سهواً أعاد على المؤخّر ، ويجتزئ بما صنع فيما حقّه التقديم مع السهو أو العذر ، وأمّا مع العمد وعدم العذر فيلزم إعادتهما معاً.

ولا ترتيب بين أجزاء الأبعاض الثلاثة ، فلو ابتدأ بالقدم قبل ما يلي الرأس جاز ، ولا موالاة بينها ، ولا بين أجزائها ، فلا يضرّ الفصل. ولو مع الجفاف ، ولو أتى ببعض الأغسال ترتيباً ، وببعض ارتماساً لم يكن بأس ، وكذا لو رتّب رامساً لبعض الأعضاء دون بعض.

ولو كان عليه حال الحياة أغسال سقط اعتبارها واجتزى بغسل الأموات عنها ، وبنيّته عن نيّتها ، ولو وضع تحت المطر ، أو تحت ميزاب أو نحوه ، وأتى بشرائط الغسل ، أجزأ ترتيباً في مقام الترتيب ، وارتماساً في مقام الارتماس من دون احتياج إلى المباشرة.

__________________

(١) في «م» ، «س» : تقديم الجامعة.

٢٦٥

ولو فقد ماء غسل أو غسلين لزم تيمّم واحد فيهما ، أو في الأخير تيمّمان ، والأحوط إضافة التيمّم الجامع (١) ، ولو وجد ماء يكفي للبعض أتى بالممكن ، فإن قصر عن الغسل الواحد أُضيف التيمّم ، وإن وَفى به فالأحوط الجمع بينه وبين التيمّم.

ويجب قبل الشروع فيه غَسل النجاسة عن البدن كلّه ، وأمّا إزالة الحاجب عن وصول الماء ، فعن كلّ محلّ عند إرادة غَسله ، والأولى رفعه عن تمام البدن قبل الشروع.

وستر العورة مع حضور مَن لا يجوز له النظر إليها ولا يوثق بحبس بصره عنها من غاسل وغيره بل الأحوط سترها مطلقاً ؛ كما أنّ الأحوط تغسيل المحارم بل الزوجة من وراء الثياب ، وإن كان الاحتياط في الأوّل أشد.

وتطهر كلّ من الثياب والخرقة تبعاً لطهارة بدن الميّت ، ويطهر بدن الغاسل ، وثيابه التي باشر بها ، وقارنت تمام العمل على إشكال ولا شكّ في طهارة يديه التي باشر بهما ، وإنّما التأمّل في غيرهما.

ويشترط فيه النيّة من الغاسل متّحداً أو متعدّداً مع الاشتراك أو التوزيع ، فيجب النيّة من الجميع ملاحظاً في فعل البعض إتمام الغير ، والأقوى فيه كغيره من العبادات عدم اشتراط نيّة الوجه ، وعدم منافاة نيّة القطع ، ويجي‌ء فيه ما مرّ في مبحث نيّة الوضوء من حكم الضمائم وغيرها.

ويُستحبّ الاستقبال به حال الغسل في ابتداء وضعه ، وبعد تمام غسله ، وفي أثنائه مع القطع لاستراحة أو غيرها ووضعه على ساجة ونحوها ، وجعل موضع الرأس أعلى من موضع الرجلين ، وتليين الأصابع والمفاصل برفق إن أمكن ، وتغسيله تحت الظلّ.

ووضوء الغاسل ثلاث مرّات ، قبل كلّ غسل وضوء ، ونزع الثوب وشبهه من الأسفل ، ولو بالفتق ولا مانع من جهة حق غريم أو يتيم أو وصيّة ، وطريق الاحتياط غير خفيّ وتوضئته مرّة واحدة من غير مضمضة واستنشاق قبل الغسل ، وتجريده ،

__________________

(١) في «ح» زيادة : بعد التثليث.

٢٦٦

ووضع خرقة على عورته فيما لم يكن الغسل مطلوباً فيه من فوق الثياب ، وقيل برجحان الغسل من وراء الثياب مطلقاً (١).

والتغسيل بالحميديّات وهي أواني كبار ، وغسل يدي الميّت إلى نصف الذراع ، وروى إلى نصف المرفق (٢) ، والفرجين ثلاثاً قبل كلّ غسل من مائه ، وغسل الرأس ستّاً في كلّ غسل لكلّ شقّ منه غسل مستقلّ ، وغسل الجانبين كلّ غسل ثلاثاً ، فيكون المجموع أربعاً وخمسين غَسلة.

ولو حسبت اليدين باثنتين ، والفرجين كذلك تجاوز العدّ الحدّ بصبّ الماء متكاثراً ، ثمّ غسل الكفّ قبل كلّ غسل مرّة ، وغسل اليدين إلى المرفقين ، وغسل الفرج ثلاثاً ثلاثاً قبل الشروع في الغسل بماء السدر مع الحرض ، وغسل الرأس بالسدر ، وغسله بالخطمي ، والغسل التامّ برغوة السدر ، وبه مع الحرض أخرى ، فيكون الأغسال خمسة ، والغسلات الزائدة إحدى (٣) عشرة ؛ غير أنّ عمل غير المألوف في النفس منه شي‌ء.

