كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء - ج ٢

الشيخ جعفر كاشف الغطاء

كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء - ج ٢

المؤلف:

الشيخ جعفر كاشف الغطاء


المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-953-4
الصفحات: ٤٦٣

فوق المعدة أو تحتها ، حتّى لو اعتيد من الفم على إشكال ، ولو تحرّكت ريح فخرجت من المخرج ، ولم يعلم كونها من المعدة ، فلا اعتداد بها ، ولو استمرّ الريح جرى عليه حكم المسلوس والمبطون ، ولو أمكنه حصره ، أو مدافعته من غير ضرر بعد دخول الوقت وفقد الماء وجب ، ويكره في مقام الاختيار.

رابعها وخامسها : البول والغائط ، فإنّهما من الحدث الأصغر دون ما عداهما ممّا يخرج عن العورة ممّا عدا الدماء الثلاثة (١) على التفصيل السابق من نواة ، أو حصاة ، أو حيوان ، أو نحوها غير ملطّخة بهما ، أو دواء أو دم أو رطوبات من مذي خارج بعد الملاعبة ، أو شبهها أو وذي خارج بعد البول ، أو ودي خارج بعد المني ، أو قيح أو بلغم أو صفراء ، أو حقنة جامدة أو مائعة لم تتغيّر بما يلحقها باسم الغائط ، ولا خالطها منه شي‌ء ، أو نحوها غير ممتزجة بأحدهما. ولا عبرة بالشك.

ويعتبر الخروج من المعتاد في الحدثيّة ؛ لأنّ المدار فيها على الخروج والمخرج ، وينصرف إلى المعتاد ، بخلاف الخبثيّة ، وعلامة البلوغ (٢) فإنّ مدارهما على ذات الخارج دون الخروج والمخرج.

والمخرج إن كان أصليّا كفى فيه الخروج ولو مرّة واحدة ، فاعتياد غيره لا ينفي حكمه ، وإن كان معتاداً بالعارض حتّى صار مخرجاً ثانياً لحقه حكم الأصلي مع انسداد الأصلي وعدمه ، ومع بقاء اعتياده وعدمه ، ومع خروجه من تحت المعدة أو فوقها ، حتّى الفم على إشكال ، وإلا يكن معتاداً بالأصل ولا بالعارض فلا مدار عليه ، سواء كان فوق المعدة أو تحتها ، مع عدم انسداد الطبيعي.

ولو خرج أحدهما من محلّ الأخر كان تابعاً للاعتياد وعدمه.

والظاهر أنّ الاعتياد هنا ليس كاعتياد الحيض (٣) يثبت بالتكرار ولو مرّة ثانية ، بل الظاهر هنا كون المدار على التكرار مراراً حتّى يسمّى معتاداً عرفاً.

__________________

(١) في النسخ زيادة : للمستحاضة.

(٢) في «ح» زيادة : على نحو ما مرّ وفي البناء في ذوي الحقو على المصدر أو المخرج وجهان ،

(٣) في «ح» زيادة : و.

١٢١

ولو انسدّ المعتاد بالأصل فخرج منه مرّة كان حدثاً ، وفي المعتاد بالعارض إشكال ، ولا يبعد إلحاقه بالأصلي ، ولو انسدّ الطبيعي فانفتح طريق آخر عمل عليه ، ولو انفتح طريقان عمل على الخروج من أيّهما كان.

ولو تعدّدت المخارج ومنها طبيعي وغيره ، أو فيها معتاد بالعارض وغيره ، واشتبه الخارج لم يحكم بالحدث ، ويحتمل البناء على الطبيعي ؛ لأنّه الأصل ، والبناء على الظاهر في الترجيح للمعتاد بالعارض فيحكم به.

ولو خرج شي‌ء من الغائط منفرداً أو مع لحم ، ثم رجع إلى الباطن من دون تلطّخ بشي‌ء من الظاهر قوى القول بثبوت الحدث ، وعدم وجوب طهارة الخبث. وأمّا لو انفتح الدبر بحيث بان الغائط في باطنه فلا حكم له.

ولو شكّ في الخارج أنّه من أحدهما أولا ، بنى على العدم ، إلا فيما يخرج من محلّ البول من الذكر قبل الاستبراء.

وليست الردّة المخرجة عن الإسلام أو الإيمان بحدث (١) ، فمن ارتدّ متطهّراً ثمّ عاد إلى الحقّ بقي على حكم طهارته ، ولو ارتدّ في أثناء الطهارة ولو بين أفعال السنن فعاد بنى على السابق مع عدم فوات الموالاة على إشكال.

هذا إذا كان ملّياً لا فطريّا إن كان رجلاً ، وإن كان امرأة اتّحد الحكم فيها (٢) فيهما ، والظاهر إلحاق الخنثى والممسوح بها.

وكلّما دخل في المعدة وخرج باقياً على حقيقته يبقى على حكمه السابق من مائع أو جامد ، مع الخلوّ عن الخليط ، وإن استحال إلى الغائط أو غيره جاءه حكم ما استحال إليه.

ومدار الحكم على الخروج ، فلو تحرّك من محلّه ولم يخرج ، فلا اعتبار له وإن قارب المخرج.

ولو أدخل إصبعه مثلاً فأصاب الغائط في باطن الدبر فإن خرج ملوّثاً ولم يصب الظاهر أحدث ، وغسل الملوّث من غير استنجاء ، وإن خرج غير ملوّث فلا حدث

__________________

(١) في «ح» زيادة : ولا دوام الطهارة بعبادة تستدعي نية ، بل أثره كأثر طهارة الخبث.

(٢) في «ح» زيادة : و.

١٢٢

ولا خبث ، ولا استنجاء ، وإن خرج ملوّثاً وأصاب الظاهر جمع الثلاثة.

البحث الثالث : في أحكامها ، وهي أُمور :

أحدها : أنّه لو علم وحدة الحدث وشكّ في موجبه.

فإن كان متّحد الصورة (وكانت أسبابه متعدّدة لكنّها لم تكن مؤسّسة بل مؤكّدة راجعة إلى حكم الواحد كأنواع الحدث الأصغر ، وأحاد نوع من أنواع الأكبر ، فلا تعدّد فيه. وإن كانت مؤسّسة ولموجَباتها أحكام مختلفة كأنواع الأكبر ، وجهل التعيين ، ولم يمكن استعلامه) (١) اكتفى بالواحد ، ونوى ما في الواقع ، (وإن أمكن استعلامه احتمل ذلك لأنّ التنويع في الموجَب دون الموجِب وليس بعبادة ، على تأمّل فيه) (٢).

