بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٦٣
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

أفسده دواؤه.

وقال عليه‌السلام لولده محمد الباقر عليه‌السلام : كف الاذى رفض البذاء (١) ، واستعن على الكلام بالسكوت ، فإن للقول حالات تضر ، فاحذر الاحمق.

وقال عليه‌السلام : لا تمتنع من ترك القبيح وإن كنت قد عرفت به ولا تزهد في مراجعة الجهل ، وإن كنت قد شهرت بخلافه وإياك والرضا بالذنب فإنه أعظم من ركوبه ، والشرف في التواضع ، والغنى في القناعة.

وقال عليه‌السلام : ما استغنى أحد بالله إلا افتقر الناس إليه.

وقال عليه‌السلام : خير مفاتيح الامور الصدق ، وخير خواتيمها الوفاء.

وقال عليه‌السلام : كل عين ساهرة (٢) يوم القيامة إلا ثلاث عيون : عين سهرت في سبيل الله ، وعين غضت عن محارم الله ، وعين فاضت من خشية الله.

وقال عليه‌السلام : الكريم يبتهج بفضله ، واللئيم يفتخر بملكه.

وقال عليه‌السلام : إياك والغيبة فإنها إدام كلاب النار.

وقال عليه‌السلام : من اتكل على حسن اختيار الله عزوجل لم يتمن أنه في حال غير حال التي اختارها الله له.

قيل : تشاجر هو عليه‌السلام وبعض الناس في مسائل من الفقه فقال عليه‌السلام : يا هذا إنك لو صرت إلى منازلنا لاريناك آثار جبرئيل في رحالنا ، أفيكون أحد أعلم بالسنة منا.

وقال عليه‌السلام : إذا صلى تبرز إلى مكان خشن يتخفى ويصلى فيه ، وكان كثير البكاء ، قال : فخرج يوما في حر شديد إلى الجبال ليصلي فيه فتبعه مولى له ، وهو ساجد على الحجارة وهي خشنة حارة وهو يبكي فجلس مولاه حتى فرغ فرفع رأسه فكأنه قد غمس رأسه ووجهه في الماء من كثرة الدموع فقال له مولاه : يا مولاي أما آن لحزنك أن ينقضي؟ فقال : ويحك إن يعقوب نبي بن نبي كان له

____________________

(١) البذاء : الكلام القبيح والفحش.

(٢) العين الساهرة هى العين التى لم تنم ليلا.

١٦١

اثنى عشر ولدا فغيب عنه واحد منهم فبكى حتى ذهب بصره واحد ودب ظهره وشاب رأسه من الغم ، وكان ابنه حيا يرجو لقاءه ، فإني رأيت أبي وأخي وأعمامي وبني عمي ثمانية عشر مقتلين صرعى تسفي عليهم الريح فكيف ينقضي حزني وترقأ عبرتي.

٢٢

* ( باب ) *

* «( وصايا الباقر عليه‌السلام )» *

١ ـ ف (١) : وصيته عليه‌السلام لجابر بن يزيد الجعفي (٢) روي عنه عليه‌السلام أنه قال له : يا جابر اغتنم من أهل زمانك خمسا : إن حضرت لم تعرف. وإن غبت لم تفتقد. وإن شهدت لم تشاور. وإن قلت لم يقبل قولك. وإن خطبت لم تزوج. واوصيك بخمس : إن ظلمت فلا تظلم ، وإن خانوك فلا تخن. وإن كذبت فلا تغضب. وإن مدحت فلال تفرح. وإن ذممت فلا تجزع. وفكر فيما قيل فيك ، فإن عرفت من نفسك ما قيل فيك فسقوطك من عين الله عزوجل عند غضبك من الحق أعظم عليك مصيبة مما خفت من سقوطك من أعين الناس. وإن كنت على خلاف على قيل فيك ، فثواب اكتسبته من غير أن يتعب بدنك.

واعلم بأنك لا تكون لنا وليا حتى لو اجتمع عليك أهل مصرك وقالوا : إنك رجل سوء لم يحزنك ذلك ، ولو قالوا : إنك رجل صالح لم يسرك

____________________

(١) التحف ص ٢٨٤.

(٢) الجعفى ـ على زنة الكرسى ـ : نسبة إلى جعف بن سعد العشيرة بن مذحج أبى حى باليمن. وهو جابر بن يزيد بن الحرث بن عبد يغوث الجعفى من اصحاب الباقر والصادق عليها‌السلام وخدم الامام أبا جعفر عليه‌السلام سنينا متوالية مات رحمه‌الله في أيام الصادق عليه‌السلام سنة ثمان وعشرين ومائة.

١٦٢

ذلك ولكن أعرض نفسك على [ مافي ] كتاب الله ، فإن كنت سالكا سبيله ، زاهدا في تزهيده ، راغبا في ترغيبه ، خائفا من تخويفه فاثبت وأبشر ، فإنه لا يضرك ما قيل فيك. وإن كنت مبائنا للقرآن فماذا الذي يغرك من نفسك. إن المؤمن معنى بمجاهدة نفسه ليغلبها على هواها فمرة يقيم أودها (١) ويخالف هواها في محبة الله ، ومرة تصرعه نفسه فيتبع هواها فينعشه الله فينتعش (٢) ويقيل الله عثرته فيتذكر ، ويفزع إلى التوبة والمخافة فيزداد بصيرة ومعرفة لما زيد فيه من الخوف ، وذلك بأن الله يقول : «إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون (٣)».

يا جابر استكثر لنفسك من الله قليل الرزق تخلصا إلى الشكر ، واستقلل من نفسك كثير الطاعة لله إزراء على النفس (٤) وتعرضا للعفو ، وادفع عن نفسك حاضر الشر بحاضر العلم ، واستعمل حاضر العلم بخالص العمل ، وتحرز في خالص العمل من عظيم الغفلة بشدة التيقظ ، واستجلب شدة التيقظ بصدق الخوف ، و احذر خفي التزين (٥) بحاضر الحياة ، وتوق مجازفة الهوى بدلالة العقل (٦) وقف عند غلبة الهوى باسترشاد العلم ، واستبق خالص الاعمال ليوم الجزاء ، وانزل ساحة

____________________

(١) الاود ـ محركة ـ : العوج. وقد يأتى بمعنى القوة.

