الامتثال بعد الامتثال ، ويشهد بهذا الذي ذكرناه قوله صلىاللهعليهوآله : « وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه » في قبال الأمر الذي لا يعطي إلاّمطلوبية صرف الطبيعة ، فقد تعرّض صلىاللهعليهوآله للفرق بين الأمر والنهي ، وأنّ الأمر بالشيء لا يلزم إلاّبالاتيان بصرف الطبيعة ولو في ضمن فرد واحد ، ولا يقتضي تكلّف المشقّة بالاتيان بباقي الأفراد ، بخلاف النهي فإنّه يوجب الامتناع والاجتناب عن تمام الأفراد ، ولم يتعرّض فيه للاستطاعة ، إذ لا مشقّة في الترك كما هو واضح.
ومن ذلك كلّه يظهر لك الحال فيما لو قلنا بأنّ لفظة « ما » موصولة ، وأنّ لفظة « من » تبعيضية ، فإنّه بناءً على ذلك يكون المتحصّل أنّه إذا أمرتكم بشيء فاتوا من ذلك الشيء الذي تستطيعونه ، يعني الذي هو مصداق صرف الطبيعة ، ولا تتكلّفوا المشقّة بالتكرار الزائد على ما يقتضيه تعلّق الأمر بصرف الطبيعة ، فلا تشمل المركّب الذي تعذّر بعض أجزائه ، إلاّعلى حمل الاستطاعة على القدرة ، وحمل الشيء على الأعمّ من الكلّي ذي الأفراد أو الكل ذي الأجزاء.
ولا يخفى أنّ حمل لفظة « من » على التبعيض يجتمع مع كونها متعلّقة بقوله : « فاتوا » على حذو قوله عليهالسلام : « أنزل الدنيا منزلة الميتة ، خذ منها ما يكفيك » (١) أو كونها متعلّقة بمستقر حال من الموصول. وينبغي أن يكون هذا الثاني ـ أعني جعلها متعلّقة بمحذوف حالاً من الموصول ـ هو المراد من كونها بيانية ، إذ ليس المراد بالبيانية هو بيان الجنس نظير قوله تعالى : ( وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ )(٢) لأنّ ضابط ذلك هو صحّة حذفها وقيام الضمير مقامها وجعل الجملة خبراً للموصول ، فيقال : ما في الأرض هو شجر ، وهذه لا يتأتّى
__________________
(١) بحار الأنوار ٤٤ : ١٣٩ / ٦.
(٢) لقمان ٣١ : ٢٧.