بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٤٩
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

لا أنسب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى التكلف لان الله عزوجل يقول : «وما كان لرسول أن يأتى بآية إلا باذن الله» (١) ولكن دعاه بأمر الله.

قال : يا إسحاق فمن صفة الجبار أن يكلف رسله ما لا طاقة لهم به؟ قلت : أعوذ بالله قال : أولاترى أن الله عزوجل في قولك «أسلم علي وهو صغير لا يجوز عليه الحكم» قد كلف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من دعاء الصبيان ما لا يطيق وشغله بصبي لا يجوز عليه الحكم ، فهو يدعوه الساعة ويريد بعد ساعة ثم يعاود ويعاود الصبي الارتداد ، فلا حكم يجوز عليه ولا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يفرغ منه لدعاء غيره أرأيت هذا جايزا عندك أن تنسبه إلى ربنا سبحانه؟

قلت : أعوذ بالله قال : فأراك إنما قصدت فضيلة فضل الله بها عليا عليه‌السلام على هذا الخلق جميعا ، أتاها له ليعرف بها مكانه وفضله ، بان لم يشرك به ساعة قط فجعلتها نقصا عليه ، ولو كان الله عزوجل أمر نبيه ان يدعو الصبيان ألم يكن دعاهم كما دعا عليا عليه‌السلام قلت : بلى ، قال : فهل بلغك أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله دعا أحدا من صبيان الجاهلية وقرابته بدأ بهم لئلا يقال : هذا ابن عمه أو من ساير الناس كما فعل بعلي؟ قلت : لا.

قال : ثم أي الافعال كانت أفضل بعد السبق إلى الاسلام؟ قلت : الجهاد في سبيل الله ، قال : صدقت فهل تجد لاحد في الجهاد إلا دون ما تجد لعلي؟ قلت : في أي وقت يا أميرالمؤمنين؟ قال : في أي الاوقات شئت قلت : في يوم بدر ، قال : نعم لا أزيدك عليها ، كم قتلى بدر يوم بدر؟ قلت : نيف وستون رجلا من الكفار قال : كم قتلى على وحده منهم؟ قلت : نيف وعشرون رجلا وأربعون لساير الناس قال : فأي الناس أفضل جهادا؟ قلت : إن أبا بكر كان مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في عريشه ، قال يصنع ماذا؟ قلت : يدبر الامر.

قال : ويلك دون رسول الله أو شريكا مع رسول الله أو إفتقارا من رسول الله إلى أبي بكر؟ قلت : أعوذ بالله من أن يدبر أبوبكر دون رسول الله ، أو يكون

____________________

(١) الرعد : ٣٨.

١٤١

شريكا مع رسول الله (ص) أو يكون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقيرا إليه ، قال : فما الفضيلة في العريش إن كان الامر على ما وصفت؟ أليس من ضرب بسيفه أفضل ممن جلس؟ قلت : كل الجيش كان مجاهدا قال : صدقت إلا أن الضارب بالسيف المحامي عن رسول الله وعن الجيش كان أفضل من الجيش ، أما قرأت كتاب الله عزوجل «لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير اولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين أجرا عظيما درجات منه ومغفرة وكان الله غفورا رحيما» (١).

قلت : أفكان أبوبكر وعمر مجاهدين أم لا ، قال : بلى ، ولكن أخبرني هل كان لابي بكر وعمر فضل على من لم يشهد ذلك المشهد؟ قلت : نعم ، قال : فكذلك يسبق الباذل نفسه على أبي بكر وعمر قلت : أجل قال : يا إسحاق أتقرأ القرآن؟ قلت : نعم قال : إقرأ «هل أتى على الانسان حين من الدهر» فقرأت إلى قوله : «ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا» إلى قوله : «وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا» قال : على رسلك! فيمن أنزل هذا؟ قلت : في علي.

قال : هل بلغك أن عليا حين أطعم المسكين واليتيم والاسير قال : إنما نطعمكم لوجه الله على ما سمعت الله يقول في كتابه؟ قلت : لا ، قال : صدقت إن الله جل ثناؤه عرف سريرة علي ونيته ، فاظهر ذلك في كتابه تعريفا منه لخلقه حال علي ومذهبه وسريرته ، فهل علمت أن الله عزوجل وصف شيئا مما وصف في الجنة غير هذه السورة «قوارير من فضة» قلت : لا قال : أجل وهذه فضيلة اخرى إن الله وصف له في الجنة مالم يصفه لغيره ، أوتدري ما معنى «قوارير من فضة»؟ قلت لا ، قال : آنية من فضة ينظر الناضر ما في داخلها كما يرى في القوارير.

يا إسحاق ألست ممن يشهد إن العشرة في الجنة؟ قلت : بلى ، قال : أرأيت لو أن رجلا قال : ما أدري هذا الحديث صحيح أم لا ، وما أدري لعل رسول الله

____________________

(١) النساء : ٩٥ و ٩٦.

١٤٢

صلى‌الله‌عليه‌وآله قاله أم لم يقله ، أكان عندك كافرا؟ قلت : أعوذ بالله قال : فلو أن رجلا قال : والله ما أدري هذه السورة من القرآن أم لا ، أكان عندك كافرا؟ قلت : نعم ، قال : يا إسحاق أرى أثرهم ها هنا متأكدا ، القرآن يشهد لهذا ، والاخبار تشهد لهؤلاء.

ثم قال : أتروي يا إسحاق حديث الطائر؟ قلت : نعم ، قال : حدثني به فحدثته به ، قال أتؤمن أن هذا الحديث صحيح؟ قلت : رواه من لا يمكنني بأن أرد حديثه ، ولا أشك في صدقه ، أفرأيت من أيقن أن هذا الحديث صحيح ثم زعم أن أحدا أفضل من علي أيخلو من أن يقول : دعاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مردود أو أن الله عرف الفاضل من خلقه فكان المفضول أحب إليه منه ، أو يقول : أن الله عزوجل لم يعرف الفاضل من المفضول؟ فأي الثلاثة أحب إليك أن تقول؟ فانك إن قلت منها شيئا استبذيت ، فان كان عندك في الحديث تأويل غير هذه الثلاثة أوجه فقل.