(٢) نعشه الله : رفعه وأقامه وتداركه من هلكة وسقطة. وينعش أى ينهض ـ وينشط.

(٣) سورة الاعراف : ٢٠٠. والطائف فاعل من طاف يطوف أى الخيال والوسوسة.

(٤) أزرى على النفس : عابها وعاتبها. ويحتمل أن يكون : ازدراء ـ من باب الافتعال ـ أى احتقارا واستخفافا.

(٥) وفى بعض النسخ «خفى الرين» أى الدنس.

(٦) جازف في كلامه : تكلم بدون تبصر وبلاروية. وجازف في البيع : بايعه بلاكيل ولا وزن ولا عدد ، وجازف بنفسه : خاطر بها.

١٦٣

القناعة باتقاء الحرص (١) وادفع عظيم الحرص بإيثار القناعة ، واستجلب حلاوة الزهادة بقصر الامل ، واقطع أسباب الطمع ببرد اليأس ، وسد سبيل العجب بمعرفة النفس ، وتخلص إلى راحة النفس بصحة التفويض ، واطلب راحة البدن بإجمام القلب (٢) وتخلص إلى إجمام القلب بقلة الخطأ ، وتعرض لرقة القلب بكثرة الذكر في الخلوات ، واستجلب نور القلب بدوام الحزن ، وتحرز من إبليس بالخوف الصادق ، وإياك والرجاء الكاذب ، فإنه يوقعك في الخوف الصادق وتزين لله عزوجل بالصدق في الاعمال ، وتحبب إليه بتعجيل الانتقال ، و إياك والتسويف فإنه بحر يغرق فيه الهلكي ، وإياك والغفلة ففيها تكون قساوة القلب ، وإياك والتواني فيما لا عذر لك فيه ، فإليه يلجأ النادمون ، واسترجع سالف الذنوب بشدة الندم وكثرة الاستغفار ، وتعرض للرحمة وعفو الله بحسن المراجعة ، واستعن على حسن المراجعة بخالص الدعاء والمناجات في الظلم ، و تخلص إلى عظيم الشكر باستكثار قليل الرزق واستقلال كثير الطاعة ، واستجلب زيادة النعم بعظيم الشكر ، وتوسل إلى عظيم الشكر بخوف زوال النعم ، واطلب بقاء العز بإماتة الطمع ، وادفع ذل الطمع بعز اليأس ، واستجلب عز اليأس ببعد الهمة ، وتزود من الدنيا بقصر الامل ، وبادر بإنتهاز البغية (٣) عند إمكان الفرصة ، ولا إمكان كالايام الخالية مع صحة الابدان ، وإياك والثقة بغير المأمون فإن للشر ضراوة كضراوة الغذاء. (٤) واعلم أنه لا علم كطلب السلامة ، ولا سلامة كسلامة القلب ، ولا عقل كمخالفة الهوى. ولا خوف كخوف حاجز ، ولا رجاء كرجاء معين ، ولا فقر

____________________

(١) في بعض النسخ «وانزل ساعة القناعة بانفاء الحرص».

(٢) الجمام ـ بالفتح ـ : الراحة. وأجم نفسه أى أتركها.

(٣) البغية : مصدر بغى الشئ اى طلبه. وانتهاز البغية : اغتنامها والنهوض اليها مبادرا.

(٤) الضراوة : الاعتياد ، مصدر ضرى بالشئ : أى اعتاده.

١٦٤

كفقر القلب ، ولا غنى كغنى النفس ، ولا قوة كغلبة الهوى ، ولا نور كنور اليقين ولا يقين كاستصغارك الدنيا ، ولا معرفة كمعرفتك بنفسك ، ولا نعمة كالعافية ، ولا عافية كمساعدة التوفيق ، ولا شرف كبعد الهمة ، ولا زهد كقصر الامل ، ولا حرص كالمنافسة في الدرجات (١) ولا عدل كالانصاف ، ولا تعدي كالجور ، ولا جور كموافقة الهوى ، ولا طاعة كأداء الفرائض ، ولا خوف كالحزن ، ولا مصيبة كعدم العقل ، ولا عدم عقل كقلة اليقين ، ولا قلة يقين كفقد الخوف ، ولا فقد خوف كقلة الحزن على فقد الخوف ، ولا مصيبة كاستهانتك بالذنب ورضاك بالحالة التي أنت عليها ، ولا فضيلة كالجهاد ، ولا جهاد كمجاهدة الهوى ، ولا قوة كرد الغضب ، ولا معصية كحب البقاء (٢) ولاذل كذل الطمع ، وإياك والتفريط عند إمكان الفرصة ، فإنه ميدان يجري لاهله بالخسران.

٢ ـ ف (٣) : ومن كلامه عليه‌السلام لجابر أيضا خرج يوما وهو يقول : أصبحت والله يا جابر محزونا مشغول القلب ، فقلت : جعلت فداك ما حزنك وشغل قلبك كل هذا علي الدنيا؟ فقال عليه‌السلام : لا يا جابر ولكن حزن هم الاخرة ، يا جابر من دخل قلبه خالص حقيقة الايمان شغل عما في الدنيا من زينتها ، إن زينة زهرة الدنيا إنما هو لعب ولهو ، وإن الدار الاخرة لهي الحيوان. يا جابر إن المؤمن لا ينبغي له أن يركن ويطمئن إلى زهرة الحياة الدنيا. واعلم أن أبناء الدنياهم أهل غفلة وغرور وجهالة ، وأن أبناء الاخرة هم المؤمنون العاملون الزاهدون ، أهل العلم والفقه ، وأهل فكرة واعتبار واختبار ، لا يملون من ذكر الله.

____________________

(١) المنافسة : المفاخرة والمباراة.

(٢) يعنى البقاء في هذه الدنيا الدنية لاستلزامه البعد عن جوار الرب تعالى.