ويُستحبّ أن لا يقطع الماء من غسل العضو حتّى يتمّه ، وأن يجعل مع الكافور في الغسلة الثانية شيئاً من الذريرة ، وهي فتات قصب الطيب يجاء به من الهند (٤) ، وقيل : مطلق الطيب المسحوق ، وقيل : أخلاط من الطيب باليمن ، وقيل : حبوب تشبه حبّ الحنطة ، وقيل : نبات طيّب ، وقيل : الورث ، وقيل الزعفران ، وقيل : غير ذلك (٥) ، وتركها للخلاف في حقيقتها أحوط.

وإكثار الماء إذا بلغ الحقوين ، ووضع خرقة على يده حال الغسل ، وقد يجب لغسل العورة إذا وجب على من ليس له مسّها ، ووقوف الغاسل عن أحد جانبيه ، ولا يركبه ، ولعلّ الأيمن أولى ، وإمرار اليد على البدن ، ودلكه بها أو ما يقوم مقامها ، ومسح بطنه

__________________

(١) نقله عن ابن عقيل في المختلف ١ : ٢٢٩.

(٢) فقه الرضا : ١٨١.

(٣) بدلها في «س» و «م» : ثلاث.

(٤) لسان العرب ٤ : ٣٠٤ ، نهاية ابن الأثير ٢ : ٥٧.

(٥) انظر الإفصاح في فقه اللغة ١ : ٣٥٧ ، مجمع البحرين ٣ : ٣٠٧ المصباح المنير : ٢٠٧ ، أقرب الموارد ١ : ٣٦٧.

٢٦٧

قبل كلّ من الغسلات من الغسلين الأُوليين دون الثالث وخصوصاً ثالثة الغسل الثالث ودون الحبلى.

وعن أبي جعفر عليه‌السلام : «أيّما مؤمن غسّل مؤمنا فقال إذا قلّبه : اللهمّ إنّ هذا بدن عبدك المؤمن ، وقد أخرجت روحه من بدنه ، وفرّقت بينهما ، فعفوك عفوك ، إلا غفر الله له ذنوب سنة إلا الكبائر» (١).

وعن الصادق عليه‌السلام : «ما من مؤمن يغسّل مؤمناً ويقول وهو يغسّله : ربّ عفوك عفوك ، إلا عفا الله عنه» (٢).

ويكره إقعاده ، ووضع الغاسل له بين رجليه ، وحلق رأسه وعانته ، ونتف إبطه ، وقصّ شاربه أو شي‌ء من شعره أو شي‌ء من أظفاره ، وتنضيفهما من الوسخ ، والإكثار من تنظيف بدنه ، وربّما حرم إذا بَلَغَ الوسواس ، وقلّة الاكتراث به والملل.

ولا يغسّل الشهيد صغيراً أو كبيراً أو امرأة مقتولاً بحديد أو غيره ، قتله سلاحه أو غيره ولا المقتول حدّا مع تقدّمه كما مرّ.

المبحث السادس : في التحنيط

يجب تحنيط من كان من المؤمنين ، ومن يلحق بهم محلا غير مُحرم. ولو معتكفاً أو معتدّة عدّة الوفاة وجوباً كفائيّاً على جميع المكلّفين ، من غير توقّف على إذن إن كان وليّاً ، ومع الاستئذان إن لم يكن.

ويترتّب على التغسيل مع إمكانه ، ويؤتى به مستقِلا مع تعذّره ، وأمّا المحرم فلا يقرب إليه حنوط ، ولا يجري عليه من حكم المحرم سوى ذلك ، فلا يكشف رأسه ، ولا يجنّب الكون تحت الظلال ، ولا المخيط ، ونحوها.

والأبعاض تلحق الأصل في الحلّ والإحرام ، والسقط من المحرمة بحكم المحل ، والبعض إن قطع حال الحل ألحق بالحل ، وإن أحرم بعده ، وبالعكس بالعكس ، وفي

__________________

(١) البحار ٨١ : ٢٨٧ ح ٥.

(٢) مستدرك الوسائل ٢ : ١٧٢ ب ٧ من أبواب غسل الميّت ح ١.

٢٦٨

كيفيّة تحنيط الأبعاض كلام يأتي في محلّه.

ويجزي منويّاً أولا من أيّ فاعل ، ولا يشترط فيه إباحة مكان وإناء ، نعم يشترط طهارته وإباحته على الأقوى فيهما ، وبقاء رائحته ، ولو لزم التنجيس من نفس المحل قوي الوجوب ، ويجب تقديم الغسل عليه إن أمكن ، ولو فعل بأجرة صحّ ، وحرمت الأجرة إلا أن تجعل على مستحبّاته.

ويختصّ بالكافور ، ولا يقوم غيره مقامه ، مع إمكانه وعدمه ، ولو شكّ فيه لم يجتزء به ، وفي وجوبه مع التعذّر وجه ، ولو تمكّن من عضو أو بعض عضو أتى بالممكن.