قلت : لا أعلم ، وإن لابي بكر فضلا ، قال : أجل لولا أن لابي بكر فضلا لم أقل علي أفضل منه ، فما فضله الذي قصدت به الساعة؟ قلت : قول الله عزوجل : «ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا» (١) فنسبه الله عزوجل إلى صحبة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : يا إسحاق أما أني لا أحملك على الوعر من طريقك ، فاني وجدت الله جل ثناؤه نسب إلى صحبة من رضيه ورضي عنه كافرا فقال : «إذ يقول لصاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ، ثم سويك رجلا» (٢) قلت : إن ذلك كان كافرا وأبوبكر كان مؤمنا قال : فاذا جاز أن ينسب إلى صحبة من رضيه ورضي عنه كافرا جاز أن ينسب إلى صحبة نبيه مؤمنا وليس بأفضل المؤمنين ، ولا بالثاني ، ولا بالثالث.

قلت : إن الله جل وعلا يقول : « ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه

____________________

(١) براءة : ٤٠.

(٢) الكهف : ٣٧.

١٤٣

لا تحزن إن الله معنا » فأنزل الله سكينته عليه ، قال : يا إسحاق إنك تأبى إلا أن اخرجك إلى الاستقصاء عليك أخبرني عن حزن أبي بكر أكان لله رضا أو كان معصية؟ قلت : إن أبا بكر إنما حزن من أجل رسول الله خوفا عليه من أن يصل إليه شئ من المكروه ، قال : فحزنه كان لله رضا أو معصية؟ قلت : بل لله رضا قال : فكان بعث إليه رسولا ينهاه عن طلب رضاه وعن طاعته؟ قلت : أعوذ بالله قال : ألم تزعم أن حزن أبي بكر رضى؟ قلت : بلى ، قال : أو لم تجد أن القرآن يشهد أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : لا تحزن نهيا له عن الحزن ، والحزن لله رضى أفلا تراه قد نهى عن طلب رضى الله إن كان الامر على ما وصفت ، وأعوذ بالله أن يكون كذلك فانقطعت عن جوابه.

قال : يا إسحاق إن مذهبي الرفق بك ، لعل الله أن يردك ، فأخبرني عن قول الله جل ثناؤه : «وأنزل الله سكينته عليه» من عنى بذلك : رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أو أبا بكر؟ قلت : بل رسول الله قال : صدقت فأخبرني عن قول الله : «ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الارض بما رحبت ثم وليتم مدبرين * ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين» (١) أتعلم المؤمنين الذين أرادهم الله في هذا الموضع؟ قلت : لا ، قال : إن الناس انهزموا يوم حنين فلم يبق مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلا سبعة من بني هاشم : علي يضرب بسيفه ، والعباس آخذ بلجام بغلته ، والباقون يحدقون برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خوفا أن يناله من سلاح القوم شئ حتى أعطى الله رسوله النصر.

فالمؤمنون في هذا الموضع علي خاصة ثم من حضره من بني هاشم ، وقد قيل : إن سلمان الفارسي وعمارا كانا فيهم ، فمن أفضل يا إسحاق؟ من كان مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فنزلت السكينة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وعليه؟ أم من كان مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ونزلت السكينة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يره موضعا لتنزيلها عليه معه؟ قلت : بل من انزلت السكينة عليه مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

____________________

(١) براءة : ٩.

١٤٤

قال : فمن أفضل عندك من كان معه في الغار أم من نام على فراشه ، ووقاه بنفسه؟ أن الله عزوجل أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يأمر عليا عليه‌السلام بالنوم على فراشه وأن يقي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بنفسه فأمره بذلك ، فبكى علي فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما يبكيك يا علي قال : الخوف عليك أفتسلم يا رسول الله؟ قال : نعم ، فاستبشر علي عليه‌السلام وقال : سمعا وطاعة لربي طابت نفسي بالفداء لك يا رسول الله ، ثم أتى علي مضعجه فاضطجع وتسجى بثوبه وجاء المشركون من قريش فاحدقوا به ولا يشكون أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حاصل في أيديهم قد أجمعوا أن يضربه كل بطن من قريش بالسيف لئلا يطلب بنو هاشم بطنا من بطون قريش بدمه ، وهو يسمع ما القوم فيه من تلف نفسه ، فلم يدعه ذلك إلى الجزع كما جزع صاحبه في الغار ، ولم يزل صابرا محتسبا ، وبعث الله اليه ملائكة تمنعه من مشركي قريش حتى أصبح فلما أصبح قام فنظر القوم إليه فقالوا : أين محمد؟ قال : لا أعلم أين هو؟ قالوا : لا نراك إلا كنت تغرنا منذ الليلة ، ثم لحق برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فلم يزل علي أفضل لما بدا منه يزيد ولا ينقص حتى قبضه الله إليه.

يا إسحاق أتروي حديث الولاية؟ قلت : نعم قال : اروه فرويته ، فقال : أليس هذا الحديث قد أوجب لعلي على أبي بكر وعمر ما لم يجب لهما عليه؟ قلت : نعم إلا أن الناس لا يقولون بذلك وقالوا بأن : هذا الحديث إنما كان بسبب زيد بن حارثة لشئ جرى بينه وبين علي فأنكر ولاء علي فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله هذا القول عند ذلك ، قال : يا سبحان الله لهذه العقول! متى قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي عليه‌السلام : من كنت مولاه فعلي مولاه وفي أي موضع؟ قلت : بغدير خم عند منصرفه من حجة الوداع قال : أجل ، فمتى قتل زيد بن حارثة؟ قال : موضع بموته قال : فكم كان بين قتل زيد وبين غدير خم؟ قلت : سبع أو ثماني سنين (١) قال : ويحك كيف رضيت لنفسك بهذا وقد علمت أن خطابه للمسلمين كافة ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا : بلى يا رسول الله قال : من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاده. ويلكم لاتجعلوا فقهاءكم أربابكم إن الله عزوجل

____________________

(١) بل سنتان فان غزوة مؤتة كانت سنة ثمان للهجرة.

