بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤١١
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

علي بن عقبة ، عن أبي كهمش ، عن عمرو بن سعيد بن هلال قال : قلت لابي عبدالله عليه‌السلام : أوصني قال : اوصيك بتقوى الله ، والورع والاجتهاد ، واعلم أنه لا ينفع اجتهاد لا ورع فيه (١).

١١ ـ كا : عن محمد ، عن أحمد ، عن علي بن الحكم ، عن سيف بن عميرة ، عن أبي الصباح الكناني ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : أعينونا بالورع ، فانه من لقي الله عزوجل منكم بالورع كان له عند الله فرجا ، إن الله عزوجل يقول : « ومن يطع الله ورسوله فاولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا » (٢) فمنا النبي ، ومنا الصديق ، والشهداء والصالحون (٣).

تبيان « أعينونا بالورع » إشارة إلى أن الائمة عليهم‌السلام متكفلون لنجاة شيعتهم من العذاب ، فكلما كان ورعهم أشد وأكمل ، كانت الشفاعة عليهم أسهل ، فالورع إعانة لهم عليهم‌السلام على ذلك ، فان قلت : مع الورع أي حاجة إلى الشفاعة ، فانه يجب عليه سبحانه بمقتضى وعده إدخالهم الجنة وإبعادهم من العذاب؟ قلت : يحتمل أن يكون المراد عدم تجشم الشفاعة أو يكون الورع ترك المعاصي فقط ، فلا ينافي الاحتياج إلى الشفاعة للتقصير في الواجبات ، أو يكون المراد بالورع ترك الكبائر أو أعم من ترك كل المعاصي أو بعضها ، مع أنه لا استبعاد في الحاجة إلى الشفاعة مع فعل الطاعات وترك المعاصي لسرعة دخول الجنة أو التخلص من أهوال القيامة أو عدم الحساب أو تخفيفه.

« كان له عند الله فرجا » اسم كان الضمير المستتر الراجع إلى الورع ، وقيل : إلى اللقاء « وفرجا » بالجيم خبره ، وربما يقرأ بالحاء المهملة ، وعلى التقديرين التنوين للتعظيم « من يطع الله ورسوله » في سورة النساء « والرسول » وكأنه نقل

____________________

(١) الكافي ج ٢ ص ٧٨.

(٢) النساء : ٦٩.

(٣) الكافي ج ٢ ص ٧٨.

٣٠١

بالمعنى ، مع الاشارة إلى مافي سورة النور « ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فاولئك هم الفائزون » (١) وإطاعة الله والرسول لاتكون إلا مع الورع فالاستشهاد لذلك ، وقيل : المراد بطاعة الله ورسوله إطاعتهما في الاعتقاد بامامة أئمة الهدى عليهم‌السلام وإن كان مع المعاصي فالاستشهاد للشفاعة.

« فمنا » أي من بني هاشم وكان المراد بالصديق أمير المؤمنين عليه‌السلام وبالشهداء الحسنان عليهما‌السلام أو الحسين وبالصالحين باقي الائمة عليهم‌السلام ، أو المراد بالشهداء جميع الائمة عليهم‌السلام وبالصالحين شيعتهم ، وقد فسرت الآية بالوجهين في الاخبار.

١٢ ـ كا : عن علي ، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : إنا لانعد الرجل مؤمنا حتى يكون لجميع أمرنا متبعا ومريدا ألا وإن من اتباع أمرنا وإرادته الورع ، فتزينوا به يرحمكم الله وكيدوا أعداءنا به ينعشكم الله (٢).

بيان : « إنا لانعد الرجل مؤمنا » هذا أحد معاني الايمان التي مضت « مريدا » أي لجميع أمرنا « يرحمكم الله » جواب الامر أو جملة دعائية وكذا قوله « ينعشكم الله » يحتمل الوجهين « وكيدوا به » في أكثر النسخ بالياء المثناة أي حاربوهم بالورع لتغلبوا أو ادفعوا به كيدهم ، سمي كيدا مجازا أي الورع يصير سببا لكف ألسنتهم عنكم ، وترك ذمهم لكم ، أو احتالوا بالورع ليرغبوا في دينكم كما مر في قوله عليه‌السلام « كونوا دعاة » الخ وكأنه أظهر.

وفي بعض النسخ بالياء الموحدة المشددة من الكبد بمعنى الشدة والمشقة أي أوقعوهم في الالم والمشقة لانه يصعب عليهم ورعكم ، والاول أكثر وأظهر « ينعشكم الله » أي يرفعكم الله في الدنيا والآخرة ، في القاموس نعشه الله كمنعه رفعه كأنعشه ونعشه ، وفلانا جبره بعد فقر ، والميت ذكره ذكرا حسنا.

____________________

(١) النور : ٥٢. (٢) الكافى ج ٢ ص ٧٨.

٣٠٢

١٣ ـ كا : عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحجال ، عن العلا ، عن ابن أبي يعفور قال : قال أبو عبدالله عليه‌السلام : كونوا دعاة للناس بغير ألسنتكم ، ليروا منكم الورع والاجتهاد والصلاة والخير ، فان ذلك داعية (١).

ايضاح : « فان ذلك داعية » أي للمخالفين إلى الدخول في دينكم كما مر والتاء للمبالغة ، وسيأتي هذا الخبر في باب الصدق بأدنى تفاوت في السند والمتن (٢) وفيه الصدق مكان الصلاة.

١٤ ـ كا : عن الحسين بن محمد ، عن علي بن محمد بن سعد ، عن محمد بن مسلم عن محمد بن حمزة العلوي قال أخبرني عبيد الله بن علي ، عن أبي الحسن الاول عليه‌السلام قال : كثيرا ماكنت أسمع أبي يقول : ليس من شيعتنا من لايتحدث المخدرات بورعه في خدورهن ، وليس من أوليائنا من هو في قرية فيها عشرة آلاف رجل فيهم من خلق الله أورع منه (٣).