(٣) التحف ص ٢٨٦ ورواه الكلينى في الكافى ج ٢ ص ١٣٣ عن ابى عبدالله المؤمن عن جابر «قال : دخلت على ابى جعفر عليه‌السلام فقال : يا جابر والله انى لمحزون و انى لمشغول القلب ... الخ» ورواه على بن عيسى الاربلى في كشف الغمة أيضا مع اختلاف.

١٦٥

واعلم يا جابر أن أهل التقوى هم الاغنياء ، أغناهم القليل من الدنيا فمؤونتهم يسيرة ، إن نسيت الخير ذكروك ، وإن عملت به أعانوك. أخروا شهواتهم ولذاتهم خلفهم وقدموا طاعة ربهم أمامهم ، ونظروا إلى سبيل الخير وإلى ولاية أحباء الله فأحبوهم ، وتولوهم واتبعوهم.

فأنزل نفسك من الدنيا كمثل منزل نزلته ساعة ثم ارتحلت عنه ، أو كمثل مال استفدته في منامك ففرحت به وسررت ثم انتبهت (١) من رقدتك وليس في يدك شئ ، وإني إنما ضربت لك مثلا (٢) لتعقل وتعمل به إن وفقك الله له. فاحفظ يا جابر ما استودعك (٣) من دين الله وحكمته : وانصح لنفسك ، وانظر ما الله عندك في حياتك ، فكذلك يكون لك العهد عنده في مرجعك ، وانظر فإن تكن الدنيا عندك على [ غير ] ما وصفت لك فتحول عنها إلى دار المستعتب اليوم (٤) ، فلرب حريص على أمر من امور الدنيا قد ناله ، فلما ناله كان عليه وبالا وشقي به ، ولرب كاره لامر من امور الاخرة قد ناله فسعد به.

٣ ـ ف (٥) : ومن كلامه عليه‌السلام في أحكام السيوف سأله رجل من شيعته عن

____________________

(١) في بعض النسخ «استنبهت» وفى الكافى والكشف «استيقظت».

(٢) في الكافى «هذا مثلا».

(٣) في بعض النسخ «ما استودعتك» وفى الكافى والكشف «ما استرعاك».

(٤) قال الفيض رحمه‌الله : أى ان تكن الدنيا عندك على غير ما وصفت لك فتكون تطمئن اليها فعليك أن تتحول فيها إلى دار ترضى فيها ربك يعنى أن تكون في الدنيا ببدنك وفى الاخرة بروحك تسعى في فكاك رقبتك وتحصيل رضا بك حتى يأتيك الموت. وليست في ـ بعض النسخ لفظة «غير» وعلى هذا فلا حاجة إلى التكلف في معناه. والاستعتاب الاسترضاء.

(٥) التحف ص ٢٨٨ ورواه الكلينى (ره) في الكافى ج ٥ ص ٨ عن على بن ابراهيم عن أبيه عن القاسم بن محمد وعلى بن محمد القاسانى عن المنقرى عن حفص بن غياث عن أبى عبدالله عليه‌السلام قال : «سأل رجل عن حروب أميرالمؤمنين عليه‌السلام وكان القائل من محبينا فقال : بعث الله محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله بخمسة أسياف ـ الخ». ورواه شيخ الطائفة (ره) أيضا في التهذيب ص ٤٦ من المجلد الثانى والصدوق (ره) في الخصال.

١٦٦

حروب أميرالمؤمنين صلوات الله عليه فقال عليه‌السلام له : بعث الله محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله بخمسة أسياف :

ثلاثة منها شاهرة لا تغمد (١) حتى تضع الحرب أو زارها ، ولن تضع الحرب أو زارها حتى تطلع الشمس من مغربها ، فإذا طلعت الشمس من مغربها أمن الناس كلهم في ذلك اليوم ، فيومئذ لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن أمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا (٢). وسيف مكفوف (٣) وسيف منها مغمود ، سله إلى غيرنا وحكمه إلينا.

فأما السيوف الثلاثة الشاهرة : فسيف على مشركي العرب قال الله عزوجل «اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد (٤)». «فإن تابوا ( أي آمنوا ) وأقاموا الصلوة وآتوا الزكوة فإخوانكم في الدين (٥)» هؤلاء لا يقبل منهم إلا القتل أو الدخول في الاسلام وأموالهم فيئ ، وزراريهم سبي على ماسن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فإنه سبي وعفا وقبل الفداء.

والسيف الثاني على أهل الذمة قال الله سبحانه : «وقولوا للناس حسنا (٦)» نزلت هذه الاية في أهل الذمة ونسخها قوله : « قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الاخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين

____________________

(١) الشاهرة : المجردة من الغمد. وقوله. «حتى تضع الحرب أو زارها» أى ينقضى. والاوزار : الآلات والاثقال. ولعل طلوع الشمس من مغربها كناية عن أشراط الساعة وقيام القيامة. كما قاله الفيض رحمه‌الله في الوافى.

(٢) قوله : «كسبت في ايمانها خيرا» أى لا ينفع يومئذ نفسا غير مقدمة ايمانها أو مقدمة ايمانها غير كاسبة في ايمانها خيرا.

(٣) في بعض النسخ «وسيف ملفوف» وكذا في تفسيره. ومغمود أى مستور في غلافه. وسله : اخراجه من غلافه.

(٤) سورة التوبة : ٥.

(٥) سورة التوبة : ١١.

(٦) سورة البقرة : ٧٨.

١٦٧

اوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يدوهم صاغرون (١) » فمن كان منهم في دار الاسلام فلن يقبل منهم إلا الجزية أو القتل وما لهم فيئ. وذراريهم سبي ، فإذا قبلوا الجزية على أنفسهم حرم علينا سبيهم ، وحرمت أموالهم ، وحلت لنا مناكحهم (٢) ومن كان منهم في دار الحرب حل لنا سبيهم وأموالهم ، ولم تحل لنا مناكحتهم ، ولم يقبل منهم إلا دخول دار الاسلام (٣) والجزية أو القتل.

