كان العلم الاجمالي الثاني متأخّراً زماناً عن العلم الاجمالي الأوّل ، فإنّه يكون كاشفاً عن أنّه لم يكن علماً بانشغال ذمّته على كلّ حال.
ثمّ بعد ذلك ننقل الكلام إلى ما نحن فيه ، ونجعل الملاقي ـ بالكسر ـ عوض الإناء الصغير ، ونقول : إنّ علمنا السابق المردّد بين الملاقي ـ بالكسر ـ وبين طرف الملاقى ـ بالفتح ـ يسقط عن التأثير بواسطة علمنا اللاحق المردّد بين الملاقى ـ بالفتح ـ وبين طرفه ، فلا يكون تقدّم العلم بين الملاقي ـ بالكسر ـ وطرف أصله باقياً على ما هو عليه بعد أن لحقه العلم المردّد بين الملاقى ـ بالفتح ـ وبين طرفه ، لكون المعلوم بالعلم الثاني سابقاً بحسب الزمان على المعلوم بالعلم الأوّل.
قوله : وأُخرى يكون بين الشيئين واسطة ... الخ (١).
لابدّ من الضدّية بين الشيئين ، وإلاّ فإنّ دوران الأمر بين شرطية مثل الاستعاذة ومانعية قول آمين ممّا لا ضدّية بينهما ، لا يرجع فيه إلى أصالة البراءة من الشرطية وإن كان بينهما ثالث بأن يتركهما معاً ، بل يلزمه في مثل ذلك الاحتياط بالاتيان بالاستعاذة وترك قول آمين ، وإنّما يمكن الرجوع إلى أصالة البراءة من الشرطية إذا كان بين الشيئين ضدّية ، وذلك مثل ما لو دار الأمر في الواجب كسجود السهو بين شرطية الاستقبال ومانعية الاستدبار ، فإنّ شرطية الاستقبال تتكفّل المنع عن الجهات الثلاث ، بخلاف مانعية الاستدبار فإنّها لا تمنع إلاّمن نفس الاستدبار دون باقي الجهات ، فكانت الشرطية ـ أعني شرطية الاستقبال ـ مشتملة على زيادة التكليف ، فإنّ المنع عن الاستدبار متحقّق على كلّ من شرطية الاستقبال ومانعية الاستدبار ، وتزيد شرطية الاستقبال على مانعية الاستدبار بالمنع عن الجهتين
__________________
(١) فوائد الأُصول ٤ : ٨٩.