بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤١٥
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

أين آباؤكم وأمهاتكم؟ أين إخوانكم؟ أين أخواتكم؟ أين أولادكم دعوا فأجابوا ، واستودعوا الثرى ، وجاوروا الموتى ، وصاروا في الهلكى ، وخرجوا عن الدنيا وفارقوا الاحبة ، واحتاجوا إلى ما قدموا ، واستغنوا عما خلفوا ، كم توعظون؟ وكم تزجرون؟ وأنتم لاهون ساهون؟ مثلكم في الدنيا مثل البهايم أهمتكم بطونكم وفروجكم ، أما تستحيون ممن خلقكم ، قد وعد من عصاه النار ولستم ممن يقوى على النار ، ووعد من اطاعه الجنة ومجاورته في الفردوس الالعى ، فتنافسوا وكونوا من أهله ، وانصفوا من أنفسكم ، وتعطفوا على ضعفائكم وأهل الحاجة منكم ، وتوبوا إلى الله توبة نصوحا ، وكونوا عبيدا ابرارا ، ولا تكونوا ملوكا جبابرة ، ولا من الفراعنة المتمردين على الله ، قهرهم بالموت جبار الجبابرة ، رب السماوات ورب الارض ، وإله الاولين والآخرين ، مالك يوم الدين ، شديد العقاب ، الاليم العذاب ، لا ينجو منه ظالم ، ولا يفوته شئ ولا يتوارى منه شئ ، أحصى كل شئ علمه ، وأنزله منزله ، في جنة أو نار.

ابن آدم الضعيف! أين تهرب ممن يطلبك في سواد ليلك ، وبياض نهارك؟ وفي كل حال من حالاتك؟ فقد أبلغ من وعظ ، وافلح من اتعظ.

قال الله تعالى : يا موسى إن الدنيا دار عقوبة ، وجعلتها ملعونة ، ملعون ما فيها ، إلا ما كان لي ، ياموسى إن عبادي الصالحين زهدوا فيها بقدر علمهم وسائرهتم من خلقي رغبوا فيها بقدر جهلهم ، وما من خلقي أحد عظمها فقرت عينه ولم يحقرها احد إلا انتفع بها.

ثم قال الصادق عليه‌السلام : إن قدرتم الا تعرفوا فافعلوا ، وما عليك إن لم يثن عليك الناس ، وما عليك أنتكون مذموما عند الناس إذا كنت عند الله محمودا إن عليا عليه‌السلام كان يقول : لا خير في الدنيا ، إلا لاحد رجلين : رجل يزداد كل يوم إحسانا ، ورجل يتدارك سيئة بالتوبة ، وأنى له بالتوبة ، والله لو سجد حتى ينقطع عنقه ، ما قبل الهل منه إلا بولايتنا.

١٢١

وقال المسيح عليه‌السلام : مثل الدنيا والآخرة كمثل رجل له ضرتان : إن ارضى إحداهما أسخطت الاخرى.

وقيل للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : كيف يكون الرجل في الدنيا؟ قال : كما تمر القافلة قيل : فكم القرار فيها؟ قال : كقدر المتخلف عن القافلة ، قال : فكم ما بين الدنيا والآخرة؟ قال : غمضة عين ، قال الله عزوجل «كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا الا ساعة من نهار» (١) الآية.

قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : الدنيا حلم المنام ، أهلا عليها مجازون معاقبون.

وقيل : إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مر على سخلة منبوذة على ظهر الطريق ، فقال : أترون هذه هينة على أهلها ، فوالله الدنيا أهون على الله من هذه على أهلها.

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : الدنيا دار من لا دار له ، ، ومال من لا مال له ، ولها يجمع من لا عقل له ، وشهواتها يطلب من لا فهم له ، وعليها يعادي من لا علم له ، وعليها يحسد من لا فقه له ، ولها يسعى من لا يقين له.

وروي أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قرأ «أفمن شرح الله صدره للاسلام فهو على نور من ربه» (٢) فقال : إن النور إذا وقع في القلب انفسح له وانشرح ، قالوا : يا رسول الله فهل لذلك علامة يعرف بها؟ قال : التجافي عن دار الغرور ، والانابة إلى دار الخلود ، والاستعداد للموت ، قبل نزول الموت.

قال صلى‌الله‌عليه‌وآله لابن عمر : كن كأنك غريب أو عابر سبيل ، واعدد نفسك مع الموتى.

١١١ ـ نبه (٣) : كان الحسن بن علي عليهما‌السلام كثيرا ما يتمثل : يا أهل لذات دنيا لا بقاء لها * إن اغترارا بظل زائل حمق وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : الدنيا دار من لا دار له ، ومال من لا مال له ، ولها يجمع من لا عقل له ، ويطلب شهواتها من لافهم له ، وعليها يعادي من لا علم له

____________________

(١) الاحقاف : ٣٥. (٢) الزمر : ٢٢.

(٣) تنبيه الخواطر : ٦٩ و ٧٠ و ٧٧ ، متفرقا.

١٢٢

وعليها يحسد من لافقه له ، ولها يسعى من لايقين له.

وعن علي عليه‌السلام : الدنيا قد نعت إليك نفسها ، وتكشفت لك عن مساويها وإياك أن تغتر بما ترى من إخلاد أهلا إليها ، وتكالبهم عليها ، فانهم كلاب عاوية ، وسباع ضارية ، يهر بعضها على بعض ، يأكل عزيزها ذليلها ، ويقهر كبيرها صغيرها ، نعم معقلة ، وأخرى مهملة ، قد أضلت عقولها ، وركبت مجهولها.

١١٢ ـ نبه : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : وأحذركم الدنيا فانها دار قلعة وليست بدار نجعة ، دار هانت على ربها ، فخلط خيرها بشرها ، وحلوها بمرها لم يرضها لاوليائه ، ولم يضن بها على أعدائه ، رب فعل يصاب به وقته ، فيكون سنة ، ويخطأ به وقته فيكون سبة.