وإن اختلفت الصورة تعدّد الموجَب ، إلا أن يقضي الأصل بتقديم البعض.

(وفي وجوب الجمع بين الأقسام المختلفة قوّة ، على نحو الدوران بين التعدّد والوحدة ، وبين العفو وخلافه في غسل الخبث) (٣) وقد مرّ الكلام فيه.

ثانيها : أنّ رفع الأحداث بجملتها مستحبّ لنفسه ، مع قطع النظر عن الغايات ، ويقوى إلحاق الاستباحة المائيّة به ، فإذا توقّفت عليه غاية مستحبّة أو غايات تعدّدت جهة الاستحباب بتعدّدها ، وإن كانت واجبة اجتمع (٤) وصف الوجوب والاستحباب معاً ، وإن غلب عنوان الإيجاب عنوان الاستحباب.

ولا يعتبر تعيين الغاية ، وتُجزي المعيّنة عمّا عداها ، ومع اشتراط عدمه فيه ، فيه ما فيه.

ثالثها : لو حدث في أثناء الوضوء أو غيره ممّا يرفع الحدث أو ما يبيح ممّا عدا المستمرّ حدث مجانس بطل ما عمل رفعاً وإباحةً ، وأعاد من رأس.

والأحداث الصغريات جنس واحد ، وأمّا الكبريات فكلّ صنف جنس على حدة إلا أنّه ربما جعل الحيض والنفاس جنساً واحداً ، فلو حصل من أفراد ذلك الصنف في ضمن

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في «س» ، «م».

(٢) ما بين القوسين ليس في «س» ، «م».

(٣) ما بين القوسين ليس في «س» ، «م».

(٤) في «ح» زيادة : أثر.

١٢٣

طهارته بطل المتقدّم وأعاد ، وإن حصل من غيره من أصغر أو أكبر فلا يفسده سنّة كان أو فرضاً سوى غسل الجنابة فإنّه يفسده كلّ حدث من أصغر أو أكبر ، مجانس أو مخالف.

وإذا أتى بها مرتّبة وجب تقديم غسل الجنابة ، إذ ارتفاع حكم الأصغر مع بقاء الأكبر لا وجه له كما مرّ لأنّها ترفع بعض ملزوماته ، فيحكم بارتفاع لازمها كما سيجي‌ء بعد ذلك.

رابعها : أنّ العالم بعدم الماء أو فقد الطهورين أو تعذّر الاستعمال عقلاً أو شرعاً إلى آخر الوقت إذا كان على طهارة ولم يكن وقت وجوب الغاية داخلاً جاز له إراقة ما عنده من الماء ، أو البعد عنه ، وإهمال الأسباب الممكّنة منه ، وجاز له فعل الحدث أصغر كان أو أكبراً ، جماعاً أو غيره ، وجاز له تعمّد الوصول إلى مكان يفقد فيه الطهورين فضلاً عن خصوص الاختياري ، وما ورد ممّا ينافي ذلك محمول على الكراهة.

وإن كان بعد دخول الوقت وأمكنه استعمال الماء استعمله أو حبس الحدث إلى أن يصلّي من غير ضرورة حبسه.

ولا يمنع من الجماع قبل الوقت ، مع استمرار المانع وخوف الضرر من استعمال الماء ، ولا يتبدّل حكمه في العمد على الأقوى ، وما ورد ممّا يدلّ على خلافه غير معمول عليه.

وتسرية الحكم إلى ما بعد الوقت فيه ، فيه قوّة ، وفيما عداه ممّا مرّ وجه ضعيف.

ولا عن مسّ الميّت إذا خيف فساده ، وتوقّف تغسيله أو دفنه عليه.

خامسها : أنّه لا يجب تنبيه النائمين ، أو الغافلين بعد العلم ، أو الجاهلين بالموضوع على الأحداث وإن أرادوا الدخول في الصلوات المفروضات أو المسنونات ، إلا في عبادة ميّت قد استأجر عليها الولي أو الوصي ، أو التزام المولى بحمل عبده على عبادة بملزم من نذر ونحوه ، ونحو ذلك ، فإنّه يلزمه التنبيه في باب الحدث ونحوه من الشرائط الوجوديّة.

وسوى ما يرجع إلى التعظيم كمسّ القرآن ، ودخول المحترمات في بعض المقامات في وجه قويّ.

ويجري في سائر التكاليف سوى ما يتعلّق بالأعراض والدماء وما يلتحق بها ممّا تعلّق

١٢٤

غرض الشارع بسلب الوجود عنها ، وإن لم يتعلّق الخطاب بها ، وفي الأموال بحث.

سادسها : أنّ الغايات المرتبطة برفع الحدث أو الاستباحة يبقى حكمها ما دامت الطهارة أو الإباحة اتّصلت أفعالها أو انفصلت ، وأمّا ما يترتّب على أسباب أُخر كأغسال الأفعال ووضوءاتها فيعتبر فيها الاتّصال (١) بحسب حالها إلا فيما نصّ على توسعتها (٢).

سابعها : أنّ الحدث الأصغر سبب واحد ، وليس لأنواعه ولا لآحاده خصوصيّة ، فلا يتعدّد بالتعدّد ، وأمّا الأكبر فلا يتعدّد حكمه بتعدّد الآحاد ، ولكن يتعدد بتعدّد الأصناف ، ولا تنافي ذلك جواز التداخل.

ثامنها : أنّه لا يجوز رفع الحدث الأصغر مع بقاء الأكبر ، ويجوز العكس في غير غسل الجنابة ، فإنّ رفعها يستلزم رفع حكم الأصغر.

تاسعها : أنّ مستدام الحدث يرفع حكم ما تقدّم على تأمّل فيه ولا يرفع حكم ما صاحب أو تأخّر ، فبناؤه على الاستباحة دون الرفع. وقد يقال بالرفع فيهما إلى تمام العمل ، والعدم فيهما هو المذهب ، وإنّما هو إباحة محضة ، ولعلّ هذا هو الأقوى.

عاشرها : لو دار الحدث بأقسامه بين اثنين فما زاد.

كان كالدوران في التقيّة والاجتهاد ، أجرى كلّ واحد على نفسه حكم الظاهر (٣) ، ولا يحكم على واحد بحكم الحدث إلا في مقام لا يتمّ الغاية إلا بطهارتهما معاً ، كائتمام أحد الاثنين بصاحبه فتفسد صلاتهما مع وجوب الجماعة كما في الجمعة ، وتصحّ صلاة الإمام فقط مع عدمه ، وعدم الاقتران بالنيّة ، وكذا معه على تأمّل ، وللحكم بصحّة الصلاتين معاً وجه.

