وأمّا الثاني ، فلأنّ حكم العقل بالعمل بالظنّ ـ على ما عرفت ـ مرجعه إلى الاحتياط في المظنونات ، وهو من فروع الإطاعة والعصيان وقد تقدّم (١) في المقدّمة الممهّدة عدم تعلّق حكم شرعيّ بهما. فالظنّ حال الانسداد كالعلم حال الانفتاح ، فكما أنّ العلم لا يقبل الجعل ـ كما ذكر في باب القطع ـ فكذا الظنّ ، فلا وجه لجريان مسألة التلازم فيه. سلّمنا كون الإطاعة والعصيان ممّا يقبل الحكم الشرعيّ على ما قد يتوهّم ، إلاّ أنّ الأدلّة الشرعيّة الآمرة بالإطاعة والناهية عن العصيان في الكتاب والسنّة فوق حدّ الإحصاء ؛ فلا ثمرة أيضا ، كما لا يخفى ذلك.
وأمّا على الثاني : فلأنّ مرجع الاستنتاج على القول بالكشف إلى قياس استثنائيّ مركّب من منفصلة مانعة الخلوّ ، فينتج رفع التالي وضع المقدّم ، كأن يقال : المرجع إمّا الظنّ أو العلم أو البراءة أو الاحتياط ، والتوالي فاسدة للمفاسد المترتّبة عليها ـ كما هو المقرّر في محلّه ـ فينتج مرجعية الظنّ مثلا. وهذا الحكم العقلي البرهاني وإن كان حجّة شرعيّة أيضا ، إلاّ أنّه خارج عن مسألة التلازم والتطابق ، فإنّ الفاضل التوني (٢) إنّما هو في مقام دفع الثمرة في الأحكام العقليّة التي تثبت من جهة التحسين والتقبيح العقليّين ، دون الاستلزامات العقليّة كوجوب مقدّمة الواجب وحرمة الضدّ وأمثالهما.
ولو لا أنّ الكلام في ثمرة الحسن والقبح ـ فالأحكام العقليّة ولو كانت شرعيّة ممّا لا تعدّ ولا تحصى ـ فلا وجه للاقتصار على مسألة الظنّ ، فإنّ كثيرا
__________________
(١) في ( ط ) : « تقرّر ».
(٢) الوافية : ١٧٤.