لأنّا نقول : لو كان كذلك لكان محصّل الجملة الأصلية أتيت بالخير ، فيكون محصّلها بعد دخول الهمزة : إنّ الله جعلك آتياً بالخير ، وليس هذا بمراد ، إذ ليس المخاطب هو الآتي ، بل الآتي إنّما هو الخير ، والمخاطب مأتي إليه ، ليكون مفاد الأصل أنّك أتيت بالخير ، ويكون مفاده بعد دخول الهمزة أنّ الله جعلك آتياً بالخير ، بل الآتي إنّما هو الخير والمخاطب مأتي إليه ، ومحصّل الأصل أتاك الخير ، ومحصّله بعد الهمزة أنّ الله جعل الخير آتياً إليك ، فهذه الهمزة صيّرت الخير وهو الفاعل في الأصل مفعولاً أوّلاً ، والمفعول الأصلي الذي هو المخاطب مفعولاً ثانياً ، فكان مقتضى القاعدة تقديمه ، لقوله :
والأصلُ سبقُ فاعلٍ معنىً كَمَن |
مِن « ألبسَن مَن زاركم نسجَ اليَمَن » (١) |
لكن قدّم المفعول الأصلي وهو المخاطب لكونه ضميراً ، ومهما أمكن الاتّصال لا يجوز العدول عنه إلى الانفصال ، ولأجل [ ذلك ] قدّم على المفعول الأوّل في مثل قوله تعالى : ( وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ )(٢) وأصله ما أتاكموه الرسول ، وقدّم المخاطب لكونه أخصّ ، كما قال : وقدّم الأخصّ في اتّصال (٣) ، وكأنّه لمثل هذه الجهات جعل المفعول الأصلي نائباً في مثل ( أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ )(٤) ، وإلاّ كان مقتضى القاعدة أن يكون نائب الفاعل هو الفاعل في الأصل وهو الكتاب ، فلاحظ وتدبّر.
قال في القاموس وتاج العروس : وآتى إليه الشيء ـ بالمدّ ـ إيتاء : ساقه
__________________
(١) شرح ابن عقيل ١ : ٥٤١.
(٢) الحشر ٥٩ : ٧.
(٣) شرح ابن عقيل ١ : ١٠٦.
(٤) الإسراء ١٧ : ٧١.