١٤٥

يقول : «اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله» (١) ولم يصلوا لهم ولم يصوموا ولا زعموا أنهم آلهة ولكنهم أمروهم فأطاعوهم أفتوا بغير حق فضلوا وأضلوا أترى يا إسحاق حديث أنت مني بمنزلة هارون من موسى؟ قلت : نعم ، قال اروه فرويته قال : فهل يمكن أن يكون النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فرح بهذا القول؟ قلت : أعوذ بالله قال : أفما تعلم أن هارون من موسى أخوه لابيه وامه؟ قلت : بلى ، قال : فعلي أخو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لابيه وامه ، قلت : لا ، قال : أوليس هارون نبيا قلت : نعم ، قال : وعلي غيرنبي؟ قلت : بلى ، قال : فهذان معدومان في علي من الحال التي كانت في هارون فما معنى قوله لعلي : أنت مني بمنزلة هارون من موسى ، قلت له : انما أراد أن يطيب نفس علي لما قال المنافقون استخلفه استثقالا له قال : فأراد أن يطيب قلب علي بقول لا معنى له؟ فسكت.

فقال : إن له معنى في كتاب الله جل ثناؤه ظاهرا بينا قلت : وما هو؟ قال غلبت عليكم الاهواء والعماية ، هو قول الله عزوجل يخبر عن موسى حيث يقول «اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين» (٢) قلت : إن موسى استخلف هارون في قومه وهو حي ومضى إلى ربه ، وإن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله استخلف عليا عليه‌السلام حين خرج إلى غزوته قال : كلا ليس كما قلت : أخبرني عن موسى حين استخلف هارون هل كان معه حين ذهب إلى ربه أحد من أصحابه أو من بني إسرائيل؟ قلت : لا ، قال : أوليس استخلفه على جماعتهم؟ قلت : نعم ، قال : فأخبرني عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حين خرج إلى غزوته هل خلف إلا الضعفاء والنساء والصبيان فأنى يكون هذا مثل ذلك ، وما معنى الاستخلاف ههنا ، وعلى أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قد بين ذلك بقوله : إلا أنه لا نبي بعدي ، فقد كشف ذلك بأنه استخلفه من بعده على كل حال إلا على النبوة ، إذ كان خاتم النبيين صلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يكن قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ليبطل أبدا.

أتروي يا إسحاق حديث المباهلة؟ قلت : نعم ، قال : أتروي حديث الكساء؟

____________________

(١) براءة : ٣١.

(٢) الاعراف : ١٤٢.

١٤٦

قلت : نعم : قال ففكر في هذا أو هذا ، واعلم أي شئ فيهما؟ ثم قال : من ذا الذي تصدق وهو راكع؟ قلت : علي تصدق بخاتمه ، قال : أتعرف غيره؟ قلت : لا ، قال : فما قرأت «إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكوة وهم راكعون» (١) قلت : نعم.

قال : أفما في هذه الاية نص الله على علي بقوله : «إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكوة وهم راكعون» قلت : يا أميرالمؤمنين قد جمع بقوله : «الذين آمنوا» قال : القرآن عربي ونزل بلغات العرب ، والعرب تخاطب الواحد بخطاب الجمع ويقول الواحد : فعلنا وصنعنا ، وهو من كلام الملك والعالم والفاضل وكذلك قال الله «خلقنا السموات» (٢) وبنينا فوقكم سبعا (٣) «وهو الله الواحد ، وقال : جل ثناؤه حكاية من خطابه سبحانه قال :« رب ارجعون »(٤) ولم يقل ارجعني لهذه العلة.

ثم قال : يا إسحاق أوما علمت أن جماعة من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لما أشاد بذكر علي وبفضله ، وطوق أعناقهم ولايته وإمامته ، وبين لهم أنه خيرهم من بعده ، وأنه لا يتم لهم طاعة الله إلا بطاعته ، وكان في جميع ما فضله به نص على أنه ولي الامر بعده ، قالوا إنما ينطق النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عن هواه ، وقد أضله حبه بن عمه وأغواه ، وأطنبوا في القول سرا فانزل الله المطلع على السراير « والنجم إذا هوى * ما ضل صاحبكم وما غوى * وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى».

ثم قال : يا إسحاق إن الناس لا يريدون الدين إنما أرادوا الرياسة وطلب ذلك أقوام فلم يقدروا عليه بالدنيا ، فطلبوا ذلك بالدين ، ولا حرص لهم

____________________

(١) المائدة ٥٥.

(٢) في آيات عديدة.

(٣) النبأ : ١٢.

(٤) المؤمنون : ٩٩.

١٤٧

عليه ، ولا رغبة لهم فيه. أما تروي أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : يذاد قوم من أصحابي عن الحوض فأقول : يا رب أصحابي أصحابي فيقال لي : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، رجعوا القهقري ، قلت : نعم ، قال : ففكر في هذا فقال الناس ما أرادوا وطال المجلس وعلت الاصوات وارتفع الكلام.

فقال يحيى بن أكثم : يا أميرالمؤمنين قد أوضحت لمن أراد الله به الخير وبينت والله ما لا يقدر على أحد على دفعه ، فأقبل علينا فقال : ما تقولون؟ قلنا : كلنا يقول بقول أميرالمؤمنين وفقه الله ، قال : والله لولا أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قبل القول من الناس لم أكن لاقبله منكم ، اللهم أني قد نصحت اللهم إني قد أرشدت ، اللهم إني قد أخرجت الامر من عنقي اللهم إني أدين لك وأتقرب إليك بحب علي وولايته ، فنهضنا من عنده ، وكان هذا آخر مجلسنا منه (١).