ووقته بعد الغسل ، فلو قدّم عليه أعيد بعده وإن بقي أثره على الأقوى ، ويجزي فيمن قتل حدّا أو قصاصاً حنوطه المتقدّم على قتله إن كان ، وإلا أتى به.

وإنّما يجب الفعل دون بذل المال إلا لزوجة أو مملوك ، ويخرج هو أو قيمته من أصل مال الميّت مقدّماً على الديون وغيرها ، كجميع الماليات المتعلّقة بواجب التجهيز ؛ ومستحبّه لا يخرج من المال إلا مع الوصيّة به ، فيخرج من الثلث.

ويجزي مسمّاه ، ويستحبّ المحافظة على الدرهم ، وهو نصف مثقال صيرفي ، وربع عشره ، وأفضل منه المثقال الشرعي وهو عبارة عن الذهب العتيق الذي هو ثلاثة أرباع المثقال الصيرفي ، وأولى من ذلك أربعة دراهم عبارة عن مثقالين وعُشر مثقال بالصيرفي وأولى منه أربعة دنانير عبارة عن ثلاثة مثاقيل صيرفيّة ، وأولى منه ثلاثة عشر درهماً عبارة عن تسعة دنانير وثلث دينار وهي سبعة مثاقيل صيرفيّة ، وهذا منتهى الفضل.

وهو خاصّ بالحنوط ، وكافور الغسل خارج عنه ، والاعتبار بالدنانير أضبط ، والظاهر جوازه بعد التغسيل إلى حين الدفن ، وإذا خيف فساده من جهة الانتظار سقط حكمه.

والزائد عن المقدّر (١) أفضل من الناقص منه على الأقوى ، (والاستغراق في المحالّ

__________________

(١) بدل عن المقدّر في «م» ، «س» : من الحدود.

٢٦٩

الضيّقة أولى من غيره ، والتكثير في الجملة في الجميع أولى من التقليل. ولو دار الأمر بينه وبين الدخول في الغسل وتعذّر الجمع ، ففيه وجهان ، والأقوى وجوب تقديم الثاني) (١).

ويُستحبّ خلطه بالتربة الحسينيّة ، ولإلحاق كلّ تربة شريفة وجه ، وسحقه باليد ، فإن لم يمكن فبغيرها.

ويكره خلطه بشي‌ء من الطيب سوى الذريرة المسمّاة لغة قُمّحة مضمومة القاف مفتوحة الميم مشدودة كحبّ الحنطة في اللون والشكل ، والأحوط تركها لاختلافهم في معناها كما مرّ.

ويجب سحقه ووضع شي‌ء على المساجد السبعة ، والأحوط مسحها ، والجبهة مقدّمة مع التعارض على غيرها ، ويتخيّر في اختيار ما شاء ممّا عداها ، ولا يجب استيعابها ؛ إذ المدار على ما يسمّى تحنيطاً.

ويُستحبّ إلحاق الصدر ووسط الراحتين والرأس واللحية وباطن القدم ومعقد الشراك وطرف الأنف واللبة وهي المنحر موضع القلادة والفرج ، ويكره في العين والمنخر والفم.

المبحث السابع : في الكفن

ويجب تكفين كلّ من وجب تغسيله من مؤمن أصليّ أو تبعيّ أو محلق به من سقط بلغ أربعة أشهر ، أو بعض من يلزم تغسيله ، دون غير المؤمن ، وإن لم يكن قصّر لعدم بلوغه أو لعروض الموت له حال النظر على إشكال في الأخير ، ويجري مثله في الأعمال الأُخر.

ولا تعتبر فيه نيّة ، ولا فاعل مخصوص ، ويحرم أخذ الأُجرة على واجبه ، وإن صحّ معها مع عدم فساد النيّة وتحلّ على مندوبه ، والوليّ أولى به ، وهو مرتّب على التغسيل مع إمكانه ، ولا ترتيب بينه وبين التحنيط ، والأولى تأخيره عنه.

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في «س» ، «م».

٢٧٠

ويُستحبّ إعداده حال الصحّة فضلاً عن المرض كغيره من مقدّمات التجهيز ؛ لقول الصادق عليه‌السلام : «من كان كفنه معه في بيته لم يكتب من الغافلين ، وكان مأجوراً كلّما نظر إليه» (١).

ويخرج كغيره من واجبات التجهيز من أصل المال مقدّماً على الديون والوصايا والمواريث ، ويؤخذ من بيت المال إن لم يكن له مال ويستحبّ بذله ، وفيه أجر عظيم ؛ لقول الباقر عليه‌السلام : «من كفّن مؤمناً كان كمن ضمن كسوته إلى يوم القيامة» (٢) وظاهره إرادة البذل دون الفعل.

ويجب بذل الواجب منه كغيره من واجبات التجهيز للمملوك ، ولا يجب في المبعّض على المولى إلا ما قابل الجزء الرقّ ، فإن وفى بجزء من الواجب معتبر ولو بمقدار ستر العورة من الكفن مثلا لزم ، وإلا فلا ؛ والأحوط الإتيان بالممكن ، وكذا يجب بذله للزوجة الدائمة المطيعة حرّة كانت أو أمة والأحوط إلحاق المتعة ، والمطلّقة الرجعيّة ، والناشزة بها ، ولو كان معسراً أو ممتنعاً أخذ من مالها ويرجع به عليه.