بيان : في القاموس الخدر بالكسر ستر يمد للجارية في ناحية البيت ، وكل ماواراك من بيت ونحوه والجمع خدور وأخدار ، وبالفتح إلزام البنت الخدر كالاخدار والتخدير ، وهي مخدور ومخدرة ، ومخدرة انتهى (٤) والمعنى اشتهر ورعه بحيث تتحدث النساء المستورات غير البارزات بورعه في بيوتهن ، وقيل إنه يدل على أن إظهار الصلاح ليشتهر أمر مطلوب ، ولكن بشرط أن لايكون لقصد الرياء والسمعة بل لغرض صحيح ، مثل الاقتداء به ، والتحفظ من نسبة الفسق إليه ونحوهما وفيه نظر.

١٥ ـ مع : أبي ، عن سعد ، عن الاصبهاني ، عن المنقري ، عن فضيل بن عياض ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال قلت له : من الورع من الناس؟ فقال : الذي يتورع عن محارم الله ، ويجتنب هؤلاء ، وإذا لم يتق الشبهات وقع في الحرام ، وهو لايعرفه

____________________

(١) الكافي ج ٢ ص ٧٨.

(٢) الكافى ج ٢ ص ١٠٥.

(٣) الكافى ج ٢ ص ٧٩.

(٤) القاموس : ج ٢ ص ١٨.

٣٠٣

وإذا رأى المنكر ولم ينكره وهو يقوى عليه ، فقد أحب أن يعصى الله ، ومن أحب أن يعصى الله فقد بارز الله بالعداوة ، ومن أحب بقاء الظالمين فقد أحب أن يعصى الله إن الله تبارك وتعالى حمد نفسه على هلاك الظلمة فقال « فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين » (١).

فس : أبي ، عن الاصبهاني الحديث (٢).

١٦ ـ مع : في خبر أبي ذر : ياباذر لا عقل كالتدبير ولا ورع كالكف ولا حسب كحسن الخلق (٣).

١٧ ـ لى (٤) مع : سئل أمير المؤمنين عليه‌السلام أي الاعمال أفضل عند الله؟ قال التسليم والورع (٥).

١٨ ـ ل : أبي ، عن علي ، عن أبيه ، عن عبدالله بن ميمون ، عن الصادق عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : فضل العلم أحب إلى الله عزوجل من فضل العبادة ، وأفضل دينكم الورع (٦).

١٩ ـ ل : أبي ، عن محمد العطار ، عن الاشعري ، عن أبي عبدالله الرازي ، عن علي بن سليمان بن رشيد ، عن موسى بن سلام ، عن أبان بن سويد ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : قلت : ما الذي يثبت الايمان في العبد؟ قال : الذي يثبته فيه الورع والذي يخرجه منه الطمع (٧).

٢٠ ـ ل : الخليل بن أحمد ، عن أبي منيع ، عن هارون بن عبدالله ، عن

____________________

(١) معاني الاخبار ص ٢٥٢ ، والاية في الانعام : ٤٤.

(٢) تفسير القمي ص ١٨٨.

(٣) معاني الاخبار ص ٣٣٥.

(٤) أمالي الصدوق ص ٢٣٨.

(٥) معاني الاخبار ص ١٩٩.

(٦) الخصال ج ١ ص ٦.

(٧) الخصال ج ١ ص ٨.

٣٠٤

سليمان بن عبدالرحمان ، عن خالد بن أبي خالد الارزق ، عن محمد بن عبدالرحمان وأظنه ابن أبي ليلى ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : أفضل العبادة الفقه وأفضل الدين الورع (١).

٢١ ـ ل : فيما أوصى به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عليا عليه‌السلام : يا علي ثلاث من لم تكن فيه لم يقم له عمل : ورع يحجزه عن معاصي الله عزوجل ، وخلق يداري به الناس ، وحلم يرد به جهل الجاهل (٢).

سن : أبي ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن الصادق ، عن آبائه عليهم‌السلام عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله مثله (٣).

٢٢ ـ ل : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : كف عن محارم الله تكن أورع الناس.

٢٣ ـ لى : العطار ، عن أبيه ، عن الاشعري ، عن البرقي ، عن أبيه ، عن يونس ، عن عبدالله بن سنان ، عن الصادق ، عن آبائه ، عن الحسين بن علي عليهم‌السلام قال : سئل أمير المؤمنين صلوات الله عليه ماثبات الايمان؟ فقال : الورع ، فقيل له مازواله؟ قال : الطمع (٤).

٢٤ ـ لى : في خطبة الوسيلة : لا معقل أحرز من الورع (٥).

٢٥ ـ ل : ماجيلويه ، عن عمه ، عن البرقي ، عن ابن معروف ، عن أبي شعيب رفعه إلى أبي عبدالله عليه‌السلام قال أورع الناس من وقف عند الشبهة ، أعبد الناس من أقام الفرائض ، أزهد الناس من ترك الحرام ، أشد الناس اجتهادا من ترك

____________________

(١) الخصال ج ١ ص ١٧.

(٢) الخصال ج ١ ص ٦٢.

(٣) المحاسن ص ٦.

(٤) أمالي الصدوق ص ١٧٤.

(٥) أمالي الصدوق ص ١٩٣.

٣٠٥

الذنوب (١).

٢٦ ـ ما : ابن الحمامي ، عن أحمد بن محمد بن عبدالله ، عن إسماعيل بن محمد ابن أبي كثير ، عن علي بن إبراهيم ، عن السرى بن عامر قال : صعد النعمان بن بشير ، على المنبر بالكوفة ، فحمد الله وأثنى عليه وقال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : إن لكل ملك حمى وإن حمى الله حلاله وحرامه ، والمشتبهات بين ذلك كما لو أن راعيا رعى إلى جانب الحمى لم تلبث غنمه أن تقع في وسطه فدعوا المشتبهات (٢).