دخل عمر على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو على حصير قد أثر في جنبه فقال : يا نبي الله لو اتخذت فراشا أوثر منه (١) فقال : مالي وللدنيا ، ما مثلي ومثل الدنيا إلا كراكب سار في يوم صائف فاستظل تحت شجرة ساعة من نهار ثم راح وتركها.

قال أمير المؤمنين علي عليه‌السلام : واعلموا رحمكم الله أنكم في زمان القائل فيه بالحق قليل ، واللسان عن الصدق كليل ، واللازم للحق ذليل ، أهله معتكفون في العصيان ، يصطلحون على الادهان ، فتاهم عارم (٢) وشائبهم آثم ، وعالمهم منافق وقاريهم مما ذق (٣) ولا يعظم صغيرهم كبيرهم ، ولا يعول غنيهم فقيرهم (٣).

بعضم : إياك وهم الغد [ ارض للغد ] برب الغد.

____________________

(١) الوثير من البساط ما لان وسهل ووطئ يقال : ما أوثر فراشك؟ اي ما ألينه.

(٢) العارم : السئ الخلق الشرس ، والشائب : الذي ابيض شعره من الهرم ، وفي نسخة الكمبانى «شابهم» وهو تصحيف ، والتصحيح من نسخة النهج.

(٣) المماذق المنافق الذي يشوب عمله بالرياء غير المخلص ، وفي نسخة النهج «قارنهم مما ذق».

(٤) نقله في النهج تحت الرقم ٢٣١ من قسم الخطب.

١٢٣

أبوذر رحمه الله : يومك جملك إذا أخذت برأسه أتاك ذنبه يعني إذا كنت من أول النهار في خير لم تزل فيه إلى آخره.

لقمان قال لابنه : يا بني لا تدخل في الدنيا دخولا يضر بآخرتك ، ولا تتركها تركا تكون كلا على الناس.

علي عليه‌السلام قلما اعتدل به المنبر إلا قال أمام خطبته : ايها الناس اتقوا الله فماخلق امرء عبثا فيلهو ، ولا ترك سدى فيلغو ، وما دنياه التي تحسنت له بخلف من الآخرة التي قبحها سوء النظر عنده ، وما المغرور الذي ظفر من الدنيا بأعلى همته كالآخر الذي ظفر من الآخر بأدنى سهمته (١).

١١٣ ـ ختص : قال الصادق عليه‌السلام : من ازداد في الله علما ، وازداد للدنيا حبا ، ازداد من الله بعدا ، وازداد الله عليه غضبا (٢).

١١٤ ـ ختص : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لو عدلت الدنيا عند الله عزوجل جناح بعوضة لما سقى الكافر منها شربة (٣).

١١٥ ـ ين : محمد بن سنان ، عن طلحة بن زيد ، عن ابي عبدالله عليه‌السلام قال : إن مثل الدنيا مثل الحية ، مسها لين ، وفي جوفها السم القاتل ، يحذرها الرجل العاقل ، ويهوى إليها الصبيان بأيديهم.

١١٦ ـ ين : فضالة : عن داود بن فرقد قال : قلت لابي عبدالله عليه‌السلام : ما يسرني بحبكم الدنيا وما فيها ، فقال : أف للدنيا وما فيها ، وما هي يا داود؟ هل هي إلا ثوبان وملء بطنك.

١١٧ ـ ين : النضر ، عن درست ، عن سلمة ، عن ابن أبي يعفور ، عن ابي عبدالله عليه‌السلام قال : إنا لنحب الدنيا ولان لا نؤتاها خير من أن نؤتاها ، وما من عبد بسط الله له من دنياه إلا نقص من حظه في آخرته.

١١٨ ـ ين : عن النضر ، عن إبراهيم بن عبدالحميد ، عن إسحاق بن غالب

____________________

(١) تنبيه الخواطر : ٧٧ و ٧٨ و ٧٩ ، متفرقا.

(٣٢) الاختصاص : ٢٤٣.

١٢٤

قال : قال لي أبوعبدالله عليه‌السلام : يا إسحاق كم ترى اصحاب هذه الآية «إن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها اذا هم يسخطون» (١) ثم قال لي : هم أكثر من ثلثي الناس.

وبهذا الاسناد قال : سمعت ابا عبدالله عليه‌السلام يقول في هذه الآية : «ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون» (٢) قال : لو فعل لكفر الناس جميعا.

١١٩ ـ ين : عن ابن علوان ، عن ابن طريف ، عن ابن نباتة قال : كنت جالسا عند أمير المؤمنين عليه‌السلام فجاء إليه رجل فشكا إليه الدنيا وذمها ، فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : إن الدنيا منزل صدق لمن صدقها ، ودار غنى لمن تزود منها ، ودار عاقبة لمن فهم عنها ، مسجد أحباء الله ، ومهبط وحي الله ، ومصلى ملائكته ، ومتجر أوليائه ، اكتسبوا فيها الجنة ، وربحوا فيها الرحمة ، فلماذا تذمها؟ وقد آذنت ببينها ، ونادت بانقطاعها ، ونعت نفسها وأهلها ، فمثلت ببلائها إلى البلاء ، وشوقت بسرورها إلى السرور ، راحت بفجيعة ، وابتكرت بعافية ، تحذيرا ، وترغيبا وتخويفا ، فذمها رجال غداة الندامة ، وحمدها آخرون [ يوم القيامة ].