٢٨ ـ كتاب البرهان : أخبرنا محمد بن الحسن قال : حدثنا الحسن بن خضر عن أبيه ، عن عثمان بن سهيل أن الرشيد أمر يحيى بن خالد أن يجمع المتكلمين في داره وأن يكون من وراء الستر من حيث يسمع كلامهم ولا يعلمهم بمكانه ، ففعل ذلك فسأل بيان الحروروي هشام بن الحكم فقال : أخبرني أصحاب علي وقت حكم الحكمين أي شئ كانوا؟ مؤمنين أم كافرين ، قال : كانوا ثلاثة أصناف : صنف مؤمنون وصنف مشركون ، وصنف ضلال ، فأما المؤمنون فالذين عرفوا إمامة علي عليه‌السلام من كتاب الله عزوجل ، ونص رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقليلا ما كانوا ، وأما المشركون فقوم مالوا إلى إمامة معاوية بصلح فأشركوا إذ جعلوا معاوية مع علي ، وأما الضلال فمن خرج على سبيل العصبية والحمية للقبايل والعشاير ، لا للدين.

قال : فما كان أصحاب معاوية؟ قال : ثلاثة أصناف صنف : كافرون ، وصنف مشركون ، وصنف ضلال ، فأما الكافرون فقوم قالوا : معاوية إمام وعلي لا يصلح فكفروا وجحدوا إماما من الله عزوجل ذكره ، ونصبوا إماما من غير الله ، وأما المشركون فقوم قالوا : معاوية إمام وعلي يصلح لولا قتل عثمان ، وأما الضلال

____________________

(١) روي المناظرة الصدوق في العيون ج ٢ ص ١٨٤ بغير هذه الالفاظ وهكذا ابن عبد ربه في العقد فراجع.

١٤٨

فقوم خرجوا على سبيل العصبية والحمية للقبايل والعشاير لا للدين.

قال : فانبرى له ضرار بن عمرو الضبي وكان من المعتزلة ممن يزعم أن عقد الامام ليس بفرض ولا واجب ، وإنما هي ندبة حسنة إن فعلوها جاز ، وإن لم يفعلوها جاز ، فقال : أسألك يا هشام قال : إذا تكون ظالما في السؤال ، قال : ولم؟ قال : لانكم مجمعون على رفع إمامة صاحبي ، وخلافي في الاصل ، وقد سألتم مسألة فيجب أن أسألكم قال له : سل قال : أخبرني عن الله عزوجل لو كلف الاعمى قراءة الكتب والنظر في المصاحف ، وكلف المقعد المشئ إلى المساجد والجهاد في سبيل الله ، وكلف ذوي الزمانات ما لا يوجد في وسعهم أكان جابرا أم عادلا؟ قال : لم يكن ليفعل ذلك ، قال : قد علمت أن الله عزوجل لا يفعل ذلك ، ولكني سألتك على طريق الجدل والخصومة لو فعل ذلك كان جابرا أم عادلا ، قال : بل جابرا قال : أصبت فخبرني الان هل كلف الله العباد من أمر الدين أمرا واحدا يسألهم عنه يوم القيامة لا اختلاف فيه؟ قال : نعم ، قال : فجعل لهم على ما أصابه ذلك دليلا فيكون داخلا في باب العدل؟ أم لا فيكون داخلا في باب الجور؟ فأطرق ضرار ساعة ثم رفع رأسه وقال : لابد من دليل ، وليس بصاحبك ، فتبسم هشام وقال : صرت إلى الحق ضرورة ولا خلاف بيني وبينك ، إلا في التسمية ، قال : فاني أرجع سائلا قال هشام : سل.

قال ضرار : كيف تعقد الامامة؟ قال : كما عقد الله عزوجل النبوة ، قال ضرار : فهو إذا نبي قال هشام : لا إن النبوة يعقدها بالملائكة والامامة بالانبياء ، فعقد النبوة إلى جبرئيل ، وعقد الامامة إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وكل من عقد الله ، قال ضرار : فما الدليل على ذلك الرجل بعينه إذا كان الامر إلى الله ورسوله.

قال : ثمانية أدلة أربعة في نعت نفسه ، وأربعة في نعت نسبه ، فأما التي في نعت نسبه فهو أن يكون مشهور الجنس ، مشهور النسب ، مشهور القبيلة ، مشهور البيت ، وأما التي في نعت نفسه فأن يكون أعلم الناس بدقيق الاشياء وجليلها ، معصوما من الذنوب صغيرها وكبيرها ، أسخى أهل زمانه ، وأشجع أهل زمانه.

١٤٩

فلما اضطر الامر إلى هذا لم نجد جنسا في هذا الخلق أشهر جنسا من العرب الذي منه صاحب الملة والدعوة المنادي باسمه على الصوامع في كل يوم خمس مرات فتصل دعوته إلى كل بر وفاجر ، وعالم وجاهل ، مقر ومنكر في شرق الارض وغربها ، ولو جاز أن يكون في غير هذا الجنس من الحبش والبربر والروم والخزر والترك والديلم لاتى على الطالب المرتاد دهر من عمره ولا يجد إلى وجوده سبيلا فلما لم يجب أن يكون إلا في هذا الجنس لهذه العلة وجب أن يكون من هذا الجنس إلا في هذا النسب ، ومن هذا النسب إلا في هذه القبيلة ، ومن هذه القبيلة إلا في هذا البيت ، وأن يكون من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إشارة إليه وإلا ادعاها جميع أهل هذا البيت وأما التي في نعت نفسه فهو كما وصفناه.