٢٧ ـ جا ، ما : المفيد ، عن ابن قولويه ، عن سعد ، عن ابن عيسى ، عن يونس ، عن كليب بن معاوية ، عن الصادق عليه‌السلام قال : أم والله إنكم لعلى دين الله و ملائكته ، فأعينونا على ذلك بورع واجتهاد ، عليكم بالصلاة والعبادة ، عليكم بالورع (٣).

٢٨ ـ ما : المفيد ، عن الحسين بن أحمد بن أبي المغيرة ، عن حيدر بن محمد ، عن أبي عمرو الكشي ، عن جعفر بن أحمد ، عن أيوب بن نوح ، عن نوح بن دراج ، عن إبراهيم المحاربي ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام أنه قال : اتقوا الله اتقوا الله عليكم بالورع و صدق الحديث وأداء الامانة وعفة البطن والفرج تكونوا معنا في الرفيع الاعلى (٤).

٢٩ ـ ما : الفحام ، عن المنصوري ، عن عم أبيه ، عن أبي الحسن الثالث عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال الصادق عليه‌السلام : عليكم بالورع فانه الدين الذي نلازمه و ندين الله به ، ونريده ممن يوالينا ، لاتتعبونا بالشفاعة (٥).

٣٠ ـ ل : الاربعمائة (٦) قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : من أحبنا فليعمل بعملنا

____________________

(١) الخصال ج ١ ص ١١.

(٢) أمالي الطوسي ج ١ ص ٣٩٠.

(٣) أمالي الطوسي ج ١ ص ٣١.

(٤) أمالي الطوسي ج ١ ص ٢٢٦.

(٥) أمالي الطوسي ج ١ ص ٢٨٧.

(٦) الخصال ج ٢ ص ١٥٥.

٣٠٦

وليستعن بالورع ، فانه أفضل مايستعان به في أمر الدنيا والآخرة.

٣١ ـ ل : عن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : شكر كل نعمة الورع عما حرم الله (١).

٣٢ ـ ثو : ابن الوليد ، عن الصفار ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن إبراهيم الكرخي ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : سمعته يقول : لايجمع الله عزوجل لمؤمن الورع والزهد في الدنيا إلا رجوت له الجنة (٢).

٣٣ ـ ثو : أبي ، عن سعد ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن أبي أيوب عن الوصافي ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : كان فيما ناجى الله به موسى عليه‌السلام أن ياموسى أبلغ قومك أنه ما تعبد لي المتعبدون بمثل الورع عن محارمي ، قال موسى : فماذا أثبتهم على ذلك؟ قال : إني افتش الناس عن أعمالهم ولا افتشهم حياء منهم (٣).

اقول : تمامه في باب الزهد.

٣٤ ـ سن : أبي ، عن ابن سنان ، عن أبي الجارود ، عن أبي عبيدة ، عن أبي جميلة ، عن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : أيها الناس لاخير في دين لاتفقه فيه ، ولا خير في دنيا لاتدبير فيها ، ولا خير في نسك لا ورع فيه (٤).

٣٥ ـ مص : قال الصادق عليه‌السلام : اغلق أبواب جوارحك عما يرجع ضرره إلى قلبك ، ويذهب بوجاهتك عند الله ، وتعقب الحسرة والندامة يوم القيامة ، والحياء عما اجترحت من السيآت ، والمتورع يحتاج إلى ثلاثة اصول : الصفح عن عثرات الخلق أجمع ، وترك خوضه (٥) فيهم ، واستواء المدح والذم.

وأصل الورع دوام المحاسبة ، وصدق المقاولة ، وصفاء المعاملة ، والخروج من كل شبهة ، ورفض كل ( عيبة و ) ريبة ، ومفارقة جميع مالايعنيه ، وترك فتح أبواب لايدري كيف يغلقها ، ولا يجالس من يشكل عليه الواضح ، ولا يصاحب مستخفي

____________________

(١) الخصال ج ١ ص ١١.

(٢) ثواب الاعمال ص ١٢١ ويأتى تمامه في ص ٣١٤.

(٣) ثواب الاعمال ص ١٥٦.

(٤) المحاسن ص ٥.

(٥) خطيئته خ ل كما في المصدر.

٣٠٧

الدين ، ولا يعارض من العلم مالا يحتمل قلبه ، ولا يتفهمه من قائل ، ويقطع من يقطعه عن الله (١).

٣٦ ـ سر : من كتاب حريز ، عن الفضيل ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : قال لي : يافضيل أبلغ من لقيت من موالينا عنا السلام ، وقل لهم إني لا اغني عنهم من الله شيئا إلا بالورع ، فاحفظوا ألسنتكم وكفوا أيديكم ، وعليكم بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين.

٣٧ ـ ما : ابن الصلت ، عن ابن عقدة ، عن محمد بن عيسى الضرير ، عن محمد ابن زكريا المكي ، عن كثير بن طارق ، عن زيد بن علي ، عن أبيه عليه‌السلام قال : الورع نظام العبادة ، فاذا انقطع الورع ذهبت الديانة ، كما أنه إذا انقطع السلك اتبعه النظام (٢).

٣٨ ـ مشكوة الانوار : نقلا من كتاب المحاسن عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : اتقوا الله وصونوا دينكم بالورع.

وعنه عليه‌السلام قال : لاينفع اجتهاد لا ورع فيه.

وعنه عليه‌السلام قال : لن أجدى أحد عن أحد شيئا إلا بالعمل ولن تنالوا ما عند الله إلا بالورع (٣).

وعن أبي جعفر عليه‌السلام قال : قال الله عزوجل : يا ابن آدم اجتنب ماحرمت عليك تكن من أورع الناس.

وسئل الصادق عليه‌السلام من الاورع من الناس؟ قال : الذي يتورع عن محارم الله.

