امّا أوّلا ـ فلأنّ غاية ما يفيده إنّما هو كون الشرط سببا منحصرا للجزاء ، وذلك لا يستلزم انتفاء الجزاء بانتفائه ، إذ معنى كونه سببا منحصرا له أنّه على تقدير احتياج الجزاء في التحقّق والحصول إلى علّة يكون علّته منحصرة فيه ، وأنّه لا يؤثّر فيه غيره حينئذ ، ومن الممكن أن يكون الشيء محتاجا إلى سبب في وقت غير محتاج إليه في وقت آخر ، ومن المعلوم أنّه على تقدير عدم احتياجه إليه لا يلزم من انتفائه انتفاؤه ، فلا يلزم من انتفاء ذلك السبب المنحصر انتفاؤه مطلقا ولو ادّعوا استلزام احتياج شيء إلى مؤثّر فيه في وقت لاحتياجه إليه مطلقا ، فيردّهم على إغفالهم لوقوع التفكيك [ أنّه ] أخصّ (١) من إمكانه ، فغفلوا نادمين.
ألا ترى أنّ عدم التنجيس ـ الّذي علّقه الشارع على بلوغه إلى مقدار الكرّ ـ قد يكون محتاجا إلى بلوغه إلى مقدار الكرّ ، وهو فيما إذا حدث فيه سبب التنجيس ، وهو ملاقاته مع النجس ، وقد لا يكون محتاجا إلى سبب أصلا ، لا إلى البلوغ إلى مقدار الكرّ ولا إلى غيره ، وهو فيما إذا لم يحدث فيه سبب التنجيس ، فإنّ عدم حدوثه فيه يكفي في عدم تنجّسه من غير حاجة إلى شيء أصلا ، وهذا هو الشأن في جميع القضايا الشرطيّة التي يكون الجزاء فيها عدميّا والشرط وجوديا ، فإنّ غاية ما تفيد القضيّة الشرطيّة أنّ علّة العدم على تقدير احتياجه إلى علّة هو ذلك الشرط ، وهذا بنفسه غير كاف في إثبات الانتفاء عند الانتفاء ، بل لا بدّ من ضمّ مقدّمة أخرى ، وهي استلزام احتياجه إلى علّة في وقت لاحتياجه إلى العلّة مطلقا ، ودعوى ذلك في أمثال تلك المقامات مكابرة للذوق السليم ، وانحراف عن الصراط المستقيم ، إذ من البديهيّ أنّ العدميّات إنّما تحتاج إلى علّة
__________________
(١) في النسخة المستنسخة : الّذي.