ومع الزيادة يقوى الجواز مطلقاً ، على إشكال يترتّب على احتمال إجراء حكم مسألة المحصور.

والائتمام بهما معاً ، مع اختلاف الفرضين أو بعض الفريضة يقوى جوازه.

__________________

(١) في «ح» زيادة : على الصور من الأفعال المترتّبة كمالها على الوضوءات أو الأغسال أو ما يلتحق بهما من الآداب المرتبطة ببعض الأفعال فيعتبر فيها الاتّصال.

(٢) في «ح» زيادة : ولا بأس بتكرار العمل المرتّب عليها مع قلّته ووحدتها.

(٣) كذا في النسخ ، ويحتمل أنّه : الطاهر.

١٢٥

وكذا في الاحتساب في عدد الجمعة والعيدين ، فيحتسب الاثنان بواحد ، والثلاثة باثنين ، وهكذا. وفي احتساب الواحد منهما إشكال.

ولو صلّيا مع إمام فأُغمي عليه لزمهما الانفراد مع الانحصار ، ولا يجوز أن يأتمّ أحدهما بصاحبه.

ولو نذر أو وقف على المتطهّرين أو الطائفين وجوباً أو المصلّين مع البناء على ثبوت الشرعيّة ، والوضع للصحيح ، أو الحكم بأنّه للقابل للإرادة أو الفرد الأكمل أعطي الاثنان سهماً واحداً والثلاثة سهمين ، مع عدم الطهارة مجدّداً ، ويشتركان على طريق الصلح الإجباري ، أو (١) يقرع بينهما على اختلاف الوجهين ، ويحتمل حرمانهما حتّى يتطهّرا معاً ، فيأخذا سهمين ، أو أحدهما فيأخذ سهماً دون الأخر ، ولأخذهما السهمين حينئذٍ وجه.

ويمكن إعطاء كلّ منهما سهماً لصاحبه (٢) تامّاً مكرّراً مع التساوي من كلّ وجه ، فيحصل التشريك بالسويّة في واحد على طريق الإجبار ، ولا يكون من التردّد في النيّة ، ومع الاختلاف أو الاشتباه يقرع على الزائد أو يصلح (٣) بينهما جبراً.

ولا يجوز للوصي والوكيل احتسابهما باثنين في النيابة ، بل كلّ اثنين بواحد ، ويقتسمان الأُجرة على نسبته قدر المستحق ، ويأخذان أقلّ الأُجرتين أو يقترعان للحكم بينهما أو مع المستأجر وجوه ، ولا يجوز احتسابهما اثنين في تحمّل الولاية ، وهكذا.

ولو كانت جنابة من حرام لم يجز مساورة مجموع عَرَقيهما فيما يشترط بطهارة الخبث ، ولا استئجارهما معاً على كنس مسجد ، أو قراءة عزائم مثلاً في محلّ المنع مع (٤) بقائهما على حالهما ، للزوم الغرر ما لم نقل بالاكتفاء بالصورة ، ولا حملهما على ذلك مجتمعين ، وفي المفترقين إشكال ، ويزداد الإشكال في الأخير.

__________________

(١) في «س» ، «م» : و.

(٢) في هامش الحجرية زيادة : سهم الشريك.

(٣) كذا في النسخ ولعلّه تصحيف يصالح.

(٤) بدله في «ح» : بشرط.

١٢٦

وفي جواز ذلك بالنسبة إلى الواحد وجهان ، من عدم الحكم بالحدث ، ومن الإلحاق بالمحصور ، والأوّل أوجه ، وحكم التعدّد يعلم من حكم الوحدة.

ولو رأى أحدهما أثر الحدث منسيّاً أو غيره في شي‌ء مختصّ ، ثوب أو غيره ، ولم يبلغ حدّ القطع فلا شي‌ء عليه ، والأحوط التجنّب. وفي تسرية كثير ممّا مرّ إلى غير العبادات وإلى صورة اختلاف التقليد والاجتهاد وجه قريب.

حادي عشرها : حكم الاثنين على حقوٍ واحد ، الثابت تعدّدهما بعدم اجتماعهما على اليقظة دفعة إذا نُبّها معاً ، وقد يلحق جميع ما أزال العقل ، وفي إلحاق السنة أو الغفلة وجه ضعيف.

وهما بالنسبة إلى الحدث الواقع من المحل المشترك كما يخرج من بول أو غائط أو ريح أو من دم النساء محدثان ؛ لأنّ الأقوى البناء على المخرج دون المصدر كما مرّ.

وفيما يكون تسبّب في الأعالي من نوم أو مسّ ميّت بها أو سكر أو إغماء إن اختصّ بأحدهما ، اختصّ بالحدث ، وإن اشترك بينهما اشتركا.

ثمّ يشكل الأمر إذا تدافعا وتمانعا ، أحدهما طالب للطهارة ، والآخر مانع ، وقد مرّ تفصيل حكمهما.

ثاني عشرها : إذا بان الإمام محدثاً بعد الفراغ ، متعمّداً عاصياً ، أو لا ، صحّت صلاة المأمومين ، وإن بان في الأثناء انفردوا ، أو ائتمّوا (١) بغيره ، ولو بان عند بعض دون بعض لحق كلا حكمه ، وإذا تقدّم البيان ترتّب العصيان ، والأقوى حينئذٍ البطلان.

ثالث عشرها : أنّ الأحداث الواقعة من الصغار يتعلّق حكمها من المنع عمّا يتوقّف على رفعها ، وجوباً أو ندباً على اختلاف الوجهين بالأولياء مطلقاً ، ولا خطاب يتوجّه إلى غير المميّز ، وأمّا المميّز فيتوجّه الخطاب أيضاً إليه على الأصح ، والظاهر جري الحكم في المطاعم والمشارب وما يتعلّق بعرضهم وأعراض الناس ، وما يتعلّق بالدماء واحتمال المحترمات.

__________________

(١) في «م» : أتمّوا.

١٢٧

رابع عشرها : إذا وجد في الثوب المشترك بول أو غائط أو أحد الدماء الثلاثة أو سمع صوت ريح أو شمّت رائحته ، ودار بين ما زاد على الواحد ، جرى فيه حكم وجدان المني في الثوب المشترك.