والسيف الثالث على مشركي العجم كالترك والديلم والخزر (٤) قال الله عزوجل في أول السورة التي يذكر فيها الذين كفروا فقص قصتهم ثم قال :

«فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم (٥) فشدوا الوثاق * فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها (٦)» فأما قوله : «فإما منا بعد» يعني بعد السبي منهم «وإما فداء» يعني المفاداة بينهم وبين أهل الاسلام ، فهؤلاء لن يقبل منهم إلا القتل أو الدخول في الاسلام ولا يحل لنا نكاحهم (٧) ماداموا في دار الحرب.

وأما السيف المكفوف فسيف على أهل البغي والتأويل قال الله : «وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما ( صلحا ) فإن بغت إحديهما على الاخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيئ إلى أمر الله (٨)» فلما نزلت هذه الاية قال رسول

____________________

(١) سورة التوبة : ٣٠.

(٢) في الكافى والتهذيب «مناكحتهم».

(٣) فيهما «يعنى الترك والديلم والخزر ـ بالتحريك والخاء المعجمة والزاى ثم الراء ـ : جيل من الناس ضيقة العيون.

(٤) فيهما» الا الدخول في دار الاسلام ».

(٥) أى أكثرتم قتلهم واغلظتموهم. من الثخن.

(٦) سورة محمد : ٤.

(٧) فيهما» مناكحتهم ».

(٨) سورة الحجرات : ٩ ، وهذه الاية أصل في قتال المسلمين ودليل على وجوب قتال أهل البغى وعليها بنى اميرالمؤمنين عليه‌السلام قتال الناكثين والقاسطين والمارقين واياها عنى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حين قال لعمارين ياسر : « تقتلك الفئة الباغية ».

١٦٨

الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن منكم من يقاتل بعدي على التأويل كما قاتلت على التنزيل ، فسئل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من هو؟ فقال : خاصف النعل ، يعني أمير المؤمنين عليه‌السلام ، و قال عمار بن ياسر : «قاتلت بهذه الراية مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثلاثا (١) وهذه الرابعة ، والله لو ضربونا حتى يبلغوا بنا السعفات من هجر (٢) لعلمنا أنا على الحق وأنهم علي الباطل».

وكانت السيرة فيهم من أميرالمؤمنين عليه‌السلام مثل ما كان من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في أهل مكة يوم فتحها فإنه لم يسب لهم ذرية وقال : من أغلق بابه فهو آمن ، وكذلك قال أميرالمؤمنين عليه‌السلام يوم البصرة نادى فيهم لا تسبوا لهم ذرية ولا تدففوا على جريح (٣) ولا تتبعوا مدبرا ومن أغلق بابه ، وألقى سلاحه فهو آمن.

والسيف المغمود فالسيف الذي يقام به القصاص قال الله عزوجل : «النفس بالنفس والعين بالعين (٤)» فسله إلى أولياء المقتول ، وحكمه إلينا.

فهذه السيوف التي بعث الله بها محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله فمن جحدها أو جحد واحدا منها أو شيئا من سيرها وأحكامها فقد كفر بما أنزل الله تبارك وتعالى على محمد نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله.

____________________

(١) يوم بدر ويوم أحد ويوم حنين.

(٢) السعف ـ بالتحريك ـ : جريدة النخل أو ورقه قيل مادامت بالخوص فاذا زال عنها قيل : جريدة ، وأكثر ما يقال اذا يبست واذا كانت رطبة فهى شطبة. والهجر ـ بالتحريك ـ : بلدة باليمن. واسم لجميع أرض البحرين. وانما خص هجر لبعد المسافة أو لكثرة النخل بها.

(٣) دفف على الجريح : أجهزه عليه وأتم قتله ، وفى بعض النسخ «ولا تذيعوا على جريح» وفى الكافى والتهذيب «لا تجهزوا على جريح» والاجهاز على الجريح : اتمام قتله والاسراع فيه.

(٤) سورة المائدة : ٤٧.

١٦٩

٤ ـ ف (١) : موعظة : وحضره ذات يوم جماعة من الشيعة فوعظهم وحذرهم وهم ساهون لاهون ، فأغاظه ذلك فأطرق مليا ، ثم رفع رأسه إليهم ، فقال : إن كلامي لو وقع طرف منه في قلب أحدكم لصار ميتا. ألا يا أشباحا بلا أرواح ، و ذبابا بلا مصباح كأنكم خشب مسندة (٢) وأصنام مريدة ، ألا تأخذون الذهب من الحجر؟ ألا تقتبسون الضياء من النور الازهر ،؟ ألا تأخذون اللؤلؤ من البحر؟ خذوا الكلمة الطيبة ممن قالها وإن لم يعمل بها ، فإن الله يقول : «الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله (٣)».

ويحك يا مغرور ألا تحمد من تعطيه فانيا ويعطيك باقيا ، درهم يفنى بعشرة تبقى إلى سبعمائة ضعف مضاعفة من جواد كريم ، آتاك الله عند مكافأة (٤) ، هو مطعمك وساقيك وكاسيك ومعافيك وكافيك وساترك ممن يراعيك ، من حفظك في ـ ليلك ونهارك ، وأجابك عند اضطرارك ، وعزم لك على الرشد في اختبارك. كأنك قد نسيت ليالي أوجاعك وخوفك دعوته فاستجاب لك ، فاستوجب بجميل صنيعه الشكر ، فنسيته فيمن ذكر ، وخالفته فيما أمر.

ويلك إنما أنت لص من لصوص الذنوب (٥) كلما عرضت لك شهوة أو

____________________

(١) التحف ص ٢٩١.

(٢) شبههم عليه‌السلام في عدم الانتفاع بهم بالخشب المسندة إلى الحائط والاصنام المنحوتة من الخشب وان كانت هياكلهم معجبة وألسنتهم ذلقة. وفى بعض النسخ «و اصنام مربذة».

(٣) سورة الزمر : ١٨.

(٤) اشارة إلى قوله تعالى في سورة البقرة : ٢٦١. «مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة انبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم».

(٥) اللص ـ بالكسر ـ : فعل الشئ في ستر ـ ومنه قيل للسارق : لص. وجمعه لصوص.