وعن الباقر عليه‌السلام قال : عليك بتقوى الله والاجتهاد في دينك واعلم أنه لايغني عنك اجتهاد ليس معه ورع.

وعن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : فيما ناجى الله تبارك وتعالى به موسى صلوات الله

____________________

(١) مصباح الشريعة ص ٢٣.

(٢) أمالي الطوسي ج ٢ ص ٣١٤.

(٣) مشكاة الانوار ص ٤٤ ومعنى لن أجدى أى ما أغنى أبدا.

٣٠٨

عليه ياموسى ماتقرب إلى المتقربون بمثل الورع عن محارمي فاني أمنحهم جنات عدني لا اشرك معهم أحدا (١).

ومنه نقلا من كتاب صفات الشيعة عن ابن أبي يعفور قال : قال لي أبوعبدالله عليه‌السلام : كونوا دعاة الناس بغير ألسنتكم ليروا منكم الاجتهاد والصدق والورع وعن خيثمة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : دخلت عليه لاودعه فقال : أبلغ موالينا السلام عنا ، وأوصهم بتقوى الله العظيم ، وأعلمهم ياخيثمة أنا لانغني عنهم من الله شيئا إلا بعمل ، ولن ينالوا ولايتنا إلا بورع ، وإن أشد الناس حسرة يوم القيامة من وصف عدلا ثم خالفه إلى غيره (٢).

٥٨

* ( باب ) *

الزهد ودرجاته

الايات : آل عمران : لكيلا تحزنوا على مافاتكم ولا ما أصابكم (٣).

طه : ولا تمدن عينيك إلى مامتعنا به أزواجا منهم زهرة الحيوة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى (٤).

الحديد : ما أصاب من مصيبة في الارض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير * لكيلا تأسوا على مافاتكم ولاتفرحوا بما آتاكم والله لايحب كل مختال فخور (٥).

١ ـ مع (٦) لى : في خبر الشيخ الشامي : سأل أمير المؤمنين عليه‌السلام أي الناس

____________________

(١) مشكاة الانوار ص ٤٥.

(٢) مشكاة الانوار ص ٤٦.

(٣) آل عمران : ١٥٣.

(٤) طه : ١٣١.

(٥) الحديد : ٢٢ و ٢٣.

(٦) معاني الاخبار ص ١٩٩.

٣٠٩

خير عند الله عزوجل؟ قال : أخوفهم لله ، وأعملهم بالتقوى ، وأزهدهم في الدنيا (١).

كتاب الغايات : مرسلا مثله.

٢ ـ مع : أبي ، عن علي ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : قيل لامير المؤمنين عليه‌السلام : ما الزهد في الدنيا؟ قال تنكب حرامها (٢).

٣ ـ مع : ابن الوليد ، عن الصفار ، عن البرقي ، عن أبيه ، عن محمد بن سنان ، عن مالك بن عطية الاحمسي ، عن معروف بن خربوذ ، عن أبي الطفيل قال : سمعت أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول : الزهد في الدنيا قصر الامل ، وشكر كل نعمة الورع عما حرم الله عليك (٣).

٤ ـ مع : ابن الوليد ، عن الصفار ، عن البرقي ، عن الجهم بن الحكم عن السكوني قال : قال أبوعبدالله عليه‌السلام : ليس الزهد في الدنيا باضاعة المال ، ولا بتحريم الحلال ، بل الزهد في الدنيا أن لاتكون بما في يدك أوثق منك بما في يد الله عزوجل (٤).

٥ ـ مع : ابن الوليد ، عن سعد ، عن الاصبهاني ، عن المنقري ، عن علي بن هاشم بن البريد ، عن أبيه ، عن أبي جعفر عليه‌السلام أن رجلا سأله عن الزهد فقال : الزهد عشرة أشياء وأعلى درجات الزهد أدنى درجات الورع ، وأعلى درجات الورع أدنى درجات اليقين ، وأعلى درجات اليقين أدنى درجات الرضا ، ألا وإن الزهد في آية من كتاب الله عزوجل « لكيلا تأسوا على مافاتكم ولاتفرحوا بما آتاكم » (٥).

دعوات الراوندى : عن علي بن الحسين عليهما‌السلام مثله.

٦ ـ مع (٦) ن ، لى : المفسر ، عن أحمد بن الحسن الحسيني ، عن الحسن

____________________

(١) أمالي الصدوق ص ٢٣٧.

( ٤٢ ) معاني الاخبار ص ٢٥١.

(٥) معاني الاخبار ص ٢٥٢.

(٦) معاني الاخبار ص ٢٨٧.

٣١٠

ابن علي بن الناصر ، عن أبيه ، عن أبي جعفر الثاني ، عن أبيه ، عن جده عليهم‌السلام قال : سئل الصادق عليه‌السلام عن الزاهد في الدنيا ، قال : الذي يترك حلالها مخافة حسابه ، ويترك حرامها مخافة عذابه (١).

٧ ـ لى : قد مضى في باب اليقين قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن صلاح أول هذه الامة بالزهد واليقين ، وهلاك آخرها بالشح والامل (٢).

٨ ـ فس : أبي ، عن الاصبهاني ، عن المنقري ، عن حفص قال : قلت لابي عبدالله عليه‌السلام : جعلت فداك ماحد الزهد في الدنيا؟ فقال : فقد حده الله في كتابه فقال عزوجل : « لكيلا تأسوا على مافاتكم ولاتفرحوا بما آتاكم » إن أعلم الناس بالله أخوفهم بالله ، وأخوفهم له أعلمهم به ، وأعلمهم به أزهدهم فيها (٣).

ل ، لى : أبي (٤) ، عن سعد ، عن الاصبهاني إلى قوله بما آتيكم (٥).

٩ ـ ضه : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا رأيتم الرجل قد اعطي الزهد في الدنيا فاقتربوا منه ، فانه يلقي الحكمة.

