وهذا هو الظاهر من المستمسك في ملحقّ الجزء الثاني من مباحث القبلة ، فإنّه قال : والعمدة في ذلك أنّ الارتكاب إنّما أُخذ شرطاً للتكليف من جهة أنّه رافع للاضطرار ، فلا مانع من ثبوت التكليف معه ، بخلاف الارتكاب غير الرافع للاضطرار ، فإنّه إذا فرض غير رافع للاضطرار لا يجدي التقييد به في كون التكليف غير اضطراري ، بل هو على حاله اضطراري فلا يمكن ثبوته. وعليه فالتقريب المذكور إنّما يقتضي المنع من ارتكابهما دفعة ، لتحقّق الارتكاب الرافع للاضطرار فيتحقّق معه التكليف كما عرفت ، ولا يمنع من ارتكابهما تدريجاً ، فإنّه إذا ارتكب أحدهما ارتفع اضطراره حينئذ ، فلا يكون ارتكاب الثاني ارتكاباً رافعاً للاضطرار ، فتكون المخالفة فيه احتمالية من أجل احتمال كونه النجس لا قطعية ، لاحتمال كون النجس هو الذي ارتكبه أوّلاً ، والتكليف باجتنابه منتف لعدم تحقّق شرطه ، وهو ارتكاب غيره الرافع للاضطرار كما لا يخفى بالتأمّل (١).
قوله : فلا يكون ارتكاب الثاني ارتكاباً رافعاً للاضطرار (٢).
يمكن التأمّل فيه ، فإنّ ارتكاب الثاني وإن لم يكن هو الرافع للاضطرار ، إلاّ أنّ الاضطرار قد ارتفع بارتكابه الأوّل ، ومعه لا يكون وجوب الاجتناب عن النجس حكماً اضطرارياً. نعم هناك جهة أُخرى وهي أنّه لا ريب في أنّه يجوز ارتكاب الأوّل حتّى لو كان هو النجس ، لأنّ وجوب الاجتناب عن النجس كان إلى أن شرع في ارتكاب الأوّل ضررياً عليه ، فيكون مرفوعاً ، وبعد فراغه منه نقول إنّه لو كان الثاني هو النجس كان وجوب الاجتناب عن النجس متوجّهاً إليه ، لكنّه لا يعلم ذلك إجمالاً ولا تفصيلاً ، لاحتمال كون النجس هو ما ارتكبه أوّلاً.
__________________
(١) مستمسك العروة الوثقى ٥ : ٢٠٣.
(٢) مستمسك العروة الوثقى ٥ : ٢٠٣.