ذكرتهم فذكروا ، وحدثتهم فصدقوا : فيا أيها الذام للدنيا ، المعتل بتغريرها ، متى استذمت إليك الدنيا وغرتك؟ أبمنازل آبائك من الثرى ، أم بمضاجع أمهاتك من البلى ، كم مرضت بكفيك ، وكم عللت بيديك ، تبتغي له الشفاء ، وتستوصف له الاطباء ، لم ينفعه إشفاقك ، ولم تعقه طلبتك ، مثلت لك به الدنيا نفسك ، وبمصرعه مصرعك ، فجدير بك أن لا يفنى به بكاؤك ، وقد علمت أنه لا ينفعك أحباؤك (٣).

١٢٠ ـ ين : عن ابن المغيرة ، عن طلحة بن زيد ، عن ابي عبدالله عليه‌السلام قال :

____________________

(١) براءة : ٥٨.

(٢) الزخرف : ٣٣.

(٣) كتاب المؤمن مخطوط ، وتراه في النهج تحت الرقم ١٣١ من قسم الحكم.

١٢٥

تمثلت الدنيا لعيسى عليه‌السلام في صورة امرأة زرقاء ، فقال لها : كم تزوجت؟ قالت : كثيرا قال : فكل طلقك؟ قالت : بل كلا قتلت ، قال : فويح أزواجك الباقين كيف لا يعتبرون بالماضين؟ قال : وقال ابوعبدالله عليه‌السلام : مثل الدنيا كمثل البحر المالح ، كلما شرب العطشان منه ازداد عطشا حتى يقتله.

١٢١ ـ ين : فضالة ، عن أبان بن عثمان ، عن سلمة بن ابي حفص ، عن أبي عبدالله ، عن ابيه عليهما‌السلام عن جابر قال : مر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالسوق وأقبل يريد العالية والناس يكتنفه ، فمر بجدي أسك على مزبلة ملقى وهو ميت فأخذ باذنه فقال : أيكم يحب أن يكون هذاله بدرهم؟ قالوا : ما نحب أنه لنا بشئ ، وما نصنع به؟ قال : أفتحبون أنه لكم؟ قالوا : لا ، حتى قال ذلك ثلاث مرات فقالوا : والله لو كان حيا كان عيبا فكيف وهو ميت؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن الدنيا على الله أهون من هذا عليكم.

١٢٢ ـ ين : عن فضالة ، عن ابان ، عن زياد بن ابي رجا ، عن ابي هاشم ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : من أصبح والدنيا أكبر همه شتت [ الله ] عليه أمره ، وكان فقره بين عينيه ، ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له ، ومن كانت الآخرة أكبر همه كشف الله عنه ضيقه ، وجمع له أمره ، وأتته الدنيا وهي راغمة.

١٢٣ ـ ين : عن حماد بن عيسى ، عن الحسين بن المختار ، عن إسماعيل بن أبي حمزة ، عن جابر قال : قال لي أبوجعفر عليه‌السلام : يا جابر أنزل الدنيا منك كمنزل نزلته ثم أردت التحرك منه من يومك ذلك ، أو كمال اكتسبته في منامك واستيقظت فليس في يدك منه شئ ، وإذا كنت في جنازة فكن كأنك أنت المحمول وكأنك سألت ربك الرجعة إلى الدنيا لتعمل عمل من عاش ، فان الدنيا عند العلماء مثل الظل.

١٢٤ ـ ين : عن النضر ، عن ابن سنان قال : سمعت أبا عبدالله عليه‌السلام يقول : دخل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله رجل وهو على حصير قد أثر في جسمه ووسادة ليف قد أثرت في خده ، فجعل يمسح ويقول : ما رضي بهذا كسرى ولا قيصر ، إنهم ينامون

١٢٦

على الحرير والديباج ، وأنت على هذا الحصير؟ قال : فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لانا خير منهما والله ، لانا أكرم منهما والله ، ما أنا والدنيا؟ إنما مثل الدنيا كمثل رجل راكب مر على شجرة ولها فئ فاستظل تحتها ، فلما أن مال الظل عنها ارتحل فذهب وتركها.

١٢٥ ـ ين : عن النضر ، عن ابي سيار ، عن مروان ، عن ابي عبدالله عليه‌السلام قال : قال لي علي بن الحسين عليهما‌السلام : ما عرض لي قط أمران أحدهما للدنيا والآخر للآخرة فآثرت الدنيا ، إلا رأيت ما أكره قبل أن امسي ثم قال أبوعبدالله عليه‌السلام لبني أمية : إنهم يؤثرون الدنيا على الآخرة منذ ثمانين سنة وليس يرون شيئا يكرهونه.

١٢٦ ـ ين : ابن أبي عمير ، عن الاحمسي ، عمن أخبره ، عن أبي جعفر عليه‌السلام أنه كان يقول : نعم العون الدنيا على الآخرة.

١٢٧ ـ ين : الحسن بن علي ، عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : قال عيسى عليه‌السلام للحواريين : يا بني آدم لا تأسوا على ما فاتكم من دنياكم كما لا ياسى أهل الدنيا على ما فاتهم من آخرتهم إذا اصابوا دنياهم.

١٢٨ ـ محص : ابن ابي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن الثمالي قال : سمعت علي بن الحسين عليهما‌السلام يقول : عجبا كل العجب لمن عمل لدار الفناء ، وترك دار البقاء.

١٢٩ ـ محص : عن مالك بن أعين قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : يا مالك إن الله يعطي الدنيا من يحب ويبغض ، ولا يعطي دينه إلا من يحب.

١٣٠ ـ ما : عن الحسين بن إبراهيم القزويني ، عن محمد بن وهبان ، عن أحمد ابن إبراهيم ، عن الحسن بن علي الزعفراني ، عن البرقي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : راس كل خطيئة حب الدنيا.