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : المؤمن بيته قصب ، وطعامه كسر ، ورأسه شعث وثيابه خلق ، وقلبه خاشع ، ولا يعدل بالسلامة شيئا.

١٠ ـ فس : أبي ، عن الاصبهاني ، عن المنقري رفعه قال : قال رجل لعلي بن الحسين عليه‌السلام : مالزهد؟ قال : الزهد عشرة أجزاء فأعلى درجات الزهد أدنى درجات الرضا ، ألا وإن الزهد في آية من كتاب الله « ليكلا تأسوا على مافاتكم ولاتفرحوا بما آتيكم » (٦).

____________________

(١) أمالي الصدوق ص ٢١٥ ، عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ج ٢ ص ٥٢.

(٢) أمالي الصدوق ص ١٣٧ راجع ص ١٧٣ فيما سبق.

(٣) تفسير القمي ص ٤٩٣ وتراه في الكافي ج ٢ ص ١٢٨.

(٤) في الامالى : محمد بن موسى المتوكل عن سعد الخ.

(٥) أمالي الصدوق ص ٣٦٧.

(٦) تفسير القمي ٥٨٧ والاية في الحديد : ٢٣.

٣١١

أقول : قد مضى في باب الورع عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أزهد الناس من ترك الحرام (١).

١١ ـ ل : ابن إدريس ، عن أبيه ، عن الاشعري ، عن أحمد بن محمد ، عن بعض النوفليين ومحمد بن سنان رفعه إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : كونوا على قبول العمل أشد عناية منكم على العمل ، الزهد في الدنيا قصر الامل ، وشكر كل نعمة الورع عما حرم الله عزوجل ، من أسخط بدنه أرضى ربه ، ومن لم يسخط بدنه عصى ربه (٢).

١٢ ـ ل : ماجيلويه ، عن محمد العطار ، عن الاشعري ، عن سهل ، عن إبراهيم بن داود اليعقوبي ، عن أخيه سليمان رفعه قال : قال رجل للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يارسول الله علمني شيئا إذا أنا فعلته أحبني الله من السماء وأحبني الناس من الارض ، فقال له : ارغب فيما عند الله عزوجل يحبك الله ، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس (٣).

١٣ ـ ل : أبي ، عن سعد ، عن أيوب بن نوح ، عن الربيع بن محمد المسلي عن عبدالاعلى ، عن نوف ، عن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : يانوف طوبى للزاهدين في الدنيا الراغبين في الآخرة ، اولئك الذين اتخذوا الارض بساطا ، وترابها فراشا ، وماءها طيبا ، والقرآن دثارا والدعاء شعارا وقرضوا من الدنيا تقريضا على منهاج عيسى بن مريم عليه‌السلام الخبر (٤).

١٤ ـ مع : أبي ، عن سعد ، عن البرقي ، عن أبيه رفعه قال : سأل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله جبرئيل عليه‌السلام عن تفسير الزهد قال : الزاهد يحب من يحب خالقه ، ويبغض من يبغض خالقه ، ويتحرج من حلال الدنيا ، ولا يلتفت إلى حرامها ، فان حلالها حساب ، وحرامها عقاب ، ويرحم جميع المسلمين كما يرحم الله نفسه ويتحرج من

____________________

(١) راجع الباب ٥٧ تحت الرقم ٢٥ ص ٣٠٥.

(٢) الخصال ج ١ ص ١١.

(٣) الخصال ج ١ ص ٣٢.

(٤) الخصال ج ١ ص ١٦٤.

٣١٢

الكلام كما يتحرج من الميتة التي قد اشتد نتنها ، ويتحرج عن حطام الدنيا وزينتها ، كما يتجنب النار أن يغشاها ، وأن يقصر أمله ، وكان بين عينيه أجله (١).

١٥ ـ ل (٢) لى : محمد بن أحمد بن علي الاسدي ، عن عبدالله بن سليمان وعبدالله بن محمد الواهبي وأحمد بن عمير ومحمد بن أبي أيوب قالوا : حدثنا عبدالله ابن هاني ، عن أبيه ، عن عمه إبراهيم ، عن ام الدرداء ، عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من أصبح معافى في جسده ، آمنا في سربه ، عنده قوت يومه فكأنما خيرت له الدنيا يا ابن خثعم يكفيك منها ماسد جوعك ، ووارى عورتك فان يكن بيت يكنك فذاك ، وإن تكن دابة تركبها فبخ بخ ، وإلا فالخبز وماء الجر ، وما بعد ذلك حساب عليك أو عذاب (٣).

١٦ ـ ثو : ابن الوليد ، عن الصفار ، عن ابن معروف ، عن ابن مهزيار ، عن جعفر بن بشير ، عن سيف ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : من لم يستحي من طلب المعاش خفت مؤنته ، ورخي باله ، ونعم عياله ، ومن زهد في الدنيا أثبت الله الحكمة في قلبه ، وأنطق بها لسانه ، وبصره عيوب الدنيا داءها ودواءها ، وأخرجه منها سالما إلى دار السلام (٤).

٧ ـ ثو : أبي ، عن سعد ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن أبي أيوب عن الوصافي ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : كان فيما ناجى الله به موسى عليه‌السلام على الطور أن ياموسى أبلغ قومك أنه مايتقرب إلي المتقربون بمثل البكاء من خشيتي ، وما تعبد لي المتعبدون بمثل الورع عن محارمي ، ولاتزين لي المتزينون بمثل الزهد في الدنيا عما بهم الغنا عنه.

قال : فقال موسى عليه‌السلام : يا أكرم الاكرمين فماذا أثبتهم على ذلك؟ فقال :

____________________

(١) معاني الاخبار ص ٢٦١.

(٢) الخصال ج ١ ص ٧٧.

(٣) أمالي الصدوق ص ٢٣٢.