خامس عشرها : أحكام التخلّي : والمراد ما يسمّى تخلّياً بخروج البول أو الغائط ، دون غيرهما ، على أيّ حال كان قائماً أو جالساً أو نائماً على نحو العادة من المخرج الطبيعي مطلقاً ، أو من غيره مع الاعتياد.

فلو تقاطر البول منه ، أو الغائط جالساً أو لا ، لسلس أو بطن أو غيرهما ، أو خرج منه حيوان أو حجر أو نحوهما ملطّخاً بالعذرة أو خرج منه قليل لا ينصرف إليه الإطلاق لقلّته ، أو خرج من غير المخرج الطبيعي مطلقاً بأقسامه مع عدم الاعتياد ، أو أخرجه الغير بالة ، أو جذب إلى الباطن قبل الانفصال عمداً أو سهواً ، اختياراً أو اضطراراً فلا يسمّى متخلّياً ، واختلاف الأخبار منزّل على ذلك ، ويحتمل اختلاف الحكم باختلاف القصد ، وفيه مقامات :

أوّلها : أنّه يجب ستر العورة عن الناظر حال التخلّي كما في غيره ؛ فإنّ العين تزني وتلوط ، وهي سهم من سهام الشيطان.

وهي في الرجل ثلاث : الدبر ظاهراً وباطناً ، والأخير أشدّ منعاً والذكر ظاهراً وباطناً حتّى لو فصل عرضاً أو طولاً تعلّق الحكم بموضع الفصل ، والبيضتان يتعلّق الحكم بهما كلا أو بعضاً لو برزا أو الحبل الرابط لهما ، وما أحاط بهما وببعضهما وما يربطهما مع انكشافها.

وفي المرأة اثنتان : الدبر والفرج ظاهراً وباطنا ، والثاني أشدّ منعاً.

وفي الخنثى المشكل أربع ، وفي غير المشكل يقوى ذلك ، وفي الممسوح من القبل فيخرج بوله من ثقب مثلاً كمقطوع الذكر والبيضتين من الأصل ، واحدة ، ومقطوع إحداهما من أصله كالمرأة له عورتان ، والممسوح ذكراً ودبراً أو يخرج أذاه من محلّ آخر لا عورة له.

ولو علمت ذكوريّته أو أُنوثيّته بوجه كائناً ما كان لم يلزمه ستر شي‌ء عن المماثل

١٢٨

والمحرم ، ولا في الصلاة ونحوها ممّا يجب له ستر العورة على التقدير الأوّل ، وفي المشكل يجب التستّر عن النوعين.

وجميع ما بقي من العورة بعد القطع بحكم العورة ، وكذا ما امتدّ منها بالجذب وإن خرج عن حدّها ، دون ما امتدّ إليها وإن دخل في حدّها.

والمقطوعة على هيئتها كالموصولة ، ولو صارت قِطَعاً ، وتغيّرت هيئتها ذهب حكمها ، والأحوط إلحاقها.

وما التحم بعد الانفصال يرجع إلى الحكم السابق ، ويشترط بقاء الاسم في المنفصل دون المتّصل على الأقوى فيهما ، ويشتدّ المنع فيما قرب إليها.

ولا بدّ من سترها في الصلاة فريضةً أو نافلةً ، وفي سجود السهو ، والأجزاء المنسيّة ، والطواف ، وصلاة الجنازة في وجه قويّ وعن كلّ ناظر مماثلاً كان أو لا ، محرماً كان أولا ، من الوالدين كان الناظر والمنظور أو لا. سوى الزوج والزوجة والمالك والمملوكة مع بقاء (بضعها وما في حكمه في يد مولاها ، والمحللّة) (١) إذا شمل التحليل العورة ، وعورة من كان عمره خمس سنين ذكراً أو أُنثى ، ناظراً أو منظوراً ، والأحوط الاقتصار على الثلاث فما دون (٢).

ويجب تستّر المملوك من مالكه ومالكته ، وتستّرهما عنه.

والمحرّم مطلق انكشافها ولو بواسطة شفّافة ، أو ارتسام بمرأة وشبهها مع التميز ، أو في ضمن ما يشتبه لونها بلونه.

ولا يجب ستر الحجم ، فلا بأس بنظره من وراء الثياب ، ونظر مؤف البصر بحيث لا يدرك سواه.

ويجب تجنّب نظر الحدود من باب المقدّمة ، فإن فعل عوقب من جهة المحدود لا من جهتها.

__________________

(١) بدل ما بين القوسين في «ح» : جميع أنواع الاستمتاع له ، دون المملوك ، ومالكه ، والمالكة ، وسوى المحلّلة للمحلّل له ، والمحلّل له للمحلّلة.

(٢) في «س» ، «م» زيادة : مع انكشافها ، ولو مع واسطة شفّافة.

١٢٩

ومع الاضطرار إلى ناظر يحتمل تقديم المماثل ، وفي ترجيح المحارم على غيرها ، أو بالعكس ، أو المساواة وجوه. ومن غيره يُحتَمل ترجيح (١) المحارم ، ويُحتَمل تقديم الأجانب ، والحكم بالتسوية في البابين أولى.

وفي وجوب تقديم المسلمة للمسلمة على الكافرة وجه ، والأقوى خلافه.

ويجب ستر البعض إذا تعذّر الكلّ ، وفي تقديم القبلين على الدبر ، والذكر على البيضتين في الستر ، والأقلّ من الآحاد أو الأبعاض ، وجه.

ولو اضطرّ إلى أن يكون ناظراً أو منظوراً قدّم الأخير في وجه.

وبدن غير المماثل ممّا عدا الوجه العرفي والكفّين ، وقليلاً ممّا اتّصل بهما وبعض مستثنيات أُخر عورة ، يحرم النظر إليها. ويجب سترها على النساء وحبس النظر على النوعين ، ويشتدّ المنع فيما هو أدعى لثوران الشهوة ، وبالنسبة إلى شدّة الرغبة على الأقوى ، وستر الحجم ليس بلازم إلا إذا دخل في السفاهة.

ولو نظر أو جامع مع العقد الفضولي قبل الإجازة ثم تعقّب الرضا عصى وعزّر ، ولا حدّ في الأخير إلا على القول بالنقل.

والمسّ يجرى مجرى النظر ، وربما كان أقوى تحريماً ، ولا يبعد تحريمه بالنسبة إلى الأطفال على الإطلاق مع استغنائهم عن المباشرة.