وبهذا الاسناد ، عن هشام قال : سمعت أبا عبدالله عليه‌السلام يقول : إنا لنحب الدنيا ، وأن لا نعطاها خير لنا ، وما أعطي أحد منها شيئا إلا نقص حظه في

١٢٧

الآخرة ، قال : فقال له رجل : والله إنا لنطلب الدنيا فقال له أبوعبدالله عليه‌السلام : تصنع بها ماذا؟ قال : أعود بها على نفسي ، وعلى عيالي ، وأتصدق منها ، واصل منها ، وأحج منها ، قال : فقال أبوعبدالله عليه‌السلام : ليس هذا طلب الدنيا هذا طلب الآخرة (١).

١٣١ ـ نهج : [ قال عليه‌السلام ] أهل الدنيا كركب يسار بهم ، وهم نيام (٢).

وقال عليه‌السلام : إذا كنت في إدبار والموت في إقبال فما اسرع الملتقى (٣).

وقال عليه‌السلام : الدهر يخلق الابدان ، ويجدد الآمال ، ويقرب المنية ويباعد الامنية ، من ظفر به نصب ، ومن فاته تعب (٤).

وقال عليه‌السلام : نفس المرء خطاه إلى أجله (٥).

وقال عليه‌السلام : كل معدود منقض ، وكل متوقع آت (٦).

١٣٢ ـ نهج : ومن خبر ضرار بن ضمرة الضبابي عند دخوله على معاوية ومسألته عن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : فأشهد لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله ، وهو قائم في محرابه ، قابض على لحيته ، يتململ تململ السليم ويبكى بكاء الحزين ، ويقول : يا دنيا يا دنيا إليك عني أبي تعرضت أم إلي تشوقت ، لا حان حينك ، هيهات غري غيري ، لا حاجة لي فيك ، قد طلقتك ثلاثا لا رجعة فيها ، فعيشك قصير ، وخطرك يسير ، وأملك حقير ، آه من قلة الزاد وطول الطريق ، وبعد السفر ، وعظيم المورد ، وخشونة المضجع (٧).

____________________

(١) أمالي الطوسي ج ٢ ص ٢٧٥ و ٢٧٦.

(٢) نهج البلاغة الرقم ٦٤ من الحكم.

(٣) نهج البلاغة الرقم ٢٨ من الحكم.

(٤) نهج البلاغة الرقم ٧٢ من الحكم.

(٥) نهج البلاغة الرقم ٧٤ من الحكم.

(٦) نهج البلاغة الرقم ٧٥ من الحكم.

(٧) نهج البلاغة الرقم ٧٧ من الحكم.

١٢٨

١٣٣ ـ نهج : قال عليه‌السلام : إن الدنيا والآخرة عدوان متفاوتان ، وسبيلان مختلفان ، فمن أحب الدنيا وتولاها ابغض الآخرة وعاداها ، وهما بمنزلة المشرق والمغرب ، وماش بينهما ، كلما قرب من واحد بعد من الآخر ، وهما بعد ضرتان (١).

١٣٤ ـ نهج : قال عليه‌السلام : مثل الدنيا كمثل الحية : لين مسها ، والسم الناقع في جوفها ، يهوى إليها الغر الجاهل ، ويحذرها ذواللب العاقل (٢).

١٣٥ ـ نهج : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام وقد سمع رجلا يذم الدنيا : أيها الذام للدنيا ، المغتر بغرورها ، المنخدع بأباطيلها ، أتغتر بالدنيا ثم تذمها؟ أنت المتجرم عليها أم هي المتجرمة عليك؟ متى استهوتك؟ أم متى غرتك؟ أبمصارع آبائك من البلى؟ أم بمضاجع أمهاتك تحت الثرى؟ كم عللت بكفيك وكم مرضت بيديك ، تبغي لهم الشفاء ، وتستوصف لهم الاطباء ، لم ينفع أحدهم إشفاقك ، ولم تسعف فيه بطلبتك ، ولم تدفع عنهم بقوتك ، قد مثلت لك به الدنيا نفسك ، وبمصرعه مصرعك.

إن الدنيا دار صدق لمن صدقها ، ودار عافية لمن فهم عنها ، ودار غنى لمن تزود منها ، ودار موعظة لمن اتعظ بها ، مسجد أحباء الله ، ومصلى ملائكة الله ومهبط وحي الله ، ومتجر أولياء الله ، اكتسبوا فيها الرحمة ، وربحوا فيها الجنة فمن ذا يذمها؟ وقد آذنت ببينها ، ونادت بفراقها ، ونعت نفسها وأهلها ، فمثلت لهم ببلائها البلاء ، وشوقتهم بسرورها إلى السرور ، راحت بعافية ، وابتكرت بفجيعة ، ترغيبا وترهيبا ، وتخويفا وتحذيرا ، فذمها رجال غداة الندامة ، وحمدها آخرون يوم القيامة ، ذكرتهم الدنيا فذكروا ، وحدثتهم فصدقوا ، ووعظتهم فاتعظوا (٣).

____________________

(١) نهج البلاغة الرقم ١٠٣ من الحكم.

(٢) نهج البلاغة الرقم ١١٩ من الحكم.

(٣) نهج البلاغة الرقم ١٣١ من الحكم.

١٢٩

وقال عليه‌السلام : الدنيا دار ممر إلى دار مقر ، والناس فيها رجلان : رجل باع نفسه فأوبقها ، ورجل ابتاع نفسه فأعتقها (١).

وقال عليه‌السلام : لكل مقبل إدبار وما ادبر كأن لم يكن (٢).

وقال عليه‌السلام : الامر قريب والاصطحاب قليل (٣).

وقال عليه‌السلام : الرحيل وشيك (٤).

وقال عليه‌السلام : إنما المرؤ في الدنيا غرض تنتضل فيه المنايا ، ونهب تبادره المصائب ، ومع كل جرعة شرق ، وفي كل أكلة غصص ، ولا ينال العبد نعمة إلا [ بفراق أخرى ، ولا يستقبل يوما من عمره إلا ] (٥) بفراق آخر من أجله فنحن أعوان المنون ، وأنفسنا نصب الحتوف ، فمن أين نرجو البقاء ، وهذا الليل والنهار لم يرفعا من شئ شرفا إلا اسرعا الكرة في هدم ما بنيا ، وتفريق ما جمعا (٦).