(٤) ثواب الاعمال ص ١٥١.

٣١٣

ياموسى أما المتقربون إلي بالبكاء من خشيتي ، فهم في الرفيق الاعلى لايشركهم فيه أحد وأما المتعبدون لي بالورع عن محارمي فاني افتش الناس عن أعمالهم ولا افتشهم حياء منهم ، وأما المتقربون إلي بالزهد في الدنيا فاني ابيحهم الجنة بحذافيرها ، يتبوؤن منها حيث يشاؤن (١).

١٨ ـ سن : أبي رفعه قال : قال أبوعبدالله عليه‌السلام لرجل : أحكم أهل الآخرة ( أمر آخرتهم ) كما أحكم أهل الدنيا أمر دنياهم فانما جعلت الدنيا شاهدا يعرف بها ماغاب عنها من الآخرة ، فاعرف الآخرة بها ، ولاتنظر إلى الدنيا إلا باعتبار (٢).

١٩ ـ ضا : أروي عن العالم عليه‌السلام أنه قال : إن الدنيا قد ترحلت مدبرة وإن الآخرة قد ترحلت مقبلة ، ولكل واحد منهما بنون ، فكونوا من أبناء الآخرة ، ولاتكونوا من أبناء الدنيا ، وكونوا من الزاهدين في الدنيا الراغبين في الآخرة ، لان الزاهدين اتخذوا الارض بساطا ، والتراب فراشا ، والماء طيبا وقرضوا الدنيا تقريضا.

ألا من اشتاق إلى الجنة سلا عن الشهوات ، ومن أشفق من النار رجع عن المحرمات ومن زهد في الدنيا هانت عليه المصائب ، ألا إن لله عبادا شرورهم مأمونة ( وقلوبهم ) محزونة وأنفسهم عفيفة ، وحوائجهم خفيفة ، صبروا أياما فصارت لهم العقبى راحة طويلة أما آناء الليل ، فصافوا على أقدامهم ، وآناء النهار فخلصوا مخلصا وهم عابدون يسعون في فكاك رقابهم ، بررة أتقياء كأنهم القداح ينظر إليهم الناظر فيقول : مرضى.

وروي عن المسيح عليه‌السلام أنه قال للحواريين : أكلي ما أنبتته الارض للبهايم وشربي ماء الفرات بكفي ، وسراجي القمر ، وفراشي التراب ، ووسادتي المدر ولبسي الشعر ، ليس لي ولد يموت ، ولا لي امرأة تحزن ، ولا بيت يخرب ، ولا مال يتلف ، فأنا أغنى ولد آدم.

وأروي عن العالم عليه اللسام أنه سئل عن قول الله تبارك وتعالى : « وكان تحته

____________________

(١) ثواب الاعمال ص ١٥٦.

(٢) المحاسن ص ٢٩٩ وفيه أحكم أمر الاخرة كما الخ.

٣١٤

كنز لهما » (١) فقال والله : ماكان ذهبا ولا فضة ، ولكنه كان لوح من ذهب ، مكتوب عليه أربعة أحرف : أنا الله لا إله إلا أنا ، من أيقن بالموت لم يضحك سنه ، ومن أيقن بالحساب لم يفرح قلبه ، ومن أيقن بالقدر علم أنه لا يصيبه إلا ماقدر عليه.

وأروي من ملك نفسه إذا رغب وإذا رهب ، وإذا اشتهى وإذا غضب ، حرم الله جسده على النار.

وسألت العالم عليه‌السلام عن أزهد الناس قال : الذي لايطلب المعدوم حتى ينفد الموجود.

٢٠ ـ مص : قال الصادق عليه‌السلام : الزهد مفتاح باب الآخرة ، والبراءة من النار ، وهو تركك كل شئ يشغلك عن الله ، عن غير تأسف على فوتها ، ولا إعجاب في تركها ، ولا انتظار فرج منها ، ولا طلب محمدة عليها ، ولا عوض منها ، بل ترى فوتها راحة ، وكونها آفة ، وتكون أبدا هاربا من الآفة ، معتصما بالراحة والزاهد الذي يختار الآخرة على الدنيا ، والذل على العز ، والجهد على الراحة والجوع على الشبع ، وعاقبة الآجل على محبة العاجل ، والذكر على الغفلة ويكون نفسه في الدنيا وقلبه في الآخرة.

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : حب الدنيا رأس كل خطيئة ، ألا ترى كيف أحب ما أبغضه الله ، وأي خطاء أشد جرما من هذا.

وقال بعض أهل البيت عليهم‌السلام : لو كانت الدنيا بأجمعها لقمة في فم طفل لرجمناه ، فكيف حال من نبذ حدود الله وراء ظهره في طلبها ، والحرص عليها والدنيا دار لو أحسنت إلى ساكنها لرحمتك وأحسنت وداعك.

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لما خلق الله الدنيا أمرها بطاعته ، فأطاعت ربها فقال لها : خالفي من طلبك ، ووافقي من خالفك ، فهي على ماعهد إليها الله ، وطبعها عليه (٢).

____________________

(١) الكهف : ٨٢.

(٢) مصباح الشريعة ص ٢٢ و ٢٣.

٣١٥

٢١ ـ شى : عن ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابنا ، عن رجل حدثه ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : رفع عيسى بن مريم عليه‌السلام بمدرعة صوف من غزل مريم ، ومن نسج مريم ، ومن خياطة مريم ، فلما انتهى إلى السماء نودي ياعيسى ألق عنك زينة الدنيا (١).