قال له عبدالله بن زيد الاباضي : لم زعمت أن الامام لا يكون إلا معصوما؟ قال : ان لم يكن معصوما لم يؤمن عليه أن يدخل في الذنوب والشهوات ، فيحتاج إلى من يقيم عليه الحدود ، كما يقيمها هو على ساير الناس ، وإذا استوت حاجة الامام وحاجة الرعية لم يكونوا بأحوج إليه منه إليهم ، وإذا دخل في الذنوب والشهوات لم يؤمن عليه أن يكتمها على حميمه وقرابته ونفسه ، فلا يكون فيه سد حاجة.

قال : فلم زعمت أنه أعلم الناس بدقيق الاشياء وجليلها؟ قال : لانه إذا لم يكن كذلك لم يؤمن عليه أن يؤمن أن يقلب الاحكام والسنن ، فمن وجب عليه الحد قطعه ، ومن وجب عليه القطع حده ، ومن وجب عليه الادب أطلقه ، ومن وجب عليه الاطلاق حبسه ، فيكون فسادا بلا صلاح.

قال : فلم زعمت أنه أسخى الناس؟ قال : لانه خازن المسلمين الذي يجتمع عنده أموال الشرق والغرب ، فان لم تهن عليه الدنيا بما فيها شح على أموالهم فأخذها.

قال : فلم قلت : أنه أشجع الناس؟ قال : لانه فئة المسلمين الذين يرجعون إليه والله تبارك وتعالى يقول : «ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو

١٥٠

متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله» (١) فلا يجوز أن يجبن الامام كما تجبن الامة ، فيبوء بغضب من الله ، وقد قلت : إنه معصوم ، ولابد في كل زمان من واحد بهذه الصفة.

فقال الرشيد لبعض الخدم : اخرج إليه فقل له : من في هذا الزمان بهذه الصفة؟ قال : أميرالمؤمنين صاحب القصر يعني الرشيد ، فقال الرشيد : والله لقد أعطاني من جراب فارغ ، وإني لاعلم إني لست بهذه الصفة ، فقال جعفر بن يحيى وكان معه داخل الستر ، إنما يعني موسى بن جعفر قال : ما عداها وقام يحيى بن خالد فدخل الستر فقال له الرشيد : يا يحيى من هذا الرجل؟ قال : من المتكلمين ، قال : ويحك مثل هذا باق ويبقى لي ملكي؟ والله للسان هذا أبلغ في قلوب العامة من مائة ألف سيف ، ما زال مكررا صفة صاحبه ونعته حتى هممت أن أخرج إليه ، فقال : تكفى يا أميرالمؤمنين.

وكان يحيى محبا لهشام مكرما له ، وعلم أن هشاما قد غلط على نفسه فخرج إليه فغمزه فقام هشام وترك رداءه ونهض كأنه يقضي حاجة وتهيأ له الخلاص فخرج من وقته إلى الكوفة ، فمات بها رحمه‌الله (٢). ٢٩ كتاب البرهان : أخبرنا أحمد بن سعيد قال : حدثنا محمد بن الفضل بن ربيعة الاشعري قال : حدثنا علي بن حسان قال : حدثنا عبدالرحمن ابن كثير ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن علي بن الحسين عليهم‌السلام قال : لما أجمع الحسن بن علي على صلح معاوية خرج حتى لقيه فلما اجتمعا قام معاوية خطيبا فصعد المنبر وأمر الحسن أن يقوم أسفل منه بدرجة ، ثم تكلم معاوية ، فقال : هذا الحسن بن علي رآني للخلافة أهلا ولم ير نفسه لها أهلا ، وقد أتانا ليبايع ، ثم قال : قم يا حسن ، فقام الحسن عليه‌السلام فخطب فقال : الحمد لله المستحمد بالالاء ، وتتابع النعماء ، وصارفات الشدايد والبلاء ، عند الفهماء وغير الفهماء المذعنين من عباده لامتناعه بجلاله وكبريائه وعلوه عن لحوق الاوهام ببقائه المرتفع عن كنه طيات

____________________

(١) الانفال : ١٦.

(٢) البرهان مخطوط ، وترى المناظرة في كمال الدين ج ٢ ص ٣١.

١٥١

المخلوقين من أن تحيط بمكنون غيبه ، رويات عقول الرائين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ربوبيته ، ووجوده وحدانيته ، صمدا لا شريك له فردا لا وتر معه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، اصطفاه وانتجبه وارتضاه ، فبعثه داعيا إلى الحق سراجا منيرا ، وللعباد مما يخافون نذيرا ، ولما يأملون بشيرا فنصح للامة ، وصدع بالرسالة ، وأبان لهم درجات العمالة شهادة عليها أموت وأحشر ، وبها في الاجلة اقرب واحبر.

وأقول معشر الملاء فاستمعوا ولكم أفئدة وأسماع فعوا ، إنا أهل بيت أكرمنا الله بالاسلام ، واختارنا واصطفانا واجتبانا ، فأذهب عنا الرجس وطهرنا تطهيرا والرجس هو الشك فلا نشك في الحق أبدا وطهرنا وأولادنا من كل [أفن وغية] مخلصين إلى آدم لم يفترق الناس فرقتين إلا جعلنا في خيرهما ، حتى بعث الله عزوجل محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله بالنبوة ، واختاره للرسالة ، وأنزل عليه كتابه.

ثم أمره بالدعاء إلى الله عزوجل ، فكان أبي رضوان الله عليه أول من استجاب لله ولرسوله ، وقد قال الله جل ثناؤه في كتابه المنزل على نبيه المرسل «أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه» (١) فرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بينة من ربه وأبي الذي يتلوه شاهد منه.

وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حين أمره أن يسير إلى أهل مكة ببرائة : سر بها يا علي فاني امرت أن لا يسير بها إلا أنا أو رجل مني فعلي من رسول الله ورسول الله منه ، وقال له حين قضى بينه وبين جعفر وبين زيد بن حارثة في ابنة حمزة وأما أنت يا علي فرجل مني وأنا منك ، وأنت ولي كل مؤمن بعدي فصدق [أبي] رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ووقاه بنفسه ، في كل موطن يقدمه رسول الله وفي كل شديدة ثقة منه وطمأنينة إليه ، لعلمه بنصيحته لله ولرسوله.