وقال عليه‌السلام : من لهج قلبه بحب الدنيا التاط منها بثلاث : هم لا يغبه ، وحرص لا يتركه ، وأمل لا يدركه (٧).

وقال عليه‌السلام : والله لدنياكم هذه أهون في عيني من عراق خنزير في يد مجذوم (٨).

____________________

(١) نهج البلاغة الرقم ١٣٣ من الحكم.

(٢) نهج البلاغة الرقم ١٥٢ من الحكم.

(٣) نهج البلاغة الرقم ١٦٨ من الحكم.

(٤) نهج البلاغة الرقم ١٨٧ من الحكم.

(٥) ما بين العلامتين ساقط من نسخة الكمباني.

(٦) نهج البلاغة الرقم ١٩١ من الحكم.

(٧) نهج البلاغة الرقم ٢٢٨ من الحكم.

(٨) نهج البلاغة الرقم ٢٣٦ من الحكم ، والعراق بالضم العظم أكل لحمه أو بالكسر وهو من الحشا ما فوق السرة معترضا بالبطن ، كانه يريد به الكرش ، وعلى الوجهين ما أقذره اذا كان بيد مجذوم.

١٣٠

قال عليه‌السلام : مرارة الدنيا حلاوة الآخرة ، وحلاوة الدنيا مرارة الآخرة (١).

وقال عليه‌السلام : الناس في الدنيا عاملان : عامل في الدنيا للدنيا ، قد شغلته دنياه عن آخرته ، يخشى على من يخلف الفقر ، ويأمنه على نفسه ، فيفنى عمره في منفعة غيره ، وعامل عمل في الدنيا لما بعدها ، فجاءه الذي له من الدنيا بغير عمل فأحرز الحظين معا ، وملك الدارين جميعا ، فاصبح وجيها عند الله لا يسأل الله شيئا فيمنعه (٢).

وقال عليه‌السلام : الناس أبناء الدنيا ، ولا يلام الرجل على حب أمه (٣).

وقال عليه‌السلام : يا أيها الناس متاع الدنيا حطام موبئ (٤) فتجنبوا مرعاه قلعتها أحظى من طمأنينتها ، وبلغتها أزكى من ثروتها ، حكم على مكثريها بالفاقة وأعين من غنى عنها بالراحة ، من راقه زبرجها أعقبت ناظريه كمها (٥) ومن استشعر الشغف بها ملات ضميره أشجانا ، لهن رقص على سويداء قلبه ، هم يشغله ، وهم يحزنه ، كذلك حتى يؤخذ بكظمه (٦) فيلقى بالفضاء منقطعا أبهراه ، هينا على الله فناؤه ، وعلى الاخوان إلقاؤه ، وإنماينظر المؤمن إلى الدنيا بعين الاعتبار

____________________

(١) نهج البلاغة الرقم ٢٥١ من الحكم.

(٢) نهج البلاغة الرقم ٢٦٩ من الحكم.

(٣) نهج البلاغة الرقم ٣٠٣ من الحكم.

(٤) الموبئ الكثير الوباء ومرعى وبئ : أي مرتع اذا سرح فيه الدواب أصابها الوباء والطاعون. وقوله «قلعتها أحظى من طمأنينتها» القلعة : النزوع والعزلة أي الكف منها اسعد وأحظى من أن تطمئن وتركن اليها.

(٥) الكمه محركة العمى ، فان حب زبرجها وزينتها يعمى البصر عن رؤية عاقبتها.

(٦) الكظم محركة الحلقوم ، أو مخرج النفس ، والاخذ بالكظم كناية عن الخنق والابهر : عرق مستبطن الصلب اذا انقطع لم يبق صاحبه ، وفي الصحاح : وهما أبهران يخرجان من القلب ثميتشعب منهما سائر الشرائين ، وقيل : هما الوريدان.

١٣١

ويقتات منها ببطن الاضطرار ، ويسمع فيها باذن المقت والابغاض ، إن قيل : أثرى ، قيل : أكدى (١) وإن فرح له بالبقاء حزن له بالفناء ، هذا ولم يأتهم يوم فيه يبلسون (٢).

١٣٦ ـ نهج : روى أنه عليه‌السلام قلما اعتدل به المنبر إلا قال أمام خطبته : أيها الناس اتقوا الله فما خلق امرؤ عببثا فيلهو ، ولا ترك سدى فليغو ، ومادنياه التي تحسنت له بخلف من الآخرة التي قبحها سوء النظر عنده ، وما المغرور الذي ظفر من الدنيا بأعلا همته ، كالآخر الذي ظفر من الآخرة بأدنى سهمته (٣).

وقال عليه‌السلام : رب مستقبل يوما ليس بمستدبره ، ومغبوط في أول ليله قامت بواكيه في آخره (٤).

وقال عليه‌السلام : الركون إلى الدنيا مع ما تعاين منها جهل (٥).

وقال : من هوان الدنيا على الله أنه لا يعصى إلا فيها ولا ينال ما عنده إلا بتركها (٦).

وقال عليه‌السلام في صفة الدنيا : إن الدنيا تغر وتضر وتمر ، إن الله تعالى لم يرضها ثوابا لاوليائه ، ولا عقابا لاعدائه ، وإن أهل الدنيا كركب بيناهم حلوا إذ صاح بهم سائقهم فارتحلوا (٧).

وقال عليه‌السلام : الا حر يدع هذه اللماظة لاهلها؟ إنه ليس لانفسكم ثمن إلا

____________________

(١) أثرى : أى صار ذا ثروة وغناء ، وأكدى : اى صادف الكدية ، فلا يظفر بحاجته ورجع القهقرى إلى حالته الاولى من الفقر.

