وأمّا ما استند إليه في دفع ذلك من اختلاف الزمان ، ففيه خبط ظاهر لا يليق بأرباب النظر ، فكيف بمن هو بمنزلة ربّهم! فإنّ اختلاف الزمان إنّما يجدي في دفع التناقض فيما إذا كانت القضيّة السالبة واقعة في أحدهما والموجبة في الآخر ، مثل قولك : « زيد قائم أمس ، وليس بقائم في الغد » وأمّا إذا كان الزمان على وجه لو اعتبر في الفعل يصير عنوان الفعل مغايرا للعنوان الذي كان وجها للفعل وعنوانا له ، فلا يعقل أن يكون اختلاف الزمان في مثله رافعا للتناقض.
وتوضيحه : أنّ الحركات الواقعة في دار الغير وملكه ، في نفسها لا يلحقها حكم من الأحكام التكليفيّة ، كما هو الشأن في جميع الكلّيات التي يختلف أحكام أنواعها. نعم ، لو لوحظت على وجه الغصبيّة يتّصف بالحرمة ولو وقعت على وجه التخلّص عن الغصب يتّصف بالوجوب ، ولا مدخل للزمان فيما ذكرنا إلاّ في وجود (١) عنوان الواجب في الخارج ، فإنّ الحركة الخروجيّة لا توجد في نفس الأمر إلاّ بعد وجود الحركة الدخوليّة ، فالبعديّة إنّما تؤثّر في وجود عنوان الواجب وحصول موضوعه في الخارج ، وأين ذلك من الزمان الذي يؤخذ ظرفا لوقوع النسبة في القضيّة؟
وأمّا ما أفاد في التوضيح من أنّ جميع أنحاء الغصب مطلوب الترك ، ففيه : أنّه إن اريد من « أنحاء الغصب » جميع الحركات الواقعة في العين المغصوبة مع قطع النظر عن الوجوه اللاحقة لها التي تصير وجها في اختلاف أحكامها ، فمجال المنع فيما ذكره واسع. وإن اريد أنّ أنحاء الغصب على وجه الغصبيّة فهو سديد ، لكنّه غير مفيد ؛ لأنّ الكلام في الحركة التي تقع على وجه التخلّص. وإن اريد ما يعمّ الحركة الخروجيّة على وجه التخلّص فلا نسلّم أنّ الغصب في هذا النحو من وجوده مطلوب الترك ، بل العقل والنقل ـ على ما اعترف به ـ قد تعاضدا على كونه مطلوب الفعل.
__________________
(١) لم يرد « وجود » في ( ع ) ، ( ط ).