ويستوي الحكم في عورة المسلم والكافر حربيّا أو ذمّيّاً ، والأُنثى منهما على الأقوى ، لقوّة علّة المنع وأدلته المؤيّدة بالحكمة ، وموافقة الشهرة ، فالمخالف مؤوّل بما لا يخفى ، أو مطروح.

والقول بالجواز كالقول بجواز نظر السيّدة إلى عورة مملوكتها وبالعكس في غاية الضعف ، ومعذوريّة الناظر أو المنظور لا ترفع التحريم عن الأخر.

وفي نظر العورة ولمسها من الاثنين على حقوٍ بغير المشترك في غير محلّ الحاجة من الاستنجاء ونحوه إشكال.

__________________

(١) في النسخ زيادة : ثمّ ، حذفناها لأجل استقامة المتن.

١٣٠

ولو دار الأمر بين النظر بواسطة كالمرآة ونحوها ، وبين النظر بغير واسطة ، أو بين قويّة الكشف أو ضعيفته قدّم الأوّل من الأوّلين ، والأخير من الأخيرين.

ولو نظر أو لمس من وراء الحاجب متلذّذاً عصى بفعله.

والنظر إلى عورة الصامت والعورة المصوّرة مع التلذّذ حرام ، بل استحضار صورتها متلذّذاً كذلك ، ويجري مثله في النظر الجائز ؛ لعدم التكليف من غير من له تسلّط بنكاح وشبهه إلى مماثل أو محرم أو غيرهما كنظر المجنون والمميز.

ولو دار الأمر بين تلويث ثيابه وبين المنظوريّة لوّث ثيابه وإن كان في وقت الصلاة مضيّقاً ولا ماء ، ويجب الستر مع مظنّة الناظر والشك فيه ، والوهم القوي في وجه قويّ.

(ويجري في جميع ما يجب ستره ، وفي حبس النظر تعيين العلم دون الإدراكات الأُخر ، ولا يخلو من نظر ، ويستوي في عورة النظر جميع الجوانب ، وفي عورة الصلاة ما عدا جهة الأسفل. وفي النظر الجائز من الوجه الجائز يقوى البطلان (١). وفي نظره إلى عورته يقوى القول معه بصحّته.

ومجرّد الحَجب عن النظر مجزٍ في حصول الستر عنه بظلمة أو بيت أو خيمة أو حفرة أو نبات أو وضع يد أو حجر ونحوها ، اختياراً واضطراراً.

بخلاف ستر الصلاة فإنّه يعتبر فيه مع الاختيار الساتر المعتاد ، أو ما يشبهه بحسب هيئته ، ويقاربه بحسب مادّته كالثوب المتّخذ من النبات ونحوه ، ومع الاضطرار يؤخذ بالأقرب فالأقرب) (٢).

ولو دار الأمر بين الاستقبال والاستدبار ، ومنظوريّة العورة استباحهما دونها ، ودار بينهما قوي تقديم الثاني.

والشعر والفخذان والكَفَل (٣) فضلاً عن مجموع ما بين السرّة والركبة ، أو نصف

__________________

(١) في نسخة من «ح» زيادة : وفي نظر الجائز النظر أو المحرّم من الأسفل مع حصول مسمّى الستر وجهان : الصحة معه ، والبطلان ، والأقوى الثاني.

(٢) ما بين القوسين زيادة : في «ح» وبدله في «م» ، «س» : ويستوي النظر من جميع الجوانب.

(٣) الكَفَل بفتحتين : العجز ، انظر المصباح المنير ٢ : ٥٣٦.

١٣١

الساق ، ليست من العورة.

ويجوز النظر للشهادة إذا توقّفت عليه ، وكان المشهود عليه ذا خطر ، وللطبابة مع احترام النفس بمجرّد قول الواحد مع عدالته ، أو انحصاره وحذاقته ، أو أفضليّته ، وحصول المظنّة بقوله ، وصعوبة المرض ، ومظنّة البقاء لأمن الحوادث بعد الدواء ، وعدم تيسّر (١) التوصّل إلى المعالجة إلا به ، مع تقديم المماثل في البابين.

ولا يجب على الزوج المباشرة مع إمكان الاكتفاء بالمماثل أو المحرم ، لعدم (٢) الغضاضة ، ولذلك لم يلزم بالتقبيل في الولادة.

وأمّا إذا توقّف على مباشرة الأجنبي ففيه وجهان : من جهة وجوب حفظ العرض والغيرة على الأهل فيجب ، وأصالة العدم والبراءة ، ولعلّ الأخير أقوى.

المقام الثاني : فيما يحرم التخلّي فيه (من غير فرق بين الطبيعي وغيره ، من المعتاد وغيره ، من القليل وغيره ، وربّما يفرّق لبعض الوجوه ، فإنّ للقبح فيه جهات :

منها : ما يترتّب على طبيعته.

ومنها : ما يعمّ النجاسات.

ومنها : ما يلحظ فيه الخصوصيّات.

والظاهر من الخطاب الأفعال المستتبعة لوجود الأعيان كالبصاق والنخامة والبول ، والتخلّي ، وإدخال النجاسة ونحوها ممّا نهي عنه في المكان ، اعتبار المباشرة لأرضه أو ما يتبعها ، ولو قصد الفعل ولم يترتّب عليه الانفعال ، ففي ترتّب مجرّد العصيان بل الكفر في محلّه وعدمه وجهان) (٣) وهو أُمور :

منها : ما كان في المواضع المحترمة ، والأماكن المعظّمة كالمساجد ، عاميّةً أو خاصيّةً ، دون البِيَع والكنائس على الأقوى ، وإن قلنا بصحّة وقفها ، وكالعتبات العاليات ،

__________________

(١) في «ح» : يقين.

(٢) في «ح» : مع عدم.

(٣) ما بين القوسين زيادة في : «ح».

١٣٢

وما اتّصل فيها من بنيان كرواق وشبهه ، وما أحاط به سور الصحن الشريف في وجه قويّ.

ويلحق بذلك قبور الأنبياء السابقين ، والأوصياء الماضين ، وقبور العلماء والشهداء ، وما انتسب من المقامات إليهم. ولا يجري الحكم في بيوتهم أحياءً لمن كان من أتباعهم أو من خارج مع الإذن.