(٢) نهج البلاغة الرقم ٣٦٧ من قسم الحكم.

(٣) نهج البلاغة الرقم ٣٧٠ من الحكم.

(٤) نهج البلاغة الرقم ٣٨٠ من الحكم.

(٥) نهج البلاغة الرقم ٣٨٤ من الحكم.

(٦) نهج البلاغة الرقم ٣٨٥ من الحكم.

(٧) نهج البلاغة الرقم ٤١٥ من الحكم.

١٣٢

الجنة فلا تبيعوها إلا بها (١).

وقال عليه‌السلام : منهومان لا يشبعان : طالب علم وطالب دنيا (٢).

وقال عليه‌السلام : الدنيا خلقت لغيرها ، ولم تخلق لنفسها (٣).

ومن خطبة له عليه‌السلام : ألا وإن الدنيا دار لا يسلم منها إلا فيها ، ولا ينجى بشئ كان لها ، ابتلى الناس بها فتنة ، فما أخذوه منها لها أخرجوا منه ، وحوسبوا عليه ، وما أخذوه منها لغيرها قدموا عليه ، واقاموا فيه ، فانها عند ذوي العقول كفئ الظل ، بينا تراه سابغا حتى قلص ، وزائدا حتى نقص (٤).

وقال عليه‌السلام : ما اصف من دار أولها عناء ، وآخرها فناء. في حلالها حساب وفي حرامها عقاب ، من استغنى فيها فتن ، ومن افتقر فيها حزن ، ومن ساعاها فاتته ومن قعد عنها واتته ، ومن أبصر بها بصرته ، ومن ابصر إليها أعمته (٥).

١٣٧ ـ نهج : منم خطبة له عليه‌السلام : بعثه حين لا علم قائم ، ولا منار ساطع ولا منهج واضح ، أوصيكم عباد الله بتقوى الله ، وأحذركم الدنيا فانها دار شخوص ومحلة تنغيص ، ساكنها ظاعن ، وقاطنها بائن ، تميد بأهلها ميدان السفينة ، تعصفها العواصف في لجج البحار ، فمنهم الغرق الوبق (٦) ، ومنهم الناجي على متون

____________________

(١) نهج البلاغة الرقم ٤٥٦ واللماظة بالضم : ما بقى من الطعام في الفم : عبر عن الدنيا الفانية التي أدبرت وآذنت بوداع باللماظة الباقية في الفم بعد أكل الطعام وقبل المضمضة والاستياك ، كما شبهها في غير مورد بصبابة الاناء وسملة الحوض.

(٢) نهج البلاغة الرقم ٤٥٧ من الحكم.

(٣) نهج البلاغة الرقم ٤٦٣ من الحكم.

(٤) نهج البلاغة الرقم ٦١ من الخطب.

(٥) نهج البلاغة الرقم ٨٠ من الخطب.

(٦) الوبق ككتف الهالك والحفز الدفع. والمعنى أن الذي غرق في البحرحين تكسر به السفينة فلا يستدرك ، ولا يمكن خلاصه ، وأما من حمل على متن الامواج ، ولاقى شدة المحن والاهوال حين يلقيه موج إلى موج ، تارة يعلو على الماء ومرة يعلو الماء

١٣٣

الامواج ، تحفزه الرياح بأذيالها ، وتحمله على أهوالها ، فما غرق منها فليس بمستدرك ، وما نجا منها فالى مهلك.

عباد الله الآن فاعملوا والالسن مطلقة ، والابدان صحيحة ، والاعضاء لدنة والمتقلب فسيح ، والمجال عريض ، قبل إرهاق الفوت ، وحلول الموت ، فحققوا عليكم نزوله ، ولا تنتظروا قدومه (١).

١٣٨ ـ نهج : من كلام له عليه‌السلام : أيها الناس إنما الدنيا دار مجاز والآخرة دار قرار ، فخذوا من ممركم لمقركم ، ولا تهتكوا أستاركم ، عند من يعلم أسراركم ، وأخرجوا من الدنيا قلوبكم ، من قبل أن تخرج منها أبدانكم ففيها اختبرتم ، ولغيرها خلقتم ، إن المرء إذا هلك قال الناس ما ترك؟ وقالت الملائكة ما قدم؟ لله آباؤكم فقدموا بعضا يكن لكم قرضا ، ولا تخلفوا كلا فيكون عليكم كلا (٢).

ومن كلام له عليه‌السلام كثيرا ما ينادي به أصحابه : تجهزوا رحمكم الله فقد نودي فيكم بالرحيل ، وأقلوا العرجة على الدنيا ، وانقلبوا بصالح ما بحضرتكم من الزاد فان أمامكم عقبة كؤودا ، ومنازل مخوفة مهولة ، لا بد من الورود عليها ، والوقوف عندها.

واعلموا أن ملاحظ المنية نحوكم دانية ، وكأنكم بمخالبها وقد نشبتت فيكم ، وقد دهمتكم منها مفظعات الامور ، ومعضلات المحذور ، فقطعوا علائق الدنيا ، واستظهروا بزاد التقوى (٣).

١٣٩ ـ نهج : الحمد لله غير مقنوط من رحمته ، ولا مخلو من نعمته ، ولا

____________________

عليه ، فهو وان نجا من هذه المهلكة في البحر ، تترقبه مهلكة أخرى في البر ليفنيها فهو أيضا ليس بناج.

(١) نهج البلاغة الرقم ١٩٤ من الخطب.

(٢) نهج البلاغة الرقم ٢٠١ من الخطب وفيه : فرضا عليكم.

(٣) نهج البلاغة الرقم ٢٠٢ من الخطب.