والمقتول في المعركة بين يدي الإمام عليه‌السلام ولم يدرك وبه رمق ، ولم يكن مجرّداً ، يدفن بثيابه ، ولا ينزع منها سوى الفرو وما أشبهه ممّا يتّخذ من الجلود والخفّ والقلنسوة والمنطقة ، إلا ما يصيبه فيهنّ دم ، فإنّه يدفن معه ، وفي إلحاق العمامة بهنّ قوّة ، دون السراويل ، فإنّ الظاهر أنّه يدفن معها كسائر الثياب ، خلافاً لبعضهم (٣) ، وتحلّ الأزرار والعقد منهنّ.

والمقتول حدّا أو قصاصاً يكتفي بكفنه السابق إن كان.

والمفروض منه ثلاثة أثواب : مئزر وقميص ولفافة ، توضع اللفافة ثمّ يوضع عليها القميص ، ثمّ يوضع عليه المئزر ثمّ يوضع عليه الميّت ، ثمّ يلفّ عليه ، فيكون الماسّ للبدن هو المئزر ، والقميص فوقه ، واللفافة فوقهما ، فإذا تعذّر حصولها مجتمعة اقتصر

__________________

(١) فلاح السائل : ٧٢ ، التهذيب ١ : ٤٤٩ ح ٩٧.

(٢) الكافي ٣ : ١٦٤ ح ١ ، التهذيب ١ : ٤٥٠ ح ١٠٦.

(٣) المقنعة : ٨٤.

٢٧١

على الممكن من اثنين أو واحد.

ولو دار بين الآحاد قدّمت اللفافة لشمولها البدن ، ثمّ القميص ؛ لأنّه أشمل من المئزر ثمّ المئزر ، وإذا تعذّر الجميع اقتصر على الممكن من الساتر للعورة ، مقدّماً للأشمل على غيره. ولو دار الأمر بين العورتين كان القبل مقدّماً في وجه قوّي.

ويشترط فيهنّ أن يكون كلّ واحد منهنّ ساتراً لا يحكي ما تحته ، وفي اللفافة أن تكون محتوية على تمام البدن ، وتزيد عليه من الطرفين بما يمكن شدّه حتّى يتمّ سترها.

وفي القميص من المنكبين إلى نصف الساق ، وفي المئزر ما يستر ما بين السرّة والركبة ، والأقوى الاكتفاء بساتر ما بين إلى الحقوين إلى الركبة ، ثمّ الأقوى في هذين بحسب الطول اعتبار صدق الاسم عرفاً ، وعرضاً الاحتواء الذي يتحقّق به المصداق العرفي من جانب العرض ولو بخياطة.

وإن كان الأفضل في المئزر أن يكون محتوياً على ما بين الصدر والقدم ، وفي القميص من المنكبين إليه ، وفي العرض أن يحصل الستر بمجرد اللفّ لأحد الحاشيتين على الأُخرى من دون حاجة إلى الخياطة.

ويُستحبّ لفّ اليمنى على اليسرى.

ويشترط فيه إباحته ، وستر كلّ قطعة منه ، وأن يكون من الثياب المعتادة دون ما يتّخذ من نبات ونحوه ، ولا يبعد القول بوجوبه مع تعذّر المعتاد ، وكونه بصورة الثوب المعتاد ، وإن كان الأقوى خلافه.

وأن يكون ممّا تصحّ صلاة الرجال فيه فلا يجوز بالحرير المحض ولو مع الاضطرار ، ويقوى الجواز بالمكفوف لا سيّما إذا نقص عن عرض أربعة أصابع ، والمعلم ، والمخلوط ، والمخيط به ، وما لا يتمّ الصلاة به وحده.

ولا يجوز بالذهب ، والمذهّب ولا جلد غير مأكول اللحم وشعره ، وما اتّصل به شي‌ء منه مما لا تصحّ الصلاة به ، ولا بأس بما كان من إنسان أو حيوان صغير كالقمّل ونحوه.

ولا المتنجّس بغير المعفوّ عنه. والظاهر عدم جريان العفو هنا ، والأحوط ترك التكفين بالجلود مطلقاً.

٢٧٢

ويجب غسل النجاسة منه إن حصلت قبل الدخول في القبر ، وأمّا فيه فحكمها القرض ، كما سيجي‌ء.

ويستحبّ التكفين بما كان يعبد الله به من صلاة أو إحرام أو نحوهما (ويرجّح الأفضليّة ، والأكثريّة ، ومع التعارض الميزان) (١).

ويُستحبّ أن يزاد فيه حِبرَة حمراء غير مطرّزة بالذهب ، ولا بالحرير ، ومع عدم الحمراء يأتي بالممكن منها ، ومع عدمها يجعل غيرها بدلها وهي كعنبة ضرب من برد اليمن ، قيل : وهو ثوب يصنع باليمن من قطن أو كتان مخطّط (٢) ، ثمّ يستحبّ أن تكون عبريّة بكسر العين أو فتحها منسوبة إلى عبر جانب الوادي أو موضع ، أو ثوب أظفار حصن باليمن أو بلدة فيه أو قرية من صنعاء فإن فقدا فمن غيرهما.