ولو تخلّى في مكان فهتك بسببه حرمة الإسلام (كالبيت الحرام والقرآن وقبر النبي عليه وعلى إله السلام متعمّداً لذلك الفعل ، وفي هذا القسم قد يفرّق بين الفضلتين وغيرهما من نجس العين ، بل يخصّ المنع بما إذا قصد بهما التخلّي لا من حيث كونهما نجسين. وقد يقال بأن فضلة الدبر أدعى إلى هتك الحرمة من فضلة الذكر أو بالعكس في غير بول الصبي. وقد يختلف باختلافهما قلّةً وكثرةً ، فإنّ المقامات مختلفة) (١) عارفاً بترتّب الإهانة متعمّداً لذلك كان كافراً ، وجرى عليه حكم المرتد ملّياً رجلاً كان أو امرأة ، وفطريّاً مع الانعقاد من أحد المسلمين من وجه حلال ، أو مطلقاً إن كان رجلاً.

ولا يحكم بالقتل على الكافر المعتصم إلا مع الاعتياد أو الاشتراط.

وإن كان فيما يهتك بسببه حرمة الإيمان فقد خرج عن ربقة الإيمان ، ودخل في حكم باقي طوائف الإسلام ، فلا تقبل له صلاة ولا صيام ، ولا طاعة لربّه حتّى يتوب عن ذنبه.

ولو قيل بقتل المسلم الملّي الهاتك لحرمة الإسلام من غير استتابة ، وقتل الهاتك لحرمة الإيمان بالتجرّي على هتك حرمة سادات الزمان كذلك ، نظراً إلى أنّ ذلك أشدّ من هتك الحرمة بالسبّ ، لكان قويّاً بحسب المذهب.

ثمّ مراتب الأوزار في هتك حرمة المقرّبين لدى العزيز الجبّار تختلف باختلاف قربهم إلى ربّهم.

ولو كان المحترم ممّا يلزم في المنع عنه حرج تامّ على أهل الإسلام ، كالبلاد المشرّفة وسائر الأماكن المحترمة كالحرمين الشريفين وكلّ حرم منسوب إلى خلفاء سيّد الثقلين.

__________________

(١) ما بين القوسين زيادة في : «ح».

١٣٣

فلا مانع من التخلّي فيها.

ولا يلزم احترامها ما لم تلحظ شرافتها مع البقاء في محالّها ، أو الخروج عن حدودها بقصد الاستشفاء بتربتهم ، أو جعلها مشعراً للعبادة كالتربة الحسينيّة ، ولو أُخذت للاستعمال فالظاهر عدم الإشكال.

ثمّ بعد وقوع التخلّي عمداً أو سهواً يختصّ الفاعل بوجوب الإخراج مباشرةً أو استنابةً ، ويتعيّن مع العجز عن المباشرة تبرّعاً من دون ترتّب ذلّ السؤال ، أو بأُجرة لا تضرّ بالحال ، ومع الاشتراك في الفعل يشتركان في القرب ، وفي ثبوت أولويّته فله القيام به ومنع غيره عنه إشكال.

فإن امتنع جبره كلّ جابر لا سيّما الحاكم القاهر ، فإن لم يكن (١) أو لم يعلم ؛ أو لزم الإهمال كان على الناس من الواجبات الكفائية بدنيّة وماليّة.

ويجري مثل ذلك في كلّ من حدث منه ما منافياً في الاحترام من المحترمات من المكلّفين وغيرهم ، ويتعلّق بالأولياء في القسم الأخير ، فيأمرونهم بالمباشرة أو يستأجرون عليهم ، ويستأجر عليه ، مع امتناعه عليه ، وبعده عنه التي لا يرتفع وجوبها بمجرّد الشروع ، وإنّما يرتفع به وجوب البدار إذا علم قيام الغير به ، وكذا الحكم في سائر النجاسات.

وما يتوقّف إخراجها على إخراجه من حصى أو تراب ففي حكم الكناسة ، لا يترتّب على إخراجه سوى الثواب ، ولا يجب إرجاعه إلا إذا كان من الآلات أو خرج عن الاسم ، لكبر الحجم مثلاً ، ولو كان الإدخال والإخراج بوجه مشروع ، ثمّ طرئ عليها ما يوجب الإخراج كإصابة غير المغليّ من العصير ، ثم يعرض له الغليان له قبل التطهير أو التخمير ، ففي ترتّب وجوب الإخراج على الإدخال إشكال.

ويجب البدار إلى الإخراج إلا إذا كان مشغولاً بما يحرم قطعه فإنّه يسرع إلى الإتمام ثمّ يأخذ بإزالة ما قضى بإزالته الاحترام ، وكذا لو ضاق عليه وقت الصلاة أو واجب

__________________

(١) في «م» ، «س» : يمكن.

١٣٤

آخر وجب عليه أن يتأخّر ، فلو عصى فدخل في العمل الموسّع مع سعة وقته ، أو أطال مع الضيّق ، وأتمّه عصى ، وصحّ العمل.

والظاهر أنّه لا تجب المبادرة إلى أداء الدين للغريم المطالب حتّى يخرجها إن لم يترتّب عليه ضرر كثير بسبب التأخير ، ويُجزي فيه الاستنابة مجّاناً ، وبطريق المعاوضة مع من لا وجوب عليه.

ولو تعارضت عليه إزالة نجاسات في عدّة محترمات أو في واحد مع اختلاف مواضعه في الفضل ، وتعذّر الجميع ، قدّم الأفضل على المفضول ، وشديد النجاسة على خفيفها ، وكثيرها على قليلها ، ومع الاختلاف يرعى الميزان. ولو تعذّر المزيل لها سوى الكافر مع يبوسته قوي جواز ذلك.

وتستوي المحترمات من خصوص المساجد ، وما يلحق بها من الروضات جميع ما دخل فيها دخول الجزء أو شبهه ، من أعاليها وأسافلها ، وجدرانها وأبوابها ، ومحاريبها الداخلة في بنيانها.

وإنّما تجب الإزالة مع الإصابة والتلويث في الأرض أو ما يتبعها من حصر أو بارية ونحوهما ، وأمّا مجرّد الكون فيها كالمحمول على الإنسان أو جسم آخر فلا بأس به. وكذا مع الإصابة بيبوسةٍ على إشكال.

ثم إن كان حجراً أو مدراً وأمكن الغسل فيه باتّصال ماء معتصم فلا بأس ، وإلا قلع وأخرج وطهّر وردّ ، وإن تعذّر وأمكن رشّه وتجفيفه بالشمس وجب.

وفي هذا القسم ونحوه يترتّب الإثم على النيّة وإن لم يتعقّبها الفعل كسائر النيّات المتعلّقة بالمحرّمات لمنافاة الاحترام.