١٣٤

مأيوس من مغفرته ، ولا مستنكف من عبادته ، الذي لا تبرح منه رحمة ، ولا تفقد له نعمة ، والدنيا دار مني لها الفناء ، ولاهلها منها الجلاء ، وهي حلوة خضرة ، قد عجلت للطالب ، والتبست بقلب الناظر ، فارتحلوا عنها بأحسن ما بحضرتكم من الزاد ، ولا تسألوا فوق الكفاف ، ولا تطلبوا منها أكثر من البلاغ (١).

١٤٠ ـ كنز الكراجكي : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من أحب دنياه اضر بآخرته.

وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : الدنيا دول ، فاطلب حظك منها بأجمل الطلب.

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : من أمن الزمان خافه ، ومن غالبه أهانه.

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : الدهر يومان : يوم لك ، ويوم عليك ، فان كان لك فلا تبطر وإن كان عليك فاصبر ، فكلاهما غائب سيحضر.

١٢٣

( باب )

* «( حب المال وجمع الدنيار والدرهم وكنزهما )» *

الايات : الانفال : واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة وأن الله عنده أجر عظيم (٢).

التوبة : والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم * يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لانفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون (٣).

الكهف : المال والبنون زينة الحيوة الدنيا (٤).

____________________

(١) نهج البلاغة الرقم ٤٥ من الخطب.

(٢) الانفال : ٢٨.

(٣) براءة : ٣٤ ٣٥.

(٤) الكهف : ٤٥.

١٣٥

القصص : إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين * وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الارض إن الله لا يحب المفسدين * قال إنما أوتيته على علم عندي أو لم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون * فخرج على قومه في زينته قال الذين يريدون الحيوة الدنيا يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون انه لذو حظ عظيم * وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ولا يلقاها إلا الصابرون * فخسفنا به وبداره الارض فما كان له من فئة ينصرونه مندون الله وما كان من المنتصرين * وأصبح الذين تمنوا مكانه بالامس يقولون ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر لو لا أن من الله علينا لخسف بنا ويكأنه لا يفلح الكافرون (١).

المنافقون : يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون (٢).

التغابن : إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم (٣).

المعارج : تدعو من أدبر وتولى * وجمع فأوعى (٤).

الفجر : فأما الانسان إذا ما ابتليه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن * وأما إذا ما ابتليه وقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن * كلا بل لا تكرمون اليتيم * ولا تحاضون على طعام المسكين * وتأكلون التراث أكلا لما * وتحبون المال حبا جما * كلا إذا دكت الارض دكا دكا * وجاء ربك والملك صفا صفا *

____________________

(١) القصص : ٨٢٧٦.

(٢) المنافقون : ٩.

(٣) التغابن : ١٥.

(٤) المعارج : ١٨١٧.

١٣٦

وجئ يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر الانسان وأنى له الذكرى * يقول يا ليتني قدمت لحيوتي فيومئذ لا يعذب عذابه أحد * ولا يوثق وثاقه أحد (١).

العاديات : وإن الانسان لربه لكنود * وإنه على ذلك لشهيد * وإنه لحب الخير لشديد * افلا يعلم إذا بعثر ما في القبور * وحصل ما في الصدور * إن ربهم بهم يومئذ لخبير (٢).

الهمزة : ويل لكل همزة لمزة * الذي جمع مالا وعدده * يحسب أن ماله أخلده * كلا لينبذن في الحطمة * وما أدريك ما الحطمة * نار الله الموقدة التي تطلع على الافئدة * إنها عليهم مؤصدة * في عمد ممددة.

١ ـ لى : عن الصادق عليه‌السلام قال : إن كان الحساب حقا فالجمع لماذا (٣).

٢ ـ لى : عن ابن مسرور ، عن ابن عامر ، عن عمه ، عن التفليسي ، عن السمندي ، عن ابي عبدالله عليه‌السلام قال : كان في بني إسرائيل مجاعة حتى نبشوا الموتى فأكلوهم. فنبشوا قبرا فوجدوا فيه لوحا فيه مكتوب : أنا فلان النبي ينبش قبري حبشي ، ما قدمنا وجدناه ، وما أكلنا ربحناه ، وماخلفنا خسرناه (٤).

٣ ـ لى : عن ابن مسرور ، عن ابن عامر ، عن عمه ، عن ابن أبي عمير ، عن أبان بن عثمان ، عن أبان بن تغلب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : إن اول درهم ودينار ضربا في الارض نظر إليهما إبليس فلما عاينهما أخذهما فوضعهما على عينيه ، ثم ضمهما إلى صدره ، ثم صرخ صرخة ثم ضمهما إلى صدره ثم قال : انتما قرة عيني ، وثمرة فؤادي ، ما أبالي من بني آدم إذا أحبو كما أن لا يعبدوا وثنا ، حسبي من بني آدم أن يحبوكما (٥).

____________________

(١) الفجر : ١٦١٥.

(٢) العاديات : ١١٦.

(٣) امالى الصدوق : ٦.

(٤) أمالي الصدوق : ٣٦١.

(٥) أمالى الصدوق : ١٢١.

١٣٧

٤ ـ فس : في رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام في قوله : «والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم» (١) فان الله حرم كنز الذهب والفضة ، وأمر بانفاقه في سبيل الله ، وقوله : «يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لانفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون» قال : كان أبوذر الغفاري يغدو كل يوم وهو بالشام فينادي بأعلا صوته : بشر أهل الكنوز بكى في الجباه ، وكي بالجنوب ، وكي بالظهور أبدا حتى يتردد الحر [ ق ] في أجوافهم (٢).

٥ ـ ل (٣) ن : الفامي ، عن ابن بطة ، عن محمد بن علي بن محبوب ، عن اليقطيني ، عن ابن بزيع قال : سمعت الراض عليه‌السلام يقول : لا يجتمع المال إلا بخصال خمس : ببخل شديد ، وأمل طويل ، وحرص غالب ، وقطيعة الرحم ، وإيثار الدنيا على الآخرة (٤).