وخرقةِ تشدّها شدّاً شديداً من الحقوين إلى الرجلين ، ويخرج رأسها من تحت رجليه إلى الجانب الأيمن ، ويغمزها في الموضع الذي لفّت فيه ، ويُستحبّ أن يكون طولها ثلاثة أذرع ونصفاً بذراع اليد المتعارفة ولا اعتبار بذارع الميّت إن لم يكن موافقاً لجثّته ، وإلا فعليه المدار في عرض شبر أو شبر ونصف كذلك.

ويزاد للذكر عِمامة ، ويكتفي منها بحصول الاسم ويكفي فيها أن تلفّ على رأسه لفّة واحدة ثمّ يدار كلّ طرف من جانبيه محنّكاً به إلى نحو النحر أو الصدر.

وللأُنثى قناع تقنع به ، ويجزي ما يتحقّق به الاسم عرفاً ، ولفافة لثدييها ولو كانت طفلاً ونمط وهو كساء له طرائق فيكون لِفافة ثالثة ؛ وسوّى بعضهم فيه بينها وبين الرجل (٣) ؛ وأضاف لها بعضهم لفافة رابعة (٤).

ولا بأس بالعمل بقول الفقيه الواحد في أمر السنن ما لم يعارضه معارض ، ويعتبر في المسنون منه ما يعتبر في المفروض جنساً وشرطاً.

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في «س» ، «م».

(٢) المصباح المنير ١ : ١١٨.

(٣) كأبي الصلاح كما في ذكرى الشيعة ١ : ٢٦٦.

(٤) كالمحقّق الطوسي كما في النهاية : ٣١.

٢٧٣

ويُستحبّ أن يكون جديداً وأن يكون من طهور المال وكذا كلّ مال يستعمل في تجهيزه ، وأن يلقى للتبرّك على بعض الضرائح المقدّسة والأماكن المشرّفة ، ووضع تراب شريف وغيره من المشرّفات فيه.

وأن يجعل بين إليتيه قطن ، وأن يحشى دبره مع خوف خروج شي‌ء منه ، وربما ألحق به الفرج ولو كان في الورّاث ناقص أو حصل مانع أو كانت ديون أو وصايا لا تزيد التركة عليها ، اقتصر على الواجب فيه وفي كلّ ماليّ يدخل فيه التجهيز ، ما لم يوص ، فتخرج من الثلث إن أمكن ، ويكره الكتّان إلا أن يكون الخليط من القطن أكثر منه ، فتخفّ الكراهة أو ترتفع ، وأفضل الألوان البياض ، ويكره السواد ، ولو تعارضت كراهة الذات والصفة قدمت مراعاة الذات ، فأسود القطن خير من أبيض الكتّان.

ولا يجوز الزيادة على الموظّف فيه بقصد المشروعيّة إلا أن يلغى اعتبار ما وضع أوّلاً ؛ لخروجه عن المالية لكثرة قذاراته وتلوّثه بالنجاسات بحيث لا يمكن تطهيره.

ويجب جمع أعضائه المتفرّقة وجميع ما تساقط منه من لحم أو شعر أو أظفار أو غيرها فيه.

ومقطوع الرأس يشدّ رأسه على رقبته بعد الغسل ، بعد أن يوضع بينهما قطن ويحكم شدّه ، ثمّ يكفّن ؛ والمجروح يعصّب جراحاته تعصيباً محكماً ثمّ يكفّن.

ويُستحبّ للغاسل أن يغسل يديه من العاتق وهو ما بين المنكب والعنق ، ثمّ يكفّنه ، ويكره خياطة ثوب بثوب ، ويستحبّ إكثار القطن لقبل المرأة حتّى قدّر برطل عبارة عن ثمانية وستّين مثقالاً صيرفيّة وربع أو رطل ونصف.

ويُستحبّ وضع جريدتين من النخل ، لما روي : «أنّه يتجافى عنه العذاب ما دامتا رطبتين» (١) ، وروى : «أنّهما ينفعان المؤمن والكافر» (٢) وروى أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «خضّروا أمواتكم ، فما أقلّ المخضرين يوم القيامة» (٣) وفسّر بالجريدتين.

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٥٢ ح ٤ وص ١٥٣ ح ٧.

(٢) الكافي ٣ : ١٥١ ح ١.

(٣) الكافي ٣ : ١٥٢ ح ٢.

٢٧٤

ويستحبّ أن يكونا رطبتين قدر ذراع أو عظمه أو قدر شبر من أوسط الأذرع والأشبار ، ولو كانت قامته خارجة عن الاعتدال قويت ملاحظة النسبة بالقياس إلى مستوى الخلقة ، ويحتمل مراعاة قامته ، وقيل (١) يجزي مقدار أربعة أصابع ، ويجزي أن يكونا مشقوقتين ، وتغني الواحدة.

