فيها الضابط المذكور ، بل المراد من البيانية هو جعل الجار والمجرور حالاً من الموصول مع حفظ التبعيض للفظة من ، فيكون محصّله فاتوا الذي تستطيعونه حالة كونه بعض المأمور به لكونه من جملة أفراده.
ويمكن جعلها بيانية صرفة ، لانطباق الضابط المذكور عليها ، فإنّ الضمير في قوله : « منه » لمّا كان راجعاً إلى المأمور به ، صحّ لك أن تقول : إنّ الذي يستطيعونه هو المأمور به ، لكون المأمور به هو صرف الطبيعة ، والفرد المستطاع هو عين المأمور به ، هذا ما كنّا حرّرناه سابقاً ، والانصاف أنّه تطويل بلا طائل.
والذي ينبغي أن يقال أوّلاً : إنّ لفظة « ما » في قوله صلىاللهعليهوآله : « فاتوا منه ما استطعتم » لا يمكن حملها على كونها موصولة ، لأنّها حينئذ تكون مفعولاً به لقوله : « فاتوا » وهذا الفعل ـ وهو الاتيان ـ يتعدّى بنفسه إلى المأتي إليه ، وربما تعدّى إليه بواسطة إلى ، أمّا المأتي به فهو إنّما يتعدّى إليه بالباء ، سواء كان جوهراً مثل قولك : أتيت بالكتاب ، أو كان فعلاً من الأفعال مثل قولك : أتيت بالصلاة أو بالصيام مثلاً ، ولا يتعدّى هذا الفعل إلى المأتي به بنفسه ، فلا يقال : أتيت الكتاب أو أتيت الصيام ، بمعنى جئت به ، وحينئذ يكون المتعيّن في لفظة « ما » أن تكون ظرفية مصدرية ، وبذلك يبطل (١) كون لفظة « من » بيانية ، ويتعيّن حملها على
__________________
(١) ومن ذلك يظهر لك التأمّل في كثير من العبائر التي ظاهرها الجمع بين كون « من » بيانية وكون « ما » ظرفية مصدرية ، ومن ذلك عبارة الشيخ قدسسره حيث يقول في مقام المناقشة في دلالة الحديث المذكور : لاحتمال كون « من » بمعنى الباء أو بيانياً و « ما » مصدرية زمانية [ فرائد الأُصول ٢ : ٣٩٠ ].
ولا يخفى أنّ هذا ـ أعني عدم كون لفظة « ما » موصولة وأنّها ظرفية مصدرية ـ هو المانع من كون لفظة « من » بيانية ، لا أنّ المانع منها هو أنّ الضمير لا يكون بياناً كما في