٦ ـ ما : باسناد المجاشعي ، عن الصادق ، عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله؟ قالوا : ما فينا أحد يحب ذلك يا نبي الله ، قال : بل كلكم يحب ذلك ، ثم قال : يقول ابن آدم : مالي مالي ، وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت ، أو لبست فأبليت ، أو تصدقت فأمضيت ، وما عدا ذلك فهو مال الوارث (٥).

٧ ـ ما : بهذا الاسناد ، عن أبي عبدالله ، عن أبيه عليهما‌السلام أنه سئل عن الدنانير والدراهم ، وما على الناس فيها؟ فقال أبوجعفر عليه‌السلام : هي خواتيم الله في أرضه جعلها الله مصحة لخلقه ، وبها يستقيم شؤونهم ومطالبهم ، فمن أكثر له منها فقام

____________________

(١) براءة : ٣٤ و ٣٥.

(٢) تفسير القمى : ٢٦٥.

(٣) الخصال ج ١ ص ١٣٦.

(٤) عيون الاخبار ج ١ ص ٢٧٦.

(٥) أمالي الطوسى ج ٢ ص ١٣٣.

١٣٨

بحق الله تعالى فيها ، وادى زكاتها فذاك الذي طابت وخلصت له ، ومن أكثر له منها فبخل بها ، ولم يؤد حق الله فيها ، واتخذ منها الآنية ، فذاك الذي حق عليه وعيدالله عزوجل في كتابه ، يقول الله تعالى : «يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وظهورهم هذا ما كنزتم لانفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون» (١).

٨ ـ ما : بهذا الاسناد قال : لما نزلت هذه الآية : «والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب اليم» قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : كل مال يؤدى زكاته فليس بكنز ، وإن كان تحت سبع ارضين ، وكل مال لا تؤدى زكاته فهو كنز وإن كان فوق الارض (٢).

٩ ـ ل : ماجيلويه ، عن عمه ، عن البرقي ، عن محمد بن علي الكوفي ، عن محمد بن سنان ، عن عمر بن عبدالعزيز ، عن جميل ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : ما بلى الله العباد بشئ أشد عليهم من إخراج الدراهم (٣).

أقول : قد مضى بعض الاخبار في باب الغنى (٤).

١٠ ـ ل : عن أبيه ، عن سعد ، عن ابن يزيد ، عن زياد بن مروان ، عن أبي وكيع ، عن أبي إسحاق ، عن الحارث قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : الدينار والدرهم؟ من كان قبلكم ، وهما مهلكاكم (٥).

١١ ـ ل : عن ابيه : عن محمد بن العطار ، عن الاشعرى رفعه قال : الذهب والفضة حجران ممسوخان ، فمن أحبهما كان معهما.

قال الصدوق رحمه الله : يعني من أحبهما حبا يمنع حق الله منهما (٦).

١٢ ـ ل : عن ابن المتوكل ، عن السعد آبادي ، عن البرقي ، عن أبيه ، عن

____________________

(١) أمالى الطوسى ج ٢ ص ١٣٣ والاية في براءة : ٣٤.

(٢) أمالى الطوسى ج ٢ ص ١٣٣.

(٣) الخصال ج ١ ص ٨.

(٤) راجع ج ٧٢ ص ٥٦ ٦٨.

(٥ و ٦) الخصال ج ١ ص ٢٣.

١٣٩

محمد بن سنان ، عن أبي الجارود ، عن ابن طريف ، عن ابن نباتة قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : الفتن ثلاث : حب النساء ، وهو سيف الشيطان ، وشرب الخمر ، وهو فخ الشيطان ، وحب الدينار والدرهم ، وهو سهم الشيطان ، فمن أحب النساء لم ينتفع بعيشه ، ومن أحب الاشربة حرمت عليه الجنة ، ومن أحب الدينار والدرهم فهو عبد الدنيا.

وقال : قال عيسى بن مريم عليه‌السلام : الدينار داء الدين ، والعالم طبيب الدين ، فاذا رأيتم الطبيب يجر الداء إلى نفسه فاتهموه ، واعلموا أنه غير ناصح لغيره (١).

١٣ ـ ل : أبي ، عن محمد العطار ، عن الاشعري ، عن اليقطيني ، عن محمد بن إبراهيم النوفلي ، عن الحسين بن المختار رفعه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ملعون ملعون من كمه أعمى ، ملعون ملعون من عبدالدينار والدرهم ، ملعون ملعون من نكح بهيمة (٢).

مع : عن ابن إدريس ، عن أبيه ، عن الاشعري ، عن ابن يزيد ، عن محمد ابن إبراهيم النوفلي مثله.

قال الصدوق رحمه الله : قوله عليه‌السلام : ملعون من عبدالدينار والدرهم ، يعني به من يمنع زكاة ماله ، ويبخل بمواساة إخوانه ، فيكون قد آثر عبادة الدينار والدرهم على عبادة خالقه (٣) *.

١٤ ـ ع : عن علي بن أحمد بن محمد ، عن الكليني ، عن علي بن محمد رفعه قال أتى يهودي أمير المؤمنين عليه‌السلام فسأله عن مسائل فكان فيما سأله : لم سمي الدرهم درهما ، والدينار دينارا؟ فقال عليه‌السلام : إنما سمي الدرهم درهما لانه دارهم من جمعه ولم ينفقه في طاعة الله ، أورثه النار ، وإنماسمي الدينار دينارا لانه دار

____________________

(١) الخصال ج ١ ص ٥٦.

(٢) الخصال ج ١ ص ٦٤.

(٣) معاني الاخبار : ٤٠٣.

١٤٠