١٧٠

ارتكاب ذنب سارعت إليه وأقدمت بجهلك عليه ، فارتكبته كأنك لست بعين الله ، أو كأن الله ليس لك بالمرصاد ، يا طالب الجنة ما أطول نومك وأكل مطيتك ، وأوهى همتك (١) فلله أنت من طالب ومطلوب ، ويا هاربا من النار ما أحث مطيتك إليها ، وما أكسبك لما يوقعك فيها. انظروا إلي هذه القبور سطورا بأفناء الدور ، تدانوا في خططهم (٢) وقربوا في مزارهم ، وبعدوا في لقائهم ، عمروا فخربوا ، وأنسوا فأوحشوا ، وسكنوا فازعجوا ، وقطنوا فرحلوا (٣) فمن سمع بدان بعيد وشاحط قريب (٤) ، وعامر مخرب ، وآنس موحش ، وساكن مزعج ، و قاطن مرحل غير أهل القبور؟.

يا ابن الايام الثلاث : يومك الذي ولدت فيه ، ويومك الذي تنزل فيه قبرك ويومك الذي تخرج فيه إلى ربك ، فياله من يوم عظيم.

يا ذوي الهيئة المعجبة ، والهيم المعطنة (٥) مالي أرى أجسامكم عامرة وقلوبكم دامرة ، أوما والله لو عاينتم ما أنتم ملاقوه ، وما أنتم إليه صائرون لقلتم : «يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين (٦)» وقال جل من قائل : «بل بدالهم ما كانوا يخفون ـ ولوا ردوا لعادوا لمما نهوا عنه وإنهم لكاذبون (٧)».

____________________

(١) أوهى فلانا : أضعفه وجعله واهيا.

(٢) الخطط : جمع خطة ـ بالكسر ـ : ما يخيطه الانسان من الارض ليعلم أنه قد أحتازها ليبنيها دارا. والارض التى تنزلها ولم ينزلها نازل قبلك ـ وبالضم ـ : الامر والخصلة.

(٣) القاطن : المقيم.

(٤) الشاحط : البعيد.

(٥) الهيم : الابل العطاش. العطن ـ بالنحريك ـ : وطن الابل ومبركها حول الماء. وأعطنت الابل : حبسها عند الماء فبركت بعد الورود. وعطنت الابل : رويت ثم بركت.

(٦) سورة الانعام : ٢٧.

(٧) سورة الانعام. ٢٨.

١٧١

٥ ـ ف (١) : وروى عنه عليه‌السلام في قصار هذه المعاني.

١ ـ وقال عليه‌السلام : صانع المنافق بلسانك ، وأخلص مودتك للمؤمن ، وإن جالسك يهودي فأحسن مجالسته.

٢ ـ وقال عليه‌السلام : ما شيب شئ بشئ أحسن من حلم بعلم (٢).

٣ ـ وقال عليه‌السلام : الكمال كل الكمال التفقه في الدين ، والصبر على النائبة ، وتقدير المعيشة.

٤ وقال عليه‌السلام : والله المتكبر ينازع الله رداءه.

٥ ـ وقال عليه‌السلام : يوما لمن حضره ما المروة؟ فتكلموا ، فقال : صلى‌الله‌عليه‌وآله :

المروة أن لا تطمع فتذل ، وتسأل فتقل (٣) ولا تبخل فتشتم ، ولا تجهل فتخصم ، فقيل : ومن يقدر على ذلك؟ فقال عليه‌السلام : من أحب أن يكون كالناظر في الحدقة (٤) والمسك في الطيب ، وكالخليفة في يومكم هذا في القدر.

٦ ـ وقال يوما رجل عنده : اللهم أغننا عن جميع خلقك. فقال أبوجعفر عليه‌السلام :

لا تقل هكذا ، ولكن قل : اللهم أغننا عن شرار خلقك ، فإن المؤمن لا يستغني عن أخيه.

٧ ـ وقال عليه‌السلام : قم بالحق واعتزل مالا يعنيك ، وتجنب عدوك ، واحذر صديقك من الاقوام إلا الامين من خشي الله ، ولا تصحب الفاجر ، ولا تطلعه على سرك ، واستشر في أمر الذين يخشون الله.

٨ ـ وقال عليه‌السلام : صحبة عشرين سنة قرابة.

٩ ـ وقال عليه‌السلام : إن استطعت أن لا تعامل أحدا إلا ولك الفضل عليه فافعل.

____________________

(١) التحف ص ٢٩٢.

(٢) الشوب : الخلط.

(٣) يقل الرجل : قل ماله.

(٤) الناظر : سواد الاصغر الذى فيه انسان العين. والحدقة. سواد العين الاعظم.

١٧٢

١٠ ـ وقال عليه‌السلام : ثلاثة من مكارم الدنيا والاخرة : أن تعفو عمن ظلمك ، وتصل من قطعك. وتحلم إذا جهل عليك.

١١ ـ وقال عليه‌السلام : الظلم الثلاثة : ظلم لا يغفره الله ، وظلم يغفره الله ، وظلم لا يدعه الله ، فأما الظلم الذي لا يغفره الله فالشرك بالله ، وأما الظلم الذي يغفره الله فظلم الرجل نفسه فيما بينه وبين الله ، وأما الظلم الذي لا يدعه الله فالمدائنة بين العباد (١).

١٢ ـ وقال عليه‌السلام : مامن عبد يمتنع من معونة أخيه المسلم والسعي له في حاجته قضيت أولم تقض إلا ابتلي بالسعي في حاجة فيما يأثم عليه ولا يوجر ، وما من عبد يبخل بنفقة ينفقها فيما يرضي الله إلا ابتلي بأن ينفق أضعافها فيما أسخط الله.

١٣ ـ وقال عليه‌السلام : في كل قضاء الله خير للمؤمن.

١٤ ـ وقال عليه‌السلام : إن الله كره إلحاح الناس بعضهم على بعض في المسألة و أحب ذلك لنفسه. إن الله جل ذكره يحب أن يسأل ويطلب ما عنده.

١٥ ـ وقال عليه‌السلام : من لم يجعل له من نفسه واعظا ، فإن مواعظ الناس لن تغني عنه شيئا.