٢٢ ـ جا : المراغي عن الحسين بن محمد ، عن جعفر بن عبدالله العلوي ، عن يحيى بن هاشم الغساني ، عن أبي عاصم النبيل ، عن سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن علقمة بن قيس ، عن نوف البكالي قال : بت ( ليلة عند ) أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام فرأيته يكثر الاختلاف من منزله وينظر إلى السماء قال : فدخل كبعض ماكان يدخل ، قال : أنائم أنت أم رامق؟ فقلت : بل رامق يا أمير المؤمنين مازلت أرمقك منذ الليلة بعيني وأنظر ماتصنع ، فقال : يانوف طوبى للزاهدين في الدنيا الرغبين في الآخرة ، قوم يتخذون أرض الله بساطا ، وترابه وسادا ، وكتابه شعارا ودعاءه دثارا ، وماءه طيبا ، يقرضون الدنيا قرضا على منهاج المسيح عليه‌السلام.

ان الله تعالى أوحى إلى عيسى عليه‌السلام يا عيسى عليك بالمنهاج الاول تلحق ملاحق المرسلين ، قل لقومك : يا أخا المنذرين أن لاتدخلوا بيتا من بيوتي إلا بقلوب طاهرة ، وأيد نقية ، وأبصار خاشعة ، فاني لا أسمع من داع دعاءه ، ولاحد من عبادي عنده مظلمة ، ولا أستجيب له دعوة ولي قبله حق لم يرده إلي.

فان استطعت يانوف ألا تكون عريفا ولا شاعرا ولا صاحب كوبة ولا صاحب عرطبة فافعل ، فان داود عليه‌السلام رسول رب العالمين خرج ليلة من الليالي فنظر في نواحي السماء ثم قال : والله رب داود إن هذه الساعة لساعة مايوافقها عبد مسلم يسأل الله فيها خيرا إلا أعطاه إياه ، إلا أن يكون عريفا أو شاعرا أو صاحب كوبة أو صاحب عرطبة (٢).

٢٣ ـ ضه : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : الزهد ثروة ، والورع جنة ، وأفضل

____________________

(١) تفسير العياشي ج ١ ص ١٧٥.

(٢) مجالس المفيد ص ٨٥.

٣١٦

الزهد إخفاء الزهد ، الزهد يخلق الابدان ، ويحدد الآمال ، ويقرب المنية ويباعد الامنية ، من ظفر به نصب ، ومن فاته تعب ، ولا كرم كالتقوى ، ولا تجارة كالعمل الصالح ، ولا ورع كالوقوف عند الشبهة ، ولا زهد كالزهد في الحرام.

الزهد كلمة بين كلمتين قال الله تعالى : « لكيلا تأسوا على مافاتكم ولا تفرحوا بما آتيكم » (١) فمن لم يأس على الماضي ، ولم يفرح بالآتي ، فقد أخذ الزهد بطرفيه ، أيها الناس الزهادة قصر الامل ، والشكر عند النعم ، والورع عند المحارم فان عزب ذلك عنكم فلا يغلب الحرام صبركم ، ولا تنسوا عند النعم شكركم ، فقد أعذر الله إليكم بحجج مسفرة ظاهرة ، وكتب بارزة العذر واضحة.

٢٤ ـ ين : فضالة ، عن عبدالله بن فرقد ، عن أبي كهمش ، عن عبد المؤمن الانصاري ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : استحيوا من الله حق الحياء ، فقيل : يارسول الله ومن يستحيي من الله حق الحيا؟ فقال : من استحيى من الله حق الحياء فليكتب أجله بين عينيه ، وليزهد في الدنيا وزينتها ، ويحفظ الرأس وما حوى ، والبطن وما وعى ، ولا ينسى المقابر والبلى.

٢٥ ـ ين : النضر ، عن درست ، عن إسحاق بن عمار ، عن ميسر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : لما نزلت هذه الآية « ولاتمدن عينيك إلى مامتعنا به أزواجا منهم زهرة الحيوة الدنيا » (٢) استوى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله جالسا ثم قال : من لم يتعز بعزاء الله تقطعت نفسه حسرات على الدنيا ، ومن اتبع بصره مافي أيدي الناس طال همه ولم يشف غيظه ، ومن لم يعرف لله عليه نعمة إلا في مطعم أو مشرب قصر علمه ، ودنا عذابه.

٢٦ ـ ين : ابن المغيرة ، عن السكوني يرفع الحديث إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : قيل له : ما الزهد في الدنيا؟ قال : حرامها فتنكبه.

٢٧ ـ ين : ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي يعقوب قال : سمعت

____________________

(١) الحديد : ٢٣.

(٢) طه : ١٣١.

٣١٧

أبا عبدالله عليه‌السلام يقول : إنا لنحب الدنيا وأن لانعطاها خير لنا ، وما اعطي أحد منها شيئا إلا نقص من حظه من الآخرة.

٢٨ ـ ين : النضر ، عن عاصم ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : جاءني ملك فقال : يامحمد ربك يقرئك السلام ويقول لك : إن شئت جعلت لك بطحاء مكة رضراض ذهب ، قال : فرفع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله رأسه إلى السماء فقال : يارب أشبع يوما فأحمدك ، وأجوع يوما فأسألك.

٢٩ ـ ما : جماعة ، عن أبي المفضل ، عن عبدالله بن محمد بن عبيد بن ياسين عن أبي الحسن الثالث ، عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : من أصبح والآخرة همه استغنى بغير مال واستأنس بغير أهل وعز بغير عشيرة (١).

٣٠ ـ ما : جماعة ، عن أبي المفضل ، عن جعفر بن محمد الحسني ، عن محمد بن علي بن الحسين بن زيد ، عن الرضا ، عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنما ابن آدم ليومه ، فمن أصبح آمنا في سربه معافى في جسده ، عنده قوت يومه فكأنما خيرت له الدنيا (٢).

٣١ ـ ما : الحسين بن إبراهيم ، عن محمد بن وهبان ، عن أحمد بن إبراهيم عن الحسن بن علي الزعفراني ، عن البرقي ، عن أبيه محمد ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي اسامة ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : قلت : بلغنا أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يشبع من خبز بر ثلاثة أيام قط قال : فقال أبوعبدالله عليه‌السلام : ما أكله قط قلت : فأي شئ كان يأكل؟ قال : كان طعام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الشعير إذا وجده ، وحلواه التمر ، ووقوده السعف (٣).