والظاهر أنّ اعتبار الرطوبة ، والمقدار ، والعدد سنّة في سنّة ، ولعلّ الغلظ فيهما أولى لبطوء الجفاف فيه ، وإن لم يكن من النخل ، فمن رطب السدر ، ثمّ رطب الخلاف ، ثمّ رطب الرمّان ، ثمّ كلّ شجر رطب كائناً ما كان.

والأولى في كيفيّة وضعهما أن توضع أحدهما في الجانب الأيمن ملتصقة بالجلد من الترقوة ، والأُخرى منهما بين اللفافة والقميص في الجانب الأيسر ، وإن كانت واحدة اقتصر على الوضع الأوّل. وليس هذا النحو بلازم ، وإنّما هو سنّة في سنّة.

وروى كيفيّات أُخر :

منها : وضع واحدة تحت الإبط الأيمن والأخرى بين ركبتيه ، نصف ممّا يلي الساق ، ونصف ممّا يلي الفخذين (٢).

ومنها : وضعهما معاً على الجانب الأيمن فوق القميص ودون الخاصرة (٣).

ومنها : ما ذكره الصدوق : واحدة على الأيمن ملتصقة بالجلد من الترقوة ، والأُخرى على الأيسر عند وركه بين القميص والإزار (٤). وكيف كان فالمطلوب وضعهما كيف كان غير أنّ مراتب الفضل مختلفة ، فلو وضعت في القبر أو طرحت عليه أفادت. ويستحبّ نثر الذريرة على جميع قطع الكفن وعلى وجهه ، ولو تركت لكثرة الخلاف في معناها فلا بأس.

ويُستحبّ أن يكتب بتربة الحسين عليه‌السلام إن أمكن ، وإلا فبغيرها مقدّماً

__________________

(١) والقائل ابن أبي عقيل كما في مختلف الشيعة ١ : ٢٣٢.

(٢) الكافي ٣ : ١٤٣ باب تحنيط الميّت وتكفينه ح ١.

(٣) الكافي ٣ : ١٥٤ باب الجريدة ح ١٣.

(٤) معاني الأخبار : ٣٤٨ ح ١.

٢٧٥

للأشرف فالأشرف ، فإن فقد فبالإصبع اسمه والشهادتين ، وأسماء الأئمّة عليهم‌السلام ، ودعاء الجوشن ، والقران بعضاً أو كلا.

وكلّما يكتب من دعاء أو أسماء أو أذكار فهو حسن ، وتحسن في جميع قطع الكفن وقصد التبرّك ، والتشرّف يرفع عدم الاحترام ، ثمّ احتمال إصابة النجاسة لا يعوّل عليه ولعلّ الحِبرَة والقميص والإزار والجريدتين أولى.

وروى استحباب كتابة دعاء الجوشن بكافور ومسك في جام ، وغسله ورشّه على الكفن (١) ؛ وترك المسك أحوط ؛ لأنّ الاحتياط في ترك ما عدا الذريرة من الطيب ، بل تركها ؛ لكثرة الاختلاف في معناها أقرب إلى الاحتياط.

ويُستحبّ المغالاة أيضاً في الكفن ، فقد روي : «أنّ الموتى يتباهون في أكفانهم يوم القيامة» (٢) ، وأنّ الكاظم عليه‌السلام كُفّن في كفن ثمنه ألف وخمسمائة دينار عليه القرآن كلّه (٣).

ويُستحبّ خياطته بخيوط منه.

ويُكره قطعه بالحديد ، والأكمام المبتدئة أمّا السابقة فلا بأس بها ، وبلّ الخيوط التي يخاط بها بالريق ، ولا بأس بغير الريق ولعلّ الأولى حفظه من جميع فضلات الإنسان. ويُكره المماكسة في أثمانها ، وكتابتها بالسواد ، وتطيّبها بدخان البخور ، وينبغي تخليصها من سائر القذارات.

ويُستحبّ وضع الذريرة على الكفن ، وعلى الفرج وعلى الوجه ، وإذا تمّ تكفينه استحبّ للأولياء أن يطلبوا الناس لتشييعه ؛ ليعود النفع إلى الناس وإلى الميّت وإليهم كما في الخبر (٤). «وأن يحضر أربعون رجلاً من المؤمنين ، ويقولوا : اللهمّ إنّا لا نعلم منه إلا خيراً وأنت أعلم به منّا ، فإن الله تعالى يقول عند ذلك : قد أجزت شهادتكم ،

__________________

(١) البحار ٩٤ : ٣٨٣ ، مهج الدعوات : ٢٧١.

(٢) كنز العمّال ١٥ : ٥٧٨ ح ٤٢٢٥٣ ، دعوات الراوندي : ٢٥٤ ح ٧١٨ ، التهذيب ١ : ٤٤٩ ذ. ح ٩٨.

(٣) عيون أخبار الرضا ١ : ٩٩ ، كمال الدين وتمام النعمة : ٣٩.

(٤) الكافي ٣ : ١٦٦ ح ١ ، دعوات الراوندي : ٢٥٩ ح ٧٣٨.

٢٧٦

وغفرت له ما لا تعلمون وما تعلمون» (١).