١٦ ـ وقال عليه‌السلام : من كان ظاهره أرجح من باطنه خف ميزانه.

١٧ ـ وقال عليه‌السلام : كم من رجل قد لقى رجلا فقال له : كب الله عدوك (٢) وماله من عدو إلا الله.

١٨ ـ وقال عليه‌السلام : ثلاثة لا يسلمون : الماشي إلى الجمعة ، والماشي خلف جنازة وفي بيت الحمام.

١٩ ـ وقال عليه‌السلام : عالم ينتفع بعلمه أفضل من سبعين ألف عابد.

٢٠ ـ وقال عليه‌السلام : لا يكون العبد عالما حتى لا يكون حاسدا لمن فوقه ولا محقرا لمن دونه.

____________________

(١) المدائنة من الدين أى ظلم العباد عند المعاملة

(٢) كب فلانا : صرعه. وقلبه على رأسه.

١٧٣

٢١ ـ وقال عليه‌السلام : ما عرف الله من عصاه وأنشد :

تعصي الاله وأنت تظهر حبه

هذا لعمرك في الفعال بديع

لو كان حبك صادقا لاطعته

إن المحب لمن أحب مطيع

٢٢ ـ وقال عليه‌السلام : إنما مثل الحاجة إلى من أصاب ماله حديثا كمثل الدرهم في فم الافعي أنت إليه محوج (١) وأنت منها على خطر.

٢٣ ـ وقال عليه‌السلام : ثلاث خصال لا يموت صاحبهن أبدا حتى يرى وبالهن : البغي. وقطيعة الرحم. واليمين الكاذبة يبارز الله بها ، وإن أعجل الطاعة ثوابا لصلة الرحم وإن القوم ليكونون فجارا فيتواصلون فتنمى أموالهم ويثرون (٢) وإن اليمين الكاذبة وقطيعة الرحم ليذران الديار بلاقع من أهلها (٣)

٢٤ ـ وقال عليه‌السلام : لا يقبل عمل إلا بمعرفة. ولا معرفة إلا بعمل. ومن عرف دلته معرفته علي العمل. ومن لم يعرف فلا عمل له.

٢٥ ـ وقال عليه‌السلام : إن الله جعل للمعروف أهلا من خلقه ، حبب إليهم المعروف وحبب إليهم فعاله ، ووجه لطلاب المعروف الطلب إليهم ويسر لهم قضاءه كما يسر الغيث للارض المجدبة ليحييها ويحيي أهلها (٤) وإن الله جعل للمعروف أعداء من خلقه بغض إليهم المعروف وبغض إليهم فعاله. وحظر على طلاب المعروف التوجه إليهم وحظر عليهم قضاءه كما يحظر الغيث عن الارض المجدبة ليهلكها ويهلك أهلها وما يعفوالله عنه أكثر.

٢٦ ـ وقال عليه‌السلام : اعرف المودة في قلب أخيك بما له في قلبك.

____________________

(١) أحوج اليه : افتقر. وأحوجه : جعله محتاجا.

(٢) «يثرون» أى يكثرون مالا. يقال : ثرا الرجل : كثر ماله.

(٣) «ليذران» اى ليدعان ويتركان من وذره أى ودعه. «بلاقع» جمع بلقع ـ :

الارض القفر.

(٤) المجدبة : ذوجدب وهو ضد الخصب ويأتى ايضا بمعني الماحل.

١٧٤

٢٧ ـ وقال عليه‌السلام : الايمان حب وبغض (١).

٢٨ ـ وقال عليه‌السلام : والله ما شيعتنا إلا من اتقى الله وأطاعه ، وما كانوا يعرفون إلا بالتواضع والتخشع وأداء الامانة وكثرة ذكر الله والصوم والصلاة والبر بالوالدين وتعهد الجيران من الفقراء وذوي المسكنة والغارمين والايتام ، و صدق الحديث وتلاوة القرآن وكف الالسن عن الناس إلا من خير ، وكانوا امناء عشائرهم في الاشياء.

٢٩ ـ وقال : عليه‌السلام : أربع من كنوز البر : كتمان الحاجة ، وكتمان الصدقة ، وكتمان الوجع ، وكتمان المصيبة.

٣٠ ـ وقال عليه‌السلام : من صدق لسانه زكي عمله ، ومن حسنت نيته زيد في رزقه ومن حسن بره بأهله زيد في عمره.

٣١ ـ وقال عليه‌السلام : إياك والكسل والضجر فإنهما مفتاح كل شر ، من كسل لم يؤد حقا ، ومن ضجر لم يصبر على حق.

٣٢ ـ وقال عليه‌السلام : من استفاد أخا في الله على إيمان بالله ووفاء بإخائه طلبا لمرضات الله فقد استفاد شعاعا من نور الله ، وأمانا من عذاب الله ، وحجة يفلج بها يوم القيامة (٢) وعزا باقيا ، وذكرا ناميا ، لان المؤمن من الله عزوجل لا موصول ولا مفصول ، قيل له عليه‌السلام : ما معني لا موصول ولا مفصول؟ قال : لا موصول به إنه هو ولا مفصول منه إنه من غيره.

٣٣ ـ وقال عليه‌السلام : كفى بالمرء غشا لنفسه أن يبصر من الناس ما يعمي عليه من أمر نفسه ، أو يعيب غيره (٣) بما لا يستطيع تركه أو يؤذي جليسه بما لا يعنيه.

____________________

(١) المراد الحب في الله والبغض فيه كما جاء في الاحاديث.

(٢) يفلج أى يفوز ويظفر ويغلب بها. وفلج الحجة : أثبتها. وفلج الرجل :

ظفر بما طلب ، وعلى خصمه : غلبه. ـ وعلى القوم فاز.

(٣) في بعض النسخ «أو يعير غيره».

١٧٥

٣٤ ـ وقال عليه‌السلام : التواضع الرضا بالمجلس دون شرفه ، وأن تسلم على من لقيت ، وأن تترك المراء وإن كنت محقا.

٣٥ ـ وقال عليه‌السلام : إن المؤمن أخ المؤمن لا يشتمه ولا يحرمه ولا يسئ به الظن.