ومنها : ما يتعلّق بالأُمور العامّة كالمشتركات بين المسلمين بل المعتصمين مع دخول تجنّب ما يقتضي أذيّتهم أو يتعلّق بحرمتهم في شرطهم ، دون الحربيّين مع اختصاصهم من الطرق النافذة والأسواق والمقابر ، والموارد والمجامع التي وضعت لإجالة الآراء أو للأُنس ، والأوقاف العامة من مساكن أو مدارس أو رُبُط أو أبنية في الطرق أو في غيرها أو حسينيّة أو محلّ وضع داراً للشفاء أو لتجهيز الموتى إلى غير ذلك ، فإنّه يحرم فيها

١٣٥

التخلّي وإلقاء النجاسات والقذارات الضارّة للبناء ، أو لغيره من توابع تلك الأشياء ، أو للمنتفعين من الساكنين ، أو النازلين أو العابرين ، أو المستطرفين أو الجالسين ، بتلوّث ثيابٍ أو شمّ رائحةٍ خبيثةٍ أو بعث على زلق يخشى منه على المارّة إلى غير ذلك ، كما يحرم وضع الميتات في مواضع تردّد المسلمين إذا بعثت على تأذّيهم من شمّ رائحتها.

ومحلّ المنع موضع النفع ظاهراً أو باطناً ، وإن لم يكن ضرر فلا حذر وإن كره ، لأنّ الأُمور العامّة بمنزلة المباحات بالنسبة إلى الانتفاعات ما لم تكن منافية للأغراض المعدّة لها والمسبّبة لوضعها ، نعم لو جعلت مشروطة (١) لزم الاقتصار عليها.

وإذا تعدّدت الجهات اشتدّ المنع ، ومع الاضطرار والتعارض يعتبر الميزان ، فمن فعل شيئاً من ذلك في شي‌ء من ذلك وجبت عليه إزالته ، وإذا امتنع جبر ، وإن لم يمكن (٢) فلا وجوب كفائيّ ؛ لأنّ على الواجد أن يدفع عن نفسه الضرر.

وإن كان خفيّاً ويخشى من الضرر المعتبر وظنّ ترتّب الضرر على النفوس المحترمة وجب إبلاغ الخبر ، والظاهر أنّ للحاكم ثم عدول المسلمين إن لم يكن أن يستأجروا ويأخذوا الأُجرة منه إذا لم يحصل متبرّع عنه.

ومنها : ما يتعلّق بالأملاك ، وفي حكمها الأوقاف الخاصّة ، والطرق المرفوعة ، وحريم الأملاك مع منافاة حقّ الحريم ؛ فإنّه لا يجوز التخلّي فيها إلا مع الإذن المعلومة بالنصّ أو الفحوى.

وفي الاغتناء عنها بمجرّد الاحتمال في مستثنيات أية نفي الجناح (٣) ، وفي مسألة المارّة لو قلنا بها إذا دخل إلى محلّ الاجتناء ، احتمال قويّ.

ولا بأس به في المواضع المتّسعة وإن كانت مغصوبة لغير الغاصب ومقوّميه وعمّاله في المغصوب باختيار منهم للزوم الحرج العامّ ، فيسري إلى الخاص ، وفي الخربة الخالية عن التحجير مع تردّد المسلمين إليه.

__________________

(١) في «ح» : مشروطاً ، والأنسب ما أثبتناه.

(٢) في «ح» : يكن.

(٣) لا جناح عليكم (أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ ...) النور : ٦١.

١٣٦

وفي محلّ أُعدّ للأضياف أو للإيجار (١) على المترددين ، ولا سيّما فيما أُعدّ للتخلّي لجمع العذرة للمزارع ونحو ذلك.

ومن فعل بغير إذن شرعيّة ولا مالكية فعليه الإزالة ، ويجبر مع الامتناع ، ويستأجر عليه مع تعذّر الإجبار ، بل ومع إمكانه في وجه قوي.

ولو أذن المالك له في الابتداء ، ثم منعه في الأثناء أُلغي منعه بعد البروز منه قبل الانقطاع على الأقوى.

ومملوك الشريك على وجه الإشاعة ولو بحصّة جزئيّة حاله كحال المملوك الواحد المالك للجميع ، لا يجوز التخلّي فيه بدون إذنه فيه ، من غير فرق بين الضارّ وغيره ، وبذلك تفارق الأُمور العامّة.

والظاهر أنّه يجب على الأولياء في المقامات الثلاثة تجنيب المولّى عليهم ، ولو اضطرّ إلى التخلّي فيها لم يكن عصيان ، وعليه الإخراج والأُجرة (٢) لو كان له أجرة ، ولو جبره جابر لزمه الإخراج أو بذل الأجرة ، وأمّا المجبور فكسائر المكلّفين.

ولو اضطر في جميع ما مرّ ، وليس بشخص معتبر ، أو مطلقاً كما يقتضيه صحيح النظر ، أحدث بثيابه وإن تعذّر غسلها ، مع ضيق الوقت وسعته.

المقام الثالث : فيما يحرم التوجّه إليه ، ومحلّه التخلّي العرفي.

ويحرم فيه استقبال القبلة أي مقابلتها بما يسمّى استقبالاً عرفاً حال خروج الأذى مع القصد وبدونه ؛ لجهة الكعبة وإن جلب عن البناء من قعر الأرض إلى أعلى السماء.

فمن كان في منخفض من الأرض أو في أعلى الجبال يتحقّق في حقّه الاستدبار والاستقبال وبمقاديم البدن ، وتخصيص العورة ضعيف. نعم يقوى القول بتحريم الاستقبال لها (٣) ، وحدّها حال خروجه لما يفهم من أخبار الكراهة ؛ (٤) من شدّة المحافظة

__________________

(١) في «ح» للاتّجار.

(٢) في «ح» زيادة : له.

(٣) في «ح» : بها.

(٤) انظر الوسائل ١ : ٢١٢ أبواب أحكام الخلوة ب ٢.

١٣٧

على تركه.

والظاهر تحققه بالصدر والبطن فقط فلا يرتفع بصرف الوجه أو اليدين أو الرجلين أو العورة أو المركّب منها ، ولا يلبث بها كذلك.

وكذا استدبارها إنّما تثبت بالظهر ، دون الاستدبار بها فقط. ولو كان ممسوحاً أو كان مقلوب الوجه لم تتغيّر الصفة.