وأنه أقرب المقربين من الله ، ورسوله ، وقد قال الله عزوجل «السابقون

____________________

(١) هود : ١٧.

١٥٢

السابقون اولئك المقربون» (١) وكان أبي سابق السابقين إلى الله ورسوله و أقرب الاقربين وقد قال الله عزوجل «لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل اولئك أعظم درجة» (٢) فأبي كان أولهم إسلاما ، وأقدمهم هجرة وأولهم نفقة.

وقال : «والذين جاؤا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤف رحيم» (٣) فالناس من بعده من جميع الامم يستغفرون له بسبقهم إياهم إلى الايمان بنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يسبقه إلى الايمان أحد وقد قال الله عزوجل : «السابقون الاولون من المهاجرين والانصار الذين إتبعوهم باحسان» (٤) لجميع السابقين وهو سابقهم وكما أن الله عزوجل [فضل السابقين] على المتخلفين ، فكذلك فضل سابق السابقين على السابقين.

وقال تعالى «أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله ورسوله وجاهد في سبيل الله لا يستون عند الله» (٥) فكان أبي المؤمن بالله واليوم الاخر والمجاهد في سبيل الله وفيه نزلت هذه الاية ، واستجاب رسول الله عمه حمزة وابن عمه جعفر [فقتلا شهيدين في قتلى] كثيرة معهما فجعل الله حمزة سيد الشهداء من بينهم ، وجعل جناحين لجعفر يطير بهما مع [الملائكة] في الجنان كيف يشاء وذلك لمكانهما من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولمنزلتهما هذه ولقرابتهما منه ، وصلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على حمزة سبعين صلاة من بين [الشهداء الذين استشهدوا] معه.

وجعل لنساء النبي أجرين [للمحسنة منهن وللمسيئة منهن وزرين

____________________

(١) الواقعة : ١١١٠.

(٢) الحديد : ١٠.

(٣) الحشر : ١٠.

(٤) براءة : ١٠٠.

(٥) براءة : ١٩.

١٥٣

ضعفين (١) لمكانهن من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وجعل الصلاة في مسجد رسول الله بألف صلاة في سائر] المساجد إلا مسجد خليله إبراهيم عليه‌السلام بمكة لمكان رسول الله من ربه و لفضيلته وعلم رسول الله المؤمنين الصلاة على محمد وعلى آل [محمد ، فأخذ] من كل مسلم أن يصلي علينا مع الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فريضة واجبة ، وأحل الله عزوجل الغنيمة لرسوله وأحلها لنا معه. وحرم عليه الصدقة وحرم علينا معه ، كرامة أكرمنا الله بها ، وفضيلة فضلنا بها على ساير العباد.

وقال تبارك وتعالى لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله حيث جحده أهل الكتاب : «قل تعالوا ندع أبنائنا وأبنائكم ونسائنا ونسائكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين» (٢) فأخرج رسول الله من الانفس هو وأبي ، ومن البنين أنا وأخي ومن النساء أمي فاطمة ، فنحن أهله ، ونحن منه وهو منا ، وقد قال تبارك وتعالى : «إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا» (٣) فلما نزلت آية التطهير جمعنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنا وأخي وامي وأبي فجللنا وجلل نفسه في كساء لام سلمة خيبري في يومها فقال : « اللهم هؤلاء أهل بيتي وعترتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، فقالت ام سلمة : أدخلني معهم يا رسول الله ، فقال لها : أنت على خير ولكنها خاصة لي ولهم.

ثم مكث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بقية عمره حتى قبضه الله إليه يأتينا في كل يوم عند طلوع الفجر ، فيقول : الصلاة يرحمكم الله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ، وأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بسد الابواب التي في مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله غير بابنا ، فكلموه فقال : أما إني لم اسد بابكم ولم أفتح بابه ولكن الله أمر بسدها وفتح بابه ، ولم يكن أحد تصيبه جنابة في مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ويولد له الاولاد غير رسول الله وأبي علي بن أبي طالب

____________________

(١) راجع الاحزاب : ١٣ و ٣٢.

(٢) آل عمران : ٦١. (٣) الاحزاب : ٣٣.

١٥٤

تكرمة من الله لنا ، وفضيلة اختصنا بها على جميع الناس ، وقد رأيتم مكان أبي من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ومنزلنا من منازل رسول الله ، أمره الله أن يبني المسجد فابتنى فيه عشرة أبيات تسعة لنبيه ولابي العاشر ، وهو متوسطها ، والبيت هو المسجد وهو البيت الذي قال الله عزوجل : «أهل البيت» فنحن أهل البيت ، ونحن [الذين] أذهب الله عنا الرجس وطهرنا تطهيرا.

أيها الناس إني لو قمت سنة أذكر الذي أعطاه الله وخصنا به من الفضل في كتابه ، وعلى لسان نبيه لم أحصه كله ، وإن معاوية زعم إني رأيته للخلافة أهلا ولم أر نفسي لها أهلا وكذب دعواه وإني أولى الناس بالناس في كتاب الله على لسان رسوله غير أنا لم نزل أهل البيت مظلومين منذ قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فالله بيننا وبين من ظلمنا حقنا ، ونزل على رقابنا ، وحمل الناس على أكتافنا ، ومنعنا سهمنا في كتاب الله عزوجل من الفئ والمغانم ، ومنع امنا فاطمة عليها‌السلام ميراثها من أبيها.