٣٦ ـ وقال عليه‌السلام : لابنه : اصبر نفسك على الحق ، فإنه من منع شيئا في ـ حق اعطي في باطل مثليه.

٣٧ ـ وقال عليه‌السلام : من قسم له الخرق حجب منه الايمان (١).

٣٨ ـ وقال عليه‌السلام : إن الله يبغض الفاحش المتفحش.

٣٩ ـ وقال عليه‌السلام : إن لله عقوبات في القلوب والابدان : ضنك في المعيشة ووهن في العبادة. وما ضرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة القلب.

٤٠ ـ وقال عليه‌السلام : إذا كان يوم القيامة نادى مناد أين الصابرون؟ فيقوم فئام من الناس (٢). ثم ينادي مناد أين المتصبرون؟ فيقوم فئام من الناس. قلت :

جعلت فداك ما الصابرون والمتصبرون؟ فقال عليه‌السلام الصابرون على أداء الفرائض ، والمتصبرون على ترك المحارم.

٤١ ـ وقال عليه‌السلام : يقول الله : ابن آدم! اجتنب ما حرمت عليك تكن من أورع الناس.

٤٢ ـ وقال عليه‌السلام : أفضل العبادة عفة البطن والفرج.

٤٣ ـ وقال عليه‌السلام : البشر الحسن (٣) وطلاقة الوجه مكسبة للمحبة ، و قربة من الله. وعبوس الوجه وسوء البشر مكسبة للمقت وبعد من الله.

٤٤ ـ وقال عليه‌السلام : ما تذرع إلي بذريعة ، ولا توسل بوسيلة هي أقرب له

____________________

(١) الخرق : ضعف العقل والرأى ، الجهل ، الحمق ، ضد الرفق.

(٢) الفئام ـ ككتاب ـ : الجماعة من الناس. وفسرفى خطب أميرالمؤمنين عليه‌السلام بمائة ألف.

(٣) البشر ـ بالكسر ـ طلاقة الوجه وبشاشته. والمقت : البغض.

١٧٦

مني إلى ما يحب من يد سالفة مني إليه أتبعتها اختها ليحسن حفظها وربها ، لان منع الاواخر يقطع لسان شكر الاوائل (١) وما سمحت لي نفسي برد بكر الحوائج.

٤٥ ـ وقال عليه‌السلام : الحياء والايمان مقرونان في قرن ، فإذا ذهب أحدهما تبعه صاحبه.

٤٦ ـ وقال عليه‌السلام : إن هذه الدنيا تعاطاها البر والفاجر ، وإن هذا الدين لا يعطيه الله إلا أهل خاصته (٢).

٤٧ ـ وقال عليه‌السلام : الايمان إقرار وعمل. والاسلام إقرار بلا عمل.

٤٨ ـ وقال عليه‌السلام : الايمان ما كان في القلب. والاسلام ما عليه التناكح والتوارث وحقنت به الدماء. والايمان يشرك الاسلام ، والاسلام لا يشرك الايمان.

٤٩ ـ وقال عليه‌السلام : من علم باب هدى فله مثل أجر من عمل به ، ولا ينقص أولئك من أجورهم شيئا. ومن علم باب ضلال كان عليه مثل أوزار من عمل به ، ولا ينقص أولئك من أو زارهم شيئا.

٥٠ ـ وقال عليه‌السلام : ليس من أخلاق المؤمن الملق والحسد إلا في طلب العلم (٣).

٥١ ـ وقال عليه‌السلام : للعالم إذا سئل عن شئ وهو لا يعلمه أن يقول : الله أعلم ، وليس لغير العالم أن يقول ذلك ، وفي خبر آخر يقول : لا أدري لئلا يوقع

____________________

(١) الظاهر أن المراد التتابع في الاحسان والعمل وفى حديث آخر عن الصادق عليه‌السلام «قال : مامن شئ أسر إلى من يد اتبعها الاخرى لان منع الاواخر يقطع لسان شكر الاوائل» ذكره الابى.

(٢) التعاطى : التناول. وتناول مالا يحق. والتنازع في الاخذ والقيام به. وفى بعض النسخ «لا يعطيه الا أهل الله خاصة».

(٣) الملق ـ بالتحريك ـ : التملق وهو الود واللطف وأن يعطى في اللسان ما ليس في القلب.

١٧٧

في قلب السائل شكا.

٥٢ ـ وقال عليه‌السلام : أول من شق لسانه بالعربية إسماعيل بن إبراهيمى عليهما‌السلام وهو ابن ثلاث عشرة سنة ، وكان لسانه على لسان أبيه وأخيه ، فهو أول من نطق بها وهو الذبيح.

٥٣ ـ وقال عليه‌السلام : ألا أنبئكم بشئ إذا فعلتموه يبعد السلطان والشيطان منكم؟ فقال أبوحمزة : بلى ، أخبرنا به حتى نفعله ، فقال عليه‌السلام : عليكم بالصدقة فبكروا بها ، فإنها تسود وجه إبليس وتكسر شرة السلطان الظالم عنكم في يومكم ذلك (١). وعليكم بالحب في الله والتودد (٢) والموازرة على العمل الصالح ، فإنه يقطع دابرهما ـ يعني السلطان والشيطان ـ. وألحوا في الاستغفار ، فإنه ممحاة للذنوب.

٥٤ ـ وقال عليه‌السلام : إن هذا اللسان مفتاح كل خير وشر ، فينبغي للمؤمن أن يختم على لسانه كما يختم علي ذهبه وفضته ، فإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «رحم الله مؤمنا أمسك لسانه من كل شر ، فإن ذلك صدقة منه على نفسه (٣)» ثم قال عليه‌السلام :

لا يسلم أحد من الذنوب حتى يخزن لسانه.

٥٥ ـ وقال عليه‌السلام : من الغيبة أن تقول في أخيك ما ستره الله عليه ، فأما الامر الظاهر منه مثل الحدة والعجلة ، فلا بأس أن تقوله. وإن البهتان أن تقول في أخيك ما ليس فيه (٤).