٣٢ ـ ما : الحسين بن إبراهيم ، عن محمد بن وهبان ، عن محمد بن أحمد بن زكريا ، عن الحسن بن فضال ، عن علي بن عقبة ، عن أبي كهمش ، عن عمرو بن

____________________

(١) أمالي الطوسي ج ٢ ص ١٩٢.

(٢) أمالي الطوسي ج ٢ ص ٢٠١.

(٣) أمالي الطوسي ج ٢ ص ٢٧٦.

٣١٨

سعيد بن هلال قال : قلت لابي عبدالله عليه‌السلام : أوصني فقال : اوصيك بتقوى الله والورع والاجتهاد ، واعلم أنه لاينفع اجتهاد لا ورع فيه ، وانظر إلى من هو دونك ولاتنظر إلى من هو فوقك فكثيرا ما قال الله عزوجل لرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله « ولا تعجبك أموالهم ولا أولادهم » (١) وقال عز ذكره : « ولاتمدن عينيك إلى مامتعنا به أزواجا منهم زهرة الحيوة الدنيا » (٢) فان نازعتك نفسك إلى شئ من ذلك فاعلم أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان قوته الشعير ، وحلواه التمر ، ووقوده السعف ، وإذا اصبت بمصيبة فاذكر مصابك برسول الله فان الناس لم يصابوا بمثله أبدا (٣).

٣٣ ـ الدرة الباهرة : سئل الرضا عليه‌السلام عن صفة الزاهد فقال : متبلغ بدون قوته ، مستعد ليوم موته ، متبرم بحياته.

٣٤ ـ نهج : قال عليه‌السلام : أفضل الزهد إخفاء الزهد.

وقال عليه‌السلام : ازهد في الدنيا يبصرك الله عوراتها ، ولاتغفل فلست بمغفول عنك (٤).

٣٥ ـ نهج : عن نوف البكالي قال : رأيت أمير المؤمنين عليه‌السلام ذات ليلة وقد خرج من فراشه ، فنظر إلى النجوم فقال : يانوف أراقد أنت أم رامق؟ فقلت : بل رامق يا أمير المؤمنين ، فقال : يانوف طوبى للزاهدين في الدنيا الراغبين في الآخرة اولئك قوم اتخذوا الارض بساطا وترابها فراشا ، وماءها طيبا ، والقرآن شعارا والدعاء دثارا ، ثم قرضوا الدنيا قرضا على منهاج المسيح عليه‌السلام.

يانوف إن داود عليه‌السلام قام في مثل هذه الساعة من الليل فقال : إنها ساعة لايدعو فيها عبد ربه إلا استجيب له ، إلا أن يكون عشارا أو عريفا أو شرطيا أو صاحب عرطبة ، وهي الطنبور أو صاحب كوبة وهي الطبل ، وقد قيل أيضا : إن

____________________

(١) براءة : ٨٥.

(٢) طه : ١٣١.

(٣) أمالي الطوسي ج ٢ ص ٢٩٤.

(٤) نهج البلاغة ج ٢ ص ١٤٨.

٣١٩

العرطبة الطبل والكوبة الطنبور (١).

وقال عليه‌السلام : الزهد كلمة بين كلمتين من القرآن قال الله سبحانه « لكيلا تأسوا على مافاتكم ولاتفرحوا بما آتاكم » (٢) فلم لم يأس على الماضي ولم يفرح بالآتي فقد أخذ الزهد بطرفيه (٣).

وقال عليه‌السلام : أيها الناس الزهادة قصر الامل ، والشكر عند النعم ، والورع عند المحارم ، فان عزب عنكم ذلك فلا يغلب الحرام صبركم ، ولاتنسوا عند النعم شكركم ، فقد أعذر الله إليكم بحجج سافرة ظاهرة ، وكتب بارزة العذر واضحة (٤).

٣٦ ـ من خطبة له عليه‌السلام : في صفة الزهاد : كانوا قوما من أهل الدنيا وليسوا من أهلها ، فكانوا فيها كمن ليس منها ، عملوا فيها بما يبصرون ، وبادروا فيها ما يحذرون ، تقلب أبدانهم بين ظهراني أهل الآخرة ، يرون أهل الدنيا يعظمون موت أجسادهم ، وهم أشد إعظاما لموت قلوب أحبائهم.

٣٧ ـ ومن كتاب كتبه إلى سهل بن حنيف : يا ابن حنيف فقد بلغني أن رجلا من فتية أهل البصرة دعاك إلى مأدبة فأسرعت إليها تستطاب لك الالوان و تنقل إليك الجفان ، وماظننت أنك تجيب إلى طعام قوم عائلهم مجفو وغنيهم مدعو ، فانظر إلى ماتقضمه من هذا المقضم ، فما اشتبه عليك علمه فالفظه وما أيقنت بطيب وجوهه فنل منه ، ألا وإن لكل مأموم إماما يقتدي به ، ويستضيئ بنور علمه ألا وإن إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه ، وم طعمه بقرصيه ألا وإنكم لاتقدرون على ذلك ، ولكن أعينوني بورع واجتهاد ، فوالله ماكنزت في دنياكم تبرا ، ولا ادخرت من غنائمها وفرا ، ولا أعدت لبالي ثوبي طمرا.

إلى قوله عليه‌السلام : ولو شئت لاهتديت الطريق إلى مصفى هذا العسل ، ولباب

____________________

(١) نهج البلاغة ج ٢ ص ١٦٥.

(٢) الحديد : ٢٣.

(٣) نهج البلاغة ج ٢ ص ٢٤٨.

(٤) نهج البلاغة ج ١ ص ١٤١.

٣٢٠