وعن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ أوّل عنوان صحيفة المؤمن بعد موته ما يقول الناس فيه ، إن خيراً فخير ، وإن شرّاً فشرّ» (٢).

وعن أبي جعفر عليه‌السلام : «إنّ عابداً كان يعجب داود عليه‌السلام فأخبره الله أنّه مراءٍ ، فلمّا مات لم يحضر جنازته ، فأمره الله تعالى بحضورها ، فسأل داود عليه‌السلام عن السرّ ، فقال الله تعالى : لمّا غسلوه قام خمسون رجلاً فقالوا لا نعلم منه إلا خيراً وكذلك لمّا صلّوا عليه فأجزت شهادتهم» (٣).

ويُستحبّ للرجال تشييع جنازة المؤمن ومن بحكمه ؛ لقوله عليه‌السلام «إنّ أوّل تحفة المؤمن أن يغفر له ، ولمن تبع جنازته» (٤). وعن الصادق عليه‌السلام : «من أخذ بقائمة السرير غفر الله له خمساً وعشرين كبيرة ، فإن ربّع خرج من الذنوب» (٥).

وعن الباقر عليه‌السلام : «أنّه كان فيما ناجى موسى عليه‌السلام ربّه أن قال : يا ربّ ما لمن شيّع جنازة قال : أُوكِل به ملائكة من ملائكتي معهم رايات يشيّعونهم من قبورهم إلى محشرهم» (٦).

وعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أوّل ما يبشّر به المؤمن أن يقال : قَدِمتَ خَير مَقدَم ، فقد غفر الله لمن شيّعك ، واستجاب لمن استغفر الله لك ، وقبل ممّن شهد لك» (٧). وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أنّ من شيّع جنازة مسلم أُعطي يوم القيامة أربع شفاعات ، ولم يقل شيئاً ، إلا قال الملك ولك مثل ذلك» (٨). وقد يجب إذا توقّف

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٠٢ ح ١٩.

(٢) أمالي الطوسي ١ : ٤٥.

(٣) الجواهر السنيّة : ٧١ ، عدّة الداعي : ١٣٦.

(٤) التهذيب ١ : ٤٥٥ ح ١٢٧ ، أمالي الطوسي ١ : ٤٥.

(٥) الكافي ٣ : ١٧٤ ح ٢ ، ثواب الأعمال : ٢٣٣ ، الفقيه ١ : ٩٩ ح ٩.

(٦) الكافي ٣ : ١٧٣ ح ٨.

(٧) كنز العمّال ١٥ : ٥٩٦ ح ٤٢٣٥٥.

(٨) الكافي ٣ : ١٧٣ ح ٦ ، روضة الواعظين : ٤٩٤.

٢٧٧

عليه بعض الواجبات.

ولا حدّ له ، ووَرَدَ إلى ميلين (١) ، والميل ثلث الفرسخ. والمحافظة على أن لا يؤذي المشيّعين بالمزاحمة ، وربّما حرم ، وأن يرعى حقوقهم ويمكّنهم من نوبتهم ، وأن يقول المشاهد للجنازة : «الحمد لله الذي لم يجعلني من السواد المخترم» (٢) وغير ذلك من الدعوات المأثورة. وأن يحمل النعش مشيّعوه ، ولا يضعوه على حيوان إلا مع العجز ، وأن يكونوا من خلفه ، وأدنى منه أن يكونوا على أحد جانبيه.

ويكره تقدّمه ولا بأس بتقدّم صاحب النعش ، وحرّم بعضهم التقدّم لجنازة غير أهل الحقّ حذراً من لقاء ملائكة العذاب ، وأن يبعدوا عنه كثيراً ، فيخرجوا عن التشييع.

وأن يحمل أطرافه الأربعة أربعة رجال كلّ واحد يحمل طرفاً ، وأن يدور عليه دور الرحى ، مبتدءاً بمقدّم يمينه ، ثمّ بمؤخّره ، ثمّ بمؤخّر يساره ، ثمّ بمقدّمه ، ولو عكس فلا بأس عليه غير أنّ الأوّل أولى.

وتغشيته بثوب لا ينبئ عن زهرة الدنيا خصوصاً للمرأة.

والطواف به على قبور الأنبياء والأئمّة عليهم‌السلام بل قبور الصالحين وزيارته لهم ، وتبرّكه بهم ، وأن لا يقعد المشيّع حتّى يدفن مع تهيئة القبر ، وأن لا يرجع إلا مع إذن الولي ، وخصوصاً قبل وضعه في اللحد ، وأن يشيّع ماشياً لا راكباً إلا في الرجوع أو طول المسافة ؛ فإنّه لا بأس بالركوب.

وكثرة الفكر والاعتبار وتقليل الكلام ، وروى الأمر بترك السلام (٣). ويحفي المصاب أو طرح ردائه أو نحوهما ممّا يدلّ على أنّه مصاب. والقصد في المشي ، وأخذ المشيّعين أقرب الطرق إلى موضع قبره إلا لداعٍ ، وفي استحباب التشييع لمثل السقط والأبعاض وجه قويّ.