ويراد بالقبلة الجهة ، فإن عيّنها مشخّصة اتّضح الحكم ، وإن عيّنها مردّدة بين جهتين أو ثلاث تجنّب الجميع ، ولو تعلّق الظنّ بأحدها تجنّب المظنونة. وإن كان متحيّراً (١) بين المشرق والمغرب اجتنبهما ؛ لأنّ الظاهر أنّها قبلة لا عذر (٢) ، وإن كان متحيّراً في الجميع سقط اعتبارها ، والقول بوجوب السؤال غير بعيد.

ويختلفان باختلاف الأحوال ، فالواقف والماشي والعادي والراكب والجالس واحد.

والمستلقي على قفاه استقباله على نحو المحتضر ، كأن (٣) يتوجّه وجهه وصدره وبطنه إلى السماء ، وباطن قدميه إلى القبلة ، بحيث لو جلس كان مستقبلاً على هيئة الجالس ، والنائم على بطنه يحتمل فيه ذلك ، والخروج عن الوصفين.

والمضطجع بقسميه يوجّه وجهه وظاهر قدميه إلى القبلة ، وحال استدباره يعلم من حال استقباله ، ويكتفى بالصدر والبطن استقبالاً واستدباراً في جميع الأقسام.

ولو أحدث راكعاً أو ساجداً إلى جهة القبلة عدّ مستقبلاً ومستدبراً.

والمدار على حال خروج الحدث أو إرادته ، دون القيام للجلوس ، ودون الجلوس للأخذ فيه ، أو للاحتياط في الانقطاع ، أو الاستبراء أو للاستنجاء ، أو للاستراحة بعده ، وإن كان الأحوط ترك الجميع.

ولا يجري الحكم على من سقطت منه بعض القطرات اتّفاقاً ، ولا على المسلوس

__________________

(١) في «ح» زيادة : أو عرف جهة قبلة ما.

(٢) في «ح» : لا غير.

(٣) أثبتناه من «س» ، «م».

١٣٨

والمبطون ، ولا في الخارج من غير الطبيعي أو العادي ، ولا على المستبرئ.

وممسوحا القبل أو الدبر مستقبلان ومستدبران.

ولو دار أمره للاضطرار بين الاستقبال والاستدبار رجّح الاستدبار ؛ لأنّ الاستقبال أعظم قبحاً.

وفي وجوب تجنيب الأولياء الصبيان مثلاً سيّما المميزين عن ذلك وجه قويّ.

ولا فرق في الحكم بين الصحاري والبنيان.

ولا فرق في هذا المقام ، والمقامين السابقين بين حال الابتداء والاستدامة ، فمتى علم بالخلاف وجب عليه الانصراف.

ولو دار الأمر بينها وبين انكشاف العورة رجّح الستر.

والظاهر أنّ ملاحظة تركهما بالنسبة إلى مطلق المواضع الشريفة تعظيماً لا يخلو من رجحان ، ولا يبعد رجحان تركهما في كلّ فعل ردي‌ء.

ومن جلس لخروج بلغم أو صفراء أو سوداء أو ماء حقنة أو دم خالص من الخلط بأحد الحدثين فليس عليه بأس ، ومع قيام الاحتمال يقوم الإشكال ، فينبغي المحافظة على ترك الاستدبار والاستقبال التامّ ، والظاهر أنّ التحريم والكراهة يشتدّان ويضعّفان بكثرة المستقبل من العورة وغيرها ، وبكشفها وخفائها.

والمتخلّي في بطن الكعبة أو على سطحها يلحقه هناك حكم المستقبل هنا والمستدبر معاً ، وهو أشدّ قبحاً من المستقبل أو المستدبر خارجاً ، وإن لم نقل به في صلاة المختار ، وحكم المستدبر ؛ لاشتداد مخالفة الأدب.

وفي إلحاق جهة الراكب على الدابّة أو في السفينة أو الماشي مثلاً وجهان مبنيّان على أنّها قبلة في الخصوص أو لا ، بل هي بدل القبلة في المعذور.

ثمّ على أنّ الحكم هل يلحق قبلته أو لا ، بل تخصّ القبلة العامّة ، والظاهر الأخير.

وفي صورة الدوران بين أنواع المحترمات ، والأُمور العامّة والخاصّة ، والاستقبال ومقابله ، وبين آحادها بعضاً مع بعض لا بدّ من مراعاة الميزان ، والتمييز بين المرجوح ، وما فيه الرجحان من أيّ وجه كان.

١٣٩

المقام الرابع : في الاستنجاء ، وفيه مطالب :

الأوّل : في بيان حقيقيته الاستنجاء من النجو بمعنى التشرّف والتطلّع ، أو العذرة ، أو مطلق ما يخرج من البطن بمعنى إزالتها ، أو من النجوة وهي ما ارتفع من الأرض للجلوس عليه أو الاستتار به ، ولا يصدق في اصطلاح الشرع أو المتشرّعة إلا على إزالة أحد الخبثين (١) خالصين أو ممزوجين مزجاً لا يخرجهما عن الاسم ، الخارجين من المحلّين الأصليّين ، أو المعتادين ، العارضين مع القصد أو مطلقاً على اختلاف الوجهين ، بوجه شرعيّ أو مطلقاً على اختلاف الاحتمالين ، من الخارج منهما قبل الانفصال عنهما (٢) لا بعده ، عائدين إليه أو غير عائدين ، إلا مع العود قبل الانفصال ، من دون إصابة نجاسة من خارج في أحد الوجهين.

ويستوي هنا حكم التقاطر والسلس والبَطَن وغيرها بالنسبة إلى ما يستنجى منه ، فحكم (٣) الاستنجاء في نفسه وباعتبار كيفيّته ومائه وأحجاره وغيرها مبنيّ على تحقّق هذه الصفات.

الثاني : في حكمه : وهو واجب لما يتوقّف على رفع الخبث من الواجب ، شرط لما هو شرط فيه من الغايات ، مستحبّ في نفسه ولما يتوقّف عليه من المستحبّات.

وليس له مدخل في نقض الطهارة الحدثيّة ؛ لأنّ الناقض الخروج لا التلويث ، فيجامع وجود الأخبثين الطهارة والحدث.

ويجري في وجودهما في العلم والجهل بالموضوع أو الحكم أو النسيان ما يجري في باقي النجاسات ، فلو توضّأ بعد انتهاء خروجهما من غير علم وصلّى صحّ وضوؤه وصلاته ، ومع العلم والعمد أو النسيان صحّ وضوؤه دون صلاته.

__________________

(١) في «ح» : الخبيثين.

(٢) في «ح» زيادة : في غير الغاسلين.

(٣) في «م» ، «س» : إن أصابه فحكم.

١٤٠