إنا لا نسمي أحدا ولكن اقسم بالله لو أن الناس منعوا أبي وحموه وسمعوا وأطاعوا لاعطتهم السماء قطرها ، والارض بركتها ، ولما طمعت فيها يا معاوية ولكنها لما خرجت من معدنها تنازعتها قريش ، وطمعت أنت فيها ، يا معاوية وأصحابك وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما ولت أمه أمرها رجلا قط ، وفيهم من هو أعلم منه إلا لم يزل أمرهم يذهب سفالا حتى يرجعوا إلى ما تركوا ، وقد تركت بنوا إسرائيل هارون ، وعكفوا على العجل ، وهم يعلمون أنه خليفة موسى فيهم ، وقد تركت الامة أبي وتابعت غيره ، وقد سمعوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ، وقد رأوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حيث نصبه بغدير خم ونادى له بالولاية على المؤمنين ثم أمرهم أن يبلغ الشاهد الغائب وقد هرب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من قومه إلى الغار ، وهو يدعوهم ، فلما لم يجد عليهم أعوانا هرب ، وقد كف أبي يده وناشدهم واستغاث فلم يغث ، ولم يجد أعوانا عليهم ولو وجد أعوانا عليهم ما أجابهم ، وقد جعل في سعة كما جعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله

١٥٥

في سعة حين هرب إلى الغار ، إذ لم يجد أعوانا.

وقد خذلتني الامة. فبايعتك ، ولو وجدت عليك أعوانا ما بايعتك ، وقد جعل الله هارون في سعة حين استضعفوه وعادوه ، وكذلك أنا وأبي في سعة من الله عزوجل حين تركتنا الامة ، وبايعت غيرنا ، ولم نجد أعوانا ، وإنما هي السنن والامثال يتبع بعضها بعضا.

أيها الناس لو التمستم بين المشرق والمغرب أن تجدوا رجلا أبوه وصي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وجده نبي الله غيري وغير أخي لم تجدوا ، فاتقوا الله ولا تضلوا بعد البيان ، وإني قد بايعت هذا ولا أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين.

أيها الناس أنه لا يعاب إحد بترك حقه ، وإنما يعاب من يأخذها ما ليس له وكل صواب نافع ، وكل خطأ غير ضار ، وقد انتهت القضية إلى داود ففهمها سليمان ، فنفعت سليمان ولم تضر داود ، وأما القرابة فقد نفعت المشرك وهي للمؤمن أنفع ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعمه أبي طالب في الموت قل : لا إله إلا الله أشفع لك بها يوم القيامة ، ولم يكن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول له ، إلا ما يكون منه على يقين ، وليس ذلك لاحد من الناس لقول الله عزوجل : «وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الان ولا الذين يموتون وهم كفار اولئك أعتدنا لهم عذابا أليما» (١).

أيها الناس اسمعوا وعوا ، واتقوا الله وارجعوا ، وهيهات منكم الرجعة إلى الحق وقد خامركم الطغيان والجحود ، والسلام على من اتبع الهدى (٢).

____________________

(١) النساء : ١٨.

(٢) البرهان مخطوط وترى الحديث في أمالي الشيخ ج ٢ ص ١٧٤ مع اختلاف ، واعلم أنه قال الشهيد الثاني رحمه‌الله في رسالة حقائق الايمان : اعلم أن جمعا من علماء الامامية حكموا بكفر أهل الخلاف : والاكثر على الحكم باسلامهم ، فان أرادوا بذلك كونهم كافرين في نفس الامر ، لا في الظاهر ، فالظاهر أن النزاع لفظي ، اذ القائلون باسلامهم يريدون ما ذكرناه من الحكم بصحة جريان أكثر أحكام المسلمين عليهم في الظاهر لا أنهم مسلمون في نفس الامر فلذا نقلوا الاجماع على دخولهم في النار ، وان أرادوا بذلك

١٥٦

١٠٢

( باب )

* «( المستضعفين والمرجون لامر الله )» *

الايات : النساء : إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا * فاولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا (١).

التوبة : وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم. إلى قوله تعالى : وآخرون مرجون لامر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم والله عليم حكيم (٢) الاية.

١ ـ فس : عن يحيى بن أبي عمران ، عن يونس ، عن حماد ، عن ابن الطيار عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : سألته عن المستضعف فقال : هو الذي لا يستطيع حيلة الكفر فيكفر ، ولا يهتدي سبيلا إلى الايمان [فيؤمن] لا يستطيع أن يؤمن ولا يستطيع أن يكفر ، فهم الصبيان ومن كان من الرجال والنساء على مثل عقول الصبيان ومن رفع عنه القلم (٣).

٢ ـ فس : بهذا الاسناد قال : قال أبوعبدالله عليه‌السلام : المرجون لامر الله قوم كانوا مشركين قتلوا حمزة وجعفر وأشباههما من المؤمنين ثم دخلوا بعده في الاسلام ، فوحدوا الله وتركوا الشرك ، ولم يعرفوا الايمان بقلوبهم ، فيكونوا من المؤمنين فتجب لهم الجنة ، ولم يكونوا على جحودهم فيجب لهم النار ، فهم على

____________________

كونهم كافرين باطنا وظاهرا فهو ممنوع ، ولا دليل عليه ، بل الدليل قائم على اسلامهم ظاهرا كقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أمرت أن اقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله».

(١) النساء : ٩٨ ٩٩.

(٢) براءة : ١٠٢ ١٠٦.

(٣) تفسير القمي ص ١٣٧.

١٥٧

تلك الحالة مرجون لامر الله ، إما يعذبهم وإما يتوب عليهم (١).

٣ ـ فس : أبي ، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب ، عن ضريس الكناسي ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : قلت له : جعلت فداك ما حال الموحدين المقرين بنبوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله من المسلمين المذنبين الذين يموتون وليس لهم إمام ، ولا يعرفون ولايتكم؟ فقال : أما هؤلاء فإنهم في حفرهم لا يخرجون منها فمن كان له عمل صالح ولم يظهر منه عداوة فانه يخد له خدا إلى الجنة التي خلقها الله بالمغرب فيدخل عليه الروح في حفرته إلى يوم القيامة حتى يلقى الله فيحاسبه بحسناته وسيئاته فإما إلى الجنة ، وإما إلى النار ، فهؤلاء الموقوفون لامر الله. قال عليه‌السلام : وكذلك يفعل بالمستضعفين والبله والاطفال وأولاد المسلمين ، الذين لم يبلغوا الحلم.