ويكره الضرب على الفخذ باليد ، واليمنى على الشمال ، وفي الحديث «لعن

__________________

(١) نوادر الراوندي : ٥ ، البحار ٨١ : ٢٦٥.

(٢) الكافي ٣ : ١٦٧ ح ١.

(٣) الفقيه ١ : ١١٠ ح ٨.

٢٧٨

الخامشة وجهها ، الشاقّة جيبها ، والداعية بالويل والثبور» (١) ، ومشي غير صاحب المصيبة بغير رداء ، ولا يبعد تحريمه.

والظاهر تحريم اللطم والخدش ، وجزّ الشعر ، وشقّ الثوب على غير الأب والأخ خصوصاً لموت الولد أو الزوج والظاهر اختصاص ذلك كلّه حرامه ومكروهه بما كان للحزن على فراق الأحباب ، أمّا ما كان لفقد أولياء الله وأُمنائه فلا بأس به.

ويحرم قول الهجر ، ويكره قول : ارفقوا به ، وترحّموا عليه ، واستغفروا له ، ووضع ميّتين في نعش واحد ، وقيل (٢) بتحريمه. ويقوى في غير المماثل ، وفي غير المحارم ، وفي تمشيته إلى بعضين من ميّتين وجه.

ويكره أن يتبع بمجمرة أو بالنار ، وتشييع النساء ، وحملهنّ وحضورهنّ مع الرجال مع المزاحمة ، واتّباعهنّ الجنازة ، ورفع الأصوات ، والقيام لها إلا أن يكون جنازة يهوديّ خوفاً من أن يعلو عليه ، ويقوى إلحاق مطلق الكفّار ، ولا يبعد إلحاق غير أهل الحقّ من المسلمين.

المبحث الثامن : في الصلاة عليه

وفيه فصول :

[الفصل] الأوّل : في بيان أجرها

أجرها عظيم وثوابها جسيم ، فعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «من صلّى على ميّت صلّى عليه سبعون ألف ملك ، وغفر له ما تقدّم من ذنبه ، وإن قام حتّى يدفن وعليه التراب كان له بكلّ قدم نقلها قيراط من الأجر والقيراط مثل جبل أُحد» (٣).

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «ما من مؤمن يصلّي على الجنائز إلا أوجب الله له

__________________

(١) مُسكّن الفؤاد : ٩٩ ، سنن ابن ماجه ١ : ٥٠٥ ح ١٥٥٨.

(٢) القائل هو المحقّق الطوسي في النهاية ونكتها ١ : ٢٥٧.

(٣) أمالي الصدوق : ٣٥١.

٢٧٩

الجنّة إلا أن يكون منافقاً أو عاقّاً» (١).

الفصل الثاني : في المصلّي

تجب الصلاة كفاية على كلّ مكلّف ، وإن كانت لا تصحّ إلا من مؤمن ، وشرط الصحّة الإيمان والعقل والبلوغ ، (فلا تصحّ ممّن) (٢) فقد إحدى هذه الصفات ، ولا (تجب على من) (٣) ، فَقَدَ إحدى الصفتين الأخيرتين (٤). وتصحّ من المميّز ، وإن لم يكن مكلّفا على الأقوى ، ولكن لا يسقط بفعله التكليف الظاهري عن المكلّفين.

وتصحّ صلاة كلّ من الرجال والنساء والخُناثى والأحرار والعبيد على مماثله وغيره.

ويُستحبّ فعلها مع إمام ، ويعتبر فيه الإيمان والعقل والبلوغ والوحدة ، والتعيّن بالاسم أو الإشارة ، ومع التعارض يقدّم الإشارة ، والذكورة لو أمّ ذكوراً أو خناثى مشكلات أو ممسوحين أو مخلوطين بهم أو مشتبهين.

والظاهر اشتراط طهارة المولد ، والعدالة. وفي اشتراط قيامه لو أمّ قائمين مع عجزه عن القيام وطهارته بالماء لو أمّ متطهّرين به ، وعدم ارتفاع مقامه بما يعتدّ به على المأمومين ، وجهان ؛ أقواهما العدم.

أمّا الرقّيّة والجذام ونحوه وعدم سلامة اللسان من الافة فلا مانع منها بلا شبهة ، وتقوم الحائض والنفساء بعد التيمّم استحباباً ناحيةً عن المصلّين مؤتمّتين أو منفردتين.

ولو ظهر عدم قابليّة الإمام في الأثناء انفردوا فيما بقي أو ائتمّ بعضهم ببعض ، وصحّ ما مضى ، ولو ظهر بعد التمام مضت ، ولا يجب فيها إعادة.

ولو اختلف المصلّيان كلّ يقول كنت إماماً أو كلّ يقول كنت مأموماً أو اختلفا بأن قال أحدهما كنا منفردين ، وقال الأخر كنّا إماماً ومأموماً صحّت وأجزأت.

__________________

(١) أمالي الصدوق : ١٦٣.

(٢) بدل ما بين القوسين في «س» ، «م» : وتجب على من

(٣) بدل ما بين القوسين في «م» ، «س» : تصح ممّن.

(٤) بدل ما بين القوسين في «س» ، «م» : الأوليين.

٢٨٠