____________________

(١) الشرة ـ بالكسر فالفتح مشددة ـ : الشر والغضب والحدة.

(٢) وفى بعض النسخ «المودة».

(٣) في الكافى ج ٢ ص ١١٤ عن على بن ابراهيم باسناده عن الحلبى رفعه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أمسك لسانك فانها صدقة تصدق بها على نفسك ثم قال : ولا يعرف عبد حقيقة الايمان حتى يخزن من لسانه» أقول : قوله : «فانها» أى الامساك والتأنيث بتأويل الخصلة.

(٤) رواه الكلينى (ره) في الكافى ج ٢ ص ٣٥٨ باسناده عن الصادق عليه‌السلام والصدوق في معانى الاخبار أيضا عنه عليه‌السلام. والحدة ـ بالكسر ـ : ما يعترى الانسان من الغضب والنزق. والعجلة ـ بالتحريك ـ. السرعة والمبادرة في الامور من غير تأمل.

١٧٨

٥٦ ـ وقال عليه‌السلام : إن أشد الناس حسرة يوم القيامة عبد وصف عدلا ثم خالفه إلى غيره (١).

٥٧ ـ وقال عليه‌السلام : عليكم بالورع والاجتهاد ، وصدق الحديث ، وأداء الامانة إلى من ائتمنكم عليها برا كان أو فاجرا ، فلو أن قاتل علي بن أبي طالب عليه‌السلام ائتمنني على أمانة لاديتها إليه.

٥٨ ـ وقال عليه‌السلام : صلة الارحام تزكي الاعمال ، وتنمي الاموال ، وتدفع البلوى ، وتيسر الحساب ، وتنسئ في الاجل (٢).

٥٩ ـ وقال عليه‌السلام : أيها الناس إنكم في هذه الدار أغراض تنتضل فيكم المنايا ، لن يستقبل أحد منكم يوما جديدا من عمره إلا بانقضاء آخر من أجله ، فأية اكلة ليس فيها غصص؟ أم أي شربة ليس فيها شرق؟ (٣) استصلحوا ما تقدمون عليه بما تظعنون عنه (٤) ، فان اليوم غنيمة ، وغدا لا تدري لمن هو ، أهل الدنيا سفر (٥) يحلون عقد رحالهم في غيرها ، قد خلت منا اصول نحن فروعها ، فما بقاء الفرع بعد أصله ، أين الذين كانوا أطول أعمارا منكم؟ وأبعد آمالا؟. أتاك يا ابن آدم مالا ترده ، وذهب عنك مالا يعود ، فلا تعدن عيشا منصرفا عيشا. مالك منه إلا لذة تزدلف بك إلى حمامك؟! (٦) وتقربك من

____________________

(١) رواه الكلينى (ره) في الكافى ج ٢ ص ٣٠٠ باسناده عن الصادق عليه‌السلام.

(٢) «تزكى الاعمال» أى تنميها في الثواب أو تطهرها أو تصيرها مقبولة. والنساء ـ بالفتح ـ : التأخير

(٣) غص غصصا بالطعام : اعترض في حلقه شئ منه فمنعه التنفس. وشرق بالماء أو بريقه : غص.

(٤) الظعن : الرحال والسير.

(٥) السفر ـ بالفتح فالسكون ـ جمع سافر ، أى المسافرون.

(٦) الحمام ـ ككتاب ـ : قضاء الموت وقدره أى تقربك إلى موتك. واخترم :

أهلك. والسواد المخترم : الشخص الذى مات. يقال : اخترمهم الدهر وتخرمهم أى افتطعهم واستأصلهم.

١٧٩

أجلك؟! فكأنك قد صرت الحبيب المفقود والسواد المخترم. فعليك بذات نفسك ودع ما سواها واستعن بالله يعنك (١).

٦٠ ـ وقال عليه‌السلام : من صنع مثل ما صنع إليه فقد كافأه ، ومن أضعف كان شكورا ومن شكر كان كريما ، ومن علم أنه ما صنع كان إلى نفسه لم يستبطئ الناس في شكرهم ولم يستزدهم في مودتهم ، فلا تلتمس من غيرك شكر ما آتيته إلى نفسك ووقيت به عرضك ، واعلم أن طالب الحاجة لم يكرم وجهه عن مسألتك فأكرم وجهك عن رده.

٦١ ـ وقال عليه‌السلام : إن الله يتعهد عبده المؤمن بالبلاء كما يتعهد الغائب أهله بالهدية ، ويحميه عن الدنيا كما يحمي الطيب المريض.

٦٢ ـ وقال عليه‌السلام : إن الله يعطي الدنيا من يحب ويبعض. ولا يعطي دينه إلا من يحب.

٦٣ ـ وقال عليه‌السلام : إنما شيعة علي عليه‌السلام المتباذلون في ولايتنا ، المتحابون في مودتنا ، المتزاورون لاحياء أمرنا ، الذين إذا غضبوا لم يظلموا ، وإذا رضوا لم يسرفوا ، بركة على من جاوروا ، سلم لمن خالطوا.

٦٤ ـ وقال عليه‌السلام : الكسل يضر بالدين والدنيا.

٦٥ ـ وقال عليه‌السلام : لو يعلم السائل ما في المسألة ما سأل أحد أحدا. ولو يعلم المسؤول ما في المنع مامنع أحد أحدا.

٦٦ ـ وقال عليه‌السلام : إن لله عبادا ميامين مياسير ، يعيشون ويعيش الناس في ـ أكنافهم ، وهم في عباده مثل القطر. ولله عباد ملاعين مناكيد ، لا يعيشون ولا يعيش الناس في أكنافهم وهم في عباده مثل الجراد لا يقعون على شئ إلا أتوا عليه (٢).

____________________

(١) في بعض النسخ «يغنك».

(٢) الميامين : جمع ميمون بمعنى ذواليمن والبركة. والمياسير : جمع موسر بمعنى الغنى وذواليسر. والمناكيد جمع نكد ـ بفتح الكاف وكسره وسكونه ـ : عسر ، قليل الخير. وأتوا عليه أى أهلكوه وأفنوه.

١٨٠