وأما النصاب من أهل القبلة فانهم يخد لهم خدا إلى النار التي خلقها الله في المشرق ، فيدخل عليهم اللهب والشرر والدخان ، وفورة الحميم «ثم» بعد ذلك مصيرهم إلى الجحيم «في النار يسجرون * ثم قيل لهم أينما كنتم تشركون من دون الله» (٢) أي أين إمامكم الذي اتخذتموه دون الامام الذي جعله الله للناس إماما (٣).

٤ ـ ل : ماجيلويه ، عن محمد العطار ، عن الاشعري ، عن سهل ، عن الحسين بن سعيد ، عن ابن أبي عمير ، عن حماد ، عن الحلبي ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : الناس على ست فرق : مستضعف ، ومؤلف ، ومرجئ ، ومعترف بذنبه ، وناصب ومؤمن (٤).

٥ ـ ل : القطان : عن ابن زكريا ، عن ابن حبيب ، عن محمد بن عبدالله ، عن

____________________

(١) تفسير القمي ص ٥٨٨.

(٢) المؤمن : ٧٣.

(٣) تفسير القمي ص ٥٨٨.

(٤) الخصال ج ١ ص ١٦٢.

١٥٨

على بن الحكم ، عن أبان بن عثمان ، عن محمد بن الفضيل الزرقي ، عن أبي عبدالله عن آبائه ، عن علي عليهم‌السلام قال : إن للجنة ثمانية أبواب باب يدخل منه النبيون والصديقون ، وباب يدخل منه الشهداء والصالحون ، وخمسة أبواب يدخل منه شيعتنا ومحبونا ، وباب يدخل منه سائر المسلمين ممن يشهد أن لا إله إلا الله ولم يكن في قلبه مقدار ذرة من بغضنا أهل البيت. الخبر (١).

٦ ـ ل : في خبر الاعمش ، عن الصادق عليه‌السلام : أصحاب الحدود فساق لا مؤمنون ولا كافرون ، ولا يخلدون في النار ، ويخرجون منها يوما ما ، والشفاعة لهم جايزة وللمستضعفين إذا ارتضى الله دينهم (٢).

ن : فيما كتب الرضا عليه‌السلام للمأمون مثله (٣).

٧ ـ مع : ابن مسرور ، عن ابن عامر ، عن عمه ، عن الحسن بن علي بن فضال ، عن ثعلبة ، عن عمر بن أبان ، عن الصباح بن سيابة ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : إن الرجل ليحبكم وما يدري ما تقولون ، فيدخله الله الجنة ، وإن الرجل ليبغضكم وما يدري ما تقولون ، فيدخله الله النار الخبر (٤).

٨ ـ مع : أبي وابن الوليد معا ، عن الحميري ، عن ابن أبي الخطاب عن نضر بن شعيب ، عن عبدالغفار الجازي ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : إن المستضعفين ضروب يخالف بعضهم بعضا ، ومن لم يكن من أهل القبلة ناصبا فهو مستضعف (٥).

٩ ـ مع : ابن الوليد ، عن أبن أبان ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر وفضالة معا ، عن موسى بن بكر ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : سألته

____________________

(١) الخصال ج ٢ ص ٣٩.

(٢) الخصال ج ٢ ص ١٥٤.

(٣) عيون الاخبار ج ٢ ص ١٢٥.

(٤) معاني الاخبار ص ٣٩٢.

(٥) معاني الاخبار ص ٢٠٠.

١٥٩

عن قول الله عزوجل : «إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان» (١) فقال : هو الذي لا يستطيع الكفر فيكفر ، ولا يهتدي سبيل الايمان فيؤمن والصبيان ومن كان من الرجال والنساء على مثل عقول الصبيان مرفوع عنهم القلم (٢).

١٠ ـ مع : أبي وابن الوليد معا ، عن سعد ، عن ابن عيسى ، عن الوشا عن أحمد بن عائذ ، عن أبي خديجة ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قي قوله عزوجل : «إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا» فقال : لا يستطيعون حيلة إلى النصب فينصبون ، ولايهتدون سبيل أهل الحق فيدخلون فيه ، وهؤلاء يدخلون الجنة باعمال حسنة ، وباجتناب المحارم التي نهى الله عزوجل عنها ، ولا ينالون منازل الابرار (٣).

١١ ـ مع : ابن الوليد ، عن الصفار ، عن ابن عيسى ، عن علي بن الحكم عن عبدالله بن جندب ، عن سفيان بن السمط قال : قلت لابي عبدالله عليه‌السلام : ما تقول في المستضعفين؟ فقال لي شبها بالمفزع : وتركتم أحدا يكون مستضعفا؟ وأين المستضعفون؟ فوالله لقد مشى بأمركم هذا العواتق [إلى العواتق] في خدورهن وتحدث به السقايات بطرق المدينة (٤).

١٢ ـ مع : أبي ، عن أحمد بن إدريس ، عن الاشعري ، عن إبراهيم بن إسحاق [عن عمرو بن إسحاق] قال : سئل أبوعبدالله عليه‌السلام ما حد المستضعف الذي ذكره الله عزوجل؟ قال : من لا يحسن سورة من القرآن ، وقد خلقه الله عزوجل خلقة ما ينبغي له أن لا يحسن (٦).

١٣ ـ مع : ابن الوليد ، عن ابن أبان ، عن الحسين بن سعيد ، عن صفوان ابن يحيى ، عن حجر بن زايدة ، عن حمران ، قال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلام عن قول

____________________

(١) النساء : ٩٨.

(٢ ٤) معاني الاخبار ص ٢٠١.

(٥) ما بين العلامتين زيادة من المصدر.

(٦) معاني الاخبارص ٢٠٢.

١٦٠